مقدمة ابن الصلاح معرفة أنواع علوم الحديث ت فحل النَّوْعُ الْمُوَفِّي أرْبَعِينَ
مَعْرِفَةُ التَّابِعِيْنَ (1)
هذا وَمَعرفةُ الصحابةِ أصْلٌ أصِيْلٌ يُرْجَعُ إليهِ في
معرفةِ المرسَلِ والمسْنَدِ. قالَ الخطيبُ الحافِظُ:
((التَّابِعِيُّ مَنْ صَحِبَ الصَّحَابِيَّ)) (2).
قُلتُ: ومطلقُهُ مَخْصُوصٌ بالتَّابِعِ بإحْسَانٍ، ويُقَالُ
لِلْواحِدِ مِنْهُم: تابِعٌ وتابِعِيٌّ. وكَلامُ الحاكِمِ أبي
عبدِ اللهِ (3) وغيرُهُ مُشْعِرٌ بأنَّهُ يَكْفِي فيهِ أنْ
يسمَعَ مِنَ الصَّحابِيِّ أوْ يَلْقاهُ وإنْ لَمْ تُوجدْ
الصُّحْبَةُ العُرْفِيَّةُ. والاكْتِفاءُ في هذا بِمُجَرَّدِ
اللِّقَاءِ والرؤْيَةِ (4) أقربُ منهُ في الصحابِيِّ نَظَراً
إلى مُقْتَضى اللَّفْظَيْنِ فيهما (5).
وهذهِ مُهِمَّاتٌ في هذا النوعِ:
إحْدَاها: ذَكَرَ الحافِظُ أبو عبدِ اللهِ أنَّ التَّابِعينَ
عَلَى خَمْسَ عَشْرَةَ طَبَقَةً:
الأُوْلَى: الَّذِينَ لَحِقُوا العَشَرَةَ: سَعيدُ بنُ
المسَيِّبِ، وقيسُ بنُ أبي حازِمٍ، وأبو عُثْمانَ النَّهْدِيُّ
(6)، وقيسُ بنُ عُبادٍ (7)، وأبو سَاسَانَ حُضَيْنُ (8) بنُ
المنذِرِ،
__________
(1) انظر في ذلك:
معرفة علوم الحديث: 41 - 46، والإرشاد 2/ 606 - 616، والتقريب:
165 - 167، واختصار علوم الحديث: 191 - 194، والشذا الفياح 2/
519 - 534، والمقنع 2/ 506 - 517، وفتح المغيث 3/ 139 - 156،
وتدريب الراوي 2/ 234 - 243، وتوضيح الأفكار 2/ 471 - 473،
وظفر الأماني: 513 - 514.
(2) الكفاية: (59 ت، 22 هـ)، وانظر: التقييد 317.
(3) معرفة علوم الحديث: 42.
(4) في (ب): ((والرواية)).
(5) راجع: محاسن الاصطلاح 444.
(6) بفتح النون وسكون الهاء. التقريب (4017).
(7) بضم المهملة وتخفيف الموحدة. التقريب (5582).
(8) في (ب) و (م) والتقييد: ((حصين)) بالصاد المهملة خطأ،
والصواب ما أثبت فهو بضم الحاء المهملة، وفتح الضاد المعجمة،
مصغر. انظر: الإكمال 2/ 481، وتهذيب الكمال 2/ 219، وتبصير
المنتبه 1/ 444، والتقريب (1397).
(1/405)
وأبو وائِلٍ، وأبو رَجَاءِ العُطَارِدِيُّ
(1) وغيرُهُمْ (2). وعليهِ في بعضِ هؤلاءِ إنْكارٌ، فإنَّ
سَعيدَ بنَ المسَيِّبِ ليسَ بهذهِ المثابةِ؛ لأنَّهُ وُلِدَ في
خِلافةِ عُمَرَ، ولَمْ يَسْمَعْ مِنَ أكثَرِ العَشَرَةِ. وقدْ
قالَ بعضُهُمْ: لا تَصِحُّ (3) لهُ رِوايةٌ عَنْ أحَدٍ مِنَ
العَشَرَةِ إلاَّ سَعْدَ ابنَ أبي وَقَّاصٍ (4).
قُلْتُ: وكانَ سَعْدٌ آخِرَهُمْ مَوْتاً. وذَكَرَ الحاكِمُ
قبلَ كَلامِهِ المذكورِ: أنَّ سَعِيْداً أدْرَكَ عُمَرَ فَمَنْ
بَعْدَهُ إلى آخِرِ العَشَرَةِ (5)، وقالَ: ليسَ في جماعَةِ
التَّابِعينَ مَنْ أدْرَكَهُمْ وسَمِعَ مِنْهُم غيرُ سَعِيدٍ،
وقيسِ بنِ أبي حازِمٍ (6)، وليسَ ذَلِكَ عَلَى ما قالَ كما
ذَكَرْناهُ. نَعَمْ، قَيسُ بنُ أبي حازِمٍ سَمِعَ العَشَرَةَ
ورَوَى عَنْهُم. وليسَ في التَّابِعينَ أحَدٌ رَوَى عَنِ
العَشَرَةِ سِواهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ عبدُ الرَّحمانِ بنُ يُوسُفَ
بنِ خِرَاشٍ (7) الحافِظُ فيما رُوِّيْنا أوْ بَلَغَنا عنهُ.
وعنْ أبي داودَ السِّجستانِيِّ أنَّهُ قالَ: رَوَى عَنِ
التِّسْعَةِ ولَمْ يَرْوِ عَنْ عبدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ
(8).
__________
(1) بضم العين وفتح الطاء وكسر الراء والدال المهملات. انظر:
الأنساب 4/ 184.
(2) معرفة علوم الحديث: 42، وانظر: محاسن الاصطلاح: 445.
(3) راجع: التقييد والإيضاح: 320.
(4) هذا القول ليس بشيء، فحديثه عن عثمان وعلي في الصحيحين.
تهذيب الكمال 3/ 199، وصح عنه أنه قال: ((شهدت علياً وعثمان)).
أخرجه أحمد في العلل: 2053.
وكذلك رأى عمر وسمع منه، لكنه كان صغيراً، ولم يكن سماعه منه
لشيء كثير؛ لذا نفاه من نفاه، وقد صح عنه أنَّهُ قال: ((ولدت
لسنتين مضتا من خلافة عمر)). المراسيل: 73.
وأخرج البخاري في التاريخ الصغير 1/ 56 و 216 عنه قال: ((إني
لأذكر يوم نعى عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن عَلَى المنبر)).
وقد قال الإمام أحمد حين سأله أبو طالب صاحبه: ((سعيد عن عمر
حجة؟ قَالَ: هو عندنا حجة، قد رأى عمر وسمع منه، إذا لَمْ
يُقْبَل سعيد عن عمر فمن يقبل؟)). الجرح والتعديل 4/ 61.
(5) معرفة علوم الحديث: 25.
(6) المصدر السابق.
(7) تاريخ دمشق 49/ 461 ذكره مسنداً، وهو في تهذيب الكمال 6/
130 (5485).
(8) سؤالات الآجري (45)، وأورده عن الآجري ابن عساكر في تاريخ
دمشق 49/ 461.
(1/406)
ويَلِي هؤلاءِ: التَّابِعُونَ الَّذِينَ
وُلِدُوا في حياةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ
أبْناءِ الصَّحابَةِ (1)، كَعَبْدِ اللهِ بنِ أبي طَلْحَةَ،
وأبي أُمامةَ أسْعَدَ بنِ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ (2)، وأبي
إدْرِيْسَ الْخَوْلاَنِيِّ (3) وغيرِهِمْ.
الثَّانِيةُ: الْمُخَضْرَمُونَ (4) مِنَ التَّابِعينَ هُمُ
الَّذِيْنَ أدركوا الجاهِلِيَّةَ وحياةَ رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - وأسْلَمُوا ولا صُحْبَةَ لهم، واحدُهُمْ
مُخَضْرَمٌ -بِفَتْحِ الرَّاءِ- كأنَّهُ خُضْرِمَ، أي: قُطِعَ
عَنْ نُظَرائِهِ الَّذِينَ أدْركُوا الصُّحْبَةَ وغيرَها.
وذَكَرَهُمْ مُسْلِمٌ فَبَلَغَ بِهِمْ عِشْرينَ نَفْساً (5)،
__________
(1) تعقبه البلقيني في المحاسن: 446 فقال: ((هذا الكلام ليس
بمستقيم معنًى ولا نقلاً: أما المعنى، فكيف يجعل من ولد في
حياة رسول الله يلي من ولد بعده - صلى الله عليه وسلم -؟
والصواب أن يكون من ولد في حياته مقدماً، وأن تلك الطبقة تليه،
لا أنَّهُ يليها)).
وأما النقل، فلم يذكر الحاكم ذلك، ولكنه عد المخضرمين ثم قال:
((ومن التابعين بعد المخضرمين طبقة ولدوا في زمان رسول الله
ولم يسمعوا منه ... )). وانظر: معرفة علوم الحديث: 44.
(2) بضم الحاء وفتح النون. انظر: الإكمال 2/ 559.
(3) بضم الخاء المعجمة وسكون الواو. انظر: الأنساب 2/ 487.
(4) قال العراقي في التقييد والإيضاح: 322: ((اقتصر المصنف
عَلَى أن المخضرم مأخوذ من الخضرمة، وهي القطع، وأنه بفتح
الراء، والذي رجّحه العسكري في اشتقاقه غير ما ذكره المصنف،
فقال في كتاب الأوائل المخضرمة من الإبل التي نتجت من العراب،
واليمانية فقيل: رجل مخضرم إذا عاش في الجاهلية والإسلام قال:
وهذا أعجب القولين إليَّ قلت (القائل هو العراقي): فكأنه مأخوذ
من الشيء المتردد بين أمرين هل هو من هذا أو من هذا، قال
الجوهري: لحم مخضرَم - بفتح الراء - لا يدرى من ذكر هو أم
أنثى. قال: والمخضرم أيضاً: الشاعر الذي أدرك الجاهلية
والإسلام مثل لبيد، ورجل مخضرم النسب أي: دَعِيّ، وقال صاحب
المحكم: رجل مخضرم إذا كان نصف عمره في الجاهلية ونصفه في
الإسلام.
ورجل مخضرم أبوه أبيض وهو أسود. ورجل مخضرم: ناقص الحسب، وقيل:
هو الذي ليس بكريم النسب، وقيل: هو الدعي ... فالمخضرم عَلَى
هذا متردد بين الصحابة لإدراكه زمن الجاهلية والإسلام وبين
التابعين لعدم رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو متردد
بين أمرين ... )). وانظر: الصحاح 5/ 1914، والمحكم 5/ 200،
ولسان العرب 12/ 185، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 65 مع تعليقنا
عليه.
(5) ذكرهم نقلاً عن الإمام مسلم الحاكم في معرفة علوم الحديث:
44 - 45، وانظر: التقييد والإيضاح: 324، وشرح التبصرة 3/ 67،
ومحاسن الاصطلاح 452.
(1/407)
مِنْهُم: أبو عَمْرٍو الشَّيْبانِيُّ،
وسُوَيْدُ بنُ غَفَلةَ (1) الكِنْدِيُّ، وعَمْرُو بنُ
مَيْمُونٍ الأَوْدِيُّ، وعَبْدُ خَيْرِ بنُ يَزِيْدَ
الْخَيْوَانِيُّ (2)، وأبو عُثْمانَ النَّهْدِيُّ، وعبدُ
الرحمانِ بنُ مَلٍّ (3)، وأبو الحلالِ العَتَكِيُّ (4):
رَبيعةُ بنُ زُرارةَ. ومِمَّنْ لَمْ يَذْكُرْهُ مُسْلِمٌ
مِنْهُم: أبو مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنيُّ: عبدُ اللهِ بنُ ثُوَبٍ
(5)، والأحْنَفُ بنُ قَيسٍ، واللهُ أعلمُ (6).
الثَّالِثَةُ: مِنْ أكَابِرِ التَّابِعِينَ، الفُقَهاءُ
السَّبْعَةُ (7) مِنْ أهلِ المَديْنَةِ، وهم: سعيدُ ابنُ
المُسيِّبِ، والقاسمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وعُرْوَةُ بنُ الزبيرِ،
وخارجةُ بنُ زَيدٍ، وأبو سلمةَ بنُ
عبدِ الرحمانِ، وعبيدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ،
وسُليمانُ بنُ يَسارٍ. رُوِّيْنا عَنِ الحافِظِ أبي عبدِ اللهِ
أنَّهُ قالَ: ((هَؤلاءِ الفُقَهاءُ السَّبْعةُ عِنْدَ الأكْثرِ
مِنْ عُلماءِ الحِجازِ)) (8). ورُوِّيْنا عَنِ ابنِ المباركِ
قالَ: ((كانَ فقهاءُ أهلِ المدينةِ الذِينَ يُصْدِرُونَ عَنْ
رأْيهِمْ سَبْعةً)) (9)، فَذَكَرَ هَؤلاءِ إلاَّ أنَّهُ لَمْ
يَذْكُرْ أبا سَلَمةَ بنَ عبدِ الرَّحمانِ، وذَكَرَ بَدَلَهُ
سالِمَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ. ورُوِّيْنا عَنْ أبي
الزِّنادِ تَسْمِيَتَهُمْ في كِتابِهِ عَنْهُم فَذَكَرَ هؤلاءِ
إلاَّ أنَّهُ ذَكَرَ أبا بَكرِ بنَ عبدِ الرحمانِ بَدَلَ أبي
سَلَمةَ وسَالِمٍ (10).
الرَّابِعَةُ: وَرَدَ عَنْ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ أنَّهُ قالَ:
((أفْضَلُ التَّابعينَ: سَعِيدُ بنُ الْمُسَيِّبِ. فقيلَ لهُ:
فَعَلْقَمَةُ والأسْودُ؟، فقالَ: سَعِيدُ بنُ الْمُسَيِّبِ،
وَعَلْقَمَةُ، والأسْودُ)) (11).
__________
(1) بفتح المعجمة والفاء واللام. الخلاصة: 159.
(2) بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المعجمة باثنتين من تحتها،
وفي آخرها النون. الأنساب 2/ 494.
(3) مَُِل بلام ثقيلة، والميم مثلثة، والنَّهدي: بفتح النون
وسكون الهاء. التقريب (4017).
(4) بفتح العين المهملة والتاء المنقوطة بنقطتين من فوق، وكسر
الكاف. انظر: الأنساب 4/ 129.
(5) بضم المثلثة وفتح الواو بعدها موحدة. التقريب (8367).
(6) راجع: محاسن الاصطلاح 453، وشرح التبصرة 3/ 67.
(7) راجع: محاسن الاصطلاح 454.
(8) معرفة علوم الحديث: 43.
(9) أخرجه الفسوي في المعرفة 1/ 325، والبيهقي في المدخل
(157)، والذهبي في السير 4/ 461.
(10) أخرجه الفسوي في المعرفة 1/ 325، والحاكم في معرفة علوم
الحديث: 43، والبيهقي في المدخل (156).
(11) تهذيب الكمال 3/ 200.
(1/408)
وعنهُ أنَّهُ قالَ: ((لا أعلمُ في
التَّابِعينَ مِثْلَ أبي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ، وقيسِ بنِ أبي
حازِمٍ)). وعنهُ أنَّهُ قالَ: ((أفْضَلُ التَّابِعينَ: قيسٌ،
وأبو عُثْمانَ وعلقَمةُ، ومَسْرُوقٌ. هؤلاءِ كانوا فاضِلينَ
ومِنْ عِلْيَةِ (1) التَّابِعينَ)).
وأعْجَبَنِي ما وَجَدْتُهُ عَنِ الشَّيْخِ أبي عبدِ اللهِ بنِ
خَفِيْفٍ الزَّاهِدِ الشِّيْرازِيِّ (2) في كِتابٍ لهُ، قالَ:
((اخْتَلَفَ النَّاسُ في أفْضلِ التَّابِعينَ، فأهلُ المدينةِ
يَقُولُونَ: سَعِيدُ ابنُ الْمُسَيِّبِ، وأهلُ الكُوفَةِ
يَقُولُونَ: أُوَيْسٌ القَرَنِيُّ (3)، وأهلُ البصرَةِ
يَقُولُونَ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ)) (4). وبَلَغَنا عَنْ أحمدَ
بنِ حَنْبَلٍ قالَ: ((ليسَ أحَدٌ أكثَرَ فَتْوى مِنَ الحسَنِ،
وعَطَاءٍ، يَعْنِي: مِنَ التَّابِعينَ)). وقالَ أيضاً: ((كانَ
عَطَاءٌ مُفْتِي مَكَّةَ والحَسَنُ مُفْتِي البَصْرَةَ،
فهَذانِ أكْثَرَ النَّاسُ (5) عَنْهُم رأْيَهُمْ)). وبَلَغَنا
عَنْ أبي بكرِ ابنِ أبي داودَ قالَ:
((سَيِّدَتا التَّابِعِينَ مِنَ النِّسَاءِ حَفْصَةُ بِنْتُ
سِيْرِيْنَ، وعَمْرَةُ بنتُ عبدِ الرَّحْمانِ، وثالُثُتُهما
- وليْسَتْ كَهُما - أُمُّ الدَّرْدَاءِ)) (6)، واللهُ أعلمُ.
الخامِسةُ: رُوِّيْنا عَنِ الحَاكِمِ (7) أبي عبدِ اللهِ قالَ:
((طَبَقَةٌ تُعَدُّ في التَّابِعِينَ ولَمْ يَصِحَّ سَماعُ
أحَدٍ (8) مِنْهُم مِنَ الصحابةِ، مِنْهُم: إبراهيمُ بنُ
سُوَيْدٍ النَّخَعِيُّ الفقيهُ - وليسَ بإبراهيمَ بنِ يَزِيدَ
النَّخَعِيِّ الفقيهِ (9) -، وبُكَيرُ بنُ أبي السَّمِيطِ
(10)، وبُكَيرُ ابنُ عبدِ اللهِ بنِ
__________
(1) رَجلٌ عليٌّ، أي: شريف رفيع، وجمعه: عِلْيَة مثل: صَبِيّ
وصِبْيَة، يُقال: فلان من عِلْيَة الناس، أي: من أشرفهم
وجِلَّتِهم لا من سِفلتهم. انظر: الصحاح 6/ 2435، واللسان 15/
86.
(2) ترجمته في سير أعلام النبلاء 16/ 342.
(3) أويس - بالتصغير -، والقَرَني: بفتح القاف والراء بعدها
نون. التقريب (581).
(4) راجع: التقييد والإيضاح 326.
(5) في (م): ((الناس فتياً عندهم)).
(6) قال البلقيني في محاسن الاصطلاح: 456: ((المراد أم الدرداء
الصغرى التابعية، واسمها هجيمة)).
(7) انظر: التقييد والإيضاح: 327.
(8) في (أ): ((واحد)).
(9) ((الفقيه))، لَمْ ترد في (م).
(10) السميط - بفتح السين المهملة -، ويقال - بالضم -، انظر:
التقريب (756)، والخلاصة: 52.
(1/409)
الأشَجِّ، وذَكَرَ غيرَهُمْ))، قالَ:
((وطَبقةٌ عِدادُهُمْ عِنْدَ الناسِ في أتْباعِ التَّابِعِينَ
وقدْ لَقوا الصَّحابةَ، مِنْهُم: أبو الزِّنادِ عبدُ اللهِ بنُ
ذَكْوانَ لَقِيَ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ وأنَساً، وهِشامُ بنُ
عُرْوَةَ وقدْ أُدْخِلَ عَلَى عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ وجابِرِ
بنِ عبدِ اللهِ، وموسَى بنُ عُقْبَةَ، وقدْ أدْرَكَ أنسَ بنَ
مالكٍ، وأمَّ خالِدِ بنتَ خالدِ بنِ سَعيدِ بنِ العاصِ)) (1)،
وفي بعضِ ما قالَهُ مَقَالٌ.
قُلْتُ: وقومٌ عُدُّوا مِنَ التَّابعينَ وهم مِنَ الصَّحابةِ،
ومِنْ أعجبِ ذَلِكَ عَدُّ الحاكِمِ أبي عبدِ اللهِ النُّعْمانَ
وسُوَيْداً ابني (2) مُقَرَّنٍ المزَنِيَّ في التَّابعينَ
عِنْدَ ما ذكَرَ الإخوةَ مِنَ التَّابعينَ (3) وهما
صَحابِيَّانِ مَعْروفانِ مَذْكُورانِ في الصحابةِ، واللهُ
أعلمُ.
النَّوْعُ الْحَادِي والأرْبَعُونَ
مَعْرِفَةُ الأكَابِرِ الرُّوَاةِ (4) عَنِ الأصَاغِرِ (5)
ومِنَ الفَائدةِ فيهِ ألاَّ يُتَوَهَّمَ كَونُ المرْوِيِّ عنهُ
أكبرَ أوْ أفضلَ مِنَ الراوي نَظَراً إلى أنَّ الأغلبَ كَوْنُ
المرْوِيِّ عنهُ كذلكَ فيُجْهَلُ بذلكَ مَنْزِلَتُهما. وقدْ
صَحَّ عَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها - قالتْ: ((أمرَنا
رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ
مَنَازِلهمُ)) (6).
__________
(1) معرفة علوم الحديث: 45.
(2) في (ب): ((ابنا)).
(3) معرفة علوم الحديث: 154.
(4) في (ب): ((من الرواة)).
(5) انظر في هذا:
معرفة علوم الحديث: 48 - 49، والإرشاد 2/ 617 - 619، والتقريب:
167 - 168، واختصار علوم الحديث: 195 - 196، والشذا الفياح 2/
535 - 540، والمقنع 2/ 518 - 520، وشرح التبصرة 3/ 73 - 76،
ونزهة النظر: 160 - 161، وطبعة عتر: 62، وفتح المغيث 3/ 157 -
159، وتدريب الراوي 2/ 243 - 245، وشرح السيوطي على ألفية
العراقي: 198، وفتح الباقي 3/ 64 - 65، وتوضيح الأفكار 2/ 473
- 474.
(6) هكذا قال المصنف - رحمه الله -، وقد تعقّبه الحافظ العراقي
في التقييد 328 - 329، فقال: ((جزم المصنِّف بصحة حديث عائشة،
وفيه نظر فإن مُسلماً - رحمه الله - ذكره في مقدمة صحيحه بغير
إسناد =
(1/410)
ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى أضْرُبٍ:
منها: أنْ يَكونَ الرَّاوي أكبَرَ سِنّاً وأقْدَمَ طَبَقةً
مِنَ الْمَرْوِيِّ عنهُ، كالزُّهْرِيِّ، ويحيى ابنِ سعيدٍ
الأنصارِيِّ، في روايَتِهما عَنْ مالِكٍ، وكأبي القاسِمِ
عُبَيْدِ اللهِ (1) بنِ أحمدَ الأزْهَرِيِّ - مِنَ
المتَأَخِّرينَ، أحَدِ شُيُوخِ الخطيبِ - رَوَى عَنِ الخطيبِ
في بعضِ تَصَانِيفِهِ، والخطيبُ إذْ ذاكَ في عُنْفُوانِ
شَبَابِهِ وطَلَبِهِ.
ومنها أنْ يَكُونَ الرَّاوي أكبَرَ قَدْراً مِنَ المَرْوِيِّ
عنهُ بأنْ يَكونَ حافِظاً عالِماً والمَرْوِيُّ عنهُ شَيخاً
راوِياً فَحَسْبُ، كمالِكٍ في روايتِهِ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ
دينارٍ، وأحمدَ بنِ حَنْبَلٍ، وإسْحاقَ بنِ رَاهَوَيْهِ في
روايَتِها عَنْ عُبَيْدِ اللهِ (2) بنِ مُوْسَى (3)، في أشباهٍ
لِذَلِكَ كَثيرَةٍ.
ومنها: أنْ يَكونَ الرَّاوِي أكبرَ مِنَ الوَجْهَينِ جَمِيعاً،
وذلكَ كَرِوايةِ كثيرٍ مِنَ العُلَماءِ والحُفَّاظِ عَنِ
أصْحابِهِمْ وتَلاَمِذَتِهِمْ، كَعَبْدِ الغَنِيِّ الحافِظِ في
روايتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عليٍّ الصُّوْرِيِّ (4)
وكَرِوايةِ أبي بكرٍ البَرْقانيِّ عنْ أبي بكرٍ الخطيبِ،
وكروايةِ الخطيبِ عنْ أبي نَصْرِ بنِ ماكولا، ونظائِرُ ذلكَ
كثيرةٌ. وينْدَرِجُ تحتَ هذا النوعِ ما يُذكَرُ مِنْ رِوايةِ
__________
=بصيغة التمريض، فقال: ذكر عن عائشة - رضي الله عنها - أنها
قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وقد
رواه أبو داود في سننه في أفراده من رواية ميمون ابن أبي شبيب
عن عائشة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((أنزلوا الناس منازلهم))، ثُمَّ قال أبو داود بعد تخريجه
ميمون بن أبي شبيب لَمْ يدرك عائشة، فلم يسكت عليه أبو داود بل
أعله بالانقطاع فلا يكون صحيحاً عنده، ولكن المصنف تبع في
تصحيحه الحاكم، فإنه قال في علوم الحديث في النوع السادس عشر
منه فقد صحت الرواية عن عائشة
- رضي الله عنها - ... فذكره)). وانظر: مقدمة صحيح مسلم 1/ 5،
وسنن أبي داود (4842)، ومعرفة علوم الحديث: 49.
(1) في (ب) و (جـ) والتقييد: ((عبد الله)) مكبراً، والصواب ما
أثبت، وهو الموافق لما في مصادر ترجمته. انظر: تاريخ بغداد 10/
385، والأنساب 1/ 129، والسير 17/ 578، وشذرات الذهب 3/ 255.
(2) في (أ): ((عبد الله)) مكبراً، وهو خطأ مخالف لما في باقي
النسخ، ومصادر ترجمته.
(3) معرفة علوم الحديث: 49.
(4) بضم الصاد المهملة وسكون الواو. انظر: الأنساب 3/ 570،
ومراصد الاطلاع 2/ 856.
(1/411)
الصَّحابِيِّ عَنِ التَّابِعِيِّ، كرِوايةِ
العَبادِلَةِ وغَيرِهِمْ (1) مِنَ الصَّحابَةِ عَنْ كَعْبِ
الأحبَارِ. وكذلكَ روايةُ التَّابِعيِّ عَنْ تابِعِ
التَّابِعِ، كما قَدَّمناهُ مِنْ روايةِ الزُّهْرِيِّ
والأنصَارِيِّ عَنْ مالِكٍ، وكَعَمْرِو بنِ شُعَيْبِ (2) بنِ
مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ لَمْ يَكُنْ
مِنَ التَّابِعِينَ، وَرَوَى عنهُ أكْثَرُ مِنْ عِشْرينَ
نَفْساً مِنَ التَّابِعينَ جَمَعَهمْ عبدُ الغَنِيِّ بنُ
سَعيدٍ الحافِظُ في كُتَيِّبٍ لهُ. وقرأْتُ بخَطِّ الحافِظِ
أبي مُحَمَّدٍ (3) الطَّبَسِيِّ (4) في تخريجٍ لهُ قالَ: ...
((عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ ليسَ بتَابِعِيٍّ وقدْ رَوَى عنهُ
نَيِّفٌ وسَبْعُونَ رَجُلاً مِنَ التَّابِعينَ)) (5)، واللهُ
أعلمُ.
__________
(1) قال البلقيني في المحاسن: 460: ((يدخل في قوله: وغيرهم، ما
حكاه عنه عمر وعلي وأبوهريرة وجماعة من الصحابة)).
(2) راجع: التقييد 331، وانظر: أثر علل الحديث في اختلاف
الفقهاء 85 - 89.
(3) هكذا في جميع النسخ، وكذا نقله الحافظ العراقي عنه في شرح
التبصرة 3/ 75، وابن الملقن في المقنع 2/ 519، ولكن هذا مخالفٌ
لما جاء في مصادر ترجمته إذ ذكرت أنَّهُ أبو الفضل، مُحَمَّد
بن أحمد بن أبي جعفر الطبسي، فهو اسمه وليس كنيته، انظر
الأنساب 4/ 26، والسير 18/ 588، وشذرات الذهب 3/ 367.
(4) في (أ): ((الطيسي)) وهو خطأ، والصواب ماأثبت. والطَّبَسي:
بفتح الطاء المهملة والباء المنقوطة بواحدة، والسين المهملة،
هذه النسبة إلى طبس، وهي مدينة بَيْنَ نيسابور وأصبهان وكرمان.
انظر الأنساب 4/ 26، وتاج العروس 16/ 193.
(5) انظر تهذيب الكمال 5/ 424، وشرح التبصرة 3/ 75.
(1/412)
|