الكفاية في علم الرواية ط الكتب الحديثة ص -530 - ...
باب القول في الرجل يروي الحديث يتقن1 سماعه إلا فإن لا يدري
ممن سمعه
أخبرنا عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي قال أنا محمد بن العباس
الخزاز قال أنا إبراهيم بن محمد الكندي قال أنا أبو موسى محمد
بن المثنى قال حدثني سهل يعني ابن بكار قال ثنا حماد بن سلمة
عن علي بن زيد قال كنت أحدث الحسن بالحديث فأسمعه يحدث به
فأقول من حدثك فيقول لا أدري إلا أنه ثقة.
[قال الخطيب] 2: قول على زيد كنت أحدث الحسن يعني فإن كان
يذاكره بالحديث فيرويه الحسن بعد ولعل الحسن قد كان تقدم سماعه
إياه من بعض الرواة إلا فإن لا يصح الاحتجاج بما هذه حاله لأن
الراوي للحسن مجهول.
أخبرنا محمد بن الحسين القطان قال أنا عبد الله بن جعفر بن
درستويه قال ثنا يعقوب بن سفيان قال ثنا عثمان بن أبي شيبة قال
ثنا ابن إدريس عن شعبة عن عبد الله بن صبيح عن محمد بن سيرين
قال ثلاثة كانوا يصدقون من حدثهم أنس وأبو العالية والحسن
البصري أراد ابن سيرين إنهم كانوا يأخذون الحديث عن كل أحد ولا
يبحثون عن حاله لحسن ظنهم به وهذا الكلام قاله ابن سيرين على
سبيل التعجب منهم في فعلهم وكراهته لهم ذلك والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: يتيقن.
2 من قط.
ص -531- ... أخبرنا محمد بن الحسين قال أنا
ابن درستويه قال ثنا يعقوب [بن سفيان]1 قال ثنا سليمان بن حرب
قال ثنا حماد عن ابن عون عن محمد قال كان ههنا ثلاثة يصدقون كل
من حدثهم قال سليمان كأنه كره ذلك منهم.
حدثني محمد بن عبيد الله المالكي فإن قرأ على القاضي أبي بكر
محمد بن الطيب قال ولا يقبل خبر من جهلت عينه وصفته لأنه حينئذ
لا سبيل إلى معرفة عدالته هذا قول كل من شرط العدالة ولم يقبل
المرسل فأما من قال إن العدالة هي ظاهر الإسلام فإنه يقبل خبر
من جهلت عينه لأنه لا يكون إلا مسلما ويجب عليهم أن لا يقبلوا
خبره حتى يعلموا مع إسلامه فإن بريء من الفسق المسقط للعدالة
ومع الجهل بعينه لا يؤمن أن يكون ممن أصاب فسقا إذا ذكر عرفوه
به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
فصل
ولو قال الراوي حدثنا الثقة وهو يعرفه بعينه واسمه وصفته إلا
فإن لم يسمه، لم يلزم السامع قبول ذلك الخبر لان شيخ الراوي
مجهول عنده ووصفه إياه بالثقة غير معمول به ولا معتمد عليه في
حق السامع لجواز أن يعرف إذا سماه الراوي بخلاف الثقة
والأمانة.
ص -532 - ...
باب في قول الراوي حدثت عن فلان وقوله حدثنا شيخ لنا
لا يصح الاحتجاج بما كان على هذه الصفة لأن الذي يحدث عنه
مجهول عند السامع وقد ذكرنا فإن لو قال حدثنا الثقة ولم يسمه
لم يلزم السامع قبول ذلك الخبر مع تزكية الراوي وتوثيقه لمن
روى عنه فبان لا يلزم الخبر عن المجهول الذي لم يزكه الراوي
أولى.
أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال ثنا محمد بن أحمد بن الحسن قال ثنا
بشر بن موسى قال: قال عبد الله بن الزبير الحميدي وإن كان رجل
معروفا بصحبة رجل والسماع منه مثل ابن جريج عن عطاء أو هشام بن
عروة عن أبيه وعمرو بن دينار عن عبيد بن عمير ومن كان مثل
هؤلاء في ثقتهم ممن يكون الغالب عليه السماع ممن حدث عنه فأدرك
عليه [أنه ادخل بينه وبين من حدث رجلا غير مسمى أو أسقطه ترك
ذلك الحديث الذي أدرك عليه] 1 فيه فإن لم يسمعه ولم يضره ذلك
في غيره حتى يدرك عليه فيه مثل ما أدرك عليه في هذا فيكون مثل
المقطوع.
قلت2: وقل من يروي عن شيخ فلا يسميه3 بل يكنى عنه إلا لضعفه
وسوء حاله مثل ما أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد
بن جعفر قال ثنا الحسين بن عمر الضراب قال ثنا حامد بن محمد بن
شعيب قال ثنا سريج بن يونس قال ثنا مروان بن معاوية قال أخبرني
شيخ عن حميد بن هلال العدوي عن عبد الله بن مطرف قال كان رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم من أقل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 قال الخطيب.
3 في طبعة الهند "يسميه".
ص -533 - ... الناس غفلة وكان إذا أمسى
يقول: "أمسينا وأمسى الملك لله والعزة لله رب العالمين أسألك
من خير هذه الليلة نورها وبركتها وطهورها وهداها ومعافاتها
وإذا أصبح قال أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله والعزة لله
رب العالمين أسألك من خير هذا اليوم من نوره وبركته وطهوره
وهداه ومعافاته" [وإذا رأى الهلال قال: "هلال خير الحمد لله
الذي ذهب بشهر كذا وكذا وجاء بشهر كذا وكذا أسألك من خير هذا
الشهر نوره وبركته وهداه وطهوره ومعافاته] "1 قال سريج قيل
لمروان سم الشيخ قال قد أخذنا حاجتنا منه ونغطيه بهواه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
باب الاحتجاج بخبر من عرفت عينه
وعدالته وجهل اسمه ونسبه
أخبرنا بشرى بن عبد الله الرومي قال أنا أحمد بن جعفر بن حمدان
قال ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال ثنا وكيع
قال ثنا القاسم بن الفضل قال حدثني ثمامة بن حزن القشيري قال
سألت عائشة عن النبيذ فقالت هذه خادم رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم لجارية حبشية فاسألها2 فقالت: كنت انبذ لرسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم في سقاء عشاء فأوكيه عشاء فإذا أصبح
شرب منه.
حدثني محمد بن عبيد الله المالكي عن القاضي أبي بكر محمد بن
الطيب قال ومن جهل اسمه ونسبه وعرف فإن عدل رضا وجب قبول خبره
لأن الجهل باسمه لا يخل [بالعلم] بعدالته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 قط: فسلها.
ص -534 - ...
باب في الراوي يقول: ثنا فلان أو فلان هل يصح الاحتجاج بحديثه
ذلك؟!
إن كان كل واحد من الرجلين اللذين سماهما عدلا فإن الحديث ثابت
والاحتجاج به جائز لأنه قد عينهما وتحقيق سماع ذلك الحديث من
أحدهما وكلاهما ثابت العدالة.
ومثال ذلك ما أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي
قال ثنا أبو العباس محمد بن أحمد بن حمدان النيسابوري بخوارزم
قال أملى علينا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي قال ثنا
أبو صالح الفراء محبوب بن موسى قال أنا أبو إسحاق الفزاري قال
ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء أو عن زيد بن وهب أن
سويد بن غفلة الجعفي دخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في
إمارته فقال يا أمير المؤمنين إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر
وعمر بغير الذي هما له أهل من الإسلام لأنهم يرون أنك تضمر
لهما على مثل ذلك وإنهم لم يجترئوا على ذلك إلا وهم يرون إن
ذلك موافق لك وذكر حديث خطبة علي وكلامه في أبي بكر وعمر رضي
الله عنهم.
وقوله في آخره ألا ولن1 يبلغني عن أحد يفضلني عليهما إلا جلدته
حد المفترى.
قال أبو عبد الله البوشنجي هذا الحديث الذي سقناه ورويناه من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: ولا.
ص -535- ... الأخبار الثابتة لأمانة حماله
وثقة رجاله وإتقان آثريه1 وشهرتهم بالعلم في كل عصر من إعصارهم
إلي حيث بلغ من نقله إلى الإمام الهادي علي بن أبي طالب رضي
الله عنه حتى كأنك شاهد حول المنبر وعلي فوقه وليس مما يدخل
إسناده وهم ولا ضعف لقول الراوي عن أبي الزعراء أو عن زيد بن
وهب لما لعله نوهمه شكا فيه وليس مثل هذا الشك يوهن الخبر ولا
يضعف به الأثر لأنه حكاه عن أحد الرجلين وكل منهما ثقة مأمون
وبالعلم مشهور إنما لو كان الشك فيه أن يقول: عن أبي الزعراء
أو عن غيره كان الوهن يدخله إذ لا يعلم2 الغير من هو فأما إذا
صرح الراوي وأفصح بالناقلين فإن عن أحدهما فليس هذا بموضع
ارتياب تفهموا3 رحمكم الله.
قال أبو بكر قد مثل أبو عبد الله البوشنجي الشك الذي يوهن
الخبر بما أغنى عن كلامنا فيه وبمثابته بل أشد وهنا منه أن
يكون شك الراوي في سماعه الحديث من زيد أو عمرو بعينهما
واحدهما ثقة والآخر ثابت الجرح مثل ما أخبرنا القاضي أبو بكر
أحمد بن الحسن الحرشي قال أنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم
قال ثنا العباس بن الوليد قال أنا ابن شعيب4 قال أخبرني روح بن
جناح عن عبد الملك بن حسين النخعي فإن أخبرهم عن قزعة أو عن
عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري فإن قال أصبنا سبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: آثرته.
2 قط: لانعلم.
3 قط: فتفهموا.
4 هو محمد بن شعيب بن شابور أبو عبد الله، وفي ترجمته من
"التهذيب" رواية العباس عنه، وكذا في ترجمة العباس، وفي ترجمة
روح ابن جناح رواية محمد بن شعيب عنه، ووقع في صف: أبو شعيب
"ح".
ص -536 - ... أوطاس وهو سبي حنين فأردنا أن
نتمتع بهن وقد كان بأيدي الناس منهن1 سبايا فسألنا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فسكت ثم قال: "استبرئوهن
بحيضة".
وإنما كان هذا أشد وهنا من الحديث الذي يعين فيه أحد الرجلين
وهو ثقة ثم يقال2: أو غيره لأن الغير الذي لم يسم لا يعرف أهو
عدل أم لا مع احتمال حاله الأمرين معا والحديث الذي ذكرناه
آنفا سمي فيه رجلان أحدهما ثقة وهو قزعة والآخر ثابت الجرح وهو
عطية فقد ارتفعت الجهالة بعدالته وثبت العلم بجرحه فحاله لا
يحتمل إلا الجرح وهو أسوأ حالا ممن احتمل الجرح وغيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: منهم.
2 قط: قال.
باب في المحدث يروي حديثا عن
الرجلين أحدهما مجروح هل يجوز للطالب أن يسقط اسم المجروح؟!
ويقتصر على حمل الحديث عن الثقة وحده؟
مثال ذلك ما أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري قال أنا أبو العباس
محمد بن يعقوب الأصم قال أنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم
المصري قال أنا عبد الله بن وهب قال أخبرني بن لهيعة وابن جريج
عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال رأيت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم رمى جمرة العقبة أول يوم ضحى وهي واحدة
وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس.
ص -537- ... وهكذا: لو كان الحديث عن الليث
بن سعد وابن لهيعة أو عن عمرو بن الحارث وابن لهيعة فإن ابن
لهيعة مجروح ومن عداه كلهم ثقة ولا1 يستحب للطالب أن يسقط
المجروح ويجعل الحديث عن الثقة وحده خوفا من أي يكون في حديث
المجروح ما ليس في حديث الثقة وربما كان الراوي قد أدخل أحد
اللفظين في الآخر أو حمله2 عليه.
وقد سئل أحمد بن حنبل عن مثل هذا في الحديث يروى عن ثابت
البناني وأبان بن أبي عياش عن أنس فقال فيه نحوا مما ذكرنا.
قرأت على إبراهيم بن عمر البرمكي عن عبد العزيز بن جعفر قال
ثنا أبو بكر الخلال قال أخبرني حرب بن إسماعيل أن أبا عبد الله
قيل له فإذا كان الحديث عن ثابت وأبان عن أنس يجوز أن أسمي
ثابتا وأترك أبانا قال لا لعل في حديث أبان شيئا ليس في حديث
ثابت وقال إن كان هكذا فأحب أن يسميهما.
وكان مسلم بن الحجاج في مثل هذا ربما يسقط3 المجروح من الإسناد
ويذكر الثقة ثم يقول: وآخر كناية [يكنى]4 به عن المجروح.
وهذا القول لا فائدة فيه لأنه إن كان ذكر الآخر لأجل ما
اعتللنا به فإن خبر المجهول لا يتعلق5 به الأحكام وإثبات ذكره
وإسقاطه سواء إذ ليس بمعروف وإن كان عول على معرفته هو به فلم6
ذكره بالكناية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: فلا.
2 قط: وحمله.
3 قط: أسقط.
4 من صف.
5 قط: لا يتعلق.
6 قط: فلماذا.
ص -538 - ... عنه وليس بمحل الأمانة عنده
ولا أحسب إلا استجاز إسقاط ذكره والاقتصار على الثقة لأن
الظاهر اتفاق الروايتين على أن لفظ الحديث غير مختلف واحتاط مع
ذلك بذكر الكناية عنه مع الثقة تورعا وإن كان لا حاجة به إليه.
والله أعلم.
[آخر الجزء الحادي عشر] 1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط: وفيها بعده:
ويتلوه الذي يليه:
"باب فيمن سمع حديثين من رجلين، فحفظ عنها".
والحمد لله وحده، وصلواته على محمد وآله، وهو حسبنا ونعم
الزكيل.
ص -539- ... الجزء الثاني عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
رب زدني علما
[قال أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال]1:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
ص -540 - ...
باب فيمن سمع حديثا من رجلين فحفظه عنهما واختلط عليه لفظ
أحدهما بالآخر أنه لا يجوز إفراد روايته عن أحدهما
أخبرنا عبد العزيز بن علي الوراق قال أنا أبو بكر محمد بن أحمد
قال ثنا أبو بكر محمد بن أحمد المفيد قال ثنا الحسن بن علي بن
شبيب المعمري قال ثنا علي بن عبد الله بن جعفر قال ثنا سفيان
قال سمعت من عبدة بن أبي لبابة وسمعته من عبد الملك بن عمير
سمعاه من وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال كتب معاوية إلى
المغيرة أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وقد قال سفيان مرة أي شيء كان رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يقول: إذا قضى صلاته قال كان يقول: إذا قضى
[الصلاة1]: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله
الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت
ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" قال سفيان سمعته
من عبدة منذ تسع وستين سنة وسمعته من عبد الملك فاختلط على هذا
من هذا.
واستحب لمن أصابه مثل هذا أن يبينه خوفا من أن يفرق الطالب
روايته عنه في موضعين يفرده في كل واحد منهما عن أحد الشيخين
ظنا منه أنهما اتفقا في روايته على لفظ واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
ص -541 - ...
باب القول فيمن روى حديثا ثم نسيه هل يجب العمل به أم لا؟!
مثال ذلك ما أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن1 الحيري قال
ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم قال أنا الربيع بن سليمان
قال أنا الشافعي قال أنا ابن عيينة عن عمرو [بن دينار2] عن أبي
معبد عن ابن عباس قال كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم بالتكبير قال عمرو بن دينار ثم ذكرته لأبي معبد
بعد فقال لم أحدثكه قال عمر وقد حدثنيه قال وكان من أصدق موالي
ابن عباس قال الشافعي كأنه نسيه بعد ما قد حدثه إياه.
أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي
قال ثنا أبو عبد الله الحسين بن يحيى بن عياش المتوثي قال ثنا
علي بن مسلم الطوسي قال ثنا وهب يعني ابن جرير قال أخبرنا شعبة
قال سمعت عبد الرحمن بن القاسم قال كان زوج بريرة عبدا قال
شعبة لقيته بواسط فسألته عنه فلم يعرفه.
وقد اختلف الناس في العمل بمثل هذا وشبهه فقال أهل الحديث
وعامة الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وغيرهما وجمهور
المتكلمين إن العمل به واجب إذا كان سامعه حافظا والناسي له
بعد روايته عدلا وهو القول الصحيح وزعم المتأخرون من أصحاب أبي
حنيفة فإن لا يجب قبول الخبر على هذا السبيل ولا العمل به
قالوا ولهذا لزم اطراح حديث الزهري في المرأة تنكح بغير إذن
وليها وحديث سهيل بن أبي صالح في القضاء باليمين مع الشاهد
لأنهما لم يعترفا به لما ذكراه واعتلوا لذلك بما سنذكره بعد إن
شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: الحسين: خطأ "ح".
2 من قط.
ص -542- ... وقد أخبرنا بحديث الزهري أبو
الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعدل قال أنا أبو
سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان [حدثنا أبو
إسماعيل الترمذي حدثنا زياد بن أيوب أبو هاشم حدثنا إسماعيل بن
علية1] قال ثنا ابن جريج قال أخبرني سليمان بن موسى عن الزهري
عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا
نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن أصابها فلها
مهرها بما أصاب منها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له"
وقال ابن جريج فلقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه
وقال زياد بن أيوب دلويه سقط علي في الحديث عروة لم أفهم من
إسماعيل [وعروة"1"] فيه ثابت.
وأما حديث سهيل فأخبرناه الحسن بن أبي بكر قال أنا أبو سهل بن
زياد القطان قال ثنا إسماعيل بن إسحاق قال ثنا يحيى الحماني
قال ثنا عبد العزيز بن محمد وسليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي
عبد الرحمن عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قضى بشاهد ويمين قال عبد العزيز فلقيت سهيلا
فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه فإن إذا كان راوي الخبر الذي
نسيه عدلا والذي حفظه عنه عدلا2 فإنهما لم يحدثا إلا بما سمعاه
ولو احتملت حالهما غير ذلك لخرجا عن حكم العدالة [وكان السهو3]
والنسيان غير مأمون على الإنسان ولا يستحيل أن يحدثه وينسى أنه
قد حدثه وذلك غير قادح في أمانته ولا تكذيب لمن يري عنه.
ولهذا كان سهيل بعد أن نسي حديثه وذكره له ربيعة يقول: حدثني
ربيعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قط.
2 قط: عدل.
3 من قط.
ص -543- ... عني عن أبي ويسوق الحديث
أخبرناه عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران الواعظ قال
ثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي بمكة قال ثنا
أبو يحيى بن أبي مسرة قال ثنا أحمد بن محمد الأزرق قال ثنا
الدراوردي عن ربيعة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم قضى باليمين مع الشاهد قال الدراوردي ثم
أتيت سهيلا فسألته عن هذا الحديث فقال حدثني ربيعة عني عن أبي
ثم ذكره لي. وقد روى جماعة من أهل العلم أحاديث ثم نسوها
وذكروا بها فكتبوها عمن حفظها عنهم وكانوا يروونها ويقول كل
واحد منهم حدثني فلان عني عن فلان بكذا وكذا ويسوقون تلك
الأحاديث وقد جمعناه في كتاب أفردناه لها.
وهذا كله يدل على أنهم كانوا يجوزون نسيانهم تلك الأخبار وأنه1
كان غير مستحيل عليهم فلا يوجبون لأجله رد خبر العدل ولا القدح
فيه.
أخبرنا بشرى بن عبد الله الرومي قال ثنا أحمد بن جعفر بن حمدان
قال ثنا محمد بن جعفر الراشدي قال ثنا أبو بكر الأثرم قال: قلت
لأبي عبد الله أحمد بن حنبل يضعف الحديث عندك بمثل هذا أن يحدث
الرجل الثقة بالحديث عن الرجل فيسأله عنه فينكره ولا يعرفه
فقال لا ما يضعف عندي بهذا فقلت مثل حديث الولي ومثل حديث
اليمين مع الشاهد فقال قد كان معتمر يروي عن أبيه عن نفسه عن
عبيد الله بن عمر قلت لأبي عبد الله من روى هذا عن معتمر قال
بعض أصحابنا بلغني عنه.
أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر الداودي قال أنا علي بن عمر
الحافظ قال ثنا محمد بن مخلد قال ثنا جعفر بن أحمد بن سام قال:
قلت لأبي عبد الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: وأن ذلك.
ص -544- ... حبيش بن مبشر الفقيه حديث
عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" قال
يحيى بن معين يصححه: "فان اشتجروا فإن السلطان ولي من لا ولي
له" فقلت هذا من كلام عائشة؟ فقال لا هذا من كلام النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ولو لم يكن هذا الحديث ما كان السلطان ولي
من لا ولي له عند الناس كلهم فقلت فابن جريج يقول: سألت الزهري
فلم يعرفه فقال نسي الزهري هذا الحديث كما نسي ابن عمر حديث
صلاة القنوت وكما نسي سمرة حديث العقيقة ولم يقل هذا عن الزهري
غير ابن عليه عن ابن جريج كذا قال يحيى بن معين.
ويدل على صحة ما ذكرناه أيضا أنه ليس من شرط العمل بالخبر ذكر
راويه له وعلمه بأنه قد حدث به لأنه لو كان كذلك لم يجب العمل
بخبر المريض والمغلوب على عقله والميت بعد روايته لأنه ليس أحد
من هؤلاء يعلم أنه روى ما يروى عنه فالسهو والنسيان دون هذه
الأمور وأيضا فإن أهل العلم كافة اتفقوا على العمل باللفظ
الزائد في الحديث إذا قال راويه لا أحفظ هذه اللفظة وأحفظ إني
رويت ما عداها وكذلك سبيل نسيانه لرواية جميع الحديث لأنه غير
معصوم من النيسان والراوي عنه ضابط عدل فوجب قبول خبره.
فإن قال المخالف قولنا في اللفظ الزائد كقولنا في جميع الحديث
قيل هذا شيء لا نعلم أحدا قال به فركوبه باطل ولو جاز ركوب ذلك
لوجب جواز مثله إذا قال الراوي لا أذكر أني رويت هذا الحديث
على هذا الإعراب متى روى عنه بإعراب يوجب حكما ولو أسقط1 لم
يوجب ذلك الحكم فلا خلاف في أن نسيانه لإعراب لفظ الخبر لا
يوجب رد الخبر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قط: ولو أسقطه.
ص -545- ... فإن قال: الفرق بين نسيان
اللفظ من الحديث ونسيان إعرابه وبين نسيان الحديث بأسره [إن
مثل نسيان اللفظ والإعراب يجوز في العادة ولا يجوز نسيان
الحديث بأسره]1.
قيل أي عادة في ذلك بل المعتاد كون ذلك اجمع على طريقة واحدة
وإنما يختلف بأن نسيان جملة الحديث أقل من نسيان اللفظة منه
وإذا كان الأمر كذلك ثبت ما قلناه.
أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد المتوثي قال أنا عبد الله بن
إسحاق البغوي قال ثنا أبو زيد بن طريف قال ثنا محمد بن عبد
الله بن نمير قال سمعت أبا خالد الأحمر يقول: سمعت الأعمش
يقول: سمعت من أبي صالح ألف حديث ثم مرضت فنسيت بعضها.
أخبرنا ابن الفضل قال أنا عبد الله بن جعفر قال ثنا يعقوب بن
سفيان قال ثنا أبو بكر يعني الحميدي قال ثنا أبو معاوية الضرير
قال ثنا سفيان ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله
تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً} قال تدور دورا
فسألنا سفيان عنه فقال لا أحفظه.
أخبرنا أبو القاسم الأزهري قال أنا محمد بن العباس الخزاز قال
أنا إبراهيم بن محمد الكندي قال ثنا أبو موسى محمد بن المثنى
قال سمعت رياح بن خالد يقول: لسفيان فإني في مسجد الحرام سنة
إحدى وتسعين يا أبا محمد أبو معاوية يحدث عنك بشيء ليس تحفظه
ووكيع يحدث عنك بشيء ليس تحفظه فقال صدقهم فإني كنت قبل اليوم
أحفظ مني اليوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من: قط.
ص -546 - ... وقد اعتل المخالف بأن كمال العقل يمنع من نسيان
جميع الحديث إذا ذكر فإن حدث به في مجلس كذا في موضع كذا في
وقت كذا وهذا باطل لأن كل عاقل يعلم بمستقر العادة إن كامل
العقل ينسي ما هو أكثر من ذلك فلا يعتبر بهذه الدعوى واعتل
أيضا بأن الراوي إذا نسي الخبر ولم يذكر فإن من سماه حرم عليه
العمل بموجبه وعمل غيره تبع لعمله به فإذا حرم عليه ذلك حرم
على غيره فيقال له ومن الذي يسلم لك ما ذكرته بل ما أنكرت من
وجوب عمله إذا نسيه وأخبره به العدل عنه فإن هذا هو الواجب
عليه على أن ما ذكره لو كان صحيحا لوجب إذا حرم على العالم
العمل بما كان أفتى العامي به إذا غلب على ظنه أن الحق في غير
ما أفتاه أن يحرم على العامي العمل بما أفتاه به وإذا حرم على
الحاكم العمل بشهادة الواحد حرم على الشاهد إقامتها وذلك باطل
فسقط ما قاله. |