مفتاح السعيدية في شرح الألفية الحديثية زِيَادَةُ الثِّقَاتِ
قوله:
178 - وَاقْبَلْ زِيَادَاتِ الثِّقَاتِ مِنْهُمُ ... وَمَنْ
سِوَاهُمْ فَعَلَيْهِ المُعْظَمُ [40 - أ]
179 - وَقِيْلَ: لاَ، وَقِيْلَ: لاَ مِنْهُمْ، وَقَدْ ...
قَسَّمَهُ الشَّيْخُ، فَقَالَ: مَا انْفَرَدْ
180 - دُوْنَ الثِّقَاتِ ثِقَةٌ خَالَفَهُمْ ... فِيْهِ
صَرِيْحَاً فَهُوَ رَدٌّ عِنْدَهُمْ
181 - أَوْ لَمْ يُخَالِفْ، فَاقْبَلَنْهُ، وَادَّعَى ...
فِيْهِ الخَطِيْبُ الاتِّفَاقَ مُجْمَعَا
182 - أَوْ خَالَفَ الاطْلاَقَ نَحْوُ ((جُعِلَتْ ... تُرْبَةُ
الارْضِ)) فَهْيَ فَرْدٌ نُقِلَتْ
183 - فَالْشَّافِعِيْ وَأَحْمَدُ احْتَجَّا بِذَا ...
...............................
الشرح: هو فن العناية به مستحسنة، واشتُهر بمعرفته الفقيه أبو
بكر عبد الله النيسابوري فكان يعرف زيادات الألفاظ في المتون
فيما نص عليه الحاكم عنه، واشتهر به أيضاً أبو الوليد حسان بن
محمد القرشي النيسابوري تلميذ ابن سُرَيج (1) وغير واحد من
الأئمة، واختُلِف في زيادة الثقة على أقوال:
أحدُها: القبول، وهو مذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين فيما
حكاه الخطيب عنهم، سواءً تعلق بها حكم شرعي أم لا، وسواءً غيرت
الحكم الثابت أم لا، وسواءً أوجبت نقصاً من أحكام ثبتت بخبر
ليس فيه تلك
_________
(1) في الأصل: شريح. خطأ، وراجع حاشية التحقيق على شرح الناظم
(1/ 262رقم6).
(1/134)
الزيادة أم لا، وسواءً كان ذلك من شخص واحد
بأن رواه مرةً ناقصاً ومرةً بزيادة، أو كانت الزيادة من غير من
[40 - ب] رواه ناقصاً. وهذا معنى قوله «ومن سواهم» أي: ومَن
سوى من زادها بشرط كونه ثقة؛ لأن الفصل معقود لذلك، لا أن
المراد ومَن سوى الثقات.
وقوله: «وقيل لا» هذا قول ثان: لا تقبل مطلقاً ممن رواه ناقصاً
ولا من غيره، حكاه الخطيب في «الكفاية»، وابن الصباغ في
«العدة».
وقوله: «وقيل لا» (خ) هذا قول ثالث لا تُقبل ممن رواه ناقصاً،
وتُقبل من غيره من الثقات، حكاه الخطيب عن بعض الشافعية.
وزاد (ن) (1) في (ش) حكاية قولٍ رابع، وهو إن كانت الزيادة
مغيرةً للإعراب كانا متعارضين، وإن لم تُغَير قُبِلت، حكاه في
«العدة» عن بعض المتكلمين، وقول خامس: أنها لا تقبل إلا إذا
أفادت [حكماً] (2).
وقول سادس: أنها تقبل في اللفظ دون المعنى حكاهما الخطيب.
وقوله: «وقد قسمه» (خ) يعني ابن الصلاح قسم هذا النوع الذي هو
زيادة الثقة إلى أقسام ثلاثة:
أحدها: زيادة تخالف ما رواه الثقات، وحكم هذا الرد كما سبق في
الشاذ.
والثاني: زيادة حديث لا يخالف فيه غيره بشيء أصلاً، كالحديث
الذي تفرد برواية جملته ثقة، ولا تعرض فيه لما رواه الغير
بمخالفةٍ أصلاً، فهذا مقبول،
_________
(1) (1/ 264).
(2) زيادة من المصدر.
(1/135)
ونَقَل الخطيب اتفاق العلماء عليه، وسبق
مثاله في نوع الشاذ.
والثالث: زيادة لفظ في حديث لم يذكرها سائر من رواه، كرواية
مالك عن [41 - أ] نافع عن ابن عمر في حديث الفِطْر (1) لَفْظَ
«من المسلمين»، فذكر (ت) (2) أن مالكاً تفرد بزيادة هذه
اللفظة، وأخذ بها غير واحد من الأئمة ومنهم الشافعي وأحمد رضي
الله عنهم. وإلى هذا أشار (ن) بقوله: فالشافعي وأحمد احتجا
بذا.
وترك (ن) المثال بهذا مخالفاً لابن الصلاح قائلاً: إن مالكاً
لم يتفرد بالزيادة كما زعم (ت) بل تابعه عليها عمر بن نافع،
والضحاك بن عثمان، ويونس بن يزيد، وابن عمر، وعبد الله (3)
والمعلى بن إسماعيل، وكثير بن فَرْقَد، واقتَصَرَ على مثال
حديث: «جُعلت لنا الأرض مسجداً وجعلت تربتها لنا طهوراً» فهذه
الزيادة تفرد بها أبومالك سعد بن طارق الأشجعي وسائر الروايات
لفظها: «جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا» فلذلك قال: «فهي فرد
نُقلت» وهو صحيح، تفرد بالزيادة (4) سعد بن طارق الأشجعي
المذكور والحديث في صحيح مسلم والنسائي من رواية الأشجعي، عن
ربعي، عن حذيفة.
_________
(1) هو ما روي عن ابن عمر أنه قال: فرض زكاة الفطر من رمضان
على كلِّ حر، أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين».
(2) أي الترمذي.
(3) كذا ويظهر أن صوابه: «وعبد الله بن عمر».
(4) الزيادة هي لفظة: وجعلت [تربتها لنا] طهوراً.
(1/136)
وقوله:
............................. ... وَالوَصْلُ والارْسَالُ
مِنْ ذَا أُخِذَا
184 - لَكِنَّ في الإرْسَالِ جَرْحاً فَاقْتَضَى ...
تَقْدِيْمَهُ وَرُدَّ أنَّ مُقْتَضَى
185 - هَذَا قَبُولُ الوَصْلِ إذْ فِيْهِ وَفِيْ ... الجَرْحِ
عِلْمٌ زَائِدٌ لِلْمُقْتَفِيْ
الشرح: يعني أن زيادة الوصل مع الإرسال من راوي الزيادة كما
بين الوصل والإرسال من المخالفة، إلا أن الإرسال نوعُ قَدْحٍ
في الحديث فترجيحه وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل،
وأُجيب عنه بأن الجرح قُدِّم لما فيه من زيادة العلم، والزيادة
هنا مع من وصل، فَقُدِّمَ على الإرسال. هذا معنى قوله: «لكن»
(خ).
(1/137)
الأَفْرَادُ
قوله:
186 - الفَرْدُ قِسْمَانِ، فَفَرْدٌ مُطْلَقَاْ ... وَحُكْمُهُ
عِنْدَ الشُّذُوْذِ سَبَقَا
187 - وَالفَرْدُ بِالنِّسْبَةِ: مَا قَيَّدْتَهُ ...
بِثِقَةٍ، أوْ بَلَدٍ ذَكَرْتَهُ
188 - أوْ عَنْ فُلانٍ نَحْوُ قَوْلِ القَائِلِ ... لَمْ
يَرْوِهِ عَنْ بَكْرٍ الاَّ وَائِل
189 - لَمْ يَرْوِهِ ثِقَةٌ الاّ (ضَمْرَهْ) ... لَمْ يَرْوِ
هَذَا غيرُ أهْلِ البَصْرَهْ
190 - فَإنْ يُرِيْدُوا وَاحِدَاً مِنْ أهْلِهَا ...
تَجَوُّزَاً، فاجْعَلْهُ مِنْ أوَّلهِا [41 - أ]
191 - وَلَيْسَ في أفْرَادِهِ النِّسْبِيَّهْ ... ضَعْفٌ لَهَا
مِنْ هَذِهِ الحَيْثِيَّهْ
192 - لَكِنْ إذَا قَيَّدَ ذَاكَ بِالثِّقَهْ ... فَحُكْمُهُ
يَقْرُبُ مِمَّا أطْلَقَهْ
الشرح: يعني أن الفرد قسمان: أحدهما: فرد عن جميع الرواة وهذا
معنى كونه مطلقاً.
وقوله: «وحكمه» (خ) يعني أن حكم هذا القسم ومثاله سبق في قسم
الشاذ.
وقوله: «والفرد» (خ) هذا هو القسم الثاني، وهو أن يكون مفرداً
بالنسبة إلى
(1/138)
جهةٍ خاصة، كتقييد التفرد به بثقة أو بلد
معين كمكة والبصرة [فإذا] (1) ذكرته فتقول: تفرد به أهل مكة
ونحوه.
وقوله: «أو عن فلانٍ» (خ) يعني أو تقول: تفرد به فلان عن فلان،
أو أهل البصرة عن أهل الكوفة.
وقوله: «نحو قول القائل» (خ) ومثاله حديث السنن الأربعة عن
سفيان بن عيينة، عن وائل بن داود، عن ابنه بكر بن وائل، عن
الزهري، عن أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ على
صفية بسَويقٍ وتمرٍ». قال ابن طاهر في «أطراف الغرائب»: غريبٌ
من حديث بكر بن وائل عنه، تفرد به وائل بن داود، ولم يروه عنه
غير سفيان.
وقوله: «لم يروه ثقة» (خ) مثاله حديث: «أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يقرأ في الأضحى والفطر بقاف واقتربت الساعة». رواه
مسلم والسنن الأربعة من رواية ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد
الله بن عبد الله [42 - أ] المازني، عن أبي واقد الليثي، عن
النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث لم يروه إلا ضمرة فيما
نص عليه علاء الدين التركماني شيخ (ن) في «الدُّر النقي».
قلت: وضمرة بفتح الضاد المعجمة وإسكان الميم انتهى.
وقوله: «لم يرو هذا» (خ) مثاله رواية أبي داود، عن أبي الوليد
الطيالسي، عن همام، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال:
«أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب
وما تيسر».
_________
(1) زيادة من عندي يقتضيها السياق.
(1/139)
قال الحاكم تفرد بذكر الأمر فيه أهل البصرة
من أول الإسناد إلى آخره، ولم يشركهم في هذا اللفظ سواهم.
وحديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه
وسلم ومسح رأسه بماءٍ غير فضل يده، رواه مسلم وأبو داوود
والترمذي، قال الحاكم: وهذه سنة غريبة تفرد بها أهل مصر ولم
يشركهم فيها أحد.
فقوله: «لم يروه عن بكر» يرجع إلى «أو عن فلانٍ».
وقوله: «لم يروه إلا ضمرة» يرجع إلى قوله: «بثقةٍ».
وقوله: «لم يرو هذا» يرجع إلى قوله: «أو بلد» فهو لف بياني غير
مرتب.
وقوله: «فإن يريدوا» (خ) يعني أنهم إن أرادوا بقولهم: «انفرد
به أهل البصرة» ونحو ذلك واحداً منها انفرد به متجوزين بذلك
فإنه من القسم الأول الفرد والمطلق.
مثاله: حديث: «كلوا البلح» المتقدم. قال الحاكم: «هو من أفراد
البصريين عن المدنيين، تفرد به أبو زُكير عن هشام بن عروة» [42
- ب]. فجعله من أفراد البصريين وأراد واحداً منهم. فالضمير في
«أولها» يعود إلى الأفراد.
وقوله: «وليس» (خ) يعني أنه ليس في أفراد القسم الثاني ما
يقتضي الحكم بضعفها من حيث كونها أفراداً.
وقوله: «لكن» (خ) يعني اللهم إلا أن يكون القيد بالنسبة لرواية
الثقة مثل: «لم يروه ثقة إلا فلان» فحكمه قريب من القسم الأول
المطلق؛ لأن رواية غير الثقة كلا رواية.
(1/140)
الْمُعَلَّلُ
قوله:
193 - وَسَمِّ مَا بِعِلّةٍ مَشْمُوْلُ ... مُعَلَّلاً، وَلاَ
تَقُلْ: مَعْلُوْلُ
الشرح: يعني أن الحديث إذا شملته علةٌ من علل الحديث يسمى
مُعَلَّلاً لا معلولاً كما هو في عبارة الكثير من المحدثين،
والترمذي، وابن عدي، والدارقطني، وأبي يعلى الخليلي، والحاكم،
وغيره من الفقهاء في باب القياس حيث قالوا: «العلة والمعلول»
قال ابن الصلاح: وهو مرذولٌ عند أهل العربية واللغة، وقال
النووي: لحن. واختار (ن) المُعَلَّ.
وقوله:
194 - وَهْيَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْبَابٍ طَرَتْ ... فِيْهَا
غُمُوْضٌ وَخَفَاءٌ أثَّرَتْ
195 - تُدْرَكُ بِالخِلاَفِ وَالتَّفَرُّدِ ... مَعَ قَرَائِنٍ
تُضَمُّ، يَهْتَدِيْ
196 - جِهْبَذُهَا إلى اطِّلاَعِهِ عَلَى ... تَصْويْبِ
إرْسَالٍ لِمَا قَدْ وُصِلاَ
197 - أوْ وَقْفِ مَا يُرْفَعُ، أوْ مَتْنٌ دَخَلْ ... في
غَيْرِهِ، أوْ وَهْمِ وَاهِمٍ حَصَلْ [43 - أ]
198 - ظَنَّ فَأمْضَى، أوْ وَقَفْ فأحْجَمَا ... مَعْ كَوْنِهِ
ظَاهِرَهُ أنْ سَلِمَا
الشرح: يعني أن المعلل هو
ما فيه سببٌ قادحٌ غامضٌ مع أن ظاهره السلامة منه، ويتمكن منه
أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب. ويتطرق ذلك إلى
(1/141)
الإسناد الجامع لشروط الصحة ظاهراً ويُدرَك
ذلك بتفرد الراوي، وبمخالفة غيره له مع قرائن منضمة إلى ذلك،
يهتدي الناقد بذلك إلى اطلاعه على إرسال في الموصول أو وقف في
المرفوع، أو دخول حديث في حديث أو وهم واهمٍ بغير ذلك بحيث
يغلب على ظنه ذلك فأمضاه وحكم به، أو تردد في ذلك فوقف وأحجم
عن الحكم بصحة الحديث، وإن لم يغلب على ظنه صحة التعليل بذلك،
مع كون الحديث المعلل ظاهره السلامة من العلة.
فقوله: «جهبذها». قلت: هو بكسر الجيم، وإسكان الهاء، وبعده باء
موحدة مكسورة، فذال معجمة.
وقوله: «أن سَلما»، هو بفتح الهمزة، مخفف النون مصدريةٌ في
موضع رفع على الخبر، لقوله: «ظاهره» والجملة من مبتدأ وخبر في
موضع نصبٍ خبر لكونِهِ.
وقوله: «فأحجما».
قلت: هو بالحاء المهملة، وبعده جيم، فميم، أي: كَفَّ. انتهى.
ومثال العِلَّة في الحديث: حديث رواه الترمذي وحسنه أو صححه،
وابن حبان، والحاكم وصححه [43 - ب]، من رواية ابن جريج، عن
موسى بن عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة
مرفوعاً: «من جلس في مجلسٍ فَكَثُرَ فيه لَغَطُه» الحديث.
قال الحاكم: في «العلوم» له: هذا حديثٌ من تأمله لم يشك أنه من
شرط الصحيح، وله علةٌ فاجتنبه، ثم روى أن مسلماً جاء إلى
البخاري فسأله عن
(1/142)
علته فقال: هذا حديث مليح، ولا أعلم في
الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد، إلا أنه معلول؛
حدثنا به موسى بن إسماعيل: حدثنا وهيب: حدثنا سهيل، عن عون بن
عبد الله (1).
وقوله:
199 - وَهْيَ تَجِيءُ غَالِباً في السَّنَدِ ... تَقْدَحُ في
المتْنِ بِقَطْعِ مُسْنَد
200 - أوْ وَقْفِ مَرْفُوْعٍ، وَقَدْ لاَ يَقْدَحُ ...
(كَالبَيِّعَانِ بالخِيَار) صَرَّحُوا
201 - بِوَهْمِ (يَعْلَى بْنِ عُبَيدٍ): أبْدَلا ... (عَمْراً)
بـ (عَبْدِ اللهِ) حِيْنَ نَقَلا
202 - وَعِلَّةُ المتْنِ كَنَفْي البَسْمَلَهْ ... إذْ ظَنَّ
رَاوٍ نَفْيَها فَنَقَلَهْ
203 - وَصَحَّ أنَّ أَنَساً يَقُوْلُ: (لا ... أحْفَظُ شَيْئاً
فِيهِ) حِيْنَ سُئِلاَ
الشرح: يعني أن العلة تكون غالباً في السَّنَد، أي الإسناد،
وهو الأكثر، وتكون في المتن.
والتي تكون في الإسناد قد تقدح في صحة المتن، وقد لا تقدح.
فالتي تقدح في المتن كالتعليل بالإرسال والوقف، والتي لا تقدح
كحديث يعلى بن عبيد، عن الثوري، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن
عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم [44 - أ]: «البيعان بالخيار»
(خ) فوهم فيه يعلى بن عبيدٍ الطنافسي أحد رجال الصحيح على
سفيان في قوله: عمرو بن دينار، وإنما
_________
(1) قال البخاري: هذا أولى فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من
سهيل. وقد رد الناظم هذه الحكاية عن البخاري في شرحه (1/ 276).
(1/143)
المعروف من حديث سفيان عن عبد الله بن
دينارٍ عن ابن عمر، هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان كالفضل بن
دكين وعبيد الله بن موسى العبسي، ومحمد بن يوسف الفِرْيَابي،
وغيرهم.
فقوله: «بقطع مسند». قلت: لك أن تقرأه بكسر النون اسم فاعلٍ من
أَسْنَدَ رباعياً، وبفتحها اسم مفعول منه، بمعنى: الحديث، أي:
الإسناد والمرسلُ صالح لهما (1). انتهى.
وقوله: «أَبْدَلا» (خ) يعني أن السبب في توهم يعلى كونه ترك
عبد الله بن دينار وأتى بعمرو بن دينار، فأدخل الباء على
المتروك وهو جائز.
وقوله: «وعلة المتن» (خ) يعني أن مثال علة المتن انفراد مسلم
في «الصحيح» من رواية الوليد بن مسلمٍ: حدثنا الأوزاعي، عن
قتادة: أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه قال: «صليت
خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا
يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن
الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها».
ثم رواه من رواية الوليد، عن الأوزاعي: أخبرني إسحاق بن عبد
الله بن أبي طلحة: أنه سمع أنس بن مالكٍ يذكر ذلك [44 - ب].
وروى مالك في «الموطأ»، عن حُميد، عن أنسٍ قال: «صليت وراء أبي
بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم»،
وزاد فيه الوليد: عن مالك: «صَلَّيت خلف رسول الله صلى الله
عليه وسلم».
_________
(1) كذا وقعت العبارة في الأصل، وفيها خلل ظاهر.
(1/144)
قال أبو عمر: «هو عندهم خطأ»، وحديث أنسٍ
أَعَلَّه الشافعي رضي الله عنه فيما نص عليه البيهقي في
«المعرفة» عنه أنه قاله في «سنن حرملة» جواباً لسؤال أورده
(1).
وقوله: «إذ ظن» (خ) يعني أن بعض الرواة ظن فهماً منه أن معنى
قول أنس «يستفتحون بالحمد لله» أنهم لا يبسملون، فرواه على ما
فهمه بالمعنى، وأخطأ في فهمه.
وقوله: «وصح» (خ) هذا دليلٌ على قوله: «إذ ظن» (خ)، أي:
والدليل على أن أنساً لم يُرِد بما قاله نفي البسملة: ما صح
عنه من رواية أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال: سألت أنس بن مالك:
أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب
العالمين أو ببسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال: إنك لتسألني عن
شيء ما أحفظه، وما سألني عنه أحدٌ قبلك. كذا رواه أحمدُ في
«مسنده»، وابن خزيمة في «صحيحه»، والدارقطني قائلاً: هذا إسناد
صحيح.
قال البيهقي في «المعرفة»: وفي هذا دليل على أن مقصود أنسٍ ما
ذكره الشافعي.
وقوله: [45 - أ]
204 - وَكَثُرَ التَّعْلِيْلُ بِالإرْسَالِ ... لِلوَصْلِ إنْ
يَقْوَ عَلَى اتِّصَال
205 - وَقَدْ يُعِلُّوْنَ بِكُلِّ قَدْحِ ... فِسْقٍ،
وَغَفْلَةٍ، وَنَوْعِ جَرْح
_________
(1) راجع كلام الشافعي في شرح الناظم (1/ 281).
(1/145)
206 - وَمِنْهُمُ مَنْ يُطْلِقُ اسْمَ
العِلَّةِ ... لِغَيْرِ قادحٍ كَوَصْلِ ثِقَة
207 - يَقُوْلُ: مَعْلُوْلٌ صَحِيْحٌ كَالذّيْ ... يَقُوْلُ:
صَحَّ مَعْ شُذُوْذٍ احْتَذِيْ
الشرح: يعني أنهم قد يُعِلُّون بأمور ليست خفية كالتعليل
بالإرسال، وفِسْق الراوي وضعفه، ومالا يقدح أيضاً.
قال ابن الصلاح: وكثيراً ما يُعَلِّلون الموصول بالمرسل مثل أن
يجيء الحديث بإسنادٍ موصولٍ وبإسناد منقطع أقوى من إسناد
الموصول.
وقوله: «إن يَقْوَ» (خ) أي: إن يقوي الإرسال على الاتصال.
وقوله: «ومنهم» (خ) يعني أن بعضهم يُطلق اسم العلة على ما ليس
بقادح مِن وجوه الخلاف كالحديث الذي وصله الثقة الضابط وأرسله
غيره.
وقوله: «يقول» (خ) يعني حتى يقول: مِنْ أقسام الصحيح ما هو
صحيح معلول. والقائل ذلك هو أبو يعلى الخليلي في «الإرشاد» لما
قال: «إن أقسام الحديث كثيرةٌ: صحيح متفق عليه، وصحيحٌ معلول،
وصحيح مختلف فيه». ثم مَثَّل الصحيحَ المعلول بحديث رواه
إبراهيم بن طهمان، والنعمان بن عبد السلام، عن مالكٍ، عن محمد
بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: «للمملوك [45 - ب] طعامه وشرابه». رواه أصحاب مالك كلهم
في «الموطأ» عن مالكٍ، قال: بلغنا عن أبي هريرة.
قال: الخليلي فقد صار الحديث بتبيين الإسناد صحيحاً يُعتمد
عليه، ثم قال: وكان مالكٌ يرسل الأحاديث لا يبين إسنادها، وإذا
استقصى عليه من
(1/146)
يتجاسَر سؤاله ربما أجابه بالإسناد.
وقوله: «كالذي» (خ) يعني كما قال بعضهم في الصحيح ما هو صحيحٌ
شاذٌ.
وقوله:
208 - وَالنَّسْخَ سَمَّى (التِّرْمِذِيُّ) عِلَّهْ ... فَإنْ
يُرِدْ في عَمَلٍ فَاجْنَحْ لَهْ
الشرح: يعني أن الترمذي سمىَّ النسخ علةً من علل الحديث.
وقوله: «فإن يُرد»، هو من الزوائد على ابن الصلاح، ويعني: إن
أراد (ت) أنه علةٌ في العمل بالحديث فهو كلام صحيح فَمِلْ له
إلى كلامه، وإن يراد أنه علةٌ في صحة نقله فلا؛ لأن في الصحيح
أحاديث كثيرة منسوخة.
فقوله: «فاجنح» بالجيم، والنون، والحاء المهملة، أَمْرٌٌ من
جَنَحَ إلى كذا: إذا مال إليه. انتهى.
(1/147)
|