المقنع في علوم الحديث

1
- النَّوْع الْعشْرُونَ
المدرج
وَهُوَ أَقسَام
أَحدهَا مَا أدرج فِي الحَدِيث من كَلَام بعض رُوَاته 2 بِأَن يذكر الصَّحَابِيّ فَمن بعده عقبه كلَاما لنَفسِهِ أَو لغيره فيرويه من بعده مُتَّصِلا فيوهم 3 أَنه من الحَدِيث
وَمن أمثلته الْمَشْهُورَة
حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي التَّشَهُّد قَالَ فِي آخِره فَإِذا 4 قلت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك إِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ

(1/227)


1 - فَقَوله فَإِن شِئْت إِلَى آخِره من كَلَام ابْن مَسْعُود أدرجت فِي الحَدِيث
قلت وَقد يدرج فِي 2 أول الحَدِيث وَفِي وَسطه كَمَا نبه عَلَيْهِ الْخَطِيب وَإِن قَيده الشَّيْخ بالعقب
الثَّانِي أَن يكون 3 عِنْده متن حَدِيث بِإِسْنَاد إِلَّا طرفا مِنْهُ فَإِنَّهُ عِنْده بِإِسْنَاد ثَان فيرويهما بِالْإِسْنَادِ الأول 4
مِثَاله
حَدِيث عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه عَن وَائِل بن حجر فِي صفة صَلَاة رَسُول الله صلى الله 5 عَلَيْهِ وَسلم وَفِي آخِره أَنه جَاءَ فِي الشتَاء فَرَآهُمْ يرفعون أَيْديهم من تَحت الثِّيَاب

(1/228)


1 - وَالصَّوَاب رِوَايَة الأول كَمَا ذكرنَا وَرِوَايَة رفع الْأَيْدِي عَن عَاصِم عَن عبد الْجَبَّار بن 2 وَائِل عَن بعض أَهله عَن وَائِل

(1/229)


1 - الثَّالِث أَن يدرج فِي متن حَدِيث بعض متن آخر مُخَالف للْأولِ فِي الْإِسْنَاد
مِثَاله
حَدِيث 2 أنس لَا تباغضوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تدابروا

(1/230)


1 - أدرج فِيهِ ابْن مَرْيَم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة الآخر وَلَا تنافسوا
الرَّابِع أَن يسمع حَدِيثا 2 من جمَاعَة مُخْتَلفين فِي إِسْنَاده أَو مَتنه فَلَا يذكر الِاخْتِلَاف وَيذكر روايتهم على الِاتِّفَاق 3
وَلَا يجوز تعمد شَيْء من الإدراج الْمَذْكُور
وَقد صنف فِيهِ الْخَطِيب كتابا فشفى وَكفى
قلت 4 وَيعرف الإدراج بِأَن يرد من طَرِيق أُخْرَى أَن ذَلِك من كَلَام الرَّاوِي وَهُوَ طَرِيق ظَنِّي قد يقوى 5 كَمَا إِذا وَقع فِي آخر الحَدِيث وَقد يضعف كَمَا إِذا وَقع فِي أَثْنَائِهِ كَمَا لَو قَالَ من مس أنثييه 6 وَذكره فَليَتَوَضَّأ

(1/231)


1
- النَّوْع الْحَادِي وَالْعشْرُونَ
الْمَوْضُوع
وَهُوَ المختلق الْمَصْنُوع وَشر الضَّعِيف
وَلَا تحل 2 رِوَايَته مَعَ الْعلم بِهِ فِي أَي معنى كَانَ إِلَّا مَقْرُونا بِبَيَان وَضعه بِخِلَاف غَيره من الْأَحَادِيث 3 الضعيفة الَّتِي يحْتَمل صدقهَا فِي الْبَاطِن فَإِنَّهُ يجوز رِوَايَتهَا فِي التَّرْغِيب والترهيب والمواعظ 4 والقصص وفضائل الْأَعْمَال لَا فِي صِفَات الله وَأَحْكَام الشَّرِيعَة

(1/232)


1 - وَيعرف الْوَضع ب
1 -) إِقْرَار وَاضعه
كَمَا أقرّ نوح بن أبي مَرْيَم أَنه وضع فِي فَضَائِل 2 الْقُرْآن سُورَة سُورَة

(1/233)


1 - 2) أَو بِمَا ينزل إِقْرَاره أَي إِذا دلّ دَلِيل على صدقه
كَحَدِيث أبي بن كَعْب الْمَرْفُوع فِي 2 فَضَائِل الْقُرْآن سُورَة سُورَة
بحث باحث عَن مخرجه حَتَّى انْتهى إِلَى من اعْترف بِأَنَّهُ وَجَمَاعَة 3 وضعوه
وَلَقَد أَخطَأ الواحدي الْمُفَسّر وَمن ذكره من الْمُفَسّرين فِي إيداعه تفاسيرهم
3 -) أَو 4 بِقَرِينَة حَال الرَّاوِي

(1/234)


1 - أَي كغياث بن إِبْرَاهِيم لما زَاد لأجل الرشيد فِي حَدِيث لَا سبق إِلَّا فِي خف الحَدِيث 2 أَو جنَاح
وَنسبه الْقُرْطُبِيّ فِي أَوَائِل تَفْسِيره إِلَى أبي البخْترِي القَاضِي
4 -) أَو بِقَرِينَة فِي 3 الْمَرْوِيّ
كالأحاديث الطَّوِيلَة الَّتِي يشْهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها
قلت أَو تخَالف 4 الْعقل وَلَا تقبل تَأْوِيلا بِحَال
وَاعْترض قَاضِي تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد على كَونه يعرف 5 بِإِقْرَار وَاضعه فَقَالَ قَول وَاضعه لَيْسَ بقاطع بِوَضْعِهِ لجَوَاز كذبه فِيمَا أقرّ بِهِ

(1/235)


1 - وَقد سلف جَوَابه
قلت وَفِي مُسْند الْبَزَّار بِإِسْنَاد صَحِيح كَمَا قَالَه الْقُرْطُبِيّ من حَدِيث 2 أبي حميد مَرْفُوعا إِذا سَمِعْتُمْ الحَدِيث تعرفه قُلُوبكُمْ وتلين لَهُ أَشْعَاركُم وَأَبْشَاركُمْ وترون 3 أَنه قريب مِنْكُم فَأَنا أولاكم بِهِ وَإِذا سَمِعْتُمْ الحَدِيث فتقشعر مِنْهُ جلودكم وتتغير لَهُ قُلُوبكُمْ 4 وأشعاركم وترون أَنه بعيد مِنْكُم فَأَنا أبعدكم مِنْهُ

(1/236)


1 - وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه إِذا حدثتم عني بِحَدِيث تُنْكِرُونَهُ فَكَذبُوهُ 2 فَأَنا أقو مَا يعرف وَلَا يُنكر وَلَا أَقُول مَا يُنكر وَلَا يعرف

(1/237)


1 - قَالَ عبد الْحق وَهُوَ صَحِيح
وَقد أَكثر جَامع الموضوعات فِي نَحْو مجلدين أَعنِي ابْن الْجَوْزِيّ 2 فَذكر كثيرا مِمَّا لَا دَلِيل على وَضعه وَإِنَّمَا حَقه أَن يذكر فِي مَوضِع مُطلق الْأَحَادِيث الضعيفة 3
ثمَّ الواضعون أَقسَام أعظمهم ضَرَرا قوم ينسبون إِلَى الزّهْد وضعوه حسبَة فِيمَا زَعَمُوا فَقبلت 4 موضوعاتهم ثِقَة بهم
وجوزت الكرامية الْوَضع فِي التَّرْغِيب والترهيب وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع

(1/238)


1 - قلت وَمِنْهُم الْمَلَاحِدَة كمحمد بن سعيد الشَّامي المصلوب فِي الزندقة وضع حَدِيث لَا نَبِي 2 بعدِي إِلَّا أَن يَشَاء الله تنفيرا للعقلاء عَن الدّين وَلِأَنَّهُ كَانَ يَدْعُو إِلَى الْإِلْحَاد والزندقة 3
وَعجب من ابْن عبد الْبر كَيفَ ذكر فِي تمهيده هَذَا الحَدِيث وَلم يتَكَلَّم عَلَيْهِ بل أول الِاسْتِثْنَاء 4 على الرُّؤْيَا
ثمَّ نهضت الجهابذة بكشف عوارها ومحو عارها وَللَّه الْحَمد وَحصل لَهُم ملكة 5 يعْرفُونَ بهَا ذَلِك كَمَا سُئِلَ بَعضهم كَيفَ تعرفُون أَن الشَّيْخ كَذَّاب فَقَالَ إِذا روى لَا تَأْكُلُوا 6 الْقرعَة حَتَّى تذبحوها علمت أَنه كذب
وَرُبمَا أسْند الْوَاضِع كلَاما لنَفسِهِ أَو لبَعض الْحُكَمَاء 7 أَو غَيرهم

(1/239)


1 - وَرُبمَا غلط فَوَقع غالط فَوَقع فِي شبه الْوَضع من غير تعمد كَمَا وَقع لِثَابِت بن مُوسَى 2 الزَّاهِد فِي حَدِيث من كثرت صلَاته بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ

(1/240)


1
- النَّوْع الثَّانِي وَالْعشْرُونَ
المقلوب
هُوَ نَحْو حَدِيث مَشْهُور عَن سَالم جعل عَن نَافِع

(1/241)


1 - وقلب أهل بَغْدَاد على البُخَارِيّ مئة حَدِيث متونها وأسانيدها امتحانا حِين قدم عَلَيْهِم 2 فَرد كل متن إِلَى إِسْنَاده فأذعنوا بفضله

(1/242)


1 - قَالَ صَاحب الاقتراح وَهَذَا النَّوْع على طَريقَة الْفُقَهَاء يجوز أَن يكون عَنْهُمَا جَمِيعًا 2 لَكِن تقوم عِنْد الْمُحدثين قَرَائِن وظنون يحكمون بهَا على الحَدِيث بِأَنَّهُ مقلوب
وَقد يُطلق 3 على رَاوِيه أَنه يسرق الحَدِيث
وَقد يُطلق المقلوب على اللَّفْظ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِسْنَاد والإسناد 4 بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفظ
وَقد ذكر الشَّيْخ هَهُنَا فَوَائِد ذكرتها فِي نوع الضَّعِيف فَإِنَّهُ أليق بهَا

(1/243)


1
- النَّوْع الثَّالِث وَالْعشْرُونَ
معرفَة من تقبل رِوَايَته وَمن ترد وَمَا يتَعَلَّق بذلك من قدح 2 وجرح وتعديل
أجمع جَمَاهِير أَئِمَّة الْفِقْه والْحَدِيث على أَنه يشْتَرط فِيمَن يحْتَج بروايته أَن 3 يكون عدلا ضابطا لما يرويهِ بِأَن يكون مُسلما بَالغا عَاقِلا سليما من أَسبَاب الْفسق وخوارم 4 الْمُرُوءَة متيقضا غير مُغفل حَافِظًا إِن حدث من حفظه ضابطا لكتابه إِن حدث مِنْهُ عَالما بِمَا 5 يحِيل الْمَعْنى إِن روى بِهِ
قلت وَلَا يشْتَرط فِيهِ الذُّكُورَة وَلَا الْحُرِّيَّة وَلَا الْبَصَر وَلَا الْعدَد 6 وَلَا الْعلم بِفقه أَو عَرَبِيَّة أَو معنى الحَدِيث
وَشرط أَبُو حنيفَة فقه الرَّاوِي إِن خَالف الْقيَاس 7
وَأَبُو عَليّ الْعدَد
وَذكر الْخَطِيب وَغَيره أَن الْمُرُوءَة لم يشترطها أحد غير الشَّافِعِي
وتوضح 8 هَذِه الْجُمْلَة بمسائل

(1/244)


1
- الأولى
عَدَالَة الرَّاوِي تثبت تَارَة بتنصيص عَدْلَيْنِ عَلَيْهَا وَتارَة بالاستفاضة
فَمن 2 اشتهرت عَدَالَته بَين أهل النَّقْل أَو نحوهم من أهل الْعلم وشاع الثَّنَاء عَلَيْهِم بهَا كفى فِيهَا 3 وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي الْمَذْهَب وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد فِي الْأُصُول
وَمثله الْخَطِيب بِمَالك وَشعْبَة وَأحمد 4 وَالشَّافِعِيّ وَمن جرى مجراهم فِي نباهة الذّكر واستقامة الْأَمر فَلَا يسْأَل عَن عَدَالَة هَؤُلَاءِ 5 وأمثالهم وَإِنَّمَا يسْأَل عَن عَدَالَة من خَفِي أمره على الطالبين
وَتوسع ابْن عبد الْبر فِي 6 هَذَا فَقَالَ كل حَامِل علم مَعْرُوف الْعِنَايَة بِهِ مَحْمُول أبدا على الْعَدَالَة حَتَّى يتَبَيَّن جرحه لقَوْله 7 عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله
وَفِيمَا قَالَه اتساع غير مرضِي 8
وَنقل ابْن الصّلاح فِي طبقاته عَن عبد الله بن عَبْدَانِ قَاضِي همذان من أَصْحَابنَا أَنه حكى 9 فِي كِتَابه شَرَائِط الْأَحْكَام أَن من أَصْحَابنَا من لم يعْتَبر فِي ناقل الْخَبَر مَا يعْتَبر فِي الدِّمَاء 10 والفروج وَالْأَمْوَال من التزكة بل إِذا كَانَ ظَاهر الدّين والصدق قبل خَبره

(1/245)


1 - ثمَّ استغربه الشَّيْخ
وَمَا أجدره بذلك
ثمَّ الحَدِيث الَّذِي اسْتدلَّ بِهِ ابْن عبد الْبر رُوِيَ 2 من حَدِيث أُسَامَة وَأبي هُرَيْرَة وَابْن مَسْعُود وَعبد الله بن عَمْرو
وَقَالَ جمَاعَة مِنْهُم الدَّارَقُطْنِيّ 3 لَا يَصح مَرْفُوعا إِنَّمَا هُوَ مُرْسل
بل قَالَ ابْن عبد الْبر نَفسه فِي كِتَابه جَامع بَيَان الْعلم 4 إِن هَذَا الحَدِيث رُوِيَ عَن أُسَامَة وَأبي هُرَيْرَة بأسانيد وَكلهَا مضطربة غير مُسْتَقِيمَة
فَكيف 5 يسوغ لَهُ إِذا أَن يسْتَدلّ بِهِ
وَأما عبد الْحق فَإِنَّهُ قَالَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة أحسن من حَدِيث عبد 6 الله بن عَمْرو
ونازعه ابْن الْقطَّان فِي ذَلِك
لَكِن سُئِلَ الإِمَام أَحْمد عَنهُ فَقَالَ حَدِيث صَحِيح

(1/246)


1 - ويعضده كتاب عمر إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ الْمُسلمُونَ عدُول بَعضهم على بعض إِلَّا مجلودا 2 فِي حد أَو مجربا عَلَيْهِ شَهَادَة زور أَو ظنينا فِي وَلَاء أَو نسب
وَهُوَ أثر جيد وَإِن طعن ابْن 3 حزم فِيهِ
وَيَنْبَغِي أَن يحمل الحَدِيث الأول على الْأَمر لَا على الْخَبَر لِئَلَّا يتَطَرَّق إِلَيْهِ الْخلف 4 وَهُوَ محَال
قلت وَوَافَقَ ابْن عبد الْبر من الْمُتَأَخِّرين أَبُو بكر بن الْمواق فَقَالَ

(1/247)


1 - فِي كِتَابه بغية النقاد أهل الْعلم محمولون على الْعَدَالَة حَتَّى يظْهر مِنْهُم خلاف ذَلِك 2
ثمَّ إِنَّمَا يَصح الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ أَن لَو كَانَ خَبرا وَلَا يَصح حمله على الْخَبَر لوُجُود من 3 يحمل الْعلم وَهُوَ غير عدل وَغير ثِقَة فَلم يبْق لَهُ محمل إِلَّا على الْأَمر كَمَا قدمْنَاهُ أَي أَنه 4 أَمر الثِّقَات بِحمْلِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يقبل عَنْهُم
وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي رِوَايَة لِابْنِ أبي حَاتِم ليحمل 5 هَذَا الْعلم بلام الْأَمر
الثَّانِيَة
يعرف كَونه ضابطا بموافقته الثِّقَات المتقنين غَالِبا 6 وَلَو من حَيْثُ الْمَعْنى وَلَا يضر مُخَالفَته فَإِن كثرت اخْتَلَّ ضَبطه وَلم يحْتَج بِهِ
الثَّالِثَة يقبل 7 التَّعْدِيل من غير ذكر سَببه على الْمَذْهَب الصَّحِيح الْمَشْهُور لِأَن أَسبَابه كَثِيرَة يصعب ذكرهَا 8 وَلَا يقبل الْجرْح إِلَّا مُبين السَّبَب لينْظر فِيهِ أهوَ جرح أم لَا فقد يظنّ مَا لَيْسَ بجارح جارحا 9
وَلذَلِك احْتج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد بِجَمَاعَة اشْتهر طعنهم كعكرمة وَإِسْمَاعِيل بن أبي 10 أويس وَعَاصِم بن عَليّ وَعَمْرو بن

(1/248)


1 - مَرْزُوق وَغَيرهم
وَاحْتج مُسلم بِسُوَيْدِ بن سعيد وَجَمَاعَة اشْتهر الطعْن فيهم
وَذَلِكَ دَال 2 على أَنهم ذَهَبُوا إِلَى أَن الْجرْح لَا يقبل إِلَّا إِذا فسر سَببه
وَقد قيل لشعبة لم تركت حَدِيث 3 فلَان قَالَ رَأَيْته يرْكض على برذون
وَسُئِلَ مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن حَدِيث صَالح المري فَقَالَ مَا 4 يصنع بِصَالح ذكر يَوْمًا عِنْد حَمَّاد بن سَلمَة فَامْتَخَطَ حَمَّاد
قلت ومجموع الْخلاف فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ 5 للأصوليين أَرْبَعَة مَذَاهِب
أَحدهمَا مَا ذكره الشَّيْخ أَنه يجب ذكر سَبَب الْجرْح دون التَّعْدِيل 6 لِأَن الْجرْح يحصل بخصلة وَاحِدَة فيسهل ذكرهَا بِخِلَاف التَّعْدِيل وَلِأَنَّهُ قد يظنّ مَا لَيْسَ بجارح 7 جارحا كَمَا تقدم
وَثَانِيهمَا عَكسه لِأَن الْعَدَالَة يكثر التصنع فِيهَا يتسارع النَّاس إِلَى الثَّنَاء 8 على الظَّاهِر بِخِلَاف الْجرْح
وَثَالِثهَا لَا بُد من بَيَان سببهما للمعنيين السَّابِقين حَكَاهُ إِمَام

(1/249)


1 - الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَان وَالْغَزالِيّ فِي المنخول تبعا لَهُ عَن القَاضِي أبي بكر وَهُوَ وهم 2 مِنْهُمَا فالمعروف عَنهُ الرَّابِع كَمَا ستعلمه وَقد حَكَاهُ عَنهُ الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى
وَرَابِعهَا 3 لَا يجب فيهمَا لِأَن الْمُزَكي إِن كَانَ بَصيرًا قبل جرحه وتعديله وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ القَاضِي 4 أَبُو بكر وَنَقله عَن الْجُمْهُور
وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ الْحق إِن كَانَ الْمُزَكي عَالما بِأَسْبَاب الْجرْح

(1/250)


1 - وَالتَّعْدِيل اكتفينا بِإِطْلَاقِهِ وَإِلَّا فَلَا
وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْغَزالِيّ وَالْإِمَام فَخر الدّين 2 والخطيب
وَالْأول هُوَ مَا قَالَه الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
فَإِن قلت إِنَّمَا يعْتَمد 3 النَّاس فِي جرح الروَاة ورد حَدِيثهمْ على كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَقل مَا يتعرضون فِيهَا لبَيَان 4 السَّبَب بل يقتصرون على مُجَرّد قَوْلهم فلَان ضَعِيف وَفُلَان لَيْسَ بِشَيْء وَنَحْو ذَلِك أَو هَذَا حَدِيث 5 ضَعِيف أَو غير ثَابت وَنَحْو ذَلِك فاشتراط السَّبَب يُفْضِي إِلَى تَعْطِيل ذَلِك وسد بَاب الْجرْح فِي الْأَغْلَب 6
وَالْجَوَاب أَن فائدتها التَّوَقُّف فِيمَن جرحوه عَن قبُول حَدِيثه لما حصل من الرِّيبَة فِي ذَلِك 7
ثمَّ من انزاحت عَنهُ الرِّيبَة بالبحث عَن عَدَالَته قبلنَا حَدِيثه من غير توقف كجماعة من الصَّحِيحَيْنِ 8 وَغَيرهم بِهَذِهِ المثابة
الرَّابِعَة الْجرْح وَالتَّعْدِيل قيل لَا يثبتان إِلَّا بِاثْنَيْنِ كَمَا فِي الشَّهَادَة 9
وَالصَّحِيح أَنَّهُمَا يثبتان بِوَاحِد لِأَن الْعدَد لم يشْتَرط فِي قبُول الْخَبَر

(1/251)


1 - فَم يشْتَرط فِي جرح رَاوِيه وتعديله بِخِلَاف الشَّهَادَة
قلت فعلى هَذَا تقبل تَزْكِيَة الْمَرْأَة 2 وَالْعَبْد العارفين فِي الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة أَيْضا وَصرح بِهِ الإِمَام وَغَيره وَاخْتَارَهُ القَاضِي 3 أَبُو بكر فِي الْمَرْأَة قَالَ إِلَّا تزكيتها فِي الحكم الَّذِي لَا تقبل شهادتها فِيهِ بعد أَن حكى 4 عَن أَكثر الْفُقَهَاء من أهل الْمَدِينَة وَغَيرهم الْمَنْع فِيهَا
وَقَالَ فِي العَبْد يجب قبُولهَا فِي 5 الْخَبَر دون الشَّهَادَة كَمَا فِي الْقبُول
قَالَ وَالَّذِي يُوجب الْقيَاس وجوب قبو تَزْكِيَة كل عدل 6 مرضِي ذكر وَأُنْثَى حر أَو عبد كشاهد أَو مخبر
قَالَ الْخَطِيب فِي كِفَايَته وَالْأَصْل فِي الْبَاب 7 سُؤال الشَّارِع بَرِيرَة فِي قصَّة الْإِفْك عَن حَال عَائِشَة وجوابها لَهُ
قلت وَقِيَاس مَا أسلفناه 8 قبُول جرحها أَيْضا
الْخَامِسَة إِذا اجْتمع فِي شخص جرح وتعديل فالجرح مقدم

(1/252)


1 - لِأَن الْمعدل يخبر عَمَّا ظهر من حَاله والجارح يخبر عَن بَاطِن خَفِي عَن الْمعدل
قلت 2 وَنَقله الْخَطِيب عَن جُمْهُور الْعلمَاء وَصَححهُ الأصوليون كَالْإِمَامِ فَخر الدّين والآمدي
وَقيل 3 إِن زَاد المعدلون قدم التَّعْدِيل
قلت الْخَطِيب لما حَكَاهُ خطأه
وَقيل إِذا لم يزدْ يتعارضان 4 فَلَا يرجح أَحدهمَا إِلَّا بمرجح حَكَاهُ ابْن الْحَاجِب وَاقْتضى كَلَام الْخَطِيب نَفْيه
وعَلى الأول 5 إِذا عين الْجَارِح سَببا فنفى الْمعدل بطرِيق مُعْتَبر كَمَا إِذا قَالَ قتل فلَانا ظلما وَقت كَذَا 6 فَقَالَ الْمعدل رَأَيْته حَيا بعد ذَلِك أَو كَانَ الْقَاتِل فِي ذَلِك الْوَقْت عِنْدِي فَإِنَّهُمَا يتعارضان 7
وَيعرف ذَلِك من تَعْلِيل الشَّيْخ فَلهَذَا لم يستثنه
وَيسْتَثْنى أَيْضا مَا إِذا قَالَ الْمعدل عرفت 8 سَبَب الْجرْح وَتَابَ مِنْهُ وَأصْلح فَإِنَّهُ يقدم على الْجرْح لِأَن مَعَه زِيَادَة علم

(1/253)


1 - وَذكر أَصْحَابنَا فِي الْفِقْه مَسْأَلَة أُخْرَى وَهِي مَا إِذا شَهدا بجرحه بِبَلَد ثمَّ انْتقل إِلَيّ 2 غَيره فعدله آخرَانِ مِنْهَا فَيقدم التَّعْدِيل
كَذَا أَطْلقُوهُ وَلَا يبعد تَقْيِيده بِمَا إِذا كَانَ بَين 3 انْتِقَاله من الأول إِلَى الثَّانِي مُدَّة الِاسْتِبْرَاء وَإِلَّا لم يقدم
السَّادِسَة لَا يُجزئ التَّعْدِيل 4 على الْإِبْهَام من غير تَسْمِيَة الْمعدل
فَإِذا قَالَ حَدثنِي الثِّقَة أَو نَحْو ذَلِك مُقْتَصرا عَلَيْهِ 5 لم يكتف بِهِ خلافًا لمن اكْتفى بذلك
وَحَكَاهُ ابْن الصّباغ فِي الْعدة عَن أبي حنيفَة
وَذَلِكَ 6 وَلِأَنَّهُ قد يكون ثِقَة عِنْده وَغَيره قد اطلع على جرحه بِمَا هُوَ جارح عِنْده أَو بِالْإِجْمَاع فَيحْتَاج 7 إِلَى أَن يُسَمِّيه حَتَّى يعرف
بل إضرابه عَن تَسْمِيَته مريب يُوقع فِي الْقلب ترددا فِيهِ فَإِن كَانَ 8 الْقَائِل بذلك عَالما أَجْزَأَ ذَلِك فِي حق من يُوَافقهُ فِي مذْهبه على مَا اخْتَارَهُ بعض الممحققين 9
وَذكر الْخَطِيب أَن الْعَالم إِذا قَالَ كل من رويت عَنهُ ثِقَة وَإِن لم أُسَمِّهِ ثمَّ روى عَن من لم 10 يسمه فَإِنَّهُ يكون مزكيا لَهُ غير أَنا لَا نعمل بتزكيته هَذِه

(1/254)


1 - وَهَذَا على مَا قدمْنَاهُ
السَّابِعَة إِذا روى الْعدْل عَن من سَمَّاهُ لم يكن تعديلا لَهُ عِنْد 2 الْأَكْثَرين وَهُوَ الصَّحِيح
وَقيل هُوَ تَعْدِيل لِأَن ذَلِك يتضمنه
وَهَذَا مَرْدُود لِأَنَّهُ يجوز أَن يروي 3 عَن غير عدل فَلم تَتَضَمَّن رِوَايَته عَنهُ تعديله
قَالَ الشَّيْخ وَهَكَذَا نقُول إِن عمل الْعَالم وفتياه 4 على وفْق حَدِيثه لَيْسَ حكما مِنْهُ بِصِحَّة ذَلِك الحَدِيث وَكَذَا مُخَالفَته للْحَدِيث لَيست قدحا مِنْهُ 5 فِي صِحَّته وَلَا رُوَاته
قلت صرح أهل الْأُصُول بِأَن الْعَمَل بخبرة تَزْكِيَة لَهُ إِلَّا أَن يُمكن حمله 6 على الِاحْتِيَاط أَو على الْعَمَل بِدَلِيل آخر وَافق الْخَبَر فَلَا قَالَه فِي الْمَحْصُول
وَالْمُخْتَار 7 عِنْد الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهمَا فِي الْأُصُول أَن رِوَايَة من لَا يروي إِلَّا عَن الْعدْل تَزْكِيَة 8 للَّذي روى عَنهُ
وَقيل لَا مُطلقًا كَمَا أَن ترك الْعَمَل لَيْسَ بِجرح
وَقيل نعم مُطلقًا

(1/255)


1 - فَهَذِهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب للأصوليين
الثَّامِنَة فِي رِوَايَة الْمَجْهُول وَهُوَ أَقسَام
أَحدهمَا مَجْهُول 2 الْعَدَالَة ظَاهرا وَبَاطنا
وَلَا يقبل عِنْد الجماهير وَعَن أبي حنيفَة قبُوله
قلت وَقيل إِن 3 كَانَ الرَّاوِي عَنهُ لَا يروي إِلَّا عَن عدل قبل وَإِلَّا فَلَا
وَثَانِيهمَا مَجْهُول الْعَدَالَة بَاطِنا 4 دون الظَّاهِر وَهُوَ المستور
فيحتج بهَا بعض من رد الأول وَهُوَ قَول بعض الشافعيين وَبِه قطع 5 سليم الرَّازِيّ قَالَ لِأَن أَمر الْأَخْبَار مَبْنِيّ على حسن الظَّن بالراوي وَلِأَن رِوَايَة الْأَخْبَار 6 تكون عِنْد من يتَعَذَّر عَلَيْهِ معرفَة الْعَدَالَة فِي الْبَاطِن فاقتصر فِيهَا على معرفَة ذَلِك فِي الظَّاهِر 7 وتفارق الشَّهَادَة فَإِنَّهَا تكون عِنْد الْحُكَّام وَلَا يتَعَذَّر ذَلِك عَلَيْهِم فَاعْتبر فِيهَا الْعَدَالَة 8 ظَاهرا وَبَاطنا
قَالَ الشَّيْخ وَيُشبه أَن يكون الْعَمَل على هَذَا فِي كثير من كتب الحَدِيث فِي 9 جمَاعَة من الروَاة تقادم الْعَهْد بهم وتعذرت خبرتهم بَاطِنا
وَصَححهُ الْمُحب الطَّبَرِيّ

(1/256)


1 - وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي مُقَدّمَة شرح مُسلم احْتج بِهَذَا الْقسم وَالَّذِي بعده كَثِيرُونَ من الْمُحَقِّقين 2 وَأطلق الشَّافِعِي فِي اخْتِلَاف الحَدِيث أَنه لَا يحْتَج بِالْمَجْهُولِ
وَكَذَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي مدخله 3 عَنهُ ي
وَحكى الرَّافِعِيّ فِي الصَّوْم وَجْهَيْن فِي قبُول رِوَايَة المستور من غير تَرْجِيح
وَقَالَ النَّوَوِيّ 4 فِي شرح الْمُهَذّب الْأَصَح قبُول رِوَايَته
وَقد سلف فِيمَا مضى أَن المستور من يكون عدلا فِي 5 الظَّاهِر وَلَا تعرف عَدَالَته فِي الْبَاطِن وَأَن الشَّيْخ نَقله عَن بعض أَئِمَّتنَا وَهُوَ مَا قَالَه الْبَغَوِيّ 6 ثمَّ الرَّافِعِيّ
وَفِي اخْتِلَاف الحَدِيث للشَّافِعِيّ مَا يَقْتَضِي أَنه من يحكم الْحَاكِم بِشَهَادَتِهِ إِذْ 7 قَالَ فِي جَوَاب سُؤال أوردهُ فَلَا يجوز أَن يتْرك الحكم بِشَهَادَتِهِمَا إِذا كَانَا عَدْلَيْنِ فِي الظَّاهِر

(1/257)


1 - نعم فِي كَلَام الرَّافِعِيّ فِي الصَّوْم أَن الْعَدَالَة الْبَاطِنَة هِيَ الَّتِي يرجع فِيهَا إِلَى أَقْوَال 2 المزكيين
وَنقل صَاحب الْبَحْر عَن نَصه فِي الْأُم أَنه لَو حضر العقد رجلَانِ مسلمان لَا يعرف 3 حَالهمَا فِي الْفسق وَالْعَدَالَة انْعَقَد النِّكَاح بهما ظَاهرا لِأَن الظَّاهِر من الْمُسلمين الْعَدَالَة 4
وثالثهما مَجْهُول الْعين
وَقد يقبل رِوَايَة الْمَجْهُول الْعَدَالَة من لَا يقبل رِوَايَة الْمَجْهُول 5 الْعين
وَمن روى عَنهُ عَدْلَانِ وَعَيناهُ ففقد ارْتَفَعت عَنهُ هَذِه الْجَهَالَة
قَالَ الْخَطِيب والمجهول 6 عِنْد الْمُحدثين من لم يعرفهُ الْعلمَاء وَلَا عرف حَدِيثه إِلَّا من جِهَة راو وَاحِد مثل عَمْرو ذِي 7 مر وجبار الطَّائِي وَسَعِيد بن ذِي حدان لم يرو عَنْهُم غير أبي إِسْحَاق السبيعِي وَمثل الهزهاز 8 بن ميزن لَا يروي عَنهُ غير الشّعبِيّ وَمثل جري بن كُلَيْب لم يرو عَنهُ إِلَّا قَتَادَة
قَالَ الشَّيْخ 9 قد روى عَن الهزاز الثَّوْريّ أَيْضا

(1/258)


1 - قلت هَذَا سَهْو فَإِن الثَّوْريّ لم يرو عَن الشّعبِيّ فَكيف يروي عَن شَيْخه نبه عَلَيْهِ الْحَافِظ 2 جمال الدّين الْمزي
نعم روى عَن الهزهاز الْجراح بن مليح فِيمَا ذكره ابْن أبي حَاتِم وسمى 3 أَبَاهُ مازنا بِالْألف لَا بِالْيَاءِ وَلَعَلَّ بَعضهم أماله فَكَتبهُ بِالْيَاءِ
وَقَالَ البرديجي الْحَافِظ 4 فِي كِتَابه الْمُتَّصِل والمنقطع إِذا روى الثِّقَة من طَرِيق صَحِيح عَن رجل من الصَّحَابَة حَدِيثا لَا 5 يصاب إِلَّا عِنْد الرجل الْوَاحِد لم يضرّهُ أَن لَا يرويهِ غَيره إِذا كَانَ متن الحَدِيث مَعْرُوفا 6 وَلَا يكون مُنْكرا وَلَا معلولا

(1/259)


1 - وَهَذَا لَا يُخَالف مَا ذكره الْخَطِيب عَن الْمُحدثين
قَالَ أَعنِي الْخَطِيب وَأَقل مَا يرفع الْجَهَالَة 2 رِوَايَة اثْنَيْنِ مشهورين بِالْعلمِ
قلت وَنقل ابْن عبد الْبر عَن أهل الحَدِيث نَحوه
قَالَ الشَّيْخ 3 ردا على الْخَطِيب قد روى البُخَارِيّ عَم مرداس الْأَسْلَمِيّ وَلم يرو عَنهُ غير ابْن حَازِم
قلت 4 لَا فقد روى عَنهُ زِيَاد بن علاقَة وَقد وَقع فِي هَذَا الْحَاكِم كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّوْع السَّابِع 5 وَالْأَرْبَعِينَ

(1/260)


1 - قَالَ وَمُسلم عَن ربيعَة بن كَعْب الْأَسْلَمِيّ وَلم يرو عَنهُ غير أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن 2
قلت لَا فقد روى عَنهُ مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء وَأَبُو عمرَان الْجونِي ونعيم المجمر وحَنْظَلَة 3 بنعلي
قَالَ وَذَلِكَ مِنْهُمَا مصير إِلَى أَن الرَّاوِي قد يخرج عَن كَونه مَجْهُولا مردودا بِرِوَايَة 4 وَاحِد عَنهُ
وَالْخلاف فِي ذَلِك مُتَّجه نَحْو اتجاه الْخلاف الْمَعْرُوف فِي الِاكْتِفَاء بِوَاحِد فِي التَّعْدِيل 5 كَمَا قدمْنَاهُ وَالصَّوَاب نقل الْخَطِيب وَلَا يَصح الرَّد عَلَيْهِ بِمَا ذكره الشَّيْخ من روايتهما لمرداس 6 وَرَبِيعَة لما بَيناهُ
وَأَيْضًا فهما صحابيان مشهوران وَالصَّحَابَة كلهم عدُول
وَذكر الْخَطِيب 7 أَيْضا أَن خملر بن مَالك لم يرو عَنهُ غير أبي إِسْحَاق السبيعِي
وَلَيْسَ كَمَا ذكر بل روى عَنهُ 8 أَيْضا عبد الله بن قيس وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَسَماهُ خمير بن مَالك وَذكر الْخلاف فِي 9 التصغير

(1/261)


1 - وَالتَّكْبِير ابْن أبي حَاتِم
وَذكر الْخَطِيب أَيْضا أَنه لم يرو عَن الْهَيْثَم بن حَنش وَعبد 2 الله بن أعز وَمَالك بن أعز الهمذاني غير أبي إِسْحَاق هَذَا
وَلَيْسَ كَمَا قَالَ أما الأول فروى 3 عَنهُ أَيْضا سَلمَة بن كهيل كَمَا ذكره أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَأما الثَّانِي فقد جَعلهمَا ابْن مَاكُولَا 4 وَاحِدًا اخْتلف على أبي إِسْحَاق فِي اسْمه
قَالَ الْخَطِيب وَمثل بكر قرواش وحلام بن جزل لم 5 يرو

(1/262)


1 - عَنْهُمَا إِلَّا أَبُو طفيل عَامر بن وَاثِلَة
قلت قد روى عَن الأول قَتَادَة فِيمَا ذكره البُخَارِيّ 2 وَابْن حبَان فِي ثقاته وسمى ابْن أبي حَاتِم أَبَاهُ قُريْشًا
وَأما الثَّانِي فَذكره خَ فِي تَارِيخه 3 بِالْبَاء وَصَوَابه بِالْمِيم كَمَا ذَكرْنَاهُ نبه عَلَيْهِ ابْن أبي حَاتِم فِي أَوْهَام التَّارِيخ
قلت وَقَالَ 4 أَبُو الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ التَّحْقِيق أَنه مَتى عرفت عَدَالَة الرجل قبل خَبره سَوَاء روى عَنهُ وَاحِد 5 أم أَكثر وعَلى هَذَا كَانَ الْحَال فِي الْعَصْر الأول من الصَّحَابَة وتابعيهم إِلَى أَن تنطع المحدثون 6
وَصرح ابْن الْقطَّان أَيْضا بالاكتفاء بِوَاحِد ذكره فِي كَلَامه على أَحْكَام عبد الْحق وَاخْتَارَ 7 أَنه إِن زَكَّاهُ أحد من أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل مَعَ رِوَايَة وَاحِد عَنهُ قبل وَإِلَّا فَلَا

(1/263)


1
- وَحَاصِل مَا فِي جَهَالَة الْعين خَمْسَة أَقْوَال
أَصَحهَا عدم قبُوله
وَثَانِيها نعم
وَهَذَا 2 قَول من اكْتفى بِالْإِسْلَامِ خَاصَّة
ثَالِثهَا إِن كَانَ الْمُنْفَرد بالرواية عَنهُ لَا يروي إِلَّا عَن 3 عدل كَابْن مهْدي واكتفينا فِي التَّعْدِيل بِوَاحِد قبل وَإِلَّا فَلَا
وَرَابِعهَا إِن كَانَ مَشْهُورا فِي 4 غير الْعلم بالزهد أَو النجدة قبل وَإِلَّا فَلَا
وَهُوَ قَول ابْن عبد الْبر
خَامِسهَا سلف
وَذكر 5 الشَّيْخ فِي النَّوْع السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ عَن ابْن عبد الْبر أَنه قَالَ كل من لم يرو عَنهُ إِلَّا 6 رجل وَاحِد فَهُوَ عِنْدهم مَجْهُول إِلَّا أَن يكون رجلا مَشْهُورا فِي غير حمل الْعلم كاشتهار مَالك 7 بن دِينَار بالزهد وَعَمْرو بن معدي كرب بالنجدة

(1/264)


1
- فرع لم يذكرهُ الشَّيْخ
من عرفت عينه وعدالته وَجَهل اسْمه احْتج بِهِ
وَإِذا قَالَ أَخْبرنِي 2 فلَان أَو فلَان وهما عَدْلَانِ احْتج بِهِ فَإِن جهل عَدَالَة أَحدهمَا أَو قَالَ فلَان أَو غَيره لم يحْتَج 3 بِهِ
التَّاسِعَة من كفر ببدعته لم يحْتَج بِهِ يالاتفاق
قلت كَذَا ادَّعَاهُ الشَّيْخ وَحكي للأصوليين 4 الْخلاف فِيهِ وَمِنْهُم المجسمة إِذا كفرناهم
فَذهب القَاضِي أَبُو بكر إِلَى رد رِوَايَته مُطلقًا 5 كالكافر الْمُكَلف

(1/265)


1 - وَالْمُسلم الْفَاسِق وَنَقله الْآمِدِيّ عَن الْأَكْثَرين وَجزم بِهِ ابْن الْحَاجِب
وَقَالَ صَاحب الْمَحْصُول 2 الْحق أَنه إِن اعْتقد حُرْمَة الْكَذِب قبلنَا رِوَايَته وَإِلَّا فَلَا
وَمن لم يكفر فِيهِ مَذَاهِب
أَحدهمَا 3 لَا يحْتَج بِهِ مُطلقًا لِأَنَّهُ فَاسق ببدعته وكما اسْتَوَى فِي الْكفْر المتأول وَغَيره يَسْتَوِي فِي 4 الْفسق المتأول وَغَيره
قلت نَقله الْآمِدِيّ عَن الْأَكْثَرين وَجزم بِهِ ابْن الْحَاجِب قَالَ الْخَطِيب 5 ويروى عَن مَالك
وَثَانِيهمَا يحْتَج بِهِ إِن لم يكن مِمَّن يسْتَحل الْكَذِب فِي نصْرَة مذْهبه أَو لأهل 6 مذْهبه سَوَاء كَانَ دَاعيا إِلَى بدعته أم لَا
وَحكي عَن الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لقَوْله 7 أقبل شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء إِلَّا الخطابية من الرافضة لأَنهم يرَوْنَ الشَّهَادَة بالزور

(1/266)


1 - لموافقيهم
قلت قَالَ الإِمَام فِي الْمَحْصُول وَهَذَا هُوَ الْحق
وَعبارَة الْبَيْهَقِيّ فِي مدخله 2 عَن الشَّافِعِي مَا فِي أهل الْأَهْوَاء قوم أشهد بالزور من الرافضة
وَالثَّالِث يحْتَج بِهِ إِن لم 3 يكن دَاعِيَة إِلَى بدعته وَلَا يحْتَج بِهِ إِن كَانَ دَاعِيَة
وَهَذَا مَذْهَب الْكثير أَو الْأَكْثَر من الْعلمَاء 4
وَحكى بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي خلافًا بَين أَصْحَابه فِي قبُول رِوَايَة المبتدع إِذا لم يدع إِلَى 5 بدعته وَقَالَ أما إِذا كَانَ دَاعِيَة فَلَا خلاف فِي عدم قبُولهَا
وَقَالَ ابْن حبَان إِذا كَانَ دَاعِيَة 6 لَا تقبل رِوَايَته قطعا

(1/267)


1 - قلت وَكَذَا غَيره قطعا كَمَا ذكره فِي ثقاته فِي تَرْجَمَة جَعْفَر بن سُلَيْمَان الضبعِي
وَهَذَا 2 الْمَذْهَب الثَّالِث أعدلها وأولاها
قلت وَذهب إِلَيْهِ أَحْمد كَمَا قَالَ الْخَطِيب

(1/268)


1 - وَالْأول بعيد فَإِن كتب أَئِمَّة الحَدِيث طافحة بالرواية عَن المبتدعة غير الدعاة فِي 2 الصَّحِيحَيْنِ كثير من أَحَادِيثهم فِي الشواهد وَالْأُصُول
قلت بل وَقع فِي الصَّحِيح الرِّوَايَة عَن 3 المبتدعة الدعاة مِنْهُم عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن الْحمانِي خرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
قَالَ 4 أَبُو دَاوُد كَانَ دَاعِيَة إِلَى الإرجاء
وَعمْرَان بن حطَّان حَدِيثه عِنْد البُخَارِيّ وَقد زعم جمَاعَة 5 أَنه من الدعاة الشراة

(1/269)


1 - وَفِي تَارِيخ نيسابور للْحَاكِم فِي تَرْجَمَة الأخرم أَن كتاب مُسلم ملآن من الشِّيعَة

(1/270)


1 - وَفِي الْمَسْأَلَة قَول غَرِيب بعيد وَهُوَ قبُول أخبارهم مُطلقًا وَإِن كَانُوا كفَّارًا أَو فساقا 2 بالتأويل
حَكَاهُ الْخَطِيب عَن جمَاعَة من أهل النَّقْل والمكلمين
العاشره تقبل رِوَايَة التائب 3 من الْفسق إِلَّا التائب من الْكَذِب فِي الحَدِيث مُتَعَمدا فَلَا تقبل أبدا وَإِن حسنت تَوْبَته كَذَا 4 قَالَه أَحْمد بن حَنْبَل والْحميدِي شيخ البُخَارِيّ وَغَيرهمَا
وَأطلق الإِمَام أَبُو بكر الصَّيْرَفِي 5 فِي شرح الرسَالَة فَقَالَ كل من أسقطنا خَبره من أهل النَّقْل بكذب لم نعد لقبوله بتوبة تظهر 6 وَمن ضعفناه لم نقوه بعده بِخِلَاف الشَّهَادَة انْتهى
وَالظَّاهِر أَنه إِنَّمَا أَرَادَ الْكَذِب فِي الحَدِيث 7 بِدَلِيل قَوْله من أهل الحَدِيث أَي للْحَدِيث
وَيُؤَيِّدهُ عِبَارَته فِي دلائله حَيْثُ قيد بالمحدث فَقَالَ 8 وَلَيْسَ نطعن على الْمُحدث إِلَّا أَن يَقُول عَمَدت الْكَذِب فَهُوَ كَاذِب فِي الأول وَلَا يقبل خَبره بعد 9 ذَلِك
وَقَالَ أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ من كذب فِي خبر وَاحِد وَجب إِسْقَاط مَا تقدم من حَدِيثه

(1/271)


1 - قَالَ النَّوَوِيّ وكل هَذَا مُخَالف لقاعدة مَذْهَبنَا وَمذهب غَيرنَا وَلَا يقوى الْفرق بَينه وَبَين 2 الشَّهَادَة
قلت بل هُوَ مُوَافق لمذهبنا كَمَا ستعلمه
وَقَالَ فِي شرح مُسلم الْمُخْتَار الْأَظْهر 3 قبُول تَوْبَته كَغَيْرِهِ من أَنْوَاع الْفسق
قَالَ وَحجَّة من ردهَا أبدا وَإِن حسنت حَاله التَّغْلِيظ 4 وتعظيم الْعقُوبَة فِيمَا وَقع مِنْهُ وَالْمُبَالغَة فِي الزّجر عَنهُ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام 5 إِن كذبا عَليّ لَيْسَ ككذب على أحدكُم
قلت وَيُؤَيِّدهُ أَن مَذْهَب الشَّافِعِي أَنه إِذا شهد فَاسق أَو 6 عَدو ثمَّ تابا وأعادا شهادتها لَا تقبل
وَمذهب الْحَنَفِيَّة أَن قَاذف الْمُحصن إِذا تَابَ لم تقبل 7 شَهَادَته أبدا

(1/272)


1 - الْحَادِيَة عشرَة إِذا روى ثِقَة عَن ثِقَة حَدِيثا وَرجع الْمَرْوِيّ عَنهُ فنفاه فالمختار أَنه 2 إِن كَانَ جَازِمًا بنفيه بِأَن قَالَ مَا رويته أَو كذب عَليّ أَو نَحْو ذَلِك فقد تعَارض الجزمان والجاحد 3 هُوَ الأَصْل فَوَجَبَ رد حَدِيث فَرعه ذَلِك ثمَّ لَا يكون ذَلِك جرحا لَهُ يُوجب رد بَاقِي حَدِيثه لِأَنَّهُ 4 مكذب لشيخه أَيْضا فِي ذَلِك وَلَيْسَ قبُول جرح شَيْخه لَهُ بِأولى من قبُول جرحه لشيخه فتساقطا 5
قلت وَلَو رَوَاهُ شَيْخه بعد ذَلِك قبلناه صرح بِهِ القَاضِي أَبُو بكر فِيمَا حَكَاهُ الْخَطِيب عَنهُ 6 وَكَذَا إِذا حدث بِهِ فرع آخر ثِقَة عَنهُ وَلم يكذبهُ الأَصْل
أما إِذا قَالَ الْمَرْوِيّ عَنهُ لَا أعرفهُ 7 أَو لَا أذكرهُ أَو نَحْو ذَلِك

(1/273)


1 - فَلَا يقْدَح فِيهِ
وَمن روى حَدِيثا ثمَّ نَسيَه جَازَ الْعَمَل بِهِ على الصَّحِيح وَهُوَ قَول جُمْهُور 2 الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء والمتكلمين
وَخَالف بعض الْحَنَفِيَّة وردوا حَدِيث سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن 3 الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نكحت الْمَرْأَة بِغَيْر 4 إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل الحَدِيث من أجل أَن ابْن جريج

(1/274)


1 - قَالَ ثمَّ لقِيت الزُّهْرِيّ فَسَأَلته عَن هَذَا الحَدِيث فَلم يعرفهُ
قلت لم يَصح إِنْكَاره لَهُ 2 فَإِن التِّرْمِذِيّ لما أخرجه ذكر أَن بعض أهل الحَدِيث ضعفه من أجل أَن ابْن جريج قَالَ ثمَّ لقِيت 3 الزُّهْرِيّ فَسَأَلته فَأنكرهُ
ذكر عَن ابْن معِين أَنه لم يذكر هَذَا الْحَرْف عَن ابْن جريج إِلَّا إِسْمَاعِيل 4 إِبْرَاهِيم قَالَ وسماعه عَن ابْن جريج لَيْسَ بِذَاكَ إِنَّمَا صحّح كتبه على كتب عبد الْمجِيد بن أبي 5 رواد مَا سمع من ابْن جريج

(1/275)


1 - وَضعف يحيى رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن جريج

(1/276)


1 - وَكَذَا حَدِيث ربيعَة الرَّأْي عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَنه عَلَيْهِ 2 الصَّلَاة وَالسَّلَام قضى بِشَاهِد وَيَمِين فَإِن الدَّرَاورْدِي قَالَ لقِيت سهيلا فَسَأَلته عَنهُ فَلم يعرفهُ

(1/277)


1 - وَالصَّحِيح مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور كَمَا سلف لِأَن الْمَرْوِيّ عَنهُ بصدد السَّهْو وَالنِّسْيَان والراوي 2 عَنهُ ثِقَة جازم فَلَا ترد بِالِاحْتِمَالِ رِوَايَته
وَلِهَذَا كَانَ سُهَيْل بعد ذَلِك يَقُول حَدثنِي ربيعَة 3 عني عَن أبي ويسوق الحَدِيث
وَقد روى كثير من الأكابر أَحَادِيث نسوها بَعْدَمَا حدثوا بهَا 4 عَمَّن سَمعهَا مِنْهُم فَكَانَ أحدهم يَقُول حَدثنِي فلَان عني عَن فلَان بِكَذَا
وَجمع الْخَطِيب الْحَافِظ 5 ذَلِك فِي كتاب من حدث وَنسي
قلت وَقَبله الدَّارَقُطْنِيّ
وَلأَجل أَن الْإِنْسَان معرض للنسيان كره 6 من كره من الْعلمَاء الرِّوَايَة عَن الْأَحْيَاء مِنْهُم الشَّافِعِي قَالَ لِابْنِ عبد الحكم إياك وَالرِّوَايَة 7 عَن الْأَحْيَاء
قلت وَلَفظه فِيمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي مدخله عَنهُ لَا تحدث عَن حَيّ فَإِن الْحَيّ لَا 8 يُؤمن عَلَيْهِ النسْيَان

(1/278)


1 - الثَّانِيَة عشرَة من أَخذ على التحديث أجرا لَا تقبل رِوَايَته عِنْد أَحْمد وَإِسْحَاق وَأبي 2 حَاتِم الرَّازِيّ وَتقبل عِنْد أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن شيخ البُخَارِيّ وَعلي بن عبد الْعَزِيز الْمَكِّيّ 3 وَآخَرين
وَذَلِكَ شَبيه بِأخذ الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن وَنَحْوه غير أَن فِي هَذَا من حَيْثُ الْعرف 4 خرما للمروءة وَالظَّن يساء بفاعله إِلَّا أَن يقْتَرن ذَلِك بِعُذْر يَنْفِي ذَلِك عَنهُ فَإِن أَبَا الْحُسَيْن 5 بن النقور فعل ذَلِك لِأَن أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ أفتاه بِجَوَاز أَخذ الْأُجْرَة على التحديث لِأَن 6 أَصْحَاب الحَدِيث كَانُوا يمنعونه عَن الْكسْب لِعِيَالِهِ

(1/279)


1 - الثَّالِثَة عشرَة لَا تقبل رِوَايَة من عرف بالتساهل فِي سَماع الحَدِيث وإسماعه
كمن لَا 2 يُبَالِي بِالنَّوْمِ فِي السماع أَو يحدث لَا من أصل مصحح
قلت وَلَا بَأْس بِأَدْنَى نُعَاس لَا يخْتل 3 مَعَه فهم الْكَلَام
وَكَانَ بَعضهم إِذا كتب طبقَة السماع كتب وَفُلَان وَهُوَ يَنْعس وَفُلَان وَهُوَ يكْتب 4
وَمن هَذَا الْقَبِيل من عرف بِقبُول التَّلْقِين فِي الحَدِيث
وَلَا تقبل رِوَايَة من كثرت الشواذ 5 والمناكير فِي حَدِيثه
جَاءَ عَن شُعْبَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لَا يجيئك الحَدِيث الشاذ 6 إِلَّا من الرجل الشاذ

(1/280)


1 - 281 وَلَا تقبل رِوَايَة من عرف بِكَثْرَة السَّهْو فِي رواياته إِذا لم يحدث من أصل صَحِيح
وكل 2 هَذَا يخرم الثِّقَة بالراوي وبضبطه
قَالَ ابْن الْمُبَارك وَأحمد والْحميدِي وَغَيرهم من غلط فِي 3 حَدِيث فَبين لَهُ فأصر على رِوَايَته سَقَطت رواياته
وَفِي هَذَا نظر وَهُوَ غير مستنكر إِذا ظهر 4 أَن ذَلِك مِنْهُ على جِهَة العناد أَو نَحْو ذَلِك
الرَّابِعَة عشرَة أعرض النَّاس فِي هَذِه الْأَعْصَار 5 الْمُتَأَخِّرَة عَن اعْتِبَار مَجْمُوع مَا بَينا من الشُّرُوط فِي رُوَاة الحَدِيث ومشايخه فَلم يتقيدوا 6 بهَا فِي رواياتهم لتعذر الْوَفَاء بذلك على نَحْو مَا تقدم وَكَانَ عَلَيْهِ من تقدم
وَوجه ذَلِك 7 أَن الْمَقْصُود الْيَوْم إبْقَاء سلسلة الْإِسْنَاد الْمُخْتَص بِهَذِهِ الْأمة فليعتبر مَا يَلِيق بِالْمَقْصُودِ 8 وَهُوَ كَون الشَّيْخ مُسلما بَالغا عَاقِلا غير متظاهر بِالْفِسْقِ والسخف وَفِي ضَبطه بِوُجُود سَمَاعه 9 مثبتا بِخَط غير مُتَّهم وبروايته من أصل مُوَافق لأصل شَيْخه

(1/281)


1 - وَقد سبق إِلَى نَحْو مَا ذَكرْنَاهُ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله
الْخَامِسَة عشرَة فِي أَلْفَاظ الْجرْح 2 وَالتَّعْدِيل
قد رتبها ابْن أبي حَاتِم فَأحْسن
فألفاظ التَّعْدِيل مَرَاتِب
أَعْلَاهَا ثِقَة أَو متقن 3 قَالَه ابْن أبي حَاتِم
قَالَ الشَّيْخ وَكَذَا إِذا قيل ثَبت أَو حجَّة أَو عدل حَافظ أَو ضَابِط
قلت 4 لَفْظَة ثَبت فِي كتاب ابْن أبي حَاتِم مَعَ اللَّفْظَيْنِ الْأَوَّلين أَعنِي الثِّقَة والإتقان كَذَا رَأَيْته 5 فِيهِ فلعلها سَقَطت من نُسْخَة الشَّيْخ فاستدركها
قلت وَإِذا تكَرر لفظ التوثيق ك حجَّة ثَبت 6 فَهُوَ أَعلَى من هَذِه الرُّتْبَة
الثَّانِيَة صَدُوق أَو مَحَله الصدْق أَو لَا بَأْس بِهِ أَو لَيْسَ بِهِ بَأْس

(1/282)


1 - قَالَ ابْن أبي حَاتِم فَهُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه وَينظر فِيهِ وَهِي الْمنزلَة الثَّانِيَة
وَهُوَ كَمَا 2 قَالَ لِأَن هَذِه الْعبارَات لَا تشعر بالضبط فَينْظر فِي حَدِيثه ويختبر حَتَّى يعرف ضَبطه وَقد تقدم 3 بَيَان طَرِيقه فِي أول هَذَا النَّوْع وَإِن لم يسْتَوْف النّظر الْمُعَرّف لكَون ذَلِك الْمُحدث فِي نَفسه 4 ضابطا مُطلقًا واحتجنا إِلَى حَدِيث من حَدِيثه اعْتبرنَا ذَلِك الحَدِيث ونظرنا هَل لَهُ أصل من 5 رِوَايَة غَيره كَمَا تقدم بَيَان طَرِيق الِاعْتِبَار فِي نَوعه

(1/283)


1 - ومشهور عَن ابْن مهْدي الْحَافِظ أَنه حدث فَقَالَ حَدثنَا أَبُو خلدَة فَقيل لَهُ أَكَانَ ثِقَة فَقَالَ 2 كَانَ صَدُوقًا وَكَانَ مَأْمُونا وَكَانَ خيرا وَفِي رِوَايَة وَكَانَ خيارا الثِّقَة شُعْبَة وسُفْيَان
ثمَّ إِن 3 ذَلِك مُخَالف لقَوْل يحيى بن معِين إِذا قلت لَيْسَ بِهِ بَأْس فَهُوَ ثِقَة أَو هُوَ ضَعِيف فَلَيْسَ هُوَ بِثِقَة 4 لَا يكْتب حَدِيثه

(1/284)


1 - وَقَول ابْن معِين عَن نَفسه وَلَا يُقَاوم ذَلِك نقل ابْن حَاتِم ابْن أبي حَاتِم عَن أهل الْفَنّ 2
قلت وللثقة مَرَاتِب وَكَلَام ابْن معِين لَا تنَافِي فِيهِ
الثَّالِثَة شيخ فَيكْتب حَدِيثه وَينظر 3 فِيهِ
الرَّابِعَة صَالح الحَدِيث يكْتب حَدِيثه للاعتبار
وَكَانَ ابْن مهْدي رُبمَا جرى ذكر الرجل 4 فِيهِ ضعف وَهُوَ صَدُوق فَيَقُول صَالح الحَدِيث

(1/285)


1 - وَأما أَلْفَاظ الْجرْح فمراتب
أولاها لين الحَدِيث فَيكْتب حَدِيثه وَينظر فِيهِ اعْتِبَارا 2
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِذا قلت لين لم يكن سَاقِطا مَتْرُوك الحَدِيث وَلَكِن مجروحا بِشَيْء لَا يسْقط 3 عَن الْعَدَالَة
ثَانِيهمَا لَيْسَ بِقَوي فَيكْتب حَدِيثه إِلَّا أَنه دون لين
ثالثهما ضَعِيف الحَدِيث 4 وَهُوَ دون الثَّانِي لَا يطْرَح حَدِيثه بل يعْتَبر بِهِ
رَابِعهَا مَتْرُوك الحَدِيث أَو ذاهبه أَو كَذَّاب 5 فَهُوَ سَاقِط لَا يكْتب حَدِيثه
قَالَ الْخَطِيب أرفع الْعبارَات فِي أَحْوَال الروَاة أَن يُقَال إِنَّه 6 حجَّة أَو ثِقَة وأدونها أَن يُقَال كَذَّاب سَاقِط
وَقَالَ أَحْمد بن صَالح الْمصْرِيّ لَا يتْرك حَدِيث رجل 7 حَتَّى يجْتَمع الْجَمِيع على ترك حَدِيثه

(1/286)


1 - قَالَ الشَّيْخ وَمن ألفاظهم فلَان روى عَنهُ النَّاس وسط مقارب الحَدِيث مضطربه لَا يحْتَج 2 بِهِ مَجْهُول لَا شَيْء لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي فِيهِ أَو فِي حَدِيثه ضعف وَهُوَ فِي الْجرْح أقل من قَوْلهم 3 فلَان ضَعِيف الحَدِيث قلان مَا أعلم بِهِ بَأْسا وَهُوَ فِي التَّعْدِيل دون قَوْلهم لابأس بِهِ
ويستدل 4 على مَعَانِيهَا بِمَا تقدم الْمقنع فِي عُلُوم الحَدِيث

(1/287)