الكفاية في علم الرواية ط الكتب الحديثة ص -130 - ...
باب ذكر بعض أحاديث من بين ما استثبت فيه غير الراوي وميزه
أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي البزاز
قال أنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال ثنا محمد بن
جعفر لقلوق قال ثنا عبد الله بن تمام قال ثنا داود يعني ابن
أبي هند عن عامر عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يقول: "لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثنى عشر
خليفة" قال فكبر الناس وضجوا وقال كلمة خفية فقلت لأبى يا أبت
ما قال: قال: "كلهم من قريش".
أخبرنا عبد الرحمن بن عبيد الله الحربي وعثمان بن محمد العلاف
قالا أنا أبو بكر الشافعي قال ثنا إسحاق بن الحسن قال ثنا عبد
الله بن مسلمة القعنبي عن مالك [عن عبد الله] 1 بن دينار عن
ابن عمر قال أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل
المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد
من قرن قال عبد الله هؤلاء الثلاث سمعتهن من رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم قال: وحدثت أن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قال: "ويهل أهل اليمن من يلملم".
أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي قال نا أبو العباس محمد
بن يعقوب الأصم قال نا محمد بن هشام بن ملاس النميري قال نا
مروان بن معاوية قال ثنا حميد عن أنس قال قدم ناس من عرينة
فاجتووا المدينة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو
خرجتم إلى أبل الصدقة فشربتم من ألبانها".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
ص -131- ... قال قتادة وقد ذكر أبوالها
فخرجوا فلما صحوا قتلوا راعى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم واستاقوا الإبل وانطلقوا هرابا فبعث رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم [في طلبهم]1 فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل
أعينهم.
أخبرنا محمد بن على الحربي قال أنا على بن عمر الحافظ قال نا
إبراهيم بن حماد قال نا العباس بن يزيد قال نا بشر بن المفضل
قال نا حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قال: للعرنيين حين أجتووا المدينة "لو خرجتم إلى إبل
الناس فشربتم من ألبانها" قال حميد وقال قتادة عن أنس
وأبوالها.
أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب الفقيه قال نا محمد بن جعفر
البندار قال نا جعفر بن محمد الصائغ قال نا محمد بن سابق قال
نا عاصم بن محمد عن أبيه قال: قال رجل لابن عمر إنا ندخل على
سلطاننا فنقول له ما نتكلم بخلافه إذا خرجنا من عنده قال كنا
نعد هذا نفاقا.
قال عاصم وزاد أخي عن أبيه سلمان بن عمر قال على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا الحسن بن على التميمي قال أنا أحمد بن جعفر بن حمدان
قال نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال ثنا محمد
بن جعفر قال نا شعبة عن سماك بن حرب قال سمعت جابر بن سمرة قال
سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إن بين يدي الساعة
كذابين".
قال سماك وسمعت أخي يقول: [قال]2 جابر فاحذروهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من صف.
2 من قط.
ص -132- ... أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن
محمد بن عبد الله بن مهدي قال أنا الحسين بن يحيى بن عياش
القطان [ثم أخبرنا] أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد واللفظ لحديثه
لأنه أتم قال أنا على بن عمر الدارقطني قال ثنا الحسين بن يحيى
بن عياش قال ثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال ثنا محمد وهو ابن
الصباح قال ثنا شريك عن أبي حصين عن مصعب بن سعد هكذا قال شريك
وفهم أبو كامل مصعبا ولم أفهم قال طبقت فنهاني أبي وقال سن لنا
أن نضع أيدينا على الركب.
قلت1: أبو كامل هو مظفر بن مدرك.
حدثنا عبد العزيز بن على الوراق لفظا قال أنا محمد بن أحمد2
المفيد قال ثنا أحمد بن يحيى الحلواني قال ثنا محمد بن معاوية
النيسابوري قال ثنا سلام بن أبي مطيع عن قتادة عن الحسن عن
سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"الحسب المال والكرم التقوى" قال الحلواني الكرم سمعته والحسب
لم اسمعه أفهمني بعض من حضر.
أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال أنا عبد الله بن إسحاق البغوي قال
أنا على بن عبد العزيز قال ثنا أبو عبيد قال سمعت هشيما يذكر
حديثا عن أبي وائل قال أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وكان يأخذ من كل خمسين ناقة ناقة فأتيته بكبش لي
فقلت خذ صدقة هذا فقال: "ليس في هذا صدقة".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: قال الخطيب.
2 زاد في قط: ابن محمد بن، وإنما المفيد لقب للراوي، وهو محمد
بن أحمد بن محمد بن يعقوب، أنظر الأنساب "ح".
ص -133- ... قال أبو عبيد وقد ذكر هشيم اسم
الرجل الذي قبل أبي وائل فلم أفهمه عنه فسألت عنه غيره فقال هو
المغيرة.
أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال ثنا أبو الحسن أحمد بن
جعفر بن محمد الخلال قال ثنا محمد بن أحمد بن هلال الشطوي قال
ثنا أبو عمر سليمان بن أيوب الصريفينى قال سمعت سفيان بن عيينة
يقول: في حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة
وزيد بن خالد وشبل بن معبد قالوا كنا عند النبي صلى الله عليه
وآله وسلم فقال هذا الكلام من هذا الحديث لم أسمعه من الزهري
قوله فسألت رجالا من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة
وتغريب عام لم أسمع هذا من الزهري أخبرني به صالح بن أبي
الأخضر عنه.
قلت1: ومتن الحديث فيه طول وقد رواه سفيان عن الزهري وذكر سمعه
منه سوى هذه الكلمات التي زعم أن صالح بن أبي الأخضر أخبره بها
عن الزهري وهى في نفس المتن ليست مفردة2 عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: قال الخطيب.
2 قط: منفردة.
ص -134 - ...
باب ما جاء في الذمي أو المشرك يسمع الحديث هل يعتد بروايته
إياه بعد إسلامه إذا كان ضابطا له؟
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن عبد العزيز البرذعي قال ثنا
أحمد بن إبراهيم بن الحسن قال أنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج
قال ثنا جدي قال ثنا محمد بن عمر الواقدي قال ثنا محمد بن عبد
الله عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عثمان بن عفان أنه قال في
النصراني والصبي والمملوك يشهدون شهادة فلا تدعون لها حتى يسلم
هذا ويعتق هذا ويحتلم هذا ثم يشهدون بها أنها جائزة.
وهذا قول مالك وابن أبي ذئب فإن ردت في تلك الحال ثم شهدوا1
بها بعد أولم ترد فيشهدون بها بعد جازت.
قلت2: وإذا كان هذا جائزا في الشهادة فهو في الرواية أولى لأن
الرواية أوسع في الحكم من الشهادة مع أنه قد ثبتت روايات كثيرة
لغير واحد من الصحابة كانوا حفظوها قبل إسلامهم وأدوها بعده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: لم يشهدوا.
2 قط: قال الخطيب.
فصل: قد ذكرنا حكم السماع وانه يصح قبل البلوغ
وأما3 الأداء بالرواية فلا يكون صحيحا يلزم العمل به إلا بعد
البلوغ ويجب أيضا أن يكون الراوي في وقت أدائه عاقلا مميزا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 فأما.
ص -135- ... والذي يدل على وجوب كونه بالغا
عاقلا ما أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر قال ثنا محمد
بن أحمد اللؤلؤى قال ثنا أبو داود قال ثنا موسى بن إسماعيل قال
ثنا وهيب عن خالد عن أبي الضحى عن على عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن
الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل" ولان حال الراوي إذا
كان طفلا أو مجنونا دون حال الفاسق من المسلمين وذلك ان الفاسق
يخاف ويرجو ويتجنب ذنوبا ويعتمد قربات وكثير من الفساق يعتقدون
أن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتعمد له
ذنب كبير وجرم غير مغفور فإذا كان خبر الفاسق الذي هذه حاله
غير مقبول فخبر الطفل والمجنون أولى بذلك والأمة مع هذا مجتمعة
على ما ذكرناه لا نعرف بينها خلافا فيه. ويجب أن يكون وقت
الأداء مسلما لأن الله تعالى قال: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ
بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وإن أعظم الفسق الكفر فإذا كان خبر
المسلم الفاسق مردودا مع صحة اعتقاده فخبر الكافر بذلك أولى.
ويجب أن يكون عدلا مرضيا سليما عن1 الجرح على ما نبينه بعد.
أخبرنا أبو سعد الماليني قال أنا عبد الله بن عدى الحافظ قال
كتب إلى محمد بن أيوب قال أنا أبو غسان يعنى زنيجا قال سمعت
بهز بن أسد إذا ذكر له الإسناد الصحيح قال هذه شهادات الرجال
العدول بعضهم على بعض وإذا ذكر الإسناد فيه شيء قال هذا فيه
عهدة ويقول: لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم ثم جحده لم يستطع
أخذها منه إلا بشاهدين عدلين فدين الله أحق أن يؤخذ من العدول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: من.
ص -136 - ... أخبرنا أبو القاسم الأزهري
قال ثنا محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني قال سمعت الحسن
بن محمد بن شعبة يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن المبارك
الحافظ يقول: سمعت أبا نعيم الفضل بن دكين يقول: إنما هي
شهادات وهذا الذي نحن فيه يعنى الحديث من أعظم الشهادات.
باب الكلام في العدالة وأحكامها
أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي قال ثنا أبو
العباس محمد بن يعقوب الأصم قال ثنا أبو الحسين محمد بن خالد
بن خلى الحمصي بحمص قال ثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة عن أبيه
عن الزهري قال أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الله
بن عتبة بن مسعود قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:
إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وأن الوحي قد انقطع وإنما آخذكم1 الآن بما ظهر من
أعمالكم فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته
شيء الله يحاسبه فر سريرته ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم
نصدقه وان قال إن سريرتي حسنة.
أخبرني أبو الحسين محمد بن الحسن بن أحمد الأهوازي قال ثنا
الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري قال ثنا عبد الله بن أحمد
بن عامر الطائي قال ثنا على بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن
محمد عن أبيه عن جده عن الحسين بن على رضي الله تعالى عنه أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من عامل الناس فلم يظلمهم
وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو من كملت مروءته وظهرت
عدالته ووجبت إخوته وحرمت غيبته".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: نأخذكم.
ص -137- ... أخبرنا أبو الحسن على بن
القاسم بن الحسن الشاهد بالبصرة قال ثنا أبو روق الهزاني قال
ثنا محمد بن النعمان بن شبل قال: قال فضيل بن عياض ح وأخبرنا
القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري بنيسابور قال أنا أبو
محمد حاجب بن أحمد الطوسي قال ثنا عبد الرحيم بن منيب قال ثنا
الفضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم قال العدل في المسلمين من
لم يظن به ريبة.
وفى حديث حاجب عن إبراهيم قال: كان يقال العدل بين المسلمين من
لم يظهر فيه1 ريبة.
أخبرنا عبد الله بن عبد العزيز البرذعي قال ثنا أحمد بن
إبراهيم بن الحسن قال أنا محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن
أبي الثلج ثنا جدي قال ثنا خلف بن الوليد الجوهري قال ثنا أبو
جعفر الرازي عن منصور عن إبراهيم قال العدل في الشهادة الذي لم
تظهر منه ربية.
أخبرنا محمد بن عبد الملك بن محمد القرشي قال أنا أبو الفضل
عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري قال ثنا عبيد الله بن عبد
الرحمن السكري قال ثنا أبو زكريا يحيى بن عبد الغفار الكشي قال
ثنا على بن إبراهيم المروزي قال سئل بن المبارك عن العدل فقال
من كان فيه خمس خصال يشهد الجماعة ولا يشرب هذا الشراب ولا
تكون في دينه خربة2 ولا يكذب ولا يكون في عقله شيء.
أخبرني أحمد بن محمد بن أحمد المجهز قال ثنا عبد الرحمن بن عمر
بن نصر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: منه.
2 صف: خزية.
ص -138- ... ابن محمد الدمشقي بها قال ثنا
أبو الحسين محمد بن عبد الله الرازي قال ثنا أبو العباس سلمان
بن أحمد بن الضحاك قال ثنا أبو الاصبغ محمد بن سماعه قال ثنا
مهدي بن إبراهيم قال سمعت مالك بن أنس يقول: سمعت الزهري يقول:
سمعت سعيد بن المسيب يقول: ليس من شريف ولا عالم ولا ذي سلطان
إلا وفيه عيب لا بد ولكن من الناس من لا تذكر عيوبه من كان
فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله1.
أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي قال أنا على بن عبد العزيز
البرذعي قال ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي قال ثنا أبو
العباس عبد الله بن محمد بن عمرو الغزى بغزة الشام قال سمعت
البويطي قال: قال الشافعي لا اعلم أحدا أعطى طاعة الله حتى لم
يخلطها بمعصية الله2 إلا يحيى بن زكريا عليه السلام ولا عصى
الله فلم يخلق بطاعة3 فإذا كان الأغلب الطاعة فهو المعدل وإذا
كان الأغلب المعصية فهو المجرح.
أنشدني أبو عبد الله محمد بن على الصوري لنفسه:
في جد وفى هزل إذا شئت ... وجدي أضعاف أضعاف هزلي
عاب قوم على هذا ولجوا ... في عتابي وأكثروا فيه عذلى
قلت مهلا لا تغرقوا4 في ملامي ... واحكموا لي فيكم بغالب فعلى
إنا راض بحكمكم إن عدلتم ... رب حكم يمضى على غير عدل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قلت: أصله من قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ
السَّيِّئَاتِ}، وما أحسن من لخصه في قوله:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نبلا أن تعد
معايبه
2 من صنف.
3 صف: بطاعته.
4 قط: لا تفرطوا.
ص -139- ... فإذا كان غالب الأمر من فعلى
... سدادا تنسى نوادر1 جهلي
فانا العدل غير شك لدى الأقوام ... يقضى بذاك لي كل عدل
وبهذا أفتى فقيه جليل ... سيد ماجد عظيم المحل
نجل إدريس معدن العلم والحكم2 ... حليف العلياء أكرم نجلى
وبه قال ابن المبارك عبد الله ... ذو الفضل والمكان الأجل
وهو قول الإمام أحمد من بعد ... ومن ذا يربى عليه بفضل
رحمة الله والسلام عليهم ... أبدا ما استهل صوب بهطل
حدثني أبو الفضل محمد بن عبيد الله المالكي أنه قرأ على القاضي
أبي بكر محمد بن الطيب قال والعدالة المطلوبة في صفة الشاهد
والمخبر هي العدالة الراجعة إلى استقامة دينه وسلامة مذهبه
وسلامته من الفسق وما يجرى مجراه مما اتفق على أنه مبطل
العدالة3 من أفعال الجوارح والقلوب المنهي عنها والواجب أن
يقال في جميع صفات العدالة أنها إتباع أوامر الله تعالى
والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه مما يسقط العدالة وقد علم مع
ذلك أنه لا يكاد يسلم المكلف من البشر من كل ذنب ومن ترك بعض
ما أمر به حتى يخرج الله من كل ما وجب له عليه وان ذلك يتعذر
فيجب لذلك أن يقال أن العدل هو من عرف بأداء فرائضه ولزوم ما
أمر به وتوقى ما نهى عنه وتجنب الفواحش المسقطة وتحرى الحق
والواجب في أفعاله ومعاملته والتوقي في لفظه مما يثلم الدين
والمروءة فمن كانت هذه حاله فهو الموصوف بأنه عدل في دينه
ومعروف بالصدق في حديثه و ليس يكفيه في ذلك اجتناب كبائر
الذنوب التي يسمى فاعلها فاسقا حتى يكون مع ذلك متوقيا لما
يقول: كثير من الناس أنه لا يعلم أنه كبير:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: بوادر.
2 قط: والحلم.
3 قط: للعدالة.
ص -140- ... بل يجوز أن يكون صغيرا نحو
الكذب الذي لا يقطع [على]1 أنه كبير ونحو التطفيف بحبة وسرقة
باذنجان وغش المسلمين بما لا يقطع عندهم على أنه كبير من
الذنوب لأجل أن القاذورات وإن لم يقطع على أنها كبائر يستحق
بها العقاب فقد اتفق على أن فاعلها غير مقبول الخبر والشهادة
أما لأنها متهمة لصاحبها ومسقطة له ومانعة من ثقته وأمانته أو
لغير ذلك فإن العادة موضوعة على أن من احتملت أمانته سرقة بصلة
وتطفيف حبة احتملت الكذب وأخذ الرشا على [الشهادة]"1" ووضع
الكذب في الحديث والاكتساب به فيجب أن تكون هذه الذنوب في
إسقاطها للخبر والشهادة بمثابة ما اتفق على أنه فسق يستحق به
العقاب وجميع ما أضربنا عن ذكره مما لا يقطع قوم على أنه كبير
وقد اتفق على وجوب رد خبر فاعله وشهادته فهذه سبيله في أنه يجب
كون الشاهد والمخبر سليما منه.
والواجب عندنا [أن]"1" لا يرد الخبر ولا الشهادة إلا بعصيان قد
اتفق على رد الخبر والشهادة به وما يغلب به ظن الحاكم
[والعالم]"1" أن مقترفه غير عدل ولا مأمون عليه الكذب في
الشهادة والخبر [ولو]"1" عمل العلماء والحكام على أن لا يقبلوا
خبرا و لا شهادة إلا من مسلم بريء من كل ذنب قل أو كثر لم يمكن
قبول شهادة أحد ولا خبره لأن الله تعالى قد أخبر بوقوع الذنوب
من كثير من أنبيائه ورسله ولو لم يرد خبر صاحب ذلك وشهادته
بحال لوجب أن يقبل خبر الكافر والفاسق وشهادتهما وذلك خلاف
الإجماع فوجب القول في جميع صفة العدل بما ذكرناه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
ص -141 - ...
باب الرد على من زعم أن العدالة هي إظهار الإسلام وعدم الفسق
الظاهر
الطريق إلى معرفة العدل المعلوم عدالته مع إسلامه وحصول أمانته
ونزاهته واستقامة طرائقه لا سبيل إليها إلا باختيار الأحوال
وتتبع الأفعال التي يحصل معها العلم من ناحية غلبة الظن
بالعدالة.
وزعم أهل العراق أن العدالة هي إظهار الإسلام وسلامة المسلم من
فسق ظاهر فمتى كانت هذه حاله وجب أن يكون عدلا.
واحتجوا بما أخبرنا القاضي أبو عمر الهاشمي قال ثنا محمد بن
أحمد اللؤلؤى قال ثنا أبو داود قال ثنا محمد بن بكار بن الريان
قال ثنا الوليد يعني ابن أبي ثور قال أبو داود: ح وثنا الحسن
بن على قال ثنا الحسين يعنى الجعفي عن زائدة المعنى عن سماك عن
عكرمة عن ابن عباس قال جاء إعرابي إلى النبي صلى الله عليه
وآله وسلم فقال إني رأيت الهلال قال الحسن في حديثه يعنى رمضان
فقال: "أتشهد أن لا اله إلا الله" قال: نعم قال: "أتشهد أن
محمد رسول الله" قال: نعم قال: "يا بلال أذن في الناس فليصوموا
غدا".
قالوا فقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم خبره من غير أن
يختبر عدالته بشيء سوى ظاهر إسلامه.
فيقال لهم أن كونه أعرابيا لا يمنع من كونه عدلا ولا من تقدم
معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدالته أو أخبار قوم له
بذلك من حاله.
ولعله أن يكون نزل الوحي في ذلك الوقت بتصديقه.
ص -142- ... وفى الجملة فما نعلم أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم اقتصر في قبول خبره على ظاهر إسلامه
[حسب]1.
على أن بعض الناس قد قال إنما قبل النبي صلى الله عليه وآله
وسلم خبره لأنه أخبر به ساعة إسلامه وكان في ذلك الوقت طاهرا
من كل ذنب بمثابة من علم عدالته وإسلامه عدالة له ولو تطاولت
به الأيام لم يعلم بقاؤه على طهارته التي هي عدالة.
واحتجوا أيضا بأن الصحابة عملوا بأخبار النساء والعبيد ومن
تحمل الحديث طفلا وأداه بالغا واعتمدوا في العمل بالأخبار على
ظاهر الإسلام فيقال لهم هذا غير صحيح ولا نعلم الصحابة قبلوا
خبر أحد إلا بعد اختبار حاله والعلم بسداده واستقامة مذاهبه
وصلاح طرائقه وهذه صفة [جميع]"1" أزواج النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وغيرهن من النسوة اللاتي روين عنه وكل متحمل للحديث
عنه صبيا ثم رواه كبيرا وكل عبد قبل خبره في أحكام الدين يدل
على صحة ما ذكرناه أن عمر بن الخطاب رد خبر فاطمة بنت قيس في
إسقاط نفقتها وسكناها لما طلقها زوجها ثلاثا مع ظهور إسلامها
واستقامة طريقتها.
أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر قال ثنا محمد بن أحمد
اللؤلؤي قال ثنا أبو داود قال ثنا نصر بن على قال أخبرني أبو
أحمد قال ثنا عمار بن رزيق عن أبي إسحاق قال كنت في المسجد
الجامع مع الأسود فقال أتت فاطمة بنت قيس عمر بن الخطاب فقال
ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أحفظت أم
لا وهكذا اشتهر الحديث عن على بن أبي طالب أنه قال ما حدثني
أحد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا استحلفته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
ص -143- ... ومعلوم أنه كان يحدثه المسلمون
ويستحلفهم مع ظهور إسلامهم وانه لم يكن يستحلف فاسقا ويقبل
خبره بل لعله ما كان يقبل خبر كثير ممن يستحلفهم مع ظهور
إسلامهم وبذلهم له اليمين وكذلك غيره من الصحابة روى عنهم أنهم
ردوا أخبارا رويت لهم ورواتها ظاهرهم الإسلام فلم يطعن عليهم
في ذلك الفعل ولا خولفوا فيه فدل على أنه مذهب لجميعهم إذ لو
كان فيهم من يذهب إلى خلافه [لوجب]1 بمستقر العادة نقل قوله
إلينا.
ويدل على ذلك أيضا إجماع الأمة على أنه لا يكفي في حالة الشهود
على ما يقتضى الحقوق2 إظهار الإسلام دون تأمل أحوال الشهود
واختبارها.
وهذا يوجب اختبار حال المخبر عن الرسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وحال الشهود لجميع الحقوق.
بل قد قال كثير من الناس أنه يجب الاستظهار في البحث عن عدالة
المخبر بأكثر مما يجب في عدالة الشاهد فثبت بما ذكرناه أن
العدالة شيء زائد على ظهور الإسلام يحصل بتتبع الأفعال واختبار
الأحوال، والله أعلم.
أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن على أبو الفضل الصيرفي وحمدان بن
سلمان بن حمدان أبو القاسم الطحان قالا أنا محمد بن عبد الرحمن
بن العباس قال ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قالا ثنا
داود بن رشيد قال ثنا الفضل بن زياد قال ثنا شيبان عن الأعمش
عن سليمان بن مسهر عن خرشة بن الحر قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 قط: الحدود.
ص -144- ... شهد رجل عند عمر بن الخطاب رضي
الله تعالى عنه بشهادة فقال له لست أعرفك ولا يضرك أن لا أعرفك
ائت بمن يعرفك فقال رجل من القوم أنا اعرفه قال فبأي شيء تعرفه
قال بالأمانة والعدل1 قال فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليله
ونهاره ومدخله ومخرجه قال: لا قال فمعاملك بالدنيار والدرهم
الذين بهما يستدل على الورع قال: لا قال فرفيقك في السفر الذي
يستدل به على مكارم الأخلاق قال: لا قال لست تعرفه ثم قال
للرجل ائت بمن يعرفك.
أخبرنا أبو الفرج الحسين بن على بن عبيد الله الطناجيرى قال
ثنا عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ قال ثنا أحمد بن محمد بن
المغلس قال ثنا أبو همام قال ثنا عيسى بن يونس قال ثنا مصاد بن
عقبة البصري قال حدثني جليس لقتادة قال أثنى رجل على رجل عند
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال له عمر هل صحبته في سفر
قط قال: لا قال هل ائتمنته على أمانة قط قال: لا قال هل كانت
بينك وبينه مداراة في حق قال: لا قال اسكت فلا أرى لك به علما
أظنك والله رأيته في المسجد يخفض رأسه ويرفعه.
أخبرنا أبو سعيد الماليني قال أنا عبد الله بن عدى الحافظ قال
ثنا محمد بن أحمد بن بخيت قال ثنا أحمد بن محمد وراق يحيى بن
معين قال سمعت عفان يقول: قال لي: أبو عاصم النبيل ما رأيت
الصالح يكذب في شيء أكثر من الحديث.
ص -145 - ...
باب ذكر لفظ المعدل الذي تحصل به العدالة لمن عدله
اختلف أهل العلم في لفظ المعدل الذي تحصل به العدالة لمن عدله
فقال بعضهم المقبول في ذلك ان يقول: هو مقبول الشهادة لي وعلى.
وقال آخرون يكفي أن يقول: هو عدل رضا.
وقال غيرهم يجب أن يقول: هو عدل مقبول.
ومنهم من قال يكفيه أن يقول: هو مقبول الشهادة وقال بعض أهل
العراق إذا قال: لا اعلم إلا خيرا كان ذلك تعديلا.
أخبرنا على بن محمد بن عبد الله المعدل قال أنا عثمان بن أحمد
الدقاق قال ثنا الحسن بن سلام السواق قال ثنا عفان بن مسلم [ح
وأخبرنا] الحسن بن على بن محمد التميمي قال أنا أحمد بن جعفر
بن حمدان قال ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال
ثنا عفان قال ثنا حماد بن سلمة قال أنا هشام بن عروة عن عروة
أن عبد الرحمن بن عوف قال أقطعني رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا فذهب الزبير إلى آل عمر
فاشترى نصيبه منهم فأتى عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه فقال
إن عبد الرحمن بن عوف زعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم اقطعه وعمر بن الخطاب ارض كذا وكذا وإني اشتريت نصيب آل
عمر فقال عثمان عبد الرحمن جائز الشهادة له وعليه ولفظ الحديث
لابن حنبل وهو أتم. أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن
الحرشي قال ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم قال أنا أبو
زرعة الدمشقي قال ثنا أحمد بن خالد قال ثنا محمد بن إسحاق عن
مكحول عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس
ص -146 - ... أن عمر بن الخطاب قال لعبد
الرحمن بن عوف أنت عندنا العدل الرضا فماذا سمعت وهذا القول
كاف في التزكية لأن الوصف بالعدالة جامع للخلال التي قدمناها
في باب صفة العدالة والقول بأنه رضا تأكيد وفيه بيان أنه من
العدول الذي1 يرضون للشهادة لأن الرجل قد يكون عدلا سالما من
الفسق ولا يرتضى للشهادة لأجل2 غفلة فيه وضعف وكثرة سهو وقلة
علم بما يشهد به وما يجب أن يتحمله وذلك اجمع مانع من قبول
شهادته غير قادح في أمانته.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي قال نا أبو عبد الله
محمد بن يعقوب الشيباني الحافظ قال حدثني أبي قال أنا محمد بن
يحيى قال ثنا أبو النعمان قال ثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة
قال حدثني العدل الرضا الأمين على ما تغيب عليه يحيى بن سعيد.
أخبرنا محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان قال أنا أبو بكر
الشافعي قال ثنا محمد بن سليمان قال ثنا خلاد بن يحيى قال ثنا
مسعر قال ثنا حبيب يعني ابن أبي ثابت أن عمر سأل عن رجل فقال
رجل لا نعلم إلا خيرا قال حسبك.
وهذا القول مستمر على مذهب من يقول: إن العدالة هي ظاهر
الإسلام مع عدم الفسق.
فأما القول بأنه مقبول الشهادة لي وعلى فقد ذكر القاضي أبو بكر
محمد بن الطيب فيما حدثنيه محمد بن عبيد الله المالكي عنه أنه
لا يحتاج إليه لأنه قد يكون عدلا مرضيا وإن لم يجب قبول قوله
وشهادته لمزكيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هكذا النص في طبعة الدكن.
2 قط: قال الخطيب.
ص -147 - ... إذا كان بينهما من النسب
والخلطة ولطيف الصداقة ما يمنع من قبول شهادته وكذلك قد يكون
عدلا لا تقبل شهادته عليه إذا كان عدوا له قال والذي يجب عندنا
في هذا الباب أن يأتي المعدل من اللفظ في التعديل ما يتبين1 به
كونه عدلا مقبول الشهادة فأي قول أتى به من ذلك يأتي على معنى
قوله أنه عدل رضا أو عدل مقبول الشهادة قبل وأجزأت تزكيته إلا
أن يكون من الأمة إجماع ثابت وما يقوم مقامه على مراعاة لفظ
مخصوص في التعديل لابد منه ولا يقع إلا به هذا موجب القياس
والمطلوب في التعديل.
قلت2 وقد أسلفنا من القول عن عبد الرحمن بن أبي حاتم في ألفاظ
تعديل المحدثين وتنزيلها ما لا حاجة بنا إلى إعادته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا وفي قط: ما يبين.
2 قط: قال الخطيب.
باب في المحدث المشهور بالعدالة
والثقة والأمانة لا يحتاج إلى تزكية المعدل
مثال ذلك أن مالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وشعبة
بن الحجاج وأبا عمرو الأوزاعي والليث بن سعد وحماد بن زيد وعبد
الله بن المبارك ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي
ووكيع بن الجراح ويزيد بن هارون وعفان بن مسلم وأحمد بن حنبل
وعلى بن المديني ويحيى بن معين ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر
واستقامة الأمر والاشتهار بالصدق والبصيرة والفهم لا يسأل عن
عدالتهم وإنما يسأل عن عدالة من كان في عداد المجهولين أو أشكل
أمره على الطالبين.
أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال ثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال
ثنا حنبل
ص -148- ... ابن إسحاق بن حنبل قال سمعت
أبا عبد الله وهو أحمد بن حنبل وسئل عن إسحاق بن راهويه فقال
مثل إسحاق يسأل عنه إسحاق عندنا إمام من أئمة المسلمين.
أخبرنا أبو بكر عبد الله بن على بن حمويه الهمذاني بها قال أنا
أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي قال سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن
أحمد المستملى يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن طرخان يقول:
سمعت محمد بن عقيل يقول: سمعت حمدان بن سهل يقول: سألت يحيى بن
معين عن الكتابة1 عن أبي عبيد والسماع منه فقال مثلي يسأل عن
أبي عبيد أبو عبيد يسأل عن الناس.
حدثني محمد بن عبيد الله المالكي أنه قرأ على القاضي أبي بكر
محمد بن الطيب قال والشاهد والمخبر إنما يحتاجان إلى التزكية
متى لم يكونا مشهوري العدالة والرضا وكان أمرهما مشكلا ملتبسا
ومجوزا فيه العدالة وغيرها.
والدليل على ذلك أن العلم بظهور سترهما واشتهار عدالتهما أقوى
في النفوس من تعديل واحد واثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة
في تعديله وإغراض داعية لهما إلى وصفه بغير صفته وبالرجوع إلى
النفوس يعلم أن ظهور ذلك من حاله أقوى في النفس من تزكية
المعدل لهما فصح بذلك ما قلناه.
ويدل على ذلك أيضا أن نهاية حال تزكية المعدّل2 أن يبلغ ظهور
ستره وهى لا تبلغ ذلك أبدا فإذا ظهر ذلك فما الحاجة إلى
التعديل.
أخبرنا عبد الرحمن بن عثمان الدمشقي في كتابه إلينا قال أنا
أبو الميمون البجلي قال ثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو قال
أخبرني عبد الرحمن بن إبراهيم عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: الكتبة.
2 في طبعة الدكن العدل، وأظنها خطأ مطبعي.
ص -149 - ... الوليد بن مسلم قال: قال ابن
جابر لا يؤخذ العلم إلا عمن1 شهد له بالطلب قال أبو زرعة فسمعت
أبا مسهر يقول: إلا جليس العالم فإن ذلك طلبه.
قلت2 أراد أبو مسهر بهذا القول أن من عرفت مجالسته للعلماء
وأخذه عنهم أغنى ظهور ذلك من أمره أن يسأل عن حاله والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: ممن.
2 قال الخطيب.
باب ذكر المجهول وما به ترتفع عنه
الجهالة3
المجهول عند أصحاب الحديث هو [كل] "3" من لم يشتهر بطلب العلم
في نفسه ولا عرفه العلماء به ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو
واحد مثل عمرو ذي مر وجبار الطائي وعبد الله بن أغر الهمداني
والهيثم بن حنش ومالك بن أغر وسعيد بن ذي حدان وقيس بن كركم
وخمر بن مالك هؤلاء كلهم لم يرو عنهم غير أبي إسحاق السبيعي.
ومثل سمعان بن مشنج والهزهاز4 بن ميزن لا يعرف عنهما راو إلا
الشعبي.
ومثل بكر بن قرواش وحلام بن جزل لم يرو عنهما إلا أبو الطفيل
عامر بن واثلة.
ومثل يزيد بن سحيم لم يرو عنه إلا خلاس بن عمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 من قط.
4 صف: والهزار، خطأ، وهو في المنفردات والوحدان لمسلم غير واضح
وفي التاريخ الكبير للبخاري والهزهاز، وفيه أنه روى عنه مع
الشعبي والثوري وأبو وكيع "ح".
ص -150 - ... ومثل جرى بن كليب لم يرو عنه
إلا قتادة بن دعامة.
ومثل عمير بن إسحاق لم يرو عنه سوى عبد الله بن عون وغير من
ذكرنا خلق كثير تتسع أسماؤهم.
وأقل ما ترتفع به الجهالة أن يروى عن الرجل اثنان فصاعدا من
المشهورين بالعلم كذلك.
أخبرنا [محمد بن أحمد بن يعقوب أنا محمد بن نعيم أنا إبراهيم
بن إسماعيل القارئ نا] 1 أبو زكريا يحيى بن محمد بن يحيى قال
سمعت أبي يقول: إذا روى عن المحدث رجلان ارتفع عنه اسم
الجهالة.
قلت2 إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتها عنه وقد زعم قوم
أن عدالته تثبت بذلك ونحن نذكر فساد قولهم بمشيئة الله
وتوفيقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 قط: قال الخطيب.
باب ذكر الحجة على أن رواية الثقة
عن غيره ليست تعديلا له
احتج من زعم أن رواية العدل عن غيره تعديل له بان العدل لو كان
يعلم فيه جرحا لذكره وهذا باطل لأنه يجوز أن يكون العدل لا
يعرف عدالته فلا تكون روايته عنه تعديلا ولا خبرا عن صدقه بل
يروى عنه لأغراض يقصدها كيف وقد وجد جماعة من العدول الثقات
رووا عن قوم أحاديث أمسكوا في بعضها عن ذكر أحوالهم مع علمهم
بأنها غير مرضية وفى بعضها شهدوا عليهم بالكذب في الرواية
وبفساد الآراء والمذاهب.
ص -151- ... فمن ذلك ما أخبرنا محمد بن
الحسين بن الفضل القطان قال أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه
قال ثنا يعقوب بن سفيان قال حدثني أحمد بن الخليل قال ثنا
هارون بن معروف قال ثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال حدثني
الحارث وكان كذابا.
أخبرنا يوسف بن رباح بن على البصري قال أنا أحمد بن محمد بن
إسماعيل المهندس بمصر قال ثنا أبو بشر محمد بن أحمد الدولابي
قال حدثني أبو عبد الله محمد بن أبي صفوان الثقفي حدثني أبي
قال سمعت سفيان الثوري يقول: ثنا ثوير بن أبي فاختة وكان من
أركان الكذب.
أخبرني عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري قال أنا محمد بن
عبد الله بن إبراهيم الشافعي قال حدثنا جعفر بن محمد الأزهر
قال ثنا ابن الغلابي قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا أبو روح
وكان مجنونا وكان يعالج المجانين وكان كذابا.
أخبرني الحسين بن على الطناجيرى قال ثنا عمر بن أحمد الواعظ
قال ثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثني أحمد بن ملاعب قال
ثنا مخول بن إبراهيم وكان رافضيا.
أخبرني على بن محمد بن الحسن السمسار قال ثنا عمر بن محمد بن
على الناقد قال ثنا أبو بكر القاسم بن زكريا المقري قال ثنا
على بن الحسين بن كعب وكان رافضيا.
أخبرنا ابن الفضل قال أنا عبد الله بن جعفر قال ثنا يعقوب بن
سفيان قال ثنا أبو بكر الحميدي قال ثنا سفيان ثنا عبد الملك بن
أعين وكان شيعيا وكان عندنا رافضيا صاحب رأى.
ص -152- ... أخبرنا أبو الحسن على بن أبي
بكر الطرازي بنيسابور قال أبو حامد أحمد بن على بن حسنويه
المقرىء قال ثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر قال ثنا بكر بن
الشرود الصنعاني بصنعاء وكان قدريا داعية.
أخبرنا محمد بن الحسين القطان قال ثنا دعلج بن أحمد قال ثنا
أحمد بن على الأبار قال حدثني محمد بن إسماعيل الضرير الواسطي
قال سمعت يزيد بن هارون يقول: ثنا شعبة عن شرقي بن قطامي بحديث
عمر بن الخطاب أنه كان يبيت من وراء العقبة فقال شعبة حماري
وردائي في المساكين صدقة إن لم يكن شرقي كذب على عمر قال: قلت:
فلم تروى عنه؟!
أخبرنا ابن رزق قال أنا عثمان بن أحمد قال ثنا حنبل بن إسحاق
قال سمعت عاصم بن على يقول: سمعت شعبة يقول: لو لم أحدثكم إلا
عن ثقة لم أحدثكم عن ثلاثين.
أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن على الصيمري1 قال ثنا
أبو عبيد الله محمد بن عمر أن المرزباني قال حدثني أحمد بن
محمد المكي قال ثنا أبو جعفر أحمد بن عمر الأخباري الكاتب قال
ثنا الفضل بن مروان قال مضيت مع المعتصم إلى على بن عاصم ليسمع
منه فقال على بن عاصم ثنا عمرو بن عبيد وكان قدريا فقلت يا أبا
الحسن إذا كان قدريا فلم تروى عنه فالتفت على إلى المعتصم فقال
ألا ترى كاتبك هذا يشغب علينا قال وهذا في إمارة المعتصم قبل
أن يلي الخلافة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في: الضميري: وفي: قط الضميري، وفي أنساب السمعاني. وطبقات
الحنفية: الصميري "ح".
ص -153- ... فان قالوا هؤلاء قد بينوا حال
من رووا عنه بجرحهم له فلذلك لم تثبت عدالته وفى هذا دليل على
أن من روى عن شيخ ولم يذكر من حاله أمرا يجرحه به فقد عدله.
قلنا هذا خطأ لما قدمنا ذكره من تجويز كون الراوي غير عارف
بعدالة من روى عنه ولأنه لو عرف جرحا منه1 لم يلزمه ذكره وإنما
يلزم الاجتهاد في معرفة حاله العامل بخبره ولأن ما قالوه
بمثابة من قال لو علم الراوي عدالة من روى عنه لزكاه ولما أمسك
عن تزكيته دل على أنه ليس بعدل عنده.
أخبرنا محمد بن الحسين القطان قال أنا دعلج قال ثنا أحمد بن
على الأبار قال ثنا أبو غسان يعنى زنيجا قال نا جرير عن أبي
فهر قال صليت خلف الزهري شهرا وكان يقرأ في صلاة الفجر تبارك
الذي بيده الملك وقل هو الله أحد فقلت لجرير من أبو فهر هذا
فقال لص كان بشنست يعنى بعض قرى الري فقيل له تروى عن اللصوص
قال: نعم كان مع بعض السلاطين.
أخبرنا محمد بن جعفر بن علان قال أنا أبو الفتح محمد بن الحسين
الأزدي الحافظ قال ثنا أبو عروبة الحراني قال ثنا محمد بن موسى
القطان قال ثنا أبو داود الطيالسي قال: قال شعبة لا تحملوا عن
سفيان الثوري إلا عمن تعرفون أنه كان لا يبالي عمن حمل إنه2
يحدثكم عن مثل أبي شعيب المجنون فقال رجل لشعبة ثنا سفيان
الثوري [عن رجل]3 فسألت عنه في قبيلته فإذا هو لص ينقب البيوت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: فيه.
2 قط: إنما كذا.
3 من قط.
ص -154- ... أخبرنا ابن الفضل قال أنا دعلج
قال أنا أحمد بن على الأبار قال ثنا مسلم بن عبد الرحمن البلخي
عن مكي بن إبراهيم قال: قال شعبة سفيان ثقة يروى عن الكذابين.
أخبرنا أبو بكر البرقاني قال قرأت على بشر بن أحمد الاسفرائني
حدثكم عبد الله بن محمد بن سنان قال سمعت عمرو بن على يقول:
قال لي: يحيى لا تكتب عن معتمر الا عمن تعرف أنه يحدث عن كل.
فان قالوا إذا روى الثقة عمن ليس بثقة ولم يذكر حاله كان غاشا
في الدين قلنا نهاية أمره أن يكون حاله كذلك مع معرفته بأنه
غير ثقة وقد لا يعرفه بحرج ولا تعديل فبطل ما ذكروه
فصل: إذا قال العالم كل من أروى لكم عنه وأسميه فهو عدل رضا
مقبول الحديث،
كان هذا القول تعديلا منه لكل من روى عنه وسماه وقد كان ممن
سلك هذه الطريقة عبد الرحمن بن مهدي.
أخبرنا بشرى بن عبد الله الرومي قال أنا أحمد بن جعفر بن حمدان
قال ثنا محمد بن جعفر الراشدي قال ثنا أبو بكر الأثرم قال سمعت
أبا عبد الله يعنى أحمد بن حنبل يقول: إذا روى عبد الرحمن عن
رجل فروايته حجة.
قال أبو عبد الله كان عبد الرحمن أولا يتسهل في الرواية عن غير
واحد ثم تشدد1 بعد كان يروى عن جابر يعنى الجعفي ثم تركه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: تشدد.
ص -155 - ... وهكذا إذا قال العالم كل من
رويت عنه فهو ثقة وإن لم أسمه ثم روى عمن لم يسمه أنه يكون
مزكيا له غير أنا لا نعمل على تزكيته الجواز أن نعرفه إذا ذكره
بخلاف العدالة وسنبين ذلك في حكم المرسل من الإخبار إن شاء
الله تعالى.
فأما إذا عمل العالم بخبر من روى عنه لأجله فإن ذلك تعديل1 له
يعتمد عليه لأنه لم يعمل بخبره إلا وهو رضا عنده عدل فقام عمله
بخبره مقام قوله هو عدل مقبول الخبر ولو عمل العالم بخبر من
ليس هو عنده عدلا2 لم يكن عدلا يجوز الأخذ بقوله والرجوع إلى
تعديله لأنه إذا احتملت أمانته أن يعمل بخبر من ليس بعدل عنده
احتملت أمانته أن يزكى ويعدل من ليس بعدل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: فإن كان ذلك يكون تعديلا.
2 قط: عنده كذلك.
باب ذكر ما يعرفه عامة الناس من
صفات المحدث الجائز الحديث وما ينفرد بمعرفته أهل العلم
أخبرني محمد بن الحسن بن أحمد الأهوازي قال ثنا محمد بن إسحاق
القاضي قال سمعت محمد بن إبراهيم العقيلي الأصبهاني يقول: سمعت
ابن أبي عاصم يقول: سمعت هارون المستملى يقول: ثنا شاذان قال
سمعت الحسن بن صالح يقول: كنا إذا أردنا أن نكتب عن الرجل
سألنا عنه حتى يقال لنا أتريدون أن تزوجوه؟!
ص -156- ... أخبرنا أبو سعد الماليني قال
أنا عبد الله بن عدى قال أنا زكريا الساجي قال حدثت عن يحيى بن
معين قال: كان محمد بن عبد الله الأنصاري يليق به القضاء فقيل
له يا أبا زكريا فالحديث فقال:
للحرب أقوام لها خلقوا1 ... وللدواوين حساب وكتاب
[قلت]2: ما يعرف به صحة المحدث العدل الذي يلزم قبول خبره على
ضربين:
فضرب منه يشترك في معرفته الخاصة والعامة وهو الصحة في بيعه
وشرائه وأمانته ورد الودائع وإقامة الفرائض وتجنب المآثم فهذا
ونحوه اشترك الناس في علمه.
والضرب الآخر هو العلم بما يجب كونه عليه من الضبط والتيقظ
والمعرفة بأداء الحديث وشرائطه والتحرز من أن يدخل عليه ما لم
يسمعه ووجوه التحرز في الرواية ونحو ذلك مما لا يعرفه إلا أهل
العلم بهذا الشأن فلا يجوز الرجوع فيه إلى قول العامة بل
التعويل فيه على مذاهب النقاد للرجال فمن عدلوه وذكروا أنه
يعتمد على ما يرويه جاز حديثه ومن قالوا فيه خلاف ذلك وجب
التوقف عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا.
2 من صف.
فصل: ومن لم يرو غير حديث أو حديثين ولم يعرف بمجالسة العلماء
وكثرة الطلب
غير أنه ظاهر الصدق مشهود له بالعدالة قبل حديثه حرا كان
ص -157- ... أو عبدا وكذلك إن لم يكن من
أهل العلم بمعنى ما روى لم يكن بذلك مجروحا لأنه ليس يؤخذ عنه
فقه الحديث وإنما يؤخذ منه لفظه ويرجع في معناه إلى الفقهاء
فيجتهدون فيه بآرائهم.
والدليل على ذلك ما أخبرناه أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن
إبراهيم القزويني قال أنا على بن إبراهيم بن سلمة القطان قال
ثنا محمد بن يونس الكديمي قال ثنا عبد الله بن داود الخريبي
قال ثنا على بن صالح عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله
بن مسعود عن أبيه عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: "نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى
يبلغه إلى من هو أحفظ منه ويبلغه من هو أحفظ منه إلى من هو
افقه منه فرب حامل فقه ليس بفقيه".
وقد قبل علماء السلف ما رواه النساء والعبيد ومن ليس بفقيه وإن
لم يرو أحدهم غير حديث أو حديثين. فإن قيل كيف يقبل خبرا لعبد
وليس هو من أهل الشهادة؟!
قلنا لا جماع الناس على ذلك مع أن جماعة من السلف أجازوا شهادة
العبد [العدل]1 ولأن الشاهد يوافق المخبر في بعض صفاته ويفارقه
في بعضها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
|