الكفاية في علم الرواية ط الكتب الحديثة ص -158 - ...
باب ذكر ما يستوي فيه المحدث والشاهد من الصفات وما يفترقان
فيه
حدثني محمد بن عبيد الله المالكي أنه قرأ على القاضي أبي بكر
محمد بن الطيب قال: لا خلاف في وجوب قبول [خبر] 1 من اجتمع فيه
جميع صفات الشاهد في الحقوق من الإسلام والبلوغ والعقل والضبط
والصدق والأمانة والعدالة إلى ما شاكل ذلك.
ولا خلاف أيضا في وجوب اتفاق المخبر والشاهد في العقل والتيقظ
والذكر.
فأما ما يفترقان فيه فوجوب كون الشاهد حرا وغير والد ولا مولود
ولا قريب [قرابة] "1" تؤدى إلى ظنة وغير صديق ملاطف وكونه رجلا
إذا كان في بعض الشهادات وأن يكون اثنين في بعض الشهادات
وأربعة في بعضها وكل ذلك غير معتبر في المخبر لأننا نقبل خبر
العبد والمرأة والصديق وغيره.
[قلت] 2: فأما الحديث الذي أخبرناه القاضي أبو عمر القاسم بن
جعفر الهاشمي قال ثنا أبو بشر عيسى بن إبراهيم [بن] دستكونا
قال ثنا القاسم بن نصر المخزمى قال ثنا محمد بن بكار الهاشمي
قال ثنا جعفر بن سليمان عن صالح وهو ابن حسان عن محمد بن كعب
القرظي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا
تكتبوا العلم إلا عمن3 تجوز شهادته".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 من صف.
3 قط: ممن.
ص -159- ... فإن صالح بن حسان تفرد بروايته
وهو ممن اجتمع نقاد الحديث على ترك الاحتجاج به لسوء حفظه وقلة
ضبطه وكان يروى هذا الحديث عن محمد بن كعب تارة متصلا وأخرى
مرسلا ويرفعه تارة ويوقفه أخرى وأنا أسوق رواياته له على
اختلافها عنه.
أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح قال ثنا على بن عمر الحربي قال
ثنا أبو الحسن شعيب بن محمد الذارع قال ثنا بشر بن الوليد
الكندي قال ثنا عمر أبو حفص عن صالح بن حسان عن محمد بن كعب عن
ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا
تأخذوا الحديث إلا عمن تجيزون شهادته".
أخبرني أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري قال
أنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي قال ثنا جعفر بن محمد
بن الأزهر قال ثنا [ابن]1 الغلابي المفضل بن غسان قال ثنا يحيى
بن صالح الوحاظي عن حفص بن عمر قال ثنا صالح بن حسان عن محمد
بن كعب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: "لا تأخذوا الحديث إلا عمن تجيزون شهادته".
أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن على بن أيوب وأبو عبد الله
الحسين بن محمد بن يحيى [الصائغ بعكبرا قالا نا محمد بن يحيى]2
بن عمر بن على بن حرب قال ثنا على بن حرب قال ثنا أبو داود
يعنى الحفري قال ثنا صالح بن حسان عن محمد بن كعب قال: قال
النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحدثوا إلا عمن تقبلون شهادته".
أخبرنا أبو الحسين على بن محمد بن عبد الله بن بشران المعدل
قال أنا عثمان بن أحمد الدقاق قال ثنا أبو العباس بن مطر ح
وأخبرني عبد العزيز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من صف.
2 من قط.
ص -160 - ... ابن على الوراق قال ثنا على
بن عمر الحربي قال ثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار قالا ثنا
سريج بن يونس قال ثنا عمر بن عبد الرحمن زاد بن مطر أبو حفص
الأبار ثم اتفقا عن صالح بن حسان عن محمد بن كعب عن ابن عباس
قال: لا تأخذوا الحديث إلا عمن تجيزون شهادته.
أخبرنا أبو الحسن على بن القاسم بن الحسن الشاهد بالبصرة قال
ثنا على بن إسحاق المادراني قال ثنا أحمد بن محمد الخليلي قال
ثنا سليمان بن داود وزيد بن يحيى عن صالح عن محمد بن كعب عن
ابن عباس قال: لا تأخذوا العلم عمن1 لا تجوز شهادته.
على أن هذا الحديث لو ثبت إسناده وصح رفعه لكان محمولا على أن
المراد به جواز الأمانة في الخبر بدليل الإجماع على أن خبر
[العبد] 2 العدل مقبول، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: ممن.
2 من قط.
باب القول في العدد المقبول
تعديلهم لمن عدلوه
قال بعض الفقهاء: لا يجوز أن يقبل في تعديل المحدث والشاهد أقل
من اثنين وردوا ذلك إلى الشهادة على حقوق الآدميين وأنها لا
تثبت بأقل من اثنين.
وقال كثير من أهل العلم يكفي في تعديل المحدث المزكى الواحد
ولا يكفي في تعديل الشاهد على الحقوق إلا اثنان.
ص -161- ... وقال قوم من أهل العلم يكفي في
تعديل المحدث والشاهد تزكية الواحد إذا كان المزكى بصفة من يجب
قبول تزكيته.
والذي نستحبه أن يكون من يزكى المحدث اثنين للاحتياط فإن اقتصر
على تزكية واحد أجزأ يدل على ذلك أن عمر بن الخطاب قبل في
تزكية سنين أبي جميلة قول عريفه وهو واحد.
حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق إملاء
قال ثنا إسماعيل بن محمد هو الصفار قال ثنا سعدان بن نصر قال
ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال سمعت سنينا أبا جميلة يحدث
سعيد بن المسيب يقول: وجدت منبوذا على عهد عمر بن الخطاب فذكره
عريفي لعمر فأرسل فدعاني والعريف عنده فلما رآني مقبلا قال:
"عسى الغو يرأ بؤسا" قال العريف له يا أمير المؤمنين أنه ليس
بمتهم قال: على ما أخذت [هذا]1 قال وجدت نفسا مضيعة فأحببت أن
يأجرني الله فيها قال هو حر وولاؤه لك وعلينا رضاعه.
ويدل على ذلك أيضا أنه قد ثبت وجوب العمل بخبر الواحد فوجب
لذلك أن يقبل في تعديله واحد وإلا وجب أن يكون ما به ثبتت صفة
من يقبل خبره آكد مما يثبت وجوب قبول الخبر والعمل به وهذا
بعيد لأن الاتفاق [قد حصل]"1" على أن ما به تثبت الصفة التي
بثبوتها يثبت الحكم [أخفض وانقص في الرتبة من الذي يثبت به
الحكم]"1" ولهذا وجب ثبوت الإحصان الذي بثبوته يجب الرجم
بشهادة اثنين وإن كان الرجم لا يثبت بشهادة اثنين،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
ص -162 - ... فبان بذلك أن ما يثبت به
الحكم يجب أن يكون أقوى مما تثبت به الصفة التي عند ثبوتها يجب
الحكم وكذلك يجب أن يكون ما به تثبت1 عدالة المحدث انقص مما به
يثبت2 الحكم بخبره والحكم في الشرعيات يثبت بخبر الواحد فيجب
أن تثبت تزكيته بقول الواحد ولو أمكن ثبوتها بأقل من تزكية
واحد لوجب أن يقال بذلك لكي يكون ما به تثبت صفة المخبر اخفض
مما به يثبت الحكم غير أن ذلك غير ممكن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: ثبتت.
2 قط: ثبت.
باب ما جاء في كون المعدل امرأة أو
عبد أو صبيا
الأصل في هذا الباب سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بريرة
في قصة الإفك عن حال عائشة أم المؤمنين وجوابها له:
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزق البزاز قال أنا أبو أحمد
حمزة بن محمد بن الحارث الدهقان وعثمان بن أحمد بن عبد الله
الدقاق وأحمد بن خلف بن شمس السابح قالوا ثنا عبد الكريم بن
الهيثم الديرعاقولى قال ثنا إبراهيم بن بشار قال نا سفيان عن
محمد بن إسحاق ووائل بن داود عن الزهري قال حدثني أربعة عروة
بن الزبير وسعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة
وعلقمة بن وقاص الليثي عن حديث عائشة وساق قصة الإفك بطولها
وقال فيها فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بريرة فقال:
"هل علمت على عائشة شيئا يريبك،
ص -163- ... أو رأيت شيئا1 تكرهينه؟" قالت
أحمي سمعي وبصري عائشة أطيب من طيب الذهب.
حدثني محمد بن عبد الله المالكي أنه قرأ على القاضي أبي بكر
محمد بن الطيب قال أن قال قائل أفترون وجوب قبول تعديل المرأة
العدل العارفة بما يجب أن يكون عليه العدل وما به يحصل الجرح
قيل أجل ولا شيء يمنع من ذلك من إجماع أو غيره فلو حصل على
منعه توقيف أو إجماع لمنعناه وتركنا له القياس وإن كان أكثر
الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم لا يقبل في التعديل النساء ولا
يقبل فيه أقل من رجلين.
والذي يدل [على]2 ما قلناه أن أقصى حالات العدل وتعديله أن
يكون بمثابة المخبر والخبر والشاهد والشهادة فإذا ثبت أن خبر
المرأة العدل مقبول وانه إجماع من السلف وجب أيضا قبول تعديلها
للرجال حتى يكون تعديلهن الذي هو أخبار عن حال المخبر والشاهد
بمثابة خبرهن في وجوب العمل به وكذلك إذا كان للنساء مدخل في
الشهادات في مواضع من الأحكام جاز لذلك قبول تزكيتهن كما قبلت
شهادتهن ويجب على هذا الذي قلناه أن لا يقبل تعديلهن للشهود في
الحكم الذي لا يقبل فيه شهادتهن حتى يجرى رد التزكية في ذلك
مجرى رد الشهادة.
ويجب أيضا قبول تزكية العبد المخبر دون الشاهد لأن خبر العدل
مقبول وشهادته مردودة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: أو رابك شيء.
2 من قط.
ص -164- ... والذي يوجبه القياس وجوب
[قبول]1 تزكية كل عدل ذكر وأنثى حر وعبد لشاهد ومخبر حتى تكون
تزكيته مطابقة للظاهر من حاله والرجوع إلى قوله وانتفاء التهمة
والظنة عنه إلا أن يرد توقيف أو إجماع أو ما يقوم مقام ذلك على
تحريم العمل بتزكية بعض العدول المرضيين فيصار إلى ذلك ويترك
القياس لأجله ومتى لم يثبت ذلك كان ما ذكرناه موجبا لتزكية كل
عدل لكل شاهد ومخبر.
فان قيل ما تقولون في تزكية الصبي المراهق والغلام الضابط لما
يسمعه2 أتقبل أم لا قيل لا لمنع الإجماع من ذلك ولأجل أن
الغلام وإن كانت حاله ضبط ما سمع والتعبير عنه على وجهه أنه
غير عارف بأحكام أفعال المكلفين وما به منها يكون العدل عدلا
والفاسق فاسقا وإنما يكمل لذلك المكلف فلم يجز لذلك قبول
تزكيته ولأنه لا تعبد عليه في تزكية الفاسق وتفسيق العدل فان3
لم يكن لذلك خائفا من مأثم وعقاب لم يؤمن منه تفسيق العدل
وتعديل الفاسق وليس هذه حال المرأة والعبد فافترق الأمر فيهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 قط: سمعه.
3 قط: فإذا.
ص -165 - ...
باب القول في سبب العدالة هل يجب الاخبار به أم لا؟
اختلف الناس في تزكية المزكى لمن زكاه فقال قوم لا تقبل حتى
يذكر المزكى السبب الذي لأجله ثبتت عدالة المزكى عنده.
ومن الحجة لهم في ذلك ما أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل
القطان قال أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه قال ثنا يعقوب بن
سفيان قال سمعت أنسا نا يقول: لأحمد بن يونس عبد الله العمري
ضعيف قال إنما يضعفه رافضي مبغض لآبائه ولو رأيت لحيته وخضابه
وهيأته لعرفت أنه ثقة.
فاحتج أحمد بن يونس على أن عبد الله العمري ثقة بما ليس حجة1
لأن حسن الهيأة مما يشترك فيه العدل والمجروح.
وقال قوم لا يجب ذكر سبب العدالة بل يقبل على الجملة تعديل
المخبر والشاهد وهذا القول أولى بالصواب عندنا.
والدليل عليه إجماع الأمة على أنه لا يرجع في التعديل إلا إلى
قول عدل رضا عارف بما يصير به العدل عدلا والمجروح مجروحا وإذا
كان كذلك وجب حمل أمره في التزكية على السلامة وما تقتضيه حاله
التي أوجبت الرجوع إلى تزكيته من اعتقاد الرضا به وأدائه
الأمانة فيما يرجع2 إليه فيه والعمل بخبر من زكاه ومتى أوجبنا
مطالبته بكشف السبب الذي به
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: بحجة.
2 قط: مما رجع.
ص -166- ... صار عدلا عنده كان ذلك شكا منا
في علمه بأفعال المزكى وطرائقه وسوء ظن بالمزكى واتهاما له
بأنه يجهل المعنى الذي به يصير العدل عدلا ومتى كانت هذه حاله
عندنا لم يجب أن نرجع إلى تزكيته ولا أن نعمل على تعديله فوجب
حمل الأمر على الجملة.
فان قيل ما أنكرتم من وجوب استخبار المزكى عن سبب تعديله لا
لاتهامنا له بالجهل بطرائق المزكى وأفعاله لكن لاختلاف1
العلماء في ذلك فيما به يصير العدل عدلا فيجوز أن يعدله بما
ليس بتعديل عند غيره.
يقال هذا باطل وحمل أمره على السلامة واجب وأنه ما عدله إلا
بما به يصير عدلا عند بعض الأمة ومثل ذلك إذا وقع لا يتعقب ولا
يرد ولو كان ما قلتموه من هذا واجبا لوجب إذا شهد شاهدان بان
زيدا باع عمرا سلعة بيعا صحيحا واجبا نافذا يقع التملك به وأنه
قد زوجه وليته تزويجا صحيحا أن يسألا عن حال البيع والنكاح وعن
كل عقد يشهدان به لما بين الفقهاء من الخلاف في كثير من هذه
العقود وصحتها وتمامها.
ولما اتفق أهل العلم على أن ذلك لا يجب كشفه للحكام وجب مثله
في مسألتنا هذه أيضا فإن أسباب العدالة كثيرة يشق ذكر جميعها
ولو وجب على المزكى الأخبار بها لكان يحتاج [إلى]2 أن يقول:
المزكى هو عدل ليس يفعل كذا ولا كذا ويعد ما يجب عليه تركه ثم
يقول: ويفعل كذا وكذا فيعد ما يجب عليه فعله.
ولما كان ذلك يطول ويشق تفصيله وجب أن يقبل التعديل مجملا من
غير ذكر سببه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: لأجل اختلاف.
2 من قط.
ص -167 - ... فإن قيل فيجب عليكم ترك الكشف
عما به يصير المجروح مجروحا وأن تقبلوا الجرح في الجملة يقال:
لا يجب ذلك لأن الجرح يحصل بأمر واحد فلا يشق ذكره والعدالة لا
تحصل إلا بأمور كثيرة حسب ما بيناه والأخبار بها يجرح فلذلك
كان الإجمال فيها كافيا.
على أنا نقول أيضا إن كان الذي يرجع إليه في الجرح عدلا مرضيا
في اعتقاده وأفعاله عارفا بصفة العدالة والجرح وأسبابها عالما
باختلاف الفقهاء في أحكام ذلك قبل قوله فيمن جرحه مجملا ولم
يسأل عن سببه. وسنشرح الأمور التي توجب الجرح واختلاف الناس
فيها ونبينها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
[آخر الجزء الثالث] 1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
وفيها بعده: ويتلوه في الجزء الرابع، إن شاء الله تعالى:
"باب الكلام في الجرح وأحكامه".
والحمد لله رب العالمين، وصلواته على المصطفى محمد وآله
وأصحابه وأزواجه وأنصاره وأتباعه أجمعين.
ص -169- ... الجزء الرابع
بسم الله الرحمن الرحيم
رب سهل وسلم
حدثنا الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال1:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
ص -170 - ...
باب الكلام في الجرح وأحكامه
أخبرني أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الفقيه قال حدثني
محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك الآدمي قال ثنا محمد بن على
الأيادي قال ثنا زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن حدثني أحمد بن
محمد البغدادي قال سمعت يحيى1 بن معين يقول: آلة الحديث الصدق
والشهرة بطلبه وترك البدع واجتناب الكبائر.
لما كان كل مكلف من البشر لا يكاد يسلم من أن يشوب طاعته
بمعصية لم يكن سبيل إلى أن لا يقبل إلا طائع محض الطاعة لأن
ذلك يوجب أن لا يقبل أحد وهكذا لا سبيل إلى قبول كل عاص لأنه
يوجب أن لا يرد أحد وقد أمر الله عز وجل بقبول العدل ورد
الفاسق فاحتيج [إلى] "1" التفصيل لوصفهما وكل من ثبت كذبه رد
خبره وشهادته لأن الحاجة في الخبر داعية إلى صدق المخبر فمن
ظهر كذبه فهو أولى بالرد ممن جعلت المعاصي إمارة على فسقه حتى
يرد2 لذلك خبره.
والكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم من الكذب
على غيره والفسق به أظهر والوزر به أكبر. أخبرنا أبو نعيم
الحافظ قال ثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس قال ثنا أبو
مسعود أحمد بن الفرات قال أنا يعلى بن عبيد قال ثنا الأعمش عن
خيثمة عن سويد قال: قال على بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوالله لأن
أخر من السماء أحب إلى من أن اكذب على رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وإذا حدثتكم فيما بيننا فإن الحرب خدعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 قط: حتى رد.
ص -171 - ... أخبرنا أبو الحسن على بن
القاسم بن الحسن الشاهد البصري قال ثنا على بن إسحاق المادراني
قال ثنا أبو قلابة الرقاشي1 قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة
عن جامع بن شداد قال سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير يحدث عن
أبيه قال: قلت: لأبى الزبير مالي لا أراك تحدث عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم كما أسمع فلانا وفلانا وابن مسعود قال
والله يا بني ما فارقته منذ أسلمت ولكني سمعته يقول: "من كذب
على فليتبوأ مقعده من النار" والله ما قال متعمدا وأنتم تقولون
متعمدا. ومن سلم من الكذب وأتى شيئا من الكبائر فهو فاسق يجب
رد خبره ومن أتى صغيرة فليس بفاسق ومن تتابعت منه الصغائر
وكثرت رد خبره وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
في بيان الكبائر ما نحن ذاكروه إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
باب ما جاء عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم من ذكر الكبائر
أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي
الفارسي قال أنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن إسحاق المصري
الجوهري قراءة عليه في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة قال ثنا
الربيع بن سليمان قال ثنا ابن وهب قال أخبرني سليمان يعني ابن
بلال عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة أن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال:
"اجتنبوا السبع الموبقات" قيل يا رسول الله وما هي؟ 2 قال:
"الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل
الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات
الغافلات المؤمنات".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 قط: وما هن.
ص -172- ... حدثنا أبو بكر محمد بن عبد
الله بن أبان الهيتي التغلبي لفظا قال ثنا أبو بكر أحمد بن
سلمان النجاد قال ثنا إبراهيم بن عبد الله البصري قال ثنا محمد
بن كثير قال أنا سفيان الثوري عن منصور وواصل الأحدب عن أبي
وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال: قلت: "يا رسول الله
أي الذنب أعظم قال: ان تجعل لله ندا وهو خلقك قال: ثم أي قال:
أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك قال: ثم أي قال أن تزاني1 حليلة
جارك" قال ثم تلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم {وَالَّذِينَ
لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ}.
أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ قال أنا
أبو على محمد بن أحمد بن الحسن الصواف قال ثنا أحمد بن هارون
البرديجي قال أنا الحسن بن على بن عفان قال ثنا عبد الله بن
نمير عن الأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال
سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الكبائر فقال: "أن تشرك
بالله وهو خلقك" وساق الحديث نحو ما تقدم.
أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن هارون بن
الصلت الأهوازي قال أنا محمد بن جعفر المطيري قال ثنا على بن
حرب قال ثنا زيد بن أبي الزرقاء عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي
حبيب عن محمد بن سهل حدثه عن أبيه سهل بن أبي حثمة قال سمعت
النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر: "الكبائر سبع
الشرك بالله وقتل النفس والفرار من الزحف وأكل مال اليتيم وقذف
المحصنة والتعريب بعد الهجرة" ولم يذكر السابعة.
أخبرنا أبو الحسن على بن أحمد بن إبراهيم البزاز بالبصرة قال
ثنا أبو على الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي قال نا يعقوب بن
سفيان قال ثنا الحكم بن موسى قال ثنا يحيى بن حمزة عن سليمان
بن داود قال حدثني الزهري عن أبي بكر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: قال تزاني.
ص -173- ... ابن محمد بن عمرو بن حزم عن
أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى أهل
اليمن بكتاب فكان فيه "إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة
الإشراك1 بالله وقتل النفس المؤمنة بغير حق والفرار في سبيل
الله يوم الزحف وعقوق الوالدين".
وأخبرنا على بن أحمد أيضا قال ثنا الحسن بن محمد بن عثمان قال
ثنا يعقوب بن سفيان قال ثنا قبيصة قال ثنا سفيان عن سعد بن
إبراهيم عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن من الكبائر أن يشتم
الرجل والده" قيل وكيف يشتم الرجل والده قال: "يسب الرجل فيسب
أباه".
أخبرناه على بن القاسم الشاهد قال ثنا على بن إسحاق المارداني
قال ثنا أبو قلابة قال ثنا بشر بن عمر [ح وأخبرنا]"1" أبو نعيم
الحافظ واللفظ له قال ثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس
قال ثنا يونس بن حبيب قال ثنا أبو داود قالا ثنا شعبة عن عبيد
الله وهو ابن أبي بكر عن أنس قال سئل النبي صلى الله عليه وآله
وسلم عن الكبائر فقال: "الإشراك2 بالله وعقوق الوالدين وقتل
النفس وشهادة الزور" أو قال: "قول الزور".
أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي قال أنا عبيد الله بن أحمد بن
يعقوب المقري قال ثنا محمد بن منصور بن النضر الشيعي قال ثنا
حميد بن مسعدة السامي قال ثنا بشر بن المفضل قال ثنا الجريري
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: "ألا أحدثكم بأكبر الكبائر" قالوا بلى
قال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين" قال وجلس وكان متكئا قال:
"وشهادة الزور" أو قول الزور فما زال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يقولها حتى قلنا ليته سكت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 قط: اشراك.
ص -174- ... أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن
بن محمد بن عبد الله السراج بنيسابور قال ثنا أبو العباس محمد
بن يعقوب الأصم قال ثنا عبيد الله بن سعيد بن كثير المصري قال
حدثني أبي قال حدثني نافع يعني ابن يزيد عن يزيد وهو ابن أبي
حبيب عن سنان عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم قال: "شهادة الزور من الكبائر" سنان هذا هو الأنصاري واسم
أبيه عبد الله وقيل عمر، والله أعلم.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي قال ثنا أبو العباس محمد
بن يعقوب الأصم قال ثنا العباس بن محمد الدوري قال ثنا حسين بن
محمد ["ح" وأخبرنا] محمد بن أبي الفوارس قال ثنا أبو على
الصواف1 قال ثنا أحمد بن هارون بن روح قال ثنا محمد بن إسحاق
قال ثنا الحسن بن موسى الأشيب واللفظ لحديثه قال ثنا أيوب بن
عتبة عن طيسلة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال: "الكبائر سبع الشرك بالله وعقوق الوالدين والزنا والسحر
والفرار من الزحف وأكل الربا وأكل مال اليتيم".
كل من ثبت عليه فعل شيء من هذه الكبائر المذكورة أو ما كان
بسبيلها كشرب الخمر واللواط ونحوهما فعدالته ساقطة وخبره مردود
حتى يتوب وكذلك إذا ثبت عليه ملازمته لفعل المعاصي التي لا
يقطع على أنها من الكبائر وإدامة السخف والخلاعة والمجون في
أمر الدين ويثبت ذلك عليه إذا أخبر [به]2 عدلان وصرحا بالجرح.
فان صرح عدل واحد بما يوجب الجرح فقد اختلف أهل العلم فيه.
فمنهم من قال: لا يثبت كما لا يثبت في الشهادة ومنهم من قال
يثبت ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 صف: ابن الصواف.
2 من قط.
ص -175 - ... لأن العدد ليس بشرط في قبول
الخبر فلم يكن شرطا في جرح الراوي ويخالف الشهادة لأن العدد
شرط في قبول الشهادة والحكم بها [فكان] 1 شرطا في جرح الشاهد،
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
باب القول في الجرح والتعديل إذا
اجتمعا أيهما أولى
اتفق أهل العلم على أن من جرحه الواحد والاثنان وعد له مثل
[عدد] من جرحه فإن الجرح به أولى والعلة في ذلك أن الجارح يخبر
عن أمر باطن قد علمه ويصدق المعدل ويقول: له قد علمت من حاله
الظاهرة ما علمتها وتفردت بعلم لم تعلمه من اختبار أمره وأخبار
المعدل عن العدالة الظاهرة لا ينفى صدق قول الجارح فيما أخبر
به فوجب لذلك أن يكون الجرح أولى من التعديل.
أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال أنا عثمان بن أحمد الدقاق قال
ثنا حنبل بن إسحاق قال ثنا خالد بن خداش قال سمعت حماد بن زيد
يقول: كان الرجل يقدم علينا من البلاد ويذكر الرجل ويحدث عنه
ويحسن الثناء2 عليه فإذا سألنا أهل بلاده وجدناه على غير ما
يقول3 قال وكان يقول: بلدي4 الرجل أعرف بالرجل.
[قلت] 5: لما كان عندهم زيادة علم بخبره على ما علمه الغريب
[من ظاهرة] 6.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 قط: ونذكر الرجل، ونحدث عنه، ونحسن عليه الثناء.
3 قط: نقول.
4 قط: هل بلد.
5 قط: قال الخطيب.
6 من قط.
ص -176- ... عدالته [جعل حماد الحكم لما
علموه من جرحه دون ما أخبر به الغريب من عدالته]1.
أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال أنا محمد بن أحمد بن الحسن قال ثنا
بشر بن موسى قال: قال عبد الله بن الزبير الحميدي فإن قال قائل
لم لا2 تقبل ما حدثك الثقة حتى انتهى به إلى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم لما انتهى إليك من ذلك من جرحه لبعض من حدث به
وتكون مقلدا ذلك الثقة مكتفيا به غير مفتش له وهو حمله ورضيه
لنفسه؟!!
فقلت لأنه قد انتهى إلى في ذلك علم ما جهل الثقة الذي حدثني
عنه فلا يسعني أن أحدث عنه لما انتهى إلى فيه بل يضيق ذلك على
ويكون ذلك واسعا للذي حدثني عنه إذا لم يعلم منه ما علمت من
ذلك.
وكذلك الشاهد يشهد عند الحاكم فيسأل في السر والعلانية فيعدل
فيقبل شهادته ثم يشهد عنده مرة أخرى أو عند غيره فيسأل عنه فلا
يعدل فيردها الحاكم بعد إجازته لها لا يسعه إلا ذلك ولا يلزم
الحاكم بعده أن يجيزها إذا لم يعدل إن كان حاكم قبله وكذلك أنا
والذي حدثني انتهى إلى من علم ما جهل من ذلك وكلانا مصيب فيما
فعل.
قلت3 ولأن من عمل بقول الجارح لم يتهم المزكى ولم يخرجه بذلك
عن كونه عدلا ومتى لم نعمل بقول الجارح كان في ذلك تكذيب له
ونقض لعدالته وقد علم أن حاله في الأمانة مخالفة لذلك ولأجل
هذا وجب إذا شهد شاهدان على رجل بحق وشهد له شاهدان آخران أنه
قد خرج منه أن يكون العمل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 قط: لم لم.
3 قط: قال الخطيب.
ص -177- ... بشهادة من شهد بقضاء الحق أولى
لأن شاهدي القضاء يصدقان الآخرين ويقولان علمنا خروجه من الحق
الذي كان عليه وأنتما لم تعلما ذلك.
ولو قال شاهدا ثبوت الحق نشهد أنه لم يخرج من الحق لكانت شهادة
باطله.
فصل إذا عدل جماعة رجلا وجرحه أقل عددا من المعدلين
فإن الذي عليه جمهور العلماء أن الحكم للجرح والعمل به أولى
وقالت طائفة بل الحكم للعدالة وهذا خطأ لأجل ما ذكرناه من أن
الجارحين يصدقون المعدلين في العلم بالظاهر ويقولون عندنا
زيادة علم لم تعلموه من باطن أمره.
وقد اعتلت هذه الطائفة بأن كثرة المعدلين تقوى حالهم وتوجب
العمل بخبرهم وقلة الجارحين تضعف خبرهم وهذا يعد ممن توهمه لأن
المعدلين وان كثروا ليسوا يخبرون عن عدم ما أخبر به الجارحون
ولو اخبروا بذلك وقالوا نشهد أن هذا لم يقع منه لخرجوا بذلك من
أن يكونوا أهل تعديل أو جرح لأنها شهادة باطلة على نفى ما يصح
ويجوز وقوعه وإن لم يعلموه فثبت ما ذكرناه.
ص -178 - ...
باب القول في الجرح هل يحتاج إلى كشف أم لا
حدثني محمد بن عبيد الله المالكي قال قرأت على القاضي أبي بكر
محمد بن الطيب قال الجمهور من أهل العلم إذا جرح من إلا يعرف
الجرح يجب الكشف عن ذلك ولم يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا
الشأن. والذي يقوى عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح
عالما والدليل عليه نفس ما دللنا به على أنه لا يجب استفسار
العدل عما به صار عنده المزكى عدلا لأننا متى استفسرنا الجارح
لغيره فإنما يجب علينا بسوء الظن والاتهام له بالجهل بما يصير
به المجروح مجروحا وذلك ينقض جملة ما بنينا عليه أمره من الرضا
به والرجوع إليه ولا يجب كشف ما به صار مجروحا وإن اختلف آراء
الناس فيما به يصير المجروح مجروحا1 كما لا يجب كشف ذلك في
العقود والحقوق وإن اختلف في كثير منها فالطريق في ذلك واحد.
فأما إذا كان الجارح عاميا وجب لا محالة استفساره.
وقد ذكر أن الشافعي إنما أوجب الكشف عن ذلك لأنه بلغه أن
أنسانا جرح رجلا فسئل عما جرحه به فقال رأيته يبول قائما فقيل
له وما في ذلك ما يوجب جرحه فقال لأنه يقع الرشش عليه وعلى2
ثوبه ثم يصلى فقيل له رأيته يصلي3 كذلك فقال: لا فهذا ونحوه
جرح بالتأويل والجهل والعالم لا يجرح أحدا بهذا وأمثاله فوجب
بذلك ما قلناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 من قط: ويخلى.
3 قط: صلى.
ص -179- ... سمعت القاضي أبا الطيب طاهر بن
عبد الله بن طاهر الطبري يقول: لا يقبل الجرح إلا مفسرا وليس
قول أصحاب الحديث فلان ضعيف وفلان ليس بشيء مما يوجب جرحه ورد
خبره وإنما كان كذلك لأن الناس اختلفوا فيما يفسق به فلا بد من
ذكر سببه لينظر هل هو فسق أم لا وكذلك [قال أصحابنا]1 إذا شهد
رجلان بان هذا الماء نجس لم تقبل شهادتهما حتى يبينا سبب
النجاسة فإن الناس اختلفوا فيما ينجس به الماء وفى نجاسة
الواقع فيه.
قلت2 وهذا القول هو الصواب عندنا وإليه ذهب الأئمة من حفاظ
الحديث ونقاده مثل محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج
النيسابوري وغيرهما.
فإن البخاري قد احتج بجماعة سبق من غيره الطعن فيهم والجرح لهم
كعكرمة مولى ابن عباس في التابعين وكاسمعيل بن أبي أويس وعاصم
بن على وعمرو بن مرزوق في المتأخرين وهكذا فعل مسلم بن الحجاج
أنه احتج بسويد بن سيد وجماعة غيره واشتهر عمن ينظر في حال
الرواة الطعن عليهم.
وسلك وأبو داود السجستاني هذه الطريق وغير واحد ممن بعده فدل
ذلك على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه
وذكر موجبه.
أخبرني أبو بكر أحمد بن سليمان بن على المقري قال ثنا عبيد
الله بن محمد بن أحمد بن على بن مهران قال أخبرني أحمد بن خلف
بن أيوب البزاز المعروف بالسابح قال ثنا أحمد بن محمد بن عبد
الله المنقري قال ثنا على بن عاصم قال ثنا شعبة قال احذروا
غيرة أصحاب الحديث بعضهم على بعض فلهم أشد غيرة من التيوس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 قط: قال الخطيب.
ص -180 - ... ومذاهب النقاد للرجال غامضة
دقيقة وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز فتوقف عن الاحتجاج
بخبره وإن لم يكن الذي سمعه موجبا لرد الحديث ولا مسقطا
للعدالة ويرى السامع إنما فعله هو الأولى رجاء إن كان الراوي
حيا أن يحمله ذلك على التحفظ وضبط نفسه عن الغميزة وإن كان
ميتا أن ينزله من نقل عنه منزلته فلا يلحقه بطبقة السالمين من
ذلك المغمز.
ومنهم من يرى أن من الاحتياط للدين إشاعة ما سمع من الأمر
المكروه الذي لا يوجب إسقاط العدالة بانفراده حتى ينظر هل له
من أخوات ونظائر فإن أحوال الناس وطبائعهم جارية على إظهار
الجميل وإخفاء ما خالفه فإذا ظهر أمر يكره مخالف للجميل لم
يؤمن أن يكون وراء شبه له.
ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحديث الذي قدمناه
في أول باب العدالة من أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس إلينا
من سريرته شيء ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وان قال
إن سريرتي حسنة.
أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي
قال ثنا أبو بشر عيسى بن إبراهيم بن عيسى الصيدلاني قال ثنا
أبو يوسف القلوسي قال سمعت أبا بكر بن أبي الأسود يقول: كنت
أسمع الأصناف من خالي عبد الرحمن بن مهدي وكان في أصل كتابه
قوم قد ترك حديثهم مثل الحسن بن أبي جعفر وعباد بن صهيب وجماعة
نحو هؤلاء ثم أتيته1 بعد ذلك بأشهر وأخرج إلى كتاب الديات
فحدثني عن الحسن بن أبي جعفر فقلت يا خالي أليس كنت قد ضربت
على حديثه وتركته قال بلى تفكرت فيه إذا كان يوم القيامة قام
الحسن بن أبي جعفر فيتعلق2 بي فقال يا رب سل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: أثبته.
2 قط: فتعلق.
ص -181 - ... عبد الرحمن بن مهدي فيم أسقط
عدالتي فرأيت أن أحدث عنه وما كان لي حجة عند ربي فحدث عنه
بأحاديث.
أخبرنا محمد بن الحسين القطان قال أنا عبد الله بن جعفر قال
ثنا يعقوب بن سفيان قال سمعت أحمد بن صالح وذكر مسلمة بن على
فقال: لا يترك حديث رجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه قد
يقال فلان ضعيف فأما أن يقال فلان متروك فلا إلا أن يجتمع
الحميع على ترك حديثه.
باب ذكر بعض أخبار من استفسر في
الجرح فذكر ما لا يسقط العدالة
أخبرنا أبو بكر البرقاني قال قرئ على أحمد بن جعفر بن مالك
وأنا أسمع حدثكم عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قلت: لأبى أن
يحيى بن معين يطعن على عامر بن صالح [قال] 1 يقول ماذا؟ قلت:
رآه يسمع من حجاج قال: قد رأيت أنا حجاجا يسمع من هشيم وهذا
عيب؟ يسمع الرجل ممن هو أصغر منه وأكبر.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن بكير المقري قال أنا عثمان بن
أحمد بن سمعان الرزاز قال ثنا الهيثم بن خلف الدروي قال ثنا
محمود بن غيلان قال سألت وهب بن جرير عن صالح بن أبي الأخضر ما
شأنه قال سمع وقرأ كان لا يميز القراءة عن2 السماع.
أخبرني عبد الله بن أبي الفتح الفارسي قال حدثنا محمد بن
العباس الخزاز قال ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا
يحيى بن أيوب العابد قال ثنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 قط: من.
ص -182- ... أبو عبيدة الحداد قال ثنا شعبة
يوما عن رجل بنحو من عشرين حديثا ثم قال امحوها [قال]1 قلنا له
لم قال ذكرت شيئا رأيته منه فقلنا أخبرنا به أي شيء هو قال
رأيته على فرس يجرى ملء فروجه.
أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب قال قرئ على أبي القاسم النحاس
وأنا أسمع حدثكم أبو طالب أحمد بن نصر قال ثنا ابن أبي عتاب
الأعين قال ثنا محمد بن جعفر يعنى المدائني قال قيل لشعبة لم
تركت حديث فلان قال رأيته يركض على برذون فتركت حديثه.
أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل قال أنا دعلج بن أحمد قال أنا
أحمد بن على الأبار قال ثنا محمد بن حميد الرازي قال ثنا جرير
قال رأيت سماك بن حرب يبول قائما فلم أكتب عنه.
وقد قال كثير من الناس يجب أن يكون المحدث والشاهد مجتنبين
لكثير من المباحات نحو التبذل والجلوس للتنزه في الطرقات
والأكل في الأسواق وصحبة العامة الأرذال والبول على قوارع
الطرقات2 والبول قائما والانبساط إلى الخرق في المداعبة
والمزاح وكل ما قد اتفق [على]"1" أنه ناقص القدر والمروءة
ورأوا أن فعل هذه الأمور يسقط العدالة ويوجب رد الشهادة.
والذي عندنا في هذا الباب رد خبر فأعلى المباحات إلى العالم
والعمل في ذلك بما يقوى في نفسه فإن غلب على ظنه من أفعال
مرتكب المباح المسقط للمروءة أنه مطبوع على فعل ذلك والتساهل
به مع كونه ممن لا يحمل نفسه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 قط: الطرق.
ص -183- ... على الكذب في خبره وشهادته بل
يرى إعظام ذلك وتحريمه والتنزه عنه قبل خبره وان ضعفت هذه
الحال في نفس العالم واتهمه عندها وجب عليه ترك العمل بخبره
ورد شهادته.
أخبرنا عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ قال ثنا أبي قال ثنا
الحسين بن صدقة قال ثنا ابن أبي خيثمة قال ثنا يحيى بن معين عن
وكيع قال: قال شعبة لقيت ناجية الذي روى عنه أبو إسحاق فرأيته
يلعب بالشطرنج فتركته فلم اكتب عنه ثم كتبت عن رجل عنه.
قلت1 ألا ترى أن شعبة في الابتداء جعل لعبة الشطرنج مما يجرحه
فتركه ثم استبان له صدقه في الرواية وسلامته من الكبائر فكتب
حديثه نازلا.
وكذلك قول الجارح إن فلان ليس بثقة يحتمل أن يكون لمثل هذا
المعنى فيجب أن يفسر سببه.
أخبرنا محمد بن عمر بن بكير قال أنا عثمان بن أحمد بن سمعان
الرزاز قال ثنا هيثم بن خلف قال ثنا محمود بن غيلان قال ثنا
وهب بن جرير قال: قال شعبة أتيت منزل المنهال بن عمرو فسمعت
فيه2 صوت الطنبور فرجعت3 فهلا سألت عسى أن لا يعلم هو.
أخبرنا على بن طلحة بن محمد المقري قال ثنا أبو الفتح محمد بن
إبراهيم الطرسوسي قال أنا محمد بن محمد بن داود الكرخي قال ثنا
عبد الرحمن بن يوسف بن خراش قال ثنا أبو حفص عمرو بن على قال
ثنا أمية بن خالد عن شعبة قال: قلت: للحكم بن عتيبة لم لم ترو
عن زاذان قال: كان كثير الكلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: قال الخطيب.
2 قط: منه.
3 زاد في التهذيب وغيره: قلت.
ص -184- ... أخبرنا أحمد بن أبي جعفر
القطيعي قال ثنا محمد بن المظفر الحافظ قال ثنا على بن أحمد بن
سليمان قال ثنا هارون بن سعيد الأبلى قال سألت أيوب بن سويد عن
الذي كان شعبة يطعن به على الحسن بن عمارة فقال لي: كان يقول:
أن الحكم بن عتيبة لم يحدث عن يحيى بن الجزار إلا ثلاثة أحاديث
والحسن يحدث عن الحكم [عن يحيى]1 أحاديث كثيرة قال فقلت ذلك
للحسن بن عمارة فقال أن الحكم أعطاني حديثه عن يحيى في كتاب
لأحفظه فحفظته.
وأخبرنا احمد بن أبي جعفر قال ثنا محمد بن المظفر قال ثنا أبو
عبد الله أحمد بن عبد الجبار2 الصوفي قال ثنا الحارث بن سريج
قال ثنا هشيم قال: قلت: لشعبة مالك ولأبي الربيع ما تريد منه
قال يحدث عن أبي بشر بأحاديث ليست من حديثه قلت أي شيء هو قال
يحدث عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أنه مر بقوم قد
نصبوا دجاجة يرمونها فقال يا عباد الله لا تتخذوا الروح غرضا
قال: قلت: فأشهد على أبي بشر أنه حدثنيه قال أنه قد أكثر أنه
قد أكثر.
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد المجهز قال أنا محمد بن أحمد بن
إبراهيم بن أحمد الحداد بتنيس قال ثنا بكر بن أحمد بن حفص
الشعراني قال ثنا هلال بن العلاء قال سمعت أبي يقول: سمعت حماد
بن زيد يقول: لقيني شعبة ومعه طين قلت أين تريد قال صاحب
المنكث قال: قلت: تصنع ماذا قال أستعدى على هذا الذي يكذب على
أيوب أبو جرى قلت في أي شيء قال كذا وكذا قلت حدثني أيوب فرمى
بالطينة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 هو أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، كما في "لسان الميزان"
وغيره نسب هنا إلى جده "ح".
ص -185- ... أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد
المتوثي قال أنا عثمان بن أحمد الدقاق قال ثنا سهل بن أحمد
الواسطي قال ثنا أبو حفص عمرو بن على قال أنا أبو داود
الطيالسي قال سمعت شعبة يقول: سمعت من طلحة بن مصرف حديثا
واحدا وكنت كلما مررت به سألته عنه فقيل له لم يا أبا بسطام
قال أردت أن انظر إلى حفظه فإن غير [فيه]1 شيئا تركته.
أخبرنا أحمد بن أبي جعفر قال أنا أبو بكر محمد بن عدى بن زحر
المنقري2 في كتابه إلينا قال ثنا أبو عبيد محمد بن على الآجري
قال ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال ثنا الحسن بن على عن
شبابة قال: قلت: أو قيل لشعبة ما شأن حسام بن مصك قال رأيته
يبول مستقبلا القبلة.
قال أبو داود: سمعت يحيى بن معين يقول: ترك شعبة أبا غالب أنه
رآه يحدث في الشمس وضعه شعبة على أنه تغير عقله.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي قال ثنا أبو العباس محمد
بن يعقوب الأصم قال سمعت محمد بن على الوراق يقول: سألت مسلم
بن إبراهيم عن حديث لصالح المزي فقال ما تصنع بصالح ذكروه يوما
عند حماد بن سلمة فامتخط حماد.
قلت3: امتخاط حماد عند ذكره لا يوجب رد خبره.
ومثل هذه الحكاية ما أخبرني عبد الله بن يحيى السكري قال أنا
محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي قال ثنا جعفر بن محمد بن
الأزهر قال أنا ابن الغلابي قال وسئل يحيى يعني ابن معين عن
حجاج بن الشاعر فبزق لما سئل عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من صف.
2 قط: البصري.
3 قط: قال الخطيب.
ص -186 - ... وحدثنا أبو طالب يحيى بن على
بن الطيب الدسكري لفظا بحلوان قال أنا أبو بكر بن المقري
بأصبهان قال ثنا حسين1 بن عبد الله بن خشيش المصري قال ثنا
يزيد بن عبد الصمد قال ثنا أبو مسهر قال ثنا مزاحم بن زفر قال
قلنا لشعبة ما تقول في أبي بكر الهذلي قال دعني لا أقيء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 صف: حسن.
باب القول فيمن روى عن رجل حديثا
ثم ترك العمل به هل يكون ذلك جرحا للمروى عنه؟
إذا روى [رجل] 2 عن شيخ حديثا يقتضى حكما منا لأحكام فلم يعمل
به لم يكن ذلك جرحا منه للشيخ لأنه يحتمل أن يكون ترك العمل
بالخبر لخبر [آخر] "2" يعارضه أو عموم أو قياس أو لكونه منسوخا
عنده أو لأنه يرى أن العمل بالقياس أولى منه وإذا احتمل ذلك لم
نجعله3 قدحا في راويه.
ومثل هذا ما أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي قال
ثنا أبو على محمد بن أحمد اللؤلؤي قال ثنا أبو داود سليمان بن
الأشعث قال ثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله
بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "المتبايعان
كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا4 إلا بيع
الخيار". فهذا رواه مالك ولم يعمل به وزعم أنه رأى أهل المدينة
على العمل بخلافه فلم يكن تركه العمل به قدحا لنافع5.
ومثله الحديث الآخر الذي أخبرناه القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن
الحرشي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 من قط.
3 قط: لم يجعل.
4 قط: يفترقا.
5 قط: قدحا في نافع.
ص -187 - ... قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم قال
حدثنا أبو الدرداء هاشم بن يعلى الأنصاري قال ثنا إسماعيل يعني
ابن أبي أويس قال حدثني أبي عن محمد بن مسلم أن سالم بن عبد
الله أخبره وسأله محمد عن كراء المزارع قال أخبر رافع بن خديج
عبد الله بن عمر أن عميه وقد كانا شهدا بدرا أخبراه أن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء المزارع قال فترك
عبد الله كراءها وقد كان يكريها قبل ذلك قال محمد فقلت لسالم
أتكريها أنت فقال: نعم قد كان عبد الله يكريها قال فقلت فأين
حديث رافع بن خديج قال: فقال سالم إن رافعا قد أكثر عن نفسه. |