تدريب الراوي في شرح تقريب النووي ط الكتب الحديثة
النوع السابع والعشرون: معرفة آداب المحدث علم
الحديث شريف
--------------------
النوع السابع والعشرون:
معرفة آداب المحدث علم الحديث الشريف: وكيف لا
وهو الوصلة إلى
ج / 2 ص -126-
يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وهو من
علوم الآخرة من حرمه حرم خيرا عظيما ومن رزقه نال فضلا جزيلا ،
---------------------------
رسول الله صلى الله عليه وسلم والباحث عن تصحيح
أقواله وافعاله والذب عن أن ينسب إليه ما لم يقله وقد قيل في تفسير
قوله تعالى:
{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} ليس لأهل الحديث منقبة أشرف من ذلك لأنه لا إمام لهم غيره صلى الله
عليه وسلم ولأن سائر العلوم الشرعية محتاجة إليه أما الفقه فواضح وأما
التفسير فلأن أولى ما فسر به كلام الله تعالى ما ثبت عن نبيه صلى الله
عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وهو علم يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن
الشيم وينافر ضد ذلك وهو من علوم الآخرة المحضة بخلاف غيره في الجملة
قال أبو الحسن شبويه: من أراد علم القبر فعليه بالأثر ومن أراد علم
الخبر فعليه بالرأي من حرمه حرم خيرا عظيما ومن رزقه نال فضلا جسيما
ويكفيه أنه يدخل في دعوته صلى الله عليه وسلم حيث قال: " نضر الله أمرأ
سمع مقالتي فوعاها ".
قال سفيان بن عيينة: ليس من أهل الحديث أحد إلا
وفي وجهه نضرة لهذا الحديث وقال اللهم ارحم خلفائي قيل ومن خلفاؤك قال
الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي وسنتي رواه الطبراني وغيره وكأن
تلقيب المحدث بأمير المؤمنين مأخوذ من هذا الحديث وقد لقب به جماعة
منهم سفيان
ج / 2 ص -127-
فعلى صاحبه تصحيح النية وتطهير قلبه من
أغراض الدنيا واختلف في السن الذي يتصدى فيه لإسماعه ،
-----------------------
وابن راهويه والبخاري وغيرهم فعلى صاحبه تصحيح النية وإخلاصها وتطهير
قلبه من أعراض الدنيا وأدناسها كحب الرياسة ونحوها وليكن أكبر همه نشر
الحديث والتبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأعمال بالنيات وقد
قال سفيان الثوري ، قلت لحبيب بن أبي ثابت: حدثنا ، قال: حتى تجيء
النية وقيل لأبي الأحوص سلام بن سليم: حدثنا فقال: ليس لي نية فقالوا
له: إنك تؤجر فقال:
يمنوني الخير الكثير وليتني
نجوت كفافا لا علي ولا ليا
وقال حماد بن زيد: أستغفر الله إن لذكر الإسناد في القلب
خيلاء واختلف في السن الذي يحسن أن يتصدى فيه لإسماعه فقال ابن خلاد:
إذا بلغ الخمسين لأنها انتهاء الكهولة وفيها مجتمع الأشد قال: ولا ينكر
عند الأربعين لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال وعندها ينتهي عزم
الإنسان وقوته ويتوفر عقله ويجود رأيه وأنكر ذلك القاضي عياض وقال: كم
من السلف فمن بعدهم من لم ينته إلى هذا السن ونشر من الحديث والعلم ما
لا يحصى كعمر بن عبدالعزيز وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعى وجلس مالك
للناس ابن نيف وعشرين وقيل ابن سبع عشرة سنة والناس متوافرون وشيوخه
أحياء وربيعة والزهري ونافع وابن المنكدر وابن هرمز وغيرهم وكذلك
الشافعي وأئمة من المتقدمين والمتأخرين وقد حدث بندار وهو ابن ثماني
عشرة
ج / 2 ص -128-
والصحيح أنه متى احتيج إلى ما عنده جلس له
في أي سن كان وينبغي أن يمسك عن التحديث إذا خشي التخليط بهرم أو خرف
أو عمى ويختلف ذلك باختلاف الناس .
-----------------------
وحدث البخاري وما في وجهه شعرة وهلم جرا.
قال ابن الصلاح: ما قاله ابن خلاد محله فيمن يؤخذ
عنه الحديث لمجرد الإسناد من غير براعة في العلم فإنه لا يحتاج إليه
لعلو إسناده إلا عند السن المذكور أما من عنده براعة في العلم فإنه
يؤخذ عنه قبل السن المذكور قال والصحيح أنه متى احتيج إلى ما عنده جلس
له في أي سن كان وينبغي أن يمسك عن التحديث إذا خشي التخليط بهرم أو
خرف أو عمي ويختلف ذلك باختلاف الناس وضبطه ابن خلاد بالثمانين ، قال:
والتسبيح والذكر وتلاوة القرآن أولى به فإن يكن ثابت العقل مجتمع الرأي
فلا بأس فقد حدث بعدها أنس وسهل بن سعد وعبد الله بن أبي أوفى في آخرين
ومن التابعين شريح القاضي ومجاهد والشعبي في آخرين ومن أتباعهم مالك
والليث وابن عيينة وقال مالك: إنما يخرف الكذابون وحدث بعد المائة من
الصحابة حكيم بن حزام ومن التابعين شريط النمري ومن بعدهم الحسن بن
عرفة وأبو القاسم البغوي والقاضي أبو الطيب الطبري والسلفي وغيرهم.
ج / 2 ص -129-
فصل:
الأولى أن لا يحدث بحضرة من هو أولى منه لسنه أو
علمه أو غيره وقيل يكره أن يحدث في بلد فيه أولى منه وينبغي له إذا طلب
منه ما يعلمه ثم أرجح منه أن يرشد إليه فالدين النصيحة .
-----------------------
فصل:
الأولى ان لا يحدث بحضرة من هو أولى منه لسنه أو
علمه أو غيره كأنه يكون اعلى سندا او سماعه متصلا وفي طريقه هو إجازة
ونحو ذلك فقد كان إبراهيم النخعي لا يتكلم بحضرة الشعبي بشيء وقيل أبلغ
من ذلك يكره أن يحدث في بلد فيه أولى منه فقد قال يحيى بن معين إن من
فعل ذلك فهو أحمق وينبغي له إذا طلب منه ما يعلمه ثم أرجح منه أن يرشد
إليه فالدين النصيحة.
قال في الاقتراح: ينبغي أن يكون هذا عند الاستواء
فيما عدا الصفة المرجحة أما مع التفاوت بأن يكون الأعلى إسنادا عاميا
والأنزل عارف ضابط فقد يتوقف في الإرشاد إليه لأنه قد يكون في الرواية
عنه ما يوجب خللا.
قلت: والصواب إطلاق أن التحديث بحضرة الأولى ليس
بمكروه ولا خلاف الأولى فقد استنبط العلماء من حديث: أن ابني كان عسيفا
الحديث وقوله سألت أهل العلم فأخبروني أن الصحابة كانوا يفتون في عهد
النبي صلى الله عليه وسلم وفي بلده وقد عقد محمد بن سعد في الطبقات
بابا لذلك وأخرج بأسانيد فيها الواقدي أن منهم أبا بكر وعمر وعثمان
وعليا وعبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب ومعاذ ابن جبل وزيد بن ثابت وروى
البيهقي في المدخل بسند صحيح عن ابن عباس
ج / 2 ص -130-
ولا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح
النية فإنه يرجى صحتها وليحرص على نشره مبتغيا جزيل أجره .
-----------------------
أنه قال لسعيد بن جبير حدث قال أحدث وأنت شاهد
قال أو ليس من نعم الله عليك أن تحدث وانا شاهد فإن أخطأت علمتك.
تنبيه:
إذا كان جماعة مشتركون في سماع فالإسماع منهم
فرض كفاية ولو طلب من أحدهم فامتنع لم يأثم فإن انحصر فيه أثم ولا
يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فإنه يرجى له صحتها بعد ذلك
قال معمر وحبيب بن ابي ثابت طلبنا الحديث وما لنا فيه نية ثم رزق الله
النية بعد وقال معمر: إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم
حتى يكون لله وقال الثوري: ما كان في الناس أفضل من طالب الحديث فقيل
يطلبونه بغير نية ؟ فقال: طلبهم إياه نية.
وليحرص على نشره مبتغيا جزيل أجره فقد كان في
السلف من يتألف الناس على حديثه منهم عروة بن الزبير ومن الأحاديث
الواردة في فضل نشر الحديث والعلم: حديث الصحيحين: " بلغوا عني - ليبلغ
الشاهد الغائب " وحديث " من أدى إلى أمتي حديثا واحدا يقيم به سنة او
يرد به بدعة فله الجنة " رواه الحاكم في الأربعين ،وحديث البيهقي عن
أبي ذر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يغلب على أن نأمر
بالمعروف وننهى عن المنكر ونعلم الناس السنن.
ج / 2 ص -131-
فصل:
ويستحب له إذا أراد حضور مجلس التحديث أن يتطهر
ويتطيب ويسرح لحيته ويجلس متمكنا بوقار فإن رفع أحد صوته زبره ويقبل
على الحاضرين كلهم ،
-------------------
فصل:
ويستحب له إذا أراد حضور مجلس التحديث أن يتطهر
بغسل ووضوء ويتطيب ويتبخر ويستاك كما ذكره ابن السمعاني ويسرح لحيته
ويجلس في صدر مجلسه متمكنا في جلوسه بوقار وهيبة وقد كان مالك يفعل
ذلك، فقيل له فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
أحدث إلا على طهارة متمكنا وكان يكره ان يحدث في الطريق أو وهو قائم
أسنده البيهقي، وأسند عن قتادة قال: لقد كان يستحب أن لا يقرأ الأحاديث
إلا على طهارة وعن ضرار بن مرة قال: كانوا يكرهون أن يحدثوا على غيرطهر
وعن ابن المسيب أنه سئل عن حديث وهو مضطجع في مرضه فجلس وحدث به فقيل
له: وددت لك أنك لم تتعن فقال: كرهت أن أحدث عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأنا مضطجع وعن بشر بن الحارث ان ابن المبارك سئل عن حديث
وهو يمشي فقال ليس هذا من توقير العلم وعن مالك قال: مجالس العلم تحتضر
بالخشوع والسكينة والوقار ويكره أن يقوم لأحد فقد قيل: إذا قام القارئ
لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد فإنه يكتب عليه بخطئه فإن رفع
أحد صوته في المجلس زبره أي انتهره وزجره فقد كان مالك يفعل ذلك أيضا
ويقول قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ
صَوْتِ النَّبِيِّ}
فمن رفع صوته عند حديثه فكأنما رفع صوته فوق صوته ويقبل على الحاضرين
كلهم فقد قال حبيب بن أبي ثابت: إن من السنة إذا
ج / 2 ص -132-
ويفتتح مجلسه ويختتمه بتحميد الله تعالى
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ودعاء يليق بالحال بعد قراءة
قارئ حسن الصوت شيئا من القرآن العظيم ولا يسرد الحديث سردا يمنع فهم
بعضه.
فصل:
يستحب للمحدث العارف عقد مجلس لإملاء الحديث
فإنه أعلى مراتب
----------------------
حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم جميعا ويفتتح
مجلسه ويختمه بتحميد الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
ودعاء يليق بالحال بعد قراءة قارئ حسن الصوت شيئا من القرآن العظيم فقد
روى الحاكم في المستدرك عن أبي سعيد قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا اجتمعوا تذاكروا العلم وقرؤا سورة ولا يسرد الحديث سردا
عجلا يمنع فهم بعضه كما روي عن مالك أنه كان لا يستعجل ويقول أحب أن
اتفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واورد البيهقي في ذلك حديث
البخاري عن عروة قال: جلس أبو هريرة إلى جنب حجرة عائشة وهي تصلي فجعل
يحدث فلما قضت صلاتها قالت: ألا تعجب إلى هذا وحديثه إن النبي صلى الله
عليه وسلم إنما كان يحدث حديثا لوعده العاد أحصاه وفي لفظ عند مسلم إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم وفي لفظ عند
البيهقي عقيبه إنما كان حديثه فصلا تفهمه القلوب.
فصل:
يستحب للمحدث العارف عقد مجلس لإملاء الحديث فإنه
أعلى مراتب
ج / 2 ص -133-
الرواية ويتخذ مستمليا محصلا متيقظا يبلغ
عنه إذا كثر الجمع على عادة الحفاظ
--------------------
الرواية والسماع وفيه أحسن وجوه التحمل وأقواها
روى ابن عدي والبيهقي في المدخل من طريقه ثنا عبد الصمد بن عبد الله
ومحمد بن بشر الدمشقيان قالا ثنا هشام بن عمار ثنا أبو الخطاب معروف
الخياط قال: رأيت واثلة بن الأسقع رضي الله تعالى عنه يملي على الناس
الأحاديث وهم يكتبونها بين يديه ويتخذ مستمليا محصلا متيقظا يبلغ عنه
إذا كثر الجمع على عادة الحفاظ في ذلك كما روي عن مالك وشعبة ووكيع
وخلائق.
وقد روى أبو داود والنسائي من حديث رافع بن عمرو
قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع
الضحى على بغلة شهباء. وعلي يعبر عنه وفي الصحيح عن أبي جمرة قال: كنت
أترحم بين ابن عباس وبين الناس فإن كثر الجمع بحيث لا يكفي مستمل اتخذ
مستملين فأكثر فقد أملى أبو مسلم الكجي في رحبة غسان وكان في مجلسه
سبعة مستملون يبلغ كل واحد صاحبه الذي يليه وحضر عنده نيف وأربعون ألف
محبرة سوى النظارة وكان يحضر مجلس عاصم بن علي أكثر من مائة ألف إنسان
ولا يكون
ج / 2 ص -134-
ويستملي مرتفعا وإلا قائما وعليه تبليغ لفظه
على وجهه وفائدة المستملي تفهيم السامع على بعد وأما من لم يسمع إلا
المبلغ فلا يجوز له روايته عن المملي إلا أن يبين الحال وقد تقدم هذا
في الرابع والعشرين: ويستنصت المستملي الناس
------------------
المستملي بليدا كمستملي يزيد بن هرون حيث سئل
يزيد عن حديث فقال حدثنا به عدة فصاح المستملي يا ابا خالد عدة ابن من
؟ فقال له ابن فقدتك.
ومن لطيف ما ورد في الاستملاء ما حكاه المزي في
تهذيبه عن عبدان بن محمد المروزي قال: رأيت الحافظ يعقوب بن سفيان
الفسوي في النوم فقلت ما فعل الله تعالى بك قال غفرلي وأمرني أن أحدث
في السماء كما كنت أحدث في الأرض فحدثت في السماء السابعة فاجتمع علي
الملائكة واستملى علي جبريل وكتبوا بأقلام من الذهب وعن أحمد بن جعفر
التستري قال لما جاءني يعقوب بن سفيان رأيته في النوم كأنه يحدث في
السماء السابعة وجبريل يستملي عليه.
ويستملي مرتفعا على كرسي ونحوه وإلا قائما على
قدميه ليكون أبلغ للسامعين وعليه أي المستملي وجوبا تبليغ لفظه أي
المملي وأداؤه على وجهه من غيرتغيير وفائدة المستملي تفهيم السامع لفظ
المملي على بعد ليتحققه بصوته وأما من لم يسمع إلا المبلغ فلا يجوز له
روايته عن المملي إلا أن يبين الحال وقد تقدم هذا بما فيه في النوع
الرابع والعشرين.
ويستنصت المستملي الناس أي أهل المجلس حيث احتيج
للاستنصات ،
ج / 2 ص -135-
بعد قراءة قارئ حسن الصوت شيئا من القرآن ثم
يبسمل ويحمد الله تعالى ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتحرى
الأبلغ فيه ثم يقول للمحدث من أو ما ذكرت رحمك الله أو رضي عنك وما
أشبهه
-------------------------
ففي الصحيحين من حديث جابر أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال له استنصت الناس بعد قراءة قارئ حسن الصوت شيئا من
القرآن لما تقدم ثم يبسمل المستملي ويحمد الله تعالى ويصلي على رسوله
صلى الله عليه وسلم ويتحرى الأبلغ فيه من ألفاظ الحمد والصلاة.
وقد ذكر المصنف في الروضة عن المتولي وجماعة من
الخراسانيين أن أبلغ ألفاظ الحمد الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ
مزيده وقال ليس لذلك دليل يعتمد.
وقال البلقيني: بل الحمد لله رب العالمين لأنه
فاتحة الكتاب وآخر دعوى أهل الجنة فينبغي الجمع بينهما ونقل في الروضة
عن إبراهيم المروزي أن ابلغ ألفاظ الصلاة اللهم صل على محمد كلما ذكره
الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون ، ثم قال: والصواب الذي ينبغي أن يجزم
به ان أبلغها ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حيث قالوا كيف
نصلي عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
ثم يقول المستملي للمحدث المملي من ذكرت أي من
الشيوخ أو ما ذكرت أي من الأحاديث رحمك الله أو رضي عنك وما أشبهه قال
يحيى ابن أكثم: نلت القضاء أو قضاء القضاة والوزارة وكذا وكذا ما سررت
ج / 2 ص -136-
وكلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صلى
عليه وسلم.
قال الخطيب: ويرفع بها صوته وإذا ذكر صحابيا رضي
الله عليه فإن كان ابن صحابي قال رضي الله عنهما ويحسن بالمحدث الثناء
على شيخه حال الرواية بما هو أهله كما فعله جماعات من السلف وليعتن
بالدعاء له فهو أهم ،
----------------
بشيء مثل قول المستملي من ذكرت رحمك الله وكلما
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صلى المستملي عليه وسلم.
قال الخطيب: ويرفع بها صوته وإذ ذكر صحابيا رضي
عليه فإن كان ابن صحابي قال رضي الله عنهما وكذا يترحم على الأئمة فقد
روى الخطيب أن الربيع ابن سليمان قال له القارئ يوما: حدثكم الشافعي
ولو يقل رضي الله عنه فقال الربيع: ولا حرف حتى يقال رضي الله عنه
ويحسن بالمحدث الثناء على شيخه حال الرواية عنه بما هو أهله كما فعله
جماعات من السلف كقول أبي مسلم الخولاني: حدثني الحبيب الأمين عوف بن
مسلم وكقول مسروق: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة
وكقول عطاء حدثني سيد الفقهاء أيوب وكقول وكيع حدثنا سفيان أمير
المؤمنين في الحديث وليعتن بالدعاء له فهو أهم من الثناء المذكور ويجمع
في الشيخ بين اسمه وكنيته فهو أبلغ في إعظامه.
ج / 2 ص -137-
ولا بأس بذكر من يروي عنه بلقب أو وصف أو
حرفة أو أم عرف بها ويستحب أن يجمع في إملائه جماعة من شيوخه مقدما
أرجحهم ويروي عن كل شيخ حديثا ويختار ما علا سنده وقصر متنه والمستفاد
منه وينبه على صحته وما فيه من علو وفائدة وضبط مشكل
-----------------------
قال الخطيب: لكن يقتصر في الرواية على اسم من لا
يشكل كأيوب ويونس ومالك والليث ونحوهم وكذا على نسبة من مشهور بها كابن
عون وابن جريج والشعبي والنخعي والثوري والزهري ونحو ذلك ولا بأس بذكر
من يروى عنه بلقب كغندر أو وصف كالأعمش أو حرفة كالحناط أو أم كابن
علية وإن كره ذلك إذا عرف بها وقصد تعريفه لا عيبه ويستحب للمملي أن
يجمع في إملائه الرواية عن جماعة من شيوخه ولا يقتصر على شيخ واحد
ومقدما أرجحهم بعلو سنده أو غيره ولا يروى إلا عن ثقات من شيوخه دون
كذاب أو محمود أو مبتدع روى مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن مهدي قال: لا
يكون الرجل إماما وهو يحدث بكل ما سمع ولا يكون الرجل إماما وهو يحدث
عن كل أحد ويروى عن كل شيخ حديثا واحدا في مجلس ويختار من الأحاديث ما
علا سنده وقصر متنه وكان في الفقه أو الترغيب قال علي بن حجر:
وظيفتنا مائة للغريب في
كل يوم سوى ما يعاد
شريكية أو هشيمية
أحاديث فقه فصار جياد
و يتحرى المستفاد منه وينبه على صحته أي الحديث أو حسنه أو
ضعفه أو علته إن كان معلولا و على ما فيه من علو وجلالة في الإسناد
وفائدة في الحديث أو السند كتقديم تاريخ سماعه وانفراده عن شيخه وكونه
لا يوجد إلا عنده وضبط مشكل في الأسماء أو غريب أو معنى أو غامض في
المتن
ج / 2 ص -138-
وليتجنب ما لا تحتمله عقولهم وما لا يفهمونه
ويختم الإملاء بحكايات ونوادر وإنشادات بأسانيدها وأولاها ما في الزهد
والآداب ومكارم الأخلاق وإذا قصر المحدث أو اشتغل عن تخريج الإملاء
استعان ببعض الحفاظ وإذا فرغ الإملاء قابله واتقنه .
----------------------
وليتجنب من الأحاديث ما لا تحتمله عقولهم وما لا
يفهمونه كأحاديث الصفات لما لا يؤمن عليهم من الخطأ والوهم والوقوع في
التشبيه والتجسيم فقد قال علي تحبون أن يكذب الله ورسوله حدثوا الناس
بما يعرفون ودعوا ما ينكرون رواه البخاري.
وروى البيهقي في الشعب عن المقدام بن معدي كرب عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا حدثتم الناس عن ربهم فلا تحدثوهم
بما يغرب أويشق عليهم قال ابن مسعود: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه
عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة رواه مسلم.
قال الخطيب: ويجتنب أيضا في روايته للعوام أحاديث
الرخص وما شجر بين الصحابة والإسرائيليات ويختم الإملاء بحكايات ونوادر
وإنشادات بأسانيدها كعادة الأئمة في ذلك وقد استدل له الخطيب بما رواه
عن علي قال: روحوا القلوب وابتغوا لهما طرف الحكمة وكان الزهري يقول
لأصحابه هاتوا من أشعاركم: هاتوا من أحاديثكم فإن الأذن مجاجة والقلب
حمض وأولاها ما في الزهد والآداب ومكارم الأخلاق هذا من زوائد المصنف
وإذا قصر المحدث عن تخريج الإملاء لقصوره عن المعرفة بالحديث وعلله
واختلاف وجوهه أو اشتغل عن تخريج الإملاء استعان ببعض الحفاظ في تخريج
الأحاديث التي يريد إملاءها قبل يوم مجلسه فقد فعله جماعة كأبي الحسين
بن بشران وأبي القاسم السراج وخلائق وإذا فرغ الإملاء قابله وأتقنه
لإصلاح ما فسد منه بزيغ
ج / 2 ص -139-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . .
----------------------
القلم وطغيانه وفيه حديث زيد بن ثابت رضي الله
عنه السابق في فرع المقابلة.
قال العراقي: وقد رخص ابن الصلاح هناك في الرواية
بدونها بشروط ثلاثة ولم يذكر ذلك هنا فيحتمل أن يحمل هذا على ما تقدم
ويحتمل الفرق بين النسخ من أصل السماع والنسخ من إملاء الشيخ حفظا لأن
الحفظ خوان قال: ولكن المقابلة للإملاء أيضا إنما هي مع الشيخ أيضا من
حفظه لا على أصوله.
قلت: جرت عادتنا بتخريج الإملاء وتحريره في كراسة
ثم نملي حفظا وإذا نجز قابله المملي معنا على الأصل الذي حررناه وذلك
غاية الإتقان وقد كان الإملاء درس بعد ابن الصلاح إلى أواخر ايام
الحافظ أبي الفضل العراقي فافتتحه سنة ست وتسعين وسبعمائة فأملى
أربعمائة مجلس وبضعة عشر مجلسا إلى سنة موته سنة ست وثمانمائة ثم أملى
ولده إلى أن مات سنة ثنتين وخمسن أكثر من ألف مجلس وكسرا.
ثم أملى شيخ الإسلام ابن حجر إلى أن مات سنة
ثنتين وخمسين أكثر من ألف مجلس ثم درس تسع عشرة سنة فافتتحته أول سنة
ثنتين وسبعين فأمليت ثمانين مجلسا ثم خمسين أخرى.
وينبغي أن لا يملي في الأسبوع إلا يوما واحدا
لحديث الشيخين عن أبي وائل قال: كان ابن مسعود يذكر الناس في كل يوم
خميس فقال له رجل: لوددنا أنك ذكرتنا كل يوم فقال أما إنه ما يمنعني من
ذلك إلا أني أكره
ج / 2 ص -140-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا.
وروى البخاري عن عكرمة عن ابن عباس قال حدث الناس
كل جمعة مرة فإن أبيت فمرتين فإن أكثرت فثلاث مرار ولا تمل الناس هذا
القرآن ولا تأت القوم وهم في حديث فتقطع عليهم حديثهم ولكن أنصت فإذا
أمروك فحدثهم وهم يشتهونه.
ولم أظفر لأحد بتعيين يوم الإملاء ولا وقته إلا
أن غالب الحفاظ كابن عساكر وابن السمعاني والخطيب كانوا يملون يوم
الجمعة بعد صلاتها فتبعتهم في ذلك وقد ظفرت بحديث يدل على استحبابه بعد
عصر يوم الجمعة وهو ما أخرجه البيهقي في الشعب عن أنس مرفوعا من صلى
العصرثم جلس يملي خيرا حتى يمسي كان أفضل ممن أعتق ثم ثمانية من ولد
إسماعيل.
النوع الثامن والعشرون: معرفة آداب طالب الحديث قد تقدم منه جمل مفرقة ويجب عليه تصحيح النية والإخلاص لله تعالى
في طلبه والحذر من التوصل به إلى اغراض الدنيا ،
----------------
النوع الثامن والعشرون:
معرفة آداب طالب الحديث. قد تقدم
منه جمل مفرقة ويجب عليه تصحيح النية والإخلاص لله تعالى في طلبه
والحذر من التوصل به إلى اغراض الدنيا.
فقد روى أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تعلم علما مما يبتغي به
وجه
ج / 2 ص -141-
ويسأل الله تعالى التوفيق والتسديد والتيسير
وليستعمل الأخلاق الجميلة والآداب ثم ليفرغ جهده في تحصيله ويغتنم
إمكانه
------------------------
الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من
الدنيا لم يجد عرق الجنة يوم القيامة ".
وقال حماد بن سلمة: من طلب الحديث لغير الله مكر
به .
وقال سفيان الثوري - رضي الله عنه -: ما أعلم
عملا هو أفضل من طلب الحديث لمن أراد الله تعالى.
قال ابن الصلاح: ومن أقرب الوجوه في إصلاح النية
فيه ما روينا عن أبي عمرو بن نجيد أنه: سأل أبا جعفر بن حمدان وكانا
عبدين صالحين فقال له: بأي نية أكتب الحديث ؟ فقال: ألستم ترون أن عند
ذكر الصالحين تنزل الرحمة ؟ قال: نعم ، قال: فرسول الله صلى الله عليه
وسلم رأس الصالحين.
ويسأل الله تعالى التوفيق والتسديد لذلك والتيسير
والإعانة عليه ويستعمل الأخلاق الجميلة والآداب الرضية فقد قال أبو
عاصم النبيل: من طلب هذا الحديث فقد طلب أعلى أمور الدين فيجب أن يكون
خير الناس.
ثم ليفرغ جهده في تحصيله ويغتنم إمكانه ففي صحيح
مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا:
" احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز " .
وقال يحيى بن أبي كثير: لا ينال العلم براحة الجسم.
وقال الشافعي: لا يطلب هذا العلم من يطلبه
بالتملل وغنى النفس فليفلح ،
ج / 2 ص -142-
ويبدأ بالسماع من أرجح شيوخ بلده إسنادا
وعلما وشهرة ودينا وغيره فإذا فرغ من مهماتهم فليرحل على عادة الحفاظ
المبرزين
-------------------------
ولكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش وخدمة العلم
أفلح.
ويبدأ بالسماع من أرجح شيوخ بلده إسنادا وعلما
وشهرة ودينا وغيره الي أن يفرغ منهم ويبدأ بأفرادهم فمن تفرد بشيء أخذه
عنه أولا فإذا فرغ من مهماتهم وسماع عواليهم فليرحل إلى سائر البلدان
على عادة الحفاظ المبرزين ولا يرحل قبل ذلك.
قال الخطيب: فإن المقصود من الرحلة أمران أحدهما
تحصيل علو الإسناد وقدم السماع والثاني لقاء الحفاظ والمذاكرة لهم
والاستفادة منهم فإذا كان الأمران موجودين في بلده ومعدومين في غيره
فلا فائدة في الرحلة أو موجودين في كل منهما فليحصل حديث بلده ثم يرحل.
قال: وإذا عزم على الرحلة فلا يترك أحدا في بلده
من الرواة إلا ويكتب عنه ما تيسر من الأحاديث وإن قلت فقد قال بعضهم
ضيع ورقة ولا تضيعن شيخا.
والأصل في الرحلة ما رواه البيهقي في المدخل
والخطيب في الجامع عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله
قال بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أسمعه فابتعت بعيرا
فشددت عليه رحلي وسرت شهرا حتى قدمت الشام فأتيت عبد الله بن أنيس فقلت
للبواب: قل له جابر على الباب فأتاه فقال له: جابر بن عبد الله ؟
فأتاني فقال لي فقلت: نعم فرجع فأخبره فقام يطأطئ ثوبه حتى لقيني
فاعتنقني واعتنقته فقلت حديث بلغني عنك سمعته
ج / 2 ص -143-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------
من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص لم
أسمعه فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن اسمعه فقال سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " يحشر الله العباد - أو قال الناس - عراة غرلا بهما " قلنا: ما بهما
؟ قال: " ليس معهم شيء ثم يناديهم ربهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من
قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة
ولا أحد من أهل النار عنده مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة " قلنا: كيف
وإنما نأتي الله عراة غرلا بهما ؟ قال: " بالحسنات والسيئات " واستدل البيهقي أيضا برحلة موسى إلى الخضر وقصته في الصحيح.
وروى أيضا من طريق عياش بن عباس عن واهب بن عبد
الله المعافري قال: قدم رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من
الأنصار على مسلمة بن مخلد فألفاه نائما فقال: أيقظوه قالوا: بل نتركه
حتى يستيقظ قال: لست فاعلا فأيقظوا مسلمة له فرحب به وقال: انزل قال:
لا حتى ترسل إلى عقبة ابن عامر لحاجة لي إليه فأرسل إلى عقبة فأتاه
فقال: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من وجد مسلما على عورة فستره فكأنما أحيا موءودة من قبرها " ؟ فقال عقبة: قد سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول ذلك.
وسأل عبد الله بن أحمد أباه عمن طلب العلم ترى له
أن يلزم رجلا عنده علم فيكتب عنه أو ترى له أن يرحل إلى المواضع التي
فيها العلم فيسمع منهم ؟ قال: ترحل يكتب عن الكوفيين والبصريين وأهل
المدينة ومكة يسأم الناس لسماعه منهم
ج / 2 ص -144-
ولا يحملنه الشره على التساهل في التحمل
فيخل بشيء من شروطه وينبغي أن يستعمل ما يسمعه من أحاديث العبادات
والآداب فذلك زكاة الحديث وسبب حفظه .
----------------------
وقال ابن معين: أربعة لا تأنس منهم رشدا وذكر
منهم رجلا يكتب في بلد ولا يرحل في طلب الحديث.
وقال إبراهيم بن أدهم: إن الله يرفع البلاء عن
هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث ولا يحملنه الشره والحرص على التساهل في
التحمل فيخل بشيء من شروطه السابقة فإن شهوة السماع لا تنتهي ونهمة
الطلب لا تنقضي والعلم كالبحار التي يتعذر كيلها والمعادن التي لا
ينقطع نيلها أخرج المروزي في كتاب العلم قال: ثنا ابن شعيب بن الحبحاب
حدثني عمي صالح بن عبد الكبير حدثني عمي أبو بكر بن شعيب عن قتادة قال
قلت لشعيب بن الحبحاب: نزل علي أبو العالية الرياحي فأقللت عنه الحديث
فقال شعيب: السماع من الرجال أرزاق وينبغي أن يستعمل ما يسمعه من
أحاديث العبادات والآداب وفضائل الأعمال فذلك زكاة الحديث وسبب حفظه
فقد قال بشر الحافي: يا أصحاب الحديث أدوا زكاة هذا الحديث اعملوا من
كل مائتي حديث بخمسة أحاديث.
وقال عمرو بن قيس الملائي: إذا بلغك شيء من الخير
فاعمل به ولو مرة تكن من أهله.
وقال وكيع: إذا أردت أن تحفظ الحديث الحديث فاعمل
به.
وقال إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع: كنا نستعين على
حفظ الحديث بالعمل به.
وقال أحمد بن حنبل: ما كتبت حديثا إلا وقد عملت
به حتى مر بي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى ابا شيبة دينارا
فاحتجمت وأعطيت الحجام دينارا.
ج / 2 ص -145-
فصل:
وينبغي أن يعظم شيخه ومن يسمع منه فذلك من إجلال
العلم وأسباب الانتفاع ويعتقد جلالة شيخه ورجحانه ويتحرى رضاه ولا يطول
عليه بحيث يضجره
-------------------------
فصل:
وينبغي للطالب أن يعظم شيخه ومن يسمع منه فذلك من
إجلال العلم وأسباب الانتفاع به وقد قال المغيرة كنا نهاب إبراهيم كما
نهاب الأمير وقال البخاري ما رأيت أحدا أوقر للمحدثين من يحيى بن معين
وفي الحديث تواضعوا لمن تعلمون منه رواه البيهقي مرفوعا من حديث أبي
هريرة وضعفه وقال: الصحيح وقفه على عمر وأورد في الباب حديث عبادة بن
الصامت مرفوعا ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا
رواه أحمد وغيره وأسند عن ابن عباس قال: وجدت عامة علم رسول الله صلى
الله عليه وسلم عند هذا الحي من الأنصار فإن كنت لآتي باب أحدهم فأقيل
ببابه ولو شئت أن يؤذن لي عليه لأذن لي لقرابتي من رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولكن كنت أبتغي بذلك طيب نفسه.
وأسند عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال: ما دققت
على محدث بابه قط لقوله تعالى:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا
حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} ويعتقد جلالة شيخه ورجحانه على غيره فقد روى الخليلي في الإرشاد عن
أبي يوسف القاضي قال: سمعت السلف يقولون: من لا يعرف لأستاذه لا يفلح
ويتحرى رضاه ويحذر سخطه ولا يطول عليه بحيث يضجره بل يقنع بما يحدثه
به،
ج / 2 ص -146-
وليستشره في أموره وما يشتغل فيه وكيفية
اشتغاله وينبغي له إذا ظفر بسماع أن يرشد إليه غيره فإن كتمانه لؤم يقع
فيه جهلة الطلبة فيخاف على كاتمه عدم الانتفاع فإن من بركة الحديث
إفادته ونشره يمن
--------------------
فإن الإضجار يغير الأفهام ويفسد الأخلاق ويحيل الطباع وقد كان إسماعيل
ابن أبي خالد من أحسن الناس خلقا فلم يزالوا به حتى ساء خلقه وروينا عن
ابن سيرين أنه سأله رجل عن حديث وقد أراد أن يقوم فقال
إنك إن كلفتني ما لم أطق
ساءك ما سرك مني من خلق
قال ابن الصلاح: ويخشى على فاعل ذلك ان يحرم من الانتفاع
قال: وروينا عن الزهري أنه قال: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب
وليستشره في أموره التي تعرض له وما يشتغل فيه وكيفية اشتغاله وعلى
الشيخ نصحه في ذلك وينبغي له أي للطالب إذا ظفر بسماع لشيخ أن يرشد
إليه غيره من الطلبة فإن كتمانه عنهم لؤم يقع فيه جهلة الطلبة فيخاف
على كاتمه عدم الانتفاع فإن من بركة الحديث إفادته كما قال مالك ونشره
يمن.
وقال ابن معين: من يخل بالحديث وكتم على الناس سماعهم لم يفلح وكذا قال
إسحاق بن راهويه.
وقال ابن المبارك: من يخل بالعلم ابتلي بثلاث إما أن يموت فيذهب علمه
أو ينسى أو يتبع السلطان.
وروى الخطيب في ذلك بسنده عن ابن عباس رفعه إخواني تناصحوا في العلم
ج / 2 ص -147-
وليحذر كل الحذر من أن يمنعه الحياء والكبر
من السعي التام في التحصيل وأخذ العلم ممن دونه في نسب أو سن أو غيره
--------------------
ولا يكتم بعضكم بعضا فإن خيانة الرجل في علمه أشد
من خيانته في ماله.
قال الخطيب: ولا يحرم الكتم عمن ليس بأهل أو لا
يقبل الصواب إذا أرشد إليه أو نحو ذلك وعلى ذلك يحمل ما نقل عن الأئمة
من الكتم.
وقد قال الخليل لأبي عبيدة: لا تردن علي معجب خطأ
فيستفيد منك علما ويتخذك عدوا.
وليحذر كل الحذر من أن يمنعه الحياء أو الكبر من
السعي التام في التحصيل وأخذ العلم ممن دونه في نسب أو سن أو غيره فقد
ذكر البخاري عن مجاهد قال: لا ينال العلم مستحيي ولا مستكبر.
وقال عمر بن الخطاب من رق وجهه دق علمه.
وقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار لم يكن
يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.
وقال وكيع: لا ينبل الرجل من أصحاب الحديث حتى
يكتب عمن هو فوقه
ج / 2 ص -148-
وليصبر على جفاء شيخه وليعتن بالمهم ولا
يضيع وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرد اسم الكثرة ،
------------------------
فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه وكأن ابن المبارك
يكتب عمن هو دونه فقيل له فقال لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم تقع لي.
وروى البيهقي عن الأصمعي قال: من لم يحتمل ذل
التعليم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا وروي أيضا عن عمر قال: لا تتعلم
العلم لثلاث ولا تتركه لثلاث لا تتعلم لتماري به ولا ترائي به ولا
تباهي به ولا تتركه حياء من طلبه ولا زهادة فيه ولا رضا بجهالة.
وليصبر على جفاء شيخه وليعتن بالمهم ولا يضيع
وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرد اسم الكثرة وصيتها فإن ذلك شيء لا
طائل تحته.
قال ابن الصلاح: وليس من ذلك قول أبي حاتم إذا
كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش.
قال العراقي: كأنه أراد اكتب الفائدة ممن سمعتها
ولا تؤخر حتى تنظر هل هو أهل للأخذ عنه أم لا فربما فات ذلك بموته أو
سفره أوغير ذلك فإذا كان وقت الرواية أو العمل ففتش حينئذ ويحتمل أنه
اراد استيعاب الكتاب وترك انتخابه أو استيعاب ما عند الشيخ وقت التحمل
ويكون النظر فيه حال الرواية.
ج / 2 ص -149-
وليكتب وليسمع ما يقع له من كتاب أو جزء
بكماله ولا ينتخب فإن احتاج تولى بنفسه فإن قصر عنه استعان بحافظ.
فصل:
ولا ينبغي أن يقتصر على سماعه وكتبه دون معرفته
وفهمه ،
--------------------------
قال: وقد يكون قصد المحدث تكثير طرق الحديث وجمع
أطرافه فتكثر بذلك شيوخه ولا بأس به فقد قال أبو حاتم لو لم نكتب
الحديث من ستين وجها ما عقلناه.
وليكتب وليسمع ما يقع له من كتاب أو جزء بكماله
ولا ينتخب فربما احتاج بعد ذلك إلى رواية شيء منه لم يكن فيما انتخبه
فيندم وقد قال ابن المبارك ما انتخبت على عالم قط إلا ندمت وقال ابن
معين صاحب الانتخاب يندم وصاحب النسخ لا يندم فإن احتاج إليه أي إلى
الانتخاب لكون الشيخ مكثرا وفي الرواية عسرا أو كون الطالب غريبا لا
يمكنه طول الإقامة تولاه بنفسه وانتخب عواليه وما تكرر من رواياته وما
لا يجده عند غيره فإن قصر عنه لقلة معرفته استعان عليه بحافظ قال ابن
الصلاح: ويعلم في الأصل على أول إسناد الأحاديث المنتخبة بخط عريض أحمر
أو بصاد ممدودة أو بطاء ممدودة أو نحو ذلك وفائدته لأجل المعارضة أو
لاحتمال ذهاب الفرع فيرجع إليه.
فصل:
ولا ينبغي للطالب ان يقتصر من الحديث على سماعه
وكتبه دون معرفته وفهمه فيكون قد أتعب نفسه من غير أن يظفر بطائل ، ولا
حصول في عداد أهل الحديث وقد قال أبو عاصم النبيل: الرياسة في الحديث
ج / 2 ص -150-
فليتعرف صحته وضعفه وفقهه ومعانيه ولغته
وإعرابه وأسماء رجاله محققا كل ذلك معتنيا بإتقان مشكلها حفظا وكتابة
مقدما الصحيحين ثم سنن ابي داود والترمذي والنسائي ثم السنن الكبرى
للبيهقي وليحرص عليه فلم يصنف مثله. ثم ما تمس الحاجة إليه. ثم من
المسانيد مسند أحمد بن حنبل وغيره ،
--------------------
بلا دراية رياسة بذالة قال الخطيب هي اجتماع
الطلبة على الراوي للسماع عند علو سنه فإذا تميز الطالب بفهم الحديث
ومعرفته تعجل بركة ذلك في شبيبته.
فليتعرف صحته وحسينه وضعفه وفقهه ومعان ولغته
وإعرابه وأسماء رجاله محققا كل ذلك معتنيا بإتقان مشكلها حفظا وكتابة
مقدما في السماع والضبط والتفهم والمعرفة الصحيحين ثم سنن أبي داود
والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان ثم السنن الكبرى للبيهقي
وليحرص عليه فلم يصنف في بابه مثله ثم ما تمس الحاجة إليه ثم من
المسانيد والجوامع فأهم المسانيد مسند أحمد و يليه سائر المسانيد غيره.
وأهم الجوامع الموطأ ثم سائر الكتب المصنفة في
الأحكام ككتاب
ج / 2 ص -151-
ثم من العلل كتابه وكتاب الدارقطني. ومن
الأسماء تاريخ البخاري وابن ابي خيثمة وكتاب ابن أبي حاتم. ومن ضبط
الأسماء كتاب ابن ماكولا وليعتن بكتب غريب الحديث وشروحه وليكن الإتقان
من شأنه وليذاكر بمحفوظه ويباحث أهل المعرفة.
-------------------------
ابن جريج وابن أبي عروبة وسعيد بن منصور وعبد
الرزاق وابن أبي شيبة وغيرهم.
ثم من كتب العلل كتابه أي أحمد وكتاب الدارقطني
ومن كتب الأسماء تاريخ البخاري الكبير و تاريخ ابن أبي خيثمة وكتاب ابن
أبي حاتم في الجرح والتعديل.
ومن كتب ضبط الأسماء: كتاب ابن ماكولا وليعتن
بكتب غريب الحديث و كتب شروحه أي الحديث وليكن الإتقان من شأنه بأن
يكون كلما مر به اسم مشكل أو كلمة غريبة بحث عنها وأودعها قلبه وقد قال
ابن مهدي الحفظ الإتقان وليذاكر بمحفوظه ويباحث أهل المعرفة فإن
المذاكرة تعين على دوامه.
ج / 2 ص -152-
فصل:
وليشتغل بالتخريج والتصنيف إذا تأهل له
----------------------
قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه تذاكروا هذا
الحديث فإن لا تفعلوا يدرس.
وقال ابن مسعود: تذاكروا الحديث فإن حياته
مذاكرته.
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - :مذاكرة العلم
ساعة خير من إحياء ليلة.
وقال أبو سعيد الخدري: مذاكرة الحديث أفضل من
قراءة القرآن.
وقال الزهري: آفة العلم النسيان وقلة المذاكرة
رواهما البيهقي في المدخل.
وليكن حفظه له بالتدريج قليلا قليلا ففي الصحيح
خذوا من الأعمال ما تطيقون وقال الزهري من طلب العلم جملة فاته جملة
وإنما يدرك العلم حديث وحديثان.
فصل:
وليشتغل بالتخريج والتصنيف إذا تأهل له مبادرا
إليه ،
ج / 2 ص -153-
وليعتن بالتصنيف في شرحه وبيان مشكله متقنا
واضحا فقلما يمهر في علم الحديث من لم يفعل هذا.
وللعلماء في تصنيف الحديث طريقان: أجودهما تصنيفه
على الأبواب ،
---------------------------
وليعتن بالتصنيف في شرحه وبيان مشكله متقنا واضحا
فقلما تمهر في علم الحديث من لم يفعل هذا.
قال الخطيب: لا يتمهر في الحديث ويقف على غوامضه
ويستبين الخفي من فوائده إلا من جمع متفرقه وألف مشتته وضم بعضه إلى
بعض فإن ذلك مما يقوي النفس ويثبت الحفظ ويذكي القلب ويشحذ الطبع ويبسط
اللسان ويجيد البيان ويكشف المشتبه ويوضح الملتبس ويكسب أيضا جميل
الذكر ويخلده إلى آخر الدهر كما قال الشاعر:
يموت قوم فيحيي العلم ذكرهم
والجهل يجعل أحياء كأموات
قال: وكان بعض شيوخنا يقول: من أراد الفائدة
فليكسر قلم النسخ وليأخذ قلم التخريج.
وقال المصنف في شرح المهذب: بالتصنيف يطلع على
حقائق العلوم ودقائقه ويثبت معه لأنه يضطره إلى كثرة التفتيش والمطالعة
والتحقيق والمراجعة والاطلاع على مختلف كلام الأئمة ومتفقه وواضحه من
مشكله وصحيحه من ضعيفه وجزله من ركيكه وما لا اعتراض فيه من غيره وبه
يتصف المحقق بصفة المجتهد.
قال الربيع: لم أر الشافعي آكلا بنهار ولا نائما
بليل لاهتمامه بالتصنيف.
وللعلماء في تصنيف الحديث وجمعه طريقان: أجودهما
تصنيفه على الأبواب
ج / 2 ص -154-
فيذكر في كل باب ما حضره فيه والثانية
تصنيفه على المسانيد فيجمع في ترجمة كل صحابي ما عنده من حديثه صحيحه
وضعيفه وعلى هذا له أن يرتبه على الحروف أو على القبائل فيبدأ ببني
هاشم ثم بالأقرب فالأقرب نسبا إلى رسول صلى الله عليه وسلم أو على
السوابق فبالعشرة ثم أهل
--------------------
الفقهية كالكتب الستة ونحوها أو غيرها كشعب
الإيمان للبيهقي والبعث والنشور له وغير ذلك فيذكر في كل باب ما حضره
مما ورد فيه مما يدل على حكمه إثباتا أو نفيا والأولى أن يقتصر على ما
صح أو حسن فإن جمع الجميع فليبين علة الضعيف الثانية تصنيفه على
المسانيد كل مسند على حدة.
قال الدارقطني: أول من صنف مسندا نعيم بن حماد.
قال الخطيب: وقد صنف أسد بن موسى مسندا وكان أكبر
من نعيم سنا وأقدم سماعا فيحتمل أن يكون نعيم سبقه في حداثته ؟.
وقال الحاكم: أول من صنف المسند على تراجم الرجال
في الإسلام عبيد الله ابن موسى العبسي وأبو داود الطيالسي وقد تقدم ما
فيه في نوع الحسن.
وقال ابن عدي: يقال أن يحيى الحماني أول من صنف
المسند بالكوفة وأول من صنف المسند بالبصرة مسدد وأول من صنف المسند
بمصر أسد السنة وأسد قبلهما وأقدم موتا.
وقال العقيلي عن علي بن عبد العزيز: سمعت يحيى
الحماني يقول: لا تسمعوا كلام أهل الكوفة فإنهم يحسدونني لأني أول من
جمع المسند فيجمع في ترجمة كل صحابي ما عنده من حديثه صحيحه وحسنه
وضعيفه وعلى هذا له أن يرتبه على الحروف في أسماء الصحابة كما فعل
الطبراني وهو أسهل تناولا أو على القبائل فيبدأ ببني هاشم ثم بالأقرب
فالأقرب نسبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على السوابق في
الإسلام فبالعشرة يبدأ ثم أهل
ج / 2 ص -155-
بدر ثم الحديبية ثم المهاجرين بينها وبين
الفتح ثم أصاغر الصحابة ثم النساء بادئا بأمهات المؤمنين ومن أحسنه
تصنيفه معللا بأن يجمع في كل حديث أو باب طرقه واختلاف رواته ويجمعون
أيضا حديث الشيوخ كل شيخ على انفراده كمالك وسفيان وغيرهما والتراجم
كمالك عن نافع عن ابن عمر وهشام عن أبيه عن عائشة والأبواب كرؤية الله
تعالى ورفع اليدين في الصلاة
-------------------
بدر ثم الحديبية ثم المهاجرين بينها وبين الفتح
ثم من أسلم يوم الفتح ثم أصاغر الصحابة سنا كالسائب بن يزيد وأبي
الطفيل ثم النساء بادئا بأمهات المؤمنين.
قال ابن الصلاح: وهذا أحسن ومن أحسنه أي التصنيف
تصنيفه أي الحديث معللا بأن يجمع في كل حديث أو باب طرقه واختلاف رواته
فإن معرفة المعلل أجل أنواع الحديث والأولى جعله على الأبواب ليسهل
تناوله وقد صنف يعقوب بن شيبة مسنده معللا فلم يتم قيل ولم يتمم مسند
معلل قط وقد صنف بعضهم مسند ابي هريرة معللا في مائتي جزء.
تنبيه:
من طرق التصنيف أيضا جمعه على الأطراف فيذكر طرف
الحديث الدال على بقيته ويجمع أسانيده إما مستوعبا أو مقيدا بكتب
مخصوصة ويجمعون أيضا حديث الشيوخ كل شيخ على انفراده كمالك وسفيان
وغيرهما كحديث الأعمش للإسماعيلي وحديث الفضيل بن عياض للنسائي وغير
ذلك و يجمعون أيضا التراجم كمالك عن نافع عن ابن عمر وهشام عن أبيه عن
عائشة وسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة و يجمعون أيضا الأبواب
بأن يفرد كل باب على حدة بالتصنيف كرؤية الله تعالى أفرده الآجرى ورفع
اليدين في الصلاة والقراءة خلف الإمام أفردهما البخاري والنية أفرده
ابن أبي الدنيا والقضاء
ج / 2 ص -156-
وليحذر إخراج تصنيفه إلا بعد تهذيبه وتحريره
وتكريره النظر فيه وليحذر من تصنيف ما لم يتأهل له وينبغي أن يتحرى
العبارات الواضحة والاصطلاحات المستعملة.
-------------------------
باليمين والشاهد افرده الدارقطني والقنوت أفرده
ابن منده والبسملة أفرده ابن عبد البر وغيره وغير ذلك ويجمعون أيضا
الطرق لحديث واحد كطرق من كذب علي للطبراني وطرق حديث الحوض للضياء
وغير ذلك.
وليحذر من إخراج تصنيفه من يده إلا بعد تهذيبه
وتحريره وتكريره النظر فيه وليحذر من تصنيف ما لم يتأهل له فمن فعل ذلك
لم يفلح وضره في دينه وعلمه وعرضه قال المصنف من زوائده وينبغي أن
يتحرى في تصنيفه العبارات الواضحة والموجزة والاصطلاحات المستعملة ولا
يبالغ في الإيجاز بحيث يفضي إلى الاستغلاق ولا في الإيضاح بحيث ينتهي
إلى الركاكة وليكن اعتناؤه من التصنيف بما لم يسبق إليه أكثر.
قال في شرح المهذب: والمراد بذلك أن لا يكون هناك
تصنيف يغني عن مصنفه من جميع أساليبه فإن أغنى عن بعضها فليصنف من جنسه
ما يزيد زيادات يحتفل بها مع ضم ما فاته من الأساليب قال وليكن تصنيفه
فيما يعم الانتفاع به ويكثر الاحتياج إليه.
وقد روينا عن البخاري في آداب طالب الحديث أثرا
لطيفا نختم به هذا النوع أخبرني أبو الفضل الأزهري وغيره سماعا أنا أبو
العباس المقدسي أخبرتنا عائشة بنت علي أخبرنا أبو عيسى بن علاق أخبرتنا
فاطمة بنت
ج / 2 ص -157-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . .
----------------------
سعد الخير أخبرنا أبو نصر اليونارتي سمعت أبا
محمد الحسن بن أحمد السمرقندي يقول: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن محمد
بن صالح بن خلف يقول: سمعت أبا ذر عمار بن محمد بن مخلد التميمي يقول
سمعت أبا المظفر محمد بن أحمد بن حامد البخاري قال: لما عزل أبو العباس
الوليد بن إبراهيم بن يزيد الهمذاني عن قضاء الري ورد بخارى فحملني
معلمي أبو إبراهيم الختلي إليه وقال له: أسألك أن تحدث هذا الصبي بما
سمعت من مشايخنا فقال ما لي سماع قال فكيف وأنت فقيه ؟ قال: لأني لما
بلغت مبلغ الرجال تاقت نفسي إلى طلب الحديث فقصدت محمد بن إسماعيل
البخاري وأعلمته مرادي فقال لي: يا بني لا تدخل في أمر إلا بعد معرفة
حدوده والوقوف على مقاديره واعلم أن الرجل لا يصير محدثا كاملا في
حديثه إلا بعد أن يكتب أربعا مع أربع كأربع مثل أربع في أربع ثم أربع
بأربع على أربع عن أربع لأربع وكل هذه الرباعيات لا تتم إلا بأربع مع
أربع فإذا تمت له كلها هان عليه أربع وابتلي بأربع فإذا صبر على ذلك
أكرمه الله في الدنيا بأربع وأثابه في الآخرة بأربع.
ج / 2 ص -158-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------
قلت له: فسر لي رحمك الله ما ذكرت من أحوال هذه
الرباعيات قال: نعم أما الأربعة التي يحتاج إلى كتبها هي: أخبار الرسول
صلى الله تعالى عليه وسلم وشرائعه والصحابة ومقاديرهم و التابعين
وأحوالهم وسائر العلماء وتواريخهم مع أسماء رجالها وكناهم وأ مكنتهم
وأزمنتهم كالتحميد مع الخطيب والدعاء مع الترسل والبسملة مع السورة
والتكبير مع الصلوات مثل المسندات والمرسلات والموقوفات والمقطوعات في
صغره وفي إدراكه وفي شبابه وفي كهولته عند شغله وعند فراغه وعند فقره
وعند غناه بالجبال والبحار والبلدان والبراري على الأحجار والأصداف
والجلود والأكتاف إلى الوقت الذي يمكنه نقلها إلى الأوراق عمن هو فوقه
وعمن هو مثله وعمن هو دونه وعن كتاب أبيه يتيقن أنه بخط أبيه دون غيره
لوجه الله تعالى طالبا لمرضاته والعمل بما وافق كتاب الله تعالى منها
ونشرها بين طالبيها والتأليف في إحياء ذكره بعده ثم لا تتم له هذه
الأشياء إلا بأربع: هي من كسب العبد معرفة الكتابة واللغة والصرف
والنحو مع أربع هن من عطاء الله تعالى الصحة والقدرة والحرص والحفظ
فإذا صحت له هذه الأشياء هان عليه أربع: الأهل والولد والمال والوطن
وابتلي بأربع: شماتة الأعداء وملامة الأصدقاء وطعن الجهلاء وحسد
العلماء فإذا صبر على هذه المحن أكرمه الله تعالى في الدنيا بأربع بعز
القناعة وبهيبة اليقين وبلذة العلم وبحياة الأبد وأثابه في الآخرة
بأربع بالشفاعة لمن أراد من إخوانه وبظل حيث العرش لا ظل إلا ظله ويسقى
من أراد من حوض محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وبجوار النبيين في أعلى
عليين في الجنة فقد أعلمتك
ج / 2 ص -159-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
يا بني بمجملات جميع ما كنت سمعت من مشايخي
متفرقا في هذا الباب فاقبل الآن على ما قصدتني له أودع. |