56- التلخيص الحبير ط العلمية - كِتَابُ النَّفَقَاتِ4
1660- حَدِيثُ: "أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ زَوْجَ
أَبِي سُفْيَانَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
__________
4 قال الجوهري في الصحاح: "نَفَقَ البَيع نفاقاً بالفتح أي
راج، والنّفَاق بالكسر، فعل المنافق، والنفاق أيضاً جمع
النفقة من الدراهم" ثم قال: "وقد أنفقت الدراهم من النفقة
ا.هـ".
وقال المجد في القاموس: "النفَقَةُ، ما تُنْفِقُه من
الدراهم ونحوها" ثم قال: "وأنفق: افتقر، وماله: أنفذه،
كاستنفقه ا.هـ".
وقال ابن منظور في لسان العرب: "أنفق المال صرفه، وفي
التنزيل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا
رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [يس: 47] أي أنفقوا في سبيل الله
وأطعموا، وتصدقوا، واسْتَنْفَقَهُ: أذهبه، والنَّفَقَهُ:
ما أُنفِق والجمع، نٍفَاقٌ" ثم قال: "وقد أًنفَقْتُ
الدراهم، من النّفَقَةُ" والنّفَقَة: ما أنْفَقْت،
واسْتنْفَقت على العيال، وعلى نفسك ا.هـ". =
(4/15)
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ،
لَا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إلَّا مَا
أَخَذْته مِنْهُ سِرًّا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَهَلْ عَلَيَّ فِي
ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقَالَ: "خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك
بِالْمَعْرُوفِ" 1، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلَهُ
عِنْدَهُمَا أَلْفَاظٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ هِنْدٍ2.
حَدِيثُ: "إنَّ اللَّهَ أَعْطَاكُمْ ثُلُثَ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ
أَعْمَارِكُمْ" ، تَقَدَّمَ فِي "الْوَصَايَا".
1661- حَدِيثُ : "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ
عَنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ، فَقَالَ " أَنْ تُطْعِمَهَا
إذَا طَعِمْت، وَتَكْسُوَهَا إذَا اكْتَسَيْتَ" ، أَبُو دَاوُد،
وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ، مِنْ حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، وَزَادُوا فِي آخِرِهِ: "وَلَا تُقَبِّحْ
وَلَا تَهْجُرْ إلَّا فِي الْبَيْتِ" ، وَقَدْ عَلَّقَ
__________
= ويستفاد من هذه النصوص، أن النفقة اسم لم تصرفه من الدراهم أو نحوها
على نفسك أو غيرك.
واصطلاحاً:
عند الشافعية: قال الشرقاوي في حاشيته على شرح التحرير: النفقة: طعام
مقدر لزوجة وخادمة على زوج، ولغيرهما من أصل وفرع، ورقيق، وحيوان ما
يكفيه.
وعند الحنفية: في تنوير الأبصار مع شرح الدر المختار: هي الطعام
والكسوة السكنى، وعرفاً: هي الطعام.
عند المالكية: في شرح "الخرشي على مختصر خليل": النفقة مطلقاً، ما به
قوام معتاد حال الآدمي دون سرف.
عند الحنابلة: في "الإقناع والمنتهى": هي كفاية من يمونه، خبزاً،
وأدماً وكسوة، وسكناً، وتوابعها.
ينظر: الصحاح 4/ 560، والمغرب 2/ 319، والقاموس المحيط 3/ 296، وأنيس
الفقهاء ص 168، والدرر 1/ 412.
1 أخرجه أحمد [6/ 50] والبخاري [4/ 405] كتاب البيوع، باب من أجرى أمر
الأمطار على ما يتعارفون بينهم، الحديث [2211] ومسلم [3/ 1338] كتاب
الأقضية باب قضية هند الحديث [7/ 1714] أبو داود [3/ 802] كتاب البيوع،
باب الرجل يأخذ حقه من تحت يده الحديث [3532] والنسائي [8/ 246] كتاب
آداب القضاء باب قضاء الحاكم على الغائب إذا عرفه، وابن ماجة [2/ 769]
كتاب التجارات باب ما للمرأة من مال زوجها الحديث [2293] والدارمي [2/
159] كتاب النكاح: باب في وجوب نفقة الرجال على أهله والحميدي [1/ 118]
رقم [242] والشافعي في "مسنده" [2/ 64] كتاب الطلاق: باب النفقات حديث
[210، 211] وأبو يعلى [8/ 98] رقم [4636] وابن حبان [4241- الإحسان]
والطحاوي في "مشكل الآثار" [2/ 338] وابن الجارود [1025] وعبد الرزاق
[9/ 126- 127] رقم [16613] وابن سعد في "الطبقات الكبرى" [8/ 188]
والدارقطني [4/ 234- 235] كتاب الأقضية والأحكام حديث [108] والبيهقي
[7/ 477] كتاب النفقات: باب النفقة على الأولاد من طريق هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة أن هنداً قالت: يا رسول الله أن أبا سفيان رجل شحيح
وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت... الحديث.
2 أخرجه الطبراني [25/ 72- 73]، حديث [177].
(4/16)
الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ حَسْبُ1، وَصَحَّحَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "الْعِلَلِ"2.
حَدِيثُ أَنَّهُ قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: "لَا نَفَقَةَ لَكِ
عَلَيْهِ" ، "وَكَانَتْ مَبْتُوتَةً"، مُسْلِمٌ عَنْهَا، وَقَدْ
تَقَدَّمَ.
حَدِيثُ: "أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ" ، تَقَدَّمَ فِي
"الِاسْتِبْرَاءِ".
1662- حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا
الْقُرْآنَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ، فَأَهْدَى لَهُ قَوْسًا، فَقَالَ لَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنْ أَخَذْتَهَا
أَخَذْت قَوْسًا مِنْ النَّارِ" ، احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي
الْحُسَيْنُ: عَلَى أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ النَّفَقَةَ على ظَنِّ
الْحَمْلِ، فَبَانَ خِلَافُهُ؛ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ، وَالْحَدِيثُ
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالرُّويَانِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"،
وَالْبَيْهَقِيُّ، كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
سَلَمٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْكَلَاعِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ3،
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ مُنْقَطِعٌ،
يَعْنِي: بَيْنَ عَطِيَّةَ وَأُبَيٍّ.
وَقَالَ الْمِزِّيُّ: أُرْسِلَ عَنْ أُبَيٍّ؛ وَكَأَنَّهُ تَبِعَ فِي
ذَلِكَ الْبَيْهَقِيّ4؛ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ أَبُو مِسْهَرٍ: إنَّ
عَطِيَّةَ وُلِدَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؛ فَكَيْفَ لَا يَلْحَقُ أُبَيًّا5.
وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ؛ بِالْجَهْلِ
بِحَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ6، وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ أُبَيٍّ؛ قَالَ ابْنُ
الْقَطَّانِ: لَا يَثْبُتُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَفِيمَا قَالَ نَظَرٌ.
وَذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي "الْأَطْرَافِ" لَهُ طُرُقًا، مِنْهَا: مَا
بَيَّنَ أَنَّ الَّذِي أَقْرَأَهُ أُبَيٌّ، هُوَ الطُّفَيْلُ بْنُ
عَمْرٍو7.
__________
1 أخرجه أبو داود [2/ 244- 245] كتاب النكاح باب في حق المرأة على
زوجها حديث [2142] وابن ماجة [ 1/ 593- 594] كتاب النكاح: باب حق
المرأة على الزواج حديث [1850] وأحمد [4/ 447] والحاكم [2/ 188]
والبيهقي [7/ 259] من حديث معاوية بن حيدة القشيري.
والحديث علقه البخاري [10/ 375] كتاب "النكاح"، باب: "هجرة النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءه في غير بيوتهن" بصيغة التمريض
عن معاوية بن حيدة بهذه الزيادة، ثم قال: والأول أصبح.
2 ينظر "العلل" للدارقطني [7/ 87- 89].
3 أخرجه ابن ماجة [2/ 830] كتاب "التجارات"، باب: "الأجر على تعليم
القرآن"، حديث [2158] والبيهقي [6/ 125- 126] كتاب "الإجارة"، باب: "من
كره أخذ الأجرة عليه".
قال البوصيري في "الزوائد" [2/ 165]: هذا إسناد مضطرب؛ قاله الذهبي في
ترجمة عبد الرحمن بن سلم، وقال العلائي في المراسل، عطية بن قيس عن أبي
بن كعب مرسل.
عند البيهقي والبوصيري –عبد الرحمن بن مسلم- وهو خطأ والصواب ما
أثبتناه، وهو في التقريب [3906] قال عنه الحافظ: مجهول.
4 ينظر "السنن الكبرى" للبيهقي [6/ 126] و"تهذيب الكمال" [20/ 153-
156] و"جامع التحصيل" ص [239].
5 ينظر قول أبي مسهر في "تهذيب الكمال" [20/ 155].
6 تقديم الكلام على حال عبد الرحمن بن سلم وبيان أنه مجهول.
7 ينظر "تحفة الأشراف" [1/ 35- 36] و"النكت الظراف" [1/ 36].
(4/17)
وَفِي الْبَابِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ مُغِيرَةَ بْنِ زِيَادٍ،
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
عَنْهُ، قَالَ: "عَلَّمْتُ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ
الْكِتَابَةَ وَالْقُرْآنَ، فَأَهْدَى إلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ
قَوْسًا..."، الحديث1 و"مغيرة " مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَاسْتَنْكَرَ
أَحْمَدُ حديثه، وناقض الْحَاكِمُ فَصَحَّحَ حَدِيثَهُ فِي
"الْمُسْتَدْرِكِ"، وَاتَّهَمَهُ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَقَالَ:
يُقَالُ إنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ بِحَدِيثٍ
مَوْضُوعٍ.
والأسود بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ فِي كَلَامِهِ
عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: إسْنَادُهُ مَعْرُوفٌ إلَّا الْأَسْوَدَ؛
فَإِنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْهُ إلَّا هَذَا الْحَدِيثُ2.
كَذَا قَالَ مَعَ أن له حديث آخَرَ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ عُبَادَةَ
بْن الصَّامِتِ أَيْضًا، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي "كِتَابِ ثَوَابِ
الْأَعْمَالِ"، وَثَالِثٌ أخرجه الحاكم في "[النفساء]3 تطهر"،
وَرَابِعٌ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "الْفِتَنِ"، كِلَاهُمَا مِنْ
حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ عَنْ عُبَادَةَ،
بَلْ تَابَعَهُ جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد،
وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ4، لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عُبَادَةَ، فَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ الْأَسْوَدِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ جُنَادَةَ، وَرَوَاهُ
الدَّارِمِيُّ بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
الدَّرْدَاءِ؛ لَكِنَّ شَيْخَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَحْيَى بْنِ
إسْمَاعِيلَ لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ فِيهِ أَبُو
حَاتِمٍ: مَا بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ دُحَيْمٌ: حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي هَذَا لَيْسَ لَهُ
أَصْلٌ.
1663- حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى
امْرَأَتِهِ، "يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا" وَيُرْوَى: "مَنْ أعسر بنفقة
امْرَأَتِهِ، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا" .
__________
1 أخرجه أحمد [5/ 315] وأبو داود [3/ 164] كتاب الإجارة: باب في كسب
العلم حديث [3416] وابن ماجة [2/ 729- 730] كتاب التجازات: باب الأجر
على تعليم القرآن حديث [2157] وعبد بن حميد في "المنتخب من المسند"
[183] والحاكم [2/ 41] وصححه الحاكم.
وتعقبه الذهبي فقال: فيه مغيرة بن زياد وهو صالح الحديث وتركه ابن
حبان.
2 ينظر ترجمته في "تهذيب الكمال" [28/ 359- 363].
3 في ط: النساء وهو خطأ حيث أن لفظ الحديث عند الحاكم [1/ 176] من طريق
الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن عثمان عن معاذ بن
جبل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآله وسلم قال: "إذا
مضى للنفساء سبع ثم رأت الطهر فلتغتسل ولتصل" .
تنبيه: وقع في نسخة حديثه مطبوعة من "التلخيص" وفيها: في النساء تظهر.
وهو تحريف غير مفهوم لما في الطبعة القديمة وقد تابع محقق هذه النسخة
ما في النسخة القديمة المطبوعة من الأوهام.
4 أخرجة أبو داود [3/ 265] كتاب الإجازة، باب: "في كسب العلم"، حديث
[3417] والحاكم [3/ 356]. والبيهقي [6/ 125] كتاب "الإجارة"، باب: "من
كره أخذ الأجرة عليه" كلهم من طريق جنادة بن أمية عن عبادة بن الصامت
نحو هذا الخبر.
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرخاه، ووافقه الذهبي.
(4/18)
وَسُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "يُفَرَّقُ
بَيْنَهُمَا" ، فَقِيلَ لَهُ: "سُنَّةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، سُنَّةٌ.
أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَعَلَّهُ أَبُو حَاتِمٍ1.
وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ
عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ، فَذَكَرَهُ2، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاَلَّذِي يُشْبِهُ
أَنْ يَكُونَ قَوْلُ سَعِيدٍ سُنَّةٌ، سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ الثَّوْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَوْلُهُ: "وَلَمْ يَقُلْ
مِنْ السُّنَّةِ"3، وَأَمَّا لَفْظُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى
الْمُشَارِ إلَيْهَا، فَلَمْ أَرَهُ.
قُلْتُ: لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى عِلَّةٌ بَيَّنَهَا ابْنُ الْقَطَّانِ
وَابْنُ الْمَوَّاقِ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ أَخْرَجَ مِنْ
طَرِيقِ شَيْبَانَ، عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمَرْأَةُ تَقُولُ لِزَوْجِهَا أَطْعِمْنِي أَوْ
طَلِّقْنِي..." ، الْحَدِيثَ.
وَعَنْ حَمَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ؛
أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَعْجِزُ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ،
قَالَ: "إنْ عَجَزَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا" ، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ
طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ
سَعِيدٍ بِذَلِكَ، وَبِهِ إلَى حَمَّادٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ:
ظَنَّ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمَّا نَقَلَهُ مِنْ كِتَابِ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ؛ أَنَّ قَوْلَهُ "مِثْلُهُ" يَعُودُ عَلَى لَفْظِ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا يَعُودُ عَلَى
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمَوَّاقِ بِأَنَّ
الدَّارَقُطْنِيّ لَمْ يَهِمْ فِي شَيْءٍ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ أَعَادَ
الضَّمِيرَ إلَى غَيْرِ الْأَقْرَبِ؛ لِأَنَّ فِي السِّيَاقِ مَا
يَدُلُّ عَلَى صَرْفِهِ لِلْأَبْعَدِ، انْتَهَى.
وَقَدْ وَقَعَ الْبَيْهَقِيّ ثُمَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا خَشِيَهُ
ابْنُ الْقَطَّانِ، فَنَسَبَا لَفْظَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إلَى أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَهُوَ خَطَأٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّ الْبَيْهَقِيّ
أَخْرَجَ أَثَرَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ثُمَّ سَاقَ رِوَايَةَ أَبِي
هُرَيْرَةَ فَقَالَ "مِثْلُهُ"، وَبَالَغَ فِي "الْخِلَافِيَّاتِ"
فَقَالَ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا؛ فِي الرَّجُلِ
لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ، "يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا"؛
كَذَا قَالَ، وَاعْتَمَدَ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ سِيَاقِ
الدَّارَقُطْنِيِّ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
__________
1 أخرجه الدارقطني [3/ 297] كتاب "النكاح"، باب: "المهر"، حديث [194]،
والبيهقي [7/ 470] كتاب "النفقات"، باب: "الرجل لا يجد نفقة امرأته"
كلاهما من طريق حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي
هريرة.
2 أخرجه الشافعي [2/ 65] كتاب "الطلاق"، باب: "في النفقات"، حديث
[212].
3 أخرجه عبد الرزاق [7/ 96] في أبواب "العدة والنفقة"، باب: "الرجل لا
يجد ما ينفق على امرأته"، حديث [12356].
(4/19)
1664- حَدِيثُ: "طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ" ، مُسْلِمٌ،
وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عن جابر بأتم مِنْهُ، وَلَهُ
طُرُقٌ1.
1665- حَدِيثُ: "إنَّ أَطْيَبَ مَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ،
وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ؛ فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" ، أَحْمَدُ،
وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ، وَاللَّفْظُ لِابْنِ مَاجَهْ سِوَى قَوْلِهِ: "فَكُلُوا
مِنْ أَمْوَالِهِمْ" .
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: "أَطْيَبُ مَا أَكَلْتُمْ
مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ" .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَلِلْحَاكِمِ: "وَلَدُ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ،
فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ مِثْلُ سِيَاقِ الْمُصَنِّفِ، إلَّا
قَوْلَهُ: "فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" 2، وَصَحَّحَهُ
__________
1 أخرجه مسلم [3/ 1630] كتاب الأشربة: باب فضيلة المواساة في الطعام
القليل، حديث [181/ 2058] والترمذي [4/ 236] كتاب الأطعمة: باب ما جاء
في طعام الواحد يكفي لاثنين حديث [1821] وأحمد [3/ 315] وأبو يعلى [3/
416] رقم [1902] كلهم من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر.
وأخرجه مسلم [3/ 1630] كتاب الأشربة: باب فضيلة المواساة في الطعام
القليل، حديث [179/ 2059] وابن ماجة [2/ 1084] كتاب الأطعمة: باب طعام
الواحد يكفي الاثنين: حديث [3254] والدارمي [2/ 100] كتاب الأطعمة: باب
طعام الواحد يكفي الاثنين: وأحمد [3/ 382] والبغوي في "شرح السنة" [6/
93- بتحقيقنا] كلهم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر.
وأخرجه مسلم [2059] وأحمد [3/ 301] من طريق الأعمش عن أبي الزبير عن
جابر.
وفي الباب من حديث عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- أخرجه ابن ماجة [2/
1084] كتاب الأطعمة: باب طعام الواحد يكفي الاثنين حديث [3255] من طريق
قهرمان آل الزبير قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده
عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إن طعام الواحد يكفي الاثنين وإن طعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة
وإن طعام الأربعة يكفي الخمسة والستة" .
قال البوصيري في "الزوائد" [3/ 71]: هذا إسناد ضعيف لضعف قهرمان آل
الزبير عمرو بن دينار فقد ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة
والفلاس والبخاري والترمذي والنسائي وغيرهم.
2 أخرجه أبو داود [3/ 289] كتاب "البيوع"، باب: "في الرجل يأكل من مال
ولده"، حديث [3528]، والترمذي [3/ 630- 631] كتاب "الأحكام"، باب: "ما
جاء في أن الوالد يأخذ من مال ولده"، حديث [1358] والنسائي [7/ 241]
كتاب: البيوع، باب: الحث على الكسب، رقم: [4452]، وابن ماجة [2/ 723]
كتاب التجارات، باب: الحث على المكاسب، رقم: [2137] وأحمد [6/ 31- 42-
127- 193]، والبيهقي [7/ 480] كتاب النفقات، باب: نفقة الأبوين،
والدارمي [2/ 247] كتاب: البيوع، باب: الكسب وعمل الرجل بيده، وابن
حبان "موارد الظمآن" [3/ 424]، رقم: [1091- 1092] وعبد الرزاق في
"المصنف" [9/ 133] باب: ما يناله الرجل من مال ابنه وما يجبر عليه من
النفقة، رقم: [16643] والحاكم [2/ 46]. =
(4/20)
أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ
فِي "الْعِلَلِ"1، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّهُ عَنْ
عُمَارَةَ عَنْ عَمَّتِهِ، وَتَارَةً عَنْ أُمِّهِ، وَكِلْتَاهُمَا لَا
يُعْرَفَانِ، وَزَعَمَ الْحَاكِمُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ
"مُسْتَدْرَكِهِ" بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ
أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ الْأَسْوَدِ، عَنْ
عَائِشَةَ بِلَفْظِ: "وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ إذَا احْتَجْتُمْ
إلَيْهَا" -أَنَّ الشَّيْخَيْنِ أَخْرَجَاهُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ،
وَوَهِمَ فِي ذَلِكَ وَهْمًا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ
اسْتَدْرَكَهُ فِيمَا قِيلَ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي هَذِهِ
الزِّيَادَةِ وَهِيَ: "إذَا احْتَجْتُمْ إلَيْهَا" -: إنَّهَا
مُنْكَرَةٌ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ:
حَدَّثَنِي بِهِ حَمَّادٌ وَوُهِمَ فِيهِ2.
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ: "أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا، وَوَالِدِي
يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، قَالَ: "أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك؛
إنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ
أَوْلَادِكُمْ" ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ
خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الْجَارُودِ3.
1666- حَدِيثُ: "أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، مَعِي دِينَارٌ، فَقَالَ:
"أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك..." ، الْحَدِيثَ، الشَّافِعِيُّ،
وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ حِبَّانَ،
وَالْحَاكِمُ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ4.
__________
= قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى بعضهم هذا عن عمارة بن عمير
عن أمه عن عائشة وأكثرهم قالوا: عن عمته عن عائشة، والعمل على هذا عند
بعض أهل العلم من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وغيرهم، قالوا: إن يد الوالد مبسوطة في مال ولده يأخذ ما شاء.
وقال بعضهم: لا يأخذ من ماله إلا عند الحاجة إليه.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
1 علل الحديث [1/ 465].
2 ينظر سنن أبي داود [3/ 389].
3 أخرجه أحمد [2/ 214] وأبو داود [3/ 801- 802] كتاب البيوع والإجارات:
باب في الرجل يأكل من مال ولده حديث [3530] وابن ماجة [2/ 769] كتاب
التجارات: باب ما للرجل من مال ولده حديث [2292] وابن الجارود في
"المنتقى" رقم [995] والطحاوي في "شرح معاني الآثار" [4/ 158] كتاب
القضاء والشهادات: باب الوالد هل يملك مال ولده أم لا والبيهقي [7/
480] والخطيب في "تاريخ بغداد" [12/ 49] وأبو نعيم ص204 في "أخبار
أصبهان " [2/ 22] من طريق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أتى
أعرابي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن أبي يريد
أن يحتاج مالي قال: "أنت ومالك لوالدك إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن
أموال أولادكم من كسبكم فكلوه هنيئاً" .
4 أخرجة أبو داود 2/ 320- 321 في الزكاة، باب في صلة الرجم [1691]
والنسائي 5/ 62 في الزكاة، باب تفسير ذلك، والبخاري في الأدب المفرد
[197] والشافعي في سننه 2/ 63، 64 برقم [209]، وأحمد 2/ 251، 471، وابن
حبان [828، 829- موارد]، والحاكم 1/ 415، وأبو يعلي في سننه [6616]،
والبغوي في شرح السنة 3/ 435 في الزكاة، باب فضل الصدقة =
(4/21)
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اخْتَلَفَ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَالثَّوْرِيُّ؛
فَقَدَّمَ يَحْيَى الزَّوْجَةَ عَلَى الْوَلَدِ، وَقَدَّمَ سُفْيَانُ
الْوَلَدَ عَلَى الزَّوْجَةِ، فينبغي أن لا يُقَدَّمَ أَحَدُهُمَا
عَلَى الْآخَرِ، بَلْ يَكُونَا سَوَاءً؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا تَكَلَّمَ
تَكَلَّمَ ثَلَاثًا، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي إعَادَتِهِ إيَّاهُ
قَدَّمَ الْوَلَدَ مَرَّةً، وَمَرَّةً قَدَّمَ الزَّوْجَةَ، فَصَارَا
سَوَاءً.
قُلْت: وَفِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ تَقْدِيمُ
الْأَهْلِ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ1، فَيُمْكِنُ أَنْ
تُرَجَّحَ بِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
16 67- حَدِيثٌ: "أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: "أُمَّك، قَالَ:
ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمَّك، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبَاك"
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ2،
وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ هُنَا أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ3، وَرَوَاهُ أَبُو
دَاوُد مِنْ طَرِيقِ كُلَيْبِ بْنِ مَنْفَعَةَ عَنْ جَدِّهِ
__________
= على الأولاد والأقارب برقم [1679] بتحقيقنا من طريق محمد بن عجلان عن
سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هرية قال: أمر النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصدقة فقال رجل: عندي دينار؟ قال: "أنفقه على نفسك"
. قال: عندي آخر؟ قال: "انفقه على ولدك" ، قال عندي آخر قال: "أنفقه
على أهلك" . قال: "عندي آخر" قال: "أنفقه على خادمك" ، قال عندي آخر.
قال: "أنت أعلم به" .
1 أخرجه مسلم [4/ 90- نووي] كتاب "الزكاة"، باب: "الابتداء بالنفقة
بالنفس ثم أهله" حديث [41/ 997] من طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر
–رضي الله عنه- ، قال: أعتق رجل من بني عذرة عبداً له عن دبر فبلغ ذلك
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: "ألك مال غيره" ،
فقال: لا. فقال: "من يشتريه مني" ؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي
بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فدفعها إليه، ثم قال: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك،
فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا
وهكذا" ، يقول: "فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك" .
2 أخرجه أحمد [2/ 327- 328] والبخاري [12/ 4] كتاب "الأدب"، باب: "من
أحق الناس بحسن الصحابة"، حديث [5971] ومسلم [8/ 343- نووي] كتاب "البر
والصلة والآداب"، باب: بر الوالدين وأنهما أحق به، حديث [41/ 2548]
وابن ماجة [2/ 1207] كتاب "الأدب"، باب: "بر الوالدين"، حديث [3658]
والبخاري في "الأدب المفرد" [5] في باب بر الأب وابن حبان [2/ 175-
177] كتاب "البر والإحسان"، باب: "حق الوالدين"، حديث [433، 334]
والبيهقي [8/ 2] كتاب "النفقات"، باب: "من أحق منهما بحسن الصحبة"
والبغوي في شرح السنة [6/ 424- تحقيقنا] كتاب "البر والصلة"، باب: "بر
الوالدين"، حديث [3309]، كلهم من طريق أبي زرعة بن عمر بن جرير عن أبي
هريرة.
3 أخرجه أبو داود [4/ 336] كتاب "الأدب"، باب: "بر الوالدين"، حديث
[5139] والترمذي [4/ 309] كتاب "البر والصلة"، باب: "ما جاء في بر
الوالدين"، حديث [1897] والبخاري في الأدب المفرد [3] في باب: "بر
الأم" والبيهقي [8/ 2] كتاب "النفقات"، باب: "من أحق منهما بحسن
الصحبة" والحاكم [4/ 150] والبغوي في "شرح السنة" [6/ 425- بتحقيقنا]
كتاب "البر والصلة"، باب: "بر الوالدين"، حديث [3310] كلهم من حديث بهز
بن حكيم عن أبيه عن جده =
(4/22)
نَحْوُهُ1، وَعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ سَمِعْت
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّ اللَّهَ
يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، ثُمَّ
بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ" 2، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ
بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
قَوْلُهُ: "نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأَبِ مَنْصُوصٌ 3 عَلَيْهَا
فِي قِصَّةِ "هِنْدٍ" وَغَيْرِهَا"، قَدْ تَقَدَّمَ
__________
= قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد تكلم شعبة في بهز بن حكيم وهو ثقة
عند أهل الحديث، وروى عنه معمر والنووي وحماد بن سلمة، وغير واحد من
الأئمة، قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
1 أخرجه أبو داود [4/ 336] كتاب "الأدب"، باب: "في بر الوالدين"، حديث
[5140] والبيهقي [4/ 179] كتاب "الزكاة"، باب: "الاختبار في صدفة
التطوع".
2 أخرجه ابن ماجة [2/ 1207- 1208] كتاب الأدب، باب: "بر الوالدين"،
حديث [3661] وأحمد [4/ 132] والبخاري في الأدب [60] في باب: "بر الأقرب
فالأقرب".
والحكام [4/ 151] كلهم من طريق إسماعيل من عياش عن بحير بن سعد عن خالد
بن معدان عن المقداد... فذكره.
قال الحاكم: إسماعيل بن عياش أحد أئمة أهل الشام إنما نقم عليه سوء
الحفظ فقط.
وفي إسناده إسماعيل وروايته عن الحجازيين ضعيفة كما هنا.
قلت: بحير بن سعد حمصي وليس حجازي، وعلى هذا فلا يكون في الحديث علة من
جهة إسماعيل، وتابعه بقية بن الوليد عن بحير بن سعد، أخرجه البيهقي [4/
179] كتاب "الزكاة"، باب: "الاختيار في صدقة التطوع".
3 اتفق الأئمة الأربعة على أنه يجب على على الأب نفقة ولد الصلب ذكرا
كان أو أنثى، وأدلة ذلك:
1- قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} [الطلاق: 6] الآية.
وجه الدلالة: إن الله عز وجل أوجب على الآباء أجرة رضاع أولادهم، ولو
لم تكن مؤنتهم واجبة عليهم، لما وجب أجر رضاعهم.
2- قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233].
وجه الدلالة: أن الله تعالى أوجب للوالدات الرزق والكسوة على المولود،
وهو الأب، ولا شك أن "المولود" مشتق، فتعلق الحكم به يؤذن بأن ولادة
الولد له علة في وجوب الرزق، والكسوة عليه، فإذا وحبت نفقة غير الولد
بسبب الولد، فوجوب نفقته أولى هذا على أنها في الإنفاق على الزوجات،
والمعتدات بدون إرضاع، وأما على أنها في الإنفاق على المرضعات جزاء
الإرضاع فهي مثل الآية السابقة، وقد قررت في صدر الرسالة أن الظاهر
كونها في الإنفاق للولادة لا للرضاع، وأن كون الولادة علة لا يتنافى مع
إيجاب النفقة للزوجات، والمعتدات بدون ولادة.
والمقصود هنا بيان دلالتها على وجوب نفقة الأولاد على الأب، وهي تدل
على ذلك بوجهيها.
3- قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهند: "خذي ما يكفيك...
إلخ" .
وجه الدلالة: أنه أباح لهند أن تأخذ للولد من مال أبيه بالمعروف من غير
إذنه، ولو لم تكن نفقته واجبة عليه لما أباح لها ذلك.
4- ما أخرجه أبو داود... عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: "أمر رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصدقة: فقال رجل: يا رسول
الله، عندي دينار: فقال: "تصدق على نفسك" : قال: عندي آخر، قال: "تصدق
به على ولدك" ؛ قال: عندي آخر: قال: "تصدق به على زوجتك" ، أو قال:
"على زوجك" ؛ =
(4/23)
حَدِيثُ هِنْدٍ، وَأَمَّا الْغَيْرُ الْمُبْهَمُ: فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ
إلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ؛ فَإِنَّ فِيهِ:
"وَلَدُك يَقُولُ إلَى مَنْ تَتْرُكُنِي" .
حَدِيثُ عُمَرَ: "أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي
رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ؛ إمَّا أَنْ يُنْفِقُوا، وَإِمَّا
أَنْ يُطَلِّقُوا، وَيَبْعَثُوا نَفَقَةَ مَا حَبَسُوا" ،
الشَّافِعِيُّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، بِهِ1، وَرَوَاهُ ابْنُ
الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ، بِهِ وَأَتَمَّ سِيَاقًا، وَهُوَ فِي "مُصَنَّفِ" عَبْدِ
الرَّزَّاقِ2، وَذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ فِي "الْعِلَلِ" عَنْ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِهِ، وَقَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: صَحَّ عَنْ عُمَرَ إسْقَاطُ طَلَبِ الْمَرْأَةِ
لِلنَّفَقَةِ إذَا أَعْسَرَ بِهَا الزَّوْجُ3
__________
= قال: عندي آخر؛ قال: تصدق به على خادمك قال: عندي آخر؛ قال: أنت
أعلم".
هذا حديث صحيح، كما قال ابن حزم، ووجه الدلالة أن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالإنفاق على الولد بعد الإنفاق علىالنفس
والأمر للوجوب.
5- إجماع العلماء على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال
لهم.
حكى هذا الإجماع القرطبي في تفسيره، وابن قدامة في "المغني" والشوكاني
في "نيل الأوطار".
6- المعقول، فإن ولد الإنسان بعضه، فيجب عليه إحياؤه، كما يجب عليه
إحياء نفسه، وذلك بالإنفاق عليه عند حاجته.
ينظر النفقات لشيخنا محمد سالم، وينظر القرطبي 3/ 163، النهاية 6/ 265،
معني المحتاج 3/ 427، المغني 9/ 56، المبسوط 7/ 222، نيل الأوطار 6/
253.
1 أخرجه الشافعي [2/ 65] كتاب "الطلاق"، باب: "في النفقات"، حديث
[213]، وعبد الرزاق [7/ 93- 94] في أبواب "العدة والنفقة"، باب: "الرجل
يغيب عن امرأته فلا ينفق عليها"، حديث [12346].
وذكره ابن أبي حاتم في العلل [1/ 406] ثم قال: قال أبي: نحن نأخذ بهذا
في نفقة ما مضى.
2 أخرجه الدارقطني [3/ 314- 315] كتاب "النكاح"، باب: "المهر"، حديث
[257].
والبيهقي [7/ 466] كتاب النفقات، باب: "وجوب النفقة للزوجة".
وابن أبي حاتم قي تفسيره كما في "الدر المنثور" [2/ 211]، قال العظيم
أبادي في "التعليق المغني" [3/ 315]: وبه قال سفيان بن عيينة والشافعي
وهو مأخوذ من قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً –أي فقراً-
فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} [التوبة: 28]،
والصحيح قول الجمهور: ذلك أدنى لا تعولوا: أي ألا تجوروا، يقال: عال في
الحكم إذا ظلم وجار، وقال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عباس وعائشة
ومجاهد وعكرمة والحسن وأبي مالك وأبي رزين والنخعي والشعبي والضحاك
وعطاء الخرساني وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان أنهم قالوا: لا تميلوا،
كذا في التفسير لابن كثير –رحمه الله- ا.هـ.
3 إذا أعسر الزوج بنفقة المعسرين أو ببعضها، ففي ثبوت حق طلب الفراق
للزوجة مذهبان:
الأول: أنه يثبت للزوجة حق طلب الفراق في الجملة، وهو مذهب الجمهور،
وحكى عن علي، وعمر، وأبي هريرة من الصحابة، وسعيد بن المسيب، وعمر بن
عبد العزيز من التابعين، وكثير من الفقهاء كمالك، والشافعي في قوله
الأظهر وأحمد في الرواية الظاهرة عنه، وربيعة وحماد بن أبي سليمان،
ويحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور، =
(4/24)
قَوْلُهُ: "إنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ فَسَّرَ قَوْله تَعَالَى:
{ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3]، أَيْ:
__________
= [وإنما قلت في الجملة]؛ لأن ما من مذهب من المذاهب المدونة تفاصيلها
إلا وفيه صور يمتنع فيها هذا الحق اتفاقاً أو اختلافاً، وقد اختلفوا
أيضاً في نوع الفراق أطلاق أم فسخ؟ وفي وقته أيعجل، أم يؤجل يوماً أو
أكثر؟.
فهذا المذهب بالنظر إلى الصور المختلف فيها، وإلى نوع الفراق ووقته،
يتفرع من مذاهب، وسأذكرها بعد.
الثاني: أن لا يثبت للزوجة حق طلب الفراق أصلاً، بل عليها الصبر، وهو
قول الحسن، وعطاء، والزهري، والثوري، وابن شبرمة وابن أبي ليلى،
والظاهرية، والهادوية، والقاسمية، وهو مذهب الحنفية وعبيد الله بن
الحسن العنبري، والمزني من أصحاب الشافعي، وأحد قولي الشافعي، وإحدى
الروايتين عن أحمد.
ثم من هؤلاء من قال: إن الزوج المعسر يحبس، ومنهم من قال: يجب على
الزوجة أن تنفق عليه وإليك أدلة أصل المذهبين، ومناقشاتها، والموازنة
بينها:
1- استدل المثبتون لحق الفراق بالكتاب، والسنة، ولأجماع، والمعقول.
أما الكتاب، فآيات، منها:
[أ] قوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا} [البقرة:
231].
وجه الدلالة: أن الله عز وجل نهى عن إمساك الرجال نساءهم مضاربين لهم،
والنهي يقتضي التحريم، فكان الفراق عند الإعسار واجباً؛ لما في الإمساك
معه من المضار، فإن لم يفعل ذلك كان للزوجة حق المطالبة به.
[وأورد عليه]: -أولاً- أنه لو كان الفراق واجباً لما جاز الإبقاء إذا
رضيت.
[وأجيب] بأن الإجماع دل على جواز الإبقاء إذا رضيت، فبقي ما عدا هذه
الحالة على عموم النهي.
[وأورد عليه ثانياً]: أن ابن عباس، ومجاهداً، ومسروقاً، والحسن،
وقتادة، الضحاك، والبيع، ومقاتل بن حيان، وغيرهم قالوا: "نزلت في
الرجل، كان يطلق امرأته فإذا قارب انقضاء العدة راجعها ضراراً؛ لئلا
تذهب إلى غيره، ثم يطلقها، فتعتد، فإذا شارفت على انقظاء العدة يطلق؛
ليطول عليها العدة، فنهاهم الله –عز وجل- ، وتوعدهم عليه، فقال –تعالى-
: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [ البقرة: 231] أي
بمخالفة أمر الله –عز وجل- " فعموم النهي، لا يشمل صورة الإعسار؛ لأنه
خاص بما ذكر.
[وأجب] بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
[وأورد عليه ثالثاً]: أن الآية لا تنطبق على المعسر بحال؛ وذلك أن
المضارة، والعدوان ما يكون للشخص فيهما فعل واختيار، وليس الإمساك مع
الإعسار مضارة، ولا عدواناً، لأنه لا يد له فيه، والمقصود من الآية
إحسان العشرة، فيما يدخل تحت قدرة العبد، واختياره.
وسبب النزول يعين على فهم الآية، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ، فإنما
يعم السبب، وما ماثله.
[ويجاب] بأن الذي لا يقدر على إحسان العشرة؛ لإعساره لم يخرج من باب
التكليف؛ لأنه قادر على الفراق، فإن لم يفعل فقد اختار الإمساك بغير
المعروف، وذلك حرام.
وقريب من هذه الآية قوله تعالى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا
عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "لا ضرر ولا ضرار" .=
(4/25)
لَا تَكْثُرَ عِيَالُكُمْ" ، هُوَ كَمَا قَالَ، رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدٍ وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي
هِلَالٍ عَنْهُ
__________
= [ب] قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2].
وجه الدلالة: أن الله –عز وجل- خير الأزواج بين الإمساك بمعروف،
والفراق بمعروف، فمن لم يتيسر له الأول تعين عليه الثاني، ولا شك أن
المعسر الذي لا يجد ما ينفقه على زوجته، لا يستطيع الإمساك بمعروف،
فحينئذ يتعين عليه الفراق بمعروف، فإن لم يفعل ثبت للزوجة حق المطالبة
به، ومثل هذه الآية قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} .
[وأورد عليه] أن الآية، وما ماثلها لا انطباق لها على المعسر؛ فإن
المقصود منها إحسان العشرة؛ فيما يدخل تحت قدرته واختياره، والمعسر لا
بد له في الإعسار، فإمساكه لا ينافي الإمساك بالمعروف، وقد مر جوابه.
وأما السنة، فأحاديث، فمنها:
[أ] ما رواه أحمدم عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد
العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول" فقيل: من أعول يا رسول
الله؟ قال: "امرأتك ممن تعول: تقول: اطعمني، وإلا فارقني، جاريتك تقول:
اطعمني، واستعملني، ولدك يقول: إلى من تتركني" ، ورواه النسائي من طريق
محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة وفيه أيضاً:
"فقيل: من أعول يا رسول الله؟ قال: "امرأتك تقول: اطعمني وإلا فارقني"
ورواه الدارقطني بلفظ: "قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "اليد العليا خير من اليد السفلى، ويبدأ أحدكم بمن يعول:
تقول المرأة أطعمني أو طلقني... الحديث" .
ورواه أيضاً بلفظ: "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
"المرأة تقول لزوجها أطعمني أو طلقني الحديث" .
وجه الدلال: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل للمرأة
طلب الفراق عند الامتناع عن الإنفاق.
[وأورد عليه أولاً]: أن قوله: "تقول المرأة: أطعمني وإلا فارقني" ليس
من قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل هو من قول أبي
هريرة، فنسبته للرسول صريحاً في هذه الأحاديث من قبيل الوهم والاشتباه،
وإذا لم يكن من قول الرسول، لم يكن حجة، ويدل على هذا، أن البخاري روى
الحديث، وليس في وسطه سؤال، وذكر في آخره، فقالوا: يا أبا هريرة، سمعت
هذا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا… هذا من
كيس أبي هريرة ا.هـ. فقول: هذا من كيس أبي هريرة" إما بكسر الكاف،
ومعناه من حاصله، وهو إشارة إلى أنه استنباطه مما فهمه من قوله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وابدأ بمن تعول" مع تطبيقه على ماهو
واقع.
وإما بفتح الكاف، ومعناه من فطنته، وعلى كل هو دليل على أن عجز الحديث
ليس من كلام الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى الإسماعيلي
الحديث بسند حديث البخاري، وفي وسطه: "فقال أبو هريرة: تقول امرأتك
إلخ"، وفي آخره: "قالو يا أبا هريرة، شيء تقوله من رأيك، أو من قول
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: " هذا من كيسي"
فهذه الرواية صريحة في أن هذا من كلام أبي هريرة؛ وروى النسائي رواية
غير السابقة من نفس الطريق السابق، وهو طريق محمد بن عجلان عن أبي صالح
عن أبي هريرة، وفيها: "فسئل أبو هريرة: من تعول يا أبا هريرة؟ فدلت هذه
الرواية بمعونة ما سبق، على أن الرواية السابقة للنسائي، وما ماثلها من
قبيل الوهم، ثم حديث الدارقطني بروايتيه السابقتين إنما هو من طريق
عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة، وفي حفظ عاصم شيء، فلا يحتج به.
[ولك أن تجيب] لو تأملنا جلياً لم نحكم بالوهم على هذه الروايات، بل
نجمع بينها، وبين الأخرى فنقول: إن هذا من قول الرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد ذكر أبو هريرة الحديث مرة تفصيلاً، وفيه أن =
(4/26)
فِي قَوْلِهِ: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} قَالَ: ذلك أدنى أن
لا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُونَهُ.
__________
= الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل وأجاب، وذكره مرة أخرى
بلا تفصيل، فجمع قول الرسول من غير توسيط السؤال، ومرة ذكره صدره،
فسأله السامعون، فأجاب ببقيته، ولا يلزم من ذلك كون الجواب من كلام
نفسه، وأما قوله في بعض الروايات: "هذا من كيس أبي هريرة" فإنما هو من
قبيل التهكم.
كأنه يقول: "كيف أخبركم في صدر الحديث بأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال، ثم تسألونني، أسمعت هذا من رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟".
[وأورد عليه ثانياً]: لو سلم أن هذا الكلام من قول رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تسلم دلالته على أن للمرأة حق طلب
الفراق عند الإعسار، وأن القاضي يحكم به؛ لأنه إنما يقرر حق المرأة في
النفقة، ويحكى ما تنطق به المرأة بلسان الحال، أو المقال إذا وجدت
زوجها ينفق المال على غيرها، ويدعها، ولا يجب أن يكون ما تنطق به حقاً
لها يقضى لها به، وإنما هو أمر يقع في المخاصمات، ومما يدل على هذا أنه
كلام عام يشمل الموسر والمعسر مع أن الموسر يحسن الإنفاق، ولا يحكم
عليه بالفراق.
[ولك أن تجيب] بأن الأصل فيما يحكيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أنه أمر مشروع ما دام قد قرره، وكونه حكاية لما يحصل، وإن لم
يكن مشروعاً خلاف الأصل، فلا يعدل إليه إلا الدليل، وأين الدليل هنا؟
وشمول الكلام للموسر لا يضر؛ فإنه يثبت لزوجته حق طلب الفراق في الجملة
كما يأتي، وكذالك المعسر.
وغاية هذا أن يكون عموم الحديث مخصوصاً بالأدلة التي تمنع هذا الحق في
بعض صور المعسر والموسر.
[ب] ما رواه الدارقطني، والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "في الرجل لا يجد ما ينفق على أهله، قال: "يفرق
بينهما" .
وهذا الحديث صريح في وجوب التفريق عند الإعسار بالنفقة، لكن إنما يكون
ذلك عند عدم رضا المرأة بالمقام معه على إعساره؛ للإجماع على عدم وجوبه
عند رضاها.
[وأورد عليه] أن من رواية عاصم عن أبي هريرة" وفي حفظ عاسم شيء، كما
قال ابن القطان وغيره.
وقد أعل هذا الحديث أبو حاتم.
وقال الحافظ: "إن الدارقطني وهو فيه، وتبعه البيهقي" ا.هـ.
وقال ابن القيم: "إنه حديث منكر لا يحتمل أن يكون عن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحسن أحواله، أن يكون عن أبي هريرة –رضي
الله عنه- موقوفاً، وأما أن يكون عن أبي هريرة عن الني صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوالله ما قال هذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا سمعه أبو هريرة، ولا حديث به، كيف وأبو هريرة،
لا يستجيز أن يروي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"امرأتك تقول: وإلا طلقني" ويقول: "هذا من كيس أبي هريرة"؛ لئلا يتوهم
نسبته للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.
[ولك أن تجيب عن ذلك]: أما ما قيل في حفظ عاصم، فإنه لا يقدح في حديثه؛
فإن عاصماً هو ابن بهدلة المعروف بابن أبي النجود، أحد القراء السبعة،
وثقه الإمام أحمد، وغيره، ويروى له الشيخان مقروناً، فإذا روى حديثاً،
ولم يخالف من هو أحفظ منه لم يكن في حديثه شذوذ، ولا نكارة، كهذا
الحديث الذي معنا، فإعلال أبي حاتم له، وتوهيم الحافظ ابن حجر
للدارقطني، والبيهقي فيه، وادعاء ابن القيم أنه منكر، كل ذلك مبني على
توهم المخالفة، لما في صحيح البخاري من قول أبي هريرة: "هذا من كيسي"
وقد بينت فيما مضى أن هذا القول =
(4/27)
.......................................................................................
__________
= يجب أن يكون من قبيل التهكم، لا الحقيقة جمعاً بينه وبين رواية
النسائي وأحمد التي صرحت برفع الحديث.
ولا شك أن الجمع أولى من توهيم رواية النسائي وأحمدم والدارقطني،
وتأويل حديث سعيد بن المسيب الآتي:
[ج] ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن سفيان عن أي الزناد قال: سألت
سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته، أيفرق بينهما؟
قال: نعم؛ قلت سنة؟
قال: سنة".
ووجه الدلالة: أن سعيد بن المسيب جعل التفريق بالإعسار سنة، وهو لا
يعني إلا سنة رسول الله صلى الله علسه وسلم، أي طريقته.
[وأورد عليه] أولاً: عدم تسليم صحته: لما فيه من الاضطراب، وبيانه: أنه
روي عن سعيد بن المسيب قولان:
أحدهما: يجبر على مفارقتها.
ولآخر: يفرق بينهما، فلو كان أحدهما سنة لكان الآخر خلاف السنة.
[ويجاب] بأن الإجبار طريق من طرق التفريق؛ فإن الإجبار على الطلاق،
والتطليق عليه، والفسخ، وإذن الزوجة بالفسخ، أو تطليق نفسها، ويرتفع
بكل منها ضرر المعاشرة بغير المعروف.
[وأورد عليه] ثانياً أنه لو سلم صحته، فسعيد لم يقل: إن ذلك سنة رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد ثبت عنه إطلاق لفظ سنة من
غير أن يريد به سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال
الطحاوي: "كان زيد بن ثابت؛ يقول: المرأة في الأرش كالرجل إلى ثلث
الدية، فإذا زادت على الثالث، فحالها على النصف من الرجل.
قال ربيعة بن عبد الرحمن: "قلت لسعيد بن المسيب: ما تقول فيمن قطع إصبع
امرأة؟
قال: عشر من الإبل: قلت: فإن قطع إصبعين؟ قال: عشرون من الإبل.
قلت: فإن قطع ثلاثاً؟
قال: ثلاثون من الإبل؟
قلت: فإن قطع أربعاً من أصابعها؟
قال: عشرون.
قلت: سبحان الله!!. لما كثل ألمها، واشتد مصابها، قل أرشها!!؛ قال: إنه
السنة".
قال الطحاوي: لم يكن ذلك إلا عن زيد بن ثابت فسمى قوله سنة ا.هـ.
فلعل مراد سعيد بالسنة ما قاله أبو هريرة موقوفاً عليه، وهو: "تقول
امرأتك: اطعمني، وإلا فارقني" أو ما كتب به عمر –رضي الله عنه- حيث كتب
إلى أمرء الأجناد في قوم غابوا عن نسائهم، إما أن يرجعوا وإما أن
يبعثوا بنفقة، وإما أن يطلقوا ويبعثوا بنفقة ما مضى" فحينئذ تكون سنة
أبي هريرة أو عمر ولا حجة فيها.
[ويجاب] بأن جعله هنا سنة أبي هريرة، أو عمر خلاف الظاهر وهو مما لا
ينبغي حمل الكلام عليه، وفرق بين ما هنا، وبين ما في دية الأصابع
فهاهنا سأله السائل : أهو سنة؟ فأجاب بأنه سنة، ولا يريد السائل إلا
سنة ريول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنها الحجة بخلاف
ما لو قال ابتداء: هذا سنة، =
(4/28)
...................................................................................
__________
= أو من السنة كذا؛ فإنه يحتمل كونه سنة غيره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
ولذا قال الشافعي –رضي الله عنه- : "الذي يشبه أن يكون قول سعيد سنة،
سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
[وأورد عليه] ثالثاً أنه لو سلم أنه أراد سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو مرسل، ولا حجة في المرسل.
[ويجاب] بأن مراسيل سعيد معمول بها؛ لما عرف من أنه لا يرسل إلا عن
ثقة، ولذا احتج به الشافعي مع أنه لا يحتج بالمراسيل.
وأما الإجماع: فبيانه أن عمر –رضي الله عنه- كتب إلى أمراء الأجناد في
رجال غابوا عن نسائهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا
بعثوا بنفقة ما حبسوا.
قال الحافظ في "بلوغ المرام": "أخرجه الشافعي، ثم البيهقي بإسناد حسن"
ا.هـ.
قال عميرة في حاشيته على شرح "المنهاج" للجلال المحلى ما نصه: "قال
الشافعي: ولا أعلم أحداً من الصحابة خالفه" ا.هـ؛ وقال ابن حجر: "وقضى
به عمر عمر رضي الله عنه ولم يخالف أحد من الصحابة".
وقال الشرواني تعليقاً على ابن حجر ما نصه: "فصار إجماعاً سكوتيا"
ا.هـ.
[وأورد عليه] أنه لا حجة قيه على هذا المسألة، وهي الفراق بالإعسار]؛
لأن عمر لم يخاطب بذلك إلا أغنياء قادرون على النفقة، وليس في خبره حكم
المعسر، بل قد صح عنه إسقاط طلب المرأة للفقة إذا أعسر به الرزوج.
هذا الإيراد أورده ابن حزم، وتبعه عليه بعض الحنفية.
[وفيه نظر] فإن كتاب عمر عام الأغنياء والفقراء.
وقال الشافعي في [الأم]: "وأحسب عمر –والله تعالى أعلم- لم يجد بحضرته
لهم أموالاً، يأخذ منها نفقة نسائهم، فكتب إلى أمراء الأجناد أن
يأخذوهم بالنفقة إن وجدوها، والطلاق إن لم يجدوها، وإن طلقوا، فوجد لهم
أموال أخذوهم بالبعثة بنفقة ما حسبوا" ا.هـ.
وقول ابن حزم: إن صح عن عمر إسقاط طلب المرأة للنفقة إذا أعسر بها
الزوج، مراده به ما يأتي عن عمر "أنه صرب ابنته حين كان أزواج النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسألن النفقة، وقال: أتسألن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ليس عنده؟".
وعلى فرض صحة ما فهمه ابن حزم منه، فلا دلالة فيه على أن كتابه خاص
بالقادرين، بل القادرون يؤخذون بالنفقة، والعاجزون يؤخذون بالطلاق، كما
قال الشافعي.
لكن في دعوى الإجماع نظر لا يخفى... نعم، هو قول صحابي جليل، وهو حجة
عند من يقول إن مذهب الصحابي حجة.
وأما المعقول، فوجوه أكتفي منها بهذا الوجه، وهو: قياس الإعسار بالنفقة
على الجب والعنة، يجامع العجز عما تتضرر المرأة بعدمه، وهو قياس أولوي،
فإن العجز عن الوطء فيه فقد اللذة التي يقوم البدن بدونها، والعجز عن
النفقة فيه، فقد القوت ونحوه، مما لا يقوم البدن بدونه. وأيضاً العجز
عن الوطء تفوت به منفعة مشتركة بين الزوجين، والعجز عن النفقة تفوت به
منفعة مختصة بالزوجة، وفوات المختص أستر.
[وأورد عليه] أنه قياس مع الفارق من جهتين.
الأولى: أن العجز عن الوطء يفوت به المقصود، وهو التناسل، والعجز عن
النفقة يفوت به التابع، وهو المال، والتابع لا يلحق بالمقصود.=
(4/29)
...................................................................................
__________
= الثانية: أن العجز عن الوطء يفوته، لأنه لا يكون ديناً، والعجز عن
النفقة لا يفوتها؛ لأنها تصير ديناً.
[ولك أن تجيب] أولاً بأن التفرقة يكون الوطء مقصوداً، والمال تابعاً لا
أثر لها؛ لأن الشارع إنما أثبت حق الفسخ بالجب، والعنة للتضرر، هذه هي
العلة المناسبة، ولا فرق بين التضرر بمقصود، وتابع، فقد قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا ضرر ولا ضرار" ولم يفرق.
وثانياً بأن التفرقة بالدينية وعدمها لا أثر لها؛ لأن ثبوت الدين في
الذمة لا يرفع الضرر الحاصل بالجوع والعري، والاستدانة التي لا أمد لها
فيها من العسر ما لا يختلف فيه اثنان.
3- واستدل القائلون بأنه لا يثبت للزوجة حق طلب الفراق، بالكتاب والسنة
والمعقول.
أما الكتاب فمنه:
1- قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى
مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280].
وجه الدلالة: أن الله تعالى أمر الدائن بإنظار مدينه المعسر إلى ميسرة
وغاية النفقة أن تكون ديناً في ذمة الزوج المعسر لزوجته فهي مأمورة
بإنظاره، حتى يوسر.
هذا إن قيل: إنها تجب، وتصير ديناً ثابتاً في الذمة، فإن قيل: إنها لا
تجب أصلاً، أو تجب ثم تسقط بمضي الزمان، كان صبرها عليه أولى بالوجوب
من صبر الدائن على المدين.
[ولك أن تورد عليه] أن من أثبت للزوجة حق طلب الفراق، لم يثبته
للدينية، حتى تقاس على الدائن، ولذا لم يثبته للنفقة الماضية مع كونها
ديناً، وإنما أثبته للضرر، ولعدم تسليم ما يقابل الاحتباس، وكلاهما
حاصل مع الإعسار.
[ب] قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7].
وجه الدلالة: أن الله عز وجل أخبر بأنه لا يكلف نفساً إلا ما آتاها من
المال أو الكسب فمن أعسر بالنفقة، وعجز عنها لا تكليف عليه بها، فلم
يترك ما وجب عليه، ولم يأثم، فلا يكون ذلك سبباً للتفريق بينه، وبين
حبه وسكته، وتعذيبه بذلك.
[ويمكن أن يناقش] بأن غاية ما دلت عليه الآية عدم تكليفه إيتاء النفقة
في هذه الحالة، ولا يلزم من ذلك بقاء زوجته على الضرر فالتفريق ليس من
قبيل تعذيبه على إثم ارتكبه، وإنما هومن قبيل رفع الضرر عن زوجته.
وأما السنة، فوجهان:
2- ما في صحيج مسلم من حديث جابر: "دخل أبو بكر وعمر –رضي الله عنهما-
على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجداه جالساً حوله
نساؤه واجما ساكنا، فقال أبو بكر: يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة،
سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وقال: هن حولي، كما ترى، يسألني النفقة فقام ابو
بكر –رضي الله عنه- إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر –رضي الله عنه- إلى
حفصة –رضي الله عنها- يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ليس عنده: فقلن: والله لا نسأل رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً أبداً ما ليس عنده، ثم
اعتزلهن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهراً، وذكر
الحديث" .
وجه الدلالة فيه: أن أبا بكر وعمر ضربا ابنتيهما بحضرته صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سألاه نفقة لا يجدها، ومن المحال أن يضربا
طالبتين للحق، ويقرهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
على ذلك.=
(4/30)
...................................................................................
__________
= فدل على أنه لا حق لهما فيما طلبتاه من النفقة في حال الإعسار، وإذا
كان طلبهما لها باطلاً؛ فكيف تمكن المرأة من فسخ النكاح بعدم ما ليس
لها طلبه، ولا يحل لها؟.
[وأورد عليه أولاً]: أن الحديث ليس في محل النزاع أصلاً، فإن أزواج
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعدمن النفقة بالكلية؛ لأن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قد استعاذ من الفقر المدقع.
فالظاهر بل الحق الذي لا ينبغي النزاع فيه أن ذلك فيما زاد على ما به
قوام البدن، مما يعتاد الناس النزاع في مثله.
ثانياً: أنه لو سلم أن الحديث في الإعسار بالنفقة، فزجرهما عن المطالبة
بما ليس عنده، لا يدل على امتناع المطالبة بالفسخ؛ لأجل الإعسار، فإن
المطالبة بما ليس عنده تكليف بما لا يطاق بخلاف المطالبة بالفسخ، فإنها
مطالبة بما يرفع الضرر، ولم يرد أنهن طلبن الفسخ، ولم يجبن إليه، كيف
وقد خيرهن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك،
فاخترنه.
[ب] إن الصحابة لم يزل فيهم المعسر والموسر، وكان معسروهم أضعاف
موسريهم، فما مكن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة قط من
الفسخ بإعسار زوجها، ولا أعلمها أن الفسخ حق لها، ولو كان من المستقر
في الشرع أن المرأة تملك الفسخ بإعسار زوجها؛ لرفع إليه ذلك، ولو من
امرأة واحدة فإنهن قد رفعن إليه وأنذر فيما هو دون ذلك، شكاتهن منه،
كما في حديث امرأة رفاعة.
[وأورد عليه] أن كثرة المعسرين في الصحابة لا تدل على أن فيهم من كان
عجز عن الإنفاق على زوجته، وتضررت بعجزه، فعلى المستدل أن يثبت أن من
الصحابة من عجز عن الإنفاق ثم طالبت امرأته بالفراق، فلم يمكنها النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك، ودون إثبات هذا فرط القتاد.
وأما المعقول، فوجوه:
1- أن المقرر شرعاً ارتكاب أخف الضررين، إذا لم يكن مناص من ارتكاب
أحدهما، واجب.
ولا شك أن في إلزام الفرقة إبطال حق الزوج بالكلية، وفي إلزام الإنظار
عليها، والاستدانة عليه تأخير حقها، وتأخير الحق أهون شأناً من
الإبطال، فوجب المصير إليه؛ عملاً بذلك الأصل.
[أقول:] يمكن أن يعارض بأن في إلزام الفرقة فوات حق يمكن الصبر عنه،
وهو حق الزوج في حبس الزوجة، وفي إلزام الإنظار تأخير حق لا يمكن الصبر
عنه، وهو حق الزوجة في القوت ونحوه، فوجب المصير إلى ما يمكن الصبر
عنه، وهو الإلزام بالفراقة، إذا طلبتها الزوجة لرفع ضررها.
على أن تأخير الحق إنما يكون أهون من إبطاله لو كان أخف ضرراً منه، أما
وهو أشد ضرراً فلا.
[ب] إن المال غاد ورائح، وقد جعل الله الفقر والغنى مطية للعباد،
فيفتقر الرجل الوقت، ويستغنى الوقت، فلو كان كل من افتقر فسخت عليه
امرأته لعم البلاء وتفاقم الشر، وفسخت أنكحة أكثر العالم، وكان الفراق
بيد أكثر النساء فمن ذا الذي لم تصبه عسرة، ويعوز النفقة أحياناً؟.
[ويمكن أن يرد عليه]: أن المعسرين بنفقة أزواجهم قليلون، والممسكون
أزواجهم مع هذا الإعسار أقل، والنساء المطالبات بحق الفسخ مع هذا
الإمساك أقل وأقل، فلا يلزم من إثبات هذا الحق تفاقم الشر، ولا كثرة
البلاء.
[ج] أنه تعذر من المرأة الاستمتاع بمرض متطاول، وأعسرت بالجماع لم يمكن
الزوج من فسخ النكاح، بل تجب عليه النفقة كاملة، فكيف تمكن هي من الفسخ
بإعساره عن النفقة التي غايتها أن تكون عوضاً عن الاستمتاع؟.=
(4/31)
4- بَابُ الْحَضَانَةِ1
1668- حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: "أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ ابْنِي هَذَا بَطْنِي
__________
= [ويمكن أن يرد عليه] أن الله عز وجل جعل بيد الأزواج الطلاق، وهو
طريق للتخلص من الزوجة المعسرة بالجماع.
وأما الزوجات، فلما لم يكن بيدهن الطلاق، ولم يكن لهن طريق للتخلص من
الأزواج المعسرين بالنفقة، كان من المعقول إثبات حق المطالبة بالتفريق
لهن في الحالة.
[والذي يظهر] بالتأمل في هذه الأدلة ومناقشاتها اختيار القول بثبوت حق
الفراق لزوجة المعسر في الجملة؛ لقوة أدلته.
أضيف إلى ذلك أنه مذهب الجمهور، وأنه نقل عن بعض الصحابة، ولم ينقل عن
أحد منهم ما يخالفه، وأما القول بمنع هذا الحق على الإطلاق؛ فإنه لم
يسلم له دليل.
ينظر النفقات لشيخنا محمد سالم، وينظر المحلى 10/ 87، وزاد المعاد 2/
348، الأم 5/ 81، نيل الأوطار 6/ 275، فتح القدير 3/ 321.
1 الحضانة لغة: بفتح الحاء: مصدر حضنت الصبي حضانة: تحملت مؤنته
وترببيته، عن ابن القطاع، والحاضنة: التي تربى الطفل سميت بذلك لأنها
تصم الطفل إلى خضنها، وهو: ما دون الإبط إلى الكشح، وهو الخصر.
قال زين الدين بن نجيم في "البحر الرئق، شرح كنز الدقائق": "الحضانة:
بكسر الحاء وفتحها لغة تربية الولد".
"والحاضنة" المرأة توكل بالصبي، فترضعه وتربيه، وقد حضنت ولدها حضانة
من باب "طلب" وحضن الطائر بيضه حضنا إذا جثم عليه يكنفه يحضنه، كذا في
"المغرب".
والحضانة مصدر الخاصن والحاضنة.
والحاضن والحاضنة الموكلان بالصبي يحفظانه، ويربيانه، والحضن ما دون
الإبط إلى الكشح.
وقيل: هو الصدر والعضدان وما بينهما، والكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع،
والخاصرة هي وسط الإنسان.
وجمع الحضن إحضان، ومنه الاحتضان، وهو احتمالك الشيء، وجعله في حضنك،
كما تحضن المرأة ولدها تحمله في أحد شقيها، وفي الحديث أنه –عليه
الصلاة والسلام- "خرج محتضناً إحدى ابني ابنته، أي: حلاملاً له في
حصنه، والحضن الجنب، وهما حضنان، انتهى ابن منظور في لسان العرب.
وقال علاء الدين الكاشاني في "البدائع": الحضانة لغة تستعمل في معنيين:
أحدهما: جعل الشيء في ناحية يقال: حضن الرجل الشيء إذا اعتزله، فيجعله
في ناحية منه.
ثانيها: الضم إلى الجنب، يقال: حضنته، واحتضنته إذا ضممته إلى جانبك.
والحضانة بمعنى الضم، وهو المراد لمناسبته للمعنى الشرعي.
انظر: المطلق على أبواب المقنع: 355.
واصطلاحا:
عرفها الحنفية بأنها: تربية الطفل ورعايته، والقيام بجميع أموره في سن
معينة ممن له الحق في الحضانة.
عرفها الشافعية بأنها: تربية من لا يستقل بأموره بما يصلحه، ودفع ما
يغيره.=
(4/32)
لَهُ وعاء وثدي لَهُ سِقَاءٌ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءٌ، وَإِنَّ أَبَاهُ
طَلَّقَنِي، وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ: "أَنْتِ
أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي" ، أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد،
وَالْبَيْهَقِيُّ، وَالْحَاكِمُ، مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ1.
تَنْبِيهٌ: وَقَعَ فِي الْأَصْلِ "ابْنُ عُمَرَ" بِضَمِّ الْعَيْنِ؛
وَهُوَ وَهْمٌ؛ وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنُ الْعَاصِ.
1669- حَدِيثُ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ
غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ، وَأُمِّهِ الْمُشْرِكَةِ،
فَمَالَ إلَى الْأُمِّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اهْدِهِ"، فَمَالَ إلَى الْأَبِ، أَحْمَدُ،
وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ،
وَالدَّارَقُطْنِيّ، مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ2، وَفِي
سَنَدِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَأَلْفَاظٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَرَجَّحَ
ابْنُ الْقَطَّانِ رِوَايَةَ عَبْدِ الحميد بْنِ جَعْفَرٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ النَّقْلِ، وَفِي
إسْنَادِهِ مَقَالٌ.
تَنْبِيهٌ: وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ الْبِنْتَ
الْمُخَيَّرَةَ اسْمُهَا "عَمِيرَةُ".
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ
غُلَامًا أَصَحُّ.
__________
= عرفها المالكية بأنها: حفظ الولد في مبيته، ومؤنة طعامه ولباسه
ومضجعه وتنظيف جسمه.
عرفها الحنابلة بأنها: حفظ صغير وغيره عما يضره، وتربيته بعمل مصالحه.
انظر: شرح الخرشي 3/ 347، حاشية ابن عابدين 2/ 633، نهاية المحتاج 7/
214، المدونة 14/ 224، الروض المريع 2/ 328.
1 أخرجه أحمد [2/ 182] وأبو داود [2/ 283] كتاب "الطلاق"، باب: "من أحق
بالولد"، حديث [2276] والدارقطني [4/ 305] كتاب "النكاح"، باب: "في
المهر"، حديث [220] وعبد الرزاق [7/ 153] [12596- 12597] ومن طريقه
إسحاق بن زاهويه لما في نصب الرية [3/ 265] والحاكم [2/ 207].
والبيهقي [8/ 4- 5] كتاب "النفقات"، باب: "الأم نتزوج فيسقط حقها من
حضانة الولد ينتقل إلى حدته"، كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده، قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
2 أخرجه أبو داود [2/ 273] كتاب "الطلاق"، باب: "إذا أسلم أحد الأبوين
مع من يكون الولد"، حديث [2244].
النسائي 6/ 185 كتاب الطلاق باب إسلام أحد الزوجين وتخيير الولد وابن
ماجة 2/ 788 كتاب الأحكام باب تخيير الصبي [2352] وأحمد في المسند 5/
446، 447 وابن سعيد في الطبقات 7/ 56 كلهم من طريق عثمان البتي عن عبد
الحميد بن سلمة الأنصاري عن أبيه عن جده "أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم
فجاء ابن لهما صغير لم يبلغ الحلم فأجلس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الأب ههنا والأم ههنا ثم خيره فقال اللهم اهده فذهب إلى
أبيه" وهذا لفظ النسائي.
رواه الحاكم 2/ 206، 207 من طريق عيسى بن يونس ثنا عبد الحميد بن أطول
من ذلك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وعزاه صاحب الكنز
[14037] لعبد الرزاق وعزاه برقم [4038] لابن أبي شيبة.
(4/33)
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَوْ صَحَّ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهَا
بِنْتٌ، لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَضِيَّتَيْنِ لِاخْتِلَافِ
الْمَخْرَجَيْنِ.
تَنْبِيهٌ آخَرُ: احْتَجَّ بِهِ الْإِصْطَخْرِيُّ1 عَلَى أَنَّهُ
يَثْبُتُ بِهِ للأم الكافرة2 حَقُّ الْحَضَانَةِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ
بِأَجْوِبَةٍ، مِنْهَا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ هَذِهِ
الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي مَوْلُودٍ غَيْرِ مُمَيَّزٍ.
وَمِنْهَا دَعْوَى النَّسْخِ، وَبَالَغَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ
فَادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لِلْكَافِرِ.
قَالَ الْقَاضِي مُجْلِي3: وَلَعَلَّ النَّسْخَ وَقَعَ بِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى
__________
1 أبو سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى، الأصطخري، ولد سنة 244، أخذ
عن أبي القاسم الأنماطي، قال القاضي أبو الطيب: حكى عن الداركي أنه
قال: ما كان أبو إسحاق المروزي يفتي بحضرة الاصطخري إلا بإذنه... وله
مصنفات عديدة، مات سنة 328.
انظر: ط. ابن قاضي شهبة 1/ 109، تاريخ بغداد 7/ 268، المنتظم 6/ 302
والأعلام 2/ 192، النجوم الزاهرة 3/ 267، البداية والنهاية 11/ 193،
والأنساب 1/ 286، شذرات الذهب 2/ 312.
2 سقط في ط.
3 مجلى بن جميع بن نجا، أبو المعالي المخزومي، المصري، تفقه على الفقيه
سلطان المقدسي تلميذ الشيخ نصر، وبرع وصار من كبار الأئمة، وقال
المنذري: إن أبا المعالي تفقه من غير شيخ، وتفقه عليه جماعة، منهم
العراقي شارح المهذب، ومن تصانيفه "الذخائر"، قال الأذرعي: إنه كثير
الوهم، وله أيضاً "العمدة" وغيره. توفي سنة 550.
انظر: ط. ابن قاضي شهبة 1/ 321، ط. الإسنوي 183، ط. السبكي 4/ 300.
هذا، وقد ذهب الحنفية إلى أن الحضانة إذا كانت للأم أو للإناث مطلقاً
فلا يشترط فيها اتحاد الدين بين الحضانة والطفل إلى أن يعقل الأديان
إلا إذا خيف عليه أن يألف الكفر، أما إذا كانت الحضانة للعصبة من
الرجال المحارم فيشترط لأهلية العاصب للحضانة اتحاد الدين، أما إذا
انتقل حق الحضانة إلى المحارم من الأقارب غير العصبة فالظاهر أنه لا
يشترط اتحاد الدين.
وذهبت المالكية: إلى أنه لا يشترط إسلام الحاضن فالذمية إذا طلقت أو
المجوسية يسلم زوجها وتأبى الإسلام فتقع الفرقة لكل منهما حضانة الصغير
كالأم المسلمة متى كانت الذمية والمجوسية في حرز وتمتنع ان تغذي
أولادها بخمر أو خنزير، أما إن خيف فعلها ذلك صمت إلى ناس من المسلمين
ولا ينزع الطفل منها إلا إذا بلغ.
وذهب الشافعية والحنابلة وابن القيم إلى أنه يشترط لحضانة الصغير
المسلم اتحاد دين الحاضن معه، فلا حضانة عندهم لكافرة أو كافر عليه.
وذهب ابن حزم من الظاهرية إلى أنه لا يشترط اتحاد دين الحاضن مع دين
الصغير مدة الرضاع. ويشترط بعدها فإذا ما بلغ الضغير أو الصغيرة سن
الاستغناء وبلغ مبلغ الفهم سقطت حضانة المخالف له في الدين.
تلك مذاهب الفقهاء في المسألة تفصيلاً يمكن ردها إلى قولين إجمالاً
قول. بالجواز وقول بالمنع ونورد الأدلة لكل قول. أدلة لقائل بالجواز:
أولاً: ما روى أحمد وأبو داود والنسائي في سننه من حديث عبد الحميد بن
جعفر عن أبيه عن جده رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: ابنتي فطيم أو شبهه =
(4/34)
الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141].
__________
= وقال رافع ابنتي فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أقعد ناحية" ، وقال لها: "اقعدي ناحية" وقال لهما: "ادعواها" فمالت
الصبية إلى أمها، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"اللهم اهدها" فمالت إلى أبيها فأخذها.
دل الحديث على أن الرسول عليه الصلاة والسلام خير الأب المسلم والأم
الكافرة في بنتهما الصغيرة وكان المراد من ذلك حضانتها، وهذا التخيير
دليل شرعية حق الأم في الحضانة وإن كانت كافرة إذ لو كان كفرها مانعاً
لها لما خيرها الرسول، فكان هذا دليلاً على عدم تأثر الحضانة باختلاف
الدين.
ونوقش: بأن الخبر ضعيف عند أصحاب الحديث فقد ضعف راويه إمام العلل يحيى
بن القطان، وكان سفيان الثوري يحمل عليه، وضعفه ابن المنذر وفضلاً عن
هذا فالقصة مضطربة ففي بعض الروايات أن المخيرة كانت بنتاً. وفي بعضها
كان المخير ابناً. وقال ابن المنذر في إسناد الحديث مقال وروى على غير
هذا الوجه ولا يثبته أهل النقل. وقال ابن حزم في "المحلى" بعد سياقه
للحديث –قلنا- هذا خبر لم يصح قط لأن الرواة له اختلفوا فقال عثمان
البتي عبد الحميد الأنصاري عن ابيه عن جده، وقال مرة أخرى عبد الحميد
بن يزيد بن سلمة عن أبيه عن جده. وقال عيسى: عبد الحميد بن جعفر أخبرني
أبي عن جدي رافع بن سنان وكل هؤلاء مجهولون، وقال الماوردي في "الحاوي
الكبير": ولو صح لكان الجواب عنه من ثلاثة أوجه:
احدها: أن المقصود بالتخيير ظهور المعجزة باستجابة دعوته.
الثاني: أن الطفل كان فطيماً ومثله لا يخير.
الثالث: أن عليه السلام دعا بهدايتها إلى مستحق كفالتها، وهو الأب
لثبوت إسلامها بإسلام أبيه. فلو كان لأم حق لأقرها عليه، ولما دعا
بالهداية.
وقال ابن المنذر يحتمل أن النبي عليه السلام علم أن الطفلة تختار أباها
بدعوته فكان ذلك خاصاً في حقها. فلم يكن التخيير لإثبات حق الأم في
الحضانة مع اختلاف دينها.
واستدلوا ثانياً: بأن شرعية الحضانة لأمرين هما: الرضاع وخدمة الرضيع،
والأم أوفر شفقة على ولدها وأقدر على ملاحظته من غيرها، ثم هي تدين
بدين به تكون مأمومة عليه، فلم يكن كفرها مانعاً لحضانتها.
ونوقش: بأن الأم إذا كانت كافرة لا تؤمن على عقيدة الطفل وإن كانت
مأمونة على حياته، وهذا لأنها تعلمه الكفر وتفتنه في دينه إن ترك
إليها. وفي ذلك ضرب ذلك بليغ منعت لأجله حضانتها.
واستدل من قال بجواز حضانة الأم أو الجدة أو لأخت فقط إذا كن كافرات،
وهم الحنفية بأن الشفقة الباعثة على قيام الأم بشؤون ابنها والأخت
بشؤون أخيها لا تأثير لاختلاف الدين فيها. لكونها أمراً طبيعياً في
الإناث فكان كفرهن غير مانع من حضانتهن للولد المسلم ولهذا قالوا إذا
ظهر أن في الحضانة خطر على الطفل ينزع منها ويسقط حقها في الخضانة،
وعند أمن الضرر وذلك مدة عدم عقله الأديان يبقى معها إلى أن يعقل.
فإذا ما انتقلت الحضانة من الإناث إلى العصبة قال الحنفية بشرطية اتحاد
الدين لأن الحضانة للرجال الذين هم عصبة يعتمد التوارث ولا توارث بين
مختلفي الدين.
ثم إذا انتقلت الحضانة من الرجال الذين هم عصبة إلى المحارم غير
العصبات يسقط هذا الشرط لأن علة الاستحقاق هي القرابة المحرمة وهي غير
متأثرة باختلاف الدين.
واستدل القائمون بمنع الحضانة عند اختلاف الدين: =
(4/35)
وَمِنْهَا: رَدُّ الْحَدِيثِ بِالضَّعْفِ.
قَوْلُهُ: "فَلَوْ نَكَحَتْ أَجْنَبِيًّا سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا؛ لِمَا
سَبَقَ فِي الْخَبَرِ" ، يَعْنِي: الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ؛ فَإِنَّ
فِيهِ: "أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي" .
__________
= أولاًً: بما رواه النسائي في حديث التخيير المتقدم، ووجهوا دلالة
الحديث لمذهبهم، بأن دعاء الرسول للصغير بالهداية حين اختار أمه
الكافرة دليل على أن اختياره كان على خلاف هدي الله الذي أراد لعباده
فلو كان للأم حق لترك الأمر على ما كان. لكن ابطال الرسول اختياره
بدعائه دليل عدم استحقاق الأم في الحضانة إذا خالفت الرضيع في دينه.
ونوقش: بأن ذلك التخيير لا يخلو عن تشريع، إذ لو كان خالياً منه لما
خيرها الرسول، وإذا كان هناك تشريع فلا شيء سوى كون الأم لها.
وأجيب: بأن ذلك التخيير قد يكون من باب التشريع للأمة، ولبيان أن الأم
الكافرة لا حق لها في حضانة طفلها المسلم وإن وجد ميل من الصغير إلى
أمه.
واستدلوا ثانياً: بأن الحضانة من أقوى أسباب الولاية فلا يثبت للأم
الكافرة على ولدها عندما يكون مسلماً، لأن الله قطع الموالاة بين
المسلم والكافر، ولهذا لا تثبت ولاية مال أو نكاح لأب كافر على ابن
مسلم، ثم الكافر فوق الكافر. والفسق مانع للأم من حضانتها، لأولى إذا
كانت كافرة إذا يعظم الضرر ويشتد الخطر.
واستدلوا ثالثاً: إن في حضانة الكافرة للطفل المسلم إلحاق ضرر للطفل في
دينه لأنها حريصة على تنشئته على دينها ليكون إلى جانبها دائماً، ثم
عند كبره يصعب عليه التحول عن الدين الذي عرفه وليداً وتربى على
تقاليده يافعاً. وكيف يرجع تحوله إلى الإسلام وقد انتقش دين أمه في
عقله ورسخ في صدره. وهذا وأيم الله في غاية البعد. من أجل هذا كان كفر
المرأة مانعاً لها من حضانتها لولدها المسلم لأن هذا هو الأنظر للصغير.
ونوقش: بأن المذكور في الدليل أمور محتملة الوقوع وعدمه، فأما الشفقة
التي طبعت عليها الأم الباعثة على النظر في جميع الأحوال فهي محققة لا
يعارض المحتمل محققاً.
وأجيب: بأن الأمور المذكورة وإن كانت محتملة إلا أنها راجحة فقاربت
المحقق وأشبهته. والشفقة في جهة وحرص الأم على أن يكون ولدها على دينها
وإلى حانبها في جهة أخرى، ومع ذلك فهي ترى أن الأخير باب من أبواب
الشفقة، ثم إذا كان هلاك الدين أعظم من هلاك البدن. والحيطة فيه مطلوبة
كان جانب الدين أولى بالنظر من غيره إقامة للمعنى الذي شرعت لأجله
الحضانة.
واستدل ابن حزم: بقوله تعالى: {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [لأنفال: 75]. وجه الدلالة: أن
الله تعالى يقرر أحقية ذي الرحم برحمه من غير نظر لدينه، وكان مقتضى
الآية أن يكون ذلك على عمومه بممعنى أن الأم الكافرة تكون أحق بولدها
في الحضانة إلى انتهاء مدتها وهي بلوغ الفضل مبلغ الاستفتاء، لكن لما
ورد قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ
كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233]. كانت تلك المدة هي مدة الرضاع ومدة
الحضانة الضرورية عندما يختلف الدين بين الحاضن والمحضون، إذ لا ضرر
يحديث في هذه السن ويقع على الصغير لعدم فهمه وعقله الشيء.
ونوقش: بأن الله سبحانه لما قطع الموالاة بين المسلمين والكفار فقال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13] كانت هذه دليل تخصيص الآية الأخرى
وهي =
(4/36)
1 670- قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: "الْأُمُّ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ".
الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ جَدِّهِ1، وَفِيهِ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ،
وَيُقَوِّيهِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الثَّوْرِيِّ، عَنْ
عَاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ؛ قَالَ خَاصَمْت امْرَأَةَ عُمَرَ عمر إلَى
أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ طَلَّقَهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هِيَ
أَعْطَفُ وَأَلْطَفُ وَأَرْحَمُ وأحنى وَأَرْأَفُ، وَهِيَ أَحَقُّ
بِوَلَدِهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ"2.
قَوْلُهُ: "روي أن ع ليا وَجَعْفَرًا وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ،
تَنَازَعُوا فِي حَضَانَةِ بِنْتِ حَمْزَةَ بَعْدَ أَنْ اُسْتُشْهِدَ،
فَقَالَ عَلِيٌّ: بِنْتُ عَمِّي، وَعِنْدِي بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ زَيْدٌ: بِنْتُ أَخِي،
وكان -عليه السلام- آخَى بَيْنَ زَيْدٍ وَحَمْزَةَ.
وَقَالَ جَعْفَرٌ: الْحَضَانَةُ لِي؛ هِيَ بِنْتُ عَمِّي، وَعِنْدِي
خَالَتُهَا؛ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْخَالَةُ
أُمٌّ" ، وَفِي رِوَايَةٍ: "الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ" ،
وَسَلَّمَهَا إلَى جَعْفَرٍ، وَجَعَلَ لَهَا الْحَضَانَةَ، وَهِيَ
ذَاتُ زَوْجٍ"، الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ
بِغَيْرِ لَفْظِهِ3، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ
__________
= قوله: {وَأُولُوا الْأَرْحَام} بالمسلمين.
تلك أدلة الفريقين في المسألة بالنظر فيها يترجح لنا مذهب القائلين
بمنع حضانة الأم الكافرة لولدها، كيف وفي ذلك نوع إعزاز للإسلام
والمسلمين وإظهار لعلو شأن الإسلام ورفعة أهله. وقد يكون في حرمانها من
حضانتها حمل لها على الدخول في الإسلام والاندماج في جماعة المسلمين.
ينظر: "أثر الاختلاف في الأحكام" لشيخنا بدران أبو العينين.
وينظر: "المبسوطة" [5/ 510]، "فتح القدير" [3/ 217]، "بدائع الصنائع"
[4/ 42]، "الخرشي" [4/ 212]، "المغني" لابن قدامة [10/ 297]، "زاد
المعاد" [2/ 226].
1 أخرجه الدارقطني [3/ 305]، كتاب النكاح: باب في المهر، حديث [219]،
من طريق المثنى بن الصباح.
2 أخرجه عبد الرزاق [7/ 154]، في أبواب العدة والنفقة، باب أي الأبوين
أحق بالولد، حديث [12600]، من طريق عاصم عن عكرمة.
وأخرجه مالك 2/ 67]، كتاب الوصية: باب ما جاء في المؤنث من الرجال ومن
أحق بالولد، حديث [6]، عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت القاسم بن
محمد... فذكر القصة بنحو ذلك.
ومن طريقه أخرجه البيهقي [8/ 5]، كتاب النفقات: باب الأم تتزوج فسقط
حقها من حضانة الولد.
ومن طريق يحيى بن سعيد أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" [7/ 155]، حديث
[12602].
3 أخرجه البخاري [5/ 357]، كتاب الصلح: باب كيف يكتب: هذا ما صالح فلان
بن فلان... [2699]، وأطرافه في البخاري [1781، 1844، 2698، 2700، 3184،
4251]، والبيهقي [7/ 5]، كتاب النفقات: باب الخالة أحق بالحضانة من
العصبة وقال: رواه البخاري في الصحيح عن عبيد الله بن موسى.
(4/37)
وَالْبَيْهَقِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ: "إنَّمَا الْخَالَةُ
أُمٌّ" 1.
تَنْبِيهٌ: الْخَالَةُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ [أبي]2 مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: "الْخَالَةُ
وَالِدَةٌ" ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ3، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا مِثْلُهُ أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ4، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ
قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: "الْعَمُّ أَبٌ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ أَبٌ،
وَالْخَالَةُ وَالِدَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ" ، أَخْرَجَهُ
ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي "الْبِرِّ وَالصِّلَةِ"5.
1671- حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ
وَأُمِّهِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ اخْتَصَمَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي
وَلَدِهِ مِنْهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ ابْنِي
هَذَا قَدْ نَفَعَنِي، وَسَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ، وَإِنَّ
أَبَاهُ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنِّي، فَقَالَ الْأَبُ: لَا أَحَدَ
يُحَاقُّنِي فِي ابْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا غُلَامُ، هَذِهِ أُمُّك، وَهَذَا أَبُوك،
فَاتَّبِعْ أَيَّهمَا شِئْت، فَاتَّبَعَ أُمَّهُ" .
__________
1 رواه أحمد [1/ 98- 99]، حدثنا يحيى بن آدم ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق
عن هانئ بن هانئ وهبيرة بن مريم عن علي رضي الله عنه قال: لما خرجنا...
فذكر الحديث بطوله.
وعزاه الزيلعي في "نصب الراية" [3/ 267]، لإسحاق بن راهويه في مسنده
بالإسناد المذكور عند أحمد ورواه أبو داود في "السنن" [1/ 694]، كتاب
الطلاق: باب من أحق بالولد [2280]، والخطيب في "تاريخ بغداد" [4/ 140]،
والطحاوي في "المشكل" [4/ 173- 174]، والحاكم [2/ 120]، وقال: صحيح
الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
ورواه في موضع آخر مختصراً [4/ 344]، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه، ووافقه الذهبي.
والبيهقي [8/ 6]، كتاب النفقات: باب الخالة أحق بالحضانة من العصبة.
2 في ط: ابن وهو خطأ والصواب ما أثبتناه.
3 قال الزيعلي في "نصب الراية" [3/ 267]: رواه الطبراني في "معجمه":
حدثنا أبو الشيخ محمد بن الحسن الأصبهاني وأحمد بن زهير التستري قالا:
ثنا محمد بن حرب النسائي ثنا يحيى بن عباد ثنا قيس بن الربيع عن أبي
حصين عن خالد بن سعد عن أبي مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الخالة والدة" .
قال الهيثمي في "المجمع" [4/ 323]: وفيه قيس بن الربيع، وثقه شعبة
والثوري وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات.
4 أخرجه العقيلي في "الضعفاء" [472]، في ترجمة السمتي قال: حدثنا ابو
هريرة المدني عن مجاهد عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الخالة والدة" ، وأعله بيوسف هذا ووصفه بالكذب
وقال: لا يتابع عليه.
5 قال الزيعلي في "نصب الراية" [3/ 268]: رواه ابن المبارك في "البر
والصلة" بسنده عن الزهري وقال الألباني في "الإرواء" [6/ 144]: وقد
رأيته في كتاب "الجامع" لعبد الله بن وهب شيخ الإمام أحمد بن شهاب
بلاغاً ا.هـ. وهو ضعيف.
(4/38)
وَيُرْوَى: أَنَّ رَجُلًا وَامْرَأَةً أَتَيَا أَبَا هُرَيْرَةَ
يَخْتَصِمَانِ فِي ابْنٍ لَهُمَا، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةُ:
لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِمَا شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي بِهِ؛ "يَا غُلَامُ، هَذَا أَبُوك،
وَهَذِهِ أُمُّك، فَاخْتَرْ أَيَّهمَا شِئْت" .
رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ
مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ هِلَالِ بْنِ أَبِي
مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ1، وَقَالَ: حَسَنٌ.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" بِاللَّفْظِ الثَّانِي2،
وَرَوَاهُ هُوَ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ مُخْتَصَرًا
وَمُطَوَّلًا، وَرَوَاهُ بِالْقِصَّةِ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا
وَغَيْرُهُ3، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ
وَكِيعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قَالَ:
جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: "اسْتَهِمَا فِيهِ" ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ
الْقَطَّانِ4.
حَدِيثُ: "أَنَّ عُمَرَ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبَوَيْهِ" ،
الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيّ؛ قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ
جَابِرٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ [عُبَيْدِ]5 اللَّهِ بْنِ
__________
1 أحمد [2/ 246]، مختصر وأبو داود [2/ 283- 284]، كتاب الطلاق: باب من
أحق بالولد، حديث [2277]، مطولاً والترمذي [3/ 629]، كتاب الأحكام: باب
ما جاء في تخيير الغلام بين أبويه :إذا افترقا، حديث [1358]، مختصر
بذكر تخير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقط، والحاكم [4/
97]، وصححه الذهبي، وابن ماجة [2/ 787- 788]، كتاب الأحكام: باب تخيير
الصبي بين أبويه، حديث [2351]، بنحو رواية الترمذي.
كلهم من طريق هلال بن أبي ميمونة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة رضي الله
عنه به.
قال الترمذي: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وجد الحميد بن جعفر.
ثم قال: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وأبو ميمونة اسمه سليم، والعمل
على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وغيرهم؛ قالوا: يخير الغلام بين أبويه إذا وقعت بينهما
المنازعة في الولد، وهو قول أحمد وإسحاق.
وقولا: ما كان الولد صغيراً فالأم أحق، فإذا بلغ الغلام سبع سنين خير
بين أبويه.
ثم قال: هلال بن أبي ميمونة هو: هلال بن علي بن أسامة، وهو مدني وقد
روى عنه يحيى بن أبي كثير ومالك بن أنس وفليح بن سليمان.
قلت: وعلى هذا فيكون قول الحافظ عن هلال بن أبي ميمونة عن ابيه فيه
نظر، لأن أباه هو علي بن أسامة، وأبو ميمونة هو: سليم كما قال الترمذي.
2 أخرجه ابن حبان [4/ 106]، حديث [1200- موارد]، وأبو يعلى [10/ 512]،
حديث [6131]، كلاهما من طريق زياد بن سعد عن هلال ابن أبي ميمونة عن
أبي ميمونة شهد أبا هريرة خير غلاماً بين أبيه وأمه.
3 أخرجه النسائي [6/ 185]، كتاب الطلاق: باب إسلام أحد الزوجين وتخيير
الولد، حديث [3446]، من طريق زياد عن هلال بن أبي ميمونة.
4 أحمد [2/ 447]، وابن أبي شيبة [5/ 237].
5 في ط: عبد وهو خطأ والصواب ما أثبتاه.
(4/39)
أَبِي الْمُهَاجِرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ؛ أَنَّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ1.
حَدِيثُ عُمَارَةَ الجرمي: "خَيَّرَنِي عَلِيٌّ بَيْنَ أُمِّي
وَعَمِّي، وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ"، الشَّافِعِيُّ
فِي "الْأُمِّ" عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ الْجَرْمِيِّ، عَنْ عُمَارَةَ الْجَرْمِيِّ؛ قَالَ:
"خَيَّرَنِي عَلِيٌّ بَيْنَ أُمِّي وَعَمِّي، وَقَالَ لِأَخٍ لِي
أَصْغَرَ مِنِّي: وَهَذَا لَوْ بَلَغَ مَبْلَغَ هَذَا خَيَّرْته"2.
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي
يَحْيَى، عَنْ يُونُسَ، وَزَادَ فِيهِ: "وَكُنْت ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ،
أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ" 3.
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَاهُ
عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يُونُسَ الْجَرْمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
رَبِيعَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ عُمَارَةُ.
__________
1 أخرجه البيهقي [8/ 4]، كتاب النفقات: باب الأبوين إذا افترقا وهما في
قرية واحدة فالأم أحق بولدها ما لم تتزوج.
2 أخرجه الشافعي [2/ 63]، كتاب الطلاق: باب في الخضانة، حديث [206]،
ومن طريقه البيهقي [8/ 4]، كتاب النفقات: باب الأبوين إذا افترقا وهما
في قرية واحدة: والأم أحق بولدها ما لم تتزوج.
3 ينظر: الموضع السابق.
(4/40)
5- بَابُ نَفَقَةِ الرَّقِيقِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ وَنَفَقَةِ
الْبَهَائِمِ
1672- حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: "لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ
وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ العمل مالا
يُطِيقُ" ، الشَّافِعِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ4، وَفِيهِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ5.
1673- حَدِيثُ : "إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ؛ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ
أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ
__________
4 أخرجه الشافعي [2/ 66]، كتاب العتق: باب فيما جاء في العتق وحق
المملوك، حديث [214].
وأخرجه مسلم في "صحيحه" [3/ 1284]، كتاب الإيمان: باب إطعام المملوك
مما يأكل [1662] حدثني أبو طاهر أحمد بن عمرو بن سرج أخبرنا ابن وهب
أخبرنا عمرو بن الحارث أن بكير بن الأشج حدثه عن العجلان مولى فاطمة عن
أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
"للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل إلا ما طيق" .
ورواه أحمد [2/ 342]، والبيهقي [8/ 6]، والبخاري في "الأدب" من طريق
سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن بكير بن الأشج عن عجلان عن أبي
هريرة وهو عند ابن حبان في "صحيحه" [1/ 152]، [14313]، وأخرجه أحمد [2/
342]، والبخاري في "الأدب المفرد" [192] [193]، والبيهقي [8/ 8]، من
طرق عن محمد بن عجلان به.
5 ومحمد بن عجلان صدوق إلا أنه أختلطت عليه أحاديث أبي هريرة.
ينطر: "التقريب" [6176].
(4/40)
يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَيُلْبِسْهُ مِمَّا
يَلْبَسُ" ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ الْمَعْرُورِ بْنِ
سُوَيْد عَنْ أَبِي ذَرٍّ نَحْوُهُ، وَفِيهِ قِصَّةٌ1.
1674- حَدِيثُ: "إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، وَقَدْ
كَفَاهُ حَرَّهُ وَعَمَلَهُ؛ فَلْيُقْعِدْهُ، فَلْيَأْكُلْ مَعَهُ،
وَإِلَّا فَلْيُنَاوِلْهُ أَكْلَةً مِنْ طَعَامِهِ ، وَفِي رِوَايَةٍ:
"إذَا كَفَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ، حَرَّهُ وَدُخَانَهُ،
فَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ؛ فَإِنْ أَبَى فليروغ لَهُ لُقْمَةً" ،
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ
الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيّ بِاللَّفْظِ الثَّانِي2،
وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
__________
1 أخرجه البخاري [1/ 106]، في الإيمان: باب المعاصي من أمر الجاهلية
[30] و[5/ 25]، في العتق، باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "العبيد إخوانكم فأطعموهم مما تأكلون" [2545]، [480]، في
الأدب: باب ما ينهى عن السباب واللعن [650]، ومسلم [3/ 1282- 1283]، في
الإيمان: باب إطعام المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس [38- 40/ 1661]،
وأبو داود [2/ 761]، في الأدب: باب في حق المملوك [5158]، والترمذي [4/
294- 295]، في البر والصلة: باب ما جاء في الإحسان إلى الخدم [1945]،
وابن ماجة [2/ 1216- 1217]، في الأدب: باب الإحسان إلى المماليك
[3690]، وأحمد [5/ 158]، والبخاري في "الأدب المفرد" [187]، والطحاوي
في "شرح معاني الآثار" [4/ 356]، والبيهقي [8/ 7]، من طريق المعرور بن
سويد قال: مررنا بأبي ذر بالربذة وعليه برد وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا
أبا ذر لو جمعت بينها كانت حلة. فقال: إن كان بيني وبين رجل من إخواني
كلام، وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه، مشكاني إلى النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "يا أبا ذر إنك أمرؤ فيك جاهلية" ، قلت: يا
رسول الله من سب الرجال سبوا أباه وأمه. قال: "يا أبا ذر إنك امرؤ فيك
جاهلية، هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيدكم، فأطعموهم مما تأكلون
وألبسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم" .
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ويشهد له حديث أبي اليسر رواه مسلم [4/ 2301- 2303]، في الزهد: باب
حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر [74/ 3006، 3007/ ]، والبخاري في
"الأدب المفرد" [181]، والطبراني في "الكبير" [19/ 168- 169]، برقم
[379]، والطحاوي [4/ 356]، وابن أبي شيبة [7/ 11]، من طريق حاتم بن
إسماعيل ثنا يعقوب بن مجاهد عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت
عنه.
2 أخرجه الشافعي [5/ 101]، كتاب النفقات: باب نفقة المماليك، وأحمد [2/
259، 277، 283، 299، 316، 406، 409، 430، 469، 473، 483، 505]،
والبخاري [5/ 489]، كتاب العتق: باب إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، حديث
[2557]، وطرفة [5460]، ومسلم [6/ 147- 148]، كتا الإيمان: باب إطعام
المملوك مما يطعم وإلباسه مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه، حديث [42/
1663]، وأبو داود [3/ 365]، كتاب الأطعمة: باب في الخادم يأكل مع
المولى، حديث [3846]، والترمذي [4/ 287]، كتاب الأطعمة: باب ما جاء في
الأكل مع المملوك والعيال، حديث [1853]، والحميدي [4608]، حديث [1070-
1072]، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" [4/ 357]، كتاب الزيادات: باب
ما يجب للمملوك على مولاء من الكسوة والطعام، والبيهقي [8/ 8]، كتاب
النفقات: باب ما جاء في =
(4/41)
1675- قَوْلُهُ: "ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ
سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ" ، الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَهُ
طُرُقٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ1، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ2، جَابِرٍ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو3، رَوَاهُمَا ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ".
حَدِيثُ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ
الْكَسْبَ فَيَسْرِقُ، وَلَا الْأَمَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ
فَتَكْسِبُ بِفَرْجِهَا" ، مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"،
وَالشَّافِعِيُّ عَنْهُ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ
سَمِعَ
__________
= تسوية المالك بين طعامه وطعام رقيقه وبين كسوته وكسوة رقيقه، والخطيب
في "تاريخ بغداد" [8/ 18]، كلهم من طريق عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الترمذي: حسن صحيح.
1 أخرجه عبد الرزاق [11/ 284]، كتاب الجامع: باب الرخص والشدائد، حديث
[20551]، عن معمر عن همام أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه... فذكره،
ومن طريقه مسلم [8/ 421]، كتاب البر والصلة والآداب: باب تحريم تغذيب
الهرة ونحوها من الحيوان الذي لا يؤذي، حديث [135/ 2619]، وأخرجه
البخاري [6/ 512]، كتاب بدء الخلق: باب إذا وقع الذباب في إناء أحدكم
فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء والآخر شفاء، وخمس من الدواب فوسق
يقتلن في الحل والحرم، حديث [3318]، ومسلم [8/ 420]، كتاب البر والصلة
والآداب: باب تحريم تغذيب الهرة ونحوها من الحيوان الدي لا يؤذي، حديث
[مكرر 134/ 2242]، وابن حبان [2/ 305]، [546]، كلهم من طريق عبيد الله
عن سعيد المقبري عنه به.
وأخرجه عبد الرزاق [11/ 284]، [20549]، قال: قال الزهري: وحدثني حميد
بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
أخرجه ابن حبان [12/ 438]، كتاب الحظر والإباحة: باب فصل فيا يتعلق
بالدواب، حديث [5621]، وبرواية عبد الرزاق أخرجه ابن ماجة [2/ 5421]،
[4256]، وأخرجه أحمد [2/ 261، 269، 686، 424، 457، 467، 479، 507،
519]، والبغوي في "شرح السنة" [3/ 422- بتحقيقنا]، كتاب الزكاة: باب
فضل سقي الماء وإثم منعه، من طرق أبي هريرة به.
2 أخرجه مسلم [3/ 476] كتاب "الكسوف"، باب: ما عرض على النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الكسوف عن أمر الجنة والنار، حديث
[10/ 904] في حديث الكسوف الطويل، وقد تقدم.
3 أخرجه البخاري [5/ 315] كتاب المساقاة: باب: فضل سقي الماء، حديث
[2365]، وطرفاه في [3318- 3482].
ومسلم [8/ 420] كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم تعذيب الهرة
ونحوها من الحيوان الذي لا يؤذي، حديث [133، 134/ 242]، الدارمي [2/
330- 331] كتاب الرقاق، باب: دخلت امرأة النار في هرة.
وابن حبان في صحيحه [2/ 305] كتاب البر والإحسان، باب: فضل من البر
والإحسان، حديث [546] والبيهقي [8/ 13] كتاب النفقات، باب: نفقة
الدواب.
كلهم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه وذكره.
(4/42)
عُثْمَانَ بِهَذَا1، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَفَعَهُ بَعْضُهُمْ وَلَا
يَصِحُّ مَرْفُوعًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ
خَالِدٍ عَنْ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا، وَمُسْلِمٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ2.
__________
1 أخرجه مالك في الموطأ [2/ 901] كتاب الاستئذان، باب: الأمر بالرفق
بالمملوك، حديث [42]، ومن طريقه الشافعي [5/ 148] كتاب النفقات، باب:
"نفقة المملك".
ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي [8/ 9] كتاب النفقات.
باب: "ما جاء في النهي عن كسب الأمة إذا لم تكن في عمل واصب".
2 أخرجه البيهقي [8/ 8]، كتاب النفقات: باب "ما جاء في النهي عن كسب
الأمة إذا لم تكن من عمل واصب" من طريق مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد
الرحمن عن ابيه عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كسب الأمة إلا أن يكون لها عمل
واصب أو كسب يعرف وجهه" .
ومسلم بن خالد هو المخزوم مولاهم المكي المعروف بالزنجي فقيه صدوق كثير
الأوهام.
ينظر "التقريب" [6669].
(4/43)
|