مقدمة ابن الصلاح معرفة أنواع علوم الحديث ت فحل

النَّوْعُ الثَّامِنُ والثَّلاَثُونَ
مَعْرِفَةُ الْمَرَاسِيْلِ الْخَفِيِّ إرْسَالُهَا (1)
هذا نوعٌ مُهِمٌّ عظيمُ الفائدةِ يُدْرَكُ بالاتِّسَاعِ في الروايةِ والجمْعِ لِطُرُقِ الأحاديثِ مَعَ المعرفَةِ التامَّةِ، ولِلْخَطيبِ الحافِظِ فيهِ كِتابُ " التَّفْصِيلِ لِمُبْهَمِ المراسِيلِ " (2). والمذكورُ في هذا البابِ منهُ ما عُرِفَ فيهِ الإرْسالُ بمعرفَةِ عَدَمِ السَّماعِ مِنَ الراوي فيهِ أوْ عَدَمُ اللقَاءِ، كما جاءَ في الحديثِ المرْوِيِّ عَنِ العَوَّامِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عبدِ اللهِ بنِ أبي أوْفَى، قالَ: ((كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا قالَ بِلالٌ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ نَهَضَ وكَبَّرَ)) (3). رُوِيَ فيهِ عَنْ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ أنَّهُ قالَ: ((العَوَّامِ لَمْ يَلْقَ ابنَ أبي أوْفَى)) (4). ومنهُ ما كانَ الْحُكْمُ بإرْسَالِهِ مُحالاً عَلَى مَجِيئهِ مِنْ وجْهٍ آخَرَ بزِيادَةِ شَخْصٍ واحِدٍ أوْ أكثَرَ في الموضِعِ المدَّعَى فيهِ الإرْسالُ، كالحديثِ الذي سَبَقَ ذِكْرُهُ في النوعِ العاشِرِ عَنْ عبدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّورِيِّ، عنْ أبي إسْحاقَ، فإنَّهُ حُكِمَ فيهِ بالانْقِطاعِ والإرْسَالِ بَيْنَ عبدِ الرَّزَّاقِ والثَّورِيِّ؛ لأنَّهُ رُوِيَ عَنْ عبدِ الرَّزَّاقِ، قالَ: حَدَّثَني النُّعْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ الْجَنَدِيُّ (5) عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أبي إسْحاقَ. وحُكِمَ أيضاً فيهِ بالإرْسالِ بَيْنَ الثَّوْرِيِّ وأبي إسْحاقَ؛ لأنَّهُ رُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ شَرِيكٍ،
__________
(1) انظر في هذا النوع:
الكفاية في علم الرواية: (546 ت - 384 هـ)، والإرشاد 2/ 581 - 583، التقريب: 162، واختصار علوم الحديث: 177 - 178، والشذا الفياح 2/ 479 - 482، والمقنع 2/ 487 - 489، ونزهة النظر 109 - 112، وطبعة عتر: 43 - 44، وفتح المغيث 3/ 79 - 82، وتدريب الراوي 2/ 205 - 206.
(2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 444.
(3) أخرجه البزار 1/ 252 (كشف)، والبيهقي 2/ 22، وقال عقيبه: ((وهذا لا يرويه إلا الحجاج بن فروخ، وكان يحيى بن معين يضعفه)). انظر: مجمع الزوائد 2/ 103.
(4) جامع التحصيل: 249 (596).
(5) بفتح الجيم والنون. التقريب (7157).

(1/394)


عَنْ أبي إسْحاقَ (1)، وهذا وما سَبَقَ في النوعِ الذي قبلَهُ يَتَعَرَّضانِ؛ لأنْ يُعْتَرضَ بِكُلِّ واحِدٍ منهُما عَلَى الآخَرِ، عَلَى ما تَقَدَّمَتْ الإشَارةُ إليهِ، واللهُ أعلمُ.

النَّوْعُ التَّاسِعُ والثَّلاَثُونَ
مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - أجْمَعِيْنَ (2)
هذا عِلْمٌ كبيرٌ قَدْ ألَّفَ الناسُ فيهِ كُتُباً كَثيرةً (3)، ومِنْ أجَلِّها (4) وأكْثَرِها فوائِدَ كتابُ " الاستِيعَابِ " لابنِ عبدِ البرِّ لولا ما شَانَهُ بهِ مِنْ إيرادِهِ كَثيراً مِمَّا
شَجَرَ بَيْنَ الصحابةِ وحكاياتِهِ عَنِ الأخبارِيِّيْنَ لا المحدِّثينَ. وغالبٌ عَلَى الأخبارِيِّينَ الإكْثَارُ والتخليطُ فيما يَرْوُونَهُ.
__________
(1) بعدها في (م) وحاشية الشذا الفياح: ((وما رواه بكر بن بكار وغيره عن المسعودي، عن عبد الكريم ابن مالك الجزري، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن علي: ((أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتصدق بلحوم البدن وجلالها وجلودها))، فهذا قد حكم فيه بالإرسال بين عبد الكريم الجزري وابن أبي ليلى، وبأن بينهما مجاهداً؛ ولأن ابن عيينة وإسرائيل بن يونس وغيرهما رووه عن عبد الكريم، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى)). وهذا النص الطويل لا نظنه لابن الصلاح بل هو لأحد المحشين، وإلا كيف نفسر عدم وجوده في نسخنا الخطية والتقييد ولا في من اختصر الكتاب أو شرحه، ولم نجد أحداً نسب ذَلِكَ لابن الصلاح.
(2) انظر في ذلك:
معرفة علوم الحديث: 22 - 25، والكفاية: (93 - 102 ت، 46 - 52 هـ -)، والإرشاد 2/ 584 - 605، والتقريب: 162 - 165، واختصار علوم الحديث: 179 - 191، والشذا الفياح 2/ 483 - 518، والمقنع 2/ 490 - 505، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 5 - 56، وفتح المغيث 3/ 83 - 138، وتدريب الراوي 2/ 206 - 233، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 171، وفتح الباقي 3/ 2 - 44، وتوضيح الأفكار 2/ 426 - 471، وظفر الأماني 496 - 513.
(3) انظر: الإصابة 1/ 2 - 3، وشرح التبصرة 3/ 5، والرسالة المستطرفة: 126.
(4) في (ب) و (جـ) و (م) والشذا الفياح: ((أحلاها))، وما أثبتناه من (أ) و (ع) والتقييد.

(1/395)


وأنا أُوْرِدُ نُكَتاً نافِعَةً - إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى - قدْ كانَ يَنْبَغِي لِمُصَنِّفي كُتُبِ الصَّحابةِ أنْ يُتَوِّجُوها بها مُقَدِّمينَ لها في فواتِحِها:
إحْداها: اختلَفَ أهلُ العِلْمِ في أنَّ الصَّحابيَّ مَنْ (1)؟ فالمعروفُ مِنْ طريقةِ أهلِ الحديثِ أنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ رأى رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ مِنَ الصحابةِ. قالَ البُخَارِيُّ في " صحيحهِ ": ((مَنْ صَحِبَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أوْ رآهُ مِنَ المسْلِمِيْنَ فَهُوَ مِنَ أصْحَابِهِ)) (2). وبَلَغَنا عَنْ أبي الْمُظَفَّرِ السَّمْعانيِّ الْمَرُوزِيِّ أنَّهُ قالَ: ((أصْحابُ الحديثِ يُطْلِقُونَ اسمَ الصَّحابةِ عَلَى كُلِّ مَنْ رَوَى عنهُ حديثاً أو كَلِمةً، ويَتَوَسَّعُونَ حَتَّى يَعدُّونَ مَنْ
رآهُ رُؤْيةً، مِنَ الصحابةِ؛ وهذا لِشَرَفِ مَنْزِلَةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أعطَوا كُلَّ مَنْ رآهُ حُكْمَ الصُّحْبَةِ)). وذَكَرَ أنَّ اسمَ الصحابِيِّ مِنْ حيثُ اللغَةُ والظَّاهِرُ: يقعُ عَلَى مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وكَثُرَتْ مُجالَسَتُهُ لهُ عَلَى طريقِ التَّبَعِ لهُ والأخْذِ عنهُ. قالَ: ((وهذا طريقُ الأُصُولِيِّيْنَ)) (3).
قلتُ: وقَدْ رُوِّيْنا عَنْ سَعِيْدِ بنِ المسَيِّبِ أنَّهُ كانَ: ((لاَ يَعُدَّ الصَّحابِيَّ إلاَّ مَنْ أقامَ مَعَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَنَةً وسَنَتَيْنِ وغَزَا معهُ غَزْوَةً أوْ غَزْوَتَيْنِ)) (4)، وكأنَّ المرادَ بهذا - إنْ صَحَّ عنهُ - راجعٌ إلى المحْكِيِّ عَنِ الأُصُولِيِّيْنَ، ولَكِنْ في عبارتِهِ ضيقٌ يُوجِبُ أنْ لا يُعَدَّ مِنَ
__________
(1) في (م): ((من هو؟)).
(2) صحيح البُخَارِيّ 5/ 2 قبيل (3649)، وأورده الخطيب مسنداً في الكفاية: (99 ت - 51 هـ‍).
(3) انظر مثلاً: مختصر ابن الحاجب 2/ 67، والمستصفى 1/ 165، وإحكام الأحكام 1/ 275، وفواتح الرحموت 2/ 158، وظفر الأماني: 304 قال ابن الملقن في المقنع 2/ 491: ((لكن رجح ابن الحاجب الأصولي الأول، وعبر بقوله: ((من رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدل من رأي، وما رجحه موافق للمعروف عِنْدَ المحدّثين، ويدخل في تفسيره ابن أم مكتوم الأعمى وغيره ... بخلاف الأول. انظر: منتهى الوصول لابن الحاجب: 81.
(4) أسنده إليه الخطيب في الكفاية: (99 ت، 50 هـ‍) من طريق ابن سعد عن الواقدي محمد بن عمر، عن طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: كان سعيد يقول: فذكره.
وهذا سند ضعيف جداً لشدة ضعف الواقدي. قال العراقي في شرح التبصرة 3/ 12 - 13:
((ولا يصح هذا عن ابن المسيب، ففي الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي: ضعيف في الحديث)).

(1/396)


الصحابةِ جريرُ بنُ عبدِ اللهِ البَجَلِيُّ، ومَنْ شَاركَهُ في فَقْدِ ظَاهِرِ ما اشْتَرَطَهُ فيهم مِمَّنْ لا نَعْرِفُ خلافاً في عَدِّهِ مِنَ الصَّحابَةِ (1). ورُوِّيْنا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُوْسَى السَّبَلاَنِيِّ (2)
- وأثْنَى عليهِ خَيْراً - قالَ: أتَيْتُ أنَسَ بنَ مالكٍ فقلْتُ: هَلْ بَقِيَ مِنْ أصْحابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أحَدٌ غيرُكَ؟ قالَ: بَقِيَ ناسٌ مِنَ الأعْرابِ قَدْ رَأَوْهُ، فأمَّا مَنْ صَحِبَهُ فلا (3). إسْنادُهُ جيِّدٌ، حدَّثَ بهِ مُسْلِمٌ بِحَضْرَةِ أبي زُرْعَةَ.
ثُمَّ إنَّ كَوْنَ الواحِدِ مِنْهُم صَحابيّاً تارَةً يُعْرَفُ بالتَّواتُرِ (4)، وتارَةً بالاسْتِفاضَةِ القاصِرَةِ عَنِ التواتُرِ، وتارَةً بأنْ يُرْوَى عَنْ آحادِ الصَّحابَةِ أنَّهُ صَحابِيٌّ، وتارَةً بقَوْلِهِ وإخْبَارِهِ عَنْ نَفسِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ بأنَّهُ صَحَابِيٌّ (5)، واللهُ أعلمُ.
الثَّانِيَةُ: لِلصَّحَابَةِ بأسْرِهِمْ خَصِيْصَةٌ، وهيَ أنَّهُ لا يُسْألُ عَنْ عَدَالَةِ أحَدٍ مِنْهُم، بلْ ذَلِكَ أمرٌ مفروغٌ منهُ لِكَوْنِهِمْ عَلَى الإطْلاقِ مُعَدَّلِيْنَ بِنُصُوصِ الكِتابِ والسُّنَّةِ وإجْماعِ مَنْ يُعْتَدُّ بهِ في الإجماعِ مِنَ الأمَّةِ.
قالَ اللهُ تباركَ وتَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (6) الآيةَ. قيلَ
اتَّفَقَ المفسرونَ عَلَى أنَّهُ وارِدٌ في أصْحابِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (7)، وقال تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُوْنُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (8)، وهذا خِطابٌ مَعَ الموجُودِينَ
__________
(1) راجع: محاسن الاصطلاح 424.
(2) كذا في (أ) و (ج‍) و (ع) و (م) والشذا، وفي التقييد: ((السيلاني)) بالياء المثناة من تحت، ومثله في شرح التبصرة 3/ 12، والجرح والتعديل 8/ 169. وفي (ب): ((السلاني)). راجع: التقييد والإيضاح: 399، والأنساب 3/ 392، وتهذيب الكمال 1/ 291، واللباب 2/ 170، والباعث الحثيث 2/ 494.
(3) أسنده ابن عساكر في تاريخ دمشق 9/ 379، وهو في تهذيب الكمال للمزي 3/ 276.
(4) راجع محاسن الاصطلاح 427، والتقييد والإيضاح 299.
(5) انظر: الكفاية (100 ت، 52 هـ‍).
(6) آل عمران: 110.
(7) لَمْ نرَ أحداً نقل الاتفاق في ذلك، وانظر: تفسير الطبري 4/ 29، وتفسير البغوي 1/ 491، وزاد المسير 1/ 439، وتفسير ابن كثير 1/ 530، والدر المنثور 2/ 294.
(8) البقرة: 143.

(1/397)


حِيْنَئذٍ (1). وقالَ سُبْحانَهُ وتَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ والَّذِيْنَ مَعَهُ أشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ} (2) الآيةَ.
وفي نُصُوصِ السُّنَّةِ الشاهِدةِ بذلكَ كثرةٌ، منها حديثُ أبي سَعِيْدٍ المتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ؛ أنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((لا تَسُبُّوا أصْحابِي، فوَالَّذي نَفْسِي بيدِهِ، لوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً ما أدْرَكَ مُدَّ (3) أحَدِهِمْ ولا نَصِيْفَهُ)) (4). ثُمَّ إنَّ الأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى تَعْدِيلِ جَمِيْعِ الصَّحَابَةِ (5)، ومَنْ لاَبَسَ الفِتَنَ مِنْهُم فكذلكَ بإجْماعِ العلماءِ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بهم في الإجماعِ، إحْساناً للظَّنِّ بهم ونَظَراً إلى ما تمهَّدَ لهم مِنَ المآثِرِ، وكأَنَّ اللهَ سُبْحانَهُ وتعالى أتاحَ (6) الإجماعَ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ نَقَلَةَ الشَّرِيْعَةِ (7)، واللهُ أعلمُ.
الثَّالِثَةُ: أكْثَرُ الصَّحَابَةِ حَدِيثاً عَنْ رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أبو هُرَيْرَةَ (8). رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بنِ أبي (9) الحسَنِ، وأحمدَ بنِ حَنْبَلٍ، وذَلِكَ مِنَ الظاهِرِ الذي لا يَخْفَى عَلَى
__________
(1) انظر: تفسير البغوي 1/ 174.
(2) الفتح: 29.
(3) الْمُدُّ - بضم الميم - مكيال معروف، وإنما قَدَّره به؛ لأنه أقل ما كانوا يتصدقون به في العادة. وحكى الخطّابي أنَّهُ روي بفتح الميم قال: والمراد به: الفضل والطول. والنصيف بوزن رغيف، هو النصف كما يقال: عشر عشير، وقيل: النصيف هنا مكيال يكال به، وهو دون المد. انظر: النهاية 4/ 308، وفتح الباري 7/ 34، وعمدة القاري 16/ 188.
(4) أخرجه الطيالسي (2183)، وعلي بن الجعد (760) و (3553)، وابن أبي شيبة 12/ 174، وأحمد 3/ 11 و 54، وفي الفضائل (5) و (6) و (7)، وعبد بن حميد (918)، والبخاري 5/ 10، ومسلم 7/ 188، وأبو داود (4658)، وابن أبي عاصم (988) إلى (991)، والترمذي
(3861)، والبزار (2768)، وأبو يعلى (1087) و (1198)، وابن حبان (6994)، والخطيب البغدادي 7/ 144، والبغوي (359) من حديث أبي سعيد الخدري.
(5) لذا قال الحافظ ابن حجر في الإصابة 1/ 11: ((والقول بالتعميم هو الذي صرح به الجمهور، وهو المعتبر)).
(6) تاح له الشيء، وأتيح له الشيء، أي: قُدّرَ لهُ، وأتاح له الشىء، أي قدره له. الصحاح 1/ 356.
(7) راجع التقييد: 301.
(8) راجع: محاسن الاصطلاح 429، وشرح التبصرة 3/ 21.
(9) سقطت من (م).

(1/398)


حَدِيْثِيٍّ، وهوَ أوَّلُ صَاحِبِ حديثٍ (1). بَلَغَنا عَنْ أبي بكرِ بنِ أبي داودَ السِّجسْتانِيِّ قالَ: ((رأيْتُ أبا هُرَيْرَةَ في النومِ وأنا بِسَجستانَ أُصَنِّفُ حديثَ أبي هُرَيْرَةَ، فقُلْتُ (2): إنِّي لأُحِبُّكَ، فقالَ: أنا أوَّلُ صَاحِبِ حديثٍ كانَ في الدُّنْيا)).
وَعَنْ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ أيضاً - رضي الله عنه - قالَ: ((سِتَّةٌ مِنْ أصْحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أكثروا الروايةَ عنهُ وَعُمِّروا: أبو هُريرةَ، وابنُ عُمَرَ، وعائشةُ، وجابِرُ بنُ عبدِ اللهِ، وابنُ عبَّاسٍ، وأنَسٌ، وأبو هُرَيْرَةَ أكْثَرُهُمْ حديثاً وحَمَلَ عنهُ الثِّقاتُ)).
ثُمَّ إنَّ أكثَرَ الصحابةِ فُتْيا تُرْوَى ابنُ عباسٍ. بَلَغَنا عَنْ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ قالَ: ((ليسَ أحَدٌ مِنْ أصْحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُرْوَى عنهُ في الفتْوى أكثرَ مِنِ ابنِ عَبَّاسٍ)).
ورُوِّيْنا عَنْ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ أيضاً أنَّهُ قِيلَ لهُ: ((مَنِ العَبادِلَةُ؟))، فقالَ: ((عبدُ اللهِ ابنُ عَبَّاسٍ، وعبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وعبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ، وعبدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو)). قيلَ لهُ:
((فابنُ مَسعودٍ؟))، قالَ: ((لا، ليسَ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ مِنَ العبادلةِ)) (3). قالَ الحافِظُ أحمدُ البَيْهَقِيُّ فيما رُوِّيْناهُ عنهُ وقرأْتُهُ بِخَطِّهِ: ((وهذا لأنَّ ابنَ مسعودٍ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ، وهؤلاءِ عاشُوا حَتَّى احتِيْجَ إلى عِلْمِهِمْ، فإذا اجْتَمَعُوا عَلَى شيءٍ قيلَ: هذا قَوْلُ العبادِلَةِ، أوْ: هذا فِعْلُهُمْ)) (4).
قُلْتُ: ويَلْتَحِقُ بابنِ مَسعودٍ في ذَلِكَ سائِرُ العبادِلَةِ الْمُسَمَّيْنَ بعبدِ اللهِ مِنَ الصحابةِ، وهُمْ نَحْوُ مِئَتَيْنِ وعِشْرِينَ نَفْساً (5)، واللهُ أعلمُ.
ورُوِّيْنا عَنْ عليِّ بنِ عبدِ اللهِ المدينيِّ قالَ: ((لَمْ يَكُنْ مِنْ أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أحَدٌ لهُ أصْحابٌ يَقُومونَ بقَوْلِهِ في الفِقْهِ إلاَّ ثَلاثَةٌ: عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ، وزيدُ بنُ ثابِتٍ،
__________
(1) قال الشافعي رحمه الله: ((أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره)). الرسالة: 281، وانظر: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 270.
(2) في (أ): ((فقلت له)).
(3) نقله النووي في تهذيب الأسماء واللغات 1/ 267.
(4) نقله النووي في تهذيب الأسماء واللغات 1/ 267.
(5) راجع: محاسن الاصطلاح 430، والتقييد والإيضاح 303، وفي الإصابة أسماء كثيرة ممن اسمه عبد الله. انظر: 2/ 273 - 387 منه.

(1/399)


وابنُ عبَّاسٍ - رضي الله عنهم -، كانَ لِكُلِّ رجلٍ مِنْهُم أصحابٌ يَقُومونَ بقَولِهِ ويُفْتونَ النَّاسَ)) (1)، وَرُوِّيْنا عَنْ مَسْروقٍ قالَ: ((وَجَدْتُ عِلْمَ أصْحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - انتهى إلى سِتَّةٍ: عُمَرَ، وعَلِيٍّ، وأُبَيٍّ، وزيدٍ، وأبي الدَّرْداءِ، وعبدِ اللهِ بنِ مَسْعودٍ. ثُمَّ انتهى عِلْمُ هَؤلاءِ السِّتَّةِ إلى اثْنَيْنِ: عليٍّ، وعبدِ اللهِ)) (2). رُوِّيْنا نَحْوَهُ عَنْ مُطَرِّفٍ (3) عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ، لكنْ ذَكَرَ أبا موسَى بدَلَ أبي الدَّرْدَاءِ (4). ورُوِّيْنا عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: ((كانَ العِلْمُ يُؤْخَذُ عَنْ سِتَّةٍ مِنْ أصحابِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وكانَ عُمَرُ، وعبدُ اللهِ، وزيدٌ، يُشْبِهُ عِلْمُ بعضِهِمْ بَعضاً، وكانَ يَقْتَبِسُ بَعضُهُمْ مِنْ بَعضٍ، وكانَ عليٌّ، والأشْعَريُّ، وأُبَيٌّ، يُشْبِهُ عِلْمُ بعضِهِمْ بَعضاً، وكانَ يَقْتَبِسُ بَعضُهُمْ مِنْ بَعضٍ)) (5). ورُوِّيْنا عَنِ الحافِظِ أحمدَ البَيْهَقِيِّ أنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ الصَّحابَةَ في " رسالتِهِ " القديمةِ وأثْنَى عليهِمْ بما هُمْ أهلُهُ، ثُمَّ قالَ: ((وهُمْ فَوْقَنا في كُلِّ عِلْمٍ، واجْتِهادٍ، وَوَرَعٍ، وعَقْلٍ، وأمْرٍ اسْتُدْرِكَ بهِ عِلْمٌ واسْتُنْبِطَ بهِ، وآراؤُهُمْ لنا أحمدُ وأوْلَى بنا مِنْ آرَائِنا عِنْدَنا لأنْفُسِنا))، واللهُ أعلمُ.
الرَّابِعَةُ: رُوِّيْنا عَنْ أبي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ أنَّهُ سُئِلَ عَنْ عِدَّةِ (6) مَنْ رَوَى عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ: ((ومَنْ يَضْبِطُ هذا؟ شَهِدَ مَعَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّةَ الوداعِ أربعونَ ألِفاً، وشَهِدَ معهُ تَبُوكَ سَبعونَ ألفاً (7). ورُوِّيْنا عَنْ أبي زُرْعَةَ أيضاً أنَّهُ قيلَ لهُ: ((ألَيْسَ يُقَالَ: حديثُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أربَعةُ آلاَفِ حديثٍ؟))، قالَ: ((ومَنْ قالَ ذا؟ قَلْقَلَ اللهَ أنْيَابَهُ! هذا قولُ الزَّنَادِقَةِ، ومَنْ يُحْصِي حدِيثَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قُبِضَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ مِئَةِ ألْفٍ وأربَعَةَ عَشَرَ ألِفاً
__________
(1) العلل لابن المديني: 45، ورواه عنه البيهقي في المدخل (155)، والخطيب في الجامع 2/ 288 (1884).
(2) أخرجه ابن سعد في طبقاته 2/ 351، وابن المديني في العلل: 44، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ 1/ 481.
(3) بضم الميم، وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المشددة كَمُحَدِّث. انظر: الإكمال 7/ 200، وتاج العروس 24/ 85.
(4) طبقات ابن سعد 2/ 351.
(5) أخرجه أبو خيثمة في العلم (94)، والبيهقي في المدخل (119).
(6) راجع: التقييد والإيضاح: 305.
(7) أخرجه الخطيب في الجامع (1893).

(1/400)


مِنَ الصحابةِ مِمَّنْ رَوى عنهُ، وسَمِعَ منهُ، وفي روايةٍ مِمَّنْ رآهُ وسَمِعَ منهُ)). فقِيْلَ لهُ: يا أبا زُرْعَةَ! هؤلاءِ أينَ كانُوا وأينَ سَمِعُوا منهُ؟ قالَ: ((أهلُ المدينةِ، وأهلُ مَكَّةَ، ومَنْ بينَهُما، والأعرابُ، ومَنْ شَهِدَ معهُ حَجَّةَ الوداعِ كُلٌّ رآهُ وسَمِعَ منهُ بِعَرَفَةَ)) (1).
قُلْتُ (2): ثُمَّ إنَّهُ اخْتُلِفَ في عدَدِ طَبَقَاتِهِمْ وأصْنافِهِمْ، والنَّظَرُ في ذَلِكَ إلى السَّبْقِ بالإسْلامِ والهِجْرَةِ وشُهُودِ المشاهَدِ الفاضِلَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بآبَائِنا وأُمَّهَاتِنا وأنْفُسِنا هوَ - صلى الله عليه وسلم - وجَعَلَهُمُ الحاكِمُ (3) أبو عبدُ اللهِ اثْنَتَي عَشْرَةَ (4) طَبَقَةً، ومنهُمْ مَنْ زادَ عَلَى ذَلِكَ، ولَسْنا نُطَوِّلُ بتفصِيلِ ذَلِكَ، واللهُ أعلمُ.
الخامِسَةُ: أفْضَلُهُمْ عَلَى الإطْلاَقِ أبو بكرٍ، ثُمَّ عُمَرَ (5)، ثُمَّ إنَّ جُمْهُورَ السَّلَفِ عَلَى تقدِيمِ عُثْمانَ عَلَى عليٍّ، وقَدَّمَ أهلُ الكُوفةِ مِنْ أهلِ السُّنَّةِ عَلِيّاً عَلَى عُثْمانَ، وبهِ قالَ مِنْهُم: سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ (6) أوَّلاً ثُمَّ رَجَعَ إلى تقديمِ عُثْمانَ (7)، رَوَى ذَلِكَ عنهُ وعَنْهُم الخطَّابِيُّ (8). ومِمَّنْ نُقِلَ عنهُ مِنْ أهلِ الحديثِ تقديمُ عليٍّ عَلَى عُثْمانَ مُحَمَّدُ بنُ إسْحاقَ ابنِ خُزَيْمةَ (9). وتقديمُ عُثْمانَ هوَ الذي اسْتَقَرَّتْ عليهِ مَذاهِبُ أصْحابِ الحديثِ وأهلِ السُّنَّةِ (10)، وأمَّا أفضلُ أصْنافِهِمْ صِنْفاً فقَدْ قالَ أبو مَنْصورٍ
__________
(1) أسنده إليه الخطيب في الجامع (1894).
(2) في (ع): ((قال المؤلف))، وما أثبتناه من النسخ و (م).
(3) معرفة علوم الحديث: 22 - 24.
(4) في (جـ): ((اثني عشر))، وفي (ع): ((اثنتي عشر طبقة)).
(5) عبارة: ((ثُمَّ عمر)) لَمْ ترد في (م).
(6) أسنده إليه الخطابي في معالم السنن 7/ 18.
(7) قال الخطابي في المعالم 7/ 18: ((وقد نبئت عن سفيان أنه قال في آخر قوليه: ((أبو بكر وعمر وعثمان وعلي)) ... )).
(8) في (م): ((روى ذلك عنه جماعة ومنهم الخطابي)).
(9) نقله عنه الخطابي في معالم السنن 7/ 18.
(10) قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 33: ((والذي استقر عليه أهل السنة تقديم عثمان، لما روى البخاري، وأبو داود، والترمذي من حديث ابن عمر، قال: ((كنا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان)). والحديث في صحيح البخاري 5/ 5 (3655) و 5/ 18 (3698)، وسنن أبي داود (4627)، وجامع الترمذي (3707).

(1/401)


البغداديُّ التَّمِيميُّ: أصْحابُنا مُجْمِعونَ عَلَى أنَّ أفضَلَهم الخلفاءُ الأربَعَةُ، ثُمَّ السِّتَّةُ الباقُونَ إلى تَمامِ العَشَرَةِ، ثُمَّ البَدْرِيونَ، ثُمَّ أصحابُ أُحُدٍ، ثُمَّ أهلُ بَيْعَةِ الرِّضْوانِ بالْحُدَيْبِيَةِ (1).
قلتُ: وفي نصِّ القُرْآنِ تَفضيلُ (2) السَّابِقِينَ الأوَّلِينَ مِنَ المهاجِرِيْنَ والأنْصَارِ، وهُمُ الذِيْنَ صَلُّوا إلى القِبْلَتَيْنِ في قَوْلِ سَعِيْدِ بنِ المسيِّبِ (3) وطائِفَةٍ (4). وفي قَوْلِ الشَّعْبِيِّ: هُمُ الذِينَ شَهِدُوا بَيْعَةَ الرِّضْوانِ (5). وعَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ (6) وعَطَاءِ بنِ يَسارٍ أنَّهُما قالاَ: هُمْ أهلُ بَدْرٍ (7)، رَوَى ذَلِكَ عَنْهُما ابنُ عبدِ البرِّ فيما وَجَدْناهُ عنهُ، واللهُ أعلمُ.
السَّادِسَةُ: اختَلَفَ السَّلَفُ في أوَّلِهِمْ إسْلاماً، فقيلَ: أبو بكرٍ (8) الصِّدِّيقُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابنِ عباسٍ (9)، وحَسَّانَ بنِ ثابتٍ (10)، وإبراهيمَ النَّخَعِيِّ (11)،
__________
(1) أصول الدين لأبي منصور البغدادي: 304.
والحديبية - بضم الحاء وفتح الدال المهملتين، وياء ساكنة، وكسر الباء الموحدة وياء مخففة مفتوحة
كـ: دُوَيْهِيَة، وَقَدْ تُشدَّد ياؤها أيضاً -. انظر: عمدة القاري 17/ 212، ومراصد الاطلاع 1/ 386، وتاج العروس 2/ 246.
(2) إشارة إلى قوله تَعَالَى: {السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المهَاجِرِيْنَ والأنْصَارِ}. التوبة: 100.
(3) أخرجه الطبري في تفسيره 11/ 7، وابن عبد البر في الاستيعاب 1/ 6.
(4) منهم: ابن سيرين. انظر: الاستيعاب 1/ 6 - 7.
(5) أخرجه الطبري في تفسيره 11/ 6، وابن عبد البر في الاستيعاب 1/ 7.
(6) بضم القاف، وفتح الراء المهملة. انظر: الأنساب 4/ 454.
(7) أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب 1/ 7.
(8) راجع: التقييد والإيضاح: 308.
(9) الاستيعاب 2/ 28.
(10) المصدر السابق.
(11) الاستيعاب 2/ 245.

(1/402)


وغيرِهِمْ (1). وقيلَ: عليٌّ أوَّلُ مَنْ أسلَمَ، رُوِيَ ذَلِكَ عنْ زيدِ بنِ أرْقَمَ (2)، وأبي ذَرٍّ (3)، والمقْدَادِ (4) وغيرِهِمْ (5). قالَ الحاكِمُ أبو عبدِ اللهِ: ((لا أعلمُ خِلافاً بَيْنَ أصحابِ التَّوارِيخِ (6) أنَّ عليَّ بنَ أبي طالِبٍ أوَّلُهُمْ إسْلاماً))، واسْتُنْكِرَ هذا مِنَ الحاكِمِ. وقيلَ: أوَّلُ مَنْ أسلمَ زيدُ بنُ حارِثَةَ. وذَكَرَ مَعْمَرٌ نحوَ ذَلِكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ (7). وقيلَ: أوَّلُ مَنْ أسلمَ خديجةُ أُمُّ المؤمِنينَ، رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ (8)، وهوَ قَوْلُ قَتَادَةَ (9)، ومُحَمَّدِ بنِ إسْحاقَ بنِ يَسارٍ (10)، وجماعةٍ. ورُوِيَ أيضاً عَنِ ابنِ عبَّاسٍ (11). وادَّعَى الثَّعْلَبِيُّ المفَسِّرُ فيما رُوِّيْناهُ أو بَلَغَنا عنهُ اتِّفَاقَ العلماءِ عَلَى أنَّ أوَّلَ مَنْ أسلمَ خديجةُ، وأنَّ اختِلاَفَهُمْ إنَّما هوَ في أوَّلِ مَنْ أسْلمَ بعدَها.
والأوْرَعُ (12) أنْ يُقَالَ: أوَّلُ مَنْ أسْلمَ مِنَ الرِّجالِ الأحرارِ: أبو بكرٍ، ومِنَ الصِّبْيانِ أو الأحداثِ: عليٌّ، ومِنَ النِّساءِ: خديجةُ، ومِنَ الموالِي: زيدُ بنُ حارِثةَ، ومِنَ العبيدِ: بلالٌ، واللهُ أعلمُ.
السَّابعةُ: آخِرُهُمْ عَلَى الإطلاقِ موتاً: أبو الطُّفَيْلِ عامرُ بنُ واثِلَةَ (13)، ماتَ سنةَ مئةٍ مِنَ الهِجرةِ. وأمَّا بالإضافَةِ إلى النَّواحي، فآخِرُ مَنْ ماتَ مِنْهُم بالمدينةِ: جابرُ بنُ عبدِ اللهِ، رواهُ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْ قَتادةَ، وقيلَ: سَهْلُ بنُ سَعْدٍ (14)، وقيلَ: السَّائبُ ابنُ يَزيدَ (15)، وآخِرُ مَنْ ماتَ مِنْهُم بِمَكَّةَ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وقيلَ: جابرُ بنُ عبدِ اللهِ.
__________
(1) كابن المنكدر وربيعة وصالح بن كيسان وعثمان بن محمد. الإصابة 2/ 343 - 344.
(2) الاستيعاب 3/ 27.
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر نفسه.
(5) كسلمان الفارسي وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري. الاستيعاب 3/ 27.
(6) راجع: التقييد 308.
(7) الاستيعاب 1/ 528.
(8) الاستيعاب 1/ 548 و 4/ 282.
(9) الاستيعاب 4/ 282.
(10) المصدر السابق.
(11) الاستيعاب 4/ 282.
(12) نُسِبَ هذا القول لأبي حنيفة كما أشار إلى ذلك ابن الملقن في المقنع 2/ 501، والسيوطي في التدريب 2/ 228.
(13) راجع: التقييد 312.
(14) الثقات 3/ 168.
(15) الإصابة 2/ 12.

(1/403)


وذَكَرَ عليُّ بنُ المدينيِّ أنَّ أبا الطُّفَيلِ بِمَكَّةَ ماتَ فهوَ إذَنْ الآخِرُ بها (1). وآخِرُ مَنْ ماتَ مِنْهُم بالبَصْرَةِ أنَسُ بنُ مالِكٍ. قالَ أبو عُمَرَ بنُ عبدِ البرِّ: ((ما أعلمُ أحداً ماتَ بعدَهُ مِمَّنْ رَأَى رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلاَّ أبا الطُّفَيلِ)) (2). وآخِرُ مَنْ ماتَ مِنْهُم بالكُوفَةِ: عبدُ اللهِ بنُ أبي أوْفَى، وبالشَّامِ: عبدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ، وقِيْلَ: بلْ أبو أُمامَةَ. وتَبَسَّطَ (3) بعضُهُمْ فقالَ: ((آخِرُ مَنْ ماتَ مِنْ أصحابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِصْرَ: عبدُ اللهِ بنُ الحارِثِ بنِ جَزْءٍ (4) الزُّبَيْدِيُّ، وبِفِلَسْطِيْنَ (5): أبو أُبَيِّ بنُ أُمِّ حَرَامٍ، وبِدِمَشْقَ: واثِلَةُ بنُ الأسْقَعِ، وبِحِمْصَ: عبدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ (6)، وباليَمامَةِ: الهِرْماسُ (7) بنُ زَيادٍ، وبالْجَزِيْرَةِ (8): العُرْسُ (9) بنُ عَمِيْرَةَ (10)، وبإفْرِيقِيَّةَ (11): رُوَيْفِعُ (12) بنُ ثابتٍ، وبالبادِيَةِ في الأعْرابِ: سَلَمَةُ بنُ الأكْوَعِ، - رضي الله عنهم - أجمعينَ)).
وفي بعضِ ما ذَكَرْناهُ خِلافٌ لَمْ نَذْكُرْهُ، وقولُهُ في رُوَيْفِعٍ بإفْرِيقِيَّةَ لا يَصِحُّ إنَّما ماتَ في حاضِرَةِ بَرْقَةَ (13) وقَبْرُهُ بها، ونَزَلَ سَلَمةُ إلى المدينةِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِلَيالٍ فَمَاتَ بها، واللهُ أعلمُ.
__________
(1) راجع: محاسن الاصطلاح 436، والتقييد والإيضاح 315.
(2) الاستيعاب 1/ 73.
(3) راجع: التقييد 315.
(4) بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة، والزُّبيدي - بضم الزاي - التقريب (3262).
(5) بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين. انظر: مراصد الاطلاع 3/ 1042.
(6) بضم الباء الموحدة وإسكان السين المهملة. انظر: الإكمال 1/ 268، والتقريب (3228).
(7) بكسر الهاء وإسكان الراء وآخره سين مهملة. انظر: تاج العروس 17/ 32.
(8) هي ما بين دجلة والفرات من العراق. انظر: اللسان 4/ 133.
(9) بضم أوله وسكون الراء بعدها مهملة. التقريب (4552).
(10) بفتح العين المهملة وكسر الميم. انظر: فتح المغيث 3/ 119.
(11) بكسر الهمزة. انظر: مراصد الاطلاع 1/ 100.
(12) بضم الراء وكسر الفاء مصغر. انظر: فتح المغيث 3/ 120.
(13) بفتح أوله. انظر: مراصد الاطلاع 1/ 186.

(1/404)