مفتاح السعيدية في شرح الألفية الحديثية

الْمَقْطُوْعُ
قوله:
103 - وَسَمِّ بِالمَقْطُوْعِ قَوْلَ التَّابِعي ... وَفِعْلَهُ، وَقَدْ رَأى (للشَّافِعِي) [21 - ب]
104 - تَعْبِيرَهُ بِهِ عَنِ المُنقطِعِ ... قُلْتُ: وَعَكسُهُ اصطِلاحُ (البَردَعِي)

ش: يعني أن المقطوع هو ما جاء عن التابعين من أقوالهم وأفعالهم موقوفاً عليهم.
وقوله: «وقد رأى» (خ)، يعني: أن ابن الصلاح رأى أن التعبير بالمقطوع عن المنقطع وقع في كلام الشافعي وأبي قاسم الطبراني وغيرهما.
قال (ن) (1): ووجدتُه في كلام أبي بكر الحميدي والدارقطني انتهى.
وقوله: «قلت» (خ)، يعني: أن اصطلاح البَرْدَعي عَكْس ذلك وهو التعبير بالمنقطع عن المقطوع، وهو أنه جعل المنقطع هو قول التابعي وهذا وإن حكاه ابن الصلاح غير معين (2) فزاد (ن) هنا عزوه.
و «البَرْدَعي» قلت: بفتح الباء الموحدة، وإسكان الراء، وفتح الدال المهملتين، وبعده عين مهملة، نسبةً إلى بَرْدَعه بلدة بأقصى بلاد أذربيجان
_________
(1) (1/ 186).
(2) أي لم يعين القائل به.

(1/90)


نسب إليها جماعة، ومنهم الحافظ هذا أبو بكر أحمد بن هارون، انتهى.
وقوله:

فُرُوْعٌ
105 - قَوْلُ الصَّحَابيِّ (مِنَ السُّنَّةِ) أوْ ... نَحْوَ (أُمِرْنَا) حُكْمُهُ الرَّفْعُ، وَلَوْ
106 - بَعدَ النَّبِيِّ قالَهُ بِأَعْصُرِ ... عَلى الصَّحِيْحِ، وهوَ قَوْلُ الأكْثَر

ش: هذا تفريع على الموقوف، فالفرع الأول: أن يقول الصحابي: «من السنة كذا»، كما قال علي رضي الله عنه: «من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت» السرة في رواية أبي داود، ومن رواية ابن داسة وابن الأعرابي (1).
وأن يقول: «أُمرنا بكذا، ونهينا عن كذا»، كما قالت أم عطية: «أمرنا أن نخرج [22 - أ] في العيدين العواتق ... » الحديث، وقالت: «نهينا عن اتباع الجنائز» الحديث.
وقوله: «حكمه الرفع» يعني: أنه مرفوع عندهم وعند أكثر العلماء لظهور أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الآمر الناهي، وأنها سنته، وخالف فريق منهم الإسماعيلي أبو بكر فقالوا: ليس بمرفوع.
قال (ن) (2): وجزم به أبو بكر الصيرفي في «الدلائل»، انتهى.
_________
(1) أي من روايتهما لسنن أبي داود.
(2) (1/ 189).

(1/91)


وقوله: «ولو بعد النبي» (خ) يعني: أن حكمه الرفع مطلقاً قاله في زمن الرسول أو بعده بمُضي أعصر، أما إذا صرح الصحابي به صلى الله عليه وسلم كأن يقول: «أَمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» فقال (ن) (1): لا أعلم فيه خلافاً إلا ما حكاه ابن الصباغ في «العدة» عن داود وبعض المتكلمين أنه لا يكون حجة حتى ينقل لنا لفظه، وضَعَّفَهُ (2)، انتهى.
وقوله:
107 - وَقَوْلُهُ (كُنَّا نَرَى) إنْ كانَ مَعْ ... عَصْرِ النَّبِيِّ مِنْ قَبِيْلِ مَا رَفَعْ

ش: هذا فرع ثان وهو أن يقول الصحابي: «كنا نرى كذا، أو نفعل، أو نقول كذا»، أو نحوه، فإن كان مضافاً إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم [كقول جابر: «كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم»] (3).
وقوله: «كنا نأكل لحوم الخيل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم» في رواية النسائي وابن ماجه، فقطع الحاكم وغيره من أهل الحديث وغيرهم أنه مرفوع، وصححه الأصوليون: الرازي، والآمدي، وأتباعهما.
وذهب الإسماعيلي لما سأله البرقاني عن ذلك إلى أنه موقوف، وأنكر كونه من المرفوع [22 - ب]، وهو بعيد؛ لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم اطَّلَع عليه وقَرَّرهم.
_________
(1) (1/ 189).
(2) في الأصل: «أو ضعفه» خطأ. والمراد أن الناظم ضَعَّف هذا القول.
(3) زيادة من المصدر سقطت من الأصل.

(1/92)


قال (ن): أما إذا كان في القصة اطِّلَاعه فمرفوع إجماعاً، كقول ابن عمر: «كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل هذه الأمة بعد نبيهم: أبو بكر وعمر وعثمان، ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره» فيما رواه (ط) (1) في أكبر «معاجمه».
قال (ن): والحديث في الصحيح [لكن] (2) ليس فيه اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك صريحاً، انتهى.
وقوله:
108 - وَقِيْلَ: لا، أوْ لا فَلا، كَذاكَ لَه ... و (لِلخَطِيْبِ) قُلْتُ: لكِنْ جَعَلَهْ
109 - مَرفُوعاً (الحَاكِمُ) و (الرَّازِيُّ ... ابنُ الخَطِيْبِ)،وَهُوَ القَوِيُّ

ش: يعني أنه قيل بأنه موقوف لا مرفوع كما حكيناه عن الإسماعيلي.
وقوله: «أو لا فلا» يعني: وإن كان قول الصحابي (3) «كنا نرى» غير مضاف إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم فليس بمرفوع.
وقوله: «كذاك له» يعني أن هذا لابن الصلاح تبعاً للخطيب.
وقوله «قلت» (خ)، زاد المؤلف على ابن الصلاح أن الحاكم والرازي وهو الإمام فخر الدين جعلاه مرفوعاً وإن [لم] (4) يضفه إلى زمن النبي صلى الله
_________
(1) أي: الطبراني. «المعجم الكبير»: (رقم 13132).
(2) في الأصل: فليس. وما أثبتناه من المصدر.
(3) في الأصل: البخاري. خطأ.
(4) زيادة من عندي، فعبارة الناظم: ولو لم يقيده بعهد النبي ...

(1/93)


عليه وسلم كقول عائشة رضي الله عنها: «كانت اليد لا تُقطع في الشيء التافه».
وقوله: «وهو القوي»: يعني أن هذا القول قوي كما قال النووي في «شرح المهذب» أنه قوي من حيث المعنى، وهو ظاهر نص الإمام والآمدي.
قال (ن) (1): وقال به أيضاً كثير من الفقهاء، انتهى [23 - أ].
110 - لكنْ حَدِيْثُ (كانَ بَابُ المُصْطَفَى ... يُقْرَعُ بالأظفَارِ) مِمَّا وُقِفَا
111 - حُكْماً لَدَى (الحَاكِمِ) و (الخَطِيْبِ) ... وَالرَّفْعُ عِنْدَ الشَّيخِ ذُوْ تَصْوِيْب

الشرح: يعني أن الحاكم والخطيب قالا في حديث رواه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير» أنه موقوف.
وقوله: «والرفع» (خ)، يعني: أن الشيخ ابن الصلاح صوب كونه مرفوعاً، وأَوَّل مرادهما بأنه ليس مرفوعاً لفظاً بل مرفوعاً معنى.
وقوله:
112 - وَعَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابي ... رَفْعَاً فَمَحْمُوْلٌ عَلَى الأسْبَاب

الشرح: هذا فرع ثالثٌ وهو تفسير الصحابي فإنه موقوف ومن عَدَّهُ في المرفوع وهو الحاكم وعزاه للشيخين فَحُمِل على تفسير يتعلق بسبب نزول آيةٍ يخبر به الصحابي أو نحوه، كقول جابر رضي الله عنه: كانت اليهود
_________
(1) (1/ 193).

(1/94)


تقول: من أتى امرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة:223]، الآية. بخلاف سائر تفاسير الصحابة غير مضافٍ شيء منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فموقوف.
فقوله: «رفعاً» بالنصب بمعنى مرفوع، والعامل فيه «عَدُّ» المبتدأ.
قلت: وخبره «فمحمول» انتهى.
وقوله:
113 - وَقَوْلُهُمْ (يَرْفَعُهُ) (يَبْلُغُ بِهْ) ... روَايَةً يَنْمِيْهِ رَفْعٌ فَانْتَبِهْ [23 - ب]
الشرح: هذا فرع رابعٌ وهو إذا قيل عن الصحابي: «يرفعه» أو «يَبْلُغ به» أو «ينميه» أو «رواية» فمرفوعٌ، فَعَبِّرْ برفعٍ عنه، ومثاله حديث الأعرج عن أبي هريرة روايةً: «تقاتلون قوماً صغار الأعين» الحديث في الصحيحين، وروى مالك في «الموطأ» عن أبي حازم، عن سهل بن سعدٍ، قال: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليُسرى في الصلاة» قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك.
ورواه البخاري من طريق القعنبي عن مالك فقال: ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَصَرَّح برفعه.
وقوله:
114 - وَإنْ يَقُلْ (عَنْ تَابعٍ) فَمُرْسَلٌ ... قُلْتُ: مِنَ السُّنَّةِ عَنْهُ نَقَلُوْا
115 - تَصْحِيْحَ وَقْفِهِ وَذُو احْتِمَالِ ... نَحْوُ (أُمِرْنَا) مِنْهُ (للغَزَالي)

(1/95)


الشرح: يعني أن هذه الألفاظ إن قيلت عن تابعي يعني فمرسل.
وقوله «قلت» (خ)، يعني أن من الزوائد على ابن الصلاح أن قول التابعي: «من السنة» إلى آخر الباب فهل هو موقوف متصل أو مرفوع مرسل كالذي قبله؟ فهو وجهان للشافعي. ومثاله رواية للبيهقي من قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: السنة: تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تسع تكبيراتٍ.
وقوله: «عنه» أي: عن التابعي.
وقوله: «نقلوا» (خ) [24 - أ]، يعني أن الأصح في مسألة التابعي أنه موقوف، نَصَّ على ذلك النووي في «شرح المهذب»، وحكى الداوودي في «شرح مختصر المزني» أن الشافعي كان يرى في القديم أنه مرفوع، ثم رجع عنه قائلاً: لأنهم يطلقونه ويريدون سنة البلد.
وقوله: «وذو احتمال» (خ) يعني: أن التابعي إذا قال: «أُمرنا بكذا» ونحوه، فهل يكون موقوفاً أو مرفوعاً مرسلاً؟ فيه احتمالان للغزالي في «المستصفى»، ولم يُرَجِّح شيئاً.
قال (ن) (1): وجزم ابن الصباغ في «العدة» بإرساله، انتهى.
وقوله:
116 - وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بحَيْثُ لا ... يُقَالُ رَأياً حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى
_________
(1) (1/ 198).

(1/96)


117 - مَا قَالَ في المَحْصُوْلِ نَحْوُ مَنْ أتَى ... (فَالحَاكِمُ) الرَّفْعَ لِهَذَا أثْبَتَا

الشرح: يعني أن ما جاء عن صحابي موقوفاً عليه، ومثله لا يُقال من قِبَل الرأي فمرفوع على ما نص عليه الإمام في «المحصول».
وقوله: «نحو: مَنْ أتى» (خ)، يعني: كقول ابن مسعودٍ: «من أتى ساحراً أو عَرَّافاً فقد كفر بما أُنْزِل الله على محمد صلى الله عليه وسلم». ترجم عليه الحاكم في «العلوم» (1) له: «معرفة المسانيد التي لا يُذكَر سَنَدُها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وذكر فيه ثلاثة أحاديث هذا أحدها.
قال (ن) (2): ولا يَخُصُّ ذلك [24 - ب] المحصول بل نَصَّ عليه غَيرُ واحدٍ من الأئمة كأبي عُمر وغيره، وأدخل ابن عبد البر أبو عمر في «التقصي» أحاديث ذكرها مالك في «الموطأ» موقوفة مع أن موضوع الكتاب لما في «الموطأ» من الأحاديث المرفوعة، منها حديث سهل بن ابي حَثَمة في صلاة الخوف (خ)، انتهى.
وقوله:
118 - وَمَا رَوَاهُ عَنْ (أبِي هُرَيْرَةِ) ... (مُحَمَّدٌ) وَعَنْهُ أهْلُ البَصْرَة
119 - كَرَّرَ (قَالَ) بَعْدُ، (فَالخَطِيْبُ) ... رَوَى بِهِ الرَّفْعَ وَذَا عَجِيْبُ

الشرح: يعني أن ما رواه أهلُ البصرة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة: «قال: قال» فذكر حديثاً، ولم يَذْكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كَرَّر
_________
(1) أي في كتابه: «معرفة علوم الحديث».
(2) (1/ 199).

(1/97)


لفظ «قال» بعد أبي هريرة، كما ذكر في «الكفاية» للخطيب من طريق موسى بن هارون الحمال، بسنده إلى حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة قال: قال: «الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مُصَلَّاه»، فقال الخطيب: إنه مرفوع (1). قال (2): قلت للبرقاني: أحسب أن موسى عنى بهذا القول أحاديث ابن سيرين خاصَّة، فقال: كذا يجب. قال: ويحقق قول موسى ما قال ابنُ سيرين محمدٌ: كل شيء حدثته عن أبي هريرة فهو مرفوع، انتهى.
قال (ن) (3): ووقع من ذلك روايةُ البخاري في المناقب [25 - أ]: حدثنا سليمان بن حربٍ: حدثنا حماد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة قال: قال: «أسلم وغفار وشيء من مزينة». الحديث، وهو عند مسلم من رواية ابن عُلَيَّة عن أيوب مُصَرَّحٌ فيه بالرفع، انتهى.
_________
(1) كذا وصواب العبارة من خلال شرح الناظم (1/ 201): قال موسى بن هارون: إذا قال حماد بن زيد والبصريون: قال: قال، فهو مرفوع.
(2) أي: الخطيب.
(3) (1/ 201 - 202).

(1/98)


الْمُرْسَلُ
قوله:
120 - مَرْفُوعُ تَابعٍ عَلى المَشهُوْرِ ... مُرْسَلٌ أو قَيِّدْهُ بِالكَبِيْر
121 - أوْ سَقْطُ رَاوٍ مِنْهُ ذُوْ أقْوَالِ ... وَالأوَّلُ الأكْثَرُ في استِعْمَال

الشرح: المرسل في حَدِّه أقوال:
أحدها: أنه ما رفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم كبيراً كان التابعي كعبيد الله بن عدي بن الخيار، وابن المسيب، ومثلهما، أو صغيراً كالزهري، وأبي حازمٍ، ومثلهما، وهذا هو المشهور.
وقوله: «أو قيده» (خ) هذا هو القول الثاني، وهو ما رفعه التابعي الكبير إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مرسل باتفاقٍ، بخلاف مراسيل صغار التابعين فمنقطعة لا مرسلة على هذا القول.
تنبيه: وجعل ابن الصلاح من الصغار الزهري، وقوله (1): «إنه لم يَلْقَ من الصحابة إلا واحداً أو اثنين، رَدَّهُ (ن) فإنه لقي اثني عشر صحابياً فأكثر: ابن عمر، وأنس، وسهل، وربيعة بن عِبَاد -بكسر العين، وتخفيف الموحدة-، [25 - ب] وعبد الله بن جعفر، والسائب بن يزيد، وسُنَين أبو جَميلة، وعبد
_________
(1) أي: ابن الصلاح.

(1/99)


الله بن عامرٍ، وأبو الطفيل، ومحمود بن الربيع، والمسور، وعبد الرحمن بن أزهر، انتهى.
وقوله: «أو سقط راوٍ» (خ) هذا هو القول الثالث، وهو: ما سقط راوٍ من إسناده فأكثر، من أي موضع كان، وعليه فاتحد المرسل والمنقطع.
قلت: فقوله: «ذو أقوال» خبر عن قوله «مرسل» انتهى.
وقوله: «والأول» (خ)، يعني أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال القول الأول، وقطع الحاكم وغيره من المحدثين بخصوصه بالتابعين.
وقوله:
122 - وَاحتَجَّ (مَاِلِكٌ) كَذا (النُّعْمَانُ) ... وَتَابِعُوْهُمَا بِهِ وَدَانُوْا

الشرح: يعني أن مالكاً وأبا حنيفة وأتباعهما ذهبوا إلى الاحتجاج بالمرسل والتدين به، وهو معنى قوله: «ودانوا».
قلت: والنعمان هو أبو حنيفة بن ثابت الإمام العالم العامل الخواف من الله تعالى.
قال الشافعي رضي الله عنه: قيل لمالك رضي الله عنه: هل رأيت أبا حنيفة؟ فقال: نعم رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقام بحجته.
ونبهت على ذلك خشية أن يلتبس بأبي حنيفة النعمان صاحب المعز وقاضيه، وكان مالكي المذهب ثم انتقل إلى مذهب الإمامية، وصنف

(1/100)


[26 - أ] كتاب «ابتداء الدعوة» للعبيديين، وكتاب «اختلاف الفقهاء» ينتصر فيه لأهل البيت رضي الله عنهم.
وقوله:
123 - وَرَدَّهُ جَمَاهِرُ النُّقَّادِ؛ ... لِلجَهْلِ بِالسَّاقِطِ في الإسْنَاد
124 - وَصَاحِبُ التَّمهيدِ عَنهُمْ نَقَلَهْ ... وَ (مُسْلِمٌ) صَدْرَ الكِتَابِ أصَّلَهْ

الشرح: يعني أن صاحب «التمهيد» ابن عبد البر حَكَى في مقدمته عن جماعة من أصحاب الحديث عدم الاحتجاج به، وكذا نص مسلمٌ في أول «صحيحه»، قائلاً: «المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحُجَّة»، انتهى.
وقوله: «أَصَّله» قَصَد به الرد على ابن الصلاح، حيث أطلق نقله عن مسلم، ومسلمٌ إنما ذكره في أثناء كلام خصمه الذي رد عليه اشتراط ثبوت اللقاء فقال: «فإن قال: قُلْتُه .. » إلى آخر كلامه.
وقوله: «للجهل» (خ) اللام تتعلق بقوله «وَرَدَّهُ» يعني أن الجماهير رَدُّوا المرسل لما كان في شرط الحديث الصحيح ثقة رجاله، والمرسل سقط منه رجل جُهِلَ حالُه، فَعُدِم معرفةُ بعض رواته.
وقوله:
125 - لَكِنْ إذا صَحَّ لَنَا مَخْرَجُهُ ... بمُسْنَدٍ أو مُرْسَلٍ يُخْرِجُهُ
126 - مَنْ لَيْسَ يَرْوِي عَنْ رِجَالِ الأوَّلِ ... نَقْبَلْهُ، قُلْتُ: الشَّيْخُ لَمْ يُفَصِّل

(1/101)


الشرح: يعني أن المرسل يُحتج به إذا أُسند من وجه آخر، أو [26 - ب] أرسله من أخذ العلم عن غير رجال المرسِل الأول.
وقوله: «نقبْله» قال (ن) (1): مجزوم جواباً للشرط على مذهب الأخفش والكوفيين كقول الشاعر:
إذا تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ فاصْبِر لَهَا ... وإذا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّل

قلت: لا أعرف هذا النحوي (2) ونصوص مشاهير النحويين أن ذلك لا يكون إلا في الشعر، وظاهر كلام ابن مالكِ بأَخَرةٍ في نص «التسهيل» أنه يجوز الجزم بها في قليل من الكلام، ولا يختص بالشعر، وهو ظاهر كلام ابنه في الشرح لهذا الموطن انتهى.
وقوله: «قلت» (خ)، يعني أن من الزوائد على الشيخ ابن الصلاح الاعتراض عليه لما حكى كلام الشافعي رضي الله تعالى عنه فأطلق القول عن الشافعي أنه يقبل مطلق المرسل إذا تأكد بما ذَكَره، والشافعي إنما يقبل مراسيل كبار التابعين إذا تأكدت مع وجود الشرطين المذكورين في النظم كما نص عليه الشافعي في «الرسالة»، وروى كلام الشافعي كذلك الخطيب في «الكفاية»، والبيهقي في «المدخل» بإسناديْهِما الصَّحِيْحَيْن إليه، تَحَصَّل منه أن الشافعي يقبل مراسيل كبار التابعين إذا انضم إليها ما يؤكدها سواءً كان مرسل ابن المسيب أو غيره.
_________
(1) (1/ 208).
(2) كذا، ولعل مقصوده أنه لا يعرف نسبة هذا الكلام للأخفش، وإلا فالأخفش إمامٌ لغوي شهير.

(1/102)


قال البيهقي: وقد ذكرنا مراسيل لابن المسيب لم يقل بها الشافعي حين لم ينضم إليها ما يؤكدها [27 - أ]، ومراسيل لغيره قال بها حين انضم إليها ما يؤكدها.
وأما قول القفال المروزي في «شرح التلخيص» قال الشافعي في «الرهن الصغير»: «مرسل ابن المسيب عندنا حجة» فمحمول على ما قاله البيهقي.
وقوله:
127 - و (الشَّافِعِيُّ) بِالكِبَارِ قَيَّدَا ... وَمَنْ رَوَى عَنِ الثِّقاتِ أبَدَا
128 - وَمَنْ إذا شَارَكَ أهْلَ الحِفْظِ ... وَافَقَهُمْ إلاّ بِنَقْصِ لَفْظ

الشرح: يعني كما قررنا أن الشافعي ما أطلق كما أطلق الشيخ بل قصد ما قررناه.
وقوله: «ومن روى» (ح) يعني: ومن روى ما أرسله عن الثقات، أو من روى مطلقاً عن الثقات المراسيل وغيرها، وعبارة الشافعي تحتمل ذلك، ويبقى النظر في أيهما أرجح حملاً لكلام (ن) على أرجح محملي كلام الشافعي.
وقوله: «ومن إذا» (خ) يعني: أن الشافعي قَيَّدَ في لفظه قبول المرسل بأن يكون إذا سَمَّى من روى عنه لم يُسم مجهولاً ولا مرغوباً عن الرواية عنه، ويكون إذا شرك أحداً من الحفاظ في حديثه لم يخالفه، فإن خالفه بأن وجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه، قال: ومتى خالف ما وصفت أضَرَّ بحديثه حتى لا يسع أحداً قبول مرسله، إلى آخر كلام الشافعي رضي الله عنه.

(1/103)


وقوله:
129 - فَإنْ يُقَلْ: فَالمُسْنَدُ المُعْتَمَدُ ... فَقُلْ: دَلِيْلانِ بِهِ يُعْتَضَدُ [27 - ب]

الشرح: يعني إن قيل: المرسل إذا أسند من وجه آخر قُبِل والاعتماد على كونه مسنداً ولا حاجة للإرسال.
فيُجَاب بأن المسند وسيلةٌ للإرسال، ومُصَحِّحٌ له، فصارا دليلين يُرَجَّح بهما عند معارضة (1) دليلٍ واحد، والضمير المجرور بالياء يعود إلى «المُسْنَد».
وقوله:
130 - وَرَسَمُوا مُنْقَطِعاً عَنْ رَجُلِ ... وَفي الأصُوْلِ نَعْتُهُ: بِالمُرْسَل

الشرح: يعني أنه إذا جاء إسنادٌ عن رجلٍ، أو عن شيخ، ونحوه، فهل هو منقطع أو مرسل؟ فقال الحاكم: منقطع لا مرسل. وكذا قال ابن القطان في كتاب «البيان».
وقال إمام الحرمين في «البرهان»: مرسل، قال وكذلك كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لم يُسَم حاملها. وكذا نص صاحب «المحصول» أنه مرسل. فهذا معنى قوله «وفي الأصول»، أي أصول الفقه.
وحكى (ن) (2) عن غير واحد من أهل الحديث أنه متصل في إسناده مجهول، قال: وحكاه الرشيدُ العَطَّار في «الغُرَر المجموعة» عن الأكثرين،
_________
(1) في الأصل: المعارضة. خطأ.
(2) (1/ 213).

(1/104)


واختاره شيخنا الحافظ أبو سعيد العلائي في كتاب «جامع التحصيل». انتهى.
وقوله:
131 - أمَّا الَّذِي أرْسَلَهُ الصَّحَابِيْ ... فَحُكمُهُ الوَصْلُ عَلى الصَّوَابِ [28 - أ]

الشرح: يعني أن مراسيل الصحابة حكمها حكم الموصول، ولم يذكر ابن الصلاح خلافاً في مرسل الصحابي.
قال (ن) (1): ولم يذكر ابن الصلاح خلافاً في مرسل الصحابي، وفي بعض كتب الأصول للحنفية أنه لا خلاف في الاحتجاج به، وتعقبه قائلاً عن الإسفراييني أبي إسحاق: «إنه لا يحتج به».
_________
(1) (1/ 213).

(1/105)


الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ
قوله:
132 - وَسَمِّ بِالمُنْقَطِعِ: الَّذِي سَقَطْ ... قَبْلَ الصَّحَابيِّ بِهِ رَاوٍ فَقَطْ

الشرح: يعني أنه اختُلِفَ في الحديث المنقطع ما هو؟ والمشهور أنه ما سقط من رواته راوٍ واحدٌ غير الصحابي.
وقوله:
133 - وَقِيْلَ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ، وَقَالا: ... بِأنَّهُ الأقْرَبُ لا استِعمَالا

الشرح: هذا قول في صورة المنقطع، وهو ما لم يتصل إسناده، ذكره أبو عمر.
وقوله: «وقالا» (خ) يعني أن ابن الصلاح قال: إن هذا المذهب أقرب، صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم.
وقوله: «لا استعمالاً» يعني أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال: «ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم»، وأكثر ما يوصف بالانقطاع: «ما رواه من دون التابعين عن الصحابة» مثل مالك عن ابن عمر ونحوه.
وقوله: [28 - ب]

(1/106)


134 - وَالمُعْضَلُ: السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ ... فَصَاعِداً، وَمِنْهُ قِسْمٌ ثَان
135 - حَذْفُ النَّبِيِّ وَالصَّحَابِيِّ مَعَا ... وَوَقْفُ مَتْنِهِ عَلَى مَنْ تَبِعَا

الشرح: المعضل بفتح الضاد من أعْضَلَه رُباعياً.
وقول (ن): بحثتُ فوجدت لهم: «أمر عضيلٌ» أي: مستغلق شديد.
قلت: إنكاره معضَل بفتح الضاد لا وجه له؛ إذ هو القياس لاسم المفعول من أفعل الرباعي، وقد ينوب عن «مُفْعَل» بفتح العين «فَعيلٌ» سماعاً لا قياساً، ومنه قولهم أعقدي العسل فهو عقيدٌ بمعنى مُعْقَدٍ، وأَعَلَّه المرض فهو عليلٌ بمعنى مُعَل، وليس من ذلك عضيل كما ذكر، انتهى.
وحَدُّ المعضَل ما سقط من إسناده اثنان فصاعداً من أي موضعٍ كان [سواءً] (1) سقط الصحابي والتابعي، أو التابعي وتابعه، أو اثنان قبلهما.
ومَثَّلَه أبو نصر السِّجْزي بقول مالك: بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «للمملوك طعامه وكسوته» الحديث.
قال ابن الصلاح ومنه قول المصنفين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
وقوله: «ومنه» (خ) يعني: ومن المعضل قسم ثان، وهو أن يروي تابع التابعي عن التابعي حديثاً موقوفاً عليه، وهو حديث متصل مسند إلى رسول الله صلى الله عليه [29 - أ] وسلم، كرواية الأعمش عن الشعبي قال: «يقال
_________
(1) زيادة من المصدر.

(1/107)


للرجل في القيامة: عملت كذا وكذا. فيقول: ما عملته. فيختم على فيه .. » الحديث، فجعله الحاكم نوعاً من المعضل، أعضله الأعمش لأن التابع أسقط اثنين: الصحابي والرسول صلى الله عليه وسلم، ووصله فضيل بن عمرو عن الشعبي عن أنس قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: هل تدرون مما أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فقال: «من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب ألم تُجِرْني من الظلم؟ فيقول بلى ... » وذكر الحديث، رواه مسلم.

(1/108)