مقدمة ابن الصلاح معرفة أنواع علوم الحديث ت فحل النَّوْعُ الْمُوَفِّي ثَلاَثِيْنَ
مَعْرِفَةُ الْمَشْهُورِ مِنَ الْحَدِيْثِ (1)
ومَعْنى الشُّهْرةِ مَفْهُومٌ (2)، وهوَ مُنْقَسِمٌ إلى
صَحِيحٍ، كَقَولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّما
الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ)) (3)، وأمثالِهِ، وإلى غيرِ صَحيحٍ
(4)، كَحَديثِ: ((طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ
مُسْلِمٍ)) (5). وكما بَلَغَنا عَنْ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ (6) -
رضي الله عنه - أنَّهُ قالَ: ((أربعَةُ أحاديثَ تَدُورُ عَنْ
__________
(1) انظر في معرفة المشهور:
معرفة علوم الحديث: 92 - 94، والإرشاد 2/ 538 - 544، والتقريب:
152 - 153، والاقتراح: 310، واختصار علوم الحديث: 165 - 166
والشذا الفياح 2/ 434 - 445، والمقنع 2/ 427 - 440، وفتح
الباقي 2/ 265 - 277، ونزهة النظر: 62 - 71، وفتح المغيث 3/ 27
- 41، وتدريب الراوي 2/ 173 - 179، وتوضيح الأفكار 2/ 401 -
411، وظفر الأماني: 39 - 76.
(2) يعني: لغة، انظر: عن ذَلِكَ: مقاييس اللغة 3/ 222، والصحاح
2/ 705، واللسان 4/ 431، وتاج العروس 12/ 262.
وأما في الاصطلاح فقد اختلفت عبارة المحدّثين في تعريفه، وقد
عَرّفه ابن حجر فقال: ((ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين)).
انظر: النّزهة 62، وراجع تدريب الراوي 2/ 173، والمقنع 2/ 427،
حاشية المحقق، ومحاسن الاصطلاح: 389، وتوجيه النظر 1/ 111.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 2 (1) من حديث عمر بن الخطاب.
قال البلقيني في محاسن الاصطلاح: 389: ((قد تقدم في الشاذ أنّه
مما انفرد به عمر - رضي الله عنه -، وعنه علقمة وعن علقمة
مُحَمَّد بن إبراهيم، ومثل ذَلِك كيف يمثل للمشهور؟ وجوابه أن
المراد ما اشتهر وإن لَمْ يصل نقلته في جَمِيْع المراتب إلى
ثلاثة)).
(4) قال البلقيني في المحاسن: 389: ((المراد ما لَمْ يبلغ رتبة
الصحيح)).
(5) للسيوطي جزء لطيف في طرق هذا الحديث، بلغت خمسين طريقاً،
وهو مطبوع.
(6) هذا النص عن أحمد أورده ابن الجوزي في الموضوعات 2/ 236
قال: ((ونقلت من خط القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء،
قال: نقلت من خط أبي حفص البرمكي، قال: سمعت أبا بكر أحمد بن
محمد الصيدلاني، يقول: سمعت أبا بكر المروزي يقول: سمعت أبا
عبد الله أحمد بن حنبل، يقول ... فذكره.
(1/370)
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في
الأسْواقِ ليسَ لها أصْلٌ: ((مَنْ بَشَّرَنِي بِخُرُوجِ آذَارَ
بَشَّرْتُهُ بالْجَنَّةِ)) (1)، و ((مَنْ آذَى ذِمِّيّاً فأنا
خَصْمُهُ يَومَ القِيَامةِ)) (2)، و ((يَومُ نَحْرِكُمْ يَومُ
صَومِكُمْ)) (3)، و ((لِلسَّائِلِ حَقٌّ، وإنْ جاءَ عَلَى
فَرَسٍ)) (4).
ويَنقسِمُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ إلى ما هوَ مَشْهورٌ بَيْنَ أهلِ
الحديثِ وغيرِهِمْ (5)، وكَقَولِهِ - صلى الله عليه وسلم -:
((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المسْلِمونَ مِنْ لِسانِهِ
ويَدِهِ)) (6)، وأشْباهِهِ، وإلى ما هوَ مَشْهورٌ بَيْنَ أهلِ
الحديثِ خاصَّةً دُونَ غيرِهِمْ، كالذي رُوِّيْناهُ عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ الأنْصَارِيِّ،
__________
(1) لا أصل له، انظر تذكرة الموضوعات: 116، واللآلئ المصنوعة
2/ 78.
(2) بهذا اللفظ أخرجه الخطيب في تاريخه 8/ 370 من طريق العباس
بن أحمد المذكر، قال: حَدَّثَنا داود بن علي بن خلف، قال:
حَدَّثَنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، حَدَّثَنا عيسى بن يونس،
عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله. واستنكره وذكر الحمل فيه على
المذكر وساقه ابن الجوزي في الموضوعات 2/ 236 بسنده عن شيخه
القزاز، عن الخطيب، وانظر تنزيه الشريعة 2/ 181، واللآلئ 2/
78، والأسرار: 482.
(3) لا أصل له، انظر كشف الخفاء 2/ 398.
(4) أخرجه أحمد 1/ 201، وأبو داود (1665)، والطبراني في الكبير
(2893)، والبيهقي 7/ 23، وابن عبد البر في التمهيد 5/ 296،
وأبو نعيم في الحلية 8/ 379 من طريق فاطمة بنت الحسين، عن
أبيها مرفوعا، وأخرجه مالك في الموطأ (2846) عن زيد بن أسلم،
مرفوعاً: ((اعطوا السائل وإن جاء على فرس)) قال ابن عبد البر
في التمهيد 5/ 294: ((لا أعلم في إرسال هذا الحديث خلافا بين
رواة مالك وليس في هذا اللفظ مسند صحيح يحتج به فيما علمت)).
(5) وقد يراد بالمشهور ما اشتهر عَلَى الألسنة، وقد أفرد له
العلماء مؤلفات، انظرها في الرسالة المستطرفة: 191، ومقدمة
المقاصد الحسنة، والمشهور قد يكون صحيحاً، وقد يكون حسناً أو
ضعيفاً أو موضوعاً أو لا أصل له.
(6) أخرجه أحمد 2/ 379، والترمذي (2627)، والنسائي 8/ 104 -
105، وابن حبان (180)، والحاكم 1/ 10، من حديث أبي هريرة، وقال
الترمذي: ((حسن صحيح)).
وأخرجه البخاري 1/ 10، ومسلم 1/ 48، والترمذي (2504) و (2628)
والنسائي 8/ 106 - 107 من حديث أبي موسى بنحوه.
(1/371)
عَنْ سُلَيْمانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أبي
مِجْلَزٍ (1)، عَنْ أنَسٍ: ((أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَنَتَ شَهْراً بَعدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى
رِعْلٍ (2)، وذَكْوانَ)) (3). فهذا مَشْهورٌ بَيْنَ أهلِ
الحديثِ مُخَرَّجٌ في الصحيحِ، ولهُ رواةٌ عَنْ أَنَسٍ غيرُ
أبي مِجْلَزٍ، ورواةٌ (4) عَنْ أبي مِجْلَزٍ غيرُ
التَّيْمِيِّ، ورواةٌ عَنِ التَّيْمِيِّ غيرُ الأنصاريِّ (5)،
ولا يَعلمُ ذَلِكَ إلاَّ أهلُ الصَّنْعَةِ. وأمَّا غيرُهُمْ
فَقَدْ يَستغربونَهُ (6) مِنْ حيثُ إنَّ التَّيْمِيَّ يَرْوي
عَنْ أنَسٍ وهوَ هاهنا يَرْوي عَنْ واحدٍ عَنْ أنَسٍ (7).
ومِنَ المشْهُورِ المتواتِرُ الذي يَذْكُرُهُ أهلُ الفقهِ
وأُصُولِهِ (8)، وأهلُ الحديثِ لا يَذْكرُونَهُ باسْمِهِ
الخاصِّ الْمُشْعِرِ بِمَعْناهُ الخاصِّ، وإنْ (9) كانَ
الحافِظُ الخطيبُ قدْ ذَكَرَهُ (10) ففي كَلامِهِ ما يُشْعِرُ
بأنَّهُ اتَّبَعَ فيهِ غيرَ أهلِ الحديثِ، ولَعَلَّ ذَلِكَ
لِكَوْنِهِ لا تَشْمَلُهُ صِناعَتُهُمْ ولا يكادُ يوجَدُ في
رواياتِهِمْ، فإنَّهُ عبارةٌ عَنِ الخبرِ الذي يَنْقُلُهُ مَنْ
يَحْصُلُ العِلْمُ بِصِدْقِهِ ضَرُورةً، ولاَ بُدَّ في
إسنادِهِ مِنِ اسْتِمرارِ هذا الشَّرْطِ في رُواتِهِ مِنْ
أوَّلِهِ إلى مُنْتَهاهُ (11).
__________
(1) بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي، وهو لاحق بن
حُمَيْد بن سَعيد السّدوسي البصري. التقريب (7490).
(2) رِعْل - بكسر الراء وسكون العين المهملة -، وذكوان - بفتح
الذال المعجمة وسكون الكاف وبعد الألف نون، غير منصرف: هما
قبيلتان من سُلَيْم - بضم السين المهملة -. انظر: الصحاح 4/
1710، وعمدة القاري 7/ 20، وشرح السيوطي عَلَى سنن النسائي 2/
200.
(3) صحيح البخاري 2/ 32 و 5/ 136. وصحيح مسلم 2/ 136. وكذلك
أخرجه أحمد 3/ 116
و204، والنسائي 2/ 200 جميعهم من حديث سليمان التيمي، عن أبي
مجلز، عن أنس، فذكره.
(4) في (م) والتقييد: ((رواه)) بالهاء وكذا ما بعدها.
(5) انظر تخريج الروايات في تعليقنا عَلَى شرح التبصرة 2/ 390.
(6) في (م): ((يستغربون)).
(7) راجع: المحاسن: 392، وقارن بما في معرفة علوم الحديث
للحاكم: 93 - 94.
(8) راجع: المحاسن: 392، والتقييد: 265.
(9) في (م): ((فإن)).
(10) الكفاية: (50 ت، 16 هـ).
(11) انظر عن موضوع المتواتر: الكفاية (50 ت، 16 هـ)،
والبرهان 1/ 368 فقرة (491)، والمستصفى 1/ 132، والمحصول 2/
108، والبحر المحيط 4/ 231، ونزهة النظر: 53، وتدريب الراوي 2/
176، مقدمة لقط اللالىء: 17، وظفر الأماني: 39، وتوجيه النظر
1/ 107، ومقدمة نظم المتناثر: 11. ولا بدّ من الإشارة إلى أنَّ
العلماء أفردوا الأحاديث المتواترة بمؤلفات مفردة، مِنْهُم:
السيوطي وابن طولون والزبيدي والكتاني وغيرهم. انظر: الرسالة
المستطرفة 194.
(1/372)
ومَنْ سُئِلَ عَنْ إبْرَازِ (1) مِثالٍ
لِذَلِكَ فيما يُرْوَى مِنَ الحديثِ أعياهُ تَطَلُّبُهُ،
وحديثُ: ((إنَّمَا الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ)) (2) ليسَ مِنْ
ذَلِكَ بِسَبيلٍ، وإنْ نَقَلَهُ عَدَدُ التَّواتُرِ وزِيادَةٌ؛
لأنَّ ذَلِكَ طَرَأَ عليهِ في وَسَطِ إسْنادِهِ ولَمْ يُوجَدْ
في أوائِلِهِ عَلَى ما سَبَقَ ذِكْرُهُ.
نَعَمْ ... حديثُ: ((مَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّداً
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)) (3) نراهُ مِثالاً
لِذَلِكَ، فإنَّهُ نَقَلَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم
- العَدَدُ الْجَمُّ، وهوَ في " الصحيحينِ " مَرْوِيٌّ عَنْ
جَماعَةٍ مِنْهُم. وذَكَرَ أبو بَكْرٍ البَزَّارُ (4) الحافِظُ
الجليلُ في " مُسْنَدِهِ " أنَّهُ رواهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - نَحْوٌ مِنْ أربَعِينَ رَجلاً مِنَ
الصَّحابةِ. وذَكَرَ بعضُ الْحُفَّاظِ أنَّهُ رواهُ عنهُ - صلى
الله عليه وسلم - اثنانِ وستُّونَ نَفْساً (5) مِنَ الصحابَةِ،
وفيهم العَشَرَةُ المشْهُودُ لهم بالجنَّةِ. قالَ: وليسَ في
(6) الدُّنيا حديثٌ اجْتَمَعَ عَلَى روايتهِ العَشَرَةُ
غيرَهُ، ولا يُعْرَفُ حديثٌ يُرْوَى عَنْ أكْثَر مِنْ سِتِّينَ
نَفْساً مِنَ الصَّحابَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - إلاَّ هذا الحديثُ الواحِدُ (7).
قُلْتُ (8): وبَلَغَ بِهِمْ بعضُ أهلِ الحديثِ أكثرَ مِنْ هذا
العَدَدِ، وفي بعضِ ذَلِكَ عَدَدُ التَّواتُرِ. ثُمَّ لَمْ
يَزَلْ عدَدُ رواتِهِ في ازْدِيادٍ وهَلُمَّ جَرّاً عَلَى
التَّوالِي والاسْتِمرارِ، واللهُ أعلمُ.
__________
(1) راجع: التقييد والإيضاح: 266.
(2) سَبَقَ تخريجه.
(3) حديث صحيح متواتر، وقد خرّجناه مفصّلاً في تحقيقنا لشرح
التبصرة والتذكرة، ولا بدَّ من الإشارة إلى أن هذا الحديث قد
جمع طرقه غير واحد من العلماء مِنْهُم: الحافظ الطبراني، وجزؤه
مطبوع.
(4) انظر: البحر الزخار 3/ 188.
(5) قال ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 56: ((وقد رواه من الصحابة
عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد وستون
نفساً)).
(6) في (م): ((وليس لهم في)).
(7) انظر: الموضوعات 1/ 56، وقد عقّب الحافظ العراقي عَلَى هذا
الكلام فقال في شرح التبصرة 2/ 393: ((منقوض بحديث المسح عَلَى
الخفين، فقد رواه أكثر من ستين من الصحابة، ومنهم العشرة)).
وانظر: التقييد: 270، ومحاسن الاصطلاح: 393، والمقنع: 2/ 437.
(8) في نسخة (ب): ((قال المملي)).
(1/373)
النَّوْعُ الْحَادِي وَالثَّلاَثُوْنَ
مَعْرِفَةُ الغَرِيْبِ والعَزِيْزِ مِنَ الْحَدِيْثِ (1)
رُوِّيْنا عَنْ أبي عبدِ اللهِ بنِ مَنْدَه الحافِظِ
الأصْبانِيِّ أنَّهُ قالَ: ((الغريبُ مِنَ الحديثِ، كَحَدِيثِ
الزُّهْرِيِّ وَقَتَادةَ وأشْبَاهِهِما مِنَ الأئِمَّةِ
مِمَّنْ يُجْمَعُ حديثُهُمْ، إذا انفردَ الرجلُ عَنْهُم
بالحديثِ يُسَمَّى غَرِيْباً. فإذا رَوَى عَنْهُم رجلانِ
وثَلاثةٌ واشْتركُوا في حديثٍ يُسَمَّى عَزِيزاً. فإذا رَوَى
الجماعَةُ عَنْهُم حديثاً سُمِّي (2) مَشْهوراً)) (3).
قُلتُ (4): الحديثُ الذي يَتَفَرَّدُ (5) بهِ بعضُ الرواةِ
يُوصَفُ بالغريبِ، وكذلكَ الحديثُ الذي يَتَفَرَّدُ فيهِ
بعضُهُمْ بأمْرٍ لا يذكُرُهُ فيهِ غيرُهُ إمَّا في مَتْنِهِ،
وإمَّا في إسْنادِهِ. وليسَ كُلُّ ما يُعَدُّ مِنْ أنواعِ
الأفْرادِ مَعْدُوداً مِنْ أنواعِ الغريبِ، كما في الأفرادِ
المضافةِ إلى البلادِ عَلَى ما سَبَقَ شَرْحُهُ.
ثُمَّ إنَّ الغريبَ ينقسمُ إلى صحيحٍ، كالأفرادِ
الْمُخَرَّجَةِ في الصحيحِ، وإلى غيرِ صحيحٍ وذَلِكَ هوَ
الغالِبُ عَلَى الغرائِبِ. رُوِّيْنا عَنْ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ
- رضي الله عنه - أنَّهُ قالَ غيرَ مَرَّةٍ: ((لا تَكْتُبُوا
هذهِ الأحاديثَ الغرائبَ فإنَّها مَنَاكِيرُ وعَامَّتُها عَنِ
الضُّعَفاءِ)) (6).
__________
(1) انظر في معرفة الغريب والعزيز:
معرفة علوم الحديث: 94 - 96 وجامع الأصول 1/ 174 - 178،
والإرشاد 2/ 545 - 549، والتقريب: 153 - 155، والاقتراح: 309 -
310، والموقظة: 43، واختصار علوم الحديث: 166 - 167، والشذا
الفياح 2/ 446 - 450، والمقنع 2/ 441 - 442، وفتح الباقي 2/
265 - 277، ونزهة النظر: 64 - 71، وطبعة عتر 24 - 28، وفتح
المغيث 3/ 27 - 41، وتدريب الراوي 2/ 180 - 183، وتوضيح
الأفكار 2/ 401 - 411، وظفر الأماني: 68 - 76.
(2) في (ب): ((يسمى)).
(3) ذكره الحافظ ابن طاهر المقدسي في شروط الأئمة: 23. وانظر:
شرح التبصرة 2/ 379 وتعليقنا عليه.
(4) في (أ): ((قال الشَّيْخ - رضي الله عنه -)).
(5) في (م) والشذا: ((ينفرد)).
(6) أخرجه ابن عدي في مقدمة الكامل 1/ 111، وابن السمعاني في
أدب الإملاء: 58، ونحوه في الكفاية: (224 ت، 141 هـ)، ونحو
قول الإمام أحمد عن كثير من العلماء، انظر: الجامع 2/ 100 -
101، والكفاية: (223 - 227 ت، 140 - 141 هـ)، والمحدّث
الفاصل: 561 - 565.
(1/374)
ويَنْقَسِمُ الغريبُ أيضاً مِنْ وجهٍ آخَرَ، فمنهُ ما هُوَ
غريبٌ (1) مَتْناً وإسْناداً وهوَ الحديثُ الذي تَفَرَّدَ
بروايةِ مَتْنِهِ راوٍ واحدٌ.
ومنهُ ما هوَ غريبٌ إسْناداً لا مَتْناً كالحديثِ الذي
مَتْنُهُ مَعروفٌ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعةٍ مِنَ الصَّحابةِ إذا
تَفَرَّدَ (2) بعضُهُمْ بروايتِهِ عَنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ كانَ
غَريباً مِنْ ذلكَ الوجهِ معَ أنَّ مَتْنَهُ غيرُ غريبٍ. ومِنْ
ذَلِكَ غرائبُ الشُّيُوخِ في أسانيدِ المتونِ الصحيحةِ (3).
وهذا الذي يَقُولُ فيهِ التِّرْمِذِيُّ: ((غريبٌ مِنْ هذا
الوجْهِ)). ولا أرى هذا النوعَ يَنْعَكِسُ، فلا يُوجدُ إذَنْ
ما هوَ غريبٌ مَتْناً وليسَ غريباً إسْناداً إلاَّ إذا
اشْتَهَرَ الحديثُ الفَرْدُ عَمَّنْ تَفَرَّدَ بهِ فرَواهُ
عنهُ عددٌ كثيرونَ فإنَّهُ يَصِيرُ غريباً مَشْهُوراً، وغريباً
مَتْناً وغيرَ غريبٍ إسْناداً لكنْ بالنَّظَرِ إلى أحدِ
طَرَفَي الإسنادِ، فإنَّ إسنادَهُ مُتَّصِفٌ بالغرابةِ في
طَرَفِهِ الأوَّلِ مُتَّصِفٌ بالشُّهْرَةِ في طَرَفِهِ
الآخَرِ، كحَديثِ: ((إنَّمَا الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ)) (4)،
وكسَائِرِ الغرائِبِ التي اشْتَمَلَتْ عليها التَّصَانيفُ
المشْتَهرَةُ (5)، واللهُ أعلمُ. |