المقنع في علوم الحديث

1
- النَّوْع السَّابِع وَالْعشْرُونَ
معرفَة آدَاب الْمُحدث
وَقد مضى طرف مِنْهَا اقتضته الْأَنْوَاع 2 الَّتِي قبله
علم الحَدِيث علم شرِيف يُنَاسب مَكَارِم الْأَخْلَاق ومحاسن الشيم وينافر مساوئ 3 الْأَخْلَاق ومشاين الشيم وَهُوَ من عُلُوم الْآخِرَة من حرمه حرم خيرا عَظِيما وَمن رزقه نَالَ فضلا 4 جزيلا
فَمن أَرَادَ التصدي لإسماعه فليقدم تَصْحِيح النِّيَّة وإخلاصها فقد قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ 5 لحبيب بن أبي ثَابت حَدثنَا قَالَ حَتَّى تَجِيء النِّيَّة

(1/393)


1 - وَقيل لأبي الْأَحْوَص سَلام بن سليم حَدثنَا فَقَالَ لَيست لي نِيَّة فَقَالُوا لَهُ إِنَّك تؤجر 2 فَقَالَ ... تمنوني الْخَيْر الْكثير وليتني ... نجوت كفافا لَا عَليّ وَلَا ليا ...

وليطهر قلبه 3 من الْأَغْرَاض الدُّنْيَوِيَّة وأدناسها وليحذر بلية حب الرياسة ورعوناتها
وَاخْتلف فِي السن 4 الَّذِي يتَصَدَّى فِيهِ لإسماعه
وَالَّذِي نقُوله مَتى احْتِيجَ إِلَى مَا عِنْده تصدى لَهُ فِي أَي سنّ كَانَ

(1/394)


1 - جَوَازًا عِنْد المُصَنّف ووجوبا عِنْد الْخَطِيب فَإِن نشر الْعلم عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ لَازم والممتنع 2 من ذَلِك عَاص آثم
وَقيل إِذا كمل الْخمسين لِأَنَّهَا انْتِهَاء الكهولة وفيهَا مُجْتَمع الأشد 3
وَقيل إِذا كمل الْأَرْبَعين لِأَنَّهَا مُنْتَهى الْكَمَال
وَنقض ذَلِك القَاضِي عِيَاض بعمر بن عبد الْعَزِيز 4 فَإِنَّهُ توفّي وَلم يكمل الْأَرْبَعين وَسَعِيد بن جُبَير لم يبلغ الْخمسين وَكَذَا إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ 5 وَمَالك جلس للنَّاس ابْن نَيف وَعشْرين وَقيل سبع عشرَة وَالنَّاس متوافرون وشيوخه أَحيَاء وَكَذَا 6 مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي قد أَخذ عَنهُ الْعلم فِي سنّ الحداثة وانتصب لذَلِك
وَقَالَ ابْن الصّلاح 7 لَا يرد هَذَا فَمَا سبق مَحْمُول على من تصدى لَهُ ابْتِدَاء من غير براعة وَأما هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة 8 فَالظَّاهِر أَن ذَلِك لبراعة مِنْهُم فِي الْعلم ظهر لَهُم مَعهَا الِاحْتِيَاج إِلَيْهِم أَو لأَنهم سئلوا 9
فصل
يَنْبَغِي للمحدث الْإِمْسَاك عَن التحديث إِذا خشِي التَّخْلِيط بهرم أَو خرف أَو عمى
وَيخْتَلف 10 ذَلِك باخْتلَاف النَّاس

(1/395)


1 - وَقيل يمسك فِي الثَّمَانِينَ
لَكِن قد حدث جمَاعَة بعد مُجَاوزَة ذَلِك مِنْهُم أنس وَسَهل بن 2 سعد وَعبد الله بن أبي أوفى من الصَّحَابَة وَمَالك وَاللَّيْث وَابْن عُيَيْنَة وَعلي بن الْجَعْد
وَقد 3 حدث بعد اسْتِيفَاء المئة حَكِيم بن حزَام وَشريك بن عبد الله النمري وَالْحسن بن عَرَفَة وَأَبُو 4 الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَأَبُو إِسْحَاق الهُجَيْمِي وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب والسلفي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم 5
فصل
لَا يَنْبَغِي للمحدث أَن يحدث بِحَضْرَة من هُوَ أولى مِنْهُ بذلك
كَانَ إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ 6 إِذا اجْتمعَا لم يتَكَلَّم إِبْرَاهِيم بِشَيْء
وَزَاد بَعضهم فكرة الرِّوَايَة بِبَلَد فِيهِ من الْمُحدثين 7 من هُوَ أولى مِنْهُ لسنه أَو لغير ذَلِك

(1/396)


1 - وَقَالَ يحيى بن معِين إِذا حدثت فِي بلد فِيهِ مثل أبي مسْهر فَيجب للحيتي أَن تحلق
وَعنهُ 2 أَيْضا إِن الَّذِي يحدث بالبلدة وفيهَا من هُوَ أولى مِنْهُ بِالتَّحْدِيثِ أَحمَق
وَيَنْبَغِي للمحدث إِذا 3 التمس مِنْهُ مَا يُعلمهُ عِنْد غَيره فِي بَلَده أَو غَيره بِإِسْنَاد أَعلَى من إِسْنَاده أَو أرجح من 4 وَجه آخر أَن يرشده إِلَيْهِ فالدين النَّصِيحَة

(1/397)


1 - وَلَا يمْتَنع من تحديث أحد لكَونه غير صَحِيح النِّيَّة فِيهِ فَإِنَّهُ يُرْجَى لَهُ حُصُول النِّيَّة 2 من بعد
قَالَ معمر كَانَ يُقَال إِن الرجل يطْلب الْعلم لغير الله فَأبى عَلَيْهِ الْعلم حَتَّى يكون 3 لله عز وَجل
فصل
وَليكن حَرِيصًا على نشره مبتغيا جزيل أجره
وَقد كَانَ فِي السّلف من يتألف 4 النَّاس على حَدِيثه مِنْهُم عُرْوَة بن الزبير
وليقتد بِالْإِمَامِ مَالك بن أنس فَإِنَّهُ كَانَ إِذا 5 أَرَادَ أَن يحدث تَوَضَّأ وَجلسَ على صدر فرَاشه وسرح لحيته وَتمكن فِي جُلُوسه بوقار وهيبة وَحدث 6 فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ أحب أَن أعظم حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أحدث إِلَّا 7 على طَهَارَة مُتَمَكنًا

(1/398)


1 - وَكَانَ يكره أَن يحدث فِي الطَّرِيق أَو وَهُوَ قَائِم أَو يستعجل وَقَالَ أحب أَن تفهم مَا أحدث 2 بِهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَرُوِيَ عَنهُ أَنه كَانَ يغْتَسل لذَلِك ويتبخر ويتطيب 3 فَإِن رفع أحد صَوته فِي مَجْلِسه زبره وَقَالَ قَالَ تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم 4 فَوق صَوت النَّبِي فَمن رفع صَوته عِنْد حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَأَنَّمَا رفع صَوته 5 فَوق صَوته
وَقَالَ مُحَمَّد بن أَحْمد الْفَقِيه وَهُوَ أَبُو زيد الْمروزِي الْقَارئ للْحَدِيث إِذا قَامَ 6 لأحد فَإِنَّهُ تكْتب عَلَيْهِ خَطِيئَة
وَيسْتَحب لَهُ مَعَ أهل مَجْلِسه مَا ورد عَن حبيب بن أبي ثَابت 7 أَنه قَالَ إِن من السّنة إِذا حدث الرجل الْقَوْم أَن يقبل عَلَيْهِم جَمِيعًا وَالله أعلم

(1/399)


1 - وَلَا يسرده سردا يمْنَع السَّامع من إِدْرَاك بعضه
فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة قَالَت 2 لم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْرد الحَدِيث كَسَرْدِكُمْ زَاد التِّرْمِذِيّ وَلكنه كَانَ يتَكَلَّم 3 بِكَلَام بَين فصل يحفظه من جلس إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ حَدِيث حسن صَحِيح
وليفتتح مَجْلِسه وليختتمه 4 بِذكر وَدُعَاء يَلِيق بِالْحَال
وَمن أبلغ مَا يفتتحه بِهِ أَن يَقُول احْمَد لله رب الْعَالمين أكمل 5 الْحَمد على كل حَال وَالصَّلَاة وَالسَّلَام الأتمان على سيد الْمُرْسلين كلما ذكره الذاكرون 6 وَكلما غفل عَن ذكره الغافلون اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آله وَسَائِر النَّبِيين وعَلى آل كل 7 وَسَائِر الصَّالِحين نِهَايَة مَا يَنْبَغِي أَن يسْأَله السائلون
بعد قِرَاءَة قَارِئ حسن الصَّوْت شَيْئا 8 من الْقُرْآن الْعَظِيم

(1/400)


1
- فصل
يسْتَحبّ للمحدث الْعَارِف عقد مجْلِس لإملاء الحَدِيث فَإِنَّهُ من أَعلَى مَرَاتِب الراوين 2
ويتخذ مستمليا محصلا متيقضا يبلغ عَنهُ إِذا كثر الْجمع كعادة الْحفاظ مَالك وَشعْبَة ووكيع 3 وَيزِيد بن هَارُون
وَفِي سنَن د ن من حَدِيث رَافع بن عَمْرو قَالَ
رَأَيْت رَسُول الله صلى الله 4 عَلَيْهِ وَسلم يخْطب النَّاس حِين ارْتَفع الضُّحَى على بغلة شهباء وَعلي يعبر عَنهُ

(1/401)


1 - وَإِنَّمَا ذكرنَا التيقظ كَيْلا يَقع فِي مثل مَا وَقع ليزِيد بن هَارُون وَقد سُئِلَ عَن حَدِيث 2 فَقَالَ حَدثنَا بِهِ عدَّة فصاح مستمليه يَا أَبَا خَالِد عدَّة ابْن من فَقَالَ لَهُ عدَّة ابْن فقدتك

(1/402)


1 - فَإِن لم يكتف بمستمل وَاحِد زَاد
وَقد أمْلى أَبُو مُسلم الْكَجِّي فِي رحبة غَسَّان وَكَانَ فِي 2 مَجْلِسه سَبْعَة مستملين يبلغ كل وَاحِد صَاحبه الَّذِي يَلِيهِ وَكتب النَّاس عَنهُ قيَاما بِأَيْدِيهِم 3 المحابر ثمَّ مسحت الرحبة وَحسب من حضر بمحبرة فَبلغ ذَلِك نيفا وَأَرْبَعين ألف محبرة سوى 4 النظارة
وَكَانَ مجْلِس عَاصِم بن عَليّ يحرز بِأَكْثَرَ من مئة ألف إِنْسَان
وليستمل على مَوضِع 5 مُرْتَفع وَإِلَّا قَائِما
وَعَلِيهِ أَن يتبع لفظ الحَدِيث فيؤديه على وَجهه من غير خلاف
وَقَالَ 6 الْخَطِيب يسْتَحبّ لَهُ أَن لَا يُخَالف لَفظه
وَفَائِدَة الْمُسْتَمْلِي تفهيم السَّامع على بعد
وَأما 7 من لم يسمع إِلَّا الْمبلغ فَلَا يجوز لَهُ رِوَايَته عَن المملي إِلَّا أَن يبين الْحَال وَفِي هَذَا 8 كَلَام تقدم فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين
ويستنصت الْمُسْتَمْلِي النَّاس إِن كَانَ لغط بعد قِرَاءَة قَارِئ 9 حسن الصَّوْت شَيْئا من الْقُرْآن كَمَا سلف

(1/403)


1 - وَعبارَة الْخَطِيب سُورَة من الْقُرْآن
ثمَّ روى بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي نَضرة قَالَ كَانَ أَصْحَاب 2 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اجْتَمعُوا تَذَاكَرُوا الْعلم وقرأوا سُورَة
ثمَّ يبسمل 3 ويحمد الله تَعَالَى وَيُصلي على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويتحرى الأبلغ فِي ذَلِك ثمَّ يقبل 4 على الْمُحدث وَيَقُول من ذكرت أَو مَا ذكرت أَي من الحَدِيث رَحِمك الله أَو غفر لَك أَو نَحْو ذَلِك 5
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقشيرِي الْأَحْسَن أَن يَقُول من حَدثَك أَو من أخْبرك إِن لم يقدم الشَّيْخ 6 ذكر أحد
وروينا عَن يحيى بن أَكْثَم قَالَ وليت الْقَضَاء وَقَضَاء الْقُضَاة والوزارة وَكَذَا وَكَذَا 7 مَا سررت بِشَيْء مثل قَول الْمُسْتَمْلِي من ذكرت رجمك الله
وَكلما انْتهى إِلَى ذكر رَسُول اله 8 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى عَلَيْهِ
قَالَ الْخَطِيب بِرَفْع الصَّوْت
وَإِذا ذكر صحابيا قَالَ رَضِي الله 9 تَعَالَى عَنهُ

(1/404)


1 - قلت فغن كَانَ ابْن صَحَابِيّ ترْضى عَنْهُمَا
ويترضى ويترحم على الْأَئِمَّة
وَقد روينَا عَن 2 الرّبيع قَالَ قَالَ الْقَارئ يَوْمًا حَدثكُمْ الشَّافِعِي وَلم يقل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ الرّبيع 3 وَلَا حرف فَقَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
وَيحسن بالمحدث الثَّنَاء على شَيْخه حَالَة الرِّوَايَة عَنهُ 4 بِمَا هُوَ أَهله كَمَا فعله غير وَاحِد من السّلف كَمَا رُوِيَ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه كَانَ إِذا 5 حدث عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي الْبَحْر وَعَن وَكِيع أَنه قَالَ حَدثنَا سُفْيَان أَمِير الْمُؤمنِينَ
وأهم 6 من ذَلِك الدُّعَاء لَهُ عِنْد ذكره
وَلَا بَأْس بِذكر من يروي عَنهُ بلقب ك غنْدر لقب مُحَمَّد بن 7 جَعْفَر ولوين لقب مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المصِّيصِي أَو وصف ك سُلَيْمَان الْأَعْمَش وَعَاصِم الْأَحول أَو 8 حِرْفَة أَو أم عرف بهَا ك يعلى بن منية الصَّحَابِيّ وَهِي أمه وَقيل جدته أم أَبِيه وَإِنَّمَا هُوَ 9 ابْن أُميَّة إِلَّا مَا يكره من ذَلِك كَمَا فِي إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف ب ابْن علية وَهِي 10 أمه وَقيل أم أَبِيه وَقد نهى أَحْمد ابْن معِين وَقَالَ إِنَّه

(1/405)


1 - نهى عَن ذَلِك فَقَالَ قد قبلنَا مِنْك يَا معلم الْخَيْر
وَقد اسْتحبَّ للمملي أَن يجمع فِي 2 إمْلَائِهِ جمَاعَة من شُيُوخه مقدما أرجحهم إِسْنَادًا وَنَحْوه
ويملي عَن كل وَاحِد حَدِيثا وَاحِدًا 3 ويختار مَا علا سَنَده وَقصر مَتنه والمستفاد مِنْهُ وينبه على صِحَّته وَمَا فِيهِ من علم وَفَائِدَة 4 وَضبط مُشكل
ويتجنب مَا لَا تحمله عُقُولهمْ وَمَا لَا يفهمونه
وَيخْتم الْإِمْلَاء بحكايات ونوادر 5 وإنشادات بأسانيدها
قلت وأولاها مَا فِي الزّهْد والآداب وَمَكَارِم الْأَخْلَاق
وَإِذا قصر 6 الْمُحدث أَو اشْتغل عَن تَخْرِيج الْإِمْلَاء اسْتَعَانَ بِبَعْض الْحفاظ
قَالَ الْخَطِيب كَانَ جمَاعَة من 7 شُيُوخنَا يَفْعَلُونَ ذَلِك
وَإِذا نجز الْإِمْلَاء قابله وأتقنه وَأصْلح مَا فسد مِنْهُ بزيغ الْقَلَم 8 وطغيانه

(1/406)


1
- النَّوْع الثَّامِن وَالْعشْرُونَ
معرفَة آدَاب طَالب الحَدِيث
قد اندرج طرف مِنْهُ فِي ضمن 2 مَا تقدم
فَأول مَا عَلَيْهِ تَحْقِيق الْإِخْلَاص والحذر من أَن يَتَّخِذهُ وصلَة إِلَى شَيْء من الْأَغْرَاض 3 الدُّنْيَوِيَّة
قَالَ حَمَّاد من طلب الحَدِيث لغير الله مكر بِهِ
وَقَالَ سُفْيَان الثوي مَا أعلم عملا 4 هُوَ أفضل من طلب الحَدِيث لمن أَرَادَ الله بِهِ
وَنَحْوه عَن ابْن الْمُبَارك

(1/407)


1 - وَمن أقرب الْوُجُوه فِي إصْلَاح النِّيَّة فِيهِ مَا روينَا عَن ابْن نجيد أَنه سَأَلَ ابْن حمدَان 2 فَقَالَ لَهُ بِأَيّ نِيَّة أكتب الحَدِيث فَقَالَ ألستم تروون أَن عِنْد ذكر الصَّالِحين تنزل الرَّحْمَة 3 قَالَ نعم قَالَ فَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأس الصَّالِحين
وَيسْأل الله تَعَالَى التَّوْفِيق 4 والتسديد والتيسير والتأييد
وليأخذ نَفسه بالأخلاق الزكية والآداب الرضية
قَالَ أَبُو 5 عَاصِم النَّبِيل من طلب هَذَا الحَدِيث فقد طلب أَعلَى أُمُور الدّين فَيجب أَن يكون خير النَّاس 6
ثمَّ ليشمر عَن سَاق الْجد فِي تَحْصِيله وَيبدأ بِالسَّمَاعِ من أرجح شُيُوخ بَلَده إِسْنَادًا وعلما 7 وشهرة ودينا فَإِذا فرغ من مهماته فليرحل كعادة الْحفاظ
قَالَ يحيى بن معِين أَرْبَعَة لَا 8 تؤنس مِنْهُم رشدا حارس الدَّرْب ومنادي القَاضِي وَابْن الْمُحدث وَرجل يكْتب فِي بَلَده وَلَا يرحل 9 فِي طلب الحَدِيث

(1/408)


1 - وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن ادهم إِن الله تَعَالَى يدْفع الْبلَاء عَن هَذِه الْأمة برحلة أَصْحَاب 2 الحَدِيث
وَلَا يحملنه الشره على التساهل فِي السماع والتحمل والإخلال بِمَا يشْتَرط عَلَيْهِ 3 فِي ذَلِك على مَا تقدم شَرحه
وليستعمل مَا يسمعهُ من الْأَحَادِيث الْوَارِدَة بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيح 4 وَغَيرهمَا من الْأَعْمَال الصَّالِحَة فَذَلِك زَكَاة الحَدِيث كَمَا قَالَه بشر الحافي رَضِي الله تَعَالَى 5 عَنهُ
وَقَالَ مرّة يَا أَصْحَاب الحَدِيث أَدّوا زَكَاة هَذَا الحَدِيث اعْمَلُوا من كل مئتي حَدِيث بِخَمْسَة 6 أَحَادِيث
وَقَالَ عَمْرو بن قيس الْملَائي إِذا بلغك شَيْء من الْخَيْر فاعمل بِهِ وَلَو مرّة تكن من 7 أَهله
وَقَالَ وَكِيع إِذا أردْت أَن تحفظ الحَدِيث فاعمل بِهِ

(1/409)


1
- فصل
وليعظم شَيْخه وَمن يسمع مِنْهُ فَذَلِك من إجلال الحَدِيث وَالْعلم وَأَسْبَاب الِانْتِفَاع 2
قلت ويعتقد جلالة شَيْخه ورجحانه ويتحرى رِضَاهُ
وَلَا يثقل عَلَيْهِ وَلَا يطول بِحَيْثُ يضجره 3 فَإِنَّهُ يخْشَى على فَاعل ذَلِك أَن يحرم الِانْتِفَاع
وَقد قَالَ الزُّهْرِيّ إِذا طَال الْمجْلس كَانَ للشَّيْطَان 4 فِيهِ نصيب
قلت وليستشره فِي أُمُوره وَمَا يشْتَغل فِيهِ وَكَيْفِيَّة اشْتِغَاله
وَمن ظفر بِسَمَاع شيخ 5 فكتمه لينفرد بِهِ عَنْهُم كَانَ جَدِيرًا بِأَن لَا ينْتَفع بِهِ وَقد وَقع
وَمن أول فَائِدَة طلب الحَدِيث 6 الإفادة
وَلَا يُمكن مِمَّن يمنعهُ الْحيَاء وَالْكبر عَن كثير من الطّلب
وَقد قَالَ مُجَاهِد لَا 7 ينَال الْعلم مستحيي وَلَا متكبر

(1/410)


1 - وَقَالَ عمر بن الْخطاب وَابْنه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا من رق وَجهه رق علمه

(1/411)


1 - وَلَا يأنف أَن يكْتب عَمَّن هُوَ دونه أَي فِي سنّ أَو نسب أَو غَيره مَا يستفيده مِنْهُ
قَالَ 2 وَكِيع لَا ينبل الرجل من أَصْحَاب الحَدِيث حَتَّى يَكْتُبهُ عَمَّن هُوَ فَوْقه وَعَمن هُوَ مثله وَعَمن هُوَ 3 دونه
قلت وليصبر على جفَاء شَيْخه وليعتن بالمهم

(1/412)


1 - وَلَيْسَ بموفق من ضيع شَيْئا من وقته فِي الاستكثار من الشُّيُوخ لمُجَرّد اسْم الْكَثْرَة وصيتها 2 وَلَيْسَ من ذَلِك قَول أبي حَاتِم الرَّازِيّ إِذا كتبت فقمش وَإِذا حدثت ففتش
وليكتب وليستمع 3 مَا يَقع لَهُ من كتاب أَو جُزْء على التَّمام وَلَا ينتخب فسيندم حَيْثُ لَا تَنْفَعهُ الندامة فَإِن 4 احْتَاجَ إِلَيْهِ تولاه بِنَفسِهِ فَإِن قصر اسْتَعَانَ بحافظ
وَقد تصدى جمَاعَة للانتفاء على الشُّيُوخ 5 كالدارقطني وَغَيره معلمين لذَلِك فِي أصل الشَّيْخ على مَا ينتخبونه ب صَاد أَو طاء فِي الْحَاشِيَة 6 الْيُمْنَى من الورقة وَالدَّارَقُطْنِيّ علم فِي الْيُسْرَى بِخَط عريض بالحمرة وَلَا حجر فِي ذَلِك
فصل 7
ثمَّ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يقْتَصر على سَمَاعه وَكتبه دون مَعْرفَته وفهمه فَيكون قد أتعب نَفسه 8 من غير أَن يظفر بطائل وَبِغير أَن يحصل فِي عداد أهل الحَدِيث
وللأديب فَارس بن الْحُسَيْن 9
يَا طَالب الْعلم الَّذِي
ذهبت بمدته الروايه ... كن فِي الرِّوَايَة ذَا العنا
ية بالرواية 10 والدرايه

(1/413)


1 - ... وارو الْقَلِيل وراعه ... فالعلم لَيْسَ لَهُ نهايه ...

قلت فيتعرف صِحَّته وَضَعفه وفهمه 2 ومعانيه ولغته وَإِعْرَابه وَأَسْمَاء رِجَاله محققا كل ذَلِك معتنيا بإتقان مشكلها حفظا وَكِتَابَة 3
وليقدم الْعِنَايَة ب الصَّحِيحَيْنِ ثمَّ ب سنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وجامع التِّرْمِذِيّ ضبطا لمشكلها 4 وفهما لخفي مَعَانِيهَا ثمَّ السّنَن الْكَبِير للبيهقي وليحرص عَلَيْهِ فَإنَّا لَا نعلم مثله فِي بَابه 5 ثمَّ سَائِر مَا تمس الْحَاجة إِلَيْهِ من المسانيد ك مُسْند أَحْمد وَمن كتب الْجَوَامِع المصنفة فِي 6 الْأَحْكَام الْمُشْتَملَة على المسانيد وَغَيرهَا وموطأ مَالك هُوَ الْمُقدم مِنْهَا وَمن كتب الْعِلَل 7 وَمن أَجودهَا كتاب الْعِلَل عَن أَحْمد والعلل عَن الدَّارَقُطْنِيّ قلت والعلل عَن ابْن أبي حَاتِم 8 وَمن كتب معرفَة الرِّجَال وتواريخ الْمُحدثين وَمن أفضلهَا

(1/414)


1 - وتاريخ البُخَارِيّ الْكَبِير وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل لِابْنِ أبي حَاتِم قلت وتاريخ ابْن أبي خثيمَةَ 2 وَمن ضبط الْأَسْمَاء كتاب ابْن مَاكُولَا
وَليكن كلما مر بِهِ أَمر مُشكل أَو كلمة من حَدِيث مشكلة 3 بحث عَنْهَا وأودعها قلبه فَإِنَّهُ يجْتَمع لَهُ بذلك علم كثير فِي يسير
وَليكن تحفظه للْحَدِيث 4 على التدريج قَلِيلا قَلِيلا فَذَلِك أَحْرَى بِأَن يمتع بمحفوظه وَمِمَّنْ ورد ذَلِك عَنهُ شُعْبَة وَابْن 5 عليلة وَمعمر
وَقَالَ الزُّهْرِيّ من طلب الْعلم جملَة فَاتَهُ جملَة
وَليكن الإتقان من شَأْنه فقد 6 قَالَ ابْن مهْدي الْحِفْظ الإتقان

(1/415)


1 - ثمَّ إِن المذاكرة بمحفوظه من أقوى أَسبَاب الإمتاع بِهِ وَهُوَ حَيَاته وَقد قَالَ النَّخعِيّ 2 م سره أَن يحفظ الحَدِيث فليحدث بِهِ وَلَو أَن يحدث بِهِ من لَا يشتهيه
قلت وليباحث أهل الْمعرفَة 3 فَإِنَّهُ مُهِمّ أَيْضا
فصل
وليشتعل بالتخريج والتأليف والتصنيف إِذا تأهل لَهُ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ 4 الْخَطِيب يثبت الْحِفْظ ويذكي الْقلب ويشحذ الطَّبْع ويجيد الْبَيَان ويكشف الملتبس ويكسب جميل 5 الذّكر ويخلده إِلَى آخر الدَّهْر وَقل مَا يمهر فِي علم الحَدِيث وَيقف عل غوامضه ويستبين الْخَفي 6 من فَوَائده إِلَّا من فعل ذَلِك
وَحدث الصُّورِي الْحَافِظ قَالَ رَأَيْت عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْحَافِظ 7 فِي الْمَنَام فَقَالَ لي يَا أَبَا عبد الله خرج وصنف قبل أَن يُحَال بَيْنك وَبَينه هَذَا أَنا تراني 8 قد حيل بيني وَبَين ذَلِك
قلت وليعتن بالتصنيف فِي شَرحه وَبَيَان مشكله متقنا وَاضحا

(1/416)


1 - 417 وللعلماء بِالْحَدِيثِ فِي تصنيفه طَرِيقَانِ
إِحْدَاهمَا قلت وَهِي الأجود تصنيفه على 2 الْأَبْوَاب فيذكر فِي كل بَاب مَا حَضَره فِيهِ
وَالثَّانيَِة تصنيفه على المسانيد فَيجمع فِي تَرْجَمَة 3 كل صَحَابِيّ مَا عِنْده من حَدِيثه وَإِن اخْتلفت أَنْوَاعه وَله أَن يرتبه على الْحُرُوف أَو على الْقَبَائِل 4 مبتديا ببني هَاشم ثمَّ بالأقرب فَالْأَقْرَب نسبا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو 5 على سوابق الصَّحَابَة فبالعاشرة ثمَّ بِأَهْل بدر ثمَّ بِالْحُدَيْبِية ثمَّ الْمُهَاجِرين بَينهَا وَبَين 6 الْفَتْح ثمَّ يخْتم بأصاغر الصَّحَابَة كَأبي الطُّفَيْل ونظرائه ثمَّ بِالنسَاء قلت باديا بأمهات 7 الْمُؤمنِينَ
وَهَذَا أحسن وَالْأول أسهل وَفِي ذَلِك من وُجُوه التَّرْتِيب غير ذَلِك
وَمن أَعلَى الْمَرَاتِب 8 تصنيفه مُعَللا بِأَن يجمع فِي كل حَدِيث أَو بَاب طرقه وَاخْتِلَاف رُوَاته كَمَا فعل بن شيبَة
وَمِمَّا 9 يعتنون بِهِ فِي التَّأْلِيف جمع الشُّيُوخ كل شيخ على انْفِرَاده كمالك وسُفْيَان
قَالَ عُثْمَان بن 10 سعيد الدِّرَامِي يُقَال من لم يجمع حَدِيث هَؤُلَاءِ الْخَمْسَة فَهُوَ مُفلس فِي الحَدِيث سُفْيَان وَشعْبَة 11 وَمَالك وَحَمَّاد بن زيد وَابْن عُيَيْنَة وهم أصُول الدّين
ويجمعون أَيْضا التراجم ك مَالك عَن 12 نَافِع عَن ابْن عمر وَهِشَام

(1/417)


1 - عَن أَبِيه عَن عَائِشَة وَغير ذَلِك
والأبواب ك رفع الْيَدَيْنِ وَالْقِرَاءَة خلف الإِمَام وَغَيرهمَا 2
ويفردون أَيْضا أَحَادِيث فَيجْمَعُونَ طرقها فِي كتب مُفْردَة نَحْو
طرق حَدِيث قبض الْعلم وَحَدِيث 3 الْغسْل يَوْم الْجُمُعَة وَغَيرهمَا
وليحذر من قصد المكاثرة وَنَحْوه فقد حَمْزَة الْكِنَانِي حَدِيثا 4 وَاحِدًا من نَحْو مئتي طَرِيق فأعجبه ذَلِك فَرَأى يحيى بن معِين فِي مَنَامه فَذكر لَهُ ذَلِك فَقَالَ 5 أخْشَى أَن يدْخل هَذَا تَحت أَلْهَاكُم التكاثر
ثمَّ ليحذر من إِخْرَاج تصنيفه إِلَّا بعد تهذيبه 6 وتحريره وتكرير النّظر
وليحذر من تصنيف مَا لم يتأهل لَهُ
قَالَ النَّوَوِيّ وَيَنْبَغِي أَن يتحَرَّى 7 الْعبارَات الْوَاضِحَة والاصطلاحات المستعملة

(1/418)


2
- النَّوْع الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ نَاسخ الحَدِيث ومنسوخه

وَهُوَ فن مُهِمّ مستصعب
قَالَ الزُّهْرِيّ أعيا الْفُقَهَاء واجزهم أَن يعرفوه
وَكَانَ للشَّافِعِيّ فِيهِ يَد ولى وسابقة أولى
قَالَ أَحْمد لِابْنِ وارة الْحَافِظ وَقد قدم من مصر كتبت كتب الشَّافِعِي قَالَ لَا قَالَ فرطت مَا علمنَا الْمُجْمل من الْمُفَسّر وَلَا النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ حَتَّى جالسنا الشَّافِعِي
وَأدْخل فِيهِ بعض أهل الحَدِيث مَا لَيْسَ مِنْهُ لخفاء معنى النّسخ وَشَرطه

(2/450)


وَهُوَ عبارَة عَن رفع الشَّارِع كَمَا مِنْهُ مُتَقَدما بمتأخر
وَهَذَا حد وَقع لنا سَالم من اعتراضات وَردت عَلَيْهِ
قلت لَيْسَ بسالم فَعَلَيهِ اعتراضات أَحدهَا على تَعْبِيره بِالرَّفْع لِأَن الحكم الْحَادِث ضد السَّابِق وَلَيْسَ رفع الْحَادِث السَّابِق بِأولى من رفع السَّابِق للحادث وَالصَّوَاب التَّعْبِير بالانتهاء
ثَانِيهَا على عبيره ب الحكم لِأَن الْمَنْسُوخ قد يكون خَبرا
ثَالِثهَا أَن هَذَا الْحَد منطبق على قَول الْعدْل نسخ كَذَا مَعَ أَنه لَيْسَ بنسخ

(2/451)


رَابِعهَا إِذا اخْتلفت الْأمة على قَوْلَيْنِ فَإِن الْمُكَلف يتَخَيَّر بَينهمَا ثمَّ إِذا أَجمعُوا أَحدهمَا فَإِنَّهُ يتَعَيَّن الْأَخْذ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَيصدق الْحَد الْمَذْكُور مَعَ أَن الْإِجْمَاع لَا ينْسَخ وَلَا ينْسَخ ب كَمَا ذكره بعد
ثمَّ نَاسخ الحَدِيث ومنسوخه يَنْقَسِم أقساما
فَمِنْهَا مَا يعرف بتصريح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ك كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فزوروها
وَمِنْهَا مَا يعرف بقول الصَّحَابِيّ ك كَانَ آخر الْأَمريْنِ من رَسُول

(2/452)


الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك الْوضُوء مَا مست النَّار وَحَدِيث كَانَ المَاء من المَاء

(2/453)


رخصَة فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نهي عَنْهَا

(2/456)


وَمِنْهَا مَا عرف بالتاريخ كَحَدِيث شَدَّاد بن أَوْس وَغَيره أفطر الحاجم والمحجوم فَإِنَّهُ مَنْسُوخ بِحَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم

(2/461)


وَهُوَ صَائِم لِأَن الأول فِي الْفَتْح سنة ثَمَان إِذْ فِي حَدِيث شَدَّاد أَنه كَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زمَان الْفَتْح فَرَأى رجلا يحتجم فِي شهر رَمَضَان فَقَالَ أفطر الحاجم والمحجوم وَالثَّانِي فِي حجَّة الْوَدَاع سنة عشر
قلت لَكِن فِي السّنَن فِي حَدِيث شَدَّاد أَنه أَتَى على رجل بِالبَقِيعِ وَهُوَ يحتجم لثمان عشر خلت من رَمَضَان وَلَيْسَ فِيهِ عَام

(2/462)


الْفَتْح وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا التَّارِيخ عَام الْفَتْح كَانَ بِمَكَّة كَمَا تقدم وَالْبَقِيع بِالْمَدِينَةِ وإسنادهما صَحِيح فَلْينْظر فِي الْجمع بَينهمَا لَكِن النّسخ حَاصِل على كل تَقْدِير لِأَن حجَّة الْوَدَاع لم يكن بعْدهَا رَمَضَان فِي حَيَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
وَمِنْهَا مَا يعرف بِالْإِجْمَاع كَحَدِيث قتل شَارِب الْخمر فِي الرَّابِعَة فَإِنَّهُ عرف نسخه بانعقاد على ترك الْعَمَل بِهِ وَالْإِجْمَاع لَا ينْسَخ وَلَا ينْسَخ لَكِن يدل على وجود نَاسخ غَيره

(2/463)


قلت حكى ابْن حزم عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه عمل بِهِ
وَقَالَ ابْن الْمُنْذر أجمع عوام أهل الْعلم على انه لَا يقتل إِلَّا شاذا من النَّاس لَا نعلمهُ خلافًا
قلت وَمثله حَدِيث قتل السَّارِق فِي الْخَامِسَة

(2/464)


قَالَ الْمَاوَرْدِيّ انْعَقَد الْإِجْمَاع من الصَّحَابَة على أَنه لَا يقتل
لَكِن فِي هَذِه الدَّعْوَى نظر لِأَن الرَّوْيَانِيّ حكى عَن عُثْمَان وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعمر بن عبد الْعَزِيز أَنه يقتل للْخَبَر الْمَذْكُور
نعم عَنهُ أجوبة
أَحدهَا ضعفه قَالَه النَّسَائِيّ وَغَيره
ثَانِيهَا حمله على قَتله بزنا أَو استحلال قَالَه إِمَام الْحَرَمَيْنِ
ثَالِثهَا أَنه خَاص بذلك السَّارِق قَالَه صَاحب الشَّامِل وَفِيه بعد
وَقد ذكرت كل ذَلِك فِي تخريجي لأحاديث الرَّافِعِيّ وشرحي للمنهاج أَيْضا

(2/467)


وَقَالَ التِّرْمِذِيّ كل مَا جمعت فِي كتابي هَذَا مَعْمُول بِهِ إِلَّا حديثين حَدِيث جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ من غير خوف وَلَا مطر وَحَدِيث شَارِب الْخمر فَإِذا كَانَ فِي الرَّابِعَة فَاقْتُلُوهُ هَذَا كَلَامه وَالْأول قد عمل بِهِ وَحمل على الْجمع بِالْمرضِ وَالثَّانِي قد عرفت مَا فِيهِ

(2/468)