الغاية في شرح الهداية في علم الرواية الْمُتَابَعَة وَالشَّاهِد
(163 - (ص) وَذَاكَ بعد الِاعْتِبَار هَل شرك ... رِوَايَة
الْغَيْر وَإِن كَانَ اشْترك)
(164 - لفظا فَمن مُعْتَبر مُتَابعَة ... وشاهدان إِن كَانَ
معنى تَابعه)
(165 - كأخذوا إهابها للفظة ... دبغ أتابها فَتى عُيَيْنَة)
(166 - عَن عَمْرو إِلَّا أَن عمرا توبعا ... وحاله شَاهد
عَمَّن رفعا)
(ش) : يعْنى أَن الحكم بالمنفرد يحصل بعد الِاعْتِبَار، وَهُوَ
تتبع الطّرق لذاك الحَدِيث الذى يظنّ أَنه فَرد، هَل شرك
رَاوِيه راو آخر؟ أم لَا؟ فَإِن وجد بعد ظن كَونه فَردا أَن
راو آخر مِمَّن يصلح أَن يخرج حَدِيثه للاعتبار والاستشهاد
بِهِ وَافقه، فَإِن كَانَ التوافق بِاللَّفْظِ سمى مُتَابعًا.
وَالْحَاصِل من الْمصدر الذى هُوَ الِاشْتِرَاك الْمُتَابَعَة،
وَإِن كَانَ بِالْمَعْنَى سمى شَاهدا، وَإِن لم يُوجد من وَجه
بِلَفْظِهِ أَو بِمَعْنَاهُ، فَإِنَّهُ يتَحَقَّق فِيهِ التفرد
الْمُطلق حِينَئِذٍ. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى مِثَال
اجْتمع فِيهِ الْأَمْرَانِ، أعنى الْمُتَابَعَة وَالشَّاهِد
مَعًا، وَهُوَ حَدِيث ابْن عَبَّاس - رضى الله عَنْهُمَا -
رَفعه: " لَو أخذُوا إهابها فدبغوه فانتفعوا بِهِ " فَإِن ابْن
عُيَيْنَة رَوَاهُ بِإِثْبَات الدّباغ فِيهِ هَكَذَا، عَن
عَمْرو بن دِينَار، عَن عَطاء بن أَبى رَبَاح عَنهُ، وَرَوَاهُ
ابْن جريج عَن عَمْرو، فَنَظَرْنَا أُسَامَة بن زيد رَوَاهُ
عَن عَطاء فَهَذِهِ مُتَابعَة، ثمَّ وجدنَا لَهُ شَاهدا،
وَهُوَ
(1/193)
حَدِيث لعبد الرَّحْمَن بن وَعلة، عَن ابْن
عَبَّاس مَرْفُوعا: " أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر " فَإِن قيل:
الْمُتَابَعَة وَهَذَا الْمِثَال إِنَّمَا هى فى نسخ الشَّيْخ؟
فَالْجَوَاب: أَن البيهقى سمى ذَلِك مُتَابعَة، وهى لَا انحصار
لَهَا فى النّسخ مَتى، بل مَتى وجدت فى أى [/ 130] وَاحِد من
سلسلة السَّنَد كَانَت مُتَابعَة، لَكِن تَتَفَاوَت بِحَسب
بعْدهَا من الراوى، فَإِن حصلت للراوى نَفسه فهى التَّامَّة،
أَو لشيخه فَمن فَوْقه فهى القاصرة، وَيُسْتَفَاد مِنْهَا
التقوية، قَالَ ابْن الصّلاح: وَيجوز أَن يُسمى ذَلِك
بِالشَّاهِدِ: يعْنى كَمَا صنع الْحَاكِم فى " الْمدْخل "
حَيْثُ سمى الْمُتَابَعَة شَاهدا، وَالْأَمر فى ذَلِك كَمَا
قَالَ شَيخنَا سهل، وَقد اسْتعْمل النَّاظِم [غير] بِاللَّامِ
للضَّرُورَة وأدرج معرفَة المتابعات والشواهد فى خلال
الْأَقْسَام الَّتِى سردها أَولا.
(167 - (ص) وراجع الطّرق من الْأَطْرَاف ... وَمَا لشيخ
شَيخنَا فكافى)
(ش) : قصد النَّاظِم الْإِرْشَاد بِلَفْظَة معرفَة الطّرق
الَّتِى يحصل بهَا المتابعات والشواهد، وينتفى بهَا الفردية،
وَلم يعْمل شَيْئا، فالكتب المصنفة فى الْأَطْرَاف - وَقد قدمت
كَيْفيَّة وَضعهَا فى ذكر أَشْيَاء تتَعَلَّق بطالب الحَدِيث -
هى لكتب مَخْصُوصَة كالستة وشبهتها، ويفوتها من الطّرق والمتون
الْكثير يعرف ذَلِك من مارسه، وَأَيْضًا فالأطراف بمجردها
وَإِن
(1/194)
اهْتَدَى مِنْهَا لكثير من المتابعات لَا
يهتدى بهَا لمعْرِفَة كَون الْمَتْن مرويا عَن صحابى آخر، بل
التصانيف المبوبة فى هَذَا أمس، وَقَوله: [وَمَا لشيخ شَيخنَا]
يُوجد فى بعض النّسخ، [وَمَا لشَيْخِنَا فشاف كَاف]
وَكِلَاهُمَا صَحِيح فَالْأول هُوَ الْحَافِظ جمال الدّين
أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن الزكى عبد الرَّحْمَن المزى فَإِن
لَهُ " أَطْرَاف السِّتَّة "، وَعَلِيهِ معول من بعده مَعَ مَا
عَلَيْهِ فِيهِ من المؤاخذات الَّتِى أفرد شَيخنَا أَكْثَرهَا
فى تصنيف، واستدركت مِمَّا فَاتَهُ كثيرا، والثانى هُوَ [/
131] الْحَافِظ الْعِمَاد أَبُو الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن كثير
فَإِنَّهُ من شُيُوخ النَّاظِم، وَهُوَ أحد كتاب شَيْخه المزى،
وَضم إِلَيْهِ مسانيد أَحْمد، وَالْبَزَّار، وأبى يعلى، ومعجم
الطبرانى، عشرَة كتب، وسماها " جَامع المسانيد وَالسّنَن "،
وعَلى كلا الْحَالين فَلَيْسَ بكاف، فكم من كتب الحَدِيث
متونها ومسندها، بل وفى الْأَجْزَاء المنثورة والمعاجم
والمشيخات من طرق لم تودع فى الْكتب الْمشَار إِلَيْهَا،
وَذَلِكَ بَحر لَا سَاحل لَهُ.
(1/195)
الشاذ
(168 - (ص) والشاذ أَن يُخَالف الثِّقَة مَا ... يرْوى
الثِّقَات فَيرى أَن وهما)
(169 - أَو انْفِرَاد من نقل من لَا يحمل ... إِفْرَاد مثله
فَلَيْسَ يقبل)
(ش) : [الشاذ] هُوَ أَن يروي الثِّقَة شَيْئا يُخَالف فِيهِ
الثِّقَات فيظن أَنه وهم فِيهِ. وَتَفْسِير الشاذ بذلك هُوَ
مَذْهَب أهل الْحجاز وَهُوَ معنى قَول الشَّافِعِي - رَحمَه
الله - لَيْسَ من الحَدِيث أَن يرْوى الثِّقَة مَا لَا يرْوى
غَيره، إِنَّمَا الشاذ أَن يرْوى الثِّقَة حَدِيثا يُخَالف مَا
روى النَّاس. وَخَالف أَبُو يعلى الخليلى حَيْثُ قَالَ: الذى
عَلَيْهِ حفاظ الحَدِيث أَن الشاذ: مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا
إِسْنَاد وَاحِد شَذَّ بذلك شيخ ثِقَة كَانَ أَو غير ثِقَة،
فَمَا كَانَ من غير ثِقَة فمتروك، وَمَا كَانَ عَن ثِقَة
يتَوَقَّف فِيهِ وَلَا يحْتَج بِهِ، وَقَوله: وَمَا كَانَ عَن
ثِقَة ... إِلَى آخِره، هُوَ شَبيه قَول الْحَاكِم: الشاذ مَا
انْفَرد بِهِ ثِقَة، وَلَيْسَ لَهُ أصل متابع وَلَيْسَ
إِطْلَاقهم بجيد، فَلَا بُد أَن يكون مَعَ ذَلِك مُخَالفا لما
رَوَاهُ غَيره وَإِلَّا فَهُوَ غَرِيب، وَذكر ابْن الصّلاح:
أَن الصَّحِيح التَّفْصِيل، فَمَا خَالف فِيهِ الْمُنْفَرد من
هُوَ أحفظ مِنْهُ وأضبط فشاذ مَرْدُود وَإِن لم يُخَالف، بل
روى شَيْئا لم يروه غَيره [/ 132] وَهُوَ عدل ضَابِط فَصَحِيح،
أَو غير ضَابِط يبعد عَن دَرَجَة الضَّابِط فَحسن، وَإِن بعد
فشاذ مُنكر، وَهُوَ تَفْصِيل حسن، وَعَلِيهِ مَشى النَّاظِم
حَيْثُ اقْتصر على الْقسم الأول وَالثَّالِث من الثانى، لَكِن
كَلَام ابْن الصّلاح مَحل بخالفة الثِّقَة لمن هُوَ مثله فى
الضَّبْط، وَبَيَان حكمه.
(1/196)
الْمُنكر
(170 - (ص) وَالْمُنكر الْفَرد لبَعض وَالأَصَح ... تَفْصِيله
فَهُوَ بذى الإتقان صَحَّ)
(171 - كمالك فى عمر وَعمر ... وكحديث بلح بِتَمْر)
(ش) اخْتلف فى الْمُنكر فَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر البرديجى:
هُوَ الحَدِيث الذى ينْفَرد بِهِ الرجل وَلَا يعرف مَتنه من
غير رِوَايَته من الْوَجْه الذى رَوَاهُ مِنْهُ وَلَا من وَجه
آخر، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقول النَّاظِم [وَالْمُنكر
الْفَرد لبَعض] وَالصَّحِيح: كَمَا قَالَ ابْن الصّلاح
التَّفْصِيل الْمَذْكُور قَرِيبا فى الشاذ، وَأَنه إِن كَانَ
الْمُنْفَرد عدلا ضابطا لم يُخَالف فَهُوَ صَحِيح، وَهُوَ معنى
قَوْله: [وَالأَصَح تَفْصِيله] فَهُوَ - أى الْمُنْفَرد - بِهِ
[ذُو الإتقان صَحَّ] ، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مثالين أَحدهمَا:
لما انْفَرد بِهِ ثِقَة يحمل تفرده، وَثَانِيهمَا: لما انْفَرد
بِهِ ثِقَة لَا يحمل تفرده، فَالْأول هُوَ حَدِيث مَالك عَن
الزُّهْرِيّ، عَن على بن حُسَيْن، عَن عمر بن عُثْمَان، عَن
أُسَامَة بن زيد - رضى الله عَنْهُمَا - رَفعه: " لَا يَرث
الْمُسلم الْكَافِر " فَإِن مَالِكًا خَالف
(1/197)
فى تَسْمِيَته رِوَايَة: [عمر] بِضَم
الْعين غَيره، حَيْثُ هُوَ عِنْدهم [عَمْرو] بِفَتْحِهَا،
وَقطع مُسلم وَغَيره على مَالك بالوهم فِيهِ. وَثَانِيهمَا:
حَدِيث أَبى زُكَيْرٍ يحيى بن مُحَمَّد بن قيس، عَن هِشَام بن
عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة - رضى الله عَنْهَا -[/
133] مَرْفُوعا: " كلوا البلح بِالتَّمْرِ " الحَدِيث تفرد
بِهِ أَبُو زُكَيْرٍ، وَهُوَ شيخ صَالح، أخرج لَهُ مُسلم فى
كِتَابه، غير أَنه لم يبلغ فَبلغ مبلغ من يحمل تفرده، وَقد
ضعفه ابْن معِين وَابْن حبَان، وَقَالَ ابْن عدى: أَحَادِيثه
مُسْتَقِيمَة، سوى أَرْبَعَة عد مِنْهَا هَذَا، إِذا عرف هَذَا
فَلَيْسَ فى كَلَام النَّاظِم تبعا لِابْنِ الصّلاح ومختصراته
مَا يفصل الشاذ من الْمُنكر، بل اشْترك بَينهمَا فى
الْقسمَيْنِ. وَقد فصل بَينهمَا شَيخنَا حَيْثُ قرر أَن
الْمُعْتَمد فى تَعْرِيف الشاذ اصْطِلَاحا أَنه: مَا رَوَاهُ
المقبول مُخَالفا لمن هُوَ أولى مِنْهُ، وفى تَعْرِيف
الْمُنكر: مَا رَوَاهُ غير المقبول مُخَالفا للثقات، فالصدوق
إِذا تفرد بشئ غير تَابع وَلَا شَاهد، وَلم يكن فِيهِ من
الضَّبْط مَا يشْتَرط فى الصَّحِيح وَالْحسن؛ كَانَ كَأحد قسمى
الشاذ، فَإِن خُولِفَ مَعَ ذَلِك
(1/198)
كَانَ أَشد فى شذوذه، وَرُبمَا سَمَّاهُ
بَعضهم مُنْكرا، وَإِن بلغ الشاذ تِلْكَ الرُّتْبَة فى
الضَّبْط لكنه خَالف من هُوَ أرجح مِنْهُ فى الْبَقِيَّة
والضبط، كَانَ الْمَرْجُوح شاذا، وَهُوَ الْقسم الثانى، وَهُوَ
الْمُعْتَمد فى تَسْمِيَته، وَأما إِذا انْفَرد المستور أَو
الْمَوْصُوف بِسوء الْحِفْظ، أَو الضعْف فى بعض شُيُوخه دون
بعض بشئ لَا متابع لَهُ فِيهِ وَلَا شَاهدا فَهَذَا أحد قسمي
الْمُنكر، وَهُوَ الذى يُوجد فى إِطْلَاق كثير من أهل
الحَدِيث، وَإِن خُولِفَ مَعَ ذَلِك فَهُوَ الْقسم الثانى،
وَهُوَ الْمُعْتَمد على رأى الْأَكْثَرين، قَالَ: فَبَان
بِهَذَا فصل الْمُنكر من الشاذ وَأَن كلا مِنْهُمَا قِسْمَانِ
يجمعهما مُطلق التفرد، أَو مَعَ قيد الْمُخَالفَة.
قلت: [/ 134] وَبِهَذَا يتَّجه قَوْله فى شرح " النخبة "
بَينهمَا عُمُوم وخصوص من وَجه، لِأَن بَينهمَا اجتماعا فى
اشْتِرَاط الْمُخَالفَة وافتراقا فى أَن الشاذ رِوَايَة
الثِّقَة أَو صَدُوق وَالْمُنكر رِوَايَة ضَعِيف.
المضطرب
(172 - (ص) مُضْطَرب أَن يخْتَلف رَاوِيه ... على التساوى
باخْتلَاف فِيهِ)
(173 - مثل مصل لم يحد مَا ينصب ... وَعند تَرْجِيح فَلَا
يضطرب)
(ش) : أى: [المضطرب] هُوَ الذى يرْوى على أوجه مُخْتَلفَة،
متدافعة، مُتَفَاوِتَة، على التساوى فى الِاخْتِلَاف، من
وَاحِد أَو أَكثر فى السَّنَد أَو فى الْمَتْن، مثله فى
السَّنَد: حَدِيث أَبى هُرَيْرَة - رضى الله عَنهُ - مَرْفُوعا
-: - " فى الْمصلى إِذا لم يجد عصى بنصبها بَين يَدَيْهِ فليخط
خطا " فقد اخْتلف فى سَنَده على إِسْمَاعِيل بن أُميَّة.
فَقيل: عَن أَبى عَمْرو بن مُحَمَّد بن حُرَيْث عَن جده
حُرَيْث عَن أَبى هُرَيْرَة، وَقيل عَن أَبى عَمْرو بن
مُحَمَّد بن حُرَيْث
(1/199)
عَن أَبِيه، عَن أَبى هرير ة، وَقيل: عَن
أَبى عَمْرو بن مُحَمَّد بن حُرَيْث عَن أَبِيه، عَن أَبى
هُرَيْرَة، وَقيل: عَن عَمْرو بن حُرَيْث، عَن جده حُرَيْث،
وَقيل: عَن حُرَيْث بن عمار، عَن أَبى هُرَيْرَة، وَفِيه من
الِاضْطِرَاب غير ذَلِك. قَالَ ابْن عُيَيْنَة: لم نجد شَيْئا
نَشد بِهِ هَذَا الحَدِيث، وَلم يجِئ إِلَّا من هَذَا
الْوَجْه. وَقد خدش شَيخنَا هَذِه الْمقَالة بإيراده من غير
هَذَا الْوَجْه، بل حقق انْتِفَاء الِاضْطِرَاب عَن هَذَا
الحَدِيث وَذَلِكَ أَنه قَالَ: جَمِيع من رَوَاهُ: عَن
إِسْمَاعِيل، عَن هَذَا الرجل إِنَّمَا وَقع بَينهم
الِاخْتِلَاف فى اسْمه، أَو كنيته، وَهل رِوَايَته عَن أَبِيه،
أَو عَن جده أَو عَن أَبى هُرَيْرَة بِلَا وَاسِطَة؟ وَإِذا
حقق الْأَمر فِيهِ لم يكن فِيهِ [/ 135] حَقِيقَة للاضطراب،
لِأَن الِاضْطِرَاب هُوَ الِاخْتِلَاف الَّذِي يُؤثر قدحا،
وَاخْتِلَاف الرِّوَايَة فى اسْم رجل لَا يُؤثر ذَلِك،
لِأَنَّهُ إِن كَانَ الرجل ثِقَة فَلَا ضير، وَإِن كَانَ غير
ثِقَة فضعف الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ من قبل ضعفه لَا من قبل
اخْتِلَاف انساب فى اسْمه، وَيُؤَيّد ذَلِك تَصْحِيح ابْن
حبَان وَالْحَاكِم وَغَيرهمَا لَهُ، بل صنيعهم مُقْتَض لثُبُوت
عَدَالَته عِنْدهم فَمَا يضرّهُ مَعهَا أَن لَا يَنْضَبِط
اسْمه إِذا عرف ذَاته، قَالَ: على إِن الطّرق الَّتِي ذكرهَا
شَيخنَا يعْنى العراقى وَابْن الصّلاح مائلة لترجيح بَعْضهَا
على بعض، والراجحة مِنْهَا يُمكن التَّوْفِيق بَينهمَا، فينتفى
الِاضْطِرَاب أصلا ورأسا. يعْنى فَإِن الطّرق إِذا اخْتلفت
ورجحت إِحْدَى الرِّوَايَات على الْأُخْرَى بِوَجْه من وُجُوه
التَّرْجِيح بِأَن يكون راويها أحفظ، أَو أكبر، أَو أَكثر
صُحْبَة
(1/200)
للمروى عَنهُ، أَو غير ذَلِك فَالْحكم
للراجحة، وَلَا يكون الحَدِيث مضطربا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ
النَّاظِم بقوله: [وَعند تَرْجِيح فَلَا يضطرب] وَهُوَ
تَصْرِيح بِمَا فهم من قَوْله: على التساوى.
والمضطرب ضَعِيف، لإشعاره بِعَدَمِ الضَّبْط، وَفَاتَ
النَّاظِم التَّصْرِيح بالتنبيه على ذَلِك، كَمَا أَنه لم
يتَعَرَّض لمثال الِاضْطِرَاب فى الْمَتْن، وَكَأَنَّهُ تَركه
لعسرة وجوده، مِثَال: تعذر الْجمع بَين الِاخْتِلَاف فِيهِ
كالاختلاف فى تعْيين الصَّلَاة من " قصَّة ذى الْيَدَيْنِ ".
[ومختلف] بِالنّصب، وَلكنه سكنه للضَّرُورَة.
مُحَمَّد بن حُرَيْث عَن جده حُرَيْث عَن أبي هُرَيْرَة،
وَقيل: عَن أَبى عَمْرو بن مُحَمَّد بن حُرَيْث عَن أَبِيه،
عَن أبي هُرَيْرَة، وَقيل: عَن عَمْرو بن حُرَيْث، عَن جده
حُرَيْث، وَقيل: عَن حُرَيْث بن عمار، عَن أبي هُرَيْرَة،
وَفِيه من الِاضْطِرَاب غير ذَلِك. قَالَ ابْن عُيَيْنَة: لم
نجد شَيْئا نَشد بِهِ هَذَا الحَدِيث، وَلم يجِئ إِلَّا من
هَذَا الْوَجْه. وَقد خدش شَيخنَا هَذِه الْمقَالة بإيراده من
غير هَذَا الْوَجْه، بل حقق انْتِفَاء الِاضْطِرَاب عَن هَذَا
الحَدِيث وَذَلِكَ أَنه قَالَ: جَمِيع من رَوَاهُ: عَن
إِسْمَاعِيل، عَن هَذَا الرجل إِنَّمَا وَقع بَينهم
الِاخْتِلَاف فى اسْمه، أَو كنيته، وَهل رِوَايَته عَن أَبِيه،
أَو عَن جده أَو عَن جده أَو عَن أَبى هُرَيْرَة بِلَا
وَاسِطَة؟ وَإِذا حقق الْأَمر فِيهِ لم يكن فِيهِ [/ 135]
حَقِيقَة للاضطراب، لِأَن الِاضْطِرَاب هُوَ الِاخْتِلَاف الذى
يُؤثر قدحا، وَاخْتِلَاف الرِّوَايَة فى اسْم رجل لَا يُؤثر
ذَلِك، لِأَنَّهُ إِن كَانَ الرجل ثِقَة فَلَا ضير، وَإِن
كَانَ غير ثِقَة فضعف الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ من قبل ضعفه لَا
من قبل اخْتِلَاف النساب فى اسْمه، وَيُؤَيّد ذَلِك تَصْحِيح
ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَغَيرهمَا لَهُ، بل صنيعهم مُقْتَض
لثُبُوت
(1/201)
عَدَالَته عِنْدهم فَمَا يضرّهُ مَعهَا أَن
لَا يَنْضَبِط اسْمه إِذا عرف ذَاته، قَالَ: على إِن الطّرق
الَّتِي ذكرهَا شَيخنَا يعْنى العراقى وَابْن الصّلاح مائلة
لترجيح بَعْضهَا على بعض، والراجحة مِنْهَا يُمكن التَّوْفِيق
بَينهمَا، فينتقى الِاضْطِرَاب أصلا ورأسا. يعْنى فَإِن الطّرق
إِذا اخْتلفت ورجحت إِحْدَى الرِّوَايَات على الْأُخْرَى
بِوَجْه من وُجُوه التَّرْجِيح بِأَن يكون راويها أحفظ، أَو
أكبر، أَو أَكثر صُحْبَة للمروى عَنهُ، أَو غير ذَلِك فَالْحكم
للراجحة، وَلَا يكون الحَدِيث مضطربا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ
النَّاظِم بقوله: [وَعند تَرْجِيح فَلَا يضطرب] وَهُوَ
تَصْرِيح بِمَا فهم من قَوْله: على التساوى.
والمضطرب ضَعِيف، لإشعاره بِعَدَمِ الضَّبْط، وَفَاتَ
النَّاظِم التَّصْرِيح بالتنبيه على ذَلِك، كَمَا أَنه لم
يتَعَرَّض لمثال الِاضْطِرَاب فى الْمَتْن، وَكَأَنَّهُ تَركه
لعسرة وجوده، مِثَال: تعذر الْجمع بَين الِاخْتِلَاف فِيهِ
كالاختلاف فى تعْيين الصَّلَاة من " قصَّة ذى الْيَدَيْنِ ".
[ومختلف] بِالنّصب، وَلكنه سكنه للضَّرُورَة.
الْمَوْضُوع
(174 - (ص) وَالْخَبَر الْمَوْضُوع كذب مختلق ... وَهُوَ
أَقسَام فبعض اختلق)
(175 - ذَاك احتسابا كفواتح السُّور ... وَلَيْلَة النّصْف
وَذَا الْقسم أضرّ)
(176 - وَبَعْضهمْ ظنا وَبَعض للهوى ... وَالْبَعْض للدنيا
وَبَعْضهمْ غوى)
(177 - وَلم يجز فى كلهَا رِوَايَة ... إِلَّا على الْبَيَان
والحكاية)
(1/202)
(ش) : [الْمَوْضُوع] هُوَ المكذوب على
رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] .
وَيُقَال لَهُ: المختلق والمصنوع يعْنى أَن وَاضعه اختلقه
وصنعه.
وَهُوَ بِحَسب قصد الْوَاضِع أَقسَام فبعض اختلقه وَاضعه، الذى
نسب إِلَى الزّهْد والديانة احتسابا للخير، وتقربا إِلَى الله
تَعَالَى بِزَعْمِهِ وجهله، كأبى عصمَة نوح بن أَبى مَرْيَم فى
وَضعه أَحَادِيث فَضَائِل سور الْقُرْآن، عَن عِكْرِمَة، عَن
ابْن عَبَّاس، وَكَذَلِكَ حَدِيث: أَبى بن كَعْب الطَّوِيل فى
" فَضَائِل سور الْقُرْآن سُورَة سُورَة، وَلَقَد أَخطَأ
الواحدى وَمن قَلّدهُ فى ذكره فى التَّفْسِير أُميَّة،
وكالكرامية من المبتدعة جوزوا الْوَضع فى التَّرْغِيب
والترهيب، وخالفوا إِجْمَاع الْمُسلمين الذى يعْتد بإجماعهم
فوضعوا حَدِيث: "
(1/203)
صَلَاة النّصْف من شعْبَان " و " صَلَاة
الرغائب "، و " فَضَائِل صَوْم رَجَب "، وَهَذَا الْقسم أضرّ
لأَنهم لما رَأَوْا فرقة لم يرجِعوا عَنهُ، وَالنَّاس يثقون
بهم ويركنون إِلَيْهِم، لما نسبوا إِلَيْهِ من الزّهْد
وَالصَّلَاح، فينقلونها عَنْهُم، [وَبَعْضهمْ ظنا] ، كَمَا
وَقع لِثَابِت بن مُوسَى الزَّاهِد فى حَدِيث: " من كثرت
صلَاته بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ " حَيْثُ دخل على
شريك القاضى والمستملى بَين يَدَيْهِ وَشريك يَقُول: حَدثنَا
الْأَعْمَش
(1/204)
عَن أَبى سُفْيَان، عَن جَابر - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] :
وَسكت عَن إِيرَاد الْمَتْن فَلَمَّا نظر إِلَى ثَابت
وَأَعْجَبهُ سمته لزهده قَالَ: من كَثْرَة صلَاته [/ 137]
[وَسكت عَن إِيرَاد الْمَتْن، فَلَمَّا نظر إِلَى ثَابت و /
أعجبه سمته لزهده قَالَ: من كثر صلَاته] بِاللَّيْلِ ... ،
وَذكره، فَظن ثَابت أَن هَذَا هُوَ متن الْإِسْنَاد الذى وقف
عقبه، ثمَّ سَرقه مِنْهُ جمَاعَة للهوى والتعصب كمأمون بن
أَحْمد الهروى فى وَضعه حَدِيث: " يكون فى أمتى رجل يُقَال
لَهُ مُحَمَّد بن إِدْرِيس، وَقد حكى النَّاظِم فى بعض تصانيفه
أَنه رأى رجلا قَامَ يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّاس مجتمعون قبل
الصَّلَاة، فشرع ليورده فَسقط من قامته مغشيا عَلَيْهِ،
وَكَذَا وضع نَحْو هَذَا فى أَبى حنيفَة - رحمهمَا الله
تَعَالَى -
(1/205)
وَنَحْو ذَلِك مَا حَكَاهُ القرطبى عَن بعض
أهل الرأى: إِنَّمَا وَافق الْقيَاس الجلى جَازَ أَن يعزى
إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وروى ابْن حبَان
فى " مُقَدّمَة الضُّعَفَاء " من طَرِيق عبد الله بن يزِيد
المقرى أَن رجلا من أهل الْبدع رَجَعَ عَن بدعته فَجعل يَقُول:
انْظُرُوا هَذَا الحَدِيث عَمَّن تأخذونه فَإنَّا كُنَّا إِذا
رَأينَا جعلنَا لَهُ حَدِيثا.
[وَالْبَعْض للدنيا] والتقرب للملوك كغياث بن إِبْرَاهِيم
النخعى فى وَضعه حَدِيث: " الْمُسَابقَة بالجناح للمهدى "،
وَنَحْو ذَلِك من يكْسب بهَا من الْقصاص وَشبهه، كأبى سعيد
المدائنى [وَبَعض غوى] كمحمد بن سعيد الشامى المصلوب وَغَيره
من الزَّنَادِقَة، حَيْثُ وضعوها زندقة ليضلوا النَّاس إِلَى
غير ذَلِك من الْمَقَاصِد، وَلَا يجوز رِوَايَة شَيْء من ذَلِك
فى أى معنى كَانَ من الْأَحْكَام، أَو الْقَصَص، أَو
الْأَمْثَال، أَو التَّرْغِيب، أَو التَّرْهِيب، مَعَ الْعلم
بِهِ إِلَّا مَعَ الْبَيَان لَهُ من قبل نَفسه إِن كَانَ
أَهلا، أَو الْحِكَايَة لذَلِك عَن غَيره من الْأَئِمَّة مَعَ
غير بَيَان، لَكِن بِشُرُوط [/ 138] فى غير هَذَا الْمحل.
(1/206)
طرق معرفَة الْوَضع
(178 - (ص) وَيعرف الْمَوْضُوع لَا بِأَن يقر ... وَاضعه بل من
نبى الله سر)
(179 - وَقد يكون بِفساد الْمَعْنى ... وركة اللَّفْظ وَغير
معنى)
(180 - فَبين النقاد كل هَذَا ... وميزوا من مان أَو من هَذَا)
(ش) : أى وَيعرف هَذَا الْمَوْضُوع لَا بِإِقْرَار وَاضعه
كَمَا ذكر، فَإِنَّهُ قد يكذب فى إِقْرَاره بِوَضْعِهِ مَعَ
ردنا لخبره هَذَا، أَو غَيره من رواياته، بل ذَلِك سر من أسرار
النُّبُوَّة، قَالَ الرّبيع بن خثيم: إِن للْحَدِيث ضوء كضوء
النَّهَار يعرفهُ، وظلمة كظلمة اللَّيْل مُنكرَة وَقد يسْتَدلّ
لذَلِك بِفساد مَعْنَاهُ من مُخَالفَة أصُول الشَّرْع،
والمعلوم الْمَقْطُوع بِهِ وثواب النَّبِيين وَالصديقين على
عمل قد لَا يكون فِيهِ عبَادَة أَو فِيهِ عبَادَة مَا فيجازف
فى الْوَعيد وَكَذَا [بركَة لَفظه] ، وَرُبمَا يجْتَمع الْفساد
والركة مَعًا، قَالَ ابْن الصّلاح: قد وضعت أَحَادِيث طَوِيلَة
يشْهد لوضعها ركة ألفاظها ومعانيها، وَكَذَا بِغَيْر مَا ذكره
من
(1/207)
الْمعَانى كقرينة حَال الراوى، مثل مَا
يحْكى عَن مَأْمُون ابْن أَحْمد أَنه ذكر بِحَضْرَتِهِ الْخلاف
فى كَون الْحسن سمع من أَبى هُرَيْرَة فساق فى الْحَال
إِسْنَادًا إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه
قَالَ: سمع من أَبى هُرَيْرَة، وَنَحْوه قصَّة غياث ابْن
إِبْرَاهِيم حَيْثُ دخل على المهدى، فَوَجَدَهُ يلْعَب
بالحمام، فساق فى الْحَال إِسْنَادًا إِلَى النَّبِي [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] إِنَّه قَالَ: " لَا سبق إِلَّا فى نصل أَو خف
أَو حافر أَو جنَاح "، وَلم يخف صَنِيعه فِيهِ على المهدى الذى
وَضعه من أَجله، ثمَّ المروى طارة يخترعه [/ 139] الْوَاضِع،
وَتارَة يَأْخُذ كَلَام غَيره كبعض الْإسْرَائِيلِيات، أَو
يَأْخُذ حَدِيثا ضَعِيف الْإِسْنَاد فيركب عَلَيْهِ إِسْنَادًا
صَحِيحا، ليروج، فَبين النقاد جزاهم الله خيرا كل هَذَا وميزوا
عَن حَدِيث رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْكَذِب
والهذيان، وَلم تعدم الْأمة المحمدية فى كل عصر من يقوم
بِحِفْظ السّنة، وينفى عَنْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا وَقد توسع
ابْن الجوزى فى إِيرَاد كثير من الْأَحَادِيث الَّتِى لَا
ترتقى إِلَى الْوَضع، بل وفى بَعْضهَا مَا هُوَ صَحِيح
وَنَحْوه، بل أغرب من هَذَا إِدْخَاله لكثير مِمَّا حكم
عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ فى تصانيفه الوعظية وَغَيرهَا، ساكتا
عَلَيْهِ، فَلم يمش فى الطَّرِيق على سنَن وَاحِد مَعَ جلالته
وإمامته، وَقَوله
(1/208)
[مان] هُوَ فى الْمَتْن، وَهُوَ الْكَذِب،
[وَهَذَا] من الهذيان، وَهُوَ الْكَلَام السَّاقِط، وَفِيه وفى
السطر قبله الجناس التَّام.
المقلوب
(181 - (ص) وَالْخَبَر المقلوب أَن يكون عَن ... سَالم يأتى
نَافِع ليرغبن)
(ش) : [المقلوب] : وَهُوَ من أَقسَام الضَّعِيف: أَن يكون
حَدِيث مَشْهُور عَن راو كسالم مثلا، فَيجْعَل مَكَانَهُ راو
أخر فى طبقاته نَحْو نَافِع، ليصير لغرابته مرغوبا فِيهِ،
فَقَوله: [يأتى نَافِع] بدل سَالم وَمِمَّنْ كَانَ يَفْعَله من
الوضاعين إِسْمَاعِيل بن أبي حَيَّة اليسع، وبهلول ابْن عبيد
الكندى، وَحَمَّاد بن عَمْرو النصبى، وَقد يَنْقَلِب الحَدِيث
على راو بِدُونِ قصد وَيَقَع الْقلب فى الْمَتْن أَيْضا، لكنه
قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّنَد، وَقد أفرده النَّاظِم فى
(1/209)
نوع [/ 140] سَمَّاهُ المنقلب، وَخَالف
شَيخنَا حَيْثُ جعل مَا كَانَ فى الْمَتْن المقلوب وَمَا كَانَ
من الْأَسْمَاء الْمُبدل.
(182 - وَقيل فى فَاعل هَذَا سرق ... ثمَّ مركب على ذَا
أطْلقُوا)
(183 - قلت وعندى أَنه الذى وضع ... إِسْنَاد ذَا لغيره كَمَا
وَقع)
(184 - لِلْحَافِظِ البخار فى بَغْدَاد ... والمز أَيْضا
بِابْن عبد الهادى)
إِنَّه قد قيل فى فَاعل هَذَا سرق، كَمَا وصف بهَا جمَاعَة،
وعدت فى أَلْفَاظ التجريح، وَقد أطلق بَعضهم على هَذَا
النَّوْع، وَهُوَ مَا كَانَ مَشْهُورا براو فَجعل مَكَانَهُ
رَاوِيا آخر: الْمركب. وإخبار النَّاظِم أَنه غَيره، وَهُوَ -
أى الْمركب - وضع متن إِسْنَاده آخر وَمَتنه لإسناد متن آخر
كَمَا وَقع للبخارى الْحَافِظ، حِين قدم بَغْدَاد فامتحنه
محدثوها وَوَضَعُوا لَهُ مائَة حَدِيث، مركبة الْأَسَانِيد، كل
سَنَد لمتن آخر، وجعلوها عشرَة عشرَة، مَعَ كل مُحدث، وحضروا
مَجْلِسه فأورد كل من الْعشْرَة حَدِيثا بِالْإِسْنَادِ
الْمركب حَتَّى تمت الْمِائَة، وَهُوَ يُجيب فى كل حَدِيث:
[بِلَا أعلمهُ] ، ثمَّ الْتفت إِلَى الأول، فَقَالَ: حَدِيثك
الأول أوردته كَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ كَذَا، حَتَّى أَتَى على
الْمِائَة، فَرد كل سَنَد إِلَى مَتنه، وكل متن إِلَى سَنَده،
فأذعنوا لَهُ بِالْفَضْلِ، وكما وَقع لِلْحَافِظِ أَبى
الْحجَّاج المزى صَاحب " الْمُحَرر " وَقَالَ لَهُ: انتخبت من
روايتك أَرْبَعِينَ حَدِيثا، أُرِيد قرَاءَتهَا عَلَيْك،
وَقَرَأَ الحَدِيث
(1/210)
الأول وَكَانَ الشَّيْخ مُتكئا فَجَلَسَ،
فَلَمَّا [/ 141] أَتَى على الثانى تَبَسم الشَّيْخ، وَقَالَ:
مَا هُوَ أَنا، ذَاك البخارى حَكَاهَا النَّاظِم فى بعض
تعاليقه عَن شَيْخه ابْن كثير، قَالَ: والبخارى قَالَ لى:
شَيخنَا - يعْنى ابْن كثير -: وَكَانَ هَذَا عندنَا أحسن من
رده كل حَدِيث إِلَى سَنَده انْتهى، قَالَ: وَعِنْدِي إِنَّه
بالمركب أشبه وَلَا مشاحة فى الِاصْطِلَاح، وَهَذَا يقْصد بِهِ
الإغراب فَيكون كالوضع، وَقد يفعل اختبارا لحفظ الْمُحدث، وَهل
يقبل التَّلْقِين أم لَا؟ وَتوقف العراقى فِيهِ، فَقَالَ: وفى
جَوَازه نظر إِلَى أَنه إِذا فعله أهل الحَدِيث لَا يسْتَقرّ
حَدِيثا، والأعمال بِالنِّيَّاتِ، وَحذف النَّاظِم يَاء
النّسَب من كل من [البخارى] و [المزى] لضَرُورَة النّظم.
(185 - مُنْقَلب واصله كَمَا يحب ... لسبق لفظ الراو فِيهِ
يَنْقَلِب)
(186 - كَمثل للفارس سَهْمَيْنِ الْفرس ... للنار ينشئ الله
خلقا انعكس)
(187 - ان ابْن مَكْتُوم بلَيْل يسمع ... وَقبل جُمُعَة يصلى
أَربع)
أى المنقلب: وَهُوَ أَن يكون على وَجه فينقلب بعض لَفظه على
الراوى فيتغير مَعْنَاهُ، وَرُبمَا انعكس.
وَأَشَارَ النَّاظِم بعدة أمثله، مِنْهَا حَدِيث: " أسْهم
رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] للراجل سَهْما، وللفارس
سَهْمَيْنِ " فَإِن فِيهِ وللفرس سَهْمَيْنِ بدل وللفارس فَسبق
اللَّفْظ من حَيْثُ ذكر الراجل
(1/211)
إِلَى الْفَارِس فَصَارَ منقلبا وَمِنْهَا
الحَدِيث الذى رَوَاهُ البخارى فى أَوَاخِر صَحِيحه فى بَاب [/
142] : {إِن رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ} من حَدِيث
صَالح بن كيسَان عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة - رضى الله
عَنهُ - رَفعه: " اختصمت الْجنَّة وَالنَّار إِلَى ربهما "
الحَدِيث وَفِيه: " أَنه ينشئ للنار خلقا " صَوَابه كَمَا
رَوَاهُ فى مَوضِع آخر مِنْهَا من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن
معمر، عَن همام، عَن أَبى هُرَيْرَة، بِلَفْظ: " فَأَما
الْجنَّة فينشأ الله لَهَا خلقا " فَسبق لفظ الراوى من
الْجنَّة إِلَى النَّار وَصَارَ منقلبا، وَلذَلِك جزم ابْن
الْقيم بِأَنَّهُ غلط، وَمَال إِلَيْهِ البلقينى، حَيْثُ أنكر
هَذِه وَاحْتج بقوله:
(1/212)
{وَلَا يظلم رَبك أحدا} كَمَا بسط فى
مَحَله، وَمِنْهَا حَدِيث عَائِشَة - رضى الله عَنْهَا -: "
أَن ابْن مَكْتُوم يُؤذن بلَيْل، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى
تسمعوا أَذَان بِلَال " أخرجه ابْن خُزَيْمَة وَعِنْده أَيْضا،
وَكَذَا ابْن حبَان، وَأحمد وَغَيرهمَا، من حَدِيث أنيسَة -
رَضِي الله عَنْهَا - قَالَت: قَالَ رَسُول الله [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] : " إِذا أذن بِلَال فَلَا تَأْكُلُوا وَلَا
تشْربُوا " انْقَلب على بعض الروَاة وَصَوَابه: " أَن بِلَالًا
يُؤذن بلَيْل " مُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عمر،
(1/213)
وَعَائِشَة - رضى الله عَنْهَا -،
وَمِنْهَا: حَدِيث: " الصَّلَاة قبل الْجُمُعَة أَربع "، فَإِن
الصَّوَاب فِيهِ كَمَا أخرجه مُسلم فى " صَحِيحه " من حَدِيث
خَالِد بن عبد الله، عَن أَبِيه، عَن أَبى هُرَيْرَة مَرْفُوعا
كَون: " الْأَرْبَع بعْدهَا "، فَانْقَلَبَ على بعض رُوَاته
كَمَا أفهمهُ النَّاظِم - وَإِن لم أَقف على ذَلِك إِلَى الْآن
- بل الذى رَأَيْته إِنَّمَا هُوَ قلبه فى السَّنَد، نعم
رَوَاهُ أَبيض أزابان الثقفى عَن منهل بِلَفْظ: " من كَانَ [/
143] مُصَليا فيصل قبلهَا
(1/214)
أَرْبعا وَبعدهَا " وعد فى إِفْرَاده عَن
سَائِر الْحفاظ من أَصْحَاب سُهَيْل فَهُوَ شَاذ، وَمِمَّا لم
يذكرهُ النَّاظِم حَدِيث: " إِذا صلى أحدكُم فَلَا يبرك كَمَا
يبرك الْبَعِير وليضع يَدَيْهِ قبل ركبته " كَذَا رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد والترمذى، وَهُوَ مُنْقَلب على بعض رُوَاته،
وَصَوَابه: " وَلَا يضع يَدَيْهِ قبل رُكْبَتَيْهِ " لِأَن
أَوله يُخَالف آخِره، فَإِنَّهُ إِذا وضع يَدَيْهِ قبل
رُكْبَتَيْهِ
(1/215)
برك كَمَا يبرك الْبَعِير، لَكِن قد ادّعى بَعضهم فى هَذَا
النّسخ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يكون من هَذَا الْبَاب، كَمَا فعل
ابْن خُزَيْمَة فى ثَالِث الْأَحَادِيث إِذا قَالَ: لَا تضَاد
بَين الْحَدِيثين لخبرين، إِذْ من الْجَائِز أَن يكون النبى
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] جعل الْأَذَان بِاللَّيْلِ تناولا
بَين بِلَال، وَبَين ابْن أم مَكْتُوم، فحين يكون نوبَة
أَحدهمَا لَيْلًا يكون نوبَة الآخر عِنْد طُلُوع الْفجْر، وفى
الخبران على حسب الْحَالين، وَأخذ هَذَا ابْن حبَان وَجزم
بِهِ، فَقَالَ: لَيْسَ بَين الْخَبَرَيْنِ تضَاد، قَالَ
شَيخنَا: وَهَذَا بعيد، وَلَو فتحنا بَاب التَّأْوِيل لَا ندفع
كثير من علل الْمُحدثين. انْتهى.
وَقد أفرد الْجلَال البلقينى - رَحمَه الله - كثيرا من
أَمْثِلَة هَذَا النَّوْع، لَكِن لَا نطيل بإيراداها، وأسلفت
قَرِيبا فى المقلوب عَن شَيخنَا، أَنه جعل هَذِه الْأَمْثِلَة
للمقلوب، وَمَا كَانَ فى الروَاة سَمَّاهُ الْمُبدل، فعلى
هَذَا يكون عِنْد كل من النَّاظِم وَشَيخنَا نوع لم يذكرهُ
ابْن الصّلاح. |