معرفة علوم الحديث ط احياء العلوم

ذكر النوع الرابع عشر من معرفة علوم الحديث: "معرفة التابعين"
النوع الرابع عشر من هذا العلم معرفة التابعين. وهذا نوع يشتمل على علوم كثيرة فإنهم على طبقات في الترتيب، ومهما غفل الإنسان عن هذا العلم لم يفرق بين الصحابة1 والتابعين، ثم لم يفرق أيضًا بين التابعين وأتباع التابعين. قال الله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}2.
وقد ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثناه أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ببغداد وأبو العباس محمد بن يعقوب الأموي بنيسابور وأبو أحمد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش، صف: "بين بعض الصحابة".
2 سورة التوبة، آية 100.

 

ص -87-         بكر بن محمد1 الصيرفي بمرو قالوا حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي حدثنا أزهر بن سعد ثنا بن عون عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"2 فلا أردي أذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قرنه قرنين أو ثلاثة.
قال الحاكم3: هذا حديث مخرج في الصحيح لمسلم بن الحجاج وله علة عجيبة.
حدثناه محمد بن صالح بن هانئ ثنا محمد بن نعيم ثنا عمرو بن علي ثنا أزهر ثنا بن عون عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"خير الناس قرني". قال: فحدثني به يحيى بن سعيد. فقال: ليس في حديث بن عون عن عبد الله. فقلت له: بلى فيه. قال: لا. فقلت4: إن أزهر ثنا عن بن عون عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال: رأيت أزهر جاء بكتابه ليس فيه عن عبد الله قال عمرو بن علي: فاختلف إلى أزهر قريبًا من شهرين للنظر فيه.
فنظر في كتابه ثم خرج فقال: لم أجده إلا عند عبيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فخير الناس قرنًا بعد الصحابة من شافه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ عنهم الدين والسنن وهم قد شهدوا الوحي والتنزيل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في خ، ش، صف: "أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي".
2 رواه البخاري بغير لفظ المصنف عن عمران بين حصين في كتاب الشهادات باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد. ورواه أيضًا في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بسند المصنف ولفظه فيه:
"خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته" 5/ 3. ورواه مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذبن يلونهم 4/ 1962-1963. ورواه ابن ماجه في سننه في كتاب الأحكام باب كراهية الشهادة لمن لم يستشهد 2/ 791. ورواه أحمد في مسنده 1/ 378، 417، 434و 2/ 228، 410و 4/ 267، 427.
3 زيادة في خ.
4 ش، صف: "قلت".

 

ص -88-         فمن الطبقة الأولى من التابعين:
وهم قوم لحقوا العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ويعدهم جماعة من الصحابة. فمنهم سعيد بن المسيب وقيس بن أبي حازم وأبو عثمان النهدي وقيس بن عباد وأبو ساسان حضين ابن المنذر وأبو وائل شقيق بن سلمة وأبو رجاء العطاردي وغيرهم.
والطبقة الثانية من التابعين:1
الأسود بن يزيد وعلقمة بن قيس ومسروق بن الأجدع وأبو سلمة بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وغيرهم من هذه الطبقة2.
والطبقة الثالثة من التابعين:
عامر بن شراحيل الشعبي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وشريح بن الحارث وأقرانهم من هذه الطبقة.
وهم3 طبقات خمس عشرة طبقة آخرهم من لقي أنس بن مالك من أهل البصرة، ومن لقي عبد الله بن أبي أوفى من أهل الكوفة، ومن لقي السائب بن يزيد من أهل المدينة، ومن لقي عبد الله بن الحارث بن جزء من أهل مصر، ومن لقي أبا أمامة الباهلي من أهل الشام.
أخبرنا أبو جعفر البغدادي4 ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا علي بن المديني قال: آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة سهل بن سعد الساعدي وآخر من بقي بالبصرة أنس بن مالك، وآخر من بقي بالكوفة أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي من بني سواءة بن عامر، وآخر من بقي بالشام عبد الله بن بسر المازني من بني مازن بن منصور، وآخر من بقي بمصر. عبد الله بن الحارث بن جزء.
حدثنا سفيان قال: قلت للأحوص بن حكيم: أكان أبو أمامة آخر من مات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زيادة في خ، ش وصف.
2 قد سقط ما بين النجيمين عن خ، ش وصف.
3 ظ، خ، ش، صف: "ثم هم".
4 خ، ش، صف: هو محمد بن محمد بن عبد الله.

 

ص -89-         عندكم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: آخر كان بعده يقال له ابن بسر وقد رأيته ورأيت أنس بن مالك على حمار بين الصفا والمروة. وقال علي: وآخر من مات بمكة ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي ويقال له الحماني.
فأما الفقهاء السبعة من أهل المدينة فسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر وعروة بن الزبير وخارجة بن زيد1 بن ثابت وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار.
فهولاء الفقهاء السبعة عند الأكثر من علماء الحجاز2.
وأخبرنا أحمد بن علي المقرئ ثنا أبو العوام محمد بن عبد الله بن عبد الجبار المرادي بمصر حدثنا خالد بن نزار الأيلي ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: أدركت من فقهائنا الذي ينتهى إلى قولهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبا بكر3 بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله وسليمان بن يسار هم4 أهل فقه وصلاح وفضل، وقد ذكر5 سالم بن عبد الله أيضًا فيهم بدلًا عن أبي بكر عبد الرحمن وأبي سلمة بن عبد الرحمن.
أخبرني أبو أحمد علي بن محمد بن عبد الله المروزي ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: سمعت علي بن المديني يقول: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: فقهاء أهل المدينة اثنا عشر: سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر وحمزة بن عبد الله بن عمر وزيد بن عبد الله بن عمر وعبيد الله بن عبد الله بن عمر وبلال بن عبد الله بن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، خ: "يزيد".
2 لم يوجد ما بين النجيمين في خ، ش وصف.
3 في النسخ كلها: "أبو بكر" والصواب كما أثبتناه.
4 ش، صف: "وهم".
5 خ، ش، صف: "يذكر".

 

ص -90-         عمر وأبان بن عثمان بن عفان وقبيصة بن ذؤيب وخارجة بن زيد بن ثابت وإسماعيل بن زيد بن ثابت.
فأما المخضرمون من التابعين هم1 الذين أدركوا الجاهلية وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست لهم صحبة، فهم2 أبو رجاء العطاردي وأبو وائل الأسدي وسويد بن غفلة وأبو عثمان النهدي وغيرهم من التابعين.
قرأت3 بخط مسلم بن الحجاج رحمه الله ذكر من أدرك الجاهلية ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه صحب الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، منهم أبو عمرو الشيباني، سعد بن إياس ومنهم سويد بن غفلة الكندي يكنى أبا أمية ومنهم شريح بن هانئ الحارثي ومنهم يسير بن عمرو ويقال: أسير بن عمرو وأهل البصرة يقولون: ابن4 جابر ومنهم عمرو بن ميمون الأودي ويكنى أبا عبد الله ومنهم الأسود بن يزيد النخعي ويكنى أبا عمرو5 ومنهم الأسود هلال المحاربي من ساكني الكوفة ومنهم المعرور بن سويد ومنهم عبد خير بن يزيد الخيواني أبو عمارة ومنهم شبيل بن عوف الأحمسي ومنهم مسعود بن حراش أخو ربعي بن حراش ومنهم مالك بن عمير ومنهم أبو عثمان النهدي واسمه عبد الرحمن بن مل ومنهم أبو رجاء العطادري واسمه عمران بن تميم ومنهم غنيم بن قيس ويكنى أبا العنبر ومنهم أبو رافع الصائغ ومنهم أبو الحلال العتكي واسمه ربيعة بن زرارة ومنهم خالد بن عمير العدوي ومنهم ثمامة بن حزن القشيري ومنهم جبير بن نفير الحضرمي.
قال الحاكم6 فبلغ عدد من ذكرهم7 مسلم رحمه الله من المخضرمين عشرين رجلًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، خ، ش، صف: "وهم".
2 خ، ش، صف: "منهم".
3 ش، صف: "فرأيت".
4 خ، ش، صف: "أبو جابر" والصواب: "ابن جابر" كما في الأصل.
5 زيادة في ش وصف.
6 زيادة في خ، ش، وصف.
7 زيادة في خ و ش.

 

ص -91-         فحدثني بعض مشائخنا من الأدباء أن المخضرم اشتقاقه من أن أهل الجاهلية كانوا يخضرمون آذان الإبل أي1 يقطعونها لتكون علامة لإسلامهم إن أغير عليهم أو حوربوا2.
ومن التابعين بعد المخضرمين طبقة ولدوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوا منه. منهم يوسف بن عبد الله بن سلام ومحمد بن أبي بكر الصديق وبشير بن أبي مسعود الأنصاري3 وأمامة بن سهل بن حنيف وعبد الله بن عامر بن كريز وسعيد بن سعد بن عبادة والوليد بن عبادة بن الصامت وعبد الله بن عامر بن ربيعة وعبد الله بن ثعلبة بن صعير وأبو عبد الله الصنابحي وعمرو بن سلمة الجرمي وعبيد بن عمير وسليمان بن ربيعة وعلقمة بن قيس4.
وطبقة تعد في التابعين ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة. منهم إبراهيم بن سويد النخعي وإنما روايته الصحيحة عن علقمة والأسود ولم يدرك أحدًا من الصحابة وليس هذا بإبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه، وبكير بن أبي السميط لم يصح له عن أنس رواية، إنما أسقط قتادة من الوسط، وبكير بن عبد الله بن الأشج لم يثبت سماعه من عبد الله بن الحارث بن جزء وإنما رواياته5 عن التابعين وثابت بن عجلان الأنصاري لم يصح سماعه من ابن عباس إنما يروي عن عطاء وسعيد بن جبير عن ابن عباس وسعيد بن عبد الرحمن الرقاشي وأخوه واصل أبو حرة لم يثبت سماع واحد منهما من أنس.
وطبقة عدادهم عند الناس في أتباع التابعين وقد لقوا الصحابة. منهم أبو الزناد عبد الله بن ذكوان وقد لقي عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبا أمامة بن سهل، وهشام بن عروة وقد أدخل على عبد الله بن عمر وجابر عبد الله، وموسى بن عقبة وقد أدرك أنس بن مالك وأم خالد1 بنت خالد بن سعيد بن العاص.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زيادة في خ، ش.
2 نسب ابن المنظور هذا الكلام لإبراهيم الحربي "انظر لسان العرب 12/ 185".
3 زيادة في ظ، خ، ش وصف.
4 ذكرهم محقق تدريب الراوي 2/ 239-240.
5 خ، ش، صف: "روايته".

 

ص -92-         ذكر النوع الخامس عشر من معرفة علوم الحديث: "أتباع التابعين"
وهو1 معرفة أتباع التابعين، فإن غلط من لا يعرفهم يعظم أن يعدهم الطبقة الرابعة أو لا يميز فيجعل بعضهم من التابعين كما قدمنا ذكره، وقد ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه العدل أنا هشام بن علي السدوسي أن موسى بن إسماعيل حدثهم حدثنا أبان بن يزيد عن أبي جمرة عن زهدم الجرمي عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"خير الناس القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم ينشأ قوم يشهدون ولا يستشهدون ويحلفون ولا يستحفلون ويخونون ولا يؤتمنون يفشو فيهم السمن"2.
قال3 الحاكم: فهذه صفة أتباع التابعين إذ جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في خ، ش، صف: مصدر بالعبارة "قال الحاكم".
2 رواه البخاري في صحيحيه بنفس إسناد المصنف في كتاب الشهادات باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، ولفظه فيه:
"خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بعدكم قومًا يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يفون ويظهر فيهم السمن" "3/ 224".
3 زيادة في ظ، خ، ش وصف.

 

ص -93-         بعد الصحابة والتابعين المنتخبين وهم الطبقة الثالثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم جماعة من أئمة المسلمين وفقهاء الأمصار مثل مالك بن أنس الأصبحي وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي وسفيان بن سعيد الثوري وشعبة بن الحجاج العتكي وابن جريج.
ثم يعد أيضًا فيهم جماعة من تلامذة هؤلاء الأئمة الذين ذكرناهم مثل يحيى بن سعيد القطان وقد أردك أصحاب أنس، وعبد الله بن المبارك وقد أدرك جماعة من التابعين، ومحمد بن الحسن الشيباني ممن روى الموطأ عن مالك وقد أدرك جماعة من التابعين، وإبراهيم بن طهمان الزاهد وقد أدرك جماعة من التابعين.
وفي هذه الطبقة جماعة يشتبه على المتعلم أساميهم فيتوهمهم من التابعين لنسب1 يجمعهم أو غير ذلك بما2 يشتبه على غير المتبحربن في هذا العلم، مثل إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص ولم يسمع من أحد من الصحابة وربما نسب إلى جده فيتوهمه الراوي بحديثه إبراهيم بن سعيد بن أبي وقاص وهو تابعي كبير عنده عن أبيه وغيره من الصحابة، ومنهم حفص بن عمر بن سعد القرظ وسعد صحابي وحفص لم يسمع من جده ولا غيره3 من الصحابة وربما نسب إلى جده فيتوهمه الواهم4 أنه تابعي، ومنهم الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم، وهو الذي يعرف بحسين الأصغر الذي يروي عنه عبد الله بن المبارك وغيره، وربما قال الراوي عن حسين بن علي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيشتبه على من لا يتحقق أنه مرسل ويتوهمه من التابعين وليس كذلك فإن ولد علي بن الحسين زيد العابدين ستة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش، صف: "لسبب" وهو تصحيف.
2 ظ، خ، ش، صف "مما".
3 ظ، خ، ش، صف: "من غيره".
4 خ، ش، صف: "المتوهم" وفي ظ: "فيتوهمه الراوي تابعيًّا" موضع: "فيتوهمه الواهم أنه تابعي".

 

ص -94-         منهم حدثوا: محمد وعبد الله وزيد وعمر وحسين وفاطمة وليس فيهم تابعي غير محمد وهو أبو جعفر1 باقر العلوم، ومنهم سعيد بن أبي خيرة البصري كثير الرواية عن الحسن وقد أرسل عن سعيد عن أبي هريرة وأنس وإنما يكون بينهما الحسن والراوي عن سعيد داؤد بن أبي هند وهو تابعي سمع من أنس بن مالك فربما خفي2 عن طالب الحديث فيقول: هذا شيخ داؤد وعند3 داؤد عن أنس فلا ينكر أن يكون هذا تابعيًّا وليس كذلك فإنه من الأتباع، ومنهم سليمان الأحول وهو سليمان بن أبي مسلم المكي وربما روى4 عنه عن ابن عباس فيتأمل الراوي حاله فقول: هذا كبير وهو خال عبد الله بن أبي نجيح لا ينكر أن يلقى الصحابة وليس كذلك فإنه من الأتباع ورواياته عن طاؤس عن ابن عباس، ومنهم سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وعداده في المصريين صاحب حديث الأضحية كبير السن والمحل، روى عنه عمرو بن الحارث وشعبة والليث وقد قيل عنه البراء بن عازب، فإذا تأمل الراوي محله وسنه وجلالة الرواة عنه لا يستبدع5 كونه من التابعين وليس كذلك فإن بينه وبين البراء عبيد بن فيروز، ومنهم سليمان بن يسار الذي يروي عنه سليمان بن بلال وبن أبي ذئب وهذا شيخ من أهل المدينة يقال له صاحب المقصورة، فربما خفي على من ليس هذا العلم من صنعته ويروي6 رواية أتباع التابعين عنه فيتوهمه سليمان بن يسار مولى ميمونة سابع الفقهاء السبعة وكان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الحاكم7: فقد ذكرنا هذه الأسامي ليستدل بها على جماعة من أتباع التابعين لم نذكرهم ويعلم بذلك أن معرفة الأتباع نوع كبير من هذا العلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: "أبو جعفر محمد الباقر" موضع. "أبو جعفر باقر العلوم".
2 خ، ش، صف: "علي".
3 خ، ش، صف: "عنه".
4 خ، ش، صف: "يروي".
5 أراد "يستبعد".
6 خ، ش: "فيرى رواته أتباع التابعين" موضع: "ويروي رواية أتباع التابعين".
7 زيادة في خ، ش وصف.

 

ص -95-         ذكر النوع السادس عشر من معرفة علوم1 الحديث: "الأكابر والأصاغر"
هذا2 النوع منه3 معرفة الأكابر من الأصاغر، وقد قال النبي صل الله عليه وسلم: "الكُبْرَ الكُبْرَ"4، وقال: "البركة مع أكابرهم".
وشرح هذه المعرفة أن طالب هذا العلم إذا كتب حديثًا لليث بن سعد عن عبد الله بن صالح لا يتوهم أن الراوي دون المروي عنه وكذلك إذا روى حديثًا ليحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك بن أنس5 والأعمش عن شعبة أو ابن جريج عن إسماعيل بن علية أو الزهري عن بهز بن حكيم أو الليث بن سعد عن أبي يوسف القاضي وما أشبه هذا.
فإني ذكرت ما حضرني في الوقت ومثاله في الروايات كثيرة، فمن فهم الطالب أن لا يقيس مثل هذه الرواية6 على الأقران7 أو الاستواء في الاسناد والسن فإن هذا النوع غير معرفة الأقران الذي نذكره بمشية الله بعد هذا.
والمثال الثاني لهذا النوع من العلم أن يروي العالم الحافظ المتقدم8 عن المحدث الذي لا يعلم غير الرواية على كتابه، فينبغي أن يعلم الطالب فضل التابع على المتبوع. مثال هذه رواية الثوري وشعبة عن الأعمش وأشباهه من المحدثين ورواية مالك بن أنس وابن أبي ذئب عن عبد الله بن دينار وأشباهه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش "علوم".
2 زيادة في خ، ش وصف.
3 زيادة في ظ، خ، ش وصف.
4 هو جزء من حديث رواه البخاري في صحيحه في كتاب الديات باب القسامة 9/ 11.
ورواه أبو داود في سننه في كتاب الديات باب القتل بالقسامة 4/ 177. ورواه النسائي في سننه في كتاب القسامة باب تبرئة أهل الدم في القسامة 8/ 5-8 ورواه أحمد في المسند 4/ 2-3.
5 خ، ش: "أو الأعمش".
6 ظ، خ: "الروايات".
7 خ، ش، صف: "وعلى الاستواء".
8 ظ، خ: "المقدم".

 

ص -96-         ورواية أحمد وإسحاق عن عبيد الله بن موسى وأشباهه، وليس في هؤلاء مجروح بل كلهم من أهل الصدق إلا أن الرواة عنهم أئمة حفاظ فقهاء1 وهم محدثون فقط.
قال الحاكم2: وقد رأيت أنا في زماننا من هذا النوع ما يطول ذكره. كان شيخنا وإمامنا أبو بكر بن إسحاق يروي عن أبي الحسن أحمد بن محمد الطرائفي وربما توهم المبتدئ أنه أستاذه، وكان فقيه عصرنا أبو الوليد يحدث عن أبي الطيب الذهلي وكان أبو علي الحافظ يحدث3 عن ابن بطة. فلا ينبغي أن يخفى على طالب هذا العلم، فقد صحت الرواية عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زيادة في ظ، خ و ش.
2 زيادة في خ، ش وصف.
3 خ، ش، صف: "يروي".