مفتاح السعيدية في شرح الألفية الحديثية

الشَّاذُّ
قوله:
161 - وَذُو الشُّذُوذِ: مَا يُخَالِفُ الثِّقَهْ ... فِيهِ المَلاَ فَالشَّافِعيُّ حقَّقَهْ

الشرح: اختُلف في الشاذ، فقال الشافعي رضي الله عنه: هو ما رواه الثقة مخالفاً لما رواه الناس.
وحكى الخليلي أبو يعلى عن جماعةٍ من الحجازيين نحو هذا.
وقوله:
162 - والحَاكِمُ الخِلاَفَ فِيهِ ما اشْتَرَطْ ... وَلِلْخَلِيليْ مُفْرَدُ الرَّاوي فَقَطْ [36 - أ]

الشرح: يعني أن الحاكم حَدَّ الشاذ فقال: ما انفرد به الثقة، وليس له أصل بمتابعٍ لذلك الثقة. فلم يشترط الحاكم فيه مخالفة الناس.
وقوله: «وللخليلي» (خ) يعني أن الخليلي حَدَّهُ فقال: الذي عليه حُفَّاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسنادٌ واحدٌ يَشِذُّ بذلك شيخٌ ثقة أو غيرُ ثقة، فما كان غير ثقة فمتروك، وما كان عن ثقة يتوقف فيه، ولا يُحتج به. فلم يشترط تفرد الثقة بل مطلق التفرد.
قلت: و «الخليلي» بفتح الخاء المعجمة، وكسر اللام، بينهما ياء مثناة تحت ساكنة، نسبةً إلى جده الخليل؛ لأنه أبو يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد بن

(1/124)


إبراهيم بن الخليل القزويني الحافظ، وابنه واقدٌ حدث عنه يحيى بن منده. انتهى.
وقوله:
163 - وَرَدَّ مَا قَالاَ بِفَرْدِ الثِّقَةِ ... كالنَّهْي عَنْ بَيْعِ الوَلاَ وَالهِبَة
164 - وَقَوْلٍ مُسْلِمٍ: رَوَى الزُّهْرِيُّ ... تِسْعِينَ فَرْداً كُلُّهَا قَوِيُّ

الشرح: يعني أن ما قاله الحاكم والخليلي رده ابن الصلاح بأفراد الثقات الصحيحة كحديث: «إنما الأعمال بالنيات»، تفرد به يحيى عن التيمي، والتيمي عن علقمة، وعلقمة عن عمر، وعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكحديث «النهي عن بيع الولاء» تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر.
وهذان وغيرهما أيضاً [36 - ب] مخرجة في الصحيحين، وليس لها إلا إسنادٌ واحد، فليس كما أطلقه الحاكم والخليلي.
وقوله: «وقول مسلم» (خ) هو بِجَرِّ «وقول» عطفاً على بـ «فرد» أي: ورَدَّ ما قالاه بقولِ مسلمٍ: «للزهري نحو تسعين حرفاً يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه أحدٌ بأسانيد جياد».
وقوله:
165 - واخْتَارَ فِيْمَا لَمْ يُخَالِفْ أنَّ مَنْ ... يَقْرُبُ مِنْ ضَبْطٍ فَفَرْدُهُ حَسَنْ
166 - أوْ بَلَغَ الضَّبْطَ فًصَحِّحْ أَوْ بَعُدْ ... عَنْهُ فَمِمَّا شَذَّ فَاطْرَحْهُ وَرُدْ

(1/125)


الشرح: يعني أن ابن الصلاح اختار التفصيل فما خالف مُفْرِدُهُ أحفظَ منه وأضبط فشاذ مردودٌ، وإن لم يخالف وهو عدلٌ ضابطٌ فصحيح، أو غير ضابطٍ ولا يبعد عن درجة الضابط فحسنٌ، وإن بَعُدَ فشاذ منكر.
وقوله: «ورُدْ» فعل أمر، و «رد» معطوف على قوله: «فاطرحْه».
قال ابن الصلاح: فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان: الحديث الفرد المخالف، والفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابراً لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف.

(1/126)


الْمُنْكَرُ
قوله:
167 - وَالْمُنكَرُ: الفَرْدُ كَذَا البَرْدِيجِيْ ... أَطْلَقَ، وَالصَّوَابُ فِي التَّخْرِيْج
168 - إِجْرَاءُ تَفْصِيْلٍ لَدَى الشُّذُوْذِ مَرْ ... فَهْوَ بِمَعْناهُ كَذَا الشَّيْخُ ذَكَرْ [37 - أ]
169 - نَحْوَ «كُلُوا البَلَحَ بالتَّمْرِ» الخَبَرْ ... وَمَالِكٍ سَمَّى ابْنَ عُثْمَانَ: عُمَرْ
170 - قُلْتُ: فَمَاذَا؟ بَلْ حَدِيْثُ «نَزْعِهْ ... خَاتَمَهُ عِنْدَ الخَلاَ وَوَضْعِهْ»

الشرح: يعني أن البرديجي حَدَّ المنكر بأنه الحديث الذي تفرد به الرجل، ولا يُعرف متنه من غير روايته، لا من الوجه الذي رواه، ولا من آخر.
قال ابن الصلاح: فأطلق البرديجي ذلك ولم يفصِّل.
«وكذا» بمعنى: عند.
والصواب فيه التفصيل الذي بيناه آنفاً في شرح الشاذ.
وقوله: «نحو كلوا» (خ) هذا مثالٌ للفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده، وهو رواية النسائي وابن ماجه من رواية أبي زُكيرٍ -بضم الزاي، وفتح الكاف، وبعده مثناة تحت ساكنة، فراء مهملة- يحيى بن محمد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا البلح بالتمر فإن ابن آدم إذا أكله غضب الشيطان»

(1/127)


الحديث. قال النسائي: حديث منكر. قال ابن الصلاح: تفرد به أبو زكير وهو شيخ صالحٌ أخرج عنه مسلمٌ في كتابه غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده انتهى.
قال (ن) (1): وإنما أخرج مسلم في المتابعات.
وقوله: «ومالك» (خ) هذا مثال ثانٍ للفرد المخالف لما رواه الثقات، وهو ما رواه عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمر بن عثمان، عن أسامة [37 - ب] بن زيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرث المسلم الكافر» (ح) (2) فخالف مالك غيره من الثقات في قوله عمر بن عثمان بضم العين، وإنما هو عمروٌ بفتحها، فيما نص عليه مسلمٌ في «التمييز» إذ كل من روى هذا الحديث من أصحاب الزهري إنما يقوله «عمرو»، وذكر أن مالكاً كان يشير بيده إلى دار عُمر بن عثمان لما علم أنهم يخالفونه، وعمرو وعمر ولدا عثمان، إلا أن الحديث عن عمرو.
وقوله: «فماذا» (خ) يعني أن قول مالكٍ عُمر بضم العين ماذا يترتب عليه؟ وغايته أن الإنكار أو الشذوذ في السند لمخالفة الثقات مالكاً في ذلك، ولا يلزم من شذوذ السند ونكارته اتصاف المتن بذلك، وقد ذكر ابن الصلاح أن العلة في السند قد تقدح في المتن، وقد لا، ومَثَّل لنفي القدح برواية يعلى بن عبيد، عن الثوري، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البيعان بالخيار» (ح) فهذا إسناد معلل غير صحيح والمتن
_________
(1) (1/ 253).
(2) مهملة. أي: الحديث.

(1/128)


صحيح. قال: والعلة في قوله: «عمرو بن دينار» وإنما هو «عبيد الله بن دينار»، فقد صح المتن مع الحكم بوهم يعلى بن عبيد فيه.
وقوله: «بل» (خ) إشارةً منه إلى مثال صحيح لأحد قسمي المنكر، وهو ما في السنن الأربعة عن همام بن يحيى عن ابن جريج، عن الزهري [38 - أ]، عن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه». فقال أبو داود بعد تخريجه: هذا حديث منكر، وإنما يُعرف عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورقٍ، ثم ألقاه. قال: والوهم فيه من همامٍ، ولم يروه إلا همامٌ.
وقال النسائي بعد تخريجه: هذا حديث غير محفوظ.
قال (ن) (1): وهمام ثقةٌ إلا أنه خالف الناس في روايته عن ابن جريج هذا المتن بهذا السند، والذي رواه الناس عن ابن جريج الحديث الذي أشار إليه (د) (2) انتهى.
_________
(1) (1/ 256).
(2) أي: أبو داود.

(1/129)


الاعْتِبَارُ وَالْمُتَابَعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ
قوله:
171 - الاعْتِبَارُ سَبْرُكَ الحَدِيْثَ هَلْ ... شَارَكَ رَاوٍ غَيْرَهُ فيْمَا حَمَلْ
172 - عَنْ شَيْخِهِ، فَإنْ يَكُنْ شُوْرِكَ مِنْ ... مُعْتَبَرٍ بِهِ، فَتَابِعٌ، وَإنْ
173 - شُورِكَ شَيْخُهُ فَفَوْقُ فَكَذَا ... وَقَدْ يُسَمَّى شَاهِداً، ثُمَّ إذَا
174 - مَتْنٌ بِمَعْنَاهُ أتَى فَالشَّاهِدُ ... وَمَا خَلاَ عَنْ كُلِّ ذَا مَفَارِدُ
175 - مِثَالُهُ ((لَوْ أَخَذُوا إهَابَهَا)) ... فَلَفْظَةُ ((الدِّبَاغِ)) مَا أتَى بِهَا
176 - عَنْ عَمْرٍو الاَّ ابنُ عُيَيْنَةٍ وَقَدْ ... تُوبِعَ عَمْروٌ في الدِّبَاغِ فَاعْتُضِدْ
177 - ثُمَّ وَجَدْنَا ((أَيُّمَا إِهَابِ)) ... فَكَانَ فيهِ شَاهِدٌ في الباب

الشرح: قلت: هذه أمور يتعرفون بها حال الحديث، فالاعتبار [38 - ب] أنه تأتي إلى حديث لبعض الرواة فتعتبره بروايات غيره منهم، فتسبر طرق الحديث لتعرف هل شاركه في الحديث راو غيره فرواه عن شيخه أم لا، فإن شاركه ممن حديثُه معتبرٌ فتسمي حديثه تابعاً، وإن لم تجد أحداً تابعه عليه عن شيخه، فانظر هل تابع أحدٌ شيخَ شيخه فرواه متابعاً له أم لا، فإن وُجد فسمه أيضاً تابعاً وشاهداً، وإن لم تجد فافعل ذلك فيمن فوقه إلى آخر الإسناد حتى في الصحابي، فكل من وُجد له متابع فسمه تابعاً وشاهداً، فإن لم تجد لأحدٍ

(1/130)


ممن فوقه متابعاً عليه، نظرت هل جاء بمعناه حديثٌ آخر في الباب أم لا، فإن (1)، فَسَمِّ ذلك الحديث شاهداً، وإن لم تجد حديثاً آخر يؤدي معناه فلا متابعة، ولا شاهداً، والحديث إذٍ فردٌ. وعلى هذا نَزِّل النظم.
وقوله: «سبرك». قلت: هو بفتح السين المهملة، وإسكان الموحدة، وبعده راء مهملة، من سَبَرْتُ الجُرْح أسبُرُه إذا نظرت ما غَورُه، وكل أمر رُزْتَه (2) فقد سبرته وأسبرته.
وقوله: «ففوق». قلت: هو بضم القاف غير منون مبنياً لَمَّا حذفَ المضاف إليه «فوق» ونُوي، ومنه: «ابدأ بهذا أَوَّلُ» (3)، وخذ هذا حسب: قال: «أقَبُّ من تحت عريضٌ من عَلِ». انتهى.
ومثال طريق الاعتبار في الأخبار: حديث رواه حماد [39 - أ] بن سلمة مثلاً ولم يتابع عليه، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فينظر هل رواه ثقة غير أيوب كذلك، فإن لم يوجد فثقة غير ابن سيرين كذلك، فإن لم يوجد فصحابي غير أبي هريرة، فأي ذلك وجدنا عُلِمَ أن له أصلاً يُرْجَع إليه، وإلا فلا.
ومثاله أعني ما عُدمت فيه المتابعات رواية الترمذي برواية حماد بن سلمة بسنده المذكور إلى أبي هريرة أراه رفعه: «أحبِبِ حبيبك هوناً ما ... » الحديث،
_________
(1) أي فإن أتى بمعناه حديث ....
(2) أي جربته واختبرته. تاج العروس (15/ 166).
(3) العبارة فيها خطأ في الأصل، وما أثبتناه هو ما مَثَّلَ به أهل اللغة في هذا الباب.

(1/131)


قال (ت) (1): حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه.
قال (ن) (2): أي من وجه يثبت، وقد رواه الحسن بن دينار وهو متروك الحديث، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال (3): في «الكامل»: ولا أعلم أحداً قال عن ابن سيرين عن أبي هريرة إلا الحسن بن دينار. ومن حديث أيوب بسنده رواه حماد، ويرويه الحسن بن أبي جعفر عن أيوب عن ابن سيرين عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن علي مرفوعاً.
والحسن بن أبي جعفر منكر الحديث فيما نص عليه البخاري انتهى.
وقوله: «مثاله» (خ) هذا مثال لما وجد له تابع وشاهد، وهو رواية مسلم والنسائي من رواية ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [39 - ب] مر بشاةٍ مطروحة أُعْطِيَتْهَا مولاةٌ لميمونة من الصَّدَقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به» رواه ابن جريج عن عمروٍ ولم يذكر الدباغ إلا ابن عيينة (4).
قلت: و «الإهاب» بكسر الهمزة، وبعده هاء، فألف، فباء موحدة، قيل: هو الجلد مطلقاً. وقيل: هو الجلد قبل الدباغ، فأما بعده فلا يسمى إهاباً، انتهى.
وقوله: «وقد توبع» (خ) يعني: أنا نظرنا هل نجد أحداً تابع شيخه عمرو بن
_________
(1) أي الترمذي.
(2) (1/ 259).
(3) أي: ابن عدي.
(4) راجع شرح الناظم (1/ 260).

(1/132)


دينار على ذكر الدباغ أم لا فوجدنا أسامة بن زيد الليثي تابع عمراً عن عطاء عن ابن عباس: «ألا نزعتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به» فيما رواه الدارقطني من طريق ابن وهب عن أسامة.
قال البيهقي: وهكذا رواه الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاءٍ. وكذا رواه يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء. فهذه متابعات لرواية ابن عيينة.
وقوله: «ثم وجدنا» (خ) يعني: ثم نظرنا أيضاً فوجدنا له شاهداً، وهو رواية مسلم والسنن الأربعة عن عبد الرحمن بن وَعْلَة المصري، عن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما إهاب دُبِغَ فقد طهر».

(1/133)