الغاية في شرح الهداية في علم الرواية تَعْرِيف الْمَوْقُوف والموصول
(128 - (ص) والعاشر الْمَوْقُوف ضد مَا ارْتَفع ... لَكِن
مَوْصُولا عَلَيْهِمَا يَقع)
(ش) : أى: [والعاشر] من الْأَنْوَاع الَّتِى سردها:
[الْمَوْقُوف] وَقد اقْتصر فى تَعْرِيفه على أَنه [/ 106] ضد
الْمَرْفُوع. وَهَذَا لَيْسَ بجيد لصدقه على الْمَقْطُوع
فَإِنَّهُ لم يضف إِلَى النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ،
وَالصَّوَاب: أَن الْمَوْقُوف عِنْد الْإِطْلَاق هُوَ المروى
عَن الصحابى قولا، أَو نَحوه مُتَّصِلا كَانَ أَو مُنْقَطِعًا،
كَمَا أَن الْمَرْفُوع هُوَ مَا أضيف إِلَى النبى [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] مُتَّصِلا كَانَ أَو مُنْقَطِعًا وَيسْتَعْمل
الْمَوْقُوف أَيْضا فى المروى عَن غير الصَّحَابَة، لَكِن
مُقَيّدا فَيُقَال وَقفه فلَان على الزهرى وَنَحْو ذَلِك.
(1/163)
[والموصول] وَيُسمى الْمُتَّصِل أَيْضا:
هُوَ مَا اتَّصل إِسْنَاد سَماع كل راو لَهُ مِمَّن فَوْقه
إِلَى منتهاه، وَمن يرْوى الرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ يُرِيد
أَو إِجَازَته، وَيدخل فِيهِ، الضَّعِيف وَغَيره، وَسَوَاء
كَانَ مَرْفُوعا إِلَى النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَو
مَرْفُوعا على غَيره، فالمتصل الْمَرْفُوع مثل: مَالك، عَن
ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن ابْن عمر، عَن النبى [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] ، والمتصل الْمَوْقُوف مثل: مَالك، عَن
نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن عمر قَوْله. وَلذَلِك اشْترط
النَّاظِم من كَون الْمَوْقُوف ضد الْمَرْفُوع أَنَّهُمَا
يَشْتَرِكَانِ فى إِطْلَاق الْمَوْصُول عَلَيْهِمَا بقوله:
[لَكِن مَوْصُولا عَلَيْهِمَا يَقع] فَصَارَ ذَلِك تعريفا
للموصول.
(1/164)
الْمُرْسل
(129 - (ص) والمرسل الذى
يَقُول التابعى ... قَالَ النبى بِلَا صِحَاب رَافع)
(ش) : [الْمُرْسل] على الْمَشْهُور هُوَ قَول التابعى كَبِيرا
كَانَ أَو صَغِيرا قَالَ النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ،
وَاقْتصر النَّاظِم عَلَيْهِ، لكَونه هُوَ الْمُعْتَمد،
وَإِلَّا فقد قَيده بَعضهم بالكبير، بل أطلقهُ الْفُقَهَاء
والأصوليون على قَول من دون التابعى - مُنْقَطِعًا، كَانَ، أَو
معضلا - قَالَ النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
(1/165)
، وَلذَلِك قَالَ ابْن الْحَاجِب فى "
الْمُخْتَصر " والمرسل: " قَول غير [/ 107] الصحابى قَالَ
رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَقَوله: [صِحَاب]
هُوَ بِفَتْح أَوله وتنوين آخِره، أَصله صحابى حذف يَاء
النّسَب. [وَرَافِع] بِالْجَرِّ صفة لَهُ، ثمَّ إِن مُرَاده
بقوله [بِلَا صِحَاب] عدم الوساطة بَين التَّابِعين وَبَين
الرَّسُول.
حكم الْمُرْسل
(130 - (ص) وَهل يكون حجَّة فِيهِ اخْتلف ... نعم إِذا أسْند
من وَجه عرف)
(131 - أَو مُرْسل آخر أَو يفصل ... بِالْكبرِ أَو من عَن
ثِقَات ينْقل)
(ش) : هَذَا بَيَان لحكم الْمُرْسل فى الِاحْتِجَاج وَعَدَمه،
وَقد اخْتلف فِيهِ، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك، وَأحمد فى
رِوَايَة وَجها عَنهُ: يحْتَج بِهِ، وَمنع ذَلِك آخَرُونَ،
والذى عَلَيْهِ جَمَاهِير الْعلمَاء والمحدثين وَهُوَ
الْأَصَح: أَنه يكون حجَّة إِذا اعتضد بمجيئه من وَجه آخر
مُسْندًا، وَكَذَا من وَجه آخر مُرْسلا لَكِن لَيْسَ على
إِطْلَاقه كَمَا اقْتَضَاهُ النّظم، بل هُوَ مُقَيّد لمرسل
أَخذ مرسله الْعلم من غير رجال الْمُرْسل الأول فَحِينَئِذٍ
إِذا اعتضد بِأحد هذَيْن الْأَمريْنِ يلْتَحق بالْحسنِ، وَمَا
قيل إِذا جَاءَ من وَجه آخر مُسْند مَقْبُول، من أَن الْعَمَل
حِينَئِذٍ يكون بالمسند لَا بالمرسل فَلَا فَائِدَة فِيهِ،
فَلَيْسَ بجيد، إِذْ بالمسند يتَبَيَّن صِحَة الْمُرْسل،
وَيكون فى الحكم حديثان صَحِيحَانِ، بِحَيْثُ لَو عارضهما
حَدِيث من طَرِيق وَاحِدَة رجح عَلَيْهِ، وَعمل بهما،
وَأَيْضًا فَنحْن لَا نشترط فى الْمسند الذى يعتضد الْمُرْسل
بِهِ أَن
(1/166)
يكون حجَّة بِانْفِرَادِهِ، بل لَو كَانَ
فِيهِ يسير ضعف كفى، وَقَوله أَو يفصل أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا
نَص عَلَيْهِ الشافعى - رَحمَه الله -[/ 108] تَعَالَى فى "
الرسَالَة " حَيْثُ قَالَ: إِن مَرَاسِيل كبار التَّابِعين
حجَّة إِن جَاءَت من وَجه آخر، وَلَو مُرْسلَة، أَو كَانَ
الْمُرْسل لَو سمى، لَا يُسمى إِلَّا ثِقَة، كَذَا إِذا اعتضدت
بقول صحابى أَو أَكثر الْعلمَاء يكون حجَّة، وَلَا ينتهى إِلَى
رُتْبَة الْمُتَّصِل، قَالَ: وَأما مَرَاسِيل غير كبار
التَّابِعين فَلَا أعلم أحدا قبلهَا. وَأما قَول الشافعى -
رَحمَه الله تَعَالَى - فى " مُخْتَصر المزنى ": وإرسال سعيد
بن الْمسيب عندنَا حسن، ففى مَعْنَاهُ قَولَانِ لأَصْحَابه،
أَحدهمَا: أَن مراسيله حجَّة، لِأَنَّهَا فتشت فَوجدت مُسندَة،
والثانى: أَنه يرجح بهَا لكَونهَا من أكَابِر عُلَمَاء
التَّابِعين، لَا أَنه يحْتَج بهَا، وَالتَّرْجِيح بالمرسل
صَحِيح. وصحيح الْخَطِيب هَذَا الثانى، ورد الأول فى مَرَاسِيل
سعيد مَا لم يُوجد مُسْندًا بِحَال من وَجه.
(1/167)
تَعْرِيف الْمُرْسل الخفى والمزيد فى
مُتَّصِل الْأَسَانِيد
(132 - (ص) واعرف خفى مُرْسل من مُسْند ... وَمَا يُزَاد فى
اتِّصَال سَنَد)
(ش) : اشْتَمَل هَذَا الْبَيْت على الْإِشَارَة لنوعى
الْمُرْسل الخفى، والمزيد فى مُتَّصِل الْإِسْنَاد وهما مهمان،
أفرد الْخَطِيب فى كل مِنْهُمَا تصنيفا لَكِن لم يعرف
النَّاظِم وَاحِدًا مِنْهُمَا، بل اقْتصر على الْأَمر
بِمَعْرِِفَة الْإِرْسَال الخفى من السَّنَد الذى ظَاهره
الِاتِّصَال وَكَذَا مَا يُزَاد فى السَّنَد الْمُتَّصِل.
فَأَما الْمُرْسل الخفى: فَسمى بذلك احْتِرَازًا عَن الظَّاهِر
لكَونه لَا يدْرك إِلَّا بكشف وَبحث واتساع علم من الْحَافِظ
الجهبذ، فَهُوَ على مَا حَقَّقَهُ شَيخنَا مَا رَوَاهُ المعاصر
لمن روى عَنهُ وَلم يلقه بِلَفْظ موهم للسماع. مِثَاله: حَدِيث
رَوَاهُ ابْن ماجة من طَرِيق [/ 109] عمر بن عبد الْعَزِيز،
عَن عقبَة بن عَامر مَرْفُوعا: " رحم الله حارس الحرس ": وَعمر
لم يلق عقبَة كَمَا جزم بِهِ المزى فى " الْأَطْرَاف ".
وَكَذَا مَا رَوَاهُ الْحسن البصرى عَن أَبى
(1/168)
هُرَيْرَة على القَوْل بِأَنَّهُ لم يره، وبالتنصيص على ذَلِك
من إِمَام مطلع بِعلم الْإِرْسَال وَكَذَا بإخباره عَن نَفسه
بِعَدَمِ السماع مِمَّن روى عَنهُ مُطلقًا كأحاديث أَبى
عُبَيْدَة ابْن عبد الله ابْن مَسْعُود، عَن أَبِيه، فَإِن
الترمذى روى أَن عَمْرو بن مرّة، قَالَ لأبى عُبَيْدَة: هَل
تذكر من عبد الله شَيْئا؟ قَالَ: لَا، وَلَا يكفى فى الْعلم
بذلك أَن يَقع فى بعض الطّرق زِيَادَة راو بَينهمَا إِلَّا
بتمييز الْحَافِظ النَّاقِد، لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ الحكم
للزائد، وَرُبمَا كَانَ للناقص، وَالزَّائِد وهم فَيكون من
الْمَزِيد فى الْمُتَّصِل الْأَسَانِيد، وَهُوَ أحد
النَّوْعَيْنِ الْمشَار إِلَيْهِمَا، وميز شَيخنَا تبعا لغيره
أَولهمَا عَن المدلس، لقصر التَّدْلِيس على رِوَايَة الْمُحدث
عَن من سمع مِنْهُ، مَا لم يسمع مِنْهُ بِلَفْظ موهم، متمسكا
بِأَن أهل الحَدِيث قد أطبقوا على أَن رِوَايَة المخضرمين مثل:
أَبى حَازِم، وأبى عُثْمَان النهدى، وَغَيرهمَا عَن النبى [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] من قبيل الْمُرْسل لَا من قبيل
التَّدْلِيس. |