النكت على مقدمة ابن الصلاح النَّوْع السَّادِس عشر معرفَة زيادات
الثِّقَات وَحكمهَا
194 - (قَوْله) وَقد كَانَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي إِلَى
آخِره
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم كَانَ أَبُو بكر
النَّيْسَابُورِي يعرف زيادات الْأَلْفَاظ فِي الْمُتُون
وَالْمرَاد بِهِ الْأَلْفَاظ الْفِقْهِيَّة والزيادات الَّتِي
يستنبط مِنْهَا الْأَحْكَام الْفِقْهِيَّة كزيادة تربَتهَا فِي
حَدِيث التَّيَمُّم وَمن الْمُسلمين فِي حَدِيث الْفطر
وَلَيْسَ المُرَاد
(2/174)
بِهِ مَا زَاده الْفُقَهَاء فَذَلِك يذكر
فِي المدرج
195 - (قَوْله) وَمذهب الْجُمْهُور من الْفُقَهَاء وَأَصْحَاب
الحَدِيث فِيمَا حَكَاهُ الْخَطِيب أَن الزِّيَادَة من
الثِّقَة مَقْبُولَة مُطلقًا
فِيهِ أُمُور
أَحدهَا أَن مَا حَكَاهُ عَن الْخَطِيب وَأقرهُ قد اسْتشْكل
الشَّيْخ صَلَاح الدّين العلائي حكايته عَن الْمُحدثين وَقَالَ
الَّذِي يظْهر من كَلَامهم خُصُوصا الْمُتَقَدِّمين كيحيى بن
سعيد الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَمن بعدهمَا كأحمد
بن حَنْبَل وَعلي بن الْمَدِينِيّ (د 66) وَيحيى بن معِين
وَهَذِه الطَّبَقَة وَمن بعدهمْ كالبخاري
(2/175)
وَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم الرازيين
وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وأمثالهم
وَالدَّارَقُطْنِيّ والخليلي - كل هَؤُلَاءِ مُقْتَضى تصرفهم
فِي الزِّيَادَة قبولا وردا التَّرْجِيح بِالنِّسْبَةِ إِلَى
مَا يقوى عِنْد الْوَاحِد مِنْهُم فِي كل حَدِيث وَلَا يحكمون
فِي الْمَسْأَلَة بِحكم كلي يعم جَمِيع الْأَحَادِيث وَهَذَا
هُوَ الْحق قَالَ وَمِنْهُم من قبل الزِّيَادَة من الثِّقَة
مُطلقًا سَوَاء اتَّحد الْمجْلس أَو تعدد كثر الساكتون أَو
تساووا فَمن هَؤُلَاءِ ابْن حبَان وَالْحَاكِم فقد أخرجَا فِي
كِتَابَيْهِمَا اللَّذين التزما فيهمَا الصِّحَّة كثيرا من
الْأَحَادِيث المتضمنة للزِّيَادَة الَّتِي يتفرد بهَا راو
وَاحِد وَخَالف فِيهَا الْعدَد والأحفظ من ذَلِك حَدِيث
عُثْمَان بن عمر بن فَارس عَن مَالك بن مغول عَن الْوَلِيد بن
الْعيزَار عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود
قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي
الْعَمَل أفضل قَالَ الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا الحَدِيث فَإِن
البُخَارِيّ وَمُسلمًا روياه لوَقْتهَا من
(2/176)
حَدِيث جمَاعَة كثيرين عَن مَالك بن مغول
وَكلهمْ قَالَ لوَقْتهَا أَو على وَقتهَا وَلم يقل فِيهِ
الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا سوى مُحَمَّد بن بشار بنْدَار
وَالْحسن ابْن مكرم الْبَزَّاز وهما ثقتان عَن عُثْمَان بن عمر
وَقد رَوَاهُ غَيرهمَا عَن عُثْمَان
(2/177)
بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة وَأخرجه
الْحَاكِم بِهَذِهِ الزِّيَادَة وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا
وَمِنْه حَدِيث الدَّرَاورْدِي عَن صَفْوَان بن سليم عَن عَطاء
بن يسَار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ غسل الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم
كَغسْل الْجَنَابَة
أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ من
حَدِيث مَالك
(2/178)
وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَغَيرهمَا عَن
صَفْوَان بن سليم بِدُونِ قَوْله كَغسْل الْجَنَابَة
وَكَذَلِكَ حَدِيث عَائِشَة فِي اعْتِبَار الْوَلِيّ والشاهدين
فِي النِّكَاح أخرجه ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَذكر الشَّاهِد
فِيهِ انْفَرد بِهِ عدد يسير (أ 108) وأمثلة ذَلِك فِي
كِتَابَيْهِمَا يطول
قلت وَهُوَ ظَاهر تصرف مُسلم فِي صَحِيحه أَعنِي قبُول
الزِّيَادَة من الثِّقَة مُطلقًا وَكَذَا قَول التِّرْمِذِيّ
فِي آخر الْجَامِع وَإِنَّمَا تصح الزِّيَادَة إِذا كَانَت
مِمَّن يعْتَمد
(2/179)
على حفظه مثل زِيَادَة مَالك من الْمُسلمين
وَهَذَا يقْدَح فِيمَا نسبه لعامة الْمُحدثين من عدم جريهم على
قانون وَاحِد وَكَذَلِكَ ماعزاه الدَّارَقُطْنِيّ - وَسُئِلَ
عَن الحَدِيث إِذا اخْتلف فِيهِ الثِّقَات مثل أَن يروي
الثَّوْريّ حَدِيثا وَيُخَالِفهُ فِيهِ مَالك وَالطَّرِيق
إِلَى كل مِنْهُمَا صَحِيح - قَالَ ينظر مَا اجْتمع عَلَيْهِ
ثقتان يحكم بِصِحَّتِهِ أَو جَاءَ بِلَفْظَة زَائِدَة مُثبت
تقبل مِنْهُ تِلْكَ الزِّيَادَة وَيحكم للْأَكْثَر مِنْهُم
حفظا وثبتا على من هُوَ دونه انْتهى
(2/180)
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه - وَقد
ذكر رِوَايَة يحيى بن أبي كثير عَن أبي عَيَّاش عَن سعد نهى
عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة - قد خَالفه مَالك
وَإِسْمَاعِيل بن أُميَّة وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان وَأُسَامَة
بن زيد رَوَوْهُ عَن (عبد الله بن يزِيد) وَلم يَقُولُوا
نَسِيئَة واجتماع هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة على خلاف مَا رَوَاهُ
يحيى يدل على ضبطهم للْحَدِيث وَفِيهِمْ إِمَام حَافظ وَهُوَ
مَالك بن أنس
(2/181)
وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه لسنا
ندفع قبُول الزِّيَادَة من الْحفاظ وَلَكنَّا نقُول إِذا
تكافأت الروَاة فِي الْحِفْظ والإتقان فَرَوَاهُ حَافظ عَالم
بالأخبار قبلت زِيَادَته [لَا أَن] الْأَخْبَار إِذا تواردت
بِنَقْل أهل الْعَدَالَة فَزَاد راو لَيْسَ مثلهم فِي الْحِفْظ
زِيَادَة أَن تِلْكَ الزِّيَادَة مَقْبُولَة انْتهى
وَقد اخْتَار الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ مَا حَكَاهُ
الْخَطِيب وعمدتهم فِيهِ أَن الْوَاحِد لَو انْفَرد بِنَقْل
حَدِيث عَن جَمِيع الْحفاظ يقبل فَكَذَلِك إِذا انْفَرد
بِزِيَادَة لِأَن الْعدْل لَا يتهم وَقد عول على هَذِه
الْحجَّة جمَاعَة من الْأُصُولِيِّينَ مِنْهُم الْغَزالِيّ
وَمن الْمُحدثين مِنْهُم الْخَطِيب وَهِي مَرْدُودَة بِأَن
تفرده بِالْحَدِيثِ من أَصله لَا يتَطَرَّق الْوَهم إِلَى
غَيره من الثِّقَات بِخِلَاف تفرده بِالزِّيَادَةِ إِذا خَالف
[من خَالف] من هُوَ أولى بِالْحِفْظِ مِنْهُ فَإِن الظَّن
مُرَجّح لقَولهم دونه لَا سِيمَا عِنْد اتِّحَاد الْمجْلس
(2/182)
الثَّانِي حَاصِل مَا حَكَاهُ المُصَنّف
ثَلَاثَة مَذَاهِب
أَحدهَا رد الزِّيَادَة مُطلقًا وَحَكَاهُ ابْن الصّباغ فِي
الْعدة عَن قوم من أهل الحَدِيث وَحَكَاهُ القَاضِي عبد
الْوَهَّاب فِي الملخص عَن أبي بكر الْأَبْهَرِيّ
وَالثَّانِي قبُولهَا من غَيره وردهَا مِنْهُ
وَالثَّالِث قبُولهَا مُطلقًا وَعَزاهُ لِلْجُمْهُورِ
وَحَكَاهُ القَاضِي عبد الْوَهَّاب عَن مَالك وَسَوَاء كَانَت
من شخص وَاحِد بِأَن رَوَاهُ نَاقِصا مرّة وَمرَّة كَامِلا أَو
كَانَت الزِّيَادَة من غير تعرض لشَيْء من الشُّرُوط قَالَ
وَإِلَيْهِ ذهب كَافَّة الْمُحَقِّقين مِنْهُم أَبُو حنيفَة
وَجرى عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَالْغَزالِيّ
(2/183)
وَابْن برهَان وَغَيرهم
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ عِنْدِي فِيمَا إِذا سكت
الْبَاقُونَ فَإِن صَرَّحُوا بِنَفْي مَا نَقله هَذَا
الرَّاوِي عِنْد إِمْكَان اطلاعهم على نَقله فَهَذَا يوهن قَول
قَائِل الزِّيَادَة وَقد سبق فِي الْكَلَام على الْمُرْسل من
كَلَام الشَّافِعِي أَن الزِّيَادَة من الثِّقَة لَيست
مَقْبُولَة مُطلقًا وَهُوَ أثبت نقل عَنهُ فِي الْمَسْأَلَة
وَفصل ابْن الصّباغ فِي الْعدة بَين أَن يَتَعَدَّد الْمجْلس
فيكونا كالخبرين وَيعْمل بهما وَإِن رويا ذَلِك عَن مجْلِس
وَاحِد فَإِن كَانَ الَّذِي نقل الزِّيَادَة وَاحِدًا
وَالْبَاقُونَ جمَاعَة لَا يجوز عَلَيْهِم الْوَهم سَقَطت
الزِّيَادَة وَإِن كَانَ النَّاقِل للزِّيَادَة عددا كثيرا
فَهِيَ مَقْبُولَة وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا وَاحِدًا فالأخذ
بِرِوَايَة الضَّابِط مِنْهُمَا وَإِن كَانَا
(2/184)
ضابطين ثقتين كَانَ الْأَخْذ
بِالزِّيَادَةِ أولى
وَفصل بعض الْمُتَكَلِّمين بَين أَن تكون الزِّيَادَة مُغيرَة
للإعراب فيكونا متعارضين وَإِلَّا فالأخذ بِالزِّيَادَةِ
وَفصل قوم مِنْهُم الأبياري فِي شرح الْبُرْهَان بَين أَن
يشْتَهر بِنَقْل الزِّيَادَة فِي وقائع فَلَا تقبل لِأَنَّهُ
مُتَّهم وَفصل الإِمَام الرَّازِيّ بَين أَن يكون الممسك عَن
الزِّيَادَة اضبط من الرَّاوِي لَهَا فَلَا تقبل وَكَذَا إِذا
صرح بنفيها وَإِلَّا قبلت
وَقَالَ الْآمِدِيّ إِن اتَّحد الْمجْلس فَإِن كَانَ من لم
يروها قد انْتَهوا إِلَى حد لَا يَقْتَضِي فِي الْعَادة غَفلَة
مثله عَن سماعهَا وَالَّذِي (أ 109) رَوَاهَا وَاحِد فَهِيَ
مَرْدُودَة وَإِن لم ينْتَهوا إِلَى هَذَا الْحَد فاتفق
جمَاعَة الْفُقَهَاء والمتكلمين على قبُول الزِّيَادَة خلافًا
لجَماعَة من الْمُحدثين وَلأَحْمَد بن حَنْبَل فِي إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ انْتهى
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن الْحَاجِب والقرافي وَغَيرهمَا قَالَ
القَاضِي
(2/185)
عبد الْوَهَّاب اخْتلف فِي صفة الزِّيَادَة
الْمُغيرَة فَقيل الِاعْتِبَار بِالزِّيَادَةِ اللفظية دون مَا
يُفِيد حكما شَرْعِيًّا كَقَوْلِهِم فِي محرم (د 67) وقصت بِهِ
نَاقَته فِي أخاقيق جرذان فَإِن ذكر الْموضع لَا يتَعَلَّق
بِهِ حكم شَرْعِي
وَقيل بِاعْتِبَار الزِّيَادَة الَّتِي تفِيد معنى شَرْعِيًّا
أَيْضا وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى تقبل
الزِّيَادَة سَوَاء كَانَت من جِهَة اللَّفْظ أَو الْمَعْنى
(2/186)
الثَّالِث أَن مُرَاده بقوله وَخِلَافًا
لمن رد الزِّيَادَة مِنْهُ وَقبلهَا من غَيره لَا مَا حَكَاهُ
الْخَطِيب عَن فرقة من الشَّافِعِيَّة أَنَّهَا لَا تقبل
مِمَّن رَوَاهُ نَاقِصا وَتقبل من غَيره من الثِّقَات
وَكَذَلِكَ حَكَاهُ أَبُو نصر الْقشيرِي فَقَالَ وَقيل إِن
رَوَاهُ مرّة ثمَّ نَقله أُخْرَى وَزَاد فَلَا تقبل زِيَادَته
إِذا سمع مِنْهُ ذَلِك الحَدِيث دون تِلْكَ الزِّيَادَة مرّة
فَأَما إِذا أسْند الْعدْل زِيَادَة وَلم ينقلها عَن غَيره
فَتقبل مِنْهُ
الرَّابِع أَنه أَشَارَ بقوله وَقد قدمنَا عَنهُ - يَعْنِي عَن
الْخَطِيب إِلَى آخِره - إِلَى
(2/187)
إِشْكَال على الْخَطِيب حَيْثُ حكى هُنَا
عَن الْأَكْثَر قبُولهَا مُطلقًا وَحكى فِيمَا سبق عَن
الْأَكْثَر أَن الحكم لمن أرسل الحَدِيث على من وَصله مَعَ أَن
وَصله زِيَادَة من الثِّقَة فَهُوَ من فروع هَذِه الْقَاعِدَة
وَلِهَذَا قَالَ ابْن الْحَاجِب وَإِذا أسْند الحَدِيث وأرسلوه
أَو رَفعه ووقفوه أَو وَصله وقطعوه فَحكمه حكم الزِّيَادَة فِي
التَّفْصِيل السَّابِق
وَقد يُجَاب بِالْفرقِ وَهُوَ أَن الْإِرْسَال عِلّة فِي
السَّنَد فَكَانَ وجودهَا قادحا فِي الْوَصْل وَلَيْسَت
الزِّيَادَة فِي الْمَتْن كَذَلِك وَقد أَشَارَ ابْن الصّلاح
إِلَى آخر الْبَاب وَنقل عَن النَّسَائِيّ وَغَيره أَن من أرسل
مَعَه زِيَادَة علم على من وصل لِأَن الْغَالِب
(2/188)
فِي الْأَلْسِنَة الْوَصْل فَإِذا جَاءَ
الْإِرْسَال علم أَن [مَعَ] الْمُرْسل زِيَادَة علم وَرجحه
ابْن الْقطَّان وَغَيره وَهُوَ يشكل على قَول المُصَنّف فِيمَا
سَيَأْتِي أَن الزِّيَادَة مَعَ من وصل لَكِن الظَّاهِر أَن
زِيَادَة الْعلم إِنَّمَا هِيَ مَعَ الَّذِي أسْند لِأَن
الْإِرْسَال [بعض] نقص فِي الْحِفْظ لما جبل عَلَيْهِ
الْإِنْسَان من النسْيَان
196 - (قَوْله) فِي تَقْسِيم مَا ينْفَرد بِهِ الثِّقَة
هَذَا التَّقْسِيم لَيْسَ على وَجهه فَإِن الأول وَالثَّانِي
لَا مدْخل لَهما فِي زِيَادَة الثِّقَة بِحَسب الِاصْطِلَاح
فَإِن الْمَسْأَلَة مترجمة بِأَن يروي الحَدِيث جمَاعَة ويتفرد
بَعضهم بِزِيَادَة فِيهِ والقسمان قد فرضهما فِي أصل الحَدِيث
لَا فِي الزِّيَادَة فِيهِ وَإِنَّمَا هما قسما الشاذ
بِعَيْنِه على مَا ذكره هُنَاكَ فَلَا معنى لتكراره وإدخاله
مَسْأَلَة فِي أُخْرَى فَإِن لاحظ أصل التفرد من حَيْثُ هُوَ
فَلَيْسَ الْكَلَام فِيهِ وَالْأَحْسَن فِي هَذَا
(2/189)
تَقْسِيم ذكره مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه
نَاقِلا لَهُ عَن الْمُحَقِّقين وأوضحه القَاضِي فِي شَرحه
فَقَالَ اخْتلفُوا فِي الرَّاوِي الثِّقَة إِذا انْفَرد
بِزِيَادَة فِي حَدِيث عَن سَائِر رُوَاة شَيْخه وَالصَّوَاب
مَا ذهب إِلَيْهِ أهل التَّحْقِيق من الْفَرِيقَيْنِ وَأَشَارَ
إِلَيْهِ مُسلم وَهُوَ أَن الرَّاوِي إِن شَارك الثِّقَات فِي
الْحِفْظ وَالرِّوَايَة قبل تفرده وَإِن لم يشاركهم وَلَا
وافقهم فِيمَا رَوَوْهُ نظر فِي تفرده فَإِن انْفَرد
بِزِيَادَة الْكثير مِمَّا لم يروه عَن أَشْيَاخهم وَلَا عرفه
أُولَئِكَ الْمَشَاهِير من حَدِيثهمْ فَلَا يقبل وَترك حَدِيثه
لتهمتنا لَهُ وَإِن انْفَرد بِالْحَدِيثِ الْوَاحِد من هَذَا
الْفَنّ أَو بِزِيَادَة فِي الحَدِيث فَإِن مثل هَذَا يقبل
مِنْهُ لِثِقَتِهِ فَإِن ظهر فِيهَا وهمه لم يقْدَح فِي
عَدَالَته احْتمل بِصِحَّة حَدِيثه واستقامة رِوَايَته لغيره
وَتحمل زِيَادَته هَذِه الَّتِي لم ير مَا يُبْطِلهَا ويعارضها
على أَنه حفظ مَا لم يحفظ غَيره وعَلى هَذَا ألف أَئِمَّة
الحَدِيث الْغَرِيب والأفراد من الحَدِيث وعدوه فِي الصَّحِيح
هَذَا كُله لم يَجِيء مَا يُعَارضهُ فَإِن حاورت الْجَمَاعَة
(أ 110) خِلَافه فالرجوع إِلَى قَول الْجَمَاعَة أولى من
التَّرْجِيح لَا من بَاب الْقدح فِي الرِّوَايَة ثمَّ إِطْلَاق
المُصَنّف زِيَادَة اللَّفْظَة فِي الْقسم الثَّالِث يَنْبَغِي
أَن تحمل على الزِّيَادَة المعنوية كَمَا يَقْتَضِيهِ مِثَاله
أما الزِّيَادَة اللفظية فَإِنَّهَا مَقْبُولَة بِلَا تردد
كَقَوْلِه رَبنَا لَك الْحَمد وَلَك الْحَمد
(2/190)
197 - (قَوْله) مِثَال مَا رَوَاهُ مَالك
عَن نَافِع عَن ابْن عمر إِلَى آخِره
فِيهِ أُمُور
أَحدهَا قَالَ الشَّيْخ محيي الدّين لايصح التَّمْثِيل
بِحَدِيث مَالك لِأَنَّهُ لَيْسَ مُنْفَردا بِهِ بل وَافقه فِي
هَذِه الزِّيَادَة عَن نَافِع عمر بن نَافِع وَالضَّحَّاك بن
عُثْمَان وَالْأول فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَالثَّانِي فِي
صَحِيح مُسلم
قلت وَفِي هَذَا رد لقَوْل التِّرْمِذِيّ فِي علله قد روى
بَعضهم عَن نَافِع مثل رِوَايَة مَالك مِمَّن لَا يعْتَمد على
حفظه هَذَا لَفظه واقتصار الشَّيْخ محيي الدّين على هذَيْن
الرجلَيْن عَجِيب فقد رَوَاهَا عشرَة أنفس غَيرهمَا
أَوَّلهمْ كثير بن فرقد عَن نَافِع أخرجه الْحَاكِم فِي
مُسْتَدْركه وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ
ثانيهم الْمُعَلَّى بن إِسْمَاعِيل
(2/191)
عَن نَافِع أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه
ثالثهم أَيُّوب بن أبي تَمِيمَة أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي
صَحِيحه
رابعهم يُونُس بن يزِيد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه
والطَّحَاوِي فِي مشكله
خامسهم عبيد الله بن عمر أخرجه الْحَاكِم أَيْضا وَصَححهُ
سادسهم عبد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع أَيْضا رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَنبهَ عَلَيْهِ وعَلى الَّذِي
قبله أَبُو دَاوُد
(2/192)
سابعهم ابْن أبي ليلى رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا
ثامنهم وتاسعهم وعاشرهم يحيى بن سعيد ومُوسَى بن عقبَة وَأَيوب
بن مُوسَى أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه
وَنبهَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه على بعض هَذِه المتابعات
فَقَالَ رَوَاهُ سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي عَن عبد
الله بن عمر وَقَالَ فِيهِ من الْمُسلمين وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
مَالك بن انس وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان وَعمر بن نَافِع
والمعلى بن إِسْمَاعِيل وَعبد الله
(2/193)
الْعمريّ وَكثير بن فرقد وَيُونُس بن يزِيد
وروى ابْن شَوْذَب عَن أَيُّوب عَن نَافِع كَذَلِك انْتهى
الثَّانِي مَا حَكَاهُ عَن التِّرْمِذِيّ وَسكت عَلَيْهِ من
أَن رِوَايَة عبيد الله وَأَيوب لَيْسَ فِيهَا هَذِه
الزِّيَادَة هُوَ الْمَشْهُور لَكِن قد جَاءَت هَذِه
الزِّيَادَة من طريقهما أَيْضا كَمَا سببق وَقد أخرج الْحَاكِم
فِي مُسْتَدْركه من طَرِيقين عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن
الجُمَحِي ثَنَا عبيد الله بن عمر عَن نَافِع بِهِ وصححها
لَكِن ذكرهمَا أَبُو دَاوُد فِي سنَنه ثمَّ قَالَ
وَالْمَشْهُور عَن عبيد الله لَيْسَ فِيهِ من الْمُسلمين
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من جِهَة الثَّوْريّ عَن
عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر وفيهَا على كل مُسلم ثمَّ
قَالَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي
عَن عبيد الله وَقَالَ فِيهِ من الْمُسلمين ثمَّ أخرجهَا بعد
ذَلِك وَأما ايوب فالمعروف فِيهَا مَا ذكره التِّرْمِذِيّ
أَيْضا لَكِن أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من طَرِيق
أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَة
(2/194)
وَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ من جِهَة أَيُّوب
بن مُوسَى أَيْضا
وَالْحَاصِل أَن الْمِثَال يَصح للمتابعة وَالِاعْتِبَار
الثَّالِث لَا معنى لتوقفه فِي حكم هَذَا الْقسم الثَّالِث
فَإِنَّهُ مَوضِع مَسْأَلَة زِيَادَة (د 68) الثِّقَة وفيهَا
الْخلاف الْمَشْهُور وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِيهَا
الصَّحِيح قبُوله
قلت وَهُوَ ظَاهر تصرف مُسلم فِي صَحِيحه وَقَالَ الشَّيْخ
أَبُو سعيد العلائي توقف ابْن الصّلاح فِي قبُول هَذَا الْقسم
وَحكى الشَّيْخ محيي الدّين عَنهُ اخْتِيَار الْقبُول فِيهِ
وَلَعَلَّه قَالَه فِي مَوضِع غير هَذَا
198 - (قَوْله) وَمن أَمْثِلَة (أ 111) ذَلِك حَدِيث جعلت لنا
الأَرْض مَسْجِدا وَجعلت تربَتهَا لنا طهُورا فَهَذِهِ
الزِّيَادَة تفرد بهَا أَبُو مَالك سعد بن طَارق الْأَشْجَعِيّ
وَسَائِر الرِّوَايَات لَفظهَا وَجعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا
وَطهُورًا
قلت رِوَايَة أبي مَالك أخرجهَا مُسلم فِي صَحِيحه عَنهُ عَن
ربعي عَن حُذَيْفَة
(2/195)
فَإِن أَرَادَ المُصَنّف تفرد سعد بن طَارق
من جِهَة حُذَيْفَة فَلَيْسَ كَذَلِك فقد روى أَحْمد فِي
مُسْنده من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن مُحَمَّد
بن عَليّ أَنه سمع عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل
التُّرَاب لي طهُورا [وَعبد الله مُخْتَلف فِيهِ فِي تعَارض
الْإِرْسَال والوصل أَن الزِّيَادَة مَعَ من وصل غير مُسلم لما
سبق قَرِيبا]
(2/196)
|