التلخيص الحبير ط العلمية - كِتَابُ الشفعة
مدخل
...
كتاب الشُّفْعَةِ1
1274 - حَدِيثُ "لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رُبُعٍ أَوْ حَائِطٍ الْبَزَّارُ" مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ2، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا "لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي دَارٍ أَوْ عَقَارٍ" 3.
1275 - حَدِيثُ جَابِرٍ إنَّمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ4، وَلِمُسْلِمٍ
__________
1 الشفعة لغة: قال صاحب المطالع: الشفعة: مأخوذة من الزيادة، لأنه يضم ما شفع فيه إلى نصيبه، هذا قول ثعلب، كأنه كان وترا فصار شفعا، والشافع: هو الجاعل الوتر شفعا، والشفيع: فعيل بمعنى فاعل.
فهي لغة: بالضم؛ يقال: شفعت الشيء؛ ضممته إلى غيره ... ومناسبة هذا المعنى للمعنى الشرعي، أن الشريك يضم نصيب شريكه إلى نصيبه.
وقيل: من الشفع ضد الوتر؛ لأن الشفيع يضم حصة شريكه إلى حصته، فيصيران شفعا، وقد كانت حصته وترا.
وقيل: من الشفاعة؛ لأن الرجل في الجاهلية كان إذا أراد بيع داره أتاه شريكه، فشفع إليه فيما باع، فشفعه وجعله أولى به من غيره، وهذا قول محمد بن قتيبة في غريب الحديث... وفي المصباح: شفعت الشيء شفعا من باب نفع ضممته إلى الفرد، وشفعت الركعة جعلتها ثنتين، ومن هنا اشتقت الشفعة، وهي مثال غرفة، لأن صاحبها يشفع ماله بها، وهي اسم للملك المشفوع، مثل اللقمة اسم للشيء الملقوم، وتستعمل بمعنى التملك لذلك الملك، ومنه قولهم: من ثبت له شفعة فأخر الطلب بغير عذر، بطلت شفعته. ففي هذا المثال جمع بين المعنيين، فإن الأولى للمال، والثانية للتملك.
انظر: الصحاح 3/1238، المغرب 253، المصباح المنير 1/485.
واصطلاحا: عرفها الحنفية بأنها: ضم ملك البائع إلى ملك الشفيع، وتثبت للشفيع بالثمن الذي بيع به، رضي المتبايعان أو شرطا.
وعرفها الشافعيه بأنها: حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الشريك الحادث فيما ملك بعوض.
وعرفها المالكية بأنها: استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه.
وعرفها الحنابلة بأنها: استحقاق انتزاع الإنسان حصة شريكه من مشتريها بمثل ثمنها.
انظر: الاختيار 2/56، حاشية ابن عابدين 5/137، فتح القدير 9/368، المبسوط 14/90، حاشية البجيرمي 3/145، مغني المحتاج 2/296، منح الجليل 3/582، الإنصاف 6/250، الكافي 2/416.
2 أخرجه البزار كما في نصب الراية 4/178، وقال البزار: ولا نعلم أحدا يرويه بهذا اللفظ إلا جابر.
3 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6/109، كتاب الشفعة: باب لا شفعة فيما ينقل ويحول وضعفه البيهقي.
4 أخرجه البخاري 4/436، كتاب الشفعة: باب الشفعة فيما لم يقسم، الحديث 2257، وأخرجه أبو داود 3/784-785، كتاب البيوع والإجارات: باب في الشفعة الحديث 3514، والترمذي 3/652-653، كتاب الأحكام: باب ما جاء إذا حدت الحدود ووقعت السهام فلا شفعة، الحديث 1370، وابن ماجة 2/835، كتاب الشفعة: باب إذا وقعت الحدود فلا شفعة الحديث 2499، وأحمد 3/296، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/122، كتاب الشفعة: باب الشفعة بالجوار،==

(3/135)


نَحْوُهُ بِمَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ1، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدِي إنَّ مِنْ قَوْلِهِ إذَا وَقَعَتْ إلَى آخِرِهِ مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ وَالْمَرْفُوعُ مِنْهُ إلَى قَوْلِهِ لَمْ يُقْسَمْ2، وَأَعَلَّهُ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَرْسَلُوهُ3، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ حَدِيثٍ آخَرَ.
1276 - حَدِيثُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكٍ رَبَعَةٍ أَوْ حَائِطٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَإِنْ بَاعَهُ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَرَوَى الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شِرْكٍ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِهِمَا وَلَهُ طُرُقٌ4.
تَنْبِيهٌ الرَّبْعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ تَأْنِيثٌ رَبْعٍ.
1277 - حَدِيثُ "الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ" الشَّافِعِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِهَذَا5, وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ كَذَلِكَ6، وَوَصَلَهُ عَنْ مَالِكٍ ابْنُ الْمَاجِشُونَ7 وَأَبُو عَاصِمٍ8، وَغَيْرُهُمَا بِذِكْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ9 وَابْنُ
__________
= والبيهقي 6/102، كتاب الشفعة باب الشفعة فيما لم يقسم، وابن الجارود 216-217، باب ما جاء في الشفعة، وأبو داود الطيالسي ص 235، الحديث 1691، وأحمد 3/372.
1 أخرجه مسلم 3/1229، كتاب المساقاة: باب الشفعة حديث 134/1608، وأبو داود 3/784، كتاب البيوع: باب في الشفعة حديث 3513، والنسائي 7/301، كتاب البيوع: باب بيع المشاع، والدارمي 2/273-274، كتاب البيوع: باب في الشفعة، وابن ماجة 2/833، كتاب الشفعة: باب من باع دباغا فليؤذن شريكه حديث 2492، وابن الجارود في المنتقى رقم 642، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/120، والطبراني في الصغير 1/17، واليهقي في السنن الكبرى 6/104، كتاب الشفعة: باب الشفعة فيما لم يقسم كلهم من طريق أبي الزبير عن جابر بألفاظ متعددة.
2 ينظر: علل الحديث 1/478، رقم 1431.
3 ينظر: شرح معاني الآثار 4/120-122.
4 تقدم تخريجه من طريق أبي الزبير عن جابر.
5 تنظر هذه الرواية ي معرفة السنن والآثار 4/488.
6 أخرجه مالك 2/713، كتاب الشفعة حديث 1، والشافعي في المسند 2/164-165، كتاب الشفعة، حديث 571، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/121، كتاب الشفعة: باب الشفعة بالجوار، والبيهقي 6/103، كتاب الشفعة: باب الشفعة فيما لم يقسم.
7 أخرجه الطحاوي 4/121، والبيهقي 6/103.
8 أخرجه ابن ماجة 2/834، كتاب الشفعة: باب إذا وقعت الحدود فلا شفعة حديث 2497، والطحاوي 4/121، والبيهقي 6/103، من طريق أبي عاصم عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة معا عن أبي هريرة به.
9 أخرجه أبو داود 3515، والبيهقي 6/104.

(3/136)


إِسْحَاقَ1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَرْوِيه عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا بَيَّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْبَيْهَقِيّ وَوَصَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ2.
حَدِيثُ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ تَقَدَّمَ فِي الضَّمَانِ.
تَنْبِيهٌ أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيُّ هُنَا بِلَفْظِ مَنْ تَرَكَ حَقًّا وَلَمْ أَرَهُ كَذَلِكَ.
1278 - حَدِيثُ "الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ" ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ لَا شُفْعَةَ لِغَائِبٍ وَلَا لِصَغِيرٍ ولا شفعة كَحَلِّ الْعِقَالِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جدا وقال البزار في رواية راويه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ مَنَاكِيرُهُ كَثِيرَةٌ وَأَوْرَدَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ رَاوِيهِ عَنْ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ وَحَكَى تَضْعِيفَهُ وَتَضْعِيفَ شَيْخِهِ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ لَا أَصْلَ لَهُ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ مُنْكَرٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَيْسَ بِثَابِتٍ3.
قَوْلُهُ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا" وَيُرْوَى الشُّفْعَةُ كَنَشْطِ عِقَالٍ إنْ قُيِّدَتْ ثَبَتَتْ وَإِلَّا فَاللَّوْمُ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا هَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَاوَرْدِيُّ هَكَذَا بِلَا إسْنَادٍ وَذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ فَإِنْ قَيَّدَهَا مَكَانَهُ ثَبَتَ حَقُّهُ وَإِلَّا فَاللَّوْمُ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ
__________
1 أخرج رواية ابن إسحاق البيهقي 6/104.
2 تقدم تخريجه.
3 أخرجه ابن ماجة 2/835، كتاب الشفعة: باب طلب الشفعة الحديث 2500، والبزار ما في نصب الراية 4/176، كتاب الشفعة: باب طلب الشفعة، والبيهقي 6/108، كتاب الشفعة: باب من مسائل الشفعة، والخطيب في التاريخ 6/57، كلهم من طريق محمد بن الحارث عن محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا شفعة لغائب ولا صغير ولا شريك على شريك إذا سبقه بالشراء، والشفعة كحل العقال" . ولفظ ابن ماجة: "الشفعة حكل العقال" ، وقال البيهقي: محمد بن الحارث البصري متروك، ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني ضعيف، ضعفهما يحيى بن معين وغيره من أئمة الحديث. وقال ابن حزم المحلى 9/91، كتاب الشفعة: باب أحكام الشفعة: هو خبر مكذوب موضوع، وقال ابن أبي حاتم في العلل 1/479، رقم 1434: سئل أبو زرعة عن حديث رواه عبيد الله بن محمد التيمي المعروف بابن عائشة عن محمد بن الحارث الحارثي عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الشفعة كحل العقال" قال أبو زرعة: هذا حديث منكر ولم تقرأ علينا في كتاب الشفعة وضربنا عليه.
وقال البوصيري في الزوائد 2/283: هذا إسناد ضعيف محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني قال فيه ابن عدي: كل ما يرويه البيلماني فالبلاء فيه منه، وإذا روى عنه محمد بن الحارث فهما ضعيفان، وقال ابن حبان حدث عن أبيه نسخة كلها موضوعة لا يجوز الاحتجاج به، ولا ذكره إلا على وجه التعجب.

(3/137)


عَنْهُ1، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ فِي الْمُحَلَّى2، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ قَوْلِ شُرَيْحٍ إنَّمَا الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا3، وذكره قَاسِمِ بْنِ ثَابِتٍ فِي دَلَائِلِهِ.
قَوْلُهُ السُّنَّةُ السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَ إنَّهُ مُنْكَرٌ4، وَحَكَمَ عَلَيْهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِالْوَضْعِ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الْأَيْلِيِّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ بِلَفْظِ السَّلَامُ قَبْلَ السُّؤَالِ مَنْ بَدَأَكُمْ بِالسُّؤَالِ قَبْلُ فَلَا تُجِيبُوهُ5.
__________
1 ينظر: الأحكام الوسطى 3/291-292.
2 ينظر: المحلى 8/17.
3 أخرجه عبد الرزاق 8/83، رقم 14406.
4 أخرجه الترمذي 5/59-60، كتاب الاستئذان: باب ما جاء في السلام قبل الكلام، حديث 2699، وأبو يعلى 4/48، رقم 2059، وابن عدي في الكامل 6/2210، وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 2/78، والقضاعي في مسند الشهاب رقم 34، من طريق عنبسة بن عبد الر حمن عن محمد بن زاذان عن محمد بن المنكدر عن جابر.
وقال الترمذي: هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمعت محمدا يقول: عنبسة بن عبد الرحمن ضعيف في الحديث ذاهب ومحمد بن زاذان منكر الحديث.
5 ينظر الكامل 5/1929.

(3/138)