مفتاح السعيدية في شرح الألفية الحديثية الْعَنْعَنَةُ
قوله:
136 - وَصَحَّحُوا وَصْلَ مُعَنْعَنٍ سَلِمْ ... مِنْ دُلْسَةٍ
رَاويْهِ، والِلِّقَا عُلِمْ
الشرح: العنعنة فَعْلَلَة
من عَنْعَنَ الحديث إذا رواه بلفظ «عن» مِنْ غير بيان للتحديث
والإخبار والسماع.
واختُلِف في حكمه، والصحيح المعمول به وهو مذهب الجماهير من
الأئمة المحدثين وغيرهم، أنه متصل بشرط سلامته (1) من التدليس
وإمكان لقائهما.
قلت: والدُّلسة بضم الدال فُعْلَة من دَلِس -وهو قياس مصدر
فعِل بكسر العين- .... (2) في العيوب. انتهى.
وقوله:
137 - وَبَعْضُهُمْ حَكَى بِذَا إجمَاعَا ... و (مُسْلِمٌ)
لَمْ يَشْرِطِ اجتِمَاعَا [29 - ب]
138 - لكِنْ تَعَاصُراً، وَقِيلَ: يُشْتَرَطْ ... طُوْلُ
صَحَابَةٍ، وَبَعْضُهُمْ شَرَطْ
139 - مَعْرِفَةَ الرَّاوِي بِالاخْذِ عَنْهُ، ... وَقيْلَ:
كُلُّ مَا أَتَانَا مِنْهُ
_________
(1) في الأصل: سلامتهما.
(2) كلمة لم تظهر لي، ومراد العبارة واضح أن التدليس هو إخفاء
العيوب.
(1/109)
140 - مُنْقَطِعٌ، حَتَّى يَبِينَ
الوَصْلُ، ... ..................................
الشرح: يعني أن بعضهم وهو أبو عمر (1) وأبو عمرو الداني
ادَّعيا الإجماع على أن المعنعن مُتصل بشرطه، وزاد الداني أن
يكون معروفاً بالرواية عنه.
وقوله: «ومسلم» (خ) يعني أن مسلماً أنكر في خطبة «صحيحه»
اشتراط ثبوت اللقاء، وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه،
وأن القول الشائع المتفق عليه إمكان لقائهما في كونهما في عصرٍ
واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا.
وقوله: «وقيل يشترط» (خ) يعني أن السمعاني أبا المظفر شَرَط
طُول الصُّحبة بينهما.
وقوله: «وبعضهم» (خ) يعني أن الداني شرط ما ذكرناه.
وقوله: «وقيل» (خ) يعني أن بعضهم ذهب إلى أن المعنعن مرسل
ومنقطع حتى يتبين اتصاله بغيره.
وقوله:
........................... ... وَحُكْمُ (أَنَّ) حُكمُ
(عَنْ) فَالجُلُّ
141 - سَوَّوْا، وَللقَطْعِ نَحَا (البَرْدِيْجِيْ) ... حَتَّى
يَبِينَ الوَصْلُ في التَّخْرِيج
الشرح: هذا تفريعٌ على العنعنة، وهو ما إذا قال الراوي: «أن
فلاناً قال كذا»،
_________
(1) يعني ابن عبد البر.
(1/110)
كقول الزهري: أن سعيد بن المسيب قال [30 -
أ] كذا.
فالجمهور سووا بين الرواية بالعنعنة والرواية بلفظ «أن»، وبه
قال الإمام مالك رضي الله عنه والجمهور، فيما حكاه أبو عُمر في
«التمهيد»، وأنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ بل باللقاء
والمجالسة والسَّماع والمشاهدة.
قلت: و «الجُل» بضم الجيم وتشديد اللام انتهى.
وقوله: «وللقطع» (خ) يعني أن البرديجي نحا أي ذهب إلى أن
مُطْلَقه محمول على الانقطاع ولا يلحق بـ «عن» حتى يتبين
السماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى.
قلت: والبَرْدِيجي بفتح الباء الموحدة، وإسكان الراء، وكسر
الدال المهملتين، وبعدهما مثناة تحت ساكنةٌ، فجيم، نسبةً إلى
بَرْدِيج بليدة بأقصى أذربيجان، بينها وبين بردعة أربعة عشر
فرسخاً، وهو أبو بكر البردعي المقدم ذكره، حافظ ثقة إمام
انتهى.
وقوله:
142 - قَالَ: وَمِثْلَهُ رَأى (ابْنُ شَيْبَهْ) ... كَذا لَهُ،
وَلَمْ يُصَوِّبْ صَوْبَهْ
الشرح: يعني أن ابن الصلاح قال: «وجدت ما حكاه ابن عبد البر عن
البرديجي للحافظ الفحل يعقوب بن شيبة في «مسنده» الفحل».
وقوله: «كذا له» يعني أن ابن الصلاح أقام من قول ابن شيبة في
مسنده لما ذَكَر رواية قيس بن سعد [30 - ب]، عن عطاء بن أبي
رباح، عن ابن الحنفية: أن عماراً مَرَّ بالنبي صلى الله عليه
وسلم وهو يُصَلِّي، وجعله مرسلاً لقوله
(1/111)
«أن عماراً» فعل، ولم يقل: «عن عمارٍ» أنه
وافق البرديجي فيما قاله. وقوله: «ولم يُصَوِّب» (خ) يعني أن
ابن الصلاح في هذه الإقامة لم يُعَرِّج صوب مقصد بن شيبة،
وبيانه أن الذي فعله ابن شيبة هو صوابٌ من العمل، وهو الذي
عليه عمل الناس، وما جعله مرسلاً من لفظ «أن» إنما جعله مرسلاً
من جهة كونه لم يسند حكاية القصة إلى عمارٍ، فلو قال: «إن
عماراً قال مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم» لما جعله مرسلاًَ،
فلما قال: «أن عماراً فعل» كان ابن الحنفية هو الحاكي لقصة لم
يدركها إذ لم يدرك مرور عمارٍ بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكان
نقله لذلك مرسلاً.
وقوله:
143 - قُلتُ: الصَّوَابُ أنَّ مَنْ أدْرَكَ مَا ... رَوَاهُ
بالشَّرْطِ الَّذي تَقَدَّمَا
144 - يُحْكَمْ لَهُ بالوَصْلِ كَيفَمَا رَوَى ... بـ (قَالَ)
أو (عَنْ) أو بـ (أنَّ) فَسَوَا
الشرح: بَيَّنَ بذلك قاعدةً يُعْرَف بها المتصل من المرسل فقال
من الزيادة على ابن الصلاح: أن الراوي إذا روى حديثاً فيه قصةٌ
أو واقعةٌ فإن كان أدرك ما رواه [31 - أ] بأن حكى قصة وقعت بين
النبي صلى الله عليه وسلم وبين صحابي والراوي لذلك صحابيٌّ
أدرك الواقعة فهي متصلةٌ، وإن لم يُعلم أنه شاهدها.
وإن لم يدرك الواقعة فمرسل صحابي.
وإن كان الراوي تابعياً فمنقطع.
وإن روى التابعي عن الصحابي قصة أدرك وقوعها كان متصلاً، وإن
لم
(1/112)
يدركها وأسندها الصحابي كانت متصلة، وإن لم
يدركها ولا أسند حكايتها إلى الصحابي فمنقطعة، كرواية ابن
الحنفية عن عمارٍ.
وقوله: «بالشرط» (خ) يعني لابد من اعتبار السلامة من التدليس
في التابعين ومن بعدهم.
وقوله:
145 - وَمَا حُكِي عَنْ (أحمَدَ بنِ حَنْبَلِ) ... وَقَولِ
(يَعْقُوبٍ) عَلَى ذا نَزِّل
الشرح: يعني أن ما حكاه ابن الصلاح عن الإمام أحمد وعن قول ابن
شيبة المتقدم في «مسنده» فنزله على هذه القاعدة التي زادها (ن)
على ابن الصلاح، والذي قاله أحمد ما رواه الخطيب في «الكفاية»
بإسناده إلى أبي داود، قال: سمعت أحمد قيل له إن رجلاً قال:
«عروة أن عائشة قالت: يا رسول الله». «وعن عروة عن عائشة»
سواء؟ قال كيف هذا سواء، ليس هذا بسواء. فَفَرَّق الإمام بين
اللفظين لكون عروة في اللفظ الأول لم [31 - ب] يُسند ذلك إلى
عائشة ولا أدرك القصة فكانت مرسلة، بخلاف اللفظ الثاني فإنه
أسند ذلك إليها يعني فكانت متصلة.
وقوله:
146 - وَكَثُرَ استِعْمَالُ (عَنْ) في ذَا الزَّمَنْ ...
إجَازَةً وَهْوَ بِوَصْلٍ مَا قَمَنْ
الشرح: يعني إن حمل «عن» على السماع مقيد بالزمن المتقدم بخلاف
هذه الأزمان فإنها محمولة على الإجازة، فإذا قال أحدٌ قرأت على
فلان عن فلان ونحوه فَظُنَّ به الرواية إجازةً.
(1/113)
قلت: «وإجازةً» منصوب على البيان انتهى.
وقوله: «وهو بوصل» (خ) يعني أن هذا الظن لا يخرجه عن الاتصال؛
لأن الإجازة في حكم الاتصال لا القطع. و «قَمَن» بفتح القاف
والميم، قلت: وبعده نون انتهى، ويجوز كسر الميم إلا أن الفتح
هنا يتعين لمناسبة «زَّمَن» (1)، ومعناه حقيق وجدير بذلك.
_________
(1) أي لمناسبة قوله: «ذا الزَّمَن» في آخر الشطر الأول.
(1/114)
تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو
الرَّفْعِ وَالوَقْفِ
قوله:
147 - وَاحْكُمْ لِوَصْلِ ثِقَةٍ في الأظْهَرِ ... وَقِيْلَ:
بَلْ إرْسَالِهِ لِلأكْثَر
الشرح: يعني أن الثقات إذا اختلفوا في حديث فرواه بعضهم
متصلاً، ورواه بعضهم مرسلاً، فهل الحكم لمن أوصل، أو لمن أرسل،
أو للأكثر، أو للأحفظ؟ أقوال أربعة:
أحدها: -وهو الأظهر- الأول الذي صححه الخطيب.
وقوله: «وقيل» (خ) هذا القول الثاني، وهو الحكم لمن أرسل، وهو
قول الأكثر.
قلت: «وإرسالِهِ» [32 - أ] بالجر عطفاً بـ «بل» على «لوصلِ
ثقةٍ» انتهى.
و «للأكثر» خبر مبتدأ محذوف أي: وهذا للأكثر.
وقوله:
148 - وَنَسبَ الأوَّلَ لِلْنُّظَّارِ ... أنْ صَحَّحُوْهُ،
وَقَضَى (البُخَارِيْ)
149 - بِوَصْلِ ((لاَ نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيْ)) ... مَعْ
كَوْنِ مَنْ أَرْسَلَهُ كَالْجَبَل
150 - وَقِيْلَ الاكْثَرُ، وَقِيْلَ: الاحْفَظُ ... ثُمَّ
فَمَا إرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ
151 - يَقْدَحُ فِي أَهْليَّةِ الوَاصِلِ، أوْ ... مُسْنَدِهِ
عَلَى الأَصَحِّ، وَرَأَوْا
(1/115)
152 - أَنَّ الأصَحَّ: الْحُكْمُ
لِلرَّفْعِ وَلَوْ ... مِنْ وَاحِدٍ في ذَا وَذَا، كَما
حَكَوْا
الشرح: يعني أن ابن الصلاح نسب القول الأول من الأربعة للنظار.
قلت: والنُّظَّار بضم النون، وتشديد الظاء المشددة، وآخره راء
مهملة، وزن فُعَّالٍ، وهو جمع كثرةٍ لما كان على فاعل وفاعلةٍ
قياساً، ومنه ناظر ونظار انتهى، وهم أهل الفقه والأصول.
وقوله: «أن صححوه».
قلت: هو بفتح الهمزة، وتخفيف النون، موصولٌ حرفي مسبوك بتصحيحه
منصوباً على البدل من الأول، أي: ونسب ابن الصلاح تصحيح القول
الأول للنظار، انتهى.
وقوله: «وقضى» (خ) يعني أن البخاري لما سُئل عن حديث: «لا نكاح
إلا بولي» رواه إسرائيل وجماعة، عن أبي إسحاق، عن أبي بُردة،
عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه [32 - ب] الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن
النبي صلى الله عليه وسلم.
فحكم البخاري لمن وصله وقال: الزيادة من الثقة مقبولةً. هذا مع
أن المرسل سفيان وشعبة ودرجتهما في الحفظ والإتقان معلومةٌ.
وقوله: «مع كون من أرسله» (خ) يعني أنهما جبلان حفظاً
وإتقاناً.
وقوله: «الأكثر» هذا القول الثالث من الأربعة: أن الحكم للأكثر
من أرسله أو وصله فالحكم له.
(1/116)
وقوله: «وقيل الأحفظ» هذا قول رابع، وهو
الحكم للأحفظ من أرسله أو وصله، فالحكم له.
وقوله: «ثم» (خ) يعني هذا تفريعٌ على القول الرابع، وهو أنه
ينبني عليه فيما إذا كان الحكم للأحفظ ما إذا أرسل هل يقدح ذلك
في عدالة من وصله وفي أهليته أو لا؟ قولان: أصحهما وبه صدر ابن
الصلاح كلامه: لا يقدح، ثم قال: ومنهم من قال: يقدح في مسنده
وفي عدالته وفي أهليته.
وقوله: «أو مسنده» أي: وما أسنده من الحديث غير الذي أرسله من
هو أحفظ لأن هذا بناءً على أن الحكم للأحفظ، وقد أرسل، فلا يشك
على القول الثاني في قدحه في هذا المسند.
قلت: فقوله: «فما» (خ) ما نافية حجازية، و «إرسال عدلٍ يحفظ»
اسمها وخبرها [33 - أ] جملة «يقدح» إلى آخرها، أي قادحاً
انتهى.
وقوله: «ورَأوا» (خ) إشارة إلى مسألة تعارُض الرفع والوقف كما
إذا رفع بعض الثقات حديثاً ووقفه بعضهم، فقال ابن الصلاح:
الحكم على الأصح للرفع؛ لأنه مثبتٌ وغيره ساكِتٌ.
وقوله: «ولو» (خ) إشارة إلى ما إذا وقع الاختلاف من راوٍ واحدٍ
ثقةٍ في المسألتين معاً فوصله في وقت، وأرسله في وقت أو رفعه
في وقت، ووقفه في وقت فالحكم على الأصح به لوصله ورفعه.
(1/117)
التَّدْلِيْسُ
قوله:
153 - تَدلِيْسُ الاسْنَادِ كَمَنْ يُسْقِطُ مَنْ ...
حَدَّثَهُ، وَيَرْتَقِي بـ (عَنْ) وَ (أَنْ)
الشرح: التدليس ثلاثة
أقسام، ذكر ابن الصلاح قسمين: تدليس الإسناد، وهو أن يروي عن
مَنْ عاصره أو لقيه ما لم يسمعه منه، موهماً أنه سمعه منه وما
سمعه إلا من شيخه بسماع شيخه من شيخه أو ممن فوقه (1) بقوله
«عن فلانٍ» أو «أنَّ فلاناً» أو «قال فلانٌ»، ولا يقول
«أخبرنا» ولا ما في معناه ونحوه.
وقوله:
154 - وَقَالَ: يُوْهِمُ اتِّصَالاً، وَاخْتُلِفْ ... فِي
أَهْلِهِ، فَالرَّدُّ مُطْلَقاً ثُقِفْ
الشرح: فقوله «وقال» معطوف على قوله بـ «عن» و «أن» أي وبـ
«قال».
وقوله: «يوهم» (خ) يُفهم الشرط في تدليس الإسناد أن يكون
المدلِّس عاصر المروي عنه أو لقيه؛ لأن الإيهام إنما [33 - ب]
يقع مع المعاصرة.
_________
(1) كذا وقعت العبارة في الأصل، وفيها خلل ظاهر، وعبارة الناظم
(1/ 234): هو أن يسقط اسم شيخه الذي سمع منه، ويرتقي إلى شيخ
شيخه أو من فوقه فيسند ذلك إليه بلفظٍ لا يقتضي الاتصال ...
(1/118)
وقوله: «واختُلف» (خ) يعني أنه اختُلف في
أهل هذا القسم من التدليس وهم المعروفون به، فقيل: يُرد حديثهم
مطلقاً بينوا السماع أم لم يبينوا، ومن عُرف به مجروحٌ. وحكاه
ابن الصلاح عن جماعة من المحدثين والفقهاء.
وقوله: «فالرد» (خ) قلت: «ثُقِف» بضم المثلثة، وبعده قاف،
ففاء، مبني للمفعول أي: وُجد عن بعضهم، انتهى.
وقوله:
155 - وَالأكْثَرُوْنَ قَبِلُوْا مَا صَرَّحَا ... ثِقَاتُهُمْ
بِوَصْلِهِ وَصُحِّحَا
الشرح: يعني أن الصحيح التفصيل، فما بُيِّن فيه الاتصال بـ
«سمعت» و «حدثنا» ونحوه مقبول محتج به، وإن أتى بلفظ محتملٍ
فمُرسل حكمه.
وقوله: «والأكثرون» من الزيادات على ابن الصلاح التي أهمل (ن)
فيها لفظ «قلت»، والذي حكاه عن الأكثرين العلائيُّ في كتاب
«المراسيل». قال (ن) (1): وهو قول الشافعي وابن المديني وابن
معين وغيرهم.
قلت: «وصُحِّحَا» بضم أوله مبني للمفعول، انتهى.
وقوله:
156 - وَفي الصَّحِيْحِ عِدَّةٌ كـ (الاعْمَشِ) ... وَكـ
(هُشَيْمٍ) بَعْدَهُ وَفَتِّش
الشرح: يعني أن في الصحيحين وغيرهما من الكتب الصحيحة عِدَّة
رواةٍ من المدلسين كمن ذكره.
_________
(1) (1/ 238).
(1/119)
قلت: [34 - أ] وهُشَيمٌ بضم الهاء، وفتح
الشين المعجمة، وبعده ياء مثناة تحت ساكنة فميم، هو ابن بشيرٍ
انتهى.
وقوله: «وفتش» يعني فتش في الصحيح تجدْ جماعةً منهم كقتادة
والسفيانين وعبد الرزاق وغيرهم.
ونقل (ن) (1) عن الحلبي عبد الكريم في كتابه «القِدْح» أن
المعنعنات التي في الصحيحين مُنَزَّلة بمنزلة السماع.
وقوله:
157 - وَذَمَّهُ (شُعْبَةُ) ذُو الرُّسُوْخِ ... وَدُوْنَهُ
التَّدْليْسُ لِلشِّيُوْخ
الشرح: يعني أن تدليس الإسناد مكروه جداً، وفاعله مذموم، وممن
ذمه شعبة، فبالغ في ذمه. وروى الشافعي رضي الله عنه عن شعبة
قال: «التدليس أخو الكذب». وقال: «لأن أزني أَحَبُّ إلي من أن
أدلس».
قلت: وَصف شعبة بالرسوخ، وهو أبو بسطامٍ شعبة ابن الحجاج، كان
إماماً من أئمة المسلمين، وركناً من أركان الدين، به حفظ الله
أكثر الحديث.
قال الشافعي: «لولا شعبة ما عُرِفَ الحديثُ بالعراق».
وروى عنه الخلق، ومنهم سفيان الثوري، وابن المبارك، والطيالسي
أبو داود رضي الله عنه. انتهى.
وقوله: «ودونه» (خ) هذا القسم الثاني: تدليس الشيوخ، وهو أخَف
من
_________
(1) (1/ 239)
(1/120)
الأول.
وقوله:
158 - أنْ يَصِفَ الشَّيْخَ بِمَا لا يُعْرَفُ ... بِهِ، وَذَا
بِمقْصِدٍ يَخْتَلِفُ [34 - ب]
الشرح: هو بفتح «أَنْ» مخففةً مصدريةً والجملة في موضع رفع على
البيان لقوله: «التدليس» أو خبر مبتدأ محذوفٍ أي: وهو أن يصف
المدلس شيخه الذي سمع منه ذلك الحديث بوصفٍ لا يُعْرَف به من
اسمٍ، أو كنيةٍ، أو نِسبةٍ إلى قبيلة، أو بلد، أو صنعة، ونحو
ذلك؛ ليوعر الطريق إلى معرفة السامع له. كقول أبي بكر بن
مجاهدٍ أحد أئمة القرآن: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله، يريد
عبد الله بن أبي داود السجستاني.
وقوله: «وذا» (خ) يعني أن الحال يختلف في كراهة هذا القسم بحسب
اختلاف المقصد الحامل على ذلك.
وقوله:
159 - فَشَرُّهُ للضَّعْفِ وَاسْتِصْغَارا ... وَكـ
(الخَطِيْبِ) يُوْهِمُ اسْتِكْثَارَا
160 - و (الشَّافِعيْ) أثْبَتَهُ بِمَرَّةِ ... قُلْتُ:
وَشَرُّهَا أخُو التَّسْوِيَة
الشرح: يعني أن شر ذلك إذا كان الحامل عليه كون المروي عنه
ضعيفاً فيدلِّسُهُ حتى لا يُظهر روايته عن الضعفاء، أو كونه
صغيراً في السن، أو تأخرت وفاته وشاركه فيه من هو دونه، أو
إيهام كثرة الشيوخ بأن يروي عن الواحد في مواضع يُعَرِّفُهُ في
موضعٍ بصفةٍ وفي آخر بأخرى موهماً إنه غيره، كما يصنعه كثيراً
الخطيب، فإنه أكثر من ذلك في تصانيفه.
(1/121)
وقوله: [35 - أ] «والشافعي» (خ) يعني: أن
الشافعي أثبت أصل التدليس لا هذا القسم الثاني، فلا يُقبل (1)
من المدلس حتى يُبين، قد أجراه الشافعي رضي الله عنه فيمن
عرفناه دَلَّسَ مرةً، وممن حكاه عن الشافعي البيهقي في
«المدخل».
وقوله: «قلت» (خ) هذا هو القسم الثالث الذي زاده (ن) على ابن
الصلاح وهو تدليس التسوية، وصورته أن يروي حديثاً عن شيخٍ
ثقةٍ، وذلك الثقة يرويه عن ضعيف عن ثقةٍ، فيأتي المدلِّس الذي
سمع الحديث من الثقة الأول فيُسقط الضعيف الذي في السند ويجعل
الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظٍ محتمل فيستوي
الإسناد كله ثقاتٌ.
وهذا شر أقسام التدليس لما فيه من الغرور الشديد، وقد كان يفعل
ذلك بقية بن الوليد، والوليد بن مسلم.
أما بقية فقال ابن أبي حاتم في كتاب «العلل»: سمعت أبي وذكر
الحديث الذي رواه ابن راهويه، عن بقية: حدثني أبو وهب الأسدي،
عن نافع، عن ابن عمر حديث: «لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا
عقدة رأيه». فقال أبي: هذا الحديث له أمرٌ قَلَّ من يفهمه، روى
هذا الحديث عبيد الله بن عمروٍ، عن إسحاق بن أبي فروة، عن
نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعبيد الله بن
عمرو يكنى أبا وهبٍ [35 - ب] وهو أسدي، فكناه بقية ونسبه إلى
بني أسد لكي لا يُفْطَنَ له، حتى إذا تُرِك إسحاق بن أبي فروة
من الوسط لا يُهتدى إليه.
_________
(1) هذا كلام لابن الصلاح.
(1/122)
وأما الوليد، فقال أبو مسهر: كان الوليد
يحدث بأحاديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم.
وقال جزرة صالحٌ: سمعت الهيثم بن خارجة يقول [قلت] (1) للوليد:
قد أفسدت أحاديث الأوزاعي. قال: كيف؟ قلت: تروي عن الأوزاعي عن
نافع، وعن الأوزاعي عن الزهري، وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد،
وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي،
وبينه وبين الزهري إبراهيم بن مرة، وقُرَّة. قال: أُنَبِّل
الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء. قلت: فإذا روى عن هؤلاء وهم
ضعفاء أحاديث مناكير فأسقطتهم أنت وصيَّرتها من رواية الأوزاعي
عن الثقات ضُعِّفَ الأوزاعي. فلم يلتفت إلى قولي.
_________
(1) زيادة من المصدر.
(1/123)
|