تدريب الراوي في شرح تقريب النووي ط الكتب الحديثة
النوع السادس والعشرون: صفة رواية الحديث. تقدم جمل منه في النوعين قبله وغيرهما وقد شدد قوم في الرواية
فأفرطوا
---------------------------
النوع السادس والعشرون: صفة
رواية الحديث وآدابه وما يتعلق بذلك
تقدم جمل منه في النوعين قبله وغيرهما كألفاظ الأداء وقد شدد قوم في
الرواية فأفرطوا أي بالغوا
ج / 2 ص -93-
وتساهل آخرون ففرطوا فمن المشددين من قال لا
حجة إلا فيما رواه من حفظه وتذكره روي عن مالك وابي حنيفة وأبي بكر
الصيدلاني الشافعي ومنهم من جوزها من كتابه إلا إذا خرج من يده وأما
المتساهلون فتقدم بيان جمل عنهم في النوع الرابع والعشرين ومنهم قوم.
---------------------------
وتساهل فيها آخرون ففرطوا أي قصروا فمن المشددين
من قال لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه وتذكره روى ذلك عن مالك
وأبي بكر الصيدلاني المروزي الشافعي فروى الحاكم من طريق ابن عبد الحكم
عن أشهب قال سئل مالك أيؤخذ العلم ممن لا يحفظ حديثه وهو ثقة فقال: لا،
قيل: فإن أتى بكتب ؟ فقال: سمعتها وهو ثقة، فقال: لا يؤخذ عنه أخاف أن
يزاد في حديثه بالليل يعني وهو لا يدري وعن يونس بن عبد الأعلى قال:
سمعت أشهب يقول: سئل مالك عن الرجل الغير فهم يخرج كتابه فيقول هذا
سمعته قال: لا تأخذ إلا عمن يحفظ حديثه أو يعرف.
وروى البيهقي عن مالك وعن أبي الزناد قال أدركت
بالمدينة مائة كلهم مأمون لا يؤخذ عنهم شيء من الحديث يقال ليس من
أهله.
ولفظ مالك: لم يكونوا يعرفون ما يحدثون وهذا مذهب
شديد وقد استقر العمل على خلافه فلعل الرواة في الصحيحين ممن يوصف
بالحفظ لا يبلغون النصف ومنهم من جوزها من كتابه إلا إذا خرج من يده
بالإعارة أو ضياع أو غير ذلك فلا يجوز حينئذ منه لجواز تغييره وهذا
أيضا تشديد وأما المتساهلون فتقدم بيان جمل عنهم في النوع الرابع
والعشرين في وجوه التحمل ومنهم قوم
ج / 2 ص -94-
رووا من نسخ غير مقابلة بأصولهم فجعلهم
الحاكم مجروحين قال وهذا كثير تعاطاه قوم من أكابر العلماء والصلحاء.
وقد تقدم في آخر الرابعة من النوع الماضي أن
النسخة التي لم تقابل تجوز الرواية منها بشروط فيحتمل أن الحاكم يخالف
فيه ويحتمل أنه أراد إذا لم توجد الشروط والصواب ما عليه الجمهور وهو
التوسط فإذا قام في التحمل والمقابلة بما تقدم جازت الرواية منه وإن
غاب إذا كان الغالب سلامته من التغيير لا سيما إن كان
--------------------
رووا من نسخ غير مقابلة بأصول فجعلهم الحاكم
مجروحين قال وهذا كثير تعاطاه قوم من أكابر العلماء والصلحاء وممن نسب
إليه التساهل ابن لهيعة كان الرجل يأتيه بالكتاب فيقول هذا من حديثك
فيحدثه به مقلدا له.
قال المصنف زيادة على ابن الصلاح: وقد تقدم في
آخر الرابعة من النوع الماضي أن النسخة التي لم تقابل تجوز الرواية
منها بشروط فيحتمل أن الحاكم يخالف فيه ويحتمل أنه أراد بما ذكره إذا
لم توجد الشروط والصواب ما عليه الجمهور وهو التوسط بين الإفراط
والتفريط فخير الأمور الوسط وما عداه شطط فإذا قام الراوي في التحمل
والمقابلة لكتابه بما تقدم من الشروط جازت الرواية منه أي من الكتاب
وإن غاب عنه إذا كان الغالب على الظن من أمره سلامته من التغيير
والتبديل لا سيما إن كان
ج / 2 ص -95-
ممن لا يخفى عليه التغيير غالبا.
فروع:
الأول:
الضرير، إذا لم يحفظ ما سمعه فاستعان بثقة في ضبطه وحفظ كتابه واحتاط
عند القراءة عليه بحيث يغلب على ظنه سلامته من التغيير صحت روايته وهو
أولى بالمنع من مثله في البصير قال الخطيب: والبصير الأمي كالضرير.
الثاني:
إذا أراد الرواية من نسخة ليس فيها سماعه ولا هي مقابلة به ولكن سمعت
على شيخه أو فيها سماع شيخه أو كتبت عن شيخه وسكنت
-------------------------
ممن لا يخفى عليه التغيير غالبا لأن الاعتماد في
باب الرواية على غالب الظن.
فروع أربعة عشر:
الأول:
الضرير إذا لم يحفظ ما سمعه فاستعان بثقة في ضب أي ضبط سماعه وحفظ
كتابه عن التغيير واحتاط عند القراءة عليه بحيث يغلب على ظنه سلامته من
التغيير صحت روايته وهو أولى بالمنع من مثله في البصير.
قال الخطيب: والبصير الأمي فيما ذكر كالضرير وقد
منع من روايتهما غير واحد من العلماء.
الثاني:
إذا أراد الرواية من نسخة ليس فيها سماعه ولا هي مقابلة به كما هو
الأولى في ذلك لكن سمعت على شيخه الذي سمع هو عليه في نسخة خلافها أو
فيها سماع شيخه على الشيخ الأعلى أو كتبت عن شيخه وسكنت
ج / 2 ص -96-
نفسه إليها لم يجز الرواية منها عند عامة
المحدثين ورخص فيه أيوب السختياني ومحمد بن بكر البرساني.
قال الخطيب: والذي يوجبه النظر أنه متى عرف أن
هذه الأحاديث هي التي سمعها من الشيخ جاز له أن يرويها إذا سكنت نفسه
إلى صحتها وسلامتها.
هذا إذا لم يكن له إجازة عامة من شيخه لمروياته
أو لهذا الكتاب فإن كانت جاز له الرواية منها وله أن يقول حدثنا
وأخبرنا وإن كان في النسخة سماع شيخ شيخه
-----------------------
نفسه إليها لم تجز له الرواية منها عند عامة
المحدثين وقطع به ابن الصباغ لأنه قد يكون فيها رواية ليست في نسخة
سماعه ورخص فيه أيوب السختياني ومحمد بن بكر البرساني.
قال الخطيب: والذي يوجبه النظر التفصيل وهو انه
متى عرف أن هذه الأحاديث هي التي سمعها من الشيخ جاز له أن يرويها عنه
إذا سكنت نفسه إلى صحتها وسلامتها وإلا فلا.
قال ابن الصلاح: هذا إذا لم يكن له إجازة عامة عن
شيخه لمروياته أو لهذا الكتاب فإن كانت جاز له الرواية منها مطلقا إذ
ليس فيه أكثر من رواية تلك الزيادات بالإجازة وله أن يقول حدثنا
وأخبرنا من غير بيان للإجازة والأمر قريب يتسامح بمثله وإن كان في
النسخة سماع شيخ شيخه
ج / 2 ص -97-
فيحتاج أن يكون له إجازة عامة من شيخه
ومثلها من شيخه.
الثالث:
إذا وجد في كتابه خلاف حفظه فإن كان حفظ منه رجع وإن كان حفظ من فم
الشيخ اعتمد حفظه إن لم يشك وحسن أن يجمع فيقول حفظي كذا وفي كتابي كذا
وإن خالفه غيره قال حفظي كذا وقال فيه غيري أو فلان كذا وإذا وجد سماعه
في كتابه ولا يذكره فعن أبي حنيفة وبعض الشافعية لا يجوز روايته ومذهب
الشافعي وأكثر أصحابه وأبي يوسف ومحمد جوازها وهو الصحيح وشرطه أن يكون
السماع بخطه أو خط من يثق به والكتاب مصون
---------------------------
فيحتاج أن تكون له إجازة عامة من شيخه و ويكون
لشيخه إجازة مثلها من شيخه.
الثالث:
إذا وجد الحافظ الحديث في كتابه خلاف ما في حفظه فإن كان حفظ منه رجع
إليه وإن كان حفظ من فم الشيخ اعتمد حفظه إن لم يشك وحسن أن يجمع
بينهما في رواية فيقول حفظي كذا وفي كتابي كذا هكذا فعل شعبة وغيره وإن
خالفه غيره من الحفاظ فيما يحفظ قال: حفظي كذا وقال فيه غيري أو فلان
كذا فعل ذلك الثوري وغيره وإذا وجد سماعه في كتابه ولا يذكره فعن أبي
حنيفة وبعض الشافعية لا يجوز له روايته حتى يتذكر ومذهب الشافعي وأكثر
أصحابه وأبي يوسف ومحمد بن الحسن جوازها وهو الصحيح لعمل العلماء به
سلفا وخلفا وباب الرواية على التوسعة وشرطه أن يكون السماع بخطه أو خط
من يثق به والكتاب مصون بحيث
ج / 2 ص -98-
يغلب على الظن سلامته من التغيير وتسكن إليه
نفسه فإن شك لم يجز.
الرابع:
إن لم يكن عالما بالألفاظ ومقاصدها خبيرا بما يحيل معانيها لم تجز له
الرواية بالمعنى بلا خلاف بل يتعين اللفظ الذي سمعه فإن كان عالما بذلك
فقالت طائفة من أصحاب الحديث والفقة والأصول لا تجوز إلا بلفظه وجوز
-------------------
يغلب على الظن سلامته من التغيير وتسكن إليه نفسه
وإن لم يذكر أحاديثه حديثا حديثا فإن شك فيه لم يجز الاعتماد عليه ،
وكذا إن لم يكن الكتاب بخط ثقة بلا خلاف ، وعبر في الروضة والمنهاج
كأصليهما عن الشرط بقوله: " محفوظ عنده " فأشعر بعدم الاكتفاء بظن
سلامته من التغيير.
وتعقبه البلقيني في التصحيح فإن المعتمد عند
العلماء قديما وحديثا العمل بما يوجد من السماع والإجازة مكتوبا في
الطباق التي يغلب على الظن صحتها وإن لم يتذكر السماع ولا الإجازة ولم
تكن الطبقة محفوظة عنده. انتهى .
وهذا هو الموافق لما هنا وقد مشي عليه صاحب
الحاوي الصغير فقال ويروى بخط المحفوظ ولم تكن الطبقة محفوظة عنده.
الرابع:
إن لم يكن الراوي عالما بالالفاظ ومدلولاتها ومقاصدها خبيرا بما يحيل
معانيها بصيرا بمقادير التفاوت بينهما لم تجز له الرواية لما سمعه
بالمعنى بلا خلاف بل يتعين اللفظ الذي سمعه فإن كان عالما بذلك فقالت
طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول لا يجوز إلا بلفظه وإليه ذهب ابن
سيرين وثعلب وأبو بكر الرازي من الحنفية وروي عن ابن عمر وجوز
ج / 2 ص -99-
بعضهم في غير حديث النبي صلى الله عليه وسلم
ولم يجوز فيه ، وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف: يجوز بالمعنى في
جميعه إذا قطع بأداء المعنى
--------------------
بعضهم في غير حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولم
يجوز فيه وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف منهم الأئمة الأربعة:
يجوز بالمعنى في جميعه إذا قطع بأداء المعنى لأن ذلك هو الذي تشهد به
أحوال الصحابة والسلف ويدل عليه روايتهم القصة الواحدة بألفاظ مختلفة.
وقد ورد في المسألة حديث مرفوع رواه ابن منده في
معرفة الصحابة والطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن سليمان بن
أكتمة الليثي قال قلت يا رسول الله إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن
أؤديه كما أسمع منك يزيد حرفا أو ينقص حرفا فقال إذا لم تحلوا حراما
ولم تحرموا حلالا وأصبتم المعنى فلا بأس فذكر ذلك للحسن فقال: لولا هذا
ما حدثنا.
واستدل لذلك الشافعي بحديث:
" أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرؤا ما تيسر منه "
، قال: وإذا كان الله برأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف علمنا منه
بأن الكتاب قد نزل لتحل لهم قراءته وإن اختلف لفظهم فيه ما لم يكن
اختلافهم إحالة معنى كان ما سوى كتاب الله سبحانه أولى أن يجوز فيه
اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه.
وروى البيهقي عن مكحول قال: دخلت أنا وأبو الأزهر
على واثلة بن الأسقع
ج / 2 ص -100-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . .
----------------------
فقلنا له: يا أبا الأسقع حدثنا بحديث سمعته من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه وهم ولا مزيد ولا نسيان فقال: هل
قرأ أحد منكم من القرآن شيئا ؟ فقلنا: نعم، وما نحن له بحافظين جدا ،
إنا لنزيد الواو والألف وننقص ، قال: فهذا القرآن مكتوب بين أظهركم لا
تألونه حفظا وأنتم تزعمون أنكم تزيدون وتنقصون فكيف بأحاديث سمعناها من
رسول الله صلى الله عليه وسلم عسى أن لا نكون سمعناها منه إلا مرة
واحدة حسبكم إذا حدثناكم بالحديث على المعنى.
وأسند أيضا في المدخل عن جابر بن عبد الله قال:
قال حذيفة: إنا قوم عرب نردد الأحاديث فنقدم ونؤخر.
وأسند أيضا عن شعيب بن الحبحاب قال: دخلت أنا
وعبدان على الحسن فقلنا: يا أبا سعيد الرجل يحدث بالحديث فيزيد فيه أو
ينقص منه قال: إنما الكذب على من تعمد ذلك.
وأسند أيضا عن جرير بن حازم قال سمعت الحسن يحدث
بأحاديث الأصل واحد والكلام مختلف.
وأسند عن ابن عون قال: كان الحسن وإبراهيم
والشعبي يأتون بالحديث على المعاني وكان القاسم بن محمد وابن سيرين
ورجاء بن حيوة يعيدون الحديث على حروفه.
وأسند عن أبي أويس قال: سألنا الزهري عن التقديم
والتأخير في الحديث فقال: إن هذا يجوز في القرآن فكيف به في الحديث إذا
أصبت معنى
ج / 2 ص -101-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . .
----------------------
الحديث فلم تحل به حراما ولم تحرم به حلالا فلا
بأس واسند عن سفيان قال: كان عمرو بن دينار يحدث بالحديث على المعنى
وكان إبراهيم بن ميسرة لا يحدث إلا على ما سمع وأسند عن وكيع قال إن لم
يكن المعنى واسعا فقد هلك الناس.
قال شيخ الإسلام: ومن أقوى حججهم الإجماع على
جواز شرح الشريعة للعجم بلسانها للعارف به فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى
فجوازه باللغة العربية أولى.
وقيل: إنما يجوز ذلك للصحابة دون غيرهم وبه جزم
ابن العربي في أحكام القرآن قال لأنا لو جوزناه لكل أحد لما كنا على
ثقة من الأخذ بالحديث والصحابة اجتمع فيهم أمران الفصاحة والبلاغة جبلة
ومشاهدة أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله فأفادتهم المشاهدة عقل
المعنى جملة واستيفاء المقصود كله.
وقيل: يمنع ذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم ويجوز في غيره حكاه ابن الصلاح ورواه البيهقي في المدخل عن مالك
وروي عنه أيضا انه كان يتحفظ من الباء والياء والتاء في حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال ذلك ايضا واستدل له
بقوله: " رب مبلغ أوعى من سامع " فإذا رواه بالمعنى فقد أزال عن موضعه
معرفه ما فيه.
وقال الماوردي: إن نسي اللفظ جاز لأنه تحمل اللفظ
والمعنى وعجز عن أداء أحدهما فيلزمه أداء الآخر لا سيما أن تركه قد
يكون كتما للأحكام فإن لم ينسه لم يجز أن يورده بغيره لأن في كلامه صلى
الله عليه وسلم من الفصاحة
ج / 2 ص -102-
وهذا في غير المصنفات ولا يجوز تغيير مصنف
وإن وينبغي للراوي بالمعنى أن يقول عقبيه أو كما قال أو نحوه أو شبهه
أو ما أشبه هذا من الألفاظ
-------------------------
ما ليس في غيره وقيل عكسه وهو الجواز لمن يحفظ
اللفظ ليتمكن من التصرف فيه دون من نسيه وقال الخطيب: يجوز بإزاء مرادف
وقيل: إن كان موجبه علما جاز لأن المعول على معناه ولا تجب مراعاة
اللفظ وإن كان عملا لم يجز.
وقال القاضي عياض: ينبغي سد باب الرواية بالمعنى
لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع للرواة كثيرا قديما
وحديثا وعلى الجواز الأولى إيراد الحديث بلفظه دون التصرف فيه ولا شك
في اشتراط أن لا يكون مما تعبد بلفظه وقد صرح به هنا الزركشي وإليه
يرشد كلام العراقي الآتي في إبدال الرسول بالنبي وعكسه وعندي أنه يشترط
أن لا يكون من جوامع الكلم.
وهذا الخلاف إنما يجري في غير المصنفات ولا يجوز
تغيير شيء من مصنف وإبداله بلفظ آخر وإن كان بمعناه قطعا لأن الرواية
بالمعنى رخص فيها من رخص لما كان عليهم في ضبط الألفاظ من الجرح وذلك
غير موجود فيما اشتملت عليه الكتب ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك
تغيير تصنيف غيره.
وينبغي للراوي بالمعنى أن يقول عقيبه: أو كما قال
أو نحوه أو شبهه او ما أشبه هذا من الألفاظ وقد كان قوم من الصحابة
يفعلون ذلك وهم أعلم الناس بمعاني الكلام خوفا من الزلل لمعرفتهم بما
في الرواية بالمعنى من الخطر.
ج / 2 ص -103-
وإذا اشتبهت على القارئ لفظة فحسن أن يقول
بعد قراءتها على الشك أو كما قال لتضمنه إجازة وإذنا في صوابها إذا
بان.
الخامس:
اختلف في رواية بعض الحديث الواحد دون بعض فمنعه بعضهم مطلقا بناء على
منع الرواية بالمعنى ومنعه بعضهم مع تجويزها بالمعنى إذا لم يكن رواه
هو أو غيره بتمامه قبل هذا وجوزه بعضهم مطلقا
----------------------
روى ابن ماجه وأحمد والحاكم عن ابن مسعود أنه قال
يوما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه
ثم قال أو مثله أو نحوه أو شبيه به.
وفي مسند الدارمي والكفاية للخطيب عن أبي الدرداء
أنه كان إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال او نحوه أو شبهه.
وروى ابن ماجه وأحمد عن أنس بن مالك انه كان إذا
حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرغ قال أو كما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
وإذا اشتبهت على القارئ لفظه فحسن أن يقول بعد
قراءتها على الشك أو كما قال لتضمنه إجازة من الشيخ وإذنا في رواية
صوابها عنه إذا بان قال ابن الصلاح ثم لا يشترط إفراد ذلك في الإجازة
كما تقدم قريبا.
الخامس:
اختلف العلماء في رواية بعض الحديث الواحد دون بعض وهو المسمى باختصار
الحديث فمنعه بعضهم مطلقا بناء على منع الرواية بالمعنى ومنعه بعضهم من
تجويزها بالمعنى إذا لم يكن رواه هو أو غيره بتمامه قبل هذا وإن رواه
هو مرة أخرى أو غيره على التمام جاز وجوزه بعضهم مطلقا
ج / 2 ص -104-
والصحيح التفصيل وجوازه من العارف إذا كان
ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة
بتركه وسواء جوزناها بالمعنى أم لا رواه قبل تاما أم لا هذا إن ارتفعت
منزلته عن التهمة فأما من رواه تاما فخاف إن رواه ثانيا ناقصا أن يتهم
بزيادة أولا أن نسيان لغفلة وقلة ضبط ثانيا فلا يجوز له النقصان ثانيا
ولا ابتداء إن تعين عليه
--------------------------
قيل: وينبغي تقييده بما إذا لم يكن المحذوف
متعلقا بالمأتي به تعلقا يخل بالمعنى حذفه كالاستثناء طاعة والغاية
ونحو ذلك والأمر كذلك فقد حكى الصفي الهندي الاتفاق على المنع حينئذ
والصحيح التفصيل وهو المنع من غير العالم وجوازه من العارف إذا كان ما
تركه متميزا عما نقله غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا
تختلف الدلالة فيما نقله بتركه و على هذا يجوز ذلك سواء جوزناها
بالمعنى أم لا سواء رواه قبل تاما أم لا لأن ذلك بمنزلة خبرين منفصلين.
وقد روى البيهقي في المدخل عن ابن المبارك قال
علمنا سفيان اختصار الحديث هذا إن ارتفعت منزلته عن التهمة فأما من
رواه مرة تاما فخاف إن رواه ثانيا ناقصا أن يتهم بزيادة فيما رواه أولا
أو نسيان لغفلة وقلة ضبط فيما رواه ثانيا فلا يجوز له النقصان ثانيا
ولا ابتداء إن تعين عليه أداء تمامه لئلا يخرج بذلك باقيه عن الاحتجاج
به.
قال سليم: فإن رواه أولا ناقصا ثم أراد روايته
تاما وكان ممن يتهم بالزيادة كان ذلك عذرا له في تركها وكتمانها.
ج / 2 ص -105-
وأما تقطيع المصنف الحديث في الأبواب فهو
إلى الجواز أقرب.
قال الشيخ: ولا يخلو من كراهة وما أظنه يوافق
عليه.
السادس:
ينبغي أن لا يروي بقراءة لحان أو مصحف
---------------------
وأما تقطيع المصنف الحديث الواحد في الأبواب بحسب
الاحتجاج به في المسائل كل مسألة على حدة فهو إلى الجواز أقرب ومن
المنع أبعد.
قال الشيخ ابن الصلاح: ولا يخلو من كراهة وعن
أحمد ينبغي أن لا يفعل حكاه عنه الخلال.
قال المصنف: وما أظنه يوافق عليه فقد فعله الأئمة
مالك والبخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم.
تنبيه:
قال البلقيني: يجوز حذف زيادة مشكوك فيها بلا
خلاف وكان مالك يفعله كثيرا تورعا بل كان يقطع إسناد الحديث إذا شك في
وصله.
قال: ومحل ذلك زيادة لا تعلق للمذكور بها فإن
تعلق ذكرها مع الشك كحديث العرايا في خمسة أوسق او دون خمسة أوسق.
فائدة:
يجوز في كتابة الأطراف الاكتفاء ببعض الحديث
مطلقا وإن لم يفد.
السادس:
ينبغي للشيخ أن لا يروي حديثه بقراءة لحان أو مصحف
ج / 2 ص -106-
وعلى طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة
ما يسلم به من اللحن والتصحيف
----------------------
فقد قال الأصمعي: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم
إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قوله صلى الله عليه وسلم:
" من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار "
لأنه لم يكن يلحن فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه.
وشكا سيبويه حماد بن سلمة إلى الخليل فقال له:
سألته عن حديث هشام بن عروة عن أبيه في رجل رعف فانتهرني ، وقال: أخطأت
إنما هو رعف بفتح العين ، فقال الخليل: صدق أتلقى بهذا الكلام أبا
أسامة وعلى طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يسلم به من اللحن
والتصحيف.
روى الخطيب عن شعبة قال من طلب الحديث ولم يبصر
العربية كمثل رجل عليه برنس وليس له رأس.
وروى أيضا عن حماد بن سلمة قا:ل مثل الذي يطلب
الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاة ولا شعير فيها.
وروى الخليلي في الإرشاد عن العباس بن المغيرة بن
عبد الرحمن عن أبيه قال: جاء عبد العزيز الدراوردي في جماعة إلى أبي
ليعرضوا عليه كتابا ، فقرأ لهم
ج / 2 ص -107-
وطريقه في السلامة من التصحيف الأخذ من
أفواه أهل المعرفة والتحقيق وإذا وقع في روايته لحن أو تحريف فقد قال
ابن سيرين وابن سخبرة يرويه كما سمعه.
والصواب وقول الأكثرين يرويه على الصواب
-------------------
الدراوردي وكان رديء اللسان يلحن فقال أبي ويحك
يا دراوردي أنت كنت إلى إصلاح لسانك قبل النظر في هذا الشأن أحوج منك
إلى غير ذلك.
وطريقه في السلامة من التصحيف الأخذ من أفواه أهل
المعرفة والتحقيق والضبط عنهم لا من بطون الكتب وإذا وقع في روايته لحن
أو تحريف فقد قال ابن سيرين و عبد الله بن سخبرة وأبو معمر وأبو عبيد
القاسم بن سلام فيما رواه البيهقي عنهما يرويه على الخطأ كما سمعه.
قال ابن الصلاح: وهذا غلو في اتباع اللفظ والمنع
من الرواية بالمعنى والصواب وقول الأكثرين منهم ابن المبارك والأوزاعي
والشعبي والقاسم ابن محمد وعطاء وهمام والنضر بن شميل: أنه يرويه على
الصواب لا سيما في اللحن الذي لا يختلف المعنى به.
واختار ابن عبد السلام ترك الخطأ والصواب أيضا
حكاه عنه ابن دقيق العيد.
أما الصواب فإنه لم يسمع كذلك. وأما الخطأ فلأن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يقله كذلك.
ج / 2 ص -108-
وأما إصلاحه في الكتاب فجوزه بعضهم والصواب
تقريره في الأصل على حاله مع التضبيب عليه وبيان الصواب في الحاشية ثم
الأولى عند السماع أن يقرأه على الصواب ثم يقول في روايتنا أو عند
شيخنا أو من طريق فلان كذا وله أن يقرأ ما في الأصل ثم يذكر الصواب
وأحسن الإصلاح بما جاء في رواية أو حديث آخر.
وإن كان الإصلاح بزيادة ساقط فإن لم يغاير معنى
الأصل فهو على ما سبق
---------------------
وأما إصلاحه في الكتاب وتغيير ما وقع فيه فجوزه
بعضهم أيضا والصواب تقريره في الأصل على حاله مع التضبيب عليه وبيان
الصواب في الحاشية كما تقدم فإن ذلك أجمع للمصلحة وأنفى للمفسدة وقد
يأتي من يظهر له وجه صحته ولو فتح باب التغيير لجسر عليه من ليس بأهل
ثم الأولى عند السماع أن يقرأه أولا على الصواب ثم يقول وقع في روايتنا
أو عند شيخنا أو من طريق فلان كذا وله أن يقرأ ما في الأصل أولا ثم
يذكر الصواب وإنما كان الأول أولى كيلا يتقول على رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما لم يقل وأحسن الإصلاح أن يكون بما جاء في رواية أخرى أو
حديث آخر فإن ذكره أمن من التقول المذكور وإن كان الإصلاح بزيادة
الساقط من الأصل فإن لم يغاير معنى الأصل فهو على ما سبق.
كذا عبر ابن الصلاح أيضا ، وعبارة العراقي: فلا
بأس بإلحاقه في الأصل من غير تنبيه على سقوطه بأن يعلم أنه سقط في
الكتابة كلفظة ابن في النسب،
ج / 2 ص -109-
وإن غاير تأكد الحكم بذكر الأصل مقرونا
بالبيان فإن علم أن بعض الرواة أسقطه وحده فله أيضا أن يلحقه في نفس
الكتاب مع كلمة يعني هذا إذا علم أن شيخه رواه على الخطأ فأما إن رواه
في كتاب نفسه وغلب على ظنه أنه من كتابه لا من شيخه فيتجه إصلاحه في
كتابه وروايته
-------------------------
وكحرف لا يختلف المعنى به وقد سأل أبو داود أحمد
بن حنبل فقال: وجدت في كتابي حجاج عن جريج يجوز لي أن أصلحه ابن جريج
قال: أرجو أن يكون هذا لا بأس به وقيل لمالك: أرأيت حديث النبي صلى
الله عليه وسلم يزاد فيه الواو والألف والمعنى واحد ؟ فقال: أرجو أن
يكون خفيفا وإن غاير الساقط معنى ما وقع في الأصل تأكد الحكم بذكر
الأصل مقرونا بالبيان لما سقط فإن علم أن بعض الرواة له أسقطه وحده وأن
من فوقه من الرواة أتى به فله أيضا أن يلحقه في نفس الكتاب مع كلمة
يعني قبله كما فعل الخطيب إذ روى عن أبي عمر بن مهدي عن المحاملي بسنده
إلى عروة عن عمرة يعني عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدني إلي رأسه فأرجله.
قال الخطيب: كان في أصل ابن مهدي عن عمرة قالت:
كان ، فألحقنا فيه ذكر عائشة إذ لم يكن منه بد وعلمنا أن المحاملي كذلك
رواه وإنما سقط من كتاب شيخنا وقلنا له ما فيه: يعني لأن ابن مهدي لم
يقل لنا ذلك قال: وهكذا رأيت غير واحد من شيوخنا يفعل في مثل هذا ثم
روى عن وكيع قال: أنا أستعين في الحديث بيعني هذا إذا علم أن شيخه رواه
له على الخطأ فأما إن رواه في كتاب نفسه وغلب على ظنه أنه أي السقط من
كتابه لا من شيخه فيتجه حينئذ إصلاحه في كتابه و في روايته عند تحديثه
كما تقدم عن أبي داود
ج / 2 ص -110-
كما إذا درس من كتابه بعض الإسناد أو المتن
فإنه يجوز استدراكه من كتاب غيره إذا عرف صحته وسكنت نفسه إلى أن ذلك
هو الساقط كذا قاله أهل التحقيق ومنعه بعضهم وبيانه حال الرواية أولى
وهكذا الحكم في استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب غيره أو حفظه فإن وجد
في كتابه كلمة غير مضبوطة أشكلت عليه جاز أن يسأل عنها العلماء بها
ويرويها على ما يخبرونه.
----------------------
كما إذا درس من كتابه بعض الإسناد أو المتن بتقطع
أو بلل ونحوه فإنه يجوز له استدراكه من كتاب غيره إذا عرف صحته ووثق به
بأن يكون أخذه عن شيخه وهو ثقة وسكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط كذا
قال أهل التحقيق وممن فعله نعيم بن حماد ومنعه بعضهم وإن كان معروفا
محفوظا ، نقله الخطيب عن أبي محمد بن ماسي وبيانه حال الرواية أولى
قاله الخطيب وهكذا الحكم جار في استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب ثقة
غيره أو حفظه كما روي عن أبي عوانة وأحمد وغيرهما.
ويحسن أن يبين مرتبته كما فعل يزيد بن هرون وغيره
ففي مسند أحمد حدثنا يزيد بن هرون أنا عاصم بالكوفة فلم أكتبه فسمعت
شعبة يحدث به فعرفته به عن عاصم عن عبد الله بن سرجس أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان إذا سافر قال:
" اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر " وفي غير المسند عن يزيد: أنا عاصم وثبتني فيه شعبة فإن بين أصل
التثبت من دون من ثبته فلا يأمن فعله أبو داود في سننه عقب حديث الحكم
بن حزن قال: ثبتني في شيء منه بعض أصحابنا فلو وجد في كتابه كلمة من
غريب العربية غير مضبوطة أشكلت عليه جاز أن يسأل عنها العلماء بها
ويرويها على ما يخبرونه به فعل ذلك أحمد وإسحق وغيرهما ،
ج / 2 ص -111-
السابع:
إذا كان الحديث عنده عن اثنين أو أكثر واتفقا في
المعنى دون اللفظ فله جمعهما في الإسناد ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما
فيقول: أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان أو هذا لفظ فلان قال: أو قالا:
أخبرنا فلان ونحوه من العبارات ولمسلم في صحيحه عبارة حسنة كقوله:
حدثنا أبو بكر وأبو سعيد كلاهما عن أبي خالد قال: أبو بكر حدثنا أبو
خالد عن الأعمش فظاهره أن اللفظ لأبي بكر فإن لم يخص فقال: أخبرنا
-------------------------
وروى الخطيب عن عفان بن سلمة أنه كان يجيء إلى
الأخفش وأصحاب النحو يعرض عليهم نحو الحديث يعربه السابع إذا كان
الحديث عنده عن اثنين أو أكثر من الشيوخ واتفقا في المعنى دون اللفظ
فله جمعهما أو جمعهم في الإسناد مسمين ثم يسوق الحديث على لفظ رواية
أحدهما فيقول أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان أو هذا لفظ فلان وله أن
يخص فعل القول من له اللفظ وأن يأتي به لهما فيقول بعد ما تقدم قال أو
قالا أخبرنا فلان ونحوه من العبارات ولمسلم في صحيحه عبارة حسنة أفصح
مما تقدم كقوله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج كلاهما عن
أبي خالد قال أبو بكر حدثنا أبو خالد عن الأعمش فظاهره حيث أعاده ثانيا
أن اللفظ لأبي بكر.
قال العراقي: ويحتمل أنه أعاده لبيان التصريح
بالتحديث وأن الأشج لم يصرح فإن لم يخص أحدهما بنسبة اللفظ إليه بل أتى
ببعض لفظ هذا وبعض لفظ الآخر فقال: أخبرنا
ج / 2 ص -112-
فلان وفلان وتقاربا في اللفظ قالا حدثنا
فلان جاز على جواز الرواية بالمعنى فإن لم يقل تقاربا فلا بأس به على
جواز الرواية بالمعنى وإن كان قد عيب به البخاري أو غيره وإذا سمع من
جماعة مصنفا فقابل نسخته بأصل بعضهم ثم رواه عنهم وقال: اللفظ لفلان
فيحتمل جوازه ومنعه.
------------------
فلان وفلان وتقاربا في اللفظ أو والمعنى واحد
قالا حدثنا فلان جاز على جواز الرواية بالمعنى دون ما إذا لم يجوزها.
قال ابن الصلاح: وقول أبي داود: حدثنا مسدد وأبو
توبة المعنى ، قالا: حدثنا أبو الأحوص ، يحتمل أن يكون من قبيل الأول
فيكون اللفظ لمسدد ويوافقه أبو توبة في المعنى ، ويحتمل أن يكون من
قبيل الثاني فلا يكون أورد لفظ أحدهما خاصة ، بل رواه عنهما بالمعنى ،
قال: وهذا الاحتمال يقرب في قول مسلم: المعنى واحد فإن لم يقل ولا شبهة
فلا بأس به على جواز الرواية بالمعنى وإن كان قد عيب به البخاري أو
غيره وإذا سمع من جماعة كتابا مصنفا فقابل نسخته بأصل بعضهم دون الباقي
ثم رواه عنهم كلهم وقال اللفظ لفلان المقابل بأصله فيحتمل جوازه كالأول
لأن ما أورده قد سمعه بنصه ممن يذكر أنه بلفظه و يحتمل منعه لأنه لا
علم عنده بكيفية رواية الآخرين حتى يخبر عنها بخلاف ما سبق فإنه يتحقق
فيه على موافقة المعنى قاله ابن الصلاح وحكاه أيضا العراقي ولم يرجح
شيئا من الاحتمالين.
وقال البدر بن جماعة في المنهل الروي: يحتمل
تفصيلا آخر وهو النظر إلى الطرق فإن كانت متباينة بأحاديث مستقلة لم
يجز وإن كان تفاوتها في ألفاظ أو لغات أو اختلاف ضبط جاز.
ج / 2 ص -113-
الثامن:
ليس له أن يزيد في نسب غير شيخه أو صفته إلا أن
يميزه فيقول هو ابن فلان الفلاني أو يعني ابن فلان ونحوه. فإن ذكر شيخه
نسب شيخه في أول حديث ثم اقتصر في باقي أحاديث الكتاب على اسمه أو بعض
نسبه فقد حكى الخطيب عن أكثر العلماء جواز روايته تلك الأحاديث مفصوله
عن الأول مستوفيا نسب شيخ شيخه وعن بعضهم الأولى أن يقول يعني ابن فلان
وعن علي بن المديني وغيره يقول حدثني شيخي أن فلان ابن فلان حدثه وعن
بعضهم أخبرنا فلان هو ابن فلان واستحبه الخطيب وكله جائز وأولاده
----------------------
الثامن
ليس له أن يزيد في نسب غير شيخه من رجال الإسناد أو صفته مدرجا ذلك حيث
اقتصر شيخه على بعضه إلا أن يميزه فيقول مثلا: هو ابن فلان الفلاني أو
يعني ابن فلان ونحوه فيجوز فعل ذلك أحمد وغيره فإن ذكر شيخه نسب شيخه
بتمامه في أول حديث ثم اقتصر في باقي أحاديث الكتاب على اسمه أو بعض
نسبه.
فقد حكى الخطيب عن أكثر العلماء جواز روايته تلك
الأحاديث مفصولة عن الحديث الأول مستوفيا نسب شيخ شيخه و حكى عن بعضهم
أن الأولى فيه أيضا أن يقول يعني ابن فلان و حكي عن علي بن المديني
وغيره كشيخه أبي بكر الأصبهاني الحافظ أنه يقول حدثني شيخي أن فلان ابن
فلان حدثه و حكي عن بعضهم أنه يقول أنا فلان هو ابن فلان واستحبه أي
هذا الأخير الخطيب لأن لفظ أن استعملهما قوم في الإجازة كما تقدم قال
ابن الصلاح وكله جائز وأولاه أن
ج / 2 ص -114-
هو ابن فلان أو يعني ابن فلان ثم قوله أن
فلان ابن فلان ثم أن يذكره بكماله من غيرفصل.
التاسع: جرت العادة بحذف قال ونحوه بين رجال
الإسناد خطأ وينبغي للقارئ اللفظ بها وإذا كان فيه قرء على فلان أخبرك
فلان أو قرئ على فلان حدثنا فلان فليقل القارئ في الأول قيل له أخبرك
فلان وفي الثاني قال: حدثنا فلان وإذا تكرر لفظ قال: كقوله حدثنا صالح
قال: قال الشعبي: فإنهم يحذفون أحدهما
-----------------------
يقول هو ابن فلان أو يعني ابن فلان ثم بعده قوله
أن فلان بن فلان ثم يغده أن يذكره بكماله من غير فصل.
تنبيه:
قال في الاقتراح: ومن الممنوع أيضا أن يزيد تاريخ
السماع إذا لم يذكره الشيخ أو يقول بقراءة فلان أو بتخريج فلان حيث لم
يذكره.
التاسع:
جرت العادة بحذف قال: ونحوه بين رجال الإسناد خطأ اختصارا وينبغي
للقارئ اللفظ بها عبارة ابن الصلاح. ولا بد من ذكره حال القراءة وإذا
كان فيه قرئ على فلان أخبرك فلان أو قرئ على فلان حدثنا فلان فليقل
القارئ في الأول قيل له أخبرك فلان وفي الثاني قال حدثنا فلان.
قال ابن الصلاح: وقد جاء هذا مصرحا به خطا قلت:
وينبغي أن يقال في قرأت على فلان قلت له أخبرك فلان وإذا تكرر لفظ قال
كقوله أي البخاري حدثنا صالح بن حيان قال قال عامر الشعبي فإنهم يحذفون
أحدهما
ج / 2 ص -115-
خطأ فليلفظ بهما القارئ ولو ترك القارئ قال
في هذا كله فقد أخطأ والظاهر صحة السماع.
----------------------
خطا وهي الأولى فيما يظهر فليلفظ بهما القارئ
جميعا قال المصنف من زيادته: ولو ترك القارىء قال في هذا كله فقد أخطأ
والظاهر صحة السماع لأن حذف القول جائز اختصارا جاء به القرآن العظيم
وكذا قال ابن الصلاح أيضا في فتاويه معبرا بالأظهر.
قال العراقي: وقد كان بعض أئمة العربية وهو
العلامة شهاب الدين عبد اللطيف ابن المرحل ينكر اشتراط المحدثين التلفظ
بقال في أثناء السند وما أدري ما وجه إنكاره لأن الأصل هو الفصل بين
كلامي المتكلمين للتمييز بينهما وحيث لم يفصل فهو مضمر والإضمار خلاف
الأصل.
قلت: وجه ذلك في غاية الظهور لأن أخبرنا وحدثنا
بمعنى قال لنا إذ حدث بمعنى قال ونا بمعنى لنا فقوله حدثنا فلان حدثنا
فلان معناه قال لنا فلان قال لنا فلان وهذا واضح لا إشكال فيه.
وقد ظهر لي هذا الجواب وأنا في أوائل الطلب
فعرضته لبعض المدرسين فلم يهتد لفهمه لجهله بالعربية ثم رأيته بعد نحو
عشر سنين منقولا عن شيخ الإسلام وأنه كان ينصر هذا القول ويرجحه ثم
وقفت عليه بخطه فلله الحمد.
تنبيه:
مما يحذف في الخط أيضا في اللفظ لفظ أنه كحديث
البخاري عن عطاء بن أبي ميمونة سمع أنس بن مالك أي أنه سمع قال ابن حجر
في شرحه لفظ أنه يحذف في الخط عرفا.
ج / 2 ص -116-
العاشر: النسخ والأجزاء المشتملة على أحاديث بإسناد واحد كنسخة همام عن أبي
هريرة منهم من يجدد الإسناد أول كل حديث وهو أحوط ومنهم من يكتفي به في
أول حديث أو أول كل مجلس ويدرج الباقي عليه قائلا في كل حديث وبالإسناد
أو وبه وهو الأغلب.
فمن سمع هكذا فأراد رواية غير الأول بإسناده جاز
عند الأكثرين ومنعه أبو أسحق الإسفرايني وغيره.
---------------------
العاشر:
النسخ والأجزاء المشتملة على أحاديث بإسناد واحد كنسخة همام ابن منبه
عن ابي هريرة رواية عبد الرزاق عن معمر عنه منهم من يجدد الإسناد
فيذكره أول كل حديث منها وهو أحوط وأكثر ما يوجد في الأصول القديمة
وأوجبه بعضهم.
ومنهم من يكتفي به في أول حديث منها أو أول كل
مجلس من سماعها ويدرج الباقي عليه قائلا في كل حديث بعد الحديث الأول
وبالإسناد أو وبه وهو الأغلب الأكثر.
فمن سمع هكذا فأراد رواية غير الأول مفردا عنه
بإسناد جاز له ذلك عند الأكثرين منهم وكيع وابن معين والإسماعيلي لأن
المعطوف له حكم المعطوف عليه وهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب
بإسناده المذكور في أوله ومنعه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وغيره
كبعض أهل الحديث رأوا ذلك تدليسا.
ج / 2 ص -117-
فعلى هذا طريقه أن يبين كقول مسلم حدثنا
محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام قال: هذا ما حدثنا أبو
هريرة وذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن أدنى مقعد أحدكم "
وذكر الحديث وكذا فعله كثير من المؤلفين وأما إعادة بعض الإسناد آخر
الكتاب فلا يرفع هذا الخلاف
--------------------------
فعلى هذا طريقه أن يبين ويحكي ذلك وهو على الأول
أحسن كقول مسلم في الرواية من نسخة همام حدثنا محمد بن رافع ثنا عبد
الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه بكسر الموحدة المشددة قال: هذا ما
حدثنا أبو هريرة وذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إني أدنى مقعد أحدكم في الجنة " الحديث واطرد لمسلم ذلك وكذا فعله
كثير من المؤلفين وأما البخاري فإنه لم يسلك قاعدة مطردة فتارة يذكر
أول حديث في النسخة ويعطف عليه الحديث الذي يساق الإسناد لأجله ، كقوله
في الطهارة: حدثنا أبو اليمان أنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج أنه
سمع أبا هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " نحن الآخرون السابقون ، وقال: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم " الحديث فأشكل على قوم ذكره : " نحن الآخرون السابقون " في هذا الباب وليس مراده إلا ما ذكرناه وتارة يقتصر على الحديث
الذي يريده وكأنه أراد بيان أن كلا الأمرين جائز.
وأما إعادة بعض من المحدثين الإسناد آخر الكتاب
أو الجزء فلا يرفع هذا الخلاف الذي يمنع إفراد كل حديث بذلك الإسناد
عند روايتها لكونه لا يقع متصلا بواحد منها.
ج / 2 ص -118-
إلا أنه يفيد احتياطا وإجازة بالغة من أعلى
أنواعها.
الحادي عشر: إذا قدم المتن كقال النبي صلى الله
عليه وسلم كذا أو المتن وأخر الإسناد كروى نافع عن النبي صلى الله عليه
وسلم كذا ثم يقول أخبرنا به فلان عن فلان حتى يتصل صح وكان متصلا فلو
أراد من سمعه هكذا تقديم جميع الإسناد فجوزه بعضهم وينبغي فيه خلاف
كتقديم بعض المتن على بعض بناء على منع الرواية بالمعنى
-----------------------
إلا أنه يفيد احتياطا ويتضمن إجازة بالغة من أعلى
أنواعها قلت ويفيد سماعه لمن لا يسمعه أولا.
الحادي عشر: إذا قدم الراوي المتن على الإسناد
كقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ثم يذكر الإسناد بعده أو المتن
وأخر الإسناد من أعلى كروى نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه
وسلم كذا ثم يقول: أخبرنا به فلان عن فلان حتى يتصل بما قدمه صح وكان
متصلا فلو أراد من سمعه هكذا تقديم جميع الإسناد بأن يبدأ به أولا ثم
يذكر المتن فجوزه بعضهم أي أهل الحديث من المتقدمين قال المصنف في
الإرشاد وهو الصحيح.
قال ابن الصلاح: وينبغي أن يكون فيه خلاف كتقديم
بعض المتن على بعض أي كالخلاف فيه فإن الخطيب حكى فيه المنع بناء على
منع الرواية بالمعنى والجواز على جوازها.
قال البلقيني: وهذا التخريج ممنوع والفرق أن
تقديم بعض الألفاظ يؤدي إلى الاخلال بالمقصود في العطف وعود الضمير
ونحو ذلك بخلاف تقديم السند كله أو بعضه فلذلك جاز فيه ولم يتخرج على
الخلاف. انتهى.
ج / 2 ص -119-
ولو روى حديثا بإسناد ثم أتبعه إسنادا قال
في آخره مثله فأراد السامع رواية المتن بالإسناد الثاني فالأظهر منعه
وهو قول شعبة واجازه الثوري وابن معين إذا كان متحفظا مميزا بين
الألفاظ وكان جماعة من العلماء إذا روى أحدهم مثل هذا ذكر الإسناد ثم
قال مثل حديث قبله متنه كذا واختار الخطيب هذا وأما إذا قال نحوه
فأجازه الثوري
-----------------------
قلت: والمسألة المبني عليها اشار إليها المصنف
كابن الصلاح ولم يفرداها بالكلام عليها وقد عقد الرامهرمزي لذلك بابا
فحكى عن الحسن والشعبي وعبيدة وإبراهيم وأبي نضرة الجواز إذا لم يغير
المعنى قال المصنف وينبغي القطع به إذا لم يكن للمقدم ارتباطا بالمؤخر.
فائدة:
قال شيخ الإسلام: تقديم الحديث على السند يقع
لابن خزيمة إذا كان في السند من فيه مقال فيبتدئ به ثم بعد الفراغ يذكر
السند قال: وقد صرح ابن خزيمة بأن من رواه على غير ذلك الوجه لا يكون
في حل منه فحينئذ ينبغي ان يمنع هذا ولو جوزنا الرواية بالمعنى ولو روي
حديثا بإسناد له ثم أتبعه بإسناد آخر وحذف متنه أحاله على المتن الأول
وقال: في آخره مثله فأراد السامع لذلك منه رواية المتن الأول بالإسناد
الثاني فقط فالأظهر منعه وهو قول شعبة واجازه سفيان الثوري وابن معين
إذا كان الراوي متحفظا ضابطا مميزا بين الألفاظ ومعناه إن لم يكن كذلك
وكان جماعة من العلماء إذا روى أحدهم مثل هذا ذكر الإسناد ثم قال مثل
حديث قبله متنه كذا واختار الخطيب هذا.
وأما إذا قال: نحوه فأجازه الثوري أيضا كمثله
ج / 2 ص -120-
ومنعه شعبة وابن معين.
قال الخطيب: فرق ابن معين بين مثله ونحوه يصح على
منع الرواية بالمعنى فأما على جوازها فلا فرق قال الحاكم يلزم الحديثي
من الإتقان أن يفرق بين مثله ونحوه فلا يحل أن يقول مثله إلا أذا اتفقا
في اللفظ ويحل نحوه إذا كان يمعناه.
الثاني عشر:
إذا ذكر الإسناد وبعض المتن ثم قال وذكر الحديث فأراد السامع روايته
بكماله فهو أولى بالمنع من مثله ونحوه،
------------------------
ومنعه شعبة وقال هو شك بل هو أولى من المنع في
مثله وابن معين أيضا وإن جوزه في مثله.
قال الخطيب: فرق ابن معين بين مثله ونحوه يصح على
المنع الرواية بالمعنى فأما على جوازها فلا فرق قال الحاكم إن مما يلزم
الحديثي من الضبط والإتقان أن يفرق بين مثله ونحوه فلا يحل أن يقول
مثله إلا إذا علم أنهما اتفقا في اللفظ ويحل أن يقول نحوه إذا كان
بمعناه.
الثاني عشر:
إذا ذكر الإسناد وبعض المتن ثم قال وذكر الحديث ولم يتمه أو قال بطوله
أو الحديث وأضمر وذكر فأراد السامع روايته عنه بكماله فهو أولى بالمنع
من مسألة مثله ونحوه السابقة لأنه إذا منع هناك مع أنه قد ساق فيها
جميع المتن قبل ذلك بإسناد آخر فلان يمنع هنا ولم يسبق إلا بعض الحديث
من باب أولى وبذلك جزم قوم.
ج / 2 ص -121-
فمنعه الأستاذ أبو إسحاق وأجازه الإسماعيلي
إذا عرف المحدث والسامع ذلك الحديث والاحتياط أن يقتصر على المذكور ثم
يقول قال وذكر الحديث وهو هكذا ويسوقه بكماله وإذا جوز جوز إطلاقه
فالتحقيق أنه بطريق الإجازة القوية فيما لم يذكره الشيخ ولا يفتقر إلى
إفراده بالإجازة.
الثالث عشر:
قال الشيخ: الظاهر أنه لا يجوز تغيير قال النبي
صلى الله عليه وسلم
-----------------
فمنعه الإسناد أبو إسحق الإسفرايني وأجازه
الإسماعيلي إذا عرف المحدث والسامع مثل ذلك الحديث قال: والاحتياط أن
يقتصر على المذكور ثم يقول: قال وذكر الحديث وهو هكذا أو وتمامه كذا
ويسوقه بكماله.
وفصل ابن كثير فقال: إن كان سمع الحديث المشار
إليه قبل ذلك على الشيخ في ذلك المجلس أو غيره جاز وإلا فلا وإذا جوز
إطلاقه فالتحقيق أنه بطريق الإجازة القوية الأكيدة من جهات عديدة فيما
لم يذكره الشيخ فجاز لهذا مع كونه أوله سماعا إدراج الباقي عليه ولا
يفتقر إلى إفراده بالإجازة.
الثالث عشر:
قال الشيخ ابن الصلاح: الظاهر أنه لا يجوز
تغيير قال النبي صلى الله عليه وسلم
ج / 2 ص -122-
إلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
عكسه وإن جازت الرواية بالمعنى لاختلافه والصواب والله أعلم جوازه لأنه
لا يختلف به هنا معنى وهو مذهب أحمد بن حنبل وحماد بن سلمة والخطيب.
--------------------
إلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عكسه
وإن جازت الرواية بالمعنى وكان أحمد إذا كان في الكتاب عن النبي صلى
الله عليه وسلم وقال المحدث رسول الله ضرب وكتب رسول الله وعتل ابن
الصلاح ذلك لاختلافه أي اختلاف معنى النبي والرسول لأن الرسول من أوحي
إليه للتبليغ والنبي من أوحي إليه للعمل فقط قال المصنف والصواب والله
أعلم جوازه لأنه وإن اختلف معناه في الأصل لا يختلف به هنا معنى إذ
المقصود نسبة القول لقائله وذلك حاصل بكل من الموضعين وهو مذهب أحمد بن
حنبل كما سأله ابنه صالح عنه فقال أرجو ان لا يكون به بأس وما تقدم عنه
محمول على استحباب اتباع اللفظ دون اللزوم وحماد بن سلمة والخطيب
وبعضهم استدل للمنع بحديث البراء بن عازب في الدعاء عند النوم وفيه
ونبيك الذي أرسلت فأعاده على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ورسولك
الذي أرسلت فقال لا ونبيك الذي أرسلت.
قال العراقي: ولا دليل فيه لأن ألفاظ الأذكار
توفيقية وربما كان في اللفظ سر لا يحصل بغيره ولعله أراد أن يجمع بين
اللفظين في موضع واحد قال: والصواب ما قاله النووي ، وكذا قال البلقيني
، وقال البدر بن جماعة: لو قيل يجوز تغيير النبي إلى الرسول ولا يجوز
عكسه لما بعد لأن في الرسول معنى زائدا على النبي.
ج / 2 ص -123-
الرابع عشر:
إذا كان في سماعه بعض الوهن فعليه بيانه حال
الرواية ومنه إذا حدثه من حفظه في المذاكرة فليقل حدثنا مذاكرة كما
فعله الأئمة ومنع جماعة منهم الحمل عنهم حال المذاكرة وإذا كان الحديث
عن ثقة ومجروح أو ثقتين فالأولى أن يذكرهما فإن اقتصر على ثقة فيهما لم
يحرم ،
-------------------------
الرابع عشر:
إذا كان في سماعه بعض الوهن أي الضعف فعليه بيانه
حال الرواية فإن في إغفاله نوعا من التدليس وذلك كان يسمع من غير أصل
أو يحدث هو أو الشيخ وقت القراءة أو حصل نوم أو نسخ أو سمع بقراءة مصحف
أو لحان أو كان التسميع بخط من فيه نظر ومنه إذا حدثه من حفظه في
المذاكرة نتساهلهم فيها فليقل حدثنا في المذاكرة ونحو كما فعله الأئمة
ومنع جماعة منهم كابن مهدي وابن المبارك وأبي زرعة الحمل عنهم حال
المذاكرة لتساهلهم فيها ولأن الحفظ خوان وامتنع جماعة من رواية ما
يحفظونه إلا من كتبهم لذلك منهم أحمد بن حنبل وإذا كان الحديث عن رجلين
أحدهما ثقة و الآخر مجروح كحديث لأنس مثلا يرويه عنه ثابت البناني
وأبان بن أبي عياش أو عن ثقتين فالأولى أن يذكرهما لجواز أن يكون فيه
شيء لأحدهما لم يذكره الآخر وحمل لفظ أحدهما على الآخر فإن اقتصر على
ثقة فيهما لم يحرم لأن الظاهر اتفاق الروايتين وما ذكره من الاحتمال
نادر بعيد ومحذور الإسقاط في الثاني اقل من الأول.
ج / 2 ص -124-
وإذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من آخر فروى
جملته عنهما مبينا أن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر جاز ثم يصير كل
جزء منه كأنه رواه عن أحدهما مبهما فلا يحتج بشيء منه إن كان فيهما
مجروح ويجب ذكرهما جميعا مبينا أن عن أحدهما بعضه وعن الآخر بعضه.
--------------------------
قال الخطيب: وكان مسلم بن الحجاج في مثل هذا ربما
أسقط المجروح ويذكر الثقة ثم يقول وآخر كناية عن المجروح قال: وهذا
القول لا فائدة فيه.
وقال البلقيني: بل له فائدة تكثير الطرق وإذا سمع
بعض حديث من شيخ وبعضه الآخر من شيخ آخر فروى جملته عنهما مبينا أن
بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر غير مميز لما سمعه من كل شيخ عن الآخر
جاز ثم يصير كل جزء منه كأنه رواه عن أحدهما مبهما فلا يحتج بشيء منه
إن كان فيهما مجروح لأنه ما من جزء منه إلا ويجوز ان يكون عن ذلك
المجروح ويجب ذكرهما حينئذ جميعا مبينا أن عن أحدهما بعضه وعن الآخر
بعضه ولا يجوز ذكرهما ساكتا عن ذلك ولا إسقاط أحدهما مجروحا كان أو ثقة
ومن أمثلة ذلك حديث الإفك في الصحيح من رواية الزهري حيث قال: حدثني
عروة و سعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة
عن عائشة قال: وكل قد حدثني طائفة من حديثها ودخل حديث بعضهم في بعض
وأنا أوعى لحديث بعضهم من بعض فذكر الحديث.
قال العراقي: وقد اعترض بأن البخاري أسقط بعض
شيوخه في مثل هذه الصورة واقتصر على واحد فقال في كتاب الرقاق من
صحيحه: حدثني أبو نعيم بنصف من هذا الحديث ثنا عمرو ابن دينار ثنا
مجاهد ان أبا هريرة كان يقول: والله الذي لا إله إلا هو أن
ج / 2 ص -125-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع الحديث قال
والجواب: أن الممتنع إنما هو إسقاط بعضهم وإيراد كل الحديث عن بعضهم
لأنه حينئذ يكون قد حدث عن المذكور ببعض ما لم يسمعه منه فأما إذا بين
أنه لم يسمع منه إلا بعض الحديث كما فعل البخاري هنا فليس بممتنع وقد
بين البخاري في كتاب الاستئذان البعض الذي سمعه من أبي نعيم فقال:
حدثنا أبو نعيم ثنا عمرو ثنا محمد بن مقاتل أنا عبد الله انا عمرو ابن
دينار انا مجاهد عن أبي هريرة قال: دخلت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فوجد لبنا في قدح فقال: أباهر الحق أهل الصفة فادعهم إلي قال
فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا. انتهى.
فهذا هو بعض حديث أبي نعيم الذي ذكره في الرقاق
وأما بقية الحديث فيحتمل أن البخاري أخذه من كتاب أبي نعيم وجادة أو
إجازة أو سمعه من شيخ آخر غير أبي نعيم إما محمد بن مقاتل أو غيره ولم
يبين ذلك بل اقتصر على اتصال بعض الحديث بيان ولكن ما من قطعة منه إلا
وهي محتملة متصلة لأنها غير بالسماع إلا القطعة التي صرح في الاستئذان
باتصالها. |