مقدمة ابن الصلاح معرفة أنواع علوم الحديث ت فحل

النَّوْعُ الثَّانِي والأَرْبَعُونَ
مَعْرِفَةُ الْمُدَبَّجِ (1) ومَا عَدَاهُ (2) مِنْ رِوَايَةِ الأقْرَانِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ
__________
(1) بضم الميم، وفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة، وآخره جيم، قال الحافظ العراقي في التقييد: 334: ((ما المناسبة المقتضية لتسمية هذا النوع بالمدبج؟ ومن أي شيء اشتقاقه؟ لَمْ أرَ من تعرض لِذَلِكَ إلا أن الظاهر أنَّهُ سمي بذلك لحسنه فإن المدبج لغة هو المزين. قال صاحب المحكم الدبج النقش والتزيين فارسي معرب قال: وديباجة الوجه حسن بشرته، ومنه تسمية ابن مسعود الحواميم ديباج القرآن، وإذاكان هذا منه، فإن الإسناد الذي يجتمع فيه قرينان أو أحدهما أكبر والآخر من رواية الأصاغر عن الأكابر إنما يقع ذَلِكَ غالباً فيما إذا كانا عالمين أو حافظين أو فيهما أو في أحدهما نوع من وجوه الترجيح حَتَّى عدل الراوي عن العلو للمساواة أو النزول لأجل ذَلِكَ فحصل للإسناد بذلك تحسين وتزيين كرواية أحمد بن حَنْبَلٍ عن يحيى بن معين، ورواية ابن معين عن أحمد وإنمايقع رواية الأقران غالباً من أهل العلم المتميزين بالمعرفة، ويحتمل أن يقال: إن القرينين الواقعين في المدبج في طبقة واحدة بمنزلة واحدة فشبها بالخدين، فإن الخدين يقال لهما الديباجتان كما قاله صاحب المحكم والصحاح، وهذا المعنى يتجه عَلَى ما قاله الحاكم وابن الصلاح أن المدبج مختصٌ بالقرينين، ويحتمل أنَّهُ سمي بذلك لنزول الإسناد، فإنهما إن كانا قرينين نزل كل منهما درجة، وإن كان من رواية
الأكابر عن الأصاغر نزل درجتين، وقد روينا عن يحيى بن معين، قال: الإسناد النازل قرحة في الوجه، وروينا عن علي بن المديني وأبي عمرو المستملي قالا: النزول شؤمٌ، فعلى هذا لايكون المدبج مدحاً له ويكون ذَلِكَ من قولهم رجل مدبج قبيح الوجه والهامة حكاه صاحب المحكم، وفيه بعد. والظهر أنَّهُ إنما هو مدح لهذا النّوع أو يكون من الاحتمال الثاني، والله أعلم)). انتهى وانظر المستدرك 2/ 437، والجامع لأخلاق الراوي 1/ 123، 124، والصحاح 1/ 312، ولسان العرب 2/ 65، ونزهة النظر: 160 وفتح المغيث 3/ 160، وتدريب الراوي 2/ 247.
وانظر في المدبج:
معرفة علوم الحديث: 215 - 220، والإرشاد 2/ 620 - 622، والتقريب: 168، والاقتراح: 311 - 313، واختصار علوم الحديث: 197، والشذا الفياح 2/ 541 - 546، والمقنع 2/ 521 - 523، وشرح التبصرة 3/ 76 - 79، ونزهة النظر 159 - 160، وطبعة عتر: 61 - 62، وفتح المغيث 3/ 160 - 162، وفتح الباقي 3/ 67 - 69، وتدريب الراوي 2/ 246 - 248، وتوضيح الأفكار 2/ 475 - 476.
(2) في (جـ): ((وما سواه)).

(1/413)


وَهُمُ المتَقَارِبُونَ في السِّنِّ والإسْنادِ. ورُبَّما اكْتَفَى الحاكِمُ أبو عبدِ اللهِ فيهِ بالتَّقارُبِ في الإسنادِ، وإنْ لَمْ يوجَدْ التقارُبُ في السِّنِّ (1).
اعْلَمْ أنَّ رِوايَةَ القَرِينِ عَنِ القَرِيْنِ تَنْقَسِمُ:
فَمِنْها الْمُدَبَّجُ، وهوَ أنْ يَرْوِيَ القَرِينانِ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُما عَنِ الآخَرِ. مِثَالُهُ في الصَّحَابةِ: عائشَةُ وأبو هُرَيرةَ رَوَى كُلُّ واحِدٍ مِنْهُما عَنِ الآخَرِ. وفي التَّابعينَ: رِوايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ وروايةُ عمرَ عنِ الزهريِّ. وفي أتباعِ التابعينَ: روايةُ مالكٍ عنِ الأوزاعيِّ، وروايةُ الأوزاعيِّ عنْ مالكٍ. وفي أتباعِ الأتباعِ:
روايةُ (2) أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ عنْ عليِّ بنِ المدينيِّ وروايةُ عليٍّ عنْ أحمدَ. وذكرَ الحاكمُ في هذا روايةَ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ عنْ عبدِ الرزاقِ، وروايةَ عبدِ الرزاقِ عنْ أحمدَ (3) وليسَ هذا بمرضيٍّ. ومنها غيرُ المدبَّجِ (4)، وهوَ أن يرويَ أحدُ القرينَينِ عَنِ الآخَرِ ولايرويَ الآخرُ عنهُ فيما نعلمُ. مثالُهُ: روايةُ سليمانَ التَّيْمِيِّ عن مِسْعَرٍ (5)، وهما قرينانِ، ولانعلمُ لِمسْعَرٍ روايةً عنِ التَّيْمِيِّ. ولذلكَ أمثالٌ كثيرةٌ، واللهُ أعلمُ.
__________
(1) معرفة علوم الحديث: 215.
(2) سقطت من (م).
(3) معرفة علوم الحديث: 218.
(4) انظر نقد العراقي لذلك في التقييد: 335.
(5) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملة. انظر: الإكمال 7/ 191، والخلاصة: 374، وتاج العروس 12/ 30.

(1/414)


النَّوْعُ الثَّالِثُ والأَرْبَعُوْنَ
مَعْرِفَةُ الإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ مِنَ العُلَمَاءِ وَالرُّوَاةِ (1)
وذَلِكَ إحدى مَعَارِفِ أهْلِ الحدِيْثِ الْمُفْرَدَةِ بالتَّصْنِيفِ. صَنَّفَ فيها عَلِيُّ بنُ المدينيِّ، وأبو عبدِ الرَّحْمَانِ النَّسَوِيُّ (2) وأبو العبَّاسِ السَّرَّاجُ (3) وغَيْرُهُمْ.
فَمِنْ أَمْثِلَةِ الأخَوَيْنِ مِنَ الصَّحَابةِ: عبدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ، وعُتبةُ بنُ مَسْعُودٍ هما أَخَوانِ. زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ ويَزِيْدُ بنُ ثابِتٍ أخَوَانِ. عَمْرُو بنُ العاصي (4) وهِشَامُ بنُ العاصِي أخَوانِ (5).
ومِنَ التَّابِعينَ (6): عَمْرُو بنُ شُرَحْبِيْلَ أبو مَيْسَرةَ، وأخُوهُ أرقَمُ بنُ شُرَحْبِيْلَ، كِلاهُما مِنْ أفَاضِلِ أصْحابِ ابنِ مَسعودٍ. هُزَيْلُ بنُ شُرَحْبِيلَ وأرْقَمُ بنُ شُرَحْبِيلَ أخَوَانِ آخَرَانِ مِنْ أصْحابِ ابنِ مَسْعُودٍ (7) أيضاً.
ومِنْ أمْثِلَةِ ثَلاَثَةِ الإِخوَةِ: سَهْلٌ، وعَبَّادٌ، وعُثْمانُ، بَنُو حُنَيْفٍ (8) إخْوَةٌ ثَلاَثَةٌ. عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، وعُمَرُ، وشُعَيْبٌ، بَنُو شُعَيْبِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصي إخْوَةٌ ثَلاثةٌ.
__________
(1) انظر في ذلك:
معرفة علوم الحديث: 152 - 157، والإرشاد 2/ 623 - 631، والتقريب: 169، واختصار علوم الحديث: 198 - 199، والشذا الفياح 2/ 547 - 557، والمقنع 2/ 524 - 534، وشرح التبصرة 3/ 79 - 85، ونزهة النظر: 204، وطبعة عتر: 79، وفتح المغيث 3/ 163 - 169، وتدريب الراوي 2/ 249 - 253، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 201، وفتح الباقي 3/ 69 - 83، وتوضيح الأفكار 2/ 476 - 477.
(2) نسبة إلى بلدة بخراسان يقال لها: نسا، ويقال في النسبة إليها النَّسائيّ أيضاً. الأنساب 5/ 380.
(3) بفتح السين وتشديد الراء، وفي آخرها الجيم، هذا منسوب إلى عمل السرج، وهو الذي يوضع على الفرس. انظر: الأنساب 3/ 265.
(4) في النسخ و (م): ((العاص))، وكذا ما بعدها.
(5) راجع: محاسن الاصطلاح: 467.
(6) راجع: التقييد: 337.
(7) راجع: محاسن الاصطلاح: 469.
(8) راجع: محاسن الاصطلاح: 470.

(1/415)


ومِنْ أمْثِلَةِ الأرْبَعَةِ: سُهَيْلُ بنُ أبي صالحٍ السَّمَّانِ (1) الزَّيَّاتِ (2)، وإخْوَتُهُ: عبدُ اللهِ - الذي يُقالُ لهُ: عَبَّادٌ -، ومُحَمَّدٌ، وصَالِحٌ.
ومِنْ أمْثِلَةِ الْخَمْسَةِ (3): ما نَرْوِيْهِ عَنِ الحاكِمِ أبي عبدِ اللهِ، قالَ سَمِعْتُ أبا عليٍّ الحسَيْنَ بنَ عليٍّ الحافِظَ غيرَ مَرَّةٍ يَقُولُ: ((آدَمُ بنُ عُيَيْنَةَ، وعِمْرانُ بنُ عُيَيْنَةَ، ومُحَمَّدُ بنُ عُيَيْنَةَ، وسُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وإبْرَاهِيمُ بنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثُوا عَنْ آخِرِهِمْ)) (4).
ومِثَالُ السِّتَّةِ (5): أوْلادُ سِيْرِيْنَ سِتَّةٌ تَابِعِيُّونَ وَهُمْ: مُحَمَّدٌ، وأَنَسٌ، ويَحْيَى، ومَعْبَدٌ، وحَفْصَةُ، وكَرِيمةُ، ذَكَرَهُمْ هَكَذا أبو عبدِ الرَّحْمانِ النَّسَوِيُّ ونَقَلْتُهُ مِنْ كِتابِهِ بخطِّ الدَّارَقُطنيِّ - فيما أحسِبُ -. ورُوِيَ ذَلِكَ أيضاً عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وهَكَذا ذَكَرَهُمْ الحاكِمُ في كِتابِ " المعرفةِ " (6) لكِنْ ذَكَرَ فيما نَرْوِيْهِ مِنْ " تارِيخِهِ " بإسْنادِنا عنهُ أنَّهُ سَمِعَ أبا عليٍّ الحافِظَ يَذْكُرُ بَنِي سِيْرِيْنَ خَمْسَةَ إخْوَةٍ، مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ (7)، وأَكْبَرُهُمْ مَعْبَدُ بنُ سِيْرِيْنَ، ويَحْيَى بنُ سِيْرِيْنَ، وخالِدُ بنُ سِيْرِيْنَ (8)، وأنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ، وأصْغَرُهُمْ حَفْصَةُ بنتُ سِيْرِيْنَ.
قُلْتُ: وقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ (9)، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أنَسٍ، عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ: أنَّ رَسُولَ اللهِ قالَ: ((لَبَّيْكَ حَقّاً حَقّاً تَعَبُّداً ورِقّاً)) (10).
__________
(1) بفتح السين المهملة وتشديد الميم وفي آخرها النون هذه النسبة إلى بيع السمن. الأنساب 3/ 316.
(2) بفتح الزاي وتشديد الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وفي آخرها التاء المنقوطة باثنتين من فوقها، هذه النسبة إلى بيع الزيت. الأنساب 3/ 204.
(3) راجع: التقييد 338، ومحاسن الاصطلاح 473.
(4) معرفة علوم الحديث: 155.
(5) راجع: التقييد 339، ومحاسن الاصطلاح 473.
(6) معرفة علوم الحديث: 153.
(7) جملة: ((خمسة إخوة محمد بن سيرين)). سقطت من (م).
(8) عبارة: ((خالد بن سيرين)). سقطت من (م) و (ب).
(9) راجع: محاسن الاصطلاح 467.
(10) أخرجه البزار 2/ 13 (كشف الأستار) مرفوعاً وموقوفاً، وأبهم شيخه في المرفوع (مجمع الزوائد 3/ 223) والرامهرمزي في المحدث: 624 (904)، والصوري في فوائده: 77 (36)، والخطيب في = =تاريخه 14/ 215 (سقط منه ذكر أنس بن سيرين، وكلام الخطيب بعده يقتضي ذكره)، و 14/ 216 وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد 17/ 82، من طرق عن الحكم بن سنان والنضر بن شميل -منفردين- كلاهما عن محمد بن سيرين، عن أخيه يحيى بن سيرين، عن أخيه أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك به مرفوعاً.

(1/416)


وهذهِ غَريبةٌ عَايَا بها بعضُهُمْ فقالَ: أيُّ ثَلاَثَةِ إخْوَةٍ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ؟.
ومِثَالُ السَّبْعَةِ (1): النُّعْمانُ بنُ مُقَرِّنٍ، وإخْوَتُهُ مَعْقِلٌ، عَقِيْلٌ، وسُوَيْدٌ، وسِنانٌ، وعَبْدُ الرَّحمانِ، وسَابِعٌ لَمْ يُسَمَّ لنا (2)، بَنُو مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّونَ سَبْعَةُ إخْوَةٍ هاجَرُوا وصَحِبُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ولَمْ يُشَارِكْهُمْ (3) - فِيْمَا ذَكَرَهُ ابنُ عبدِ البرِّ (4) وجماعَةٌ - في هذهِ المكرُمَةِ غيرُهُمْ. وقَدْ قيلَ: إنَّهُمْ شَهِدُوا الخنْدَقَ كُلُّهُمْ (5). وقَدْ يَقَعُ في الإخْوَةِ ما فيهِ خِلافٌ في مِقْدارِ عَدَدِهِمْ. ولَمْ نُطَوِّلْ بِمَا زادَ عَلَى (6) السَّبْعَةِ لِنَدْرَتِهِ ولِعَدَمِ الحاجَةِ إليهِ في غَرَضِنا هاهنا (7)، واللهُ أعلمُ.