شرح علل الترمذي

"الباب الثاني" "فوائد وقواعد في علم العلل" لابن رجب الحنبلي عقب بها على شرح علل الترمذي

(2/661)


ولما انتهى الكلام على ما ذكره الحافظ أبو عيسى الترمذي ـ رحمه الله ـ في كتاب الجامع وآخره كتاب العلل أحببت (أن أتبع) كتاب العلل بفوائد أخر مهمة، وقواعد كلية تكون للكتاب تتمة. وأردت بذلك تقريب علم العلل على من ينظر فيه، فإنه علم قد هجر في هذا الزمان، فقد ذكرنا في كتاب العلم أنه علم جليل قل من يعرفه من أهل هذا الشأن، وأن بساطه قد طوي منذ أزمان، وبالله المستعان، وعليه التكلان، فإن التوفيق كله بيديه ومرجع الأمور كلها إليه.
أعلم أن معرفة صحة الحديث وسقمه تحصل من وجهين:
أحدهما: معرفة رجاله وثقتهم وضعفهم، ومعرفة هذا هين، لأن الثقات والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف، وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التواليف.
والوجه الثاني: معرفة مراتب الثقات وترجيح بعضهم على بعض عند الاحتلاف، إما في الإسناد وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع ونحو ذلك، وهذا هو الذي يحصل من معرفته واتقانه (وكثرة ممارسته) الوقوف على دقائق علل الحديث.

(2/663)


ونحن نذكر ـ إن شاء الله تعالى ـ من هذا العلم كلمات جامعة، مختصره، يسهل بها معرفته وفهمه، لمن أراد الله ـ تعالى ـ به ذلك.
ولا بد في هذا العلم من طول الممارسة، وكثرة المذاكرة فإذا عدم المذاكرة به فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة، العرفين كيحيى القطان، ومن تلقى عنه كأحمد وابن المديني، وغيرهما، فمن رزق مطالعة ذلك، وفهمه، وفقهت نفسه فيه، وصارت له فيه قوة نفس وملكة صلح له أن يتكلم فيه.
قال الحاكم أبو عبد الله: الحجة في هذا العلم ـ عندنا ـ الحفظ، والفهم، والمعرفة، لا غير. وذكر ابن مهدي: معرفة الحديث إلهام، فإذا قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم تكن له حجة.
وقد قسمته قسمين:
القسم الأول: في معرفة مراتب كثير من أعيان الثقات، وتفاوتهم، وحكم اختلافهم وقول من يرجح منهم عند الاختلاف.
والقسم الثاني: في معرفة قوم من الثقات لا يوجد ذكر كثير منهم أو أكثرهم في كتب الجرح، قد ضعف حديثهم، إما في بعض الأماكن، أو في بعض الأزمان، أو عن بعض الشيوخ دون بعض.

(2/664)


القسم الأول في معرفة مراتب أعيان الثقات، الذين تدور غالب الأحاديث الصحيحة عليهم وبيان مراتبهم في الحفظ وذكر من يرجح قوله منهم عند الاختلاف
أصحاب ابن عمر

أشهرهم سالم ابنه، ونافع مولاه، وقد اختلفا في أحاديث ذكرناها في باب رفع اليدين في الصلاة، وقفها نافع، ورفعها سالم.
وسئل أحمد: إذا اختلفا، فلأيهما تقضي؟ فقال: كلاهما ثبت، ولم ير أن يقضي لأحدهما على الآخر، نقله عنه المروذي، ونقل عثمان الدارمي عن ابن معين نحوه، مع أن المروذي نقل عن أحمد أنه مال إلى قول نافع في حديث: "من باع عبداً له مال". وهو وقفه.

(2/665)


وكذلك نقل غيره عن أحمد أنه رجح قول نافع، في وقف حديث "فيما سقت السماء العشر".
ورجح النسائي والدارقطني قول نافع في وقف ثلاثة أحاديث "فيما سقت السماء العشر"، وحديث "من باع عبداً له مال" وحديث "تخرج نار من قبل اليمن". وكذا حكى الأثرم عن غير أحمد أنه رجح قول نافع في هذه الأحاديث، وفي حديث "الناس كإبل مائة" أيضاً.

(2/666)


وذكر ابن عبد البر أن الناس رجحوا قول سالم في رفعها.
أصحاب نافع مولى ابن عمر
وقد تقدم عن علي بن المديني أنه قسمهم تسع طبقات. وذكر أن أعلاهم أيوب السختياني، وعبيد الله بن عمر ومالك، وعمر بن نافع، وأن بعدهم ابن عون، ويحيى الأنصاري، وابن جريج، وبعدهم أيوب بن موسى، وإسماعيل بن أمية، وبعدهم موسى بن عقبة.
وذكر أن أثبت أصحاب نافع ـ عنده ـ أيوب السختياني.
وروى نحو ذلك عن ابن عيينة، ووهيب.
وخالفهم في ذلك يحيى بن معين، وقال: اثبت أصحاب نافع مالك، هو أثبت من أيوب، وعبيد الله بن عمر، والليث بن سعد.
وقال يحيى القطان: أثبت أصحاب نافع أيوب، وعبيد الله بن عمر، ومالك، وابن جريج أثبت في نافع من مالك.
وعن أحمد روايتان: إحداهما: قال: أثبت أصحاب نافع عبيد الله، نقلها عنه المروذي، وابن هانىء. والثانية: قال: أوثق أصحاب نافع عندي أيوب، ثم مالك، ثم عبيد الله، نقلها ابن هانىء ـ أيضاً ـ وزاد في روايته، قال: ومحمد بن إسحاق ليس بذلك القوي، وموسى بن عقبة صالح الحديث، وصخر بن جويرية صالح ـ أيضاً، قال: والعمري الصغير، بعني عبد الله بن عمر، أحب إلي من عبد الله بن نافع.

(2/667)


وقال ابن معين: موسى بن عقبة ثقة، وكانوا يقولون: ليس هو في نافع مثل مالك.
وروي عن يحيى بن معين أنه لم يفضل من أصحاب نافع الكبار أحداً.
قال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى: أيوب أحب إليك عن نافع أو عبيد الله؟.
قال: كلاهما، ولم يفضل.
قلت: فمالك أحب إليك عن نافع أو عبيد الله؟.
قال: كلاهما، ولم يفضل.
قلت: فعبد الله العمري ما حاله في نافع؟.
قال: صالح.
قلت: فالليث بن سعد، كيف حديثه عن نافع؟.
قال: صالح ثقة.
ومما اختلف فيه أصحاب نافع حديث "من حلف، فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه" رفعه أيوب ووقفه مالك وعبيد الله، واختلف الحفاظ في الترجيح وأكثرهم رجح قول مالك.
أصحاب عبد الله بن دينار، مولى ابن عمر
قال أبو جعفر العقيلي: روى شعبة، والثوري، ومالك، وابن عيينة عن عبد الله بن دينار أحاديث متقاربة، عند شعبة عنه نحو عشرين حديثاً، وعند الثوري (نحو ثلاثين حديثاً، وعند مالك نحوها، وعند ابن عيينة بضعة عشر حديثاً) .

(2/668)


وأما رواية المشايخ عنه ففيها اضطراب، ثم ذكر منهم يحيى بن سعيد، وعبد العزيز بن الماجشون وسهيلاً، وابن عجلان، ويزيد بن الهاد، وهؤلاء الثلاثة رووا عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة حديث "الإيمان بضع وسبعون شعبة" قال: ولم يتابعهم أحد ممن سمينا من الأثبات ولم يتابع عبد الله بن دينار عن أبي صالح عليه أحد.
قال: وقد روى موسى بن عبيدة ونظراؤه عن عبد الله بن دينار أحاديث مناكير، إلا أن الحمل فيها عليهم. انتهى ما ذكره.
وحديث "الإيمان بضع وستون شعبة" مخرج في الصحيحين، خرجه البخاري من طريق سليمان بن بلال، وخرجه مسلم، من طريق سهيل، كلاهما عن عبد الله بن دينار به.
وقول العقيلي: لم يتابع عليه يشبه كلام القطان وأحمد والبرديجي، الذي سبق ذكره في أن الحديث إذا لم يتابع راويه عليه فإنه يتوقف فيه، أو يكون منكراً.

(2/669)


وقد سبق أيضاً ـ كلام أحمد في حديث "النهي عن بيع الولاء وعن هبته".
وقال البرديجي: أحاديث عبد الله بن دينار صحاح من حديث شعبة، ومالك وسفيان الثوري، ولم يزد على هذا. ولم يذكر ابن عيينة معهم، كما ذكره العقيلي.
أصحاب سعيد بن أبي سعيد المقبري
قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: أصح الناس (حديثاً) عن سعيد المقبري ليث بن سعد، وعبيد الله بن عمر يقدم في سعيد.
وقال يحيى بن سعيد: ابن عجلان لم يقف على حديث سعيد المقبري ما كان عن أبيه عن أبي هريرة، وما روى هو عن أبي هريرة. أضعفهم عنه، يعني عن المقبري حديثاً (أبو معشر) .
وقال عبد الله ـ أيضاً ـ: قال أبي: بلغني عن يحيى بن سعيد قال: لم يقف ابن عجلان على حديث سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة. فترك أباه، فكان يقول: سعيد المقبري عن أبي هريرة. وأصح الناس عن سعيد المقبري ليث بن سعد، يفصل ما روى (عن أبي هريرة، وما) عن أبيه عن أبي هريرة، هو ثبت في حديثه جداً.
وقال ابن المديني: الليث وابن أبي ذئب ثبتان في حديث سعيد المقبري.

(2/670)


أصحاب الزهري
قد سبق أنهم خمس طبقات، وهم خلق كثير يطول عددهم، واختلفوا في أثبتهم وأوثقهم: فقالت طائفة: مالك، قاله أحمد في رواية، وابن معين.
وذكر الفلاس أنه لا يختلف في ذلك.
قال أحمد في رواية ابنه عبد الله: مالك ثم ابن عيينة، قال: وأكثرهم عنه رواية يونس وعقيل ومعمر، وقال: يونس وعقيل يؤديان الألفاظ.
وقال أبو حاتم الرازي: مالك أثبت أصحاب الزهري، فإذا خالفوا مالكاً من أهل الحجاز حكم لمالك. وهو أقوى من الزهري من ابن عيينة، وأقل خطأ منه. وأقوى من معمر، وابن أبي ذئب.
وقال يحيى بن إسماعيل الواسطي: سمعت يحيى بن سعيد القطان، وذكر يوماً أصحاب الزهري فبدأ بمالك في أولهم، ثم ثنى بسفيان بن عيينة، ثم ثلث بمعمر، وذكر يونس بعده.
وقالت طائفة: أثبتهم ابن عيينة، قاله ابن المديني، وتناظر هو وأحمد في ذلك، وبين أحمد أن ابن عيينة أخطأ في أكثر من عشرين حديثاً عن الزهري وأما مالك فذكر له مسلم في كتاب التمييز عن الزهري ثلاثة أوهام، وذكر أبو بكر الخطيب له وهمين عن الزهري، وأحدهما ذكره مسلم.

(2/671)


وقال يحيى بن سعيد: ابن عيينة أحب إلي في الزهري من معمر.
ونقل عثمان الدارمي عن ابن معين عكس ذلك.
وقالت طائفة أثبتهم معمر، وأصحهم حديثاً، وبعده مالك.
قاله أحمد في رواية ابن هانىء عنه، وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: أثبت أصحاب الزهري مالك ومعمر ويونس، كانوا عالمين به، قال: وحدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: سمعت ابن عيينة يقول: أخذ

(2/672)


مالك ومعمر عن الزهري عرضاً، وأخذت سماعاً، فقال يحيى بن معين: لو أخذا كتاباً لكانا أثبت منه، يعني من ابن عيينة.
قال: وسمعت يحيى يقول: ما أحد أحب إلي من سفيان ويونس ومعمر وعقيل يعني في الزهري، وقد كان يونس وعقيل عالمين به.
وسمعت يحيى يقول: معمر أثبت في الزهري من سفيان.
وذكر بإسناده عن يونس قال: كان عقيل يصحب الزهري في حضره وسفره.
وقال إبراهيم بن الجنيد: سئل يحيى بن معين وأنا أسمع: من أثبت الناس في الزهري؟.
قال: مالك، ثم معمر، ثم عقيل، ثم يونس، ثم شعيب، والأوزاعي والزبيدي وابن عيينة، فكل هؤلاء ثقات. قيل له: إيما أثبت، سفيان أو الأوزاعي؟ فقال: الأوزاعي أثبت، والزبيدي أثبت منه، يعني من ابن عيينة، قال: ومحمد بن أبي حفصة ضعيف الحديث.
قال: وسمعت يحيى بن معين يقول: يونس شهد الإملاء من الزهري للسلطان، وشعيب شهده ـ أيضاً ـ قال: وعبد الرحمن بن نمر عن الزهري ضعيف الحديث.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد عن يحيى بن معين، قال: ابن أبي ذئب عرض على الزهري، وحديثه عن الزهري ضعيف، ثم قال: يضعفونه في الزهري.

(2/673)


وسئل الجوزجاني: من أثبت في الزهري؟ قال: مالك من أثبت الناس فيه، وكذلك أبو أويس، وكان سماعهما من الزهري قريباً من السواء إذ كانا يختلفان إليه جميعاً، ومعمر، إلا أنه يهم في أحاديث، ويختلف الثقات من أصحاب الزهري، فإذا صحت الرواية عن الزبيدي فهو من أثبت الناس فيه، وكذلك شعيب وعقيل، ويونس بعدهم، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر والليث بن سعد، فأما الأوزاعي فربما يهم عن الزهري، وسفيان بن عيينة كان غلاماً صغيراً حين قدم عليهم الزهري، وإنما أقام يعني الزهري تلك الأيام مع بعض ملوك بني أمية بمكة أياماً يسيرة، وفي حديثه يعني ابن عيينة عن الزهري اضطراب شديد. وسفيان بن حسين وصالح بن أبي الأخضر، وسليمان ابن كثير متقاربون في الزهري، يعني في الضعف، فأما ابن أبي ذئب فقد كان له معه صحبة إلا أنه يحكى عنه أنه لم يسمع من الزهري، ولكن عرض عليه، والزبيدي وشعيب لزماه لزوماً طويلاً، إذ كانا معه في الشام في قديم الدهر، وعقيل قد سأله عن مسائل كثيرة، تدل على خبر به، وكذا أبو أويس لزمه سنة وسنتين، فما وجدت من حديث يحكى عن الزهري ليس له أصل عند هؤلاء فتأن في أمره. وابن إسحاق روى عن الزهري إلا أنه يمضغ حديث الزهري بمنطقه حتى يعرف من رسخ في علمه أنه خلاف رواية أصحابه عنه، وإبراهيم بن سعد صحيح الرواية من الزهري.
وذكر قوماً رووا عن الزهري قليلاً أشياء يقع في قلب المتوسع في حديث الزهري أنها غير محفوظة. منهم، برد بن سنان، وروح بن جناح، وغيرهما، انتهى كلام الجوزجاني.
وكان الإمام أحمد سيىء الرأي في يونس بن يزيد جداً. وقدم عليه معمراً،

(2/674)


وعقيلاً، وشعيب بن أبي حمزة، وقال: عقيل وإبراهيم بن سعد عن الزهري أقل خطأ من يونس. وقال: إسماعيل بن أمية ثبت في الحديث، وهو أحب إلي حديثاً من أيوب بن موسى، وكان ابن عمه.
وقال الذي صح لهشيم عن الزهري أربعة أحاديث، ذكر منها حديث الإفك، وسنذكر كلام أحمد في يونس في موضع آخر ـ إن شاء الله تعالى.
وأما ابن إسحاق وابن أخي الزهري فتكلم أحمد في حديثهما عن الزهري ولينه.
وقال: موسى بن عقبة ما أراه سمع من ابن شهاب إنما هو كتاب نظر فيه.
وقال ابن معين: الأوزاعي في الزهري ليس بذاك، أخذ كتاب الزهري من الزبيدي.
ذكره يعقوب بن شيبة من طريق أبي داود عنه، ثم قال يعقوب: الأوزاعي ثقة ثبت إلا روايته عن الزهري خاصة فإن فيها شيئاً.
وقال يعقوب (بن شيبة) أيضاً ـ ابن أبي ذئب ثقة، وفي روايته عن الزهري خاصة شي.
وقال أبو حاتم الرازي: الزبيدي أثبت من معمر في الزهري خاصة، لأنه سمع منه مرتين.
وقال ابن المبارك وابن مهدي: يونس بن يزيد كتابه صحيح.
وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن عيينة، يقول: كان زياد بن سعد عالماً بحديث الزهري.

(2/675)


وقال عبد الله بن أحمد: (ثنا) إسحاق بن موسى الأنصاري، (ثنا) الوليد بن مسلم، قال: سمعت الأوزاعي يفضل محمد بن الوليد الزبيدي على جميع من سمع من الزهري.
(وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله: ابن أبي ذئب سمع من الزهري) ويزيد بن أبي حبيب لم يسمع من الزهري، إنما هو كتاب.
ونقل عثمان بن سعيد عن يحيى بن معين، قال: معمر أحب إلي من صالح بن كيسان يعني في الزهري.
قال: وابن جريح ليس بشيء في الزهري، وابن إسحاق ليس به بأس، وهو ضعيف الحديث عن الزهري، والماجشون ليس به بأس، ومحمد بن أبي حفصة صويلح ليس بالقوي، وأسامة بن زيد في الزهري ليس به بأس، وابن أخي الزهري ضعيف، وزياد بن سعد في الزهري ثقة، وسليمان بن موسى في الزهري ثقة.
وقال الدارقطني: أبو أويس في بعض حديثه عن الزهري شيء.

(2/676)


أصحاب يحيى بن أبي كثير
قال إسحاق بن هانىء: قلت لأبي عبد الله، يعني أحمد، أيما أحب إليك في حديث يحيى بن أبي كثير؟.
قال: هشام أحب إلي ممن روى عن يحيى بن أبي كثير.
قلت: فحسين المعلم، وحرب بن شداد، وشيبان؟.
قال: هؤلاء ثقات. قلت له: فهمام؟ قال: ليس منهم أصح حديثاً ولا أحب إلي من هشام.
قلت: فأبان العطار؟ قال: هو مثل همام وشيبان.
ونقل الأثرم عن أحمد، قال: هشام الدستوائي أثبت في حديث يحيى من معمر.
وقال أبو زرعة الدمشقي: سألت أحمد عن أصحاب يحيى بن أبي كثير. فقال: هشام، قلت: ثم من؟ قال: أبان. قلت: ثم من؟ فذكر آخر. قلت: فالأوزاعي؟ قال: الأوزاعي إمام.
وذكر أحمد في رواية غير واحد من أصحابه أن الأوزاعي كان لا يقيم حديث يحيى بن أبي كثير. ولم يكن عنده في كتاب، إنما كان يحدث به من

(2/677)


حفظه، ويهم فيه. ويروي عن يحيى بن أبي كثير، عن ابي قلابة، عن أبي المهاجر، وإنما هو أبو المهلب.
وقال البرديجي: أبان العطار أمثل من همام وعكرمة بن عمار. وحديثه عن يحيى بن أبي كثير مضطرب، لم يكن عنده كتاب، قاله الإمام أحمد والبخاري وغيرهما.
قال أبو حاتم الرازي: سألت علي بن المديني: من أثبت أصحاب يحيى بن أبي كثير؟ قال: هشام الدستوائي.
قلت: ثم من؟، قال: ثم الأوزاعي، وحجاج الصواف، وحسين المعلم.
ونقل إبراهيم بن الجنيد عن يحيى بن معين، قال: ما روى أيوب يعني السختياني عن يحيى بن أبي كثير شيئاً فيه خير، ولكن هشام الدستوائي، يعني أن هشاماً هو الثبت في يحيى (ابن أبي كثير) .
أصحاب هشام بن عروة
قال أحمد، في رواية الأثرم كأن رواية أهل المدينة عنه أحسن، أو قال: أصح.
وقال: كان يحيى بن سعيد يرسل الأحاديث التي يسندونها، يعني أنه كان يرسل عن هشام كثيراً.

(2/678)


قال: فقلت له: هذا الاختلاف عن هشام، منهم من يرسل، ومنهم من يسند عنه، من قبله كان؟ فقال: نعم.
وذكر أن عيسى بن يونس أسند عنه ما كان يرسله الناس، كحديث الهدية وغيره.
وقيل له: علي بن مسهر قال: كان علي بن مسهر قد ذهب بصره، فكان يحدثهم من حفظه.
وقال الأثرم ـ أيضاً ـ: قال أبو عبد الله: ما أحسن حديث الكوفيين عن هشام بن عروة، أسندوا عنه أشياء. قال: وما أرى ذاك إلا على النشاط، يعني أن هشاماً ينشط تارة فيسند، ثم يرسل مرة أخرى.
قلت لأبي عبد الله: كان هشام تغير؟ قال: ما بلغني عنه تغير.
وقال أبو عبد الله: ما كان أروى أبا أسامة، يعني عن هشام، روى عنه أحاديث غرائب.

(2/679)


قال: ومالك، يرسل أشياء كثيرة، يسندها غيره.
وقال أيضاً: ما رأيت أحداً أكثر رواية عن هشام بن عروة من أبي أسامة، ولا أحسن رواية منه، ثم ذكر حديث "تركة الزبير" فقال: ما أحسن ما جاء بذلك الحديث وأتمه؟ قال: وحديث الإفك حسنه وجوده. وجوده.
قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: أبو معاوية، صحيح (الحديث) عن هشام؟.
قال: لا، ما هو بصحيح الحديث عنه.
وقال الدارقطني: أثبت الرواة عن هشام بن عروة الثوري، ومالك، ويحيى القطان، وابن نمير، والليث بن سعد.
وقال ابن خراش في تاريخه: هشام بن عروة كان مالك لا يرضاه، وكان هشام صدوقاً، تدخل أخباره في الصحاح، بلغني أن مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق. قدم الكوفة ثلاث قدمات، قدمة كان يقول: حدثني أبي، قال: سمعت عائشة، وقدم الثانية، فكان يقول: حدثني أبي، عن

(2/680)


عائشة، (وقدم الثالثة فكان يقول: أبي، عن عائشة) ، يعني لا يذكر السماع.
قال: وسمع منه بأخرة وكيع، وابن نمير، ومحاضر، انتهى.
وهذا مما يؤيد ما ذكره الإمام أحمد أن حديث أهل المدينة عنه كمالك وغيره، أصح من حديث أهل العراق عنه.
وذكر العقيلي بإسناده عن ابن لهيعة، قال: كان أبو الأسود (يعجب من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، وربما مكث سنة لا يكلمه. وعن ابن) لهيعة عن أبي الأسود، قال: لم يكن عروة يرفع حديث أم زرع إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما كان يقطع به الطريق.
قال العقيلي: لم يأت بحديث أم زرع غير هشام. وأبو الأسود يتيم عروة أوثق من هشام.
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا موسى بن إسماعيل، (ثنا) العوام بن أبي العوام الأعلم، قال: كنت مع الزهري، فقال: أنا أعلم بعروة من هشام.

(2/681)


قال: ورأيت في كتاب علي بن المديني، قال: قال يحيى بن سعيد: رأيت مالك بن أنس في النوم فسألته عن هشام بن عروة، فقال: أما ما حدث به وهو عندنا فهو، أي كأنه صححه، وما حدث به بعدما خرج من عندنا فكأنه يوهنه.
وذكر ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين، قال: حديث معمر عن هشام بن عروة مضطرب، كثير الأوهام.
قال القاضي إسماعيل المالكي: بلغني عن علي بن المديني أن يحيى القطان كان يضعف أشياء حدث بها هشام بن عروة في آخر عمره، لاضطراب حفظه، بعدما أسن، والله أعلم.
وسمعت علي بن نصر وغيره يذكرون نحو هذا، عن يحيى (بن سعيد) .
أصحاب ابن جريج
قال يحيى بن معين: قال لي المعلى الرازي: قد رأيت أصحاب ابن جريج بالبصرة، ما رأيت فيهم أثبت من حجاج بن محمد. قال يحيى: وكنت أتعجب منه، فلما تبينت ذلك إذا هو كما قال: كان أثبتهم في ابن جريج.
وقد قوى أحمد رواية يحيى بن سعيد عنه، وضعف رواية أبي عاصم عنه.

(2/682)


قال الأثرم: قال أبو عبد الله: (كان) يحيى بن سعيد يقول: كان ابن جريج يحدثهم بما لا يحفظ، يشير إلى أنه كان يحدث من كتب غيره، قال: وما كنا نحن نسمع من ابن جريج إلا من حفظه، قال: فقال له إنسان: فلعل ابن جريج حدثكم شيئاً من حفظه من كتب الناس.
ثم قال أبو عبد الله: كان ابن جريج يحدثهم من كتب الناس، سماع أبي عاصم.
وذكر غيره، قال: إلا أيام الحج فإنه كان يخرج كتاب المناسك فيحدثهم به من كتابه.
ونقل ابن أبي مريم عن يحيى بن معين، قال: عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ثقة، وكان أعلم الناس بحديث ابن جريج.
ونقل عبد الله بن أحمد الدورقي، عن ابن معين، قال: عبد الله بن وهب ليس بذاك في ابن جريج، كان يستصغر، يعني لأنه سمع منه وهو صغير.
وقال الحسن بن محمد الصباح: سئل يحيى بن معين عن حجاج بن محمد وأبي عاصم، أيهما أحب إليك في ابن جريج؟ قال: حجاج.
قال مسلم في كتاب التمييز: عبد الرزاق وهشام بن سليمان أكبر في ابن

(2/683)


جريج من ابن عيينة، وعبد الله بن فروخ.
قال الجوزجاني: يروي عن ابن جريج عن عطاء غير حديث لم نجده عند الناس، أحاديثه معضلة، ووثقه غيره، وأثنى عليه ابن أبي مريم ثناء عظيماً.
أصحاب عمرو بن دينار
قال أحمد في رواية الأثرم: أعلم الناس بعمرو بن دينار ابن عيينة، ما أعلم أحداً أعلم به من ابن عيينة.
قيل له: كان ابن عيينة صغيراً. قال: وإن كان صغيراً، فقد يكون صغيراً كيساً.
وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي: سفيان أثبت الناس في عمرو بن دينار وأحسنهم حديثاً.
قال عباس الدوري: سألت يحيى بن معين عن حديث شعبة، عن عمرو بن دينار، والثوري عن عمرو بن دينار، وابن عيينة عن عمرو بن دينار. قال: سفيان بن عيينة أعلمهم بحديث عمرو بن دينار، وهو أعلم بعمرو ابن دينار من حماد بن زيد.
ونقل عثمان الدارمي عن ابن معين، أن ابن عيينة أعلم بعمرو بن دينار من سفيان الثوري، وحماد بن زيد، قيل: فشعبة؟ قال: وأي شيء روى عنه شعبة، إنما روى عنه نحواً من مائة حديث.
وقال ابن المديني: ابن جريج وابن عيينة من أعلم الناس بعمرو بن دينار.

(2/684)


وقال أيضاً: ابن عيينة أعلم بعمرو من حماد بن زيد.
وقال أبو حاتم: ابن عيينة أعلم بحديث عمرو بن دينار من (شعبة) ، وقيل لابن عيينة في حديث لعمرو بن دينار، اختلف فيه ابن جريج وهشيم، فقال ابن عيينة: أنا أحفظ لهذا منهما.
وقال الدارقطني: أرفع الرواة عن عمرو بن دينار، ابن جريج، وابن عيينة، وشعبة، وحماد بن زيد.
وذكر مسلم في كتاب التمييز أن حماد بن سلمة يخطىء في روايته عن عمرو بن دينار كثيراً.
ذكر أهل البصرة أصحاب الحسن بن أبي الحسن، رضي الله عنهـ
ذكر ابن البراء في تاريخه عن علي بن المديني: يونس أثبت في الحسن من ابن عون، ويزيد بن إبراهيم ثبت في الحسن، وابن سيرين وهشام عن الحسن عامتها تدور على حوشب، يعني هشام بن حسان.

(2/685)


وروى صالح بن أحمد عن علي بن المديني، سمعت عرعرة بن البرند قال: قال لي عباد بن منصور: ما رأيت هشام بن حسان عند الحسن قط. قال: سألت جرير بن حازم، فقال: قاعدت الحسن سبع سنين ما رأيت هشاماً عنده قط، فقلت: يا أبا النضر، قد حدثنا عن الحسن بأشياء، ورويناها عنه، فعمن تراه أخذها؟ قال: أراه أخذها عن حوشب.
وقال يعقوب بن سفيان: قال ابن المديني: أصحاب الحسن حفص (المنقري) ، ثم قتادة، وحفص فوقه، ثم قتادة بعده، ويونس وزياد الأعلم، وكان حفص في الحسن مثل ابن جريج في عطاء، وبعد هؤلاء أشعث بن عبد الملك ويزيد بن إبراهيم وقرة طبقة، وأبو الأشهب وجرير بن حازم طبقة، وأبو حرة (وهشام بن حسان في الحسن طبقة، وسلام بن مسكين والسري

(2/686)


ابن يحيى طبقة) ، وأبو هلال فوق مبارك، ومبارك أحب إلي من الربيع، يعني ابن صبيح.
وقال أحمد: ما في أصحاب الحسن أثبت من يونس، ولا أسند عن الحسن من قتادة.
وقال حرب: سئل أحمد عن أصحاب الحسن فقال: لا يعدل أحد يونس.
قال: وأيوب، وابن عون، وهشام، هؤلاء أصحاب محمد، يعني ابن سيرين.
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين: يونس بن عبيد أحب إليك في الحسن أو حميد؟
قال: كلاهما. قال عثمان: يونس أكبر بكثير.
قلت ليحيى: فحميد أحب إليك فيه أو حبيب بن الشهيد؟ قال: كلاهما.
قال عثمان: وحبيب أحب إلينا.
قال: قلت: سلام بن مسكين؟ قال: ثقة.
قلت: سلام أحب إليك في الحسن، أو المبارك؟ قال: سلام.

(2/687)


أصحاب محمد بن سيرين، رحمه الله تعالى
قال ابن المديني: أحاديث هشام بن حسان عن محمد صحاح، قال: ونسخت من كتاب: ليس أحد أثبت في ابن سيرين من أيوب وابن عون إذا اتفقا، وإذا اختلفا فأيوب أثبت، وهشام أثبت من خالد الحذاء في ابن سيرين، وكلهم ثبت، وكذلك سلمة بن علقمة، وعاصم الأحول، وليس في القوم مثل أيوب وابن عون، وهشام الدستوائي ثبت.
وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين، يقول: إذا اختلف ابن عون وأيوب في الحديث، فأيوب أثبت منه.
وقال البرديجي: أحاديث هشام عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثرها صحاح، غير أن هشام بن حسان دون أيوب ويونس، وابن عون وسلمة بن علقمة، وعوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة فيها صحاح وفيها منكرة ومعلولة. وعوف صدوق، ويزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة صحيح، إذا لم يكن الحديث منكراً أو مضطرباً أو معلولاً، انتهى.
وقد تكلم قوم في رواية هشام بن حسان (عن محمد بن سيرين، قال ابن معين: زعم معاذ بن معاذ، قال: كان شعبة يتقي حديث هشام بن حسان) عن عطاء ومحمد والحسن.
وقال وهيب: سألني سفيان أن أفيده عن هشام بن حسان، قلت: لا أستحله فأفدته عن أيوب، عن محمد، فسأل عنها هشاماً.
قال (المروزي) : سألت أبا عبد الله عن هشام بن حسان، فقال: أيوب

(2/688)


وابن عون أحب إلي، وحسن أمر هشام، وقال: قد روى أحاديث رفعها أوقفوها، وقد كان مذهبهم أن يقصروا بالحديث ويوقفوه.
وقال عثمان الدارمي: قلت ليحيى: هشام أحب إليك في ابن سيرين، أو يزيد بن إبراهيم؟ قال: كلاهما ثبتان.
قال عثمان: وسمعت أبا الوليد الطيالسي يقول: يزيد بن إبراهيم أثبت ـ عندنا ـ من هشام بن حسان.
قال عثمان: وسألت يحيى عن (يحيى) بن عتيق، قال: ثقة. قلت: هو أحب إليك في ابن سيرين أو هشام بن حسان؟ قال: ثقة وثقة.
قال عثمان: يحيى خير.
قلت: هشام بن حسان أحب إليك أو جرير بن حازم؟ قال: هشام أحب إلي.
قلت: فيزيد بن إبراهيم أحب إليك أو جعفر بن حيان؟ قال: يزيد أحب إلي.
قلت: داود أحب إليك أو خالد الحذاء؟ قال: داود أحب إلي.
وقال الدارقطني: أثبت أصحاب ابن سيرين، أيوب، وابن عون، وسلمة بن علقمة، ويونس بن عبيد.

(2/689)


أصحاب ثابت البناني
وفيهم كثرة، وهم ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى:
(الثقات) : كشعبة، وحماد بن زيد، وسليمان بن المغيرة، وحماد بن سلمة، ومعمر، وأثبت هؤلاء كلهم في ثابت حماد بن سلمة، كذا قال أحمد في رواية ابن هانىء: ما أحد روى عن ثابت أثبت من حماد بن سلمة.
وقال ابن معين: حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت البناني.
وقال ـ أيضاً ـ: حماد بن سلمة أعلم الناس بثابت، ومن خالف حماد بن سلمة في ثابت، فالقول قول حماد.
وقال ابن المديني: لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة، ثم من بعده سليمان بن المغيرة، ثم من بعده حماد بن زيد، وهي صحاح، يعني أحاديث هؤلاء الثلاثة عن ثابت.
وقال أبو حاتم الرازي: حماد بن سلمة في ثابت وعلي بن زيد أحب إلي من همام، وهو أحفظ الناس، وأعلم الناس بحديثهما، بين خطأ الناس، يعني أن من يخالف حماداً في حديث ثابت وعلي بن زيد قدم قول حماد عليه، وحكم بالخطأ على مخالفه.
وحكى مسلم في كتاب التمييز إجماع أهل المعرفة على أن حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت، وحكى ذلك عن يحيى القطان، وابن معين، وأحمد وغيرهم من أهل المعرفة.

(2/690)


وقال الدارقطني: حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت.
قال ابن المديني: وروى حميد عن ثابت شيئاً، وأما جعفر يعني ابن سليمان فأكثر عن ثابت، وكتب مراسيل. وكان فيها أحاديث مناكير عن ثابت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
"ليسأل أحدكم ربه حتى يسأله شسع نعله والملح".
قال علي: وفي أحاديث معمر عن ثابت أحاديث غرائب، ومنكرة.
وذكر علي أنها تشبه أحاديث أبان بن أبي عياش.
وقال العقيلي: أنكرهم رواية عن ثابت معمر.
وذكر ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين، قال: حديث معمر، عن ثابت مضطرب كثير الأوهام.
الطبقة الثانية:
الشيوخ مثل الحكم بن عطية.
وقد ذكر أحمد الحكم بن عطية، (فقال: هؤلاء الشيوخ يخطئون على

(2/691)


ثابت، وذكر للحكم بن عطية) عن ثابت، عن أنس أحاديث مناكير.
وقال: سهيل بن أبي حزم يروي عن ثابت منكرات.
وقال في عمارة بن زاذان: يروي عن ثابت أحاديث مناكير، ثم قال: هؤلاء الشيوخ رووا عن ثابت، وكان ثابت جل حديثه عن أنس فحملوا حديثه عن أنس.
قال: ويوسف بن عبدة يروي عن حميد وثابت أحاديث مناكير بالتوهم، ليس هي عندي من حديث حميد، ولا ثابت، انتهى.
ومنهم حماد بن يحيى الأبح، له أوهام عن ثابت: منها: حديثه عن أنس مرفوعاً، حديث: "مثل أمتي مثل المطر".

(2/692)


والصواب: عن ثابت عن الحسن مرسلاً.
كذا رواه حماد بن سلمة عن ثابت، وتقدم هذا الحديث في كتاب الأمثال.
الطبقة الثالثة:
الضعفاء، والمتروكون، وفيهم كثرة.
كيوسف بن عطية الصفار، قال ابن هانىء: قال أحمد: كان (حماد) ثبتاً في حديث ثابت البناني وبعده سليمان بن المغيرة، وكان ثابت يحيلون عليه في حديث أنس، وكل شيء لثابت روى عنه، يقولون: ثابت عن أنس.
وقال أحمد، في رواية أبي طالب: أهل المدينة إذا كان الحديث غلطاً، يقولون: ابن المنكدر عن جابر. وأهل البصرة ثابت عن أنس، يحيلون علهما.
ومراد أحمد بهذا كثرة من يروي عن ابن المنكدر من ضعفاء أهل المدينة، وكثرة من يروي عن ثابت من ضعفاء أهل البصرة، وسيىء الحفظ والمجهولين منهم، فإنه كثرت الرواية عن ثابت من هذا الضرب، فوقعت المنكرات في حديثه، وإنما أتى من جهة من روى عنه من هؤلاء.
ذكر هذا المعنى ابن عدي وغيره.
ولما اشتهرت رواية ابن المنكدر عن جابر، ورواية ثابت عن أنس صار

(2/693)


كل ضعيف وسيىء الحفظ إذا روى حديثاً عن ابن المنكدر يجعله عن جابر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإن رواه عن ثابت، جعله عن أنس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
هذا معنى كلام الإمام أحمد، والله أعلم.
أصحاب قتادة بن دعامة السدوسي
قال إبراهيم بن الجنيد، عن يحيى بن معين: سعيد بن أبي عروبة أثبت الناس في قتادة.
وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: أثبت الناس في قتادة ابن أبي عروبة. وسمعته يقول: همام في قتادة أحب إلي من أبي عوانة.
وسئل يحيى بن معين عن أبان وهمام أيهما أحب إليك؟ فقال: كان يحيى القطان يروي عن أبان، وكان أحب إليه. وأما همام فهو أحب إلي.
وقال أحمد، في رواية الأثرم: إذا خالف أبو عوانة وأبان العطار سعيداً أعجبني ذلك يعني حديثهما: قال: لأنه يكون مما قد حفظناه.
قال أحمد: قال عفان: قال أبو عوانة: كان قتادة يقول لي: لا تكتب عني شيئاً، فسمعت منه، وحفظت، ثم نسيت بعد، فجلست إلى سعيد، فجعل يحدث عن قتادة بما أعرف، أو نحو هذا.
وقال إسحاق بن هانىء: سألت أبا عبد الله، قلت: أيما أحب إليك في حديث قتادة؟ سعيد بن أبي عروبة، أو (همام) أو (شعبة) أو الدستوائي؟

(2/694)


فسمعته يقول: قال عبد الرحمن بن مهدي: سعيد عندي في الصدق مثل قتادة وشعبة ثبت، ثم همام.
قلت: والدستوائي؟ قال: والدستوائي ـ أيضاً ـ.
وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن معين: شعبة أحب إليك في قتادة أو هشام؟.
قال: كلاهما.
قال عثمان بن سعيد: هشام في قتادة أكبر من شعبة.
وقال البرديجي: شعبة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن أنس صحيح، فإذا ورد عليك حديث لسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس مرفوعاً، وخالفه هشام وشعبة حكم لشعبة وهشام على سعيد، وإذا روى حماد بن سلمة وهمام وأبان ونحوهم من الشيوخ عن قتادة (عن أنس) عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخالف سعيد أو هشام أو شعبة، فإن القول قول (هشام) وسعيد، وشعبة على الانفراد، فإذا اتفق هؤلاء الأولون (وهم همام وأبان وحماد) على حديث مرفوع، وخالفهم شعبة وهشام وسعيد، أو شعبة أو هشام وحده، أو سعيد وحده، توقف عن الحديث، لأن هؤلاء الثلاثة (شعبة، وسعيد، وهشام) أثبت من همام وأبان وحماد.
قلت: مراده، أن (الحفاظ من أصحاب قتادة ثلاثة) : شعبة، وسعيد، وهشام، والشيوخ من أصحابه مثل حماد بن سلمة، وهمام، وأبان، ونحوهم.

(2/695)


فأما الحفاظ الثلاثة، فإذا روى سعيد حديثاً عن قتادة وخالفه فيه شعبة وهشام، فالقول قولهما.
وسيأتي فيما بعد قوله إن القول قول رجلين من الثلاثة، من غير تعيين وقوله أيضاً: إنه إذا روى هشام وسعيد (بن أبي عروبة) شيئاً وخالفهما شعبة، فالقول قولهما، وأما إذا اختلف الثلاثة فسيأتي قوله: إنه يتوقف عن الحديث، وإن خالف هشام شعبة فقد حكى فيما بعد فيه قولين:
أحدهما: القول قول شعبة.
والثاني: التوقف.
وأما الشيوخ فإذا روى أحدهم حديثاً، وخالفه واحد من الحفاظ الثلاثة، فالقول قول ذلك الحافظ، فإذا اتفق الشيوخ الثلاثة على حديث، وخالفهم الحفاظ الثلاثة أو أحدهم، توقف عن الحديث، ففرق بين أن ينفرد شيخ بحديث يخالفه فيه حافظ، فإنه حكم بأن القول قول الحافظ، وبين أن يجتمع الشيوخ على حديث ويخالفهم الحفاظ أو بعضهم، فقال: يتوقف فيه.
وهذا بخلاف قول أحمد، إنه إذا اختلف سعيد بن أبي عروبة مع أبي عوانة وأبان، أنه يعجبه قو ل الشيخين، كما سبق عنه.
وقال البرديجي: ـ أيضاً ـ أصح الناس رواية عن قتادة شعبة، كان يوقف قتادة على الحديث.
قلت: كأنه يعني بذلك اتصال حديث قتادة، لأن شعبة كان لا يكتب عن قتادة إلا ما يقول فيه: (حديثاً) ، ويسأله عن سماعه.
(فأما حفظ) حديثه، فقد تقدم عن أحمد وغيره أن سعيد ابن

(2/696)


أبي عروبة أحفظ له، ولكن ظاهر كلام البرديجي خلاف هذا، وأن شعبة أثبت في قتادة وسيأتي من كلامه ما يبينه.
ثم قال البرديجي: فإذا أردت أن تعلم صحيح حديث قتادة فانظر إلى رواية شعبة وسعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي، فإذا اتفقوا فهو صحيح. وإذا خالف هشام (قول) شعبة (فالقول قول شعبة، وقال بعضهم) : يتوقف عنه، وإذا اتفق هشام و (سعيد) (بن أبي عروبة) من رواية أهل التثبت عنهما وخالفهما شعبة كان القول قول (هشام وسعيد) ، غير أن شعبة من أثبت الناس في قتادة ولا يلتفت (إلى رواية الفرد عن شعبة) ممن ليس له حفظ، ولا تقدم في الحديث (من أهل الاتقان) .
وقال البرديجي: ـ أيضاً ـ: (أحاديث) شعبة، عن قتادة، عن أنس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلها صحاح، وكذلك سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، إذا اتفق هؤلاء الثلاثة على الحديث فهو صحيح وإذا اختلفوا في حديث واحد، فإن القول فيه قول رجلين من الثلاثة، فإذا اختلف الثلاثة توقف عن الحديث، وإذا انفرد واحد من الثلاثة في حديث نظر فيه: فإن كان لا يعرف من الحديث إلا من طريق الذي رواه كان منكراً.
وأما أحاديث قتادة، التي يرويها الشيوخ، مثل حماد بن سلمة، وهمام، وأبان، والأوزاعي، فينظر في الحديث: فإن (كان) الحديث يحفظ من غير طريقهم عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وعن أنس بن مالك، من

(2/697)


وجه آخر، لم (يدفع) ، وإن كان لا يعرف عن أحد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا من طريق عن أنس إلا من رواية هذا الذي ذكرت لك كان منكراً. انتهى.
وقد (سبق) ذكر ذلك في الكلام على المنكر، وما فيه من اختلاف الحفاظ (في) ذلك.
وقال ابن معين: قال شعبة: هشام الدستوائي أعلم بقتادة، وبأكثر مجالسه له مني.
قال أحمد في رواية حرب: أصحاب قتادة شعبة وسعيد وهشام، إلا أن شعبة لم يبلغ علم هؤلاء، كان سعيد يكتب كل شيء.
قال أحمد: وقال عفان: وذكر حديثاً، فقال: أصاب همام وأخطأ هشام وسعيد.
وذكر مسلم في كتاب التمييز أن حماد بن سلمة عندهم يخطىء في حديث قتادة كثيراً.
وقال الدارقطني في العلل: معمر سيىء (الحفظ) (الحديث) قتادة والأعمش.
وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى (بن معين) (يقول) : قال معمر: جلست إلى قتادة وأنا صغير، فلم أحفظ عنه (الأسانيد) .

(2/698)


ونقل الأثرم عن أحمد، قال: عمرو بن الحارث روى عن قتادة (مناكير، وقال) في جرير بن حازم: كان يحدث بالتوهم أشياء عن قتادة (يسندها بواطيل) ، وكذلك ضعف يحيى وغيره حديث جرير عن قتادة (خاصة وسليمان التيمي.
قال الأثرم: حديثه عن قتادة مضطرب) .
وفي تاريخ الغلابي: يزيد بن إبراهيم عن قتادة ليس بذاك.
والظاهر أنه حكاه عن ابن معين.
أصحاب أيوب السختياني
قال الإمام أحمد: ما عندي أعلم بحديث أيوب من حماد بن زيد، (وقد أخطأ في غير شيء) .
وقال ابن معين: ليس أحد أثبت في أيوب من حماد بن زيد.
وقال سليمان بن حرب: وحماد بن زيد في أيوب أكبر من كل من روى عن أيوب.
وقال ابن معين: إذا اختلف إسماعيل بن علية، وحماد بن زيد في أيوب، كان القول قول حماد.
قيل ليحيى: فإن خالفه سفيان الثوري؟ قال: فالقول قول حماد بن زيد في أيوب.
قال يحيى: ومن خالفه من الناس جميعاً في أيوب فالقول قوله.

(2/699)


وهذا القول اختيار ابن عدي وغيره.
وقال النسائي: أثبت أصحاب أيوب حماد بن زيد، وبعده عبد الوارث وابن علية.
ورجحت طائفة ابن علية على حماد.
قال البرديجي: ابن علية أثبت من روى عن أيوب، وقال بعضهم: حماد بن زيد.
قال: ولم يختلفا إلا في حديث أوقفه ابن علية، ورفعه حماد، وهو حديث أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "ليس أحد منكم ينجيه عمله"، قالوا: ولا أنت؟.
قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل" انتهى.
وليس وقف هذا (الحديث) مما يضر، فإن ابن سيرين كان يقف الأحاديث كثيراً، ولا يرفعها والناس كلهم يخالفونه ويرفعونها.
قلت: وقد اختلفا أيضاً في أحاديث أخر، منها حديث أيوب عن نافع،

(2/700)


عن ابن عمر، "أن عمر قبل الحجر" كذا رواه حماد بن زيد عن أيوب، ورواه ابن علية عن أيوب (عن نافع عن ابن عمر) ، (قال: ثبت) أن عمر قبل الحجر.
وذكر شعيب بن حرب حماد بن زيد وابن علية (فقدم ابن علية، وقال) هو أثبتهم في الحديث.
وقال غندر: نشأت (في الحديث يوم نشأت وليس) أحد يقدم في الحديث على إسماعيل بن علية.
وقال (عيسى بن يونس: إسماعيل) أثبت عندنا من حماد، وحماد وأبي عوانة، وسمى قوماً.
خرج ذلك (كله) يعقوب بن شيبة، وقال: أخبرني الهيثم بن خالد قال: اجتمع حفاظ أهل البصرة، فقال أهل الكوفة لأهل البصرة: نحوا عنا إسماعيل، وهاتوا من شئتم.

(2/701)


وقال عبد الله بن احمد بن حنبل: قال أبي: كان حماد بن زيد لا يعبأ إذا خالفه الثقفي ووهيب، وكان يهاب أو يتهيب إسماعيل بن علية إذا خالفه.
وقال يزيد بن الهيثم: سمعت يحيى بن معين سئل عن أحاديث أيوب، اختلاف ابن علية وحماد بن زيد، فقال: إن أيوب كان يحفظ، وربما نسي الشيء. انتهى.
فنسب الاختلاف إلى أيوب.
وقال أحمد في رواية الميموني: عبد الوارث قد غلط في غير شيء. روى عن أيوب أحاديث لم يروها أحد من أصحابه.
وهو عنده ـ مع هذا ـ ثبت ضابط.
وقال الأثرم، عن أحمد: جرير بن حازم يروي عن أيوب عجائب.
وذكر القواريري عن يحيى بن سعيد أنه كان يثبت عبد الوارث. وإذا خالفه أحد من أصحابه، يقول: ما قال عبد الوارث، انتهى.
ولم يكتب عبد الوارث ولا ابن علية حديث أيوب حتى مات أيوب.
وأما حماد بن زيد، فكان ضريراً، وكان يحفظ، ولم يكن عنده كتاب لأيوب بالكلية.
ونقل عثمان الدارمي عن ابن معين، قال: عبد الوارث مثل حماد. قال: وهو أحب إلي في أيوب من الثقفي، وابن عيينة.
أصحاب شعبة
(قال أحمد في رواية ابن هانىء: ما في أصحاب شعبة) (أقل خطأ من محمد بن جعفر، ولا يقاس بيحيى بن سعيد في العلم أحد) .

(2/702)


وقال صالح بن أحمد: (ثنا) علي بن المديني، قال: ذكرت (ليحيى أصحاب) شعبة، فقال: أنا لا أسمي لك أحداً، كان عامتهم يميلها عليهم (رجل، إلا خالداً ومعاذاً) ، فانا كنا إذا قمنا من عند شعبة جلس خالد ناحية، (ومعاذ ناحية) ليكتب كل واحد منهما بحفظه. وأما أنا فكنت (لا أكتب حتى أجيء إلى البيت) .
قال ابن أبي حاتم (ثنا) أحمد بن منصور المروزي: سمعت سلمة بن سليمان يقول: قال عبد الله بن المبارك: إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم فيما بينهم:
وذكر ابن خراش، عن الفلاس، قال: كان يحيى، وعبد الرحمن ومعاذ، وخالد، وأصحابنا إذا اختلفوا في حديث عن شعبة رجعوا إلى كتاب غندر فحكم عليهم.
وقال العجلي: غندر من أثبت الناس في حدث شعبة.

(2/703)


وقال يزيد بن الهيثم عن يحيى بن معين: لم أر في أصحاب شعبة أحسن حديثاً من أبي الوليد، قيل له: من كان أحب إليك، أبو داود أو بهز؟ قال: أبو داود ثقة، وكان بهز أتقن منه في كل شيء.
وقال عثمان بن سعيد: سألت يحيى بن معين عن أصحاب شعبة، قلت: يحيى القطان أحب إليك في شعبة، أو يزيد بن زريع؟ قال: ثقتان. قلت: فغندر أحب إليك أو محمد بن أبي عدي، قال: ثقتان. قلت: فأبو داود أحب إليك أو حرمى، قال: أبو داود أحب إلي. قلت: فأبو داود أحب إليك فيه أو ابن مهدي؟ قال: أبو داود أعلم به.
قال عثمان: عبد الرحمن بن مهدي أحب إلينا في كل شيء. وأبو داود أكثر الرواية عن شعبة.
قال: سألت يحيى عن أبي عامر العقدي، قال: ثقة. قلت:

(2/704)


فشبابة قال: ثقة. قلت: فمعاذ أثبت في شعبة أو غندر؟ قال: ثقة، وثقة.
وقال أبو مسعود بن الفرات: ما رأيت أحداً أكبر في شعبة من أبي داود.
وقال أحمد: مسكين بن بكير يخطىء عن شعبة.
وقال ابن عدي: أصحاب شعبة معاذ بن معاذ، وخالد بن الحارث ويحيى القطان، وغندر، وأبو داود خامسهم.
ونقل ابن البراء عن ابن المديني، قال: عبد الصمد في شعبة ثبت.

(2/705)


أصحاب معمر (بن راشد)
قال أحمد في رواية إبراهيم الحربي: إذا اختلف أصحاب معمر في شيء فالقول قول ابن المبارك.
وقال ابن عسكر: سمعت (أحمد بن حنبل يقول) : إذا اختلف أصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق.
قال (يعقوب بن شيبة) : عبد الرزاق (متثبت) في معمر، جيد الاتقان.
وسنذكر فيما بعد (ـ إن شاء الله ـ أن من سمع) باليمن منه فهو أصح ممن سمع منه بالبصرة.
وقال ابن معين: أبو سفيان المعمري محمد حميد، صاحب معمر، ثقة وعبد الرزاق أحب إلي منه.
قال الدارقطني: أثبت أصحاب معمر هشام بن يوسف، وابن المبارك.

(2/706)


أصحاب حماد بن سلمة
قال عبد الله بن أحمد: سمعت يحيى بن معين يقول: من أراد أن يكتب حديث حماد بن سلمة، فعليه بعفان بن مسلم.
وقال النسائي: أثبت أصحاب حماد بن سلمة ابن مهدي، وابن المبارك، وعبد الوهاب الثقفي.

(2/707)


ذكر أهل الكوفة:

أصحاب عامر بن شراحيل الشعبي
قال إسحاق بن هانىء: قلت لأبي عبد الله، يعني أحمد: من أحب إليك، يعني من أصحاب الشعبي؟.
قال: إسماعيل أحبهم إلي وأحسنهم حديثاً.
قلت: أيما أحب إليك بيان أو فراس؟ قال: ما منهما إلا ثقة.
(قلت: أيما أحب إليك زكريا أو فراس؟ قال: ما منهما إلا ثقة) وزكريا حسن الحديث.
وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي: أصح الناس حديثاً عن الشعبي إسماعيل بن أبي خالد.
قلت: فزكريا وفراس، وابن أبي السفر.
قال: ابن أبي خالد يشرب العلم شرباً، ابن أبي خالد أحفظهم،

(2/708)


وقال: ابن أبي السفر وزكريا كلاهما كانا يختلفان إلى الشعبي جميعاً.
وحكى عثمان بن سعيد عن يحيى بن معين، قال: إسماعيل بن أبي خالد أحب إلي في الشعبي من الشيباني، وإسماعيل أعلم بالشعبي من ابن عون، قيل له: فراس أحب إليك أو بيان؟ (قال: كلاهما ثقة) .
وقال ابن المديني: سألت يحيى بن سعيد عن زكريا عن الشعبي، (فقال: ليس هو عندي مثل إسماعيل وليس به بأس) .
أصحاب أبي إسحاق السيبعي
واسمه عمرو بن عبد الله.
وقد ذكر الترمذي في كتابه هذا أن الثوري وشعبة أثبت وأحفظ من جميع من روى عن أبي إسحاق.
وقال ابن المديني: سمعت معاذ بن معاذ، وقيل له: أي أصحاب أبي إسحاق أثبت؟.
قال: شعبة، وسفيان، ثم سكت.
وقال ابن أبي خيثمة: سمعت ابن معين، يقول: أثبت أصحاب أبي إسحاق الثوري، وشعبة وهما أثبت من زهير وإسرائيل، وهما قرينان. قال: وسمعت ابن معين يقول: لم يكن أحد أعلم بحديث أبي إسحاق من الثوري.

(2/709)


وقال عثمان الدارمي: سألت يحيى: شعبة أحب إليك في أبي إسحاق، أو سفيان؟ قال: سفيان.
وقال أبو زرعة: أثبت أصحاب أبي إسحاق الثوري، وشعبة، وإسرائيل وشعبة أحب إلي من إسرائيل.
وقال أبو حاتم الرازي: سفيان أتقن أصحاب أبي إسحاق، وهو أحفظ من شعبة. وإذا اختلف الثوري وشعبة، فالثوري.
وقال أبو عثمان البرذعي: سمعت أبا زرعة، يقول: سمعت ابن نمير، يقول: سماع يونس وزكريا وزهير من أبي إسحاق بعد الاختلاط.
وقال أبو زرعة: إذا فات شعبة وسفيان، فزهير خلف، ثم زائدة.
وقال البرديجي: حديث أبي إسحاق من حديث شعبة وسفيان الثوري إذا اتفقا لم يختلفا صحيح، فإذا اختلفا كان القول قول سفيان، لأنه أحفظ الرجلين.
وقد روى عن أحمد أنه يقدم قول شعبة في أبي إسحاق.
قال الميموني: قلت لأبي عبد الله: من أكبر في أبي إسحاق؟ قال: ما (أجد) في نفسي أكبر من شعبة (فيه) ، ثم الثوري، قال: وشعبة أقدم سماعاً من سفيان، قلت: وكان أبو إسحاق قد تأخر، قال: إي والله هؤلاء الصغار زهير (وإسرائيل يزيدون) في الإسناد وفي الكلام.
ونقل جماعة عن أحمد تقديم (شريك على إسرائيل) ، في أبي إسحاق، وقال: أنه أضبط عنه، وأقدم سماعاً.

(2/710)


قال: (ويختلف على إسرائيل) في حديث أبي إسحاق، وقدم شريكاً في أبي إسحاق على (يونس وأبي الأحوص أيضاً، وقال في زهير) وزكريا: ليس حديثهم بالقوي عن أبي إسحاق: وقال: إذا اختلف زكريا وإسرائيل في أبي إسحاق فإن زكريا أحب إلي (في أبي إسحاق) من إسرائيل، ثم قال: ما أقربهما.
ونقل الأثرم عن أحمد، قال: ما أقرب حديث زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، ولكن سماعه ـ عندي ـ مع هؤلاء الذين سمعوه بأخره. قال: وضعف حديث يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، وقال: حديث إسرائيل أحب إلي منه.
ونقل عثمان بن سعيد عن يحيى، قال: شريك أحب إلي في أبي إسحاق من إسرائيل، وهو أقدم.
ونقل الدوري (عنه) ، قال: زكريا، وزهير، وإسرائيل حديثهم عن أبي إسحاق قريب من السواء، سمعوا (منه) بأخرة، إنما صحب أبا إسحاق سفيان وشعبة.
وقال العجلي: رواية زكريا بن أبي زائدة، وزهير بن معاوية وإسرائيل، عن أبي إسحاق قريب من السواء، قال: ويقال: إن شريكاً أقدم سماعاً منه.
وقال ابن المديني: الأعمش يضطرب في حديث أبي إسحاق.

(2/711)


وذكر عثمان بن سعيد عن ابن معين، قال: شريك أحب إلي في أبي إسحاق من إسرائيل وهو أقدم. قيل له: أبو الأحوص أحب إليك فيه أو أبو بكر بن عياش؟ قال: ما أقربهما.
ونقل يزيد بن الهيثم عن يحيى بن معين، قال: شعبة وسفيان في أبي إسحاق جميعاً واحد، يعني: لا يرجح أحدهما على الآخر، قال: وزهير، وإسرائيل، وشريك، وأبو عوانة، في أبي إسحاق واحد، وإسرائيل أقدم من عيسى ليس به بأس.
وقد رجحت طائفة إسرائيل في أبي إسحاق وخاصة على الثوري وشعبة، منهم: ابن مهدي، (وروي عن شعبة) أنه كان يقول في أحاديث أبي إسحاق سلوا عنها (إسرائيل، فإنه) أثبت فيها مني.
وقد سبق ذكر هذا مستوفى أيضاً (في أول الكتاب) في الكلام على حديث ابن مسعود في الاستنجاء بالحجرين وإلقاء الروثة، وفي كتاب النكاح، في الكلام على حديث "النكاح بغير ولي".

(2/712)


أصحاب إبراهيم بن يزيد النخعي
ذكر علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد، قال: ما أحد أثبت عن مجاهد وإبراهيم من منصور، فقلت ليحيى: منصور أحسن حديثاً عن مجاهد من ابن أبي نجيح؟ قال: نعم، وأثبت. وقال: منصور أثبت الناس.
وقال أحمد: حدثني يحيى قال، قال سفيان: كنت إذا حدثت الأعمش عن بعض أصحاب إبراهيم، قال. فإذا قلت: منصور، سكت.
وقال ابن المديني عن يحيى عن سفيان، قال: كنت لا أحدث الأعمش عن أحد إلا رده، فإذا قلت: منصور، سكت.
وذكر ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين، قال: لم يكن أحد أعلم بحديث منصور من سفيان الثوري.
ورجحت طائفة الأعمش على منصور في حفظ إسناد حديث النخعي.
قال وكيع: الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور.
وقد ذكره الترمذي في باب التشديد في البول من كتاب الطهارة

(2/713)


واستدل به على ترجيح قول الأعمش في حديث ابن عباس "في القبرين"، سمعت مجاهداً يحدث عن طاوس عن ابن عباس. وأما نصور فرواه عن مجاهد عن ابن عباس.
وكذلك ذكره أيضاً في كتاب الصيام، في باب صيام العشر، واستدل به على ترجيح رواية الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، ما رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صائماً في العشر قط، على قول منصور، فإنه أرسله.
ورجحت طائفة الحكم.
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي: من أثبت الناس في إبراهيم، قال: الحكم ثم منصور. (وقال أيضاً قلت لأبي: أي أصحاب إبراهيم أحب إليك؟ قال: الحكم ثم منصور ما أقربهما، ثم قال: كانوا) يرون أن عامة حديث

(2/714)


أبي معشر إنما هو عن حماد، يعني (ابن أبي سليمان) .
وقال حرب عن أحمد: كان يحيى بن سعيد يقدم منصوراً (والحكم على الأعمش) .
قال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: أي أصحاب (إبراهيم أحب إليك؟ قال) : الحكم ومنصور. قلت: أيهما (أحب إليك؟ قال: ما أقربهما.
وقال عثمان الدارمي: قلت ليحيى بن معين: ألحكم) أحب إليك في إبراهيم أو فضيل بن عمرو؟ قال: الحكم أعلم.
أصحاب الأعمش
وهو سليمان بن مهران الكاهلي.
قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: لم يكن أحد أعلم بحديث الأعمش من سفيان الثوري.
قال: وسمعت يحيى بن معين يقول: أبو معاوية كنا إذا ذاكرناه حديث الأعمش، فكأنا لم نسمع الحديث، يشير إلى كثرة حديثه، وسعة حفظه.
قال ابن أبي حاتم: (ثنا) أحمد بن سنان الواسطي، سمعت

(2/715)


عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما رأيت سفيان لشيء من حديثه أحفظ منه لحديث الأعمش.
قال: (ثنا) أبي، (ثنا) أبو بكر الأعين، قال: سمعت أحمد بن حنبل، وقلت له: من أحب الناس إليك في حديث الأعمش؟ قال: سفيان، قلت: شعبة؟. قال: سفيان.
(ثنا) محمد بن إبراهيم (أنا) عمرو بن علي. قال: سمعت أبا معاوية يقول: كان سفيان يأتيني ههنا، فيذاكرني بحديث الأعمش، فما رأيت أحداً أعلم بحديث الأعمش منه.
وقال علي: قال يحيى بن سعيد: سماعي من سفيان عن الأعمش أحب إلي من سماعي من الأعمش.
قال ابن أبي حاتم وسمعت أبي، يقول: احفظ أصحاب الأعمش الثوري.
وقال يعقوب بن شيبة: سفيان الثوري، وأبو معاوية، مقدمان في الأعمش على جميع من روى عن الأعمش.
وذكر عن علي بن المديني. قال: كان أبو معاوية (حسن) الحديث عن الأعمش، حافظاً عنه.
وذكر بإسناده عن جرير بن عبد الحميد، قال: أبو معاوية حفظ حديث الأعمش، ونحن أخذناها (من الرقاع) .

(2/716)


وقال عبد الله بن أحمد، عن أبيه، قال أبو معاوية: كنا إذا قمنا من عند (الأعمش كنت أمليها) عليهم، قال أبي: أبو معاوية من أحفظ أصحاب الأعمش قلت له: مثل سفيان؟ قال: لا، سفيان في طبقة أخرى، مع أن أبا معاوية يخطىء في أحاديث من أحاديث الأعمش.
وقال عبد الله ـ أيضاً ـ: قال أبي في أصحاب الأعمش: سفيان أحبهم إلي، وأبو معاوية في الكثرة والعلم بالأعمش.
ونقل عثمان بن سعيد عن يحيى بن معين، قال: سفيان أحب إلي في الأعمش من شعبة.
قال: وأبو عوانة أحب إلي فيه من عبد الواحد، وأبو شهاب أحب إلي من أبي بكر بن عياش في كل شيء، يعني في الأعمش، وغيره.
قال: وأبو بكر وأبو الأحوص، ما أقربهما، وقطبة وحفص ثقتان.
وقال حرب، عن أحمد: أبو معاوية أثبت في الأعمش من جرير، وقيل لأحمد: أبو معاوية فوق شعبة يعني في الأعمش؟ قال: أبو معاوية في الكثرة وعلمه بالأعمش، وشعبة صاحب حديث يؤدي الألفاظ والأخبار، وابو معاوية (عن، عن) . وقيل له: بعد أبي معاوية، شعبة أثبت؟ قال: شعبة أثبت في كل شيء، وقد غلط شعبة في بعض ما روى عن الأعمش، وكان زائدة من أصح

(2/717)


الناس حديثاً عن الأعمش، ما خلا الثوري، قال: وجرير لم يكن بالضابط عن الأعمش، وقال: أبو معاوية عنده أحاديث يقلبها عن الأعمش.
وقال أبو بكر الخلال: أحمد لا يعبأ بمن خالف أبا معاوية في حديث الأعمش، إلا أن يكون الثوري.
وقال يعقوب بن شيبة: عبيد الله بن موسى، ومحاضر، ومندل، وأبو معاوية، ووكيع، وابن نمير، ويحيى بن عيسى كل هؤلاء ثقة في الأعمش.
قال: وقد تكلم في رواية وكيع عن الأعمش بشيء دفعه عيسى بن يونس.
حدثني أحمد بن داود (الحداني) ، قال: قيل لعيسى بن يونس، وأنا أسمع: إن وكيعاً سمع من الأعمش، وهو صغير، قال: لا تقولوا ذاك، إنه كان ينتقيها ويعرفها (أو قال ينقيها) .
قال ابن أبي حاتم: (ثنا) محمد بن سعيد المقري، قال: سئل، عبد الرحمن، من أثبت في الأعمش بعد الثوري؟

(2/718)


قال: ما أعدل بوكيع أحداً، قال له رجل: يقولون: أبو معاوية. قال: فنفر من ذلك.
وقال: أبو معاوية عنده كذا وكذا وهماً.
وأما حفص بن غياث فقد كان أحمد وغيره يتكلمون في حديثه، لأن حفظه كان فيه شيء.
وقدمه غيرهم، قال أبو عبيد الآجري عن أبي داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يقدم بعد الكبار من أصحاب الأعمش غير حفص بن غياث، قال أبو داود سمعت عيسى بن شاذان يقدم حفصاً.
وكان بعضهم يقدم أبا معاوية.
وقال ابن خراش: بلغني عن علي بن المديني، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أوثق اصحاب الأعمش حفص بن غياث، قال علي: فأنكرت ذلك، ثم قدمت الكوفة بأخرة فأخرج إلى عمر بن حفص كتاب أبيه عن الأعمش، فجعلت أترحم على يحيى، وقلت لعمر: سمعت يحيى يقول: حفص أوثق اصحاب الأعمش ولم أعلم حتى رأيت كتابه.
وروى محمد بن عبد الرحيم البزار عن علي بن المديني، قال: كان يحيى يقول: حفص ثبت، ثم ذكر معنى حكاية ابن خراش، وهذه أصح، وتلك منقطعة.

(2/719)


وقال ابن معين: حفص أثبت من عبد الواحد بن زياد، وهو أثبت من عبد الله بن إدريس.
وقال الدارقطني: ارفع الرواة عن الأعمش الثوري وأبو معاوية ووكيع ويحيى القطان وابن فضيل. وقد غلط عليه في شيء.
وقال ابن عمار: قال أبو معاوية: كان أهل خراسان يجيئون إلى الأعمش ليسمعوا منه فلا يقدرون، فكانوا يجيئون يسمعون من شعبة عن الأعمش. فكان شعبة لا يحدثهم حتى يقعدني معه، فيقول: يا أبا معاوية، أليس هو كذا وكذا؟ فإن قلت: نعم (حدثهم) .
قال ابن عمار: إنما يراد من هذا أن أبا معاوية كان أثبت في الأعمش من (شعبة) .
وسئل أحمد بن الحسن السكري الحافظ: من أحب إليك في اصحاب الأعمش؟ قال أبو معاوية أعرف به، وأما معمر في الأعمش فهو (سيىء الحفظ جداً) ، وكذا ذكره ابن معين والأثرم والدارقطني.
وقال ابن عسكر: سمعت أحمد يقول: أحاديث معمر عن الأعمش التي يغلط فيها ليس هو من عبد الرزاق إنما هو من معمر، يعني الغلط.

(2/720)


أصحاب منصور بن المعتمر
قال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن معين: جرير أحب إليك في منصور أم شريك؟ قال: جرير أعلم به.
قلت: فشريك أحب إليك في منصور او أبو الأحوص؟ قال: شريك أعلم به.
قال عثمان: وأراه قال: وكم روى أبو الأحوص عن منصور؟
وروى أبو يعلى الموصلي عن يحيى بن معين معناه، إلا أنه قال: أحب إلي بدل قوله أعلم به.
وكذا روى يزيد بن الهيثم (عن يحيى) وليس في روايتهما التخصيص بمنصور.
وكذا قال أبو حاتم: شريك أحب إلي من أبي الأحوص. انتهى.
ومعمر في منصور كأنه ليس بالقوي، فإن معمراً روى عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن جابر "أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا سجد جافى".
ورواه سفيان عن منصور، عن إبراهيم مرسلاً.
والصحيح عند أحمد وابن معين قول سفيان في هذا، وحديث معمر عندهما خطأ.
وقال الدارقطني: أثبت أصحاب منصور، الثوري، وشعبة، وجرير الضبي.

(2/721)


أصحاب سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله
قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين، وسئل عن اصحاب الثوري: أيهم أثبت؟
قال: هم خمسة، يحيى بن سعيد، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، فأما الفريابي، وأبو حذيفة، وقبيصة، وعبيد الله، وأبو عاصم، وأبو أحمد الزبيري، وعبد الرزاق، وطبقتهم، فهم كلهم في سفيان بعضهم قريب من بعض وهم ثقات كلهم. دون أولئك في الضبط والمعرفة.
وقال عثمان بن سعيد: سألت (يحيى) بن معين عن أصحاب سفيان، قلت: (يحيى) أحب إليك في سفيان أو عبد الرحمن؟.
قال: يحيى. قلت: فعبد الرحمن أحب إليك أو وكيع؟ قال:

(2/722)


(وكيع) ، (قلت: فوكيع أحب إليك أو أبو نعيم؟ قال: وكيع) .
قلت: فالأشجعي؟ قال: صالح ثقة.
قلت: فمعاوية بن هشام؟ قال: صالح، وليس بذاك.
قلت: فالزبيري؟ يعني أبا أحمد، قال: ليس به بأس.
قلت: فأبو إسحاق الفزاري؟ قال: ثقة ثقة.
قلت: فأبو داود الحفري؟ قال: ثقة.
قلت: فيحيى بن يمان؟ قال: أرجو أن يكون صدوقاً.
قلت: فكيف هو في حديثه؟ قال: ليس بالقوي.
قلت: فعبيد الله؟ قال: ثقة، ما أقربه من ابن اليمان.

(2/723)


(قلت: فقبيصة؟ قال: مثل عبيد الله) .
قلت: فالفريابي؟ قال مثلهم.
قلت: فعبد الرزاق عن سفيان؟ قال: مثلهم.
قلت: فأبو حذيفة؟ قال: مثلهم.
قلت: ما حال المؤمل في سفيان؟ قال: هو ثقة) .
قلت: هو أحب إليك أو عبيد الله؟ فلم يفضل أحدهما على الآخر.
قلت: ابن المبارك أعجب إليك، أم وكيع؟ فلم يفضل.
قلت: يحيى بن آدم ما حاله في سفيان؟ قال: ثقة.
وقال أبو حاتم الرازي: سألت علي بن المديني: من أوثق أصحاب الثوري؟ قال: يحيى القطان. وعبد الرحمن بن مهدي.
وذكر صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال: (عبد الرحمن) ، بن مهدي أقل سقطاً من وكيع في سفيان، قد خالفه وكيع في ستين حديثاً من حديث سفيان، وكان عبد الرحمن يجيء بها على ألفاظها، قيل له: فأبو نعيم؟ قال: أين يقع أبو نعيم من هؤلاء؟.
وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: (خالف وكيع: ابن مهدي في نحو من ستين حديثاً من حديث سفيان، ثم سمعت أبي يقول) بعد ذلك: هي أكثر من ستين، وأكثر من ستين، وأكثر من ستين.

(2/724)


قال: وكان عبد الرحمن بن مهدي عند أبي أكثر (إصابة) من وكيع، يعني في حديث سفيان خاصة.
وقال حرب عن أحمد: ليس من (أصحاب سفيان) أعلى من يحيى وقال: ما أثبت أبا نعيم وأكيسه، ولا نقدمه على (ابن مهدي) . (قلت لأحمد: أيهما أثبت يحيى بن سعيد أو عبد الرحمن بن مهدي؟ قال: كانا ثبتين، ولكن عبد الرحمن أعلم بعلم الثوري. قلت: أيهما أثبت: عبد الرحمن أو أبو نعيم؟ قال: ما منهما إلا ثبت) .
وقال ابن أبي حاتم: قيل لأبي: قال يحيى بن معين: وكيع أحب إلي في سفيان من ابن مهدي، فأيهما أحب إليك، قال: عبد الرحمن ثبت، ووكيع ثقة.
وهذا الكلام يدل على ترجيح عبد الرحمن عند أبي حاتم.
وقال إسحاق بن هانىء: قلت لأبي عبد الله: أيما أثبت في سفيان الثوري أبو نعيم أو وكيع؟ قال: لا يقاس بوكيع. قلت: إخاله في الصلاح لا يقاس بوكيع، فإيما أصح حديثاً؟ فقال: أبو نعيم أصح حديثاً، ثم ابتدأ فذكر الفريابي، فقال: ما رأيت أكثر خطأ في الثوري من الفريابي.
وقال العجلي: قال لي بعض البغداديين: أخطأ الفريابي في خمسين ومائة حديث من حديث سفيان.

(2/725)


وضعف ابن معين قبيصة في سفيان. وقال في محمد بن عبيد الطنافسي: هو كثير الخطأ عن سفيان الثوري.
وأما أبو حذيفة: فضعفه جماعة في سفيان.
قال عبد الله بن أحمد، عن أبيه: قبيصة أثبت حديثاً في سفيان من أبي حذيفة، أبو حذيفة شبه لا شيء.
وقال الجوزجاني: سمعت أحمد يقول: كأن سفيان الذي يحدث عنه أبو حذيفة ليس هو سفيان الثوري الذي يحدث عنه الناس.
قال العقيلي: جاء عن سفيان بأحاديث بواطيل، لم يحدث بها عن سفيان غيره.
وقال ابن معين: أبو داود الحفري والفريابي وقبيصة وأبو حذيفة حديثهم بعضه قريب من بعض في الضعف.
وضعف أحمد سماع عبد الرزاق من سفيان بمكة، دون ما سمع منه باليمن.
وقال العجلي: الفريابي ويحيى بن آدم وأبو أحمد الزبيري، وقبيصة بن عقبة، ومعاوية بن هشام ثقات، وهم في الرواية عن سفيان قريب بعضهم من بعض، وأبو نعيم، ووكيع، وعبيد الله الأشجعي، ويحيى القطان، وابن مهدي، وأبو داود الجفري، أثبت في سفيان من الفريابي وأصحابه، يعني الذي سماهم معه.

(2/726)


ذكر أهل الشام ومصر
أصحاب مكحول
قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لعبد الرحمن بن إبراهيم يعني دحيماً (وسألته) عن ثابت بن ثوبان والعلاء بن الحارث، أيهما أثبت؟ قال: (العلاء) أفقه حديثاً، (وثابت بن ثوبان) قليل الحديث قلت له: إن أبا مسهر قال: أنبل أصحاب مكحول (ثابت بن) ثوبان، والعلاء ابن الحارث. وأعدت عليه تقدم سن ثابت بن ثوبان، ولقيه سعيد بن المسيب، فلم يدفعه عن ثقة وتقدم، وقدم العلاء بن الحارث عليه لفقهه. قلت له: فيزيد بن يزيد بن جابر فوق العلاء بن الحارث؟
قال: نعم. قلت: فسليمان بن موسى فوق يزيد؟ قال: نعم. قلت: وهو المقدم من أصحابه محكول؟.

(2/727)


قال: نعم. قلت: فمن بعد العلاء بن الحارث؟ قال: زيد بن واقد.
قلت: فعبد الرحمن بن يزيد بن جابر؟ قال: بعده. قلت فما تقول في أبي معيد، حفص بن غيلان؟ قال: ثقة.
قلت: فما تقول في الوضين بن عطاء؟ قال: ثقة. قلت: فأين هو من أبي معيد؟
قال: فوقه، ولسنه ولقيه. قلت: فمن بعد عبد الرحمن بن يزيد بن جابر من أصحاب مكحول؟ قال: الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز. قلت له: سعيد أكثر مجالسة لمكحول من الأوزاعي؟
قال: ذاك بين في حديثه، كان الأوزاعي ربما غاب.
قال أبو زرعة: وكنت أرى أبا مسهر يقدم كل التقديم من أصحاب

(2/728)


مكحول (ثلاثة) : سليمان بن موسى، ويزيد بن يزيد بن جابر، والعلاء بن الحارث. و (ثنا) أبو مسهر، أن سعيد بن عبد العزيز حدثه أن كتاب مكحول في الحج أخذه من العلاء بن الحارث، وذكر أبو زرعة أسماء جماعة من الرواة، عن مكحول، سأل عنهم، منهم محمد بن راشد، الذي يقال له: المكحولي، وذكر أنه سأل دحيماً عنه، فقال: ثقة، وكان (يميل) إلى هوى، وقدم سعيد ابن بشير عليه، وقال أبو زرعة: أعلم أهل دمشق بحديث مكحول، وأجمعه لأصحابه، الهيثم بن حميد، ويحيى بن حمزة.
وقال الإمام أحمد: يزيد بن يزيد بن جابر هو أخو عبد الرحمن بن جابر، قال: وعبد الرحمن أقدم موتاً، وأثبت منه ـ إن شاء الله تعالى ـ.

(2/729)


أصحاب الأوزاعي
قال أبو زرعة الدمشقي: سألت أبا مسهر الدمشقي: من أنبل ـ أصحاب الأوزاعي؟ قال: هقل وابن سماعة بعده.
وقال إبراهيم (بن الجنيد عن يحيى بن) معين: قلت: لأبي مسهر، ابن سماعة عرض على الأوزاعي؟.
قال: أحسن أحواله إن كان عرض، ثم قال: قال لي أبو مسهر: لم يكن ههنا بدمشق اثبت في الأوزاعي من هقل.
قال: وسئل يحيى عن عبد الحميد بن أبي العشرين، فقال: ليس به بأس.
وروى من وجه آخر عن أبي مسهر، قال أثبت من صحب الأوزاعي وسمع منه يزيد بن السمط وسلمة بن العيار، وأصح وأحفظ.
وعن هشام بن عمار: أوثق اصحاب الأوزاعي عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين.

(2/730)


قال أبو زرعة الدمشقي: حدثني أحمد بن أبي الحواري، قال: قال لي مروان بن محمد إذا كتبت حديث الأوزاعي عن الوليد بن مسلم، فما تبالي من فاتك.
قال: (ثنا) أبو مسهر، قال: قيل للأوزاعي: ابن السفر يحدث عنك؟ قال: كيف ولم يجالسني؟
وابن السفر هو يوسف، وهو ضعيف.
وقال مهنا: قلت لأحمد: أيما أثبت الوليد بن مسلم أو القرقساني؟ يعني محمد بن مصعب.
قال الوليد: كان القرقساني صغيراً في الأوزاعي.
وقال النسائي: اثبت أصحاب الأوزاعي عبد الله بن المبارك، قال: والوليد بن مزيد أحب إلينا في الأوزاعي من الوليد بن مسلم لا يخطىء ولا يدلس.
(وقال الحاكم: أثبت أصحاب الأوزاعي أبو إسحاق الفزاري) .

(2/731)


أصحاب بكير بن عبد الله بن الأشج أحد علماء المدينة، نزيل مصر
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: لا أعلم أحداً أحسن حديثاً عن بكير بن عبد الله من ليث بن سعد. وقال: هو أحسن حديثاً ـ عندي ـ من عمرو بن الحارث. ومن ابن لهيعة.
قلت له: ومن ابن عجلان؟ قال: وكم يروي ابن عجلان عن بكير؟ ما أيسرها.
قلت: إن أبا الوليد يتكلم في روايته، ويقول: مناولة، أعني: ليث بن سعد، فقال: ما أدري أي شيء هذا، وأنكر قوله، وقال: أي شيء (ينكر) من حديث ليث، وليث حسن الحديث صحيحه.
أصحاب يزيد بن أبي حبيب
قال عبد الله بن أحمد: سئل أبي عن حيوة بن شريح (وسعيد بن أبي أيوب، ويحيى بن أيوب) .
فقال: حيوة أعلى القوم ثقة، وسعيد بن أبي أيوب (ليس به بأس. ويحيى بن أيوب) دونهم في الحديث، وكان سيىء الحفظ، وهو دون هؤلاء، وحيوة بن شريح أعلاهم.