الغاية في شرح الهداية في علم الرواية المدلس
(143 - (ص) مُدَلّس ثَلَاث: فَالْأول رد ... كَمثل من يسْقط
شخصا من سَنَد)
(144 - ويرتقى بعن وَقَالَ وَبِأَن ... يُوهم وَصله وللجمهور
أَن)
(145 - مَا صرح الثِّقَات بالوصل قبل ... ففى الصَّحِيحَيْنِ
كثيرا احْتمل)
(146 - ويقدح التَّدْلِيس للسوية ... وجوزوا التَّدْلِيس
للتعمية)
(ش) : يعْنى أَن [المدلس] بِفَتْح اللَّام، واشتقاقه من الدلس
بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ اخْتِلَاط الْكَلَام، لكَون الْمُحدث
كَانَ فى خَبره ثَلَاثَة أَقسَام:
تَدْلِيس الْإِسْنَاد: وَهُوَ أَن يسْقط من السَّنَد وَاحِدًا
فَأكْثر من أَوله وأثنائه ويضفه لمن بعد الْمَحْذُوف مِمَّن
سمع هُوَ، أَو الذى قيل الْمَحْذُوف مِنْهُ فى الْجُمْلَة
موهما بذلك السماع مِنْهُ، لَا يَقُول: أخبرنَا وَمَا فى
مَعْنَاهَا، بل يَقُول: عَن فلَان، أَو قَالَ: فلَان، أَو: إِن
فلَانا، وَمَا
(1/178)
أشبه ذَلِك من الْأَلْفَاظ الَّتِى توهم
الِاتِّصَال، وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ من إثْبَاته تَدْلِيس
تَسْوِيَة، إِذا كَانَ الْمَحْذُوف ضَعِيفا وَمن عداهُ ثِقَة
وَهُوَ ثانى أقسامه. وَالْجُمْهُور من الْمُحدثين
وَالْفُقَهَاء، والأصوليين أَنه لَا يقبل مِمَّن عرف بِالْأولِ
إِلَّا مَا صرح فِيهِ بالاتصال، كسمعت، وثنا، وَنَحْوهَا وَقد
خرج فى الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا مِمَّن ألحق بهما من حَدِيث
أهل هَذَا الْقسم الْمُصَرّح فِيهِ بِالسَّمَاعِ كثير كالأعمش،
وَقَتَادَة، والثورى، وَمَا فِيهَا من حَدِيثهمْ بالعنعنة
وَنَحْوهَا مَحْمُول على ثبات السماع عِنْد الْمخْرج من وَجه
آخر، وَلَو لم يطلع على ذَلِك تحسينا للظن بأصحاب الصَّحِيح،
ثمَّ إِن كَون المروى عَنهُ مِمَّن لقِيه المدلس [/ 118] أَو
الْمَحْذُوف يُؤْخَذ من قَول النَّاظِم: [يُوهم وَصله]
وَقَوله: [يسْقط شخصا] يعْنى فى الْغَالِب، وَإِلَّا فَلَو
أسقط أَكثر مَعَ مُلَاحظَة بَقِيَّة الشُّرُوط كَانَ تديسا،
وَقَوله: [وَالْجُمْهُور] إِشَارَة إِلَى الْخلاف فى
الْمَسْأَلَة، فقد ذهب جمَاعَة إِلَى جرح من عرف بذلك، وَعدم
قبُول رِوَايَته، سَوَاء بَين السماع أَو لم يُبينهُ،
وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله: [رد] وَقَوله: [احْتمل] أى
احْتمل حَدِيثهمْ عِنْد أهل الصَّحِيح لكَون تدليسهم كَمَا
قَالَ النووى: لَيْسَ كذبا، بل لم يبين فِيهِ الِاتِّصَال،
فلفظه مُحْتَمل، وَلَا يكون ذَلِك قادحا فيهم، وَإِن قدح فى
معنعناتهم وَشبههَا. وَأما تَدْلِيس التَّسْوِيَة: وَهُوَ
كَمَا قَالَ النَّاظِم: تبعا لغيره [قَادِح] فِيمَن تعمد فعله،
وَكَانَ بَقِيَّة من أفعل النَّاس لَهُ.
الْقسم الثَّالِث: أَن يُسمى شَيْخه الذى سمع مِنْهُ بِغَيْر
اسْمه الْمَعْرُوف، أَو يصفه بِمَا لم يشْتَهر بِهِ [تعمية]
لَهُ كى لَا يعرف، وَهَذَا أخف من الأول، وَهُوَ جَائِز أَيْضا
وسمح فِيهِ جمَاعَة من المؤلفين كالخطيب، لَكِن يخْتَلف
الْحَال فى كراهيته بِحَسب اخْتِلَاف الْقَصْد الْحَامِل
عَلَيْهِ، وَهُوَ لكَونه ضَعِيفا، أَو صَغِيرا، أَو مُتَأَخّر
الْوَفَاة أَو لكَونه مكثرا عَنهُ، وشاركه فى السماع مِنْهُ
جمَاعَة مِنْهُ، وَهَذَا الْقسم يُسمى: [تَدْلِيس الشُّيُوخ]
واللذان قبله تَدْلِيس
(1/179)
الْإِسْنَاد، وشرهما الثانى، وَكَذَا
تَدْلِيس الضَّعِيف من هَذَا، قد صنف شَيخنَا " تَعْرِيف أهل
التَّقْدِيس بمراتب الموصوفين بالتدليس "، وَالظَّاهِر أَن
البخارى وَنَحْوه مِمَّن يَقع لَهُم تَغْطِيَة الشُّيُوخ، لَا
يقصدون بذلك إِيهَام الاستكثار مَعَ قَوْله [/ 119] [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] : " المتشبع بِمَا لم يُعْط كلابس ثوبى زور "
بل يقصدون بِهَذَا صَنِيع خطأ الراوى، على التَّعْرِيف بِحَال
الروَاة، بِحَيْثُ لَا تَدْلِيس عَلَيْهِم على أى وَجه كَانَ،
وَقد سَأَلَ ابْن دَقِيق الْعِيد، الذهبى - رحمهمَا الله - من
أَبى الْعَبَّاس الذهبى؟ فبادر بقوله: هُوَ أَبُو الطَّاهِر
المخلص، وَكَذَا سَأَلَ شَيخنَا بعض الطّلبَة عَن قَول ابْن
حبَان: حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس الدمشقى فَلم يهتد لَهُ،
فَقلت هُوَ ابْن جوصا الْحَافِظ الشهير.
زِيَادَة الثِّقَة
(147 - وَاقْبَلْ زيادات الثِّقَات مسجلا ... كَانَت من الراوى
أَو الْغَيْر كلا)
(ش) : [زيادت الثِّقَات] وهى مدرجة خلال مَا سرده أَولا،
وَكَانَ الْأَنْسَب تَقْدِيمهَا على التَّدْلِيس مَقْبُولَة
مُطلقًا على الصَّحِيح، سَوَاء كَانَت من شخص وَاحِد، بِأَن
رَوَاهُ مرّة
(1/180)
نَاقِصا، وَمرَّة أُخْرَى وَفِيه تِلْكَ
الزِّيَادَة، أَو كَانَت الزِّيَادَة من غير من رَوَاهُ
نَاقِصا، لَكِن بِشَرْط عدم منافاتها للائق، والأرجح، وَقيل:
بل مَرْدُودَة مُطلقًا، وَقيل: مَرْدُودَة مِنْهُ مَقْبُولَة
من غَيره، وَقَالَ الأصوليون: إِن اتَّحد الْمجْلس وَلم
يحْتَمل غفلته عَن تِلْكَ الزِّيَادَة غَالِبا ردَّتْ، وَإِن
احْتمل قبلت عِنْد الْجُمْهُور، وَإِن جهل تعدد الْمجْلس
فَأولى بِالْقبُولِ من صُورَة اتحاده، وَإِن تعدد يَقِينا قبلت
اتِّفَاقًا، وَهُوَ فن طريد يتَعَيَّن الْعِنَايَة بِهِ، وَنظر
الْفَقِيه فِيهِ أَكثر وَقَوله: [مسجلا] وَمَا بعده بَيَان
لَهُ، وَالْمعْنَى إِن كلا الصُّورَتَيْنِ حكمهمَا سوى.
المدرج
(148 - (ص) المدرج الملحق فِي التحديث ... من قَول راو لَا من
الحَدِيث)
(149 - نَحْو إِذا قلت عَن التَّشَهُّد ... وأسبغوا وَقد يجِئ
فِي سَنَد)
(ش) : [المدرج] تَارَة يكون فِي الْمَتْن، تَارَة يكون فِي
الْإِسْنَاد، فَأَما الأول: فَهُوَ كَلَام يلْحق بِالْمَتْنِ
من عِنْد صَاحِبيهِ فَمن دونه من رُوَاته، كَمَا أَشَارَ
إِلَيْهِ بقوله: [من قَول راو لَيْسَ من الحَدِيث] لكنه يصله،
بِلَا فصل، فيلبس على من لَا يعلم حَقِيقَة الْحَال، ويتوهم
أَن الْجَمِيع من الحَدِيث، ثمَّ تَارَة يكون الإدراج فى آخر
الحَدِيث، أَو أَوله أَو وَسطه، وَاقْتصر النَّاظِم على
الْإِشَارَة للتمثيل للأولين دون الْوسط فَقَوله: [نَحْو إِذا
قلت: عَن التشهيد] هُوَ مِثَال لما أدرج آخر الْمَتْن
وَاسْتغْنى بِأول لَفْظَة من المدرج عَن بَاقِيه، فَكَأَنَّهُ
قَالَ: نَحْو قَول الراوى، إِذا قلت الْمَزِيد عَن لَفْظَة
التَّشَهُّد، وَيحْتَمل أَن يكون عَن زَائِدَة فتوافق عبارَة
غَيره، والْحَدِيث هُوَ عَن ابْن مَسْعُود: أَنه [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] علمه التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة، فَقَالَ: "
التَّحِيَّات لله " فَذكره حَتَّى قَالَ: " أشهد أَن لَا إِلَه
إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله "،
(1/181)
فأدرج أَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر بن
مُعَاوِيَة أحد رُوَاته عَن الْحسن بن الْحر، هُنَا لِابْنِ
مَسْعُود وَهُوَ: " فَإِذا قلت هَكَذَا فقد قضيت صَلَاتك إِن
شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ " دلّ
على ذَلِك رِوَايَة غَيره لَهُ عَن الْحسن مَفْصُولًا، مَعَ
اتِّفَاق جمَاعَة آخَرين على ترك هَذَا الْكَلَام فى آخر
الحَدِيث، وَلِهَذَا قَالَ النووى فى " الْخُلَاصَة ": اتّفق
الْحفاظ على أَنه مدرج وَقَوله: [واسبغوا] هُوَ مِثَال لما
أدرج أول الْمَتْن، والْحَدِيث عَن أَبى هُرَيْرَة [/ 121]
قَالَ: " أَسْبغُوا الْوضُوء فَإِن أَبَا الْقَاسِم [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار "
فأسبغوا الْوضُوء من قَول أَبى هُرَيْرَة والثانى: مَرْفُوع،
لَكِن رَوَاهُ بَعضهم فَرفع الْجَمِيع، وَهُوَ وهم كَمَا قَالَ
الْخَطِيب، وَأما الْإِسْنَاد فإليه الْإِشَارَة، بقوله: [وَقد
يجِئ فِي سَنَد] فَهُوَ أَن يكون عِنْد الراوى متنان
بِإِسْنَادَيْنِ، أَو طرق من متن بِسَنَد غير سَنَده فرواهما
مَعًا بِسَنَد وَاحِد، كَحَدِيث: وَائِل فِي " صفة صَلَاة
النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] "
(1/182)
وَحَدِيثه: " أَنه جَاءَ فى الشتَاء
فَرَآهُمْ يرفعون أَيْديهم من تَحت الثِّيَاب " فَإِنَّهُمَا
مَعًا عِنْد عَامر بن كُلَيْب، الأول: عَن أَبِيه عَن وَائِل،
والثانى: عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَن بعض أَهله، عَن
وَائِل فرواهما بَعضهم مَعًا، عَن عَاصِم بالسند الأول، وكحديث
مَالك، عَن الزهرى، عَن أنس رَفعه: " لَا تباغضوا وَلَا
تَحَاسَدُوا " وَحَدِيثه عَن أَبى الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج،
عَن أَبى هُرَيْرَة: " لَا تباغضوا وَلَا تناقشوا " حَيْثُ
جعلهَا بَعضهم بالسند الأول، وَالصَّوَاب فِي المثالين مَا
قَرّرته، ثمَّ أَنه يدْرك الإدراج بورود رِوَايَة مفصلة للقدر
المدرج مِمَّا أدرج فِيهِ، أَو بالتنصيص على ذَلِك من الراوى،
أَو من بعض الْأَئِمَّة المطلعين،
(1/183)
أَو بإستحالة كَون النبى [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول ذَلِك، ويعد ذَلِك حرَام، وَقَوله: [من
قَول] رِوَايَتَانِ للْوَاقِع لَا للِاحْتِرَاز.
العالى والنازل
(150 - (ص) وَالْخَبَر العالى ذكرنَا أَولا ... أقسامه وضده
مَا نزلا)
(ش) : قد تقدم أَن الْإِسْنَاد [العالى] على خَمْسَة أَقسَام،
فَمَا ثَبت من كل قسم مِنْهَا يُوصف بالعلو [/ 122] ،
وَأَشَارَ هُنَا إِلَى أَن [النَّازِل] يكون أَيْضا كَذَلِك
بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَونه ضد الْأَقْسَام الْعَالِيَة فَكل
قسم من أَقسَام الْعُلُوّ ضِدّه قسم من أَقسَام النُّزُول،
وَقل فى هَذِه الْأَعْصَار الْمُمَيز بَينهمَا، وَهُوَ - أعنى
النُّزُول - مفضول مَرْغُوب عَنهُ على الصَّحِيح عِنْد
أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن، إِذا لم يكن فِيهِ فَائِدَة راجحة
على الْعُلُوّ. قَالَ ابْن المدينى وَغَيره: النُّزُول شُؤْم.
وجنح بَعضهم، كَمَا قدمنَا إِلَى تفضيله، لِأَن التَّعَب فِيهِ
أَكثر، بِالنّظرِ إِلَى الفحص عَن كل راو فالأجر أَكثر مِنْهُ،
وَلَكِن لَيْسَ هَذَا بشئ، وَالْمُعْتَمد تَفْضِيل الْعُلُوّ.
(1/184)
المسلسل
(151 - (ص) ثمَّ مسلسل وَذَاكَ مَا ورد ... بِحَالَة تُعَاد فى
كل سَنَد)
(152 - تزيده حسنا وَلَكِن خَيره ... مَا حقق اتِّصَاله لَا
غَيره)
(153 - كسورة الصَّفّ وتشبيك الْيَد ... وأولية وعد فى يَد)
(ش) : [التسلسل] التَّتَابُع، والْحَدِيث المسلسل: مَا ورد
بِحَالَة وَاحِدَة فى الروَاة أَو فى الرِّوَايَة، فَمَا فى
الرِّوَايَة تَارَة قولا، وَمثله بالمسلسل بِقِرَاءَة سُورَة
الصَّفّ وَهُوَ حَدِيث عبد الله بن سَلام - رضى الله عَنهُ -
قَالَ: قعدنا قوم من أَصْحَاب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] فتذاكرنا، فَقُلْنَا: لَو نعلم أى الْأَعْمَال أحب
إِلَى الله تَعَالَى لعملناه فَأنْزل الله تَعَالَى: {سبح لله
مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز
الْحَكِيم} حَتَّى خَتمهَا قَالَ عبد الله: فقرأها علينا
رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حَتَّى خَتمهَا، قلت:
واتصل ذَلِك أعنى قِرَاءَة السُّورَة من كل رجال
(1/185)
السَّنَد بِنَا وَهُوَ من خير المسلسلات،
لِأَن رِجَاله كلهم [/ 123] ثِقَات، وَمن أمثلته أَيْضا
المسلسل بقول: وَالله إنى لَأحبك، وَيَقُول: حَدَّثَنى وَالله
فلَان، وَتارَة فلَان، وَمثل لَهُ بالمسلسل بالتشبيك، وَهُوَ
حَدِيث أَبى هُرَيْرَة - رضى الله عَنهُ - قَالَ: شَبكَ رَسُول
الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بيدى وَقَالَ: " خلق الله
الأَرْض يَوْم السبت "، وَذكره وَقد وَقع لنا مُتَّصِل السلسلة
فى مسلسلات أَبى الْقَاسِم التيمى وَغَيرهمَا، وَكَذَا ذكر فى
أمثلته المسلسل بعد الْيَد وَمِمَّا لم يذكرهُ من أمثلته
المسلسل بالمصافحة، وَرفع الأيدى فى الصَّلَاة، وَرفع الْيَد
على الرَّأْس، والاتكاء، وَأما التسلسل بِصفة الرِّوَايَة فَمن
أمثلته: الحَدِيث المسلسل [بالأولية] لَكِن الصَّحِيح أَن
التسلسل مِمَّا انْقَطع فِيهِ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَمن
رَفعه مسلسلا من ثمَّ فقد غلط، أَو كذب، ثمَّ إِن التسلسل
مِمَّا يزِيد الحَدِيث حسنا لما فِيهِ من مزِيد الضَّبْط،
قَالَ ابْن الصّلاح: وَخَيرهَا - يعْنى المسلسلات - مَا كَانَ
فِيهِ دلَالَة على اتِّصَال السماع، وَعدم التَّدْلِيس، وَقل
مَا يسلم عَن خلل فى التسلسل لَا فى أصل الْمَتْن. انْتهى،
وأصحها قِرَاءَة الصَّفّ ثمَّ الأولية، وَقد اعتنى بإفرادها
غير وَاحِد من الْأَئِمَّة، واقتديت بهم فى تَقْيِيد جملَة
مِمَّا وَقع لى مِنْهَا فى مُجَلد لطيف.
(1/186)
الْغَرِيب
(154 - (ص) أما الْغَرِيب فَهُوَ مَا بِهِ انْفَرد ... عَن
حَافظ راو بمتن أَو سَنَد)
(155 - مِنْهُ صَحِيح وَضَعِيف وَحسن ... فَفَارَقَ الْفَرد
وَمَا شَذَّ إِذن)
(ش) : [الْغَرِيب] مَا انْفَرد وَاحِد بروايته، وَكَذَا
بِرِوَايَة زِيَادَة فِيهِ عَمَّن يجمع أى يرْوى وَيكْتب
حَدِيثه كالزهرى أحد الْحفاظ، وكقتادة مثلا فى الْمَتْن أَو
السَّنَد - أى الزِّيَادَة كائنة، وينقسم إِلَى: غَرِيب
صَحِيح، كالأفراد المخرجة فى الصَّحِيحَيْنِ، وَإِلَى غَرِيب
ضَعِيف، وَهُوَ الْغَالِب على الْغَرِيب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ
الإِمَام أَحْمد بقوله: لَا تكْتبُوا هَذِه الْأَحَادِيث
الغرائب فَإِنَّهَا مَنَاكِير، وعامتها عَن الضُّعَفَاء
وَإِلَى غَرِيب حسن، وفى " جَامع الترمذى " لذَلِك أَمْثِلَة
كَثِيرَة، وَقَوله: [فَفَارَقَ الْفَرد] هُوَ كَمَا صرح بِهِ
النَّاظِم فى بعض تصانيفه من حيثية أَنه لَيْسَ كلما يعد من
أَنْوَاع الْأَفْرَاد معدودا من أَنْوَاع الْغَرِيب كَمَا فى
الْأَفْرَاد المضافة إِلَى الْبِلَاد على مَا سيأتى هُنَاكَ،
وَالْحق كَمَا قَالَ شَيخنَا أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ لُغَة،
وَكَذَا اصْطِلَاحا فَإِنَّهُم يَقُولُونَ فى الْفَرد الْمُطلق
والنسبى تفرد بِهِ فلَان، أَو أغرب بِهِ فلَان، لكِنهمْ أَكثر
مَا يطلقون الْغَرِيب على الْفَرد النسبى، وَأكْثر مَا يطلقون
الْفَرد، على الْفَرد الْمُطلق، وَهُوَ الحَدِيث الذى لَا يعرف
إِلَّا من طَرِيق ذَلِك الصحابى، وَلَو تعدّدت الطّرق
إِلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مُغَايرَة بَينهمَا، إِلَّا من
حَيْثُ كَثْرَة الِاسْتِعْمَال وقلته وَلعدم ظُهُور فرق
بَينهمَا، قَالَ الزركشى: إِنَّه يحْتَاج للنَّظَر فيهمَا،
وَقَوله: [وَمَا شذا] أى وَفَارق من حيثية أَنه لَيْسَ مِنْهُ
شئ صَحِيح، إِذْ لَيْسَ مِنْهُ شئ صَحِيح، إِذْ شَرط الصَّحِيح
عدم الشذوذ
(1/187)
الْعَزِيز
(156 - وَهُوَ الْعَزِيز إِن رَوَاهُ اثْنَان ... ثَلَاثَة غير
عَالم ربانى)
(ش) : لما فرغ من الْغَرِيب وَإنَّهُ الذى ينْفَرد بِهِ وَاحِد
عَن الْحَافِظ، ذكر الْعَزِيز.
وَهُوَ: مَا [/ 125] ينْفَرد بروايته اثْنَان أَو ثَلَاثَة،
واشتركوا، يُسمى عَزِيزًا دون سَائِر رُوَاة الْحَافِظ المروى
عَنهُ، هَكَذَا عرفه ابْن مندة وَابْن طَاهِر.
وَزعم بَعضهم أَنه مَا يرويهِ اثْنَان عَن اثْنَيْنِ، وَهَذَا
من غير زِيَادَة وَلَو طُولِبَ بشئ من أمثلته لعز عَلَيْهِ
وجوده، بل امْتنع، ثمَّ إِن النَّاظِم لم يتَعَرَّض تبعا
لِابْنِ الصّلاح لكَونه كالغريب أَيْضا يكون مِنْهُ الصَّحِيح،
والضعيف، وَالْحسن، [والربانى] هُوَ الْعَالم الراسخ فى الْعلم
وَالدّين، اَوْ الذى يطْلب بِعِلْمِهِ وَجه الله. وَقيل:
الْعَالم الْعَامِل، وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى الرب، بِزِيَادَة
الْألف وَالنُّون للْمُبَالَغَة. وَقيل: هُوَ من الرب بِمَعْنى
التربية، لأَنهم كَانُوا يربون المتعلمين بصغار الْعلم قبل
كباره.
الْمُعَلل
(157 - (ص) ثمَّ الْمُعَلل الذى بعلة ... تخفى ويدريها أطباء
السّنة)
(158 - ترى الحَدِيث مُسْندًا كَالشَّمْسِ ... فيعرفونها
بِغَيْر لبس)
(159 - يعرف فى الْمَتْن وأوبا فى السَّنَد ... وبقرينة ترى
فتنتقد)
(ش) : [الْمُعَلل] وَيُقَال: المعل، وَكَذَا الْمَعْلُول،
وَلَكِن عيب لُغَة، وَهُوَ مَا فِيهِ عِلّة
(1/188)
وهى سِتّ:
قدح غامض مَعَ ظُهُور السَّلامَة مِنْهُ، وَلذَلِك يخفى
إِدْرَاكهَا على غير أهل الْحِفْظ والخبرة والفهم الصَّحِيح،
لتطرقها إِلَى الْإِسْنَاد الْجَامِع لشروط الصِّحَّة ظَاهرا
كَالشَّمْسِ، وَأما هم فالكونهم أطباء السّنة بِمَعْنى أَنهم
حاذقون بأمورها، عارفون كالطبيب الذى يعالج المرضى، صَارُوا
يعرفونها بِدُونِ التباس، ثمَّ الْعلَّة إِمَّا فى
الْإِسْنَاد، وَهُوَ الْأَكْثَر كوصل مُرْسل أَو مُنْقَطع،
وَرفع مَوْقُوف [/ 126] ، وَأما فى الْمَتْن كالحديث الذى
رَوَاهُ مُسلم فى صَحِيحه من جِهَة الأوزاعى عَن قَتَادَة أَنه
كتب إِلَيْهِ يُخبرهُ عَن أنس، أَنه حَدثهُ، أَنه قَالَ: "
صليت خلف النبى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وأبى بكر وَعمر
وَعُثْمَان فَكَانُوا يستفتحون ب {الْحَمد لله رب الْعَالمين}
لَا يذكرُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، فى أول قِرَاءَة
وَلَا فى آخِره فقد أعل الشافعى - رَحمَه الله - هَذِه
الزِّيَادَة، الَّتِى فِيهَا عدم الْبَسْمَلَة، فَإِن سَبْعَة
أَو ثَمَانِيَة اتَّفقُوا على الاستفتاح ب {الْحَمد لله رب
الْعَالمين} خَاصَّة دون نفى الْبَسْمَلَة، وَالْمعْنَى أَنهم
يبدؤن بِقِرَاءَة أم الْقُرْآن قبل مَا يقْرَأ بعْدهَا، وَلَا
يعْنى أَنهم يتركون الْبَسْمَلَة وَحِينَئِذٍ فَكَأَن بعض
رُوَاته فهم من الاستفتاح بِالْحَمْد نفى الْبَسْمَلَة فَصرحَ
بِمَا فهمه، وَهُوَ مُخطئ فى ذَلِك، ويتأيد بِمَا صَحَّ عَن
أنس أَنه سُئِلَ: أَكَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] يستفتح بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين؟ أَو بِبسْم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم؟ فَقَالَ: إِنَّك تسألنى عَن شئ مَا
(1/189)
أحفظه، وَلَا سألنى عَنهُ أحد قبلك وأهم من
هَذَا فى تَعْلِيل حَدِيث الأوزاعى أَن قَتَادَة ولد أكمه
وكاتبه لم يعرف وتدرك بتفرد الرواى، وبمخالفة غَيره لَهُ، مَعَ
قَرَائِن أُخْرَى تنبه على وهمه فى وصل مُرْسل، أَو رفع
مَوْقُوف، أَو إدراج حَدِيث، أَو غير ذَلِك، يحصل مَعْرفَتهَا
بِكَثْرَة التتبع، وَجمع الطّرق، مَعَ الملكة القوية
بِالْأَسَانِيدِ والمتون، وَهُوَ أجل عُلُوم الحَدِيث
وَأَشْرَفهَا وأدقها، وَلذَلِك لم يتَكَلَّم فِيهِ إِلَّا
الْقَلِيل من أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ كعلى بن المدينى، وَأحمد
بن حَنْبَل، والبخارى، وَيَعْقُوب بن شيبَة، وأبى حَاتِم، وأبى
زرْعَة. [/ 127] والدراقطنى ومصنفه أجمع مؤلف فى بَابه، وَقد
شرعت فى تلخيصه.
(1/190)
(160 - (ص) من أجل ذَا قَالُوا يكَاد
علمنَا ... يكون عِنْد غَيرنَا تكهنا)
(ش) : وَقَالَ بعض أَئِمَّتنَا يكَاد علمنَا أَن يكون كهَانَة
عِنْد غَيرنَا. وتوجيه هَذِه الْمقَالة أَنه يخبر عَن أَشْيَاء
مستترة، وَقد كَانَت الْعَرَب تسمى كل من تعاطى علما دَقِيقًا
كَاهِنًا، حَتَّى إِن بَعضهم كَانَ يُسمى الطَّبِيب بذلك،
ولدقة هَذَا النَّوْع واحتياجه لجمع طرق الْبَاب أَو الحَدِيث،
قَالَ المُصَنّف: بالخوض فِيهِ بل يكَاد أَن يكون مَقْصُودا،
وَمن وقف على مجَالِس فى الْإِمْلَاء على الْأَذْكَار بَان
ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، ثمَّ أَنه تَارَة
لغَلَبَة ظَنّه بقوتها يمضى الحكم، وَتارَة يتَرَدَّد فيقف،
وَلَا يقدر على إِقَامَة الْحجَّة، وَتارَة لَا، كالصيرفى يحكم
بِعَدَمِ جودة الدِّينَار وَلَا يقدر على بَيَان ذَلِك، وَقد
سُئِلَ أَبُو زرْعَة: مَا الْحجَّة فى تعليلكم الحَدِيث؟ فأرشد
السَّائِل إِلَى أَنه يسْأَله عَن حَدِيث، ثمَّ يسْأَل عَنهُ
بِعَيْنِه حَافِظًا آخر، وَينظر، فَإِذا اتّفق جوابهم، فَهُوَ
دَلِيل على حَقِيقَته، قَالَ: فَفعل الرجل فاتفقت كلمتهم،
فَقَالَ: أشهد أَن هَذَا الحَدِيث إلهام وَكَذَا قَالَ ابْن
مهدى: معرفَة الحَدِيث إلهام لَو قلت للْعَالم، لم يُعلل
الحَدِيث؟ من أَيْن هُوَ قلت هَذَا؟ لم يكن لَهُ حجَّة
(1/191)
التفرد
(161 - (ص) والفرد قِسْمَانِ: ففرد شذا ... يأتى وفردين
رَوَاهُ فَذا)
(162 - غير ثِقَة أَو بلد كذكرى ... لم يروه عَن زيد غير
عَمْرو)
(ش) : الْأَفْرَاد على قسمَيْنِ:
أَحدهمَا: فَرد مُطلقًا من جَمِيع الروَاة، كَمَا سيأتى فى
الشاذ [/ 128] قَرِيبا.
ثَانِيًا: فَرد بِالنِّسْبَةِ إِلَى صفة خَاصَّة لتقييد
الفردية بِثِقَة، وَهُوَ تَارَة يكون مِمَّن يحْتَمل تفرده
كمالك، أَو لَا يحْتَمل كأبى ركين عى مَا سيأتى فى الْمُنكر،
أَو إِفْرَاد بِالنِّسْبَةِ لبلد معِين كمكة، وَالْبَصْرَة،
والكوفة، وَلَا يقتضى شئ من ذَلِك صفة من هَذِه الْحَيْثِيَّة،
ثمَّ إِنَّه قد يُرَاد بتفرد أهل مَكَّة تفرد وَاحِد من
أَهلهَا، فَيكون حِينَئِذٍ من الْقسم الأول، وَقد يكون فى
الْفَرد بِالنِّسْبَةِ لذُو خَاص، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة
بقوله الْأَوْسَط، وَالصَّغِير بِسَنَد الْبَزَّار " والأفراد
" بِهِ للدراقطنى وهى كَامِلَة بِهَذَا النَّوْع فى مائَة
جُزْء. لذَلِك أَمْثِلَة كَثِيرَة وَقد تنْتَقض دَعْوَى كل من
الحافظين بِمَا يُوجد عِنْد الآخر، وَذَلِكَ فِيمَا يدعى
أَحدهمَا تفرد رِوَايَة، ويدعى الآخر تفرد غَيره، بل رُبمَا
يُوجد ذَلِك للْمُصَنف الْوَاحِد لَو اعتنى حاذق بأفراد ذَلِك
كَانَ حسنا، فَإِن بسط للنَّظَر فى غَيرهَا فَهُوَ أحسن. وَمن
أَنْوَاع التفرد: تفرد أهل نِسْبَة وَفِيه كُنَّا التفرد لأبى
دَاوُد [والفذ] بِالْمُعْجَمَةِ الْوَاحِدَة، وَقد فذ الرجل
عَن أَصْحَابه إِذا شَذَّ عَنْهُم، وبقى فَردا. وَقَوله: [عَن
ثِقَة] لَيْسَ المُرَاد بِهِ أَن الراوى ينْفَرد بِهِ عَن
الثِّقَة، بل الثِّقَة نَفسه هُوَ الْمُفْرد، فَكَأَنَّهُ
قَالَ: يكون أَو هى ثِقَة.
وَقَوله: [كذكرى] أشبعت الرَّاء فِيهِ للنظم، وَالْمعْنَى
كَقَوْل الْقَائِل لم يروه إِلَى آخِره، وَيجوز أَن يكون
الْيَاء ضميرا، وَرُبمَا يتَوَهَّم أَنه أَشَارَ للفظه عَن
مِثَال، وعَلى عَادَته فى الِاخْتِصَار وَلَيْسَ كَذَلِك.
(1/192)
|