معرفة علوم الحديث ط احياء العلوم ذكر النوع العشرين من معرفة علوم الحديث: "معرفة
فقه الحديث"
النوع العشرون من هذا العلم -بعد معرفة ما قدمنا ذكره من صحة
الحديث إتقان2 ومعرفة لا تقليدًا وظنًّا- معرفة فقه الحديث إذ
هو ثمرة هذه العلوم وبه قوام الشريعة. فأما فقهاء الإسلام
أصحاب القياس والرأي والاستنباط والجدل والنظر فمعروفون في كل
عصر وأهل كل بلد، ونحن ذاكرون بمشيئة الله في هذا الموضع فقه
الحديث عن أهله ليستدل بذلك على أن أهل هذه الصنعة من تبحر
فيها لا يجهل فقه الحديث إذ هو نوع من أنواع هذا العلم.
فمن أشرنا إليه من أهل الحديث محمد بن مسلم الزهري3.
حدثنا محمد بن صالح بن هانئ قال: حدثنا إبراهيم بن أبي طالب
قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش: "رقية" والصواب: "رقبة" ذكره صاحب التهذيب.
2 ظ، ش، صف "إيقانًا".
3 هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي
الزهري أبو بكر، أحد الفقهاء السبعة، وأحد الأعلام الحفاظ
المشهورين. روى عن الصحابة وروى له الجماعة في كتبهم. مات سنة
124هـ. ولما مات دفن بـ "مالة" على قارعة الطريق ليمر مار
فيدعو له. والموضع الذي دفن فيه آخر أعمال الحجاز وأول أعمال
فلسطين.
"انظر: شذرات الذهب 1/ 162-163، والكاشف 3/ 96، والتقريب ص
318".
ص -113-
حدثني نوح1 بن حبيب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال:
حدثنا حماد بن
زيد عن برد عن مكحول قال: ما رأيت أحدًا أعلم بسنة ماضية من
الزهري.
أخبرنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ قال: أخبرنا محمد بن سعيد
الرازي2 قال ثنا محمد بن عبد الله المديني بعين زرية قال: ثنا
معن بن عيسى قال: حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب قال: إن هذا
العلم أدب الله الذي أدب به نبيه صلى الله عليه وسلم وأدب
النبي صلى الله عليه وسلم أمته به وهو3 أمانة الله إلى رسوله
ليؤديه على ما أدي إليه، فمن سمع علمًا فليجعله أمامه حجة فيما
بينه وبين نبيه4.
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن عبد الله
بن عبد الحكم قال: ثنا بن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن
شهاب قال: حدثني أبو بكر
بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أباه قال: سمعت عثمان بن
عفان رضي الله عنه يقول: "اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث،
وذكر الحديث بطوله".
قال بن شهاب: في هذا الحديث بيان أن لا خير في خل من خمر أفسدت
حتى يكون الله يفسدها عند ذلك يطيب الخل، ولا بأس على امرئ أن
يبتاع خلًّا وجده من أهل الكتاب ما لم يعلم أنها كانت خمرًا
فتعمدوا إفسادها بالماء، فإن5 كان خمرًا عمدوا ليكون خلًّا فلا
خير في أكل ذلك6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بهامش الأصل: "روح".
2 خ، ش، صف: "الرازي قاضي عسقلان".
3 الزيادة عن ظ يقتضيها سياق الكلام.
4 ظ، خ، ش، صف "وبين الله عز وجل".
5 بالأصل: "بان" وهو تحريف.
6 هذه المسألة خلافية، جاء في الهداية: "وإذا تخللت الخمر حلت
سواء صارت خلًّا بنفسها أو بشيء يطرح فيها، ولا يكره تخليلها.
وقال الشافعي: يكره التخليل ولا يحل الخل الحاصل به إن كان
التخليل بإلقاء شيء فيه قولًا واحدًا "وهو قول مالك وأحمد" وإن
كان بغير إلقاء شيء فيه فله في الخل الحاصل به قولان" "البناية
في شرح الهداية 11/ 454-455.
ص -114-
قال بن وهب: سمعت مالكًا يقول: سمعت بن شهاب سئل عن خمر جعلت
في قلة وجعل معها1 ملح وأخلاط كثيرة، ثم جعل في الشمس حتى عاد
مريًا يصطبغ به. قال بن شهاب: شهدت قبيصة بن ذؤيب ينهى أن يجعل
الخمر مريًا إذا أخذ وهو خمر.
ومنهم يحيى بن سعيد الأنصاري2.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار قال: حدثنا
إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا
حماد بن زيد قال: قدم أيوب من المدينة
فقيل له: من أفقه من خلفت بها؟ قال: يحيى بن سعيد.
حدثنا علي بن عيسى قال: ثنا إبراهيم بن أبي طالب، قال: حدثني
يحيى بن أكثم قال: ثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن عبيد3
الله بن عمر قال: كان يحيى بن سعيد يحدث كأنما ينسج علينا
اللؤلؤ.
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن عبد الله
بن عبد الحكم قال: أنا ابن وهب قال: أخبرني الليث بن سعد عن
يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال:
"والذي نفسي بيده ما لي مما أفاء الله عليكم شيء ولا مثل هذه
أو هذا إلا الخمس، والخمس مردود عليكم"4 قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش: "فيها".
2 هو يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الإمام أبو سعيد الأنصاي
المدني القاضي، تابعي علم مشهور، وهو أحد كبار فقهاء المدينة.
روى عنه كبار المحدثين والفقهاء كالأوزاعي ومالك وسفيان. قال
الثوري: كان يحيى أجل عند أهل المدينة من الزهري. وقال أحمد بن
حنبل: يحيى بن سعيد الأنصاري أثبت الناس. مات سنة 143هـ.
"انظر: مشاهير علماء الأمصار ص80، وتهذيب التهذيب 11/ 221،
وتاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة 141-160 ص331-335".
3 خ، ش، صف: "عبد الله بن عمر".
4 رواه النسائي في السنن في كتاب قسم الفيء ولفظه فيه: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أتى بعيرًا فأخذ من سنامه وبرة بين
إصبعيه ثم قال:
"إنه ليس لي من الفيء شيء ولا هذه إلا الخمس والخمس مردود فيكم"
7/ 131-132، ورواه الإمام أحمد في المسند 4/ 128، 5/ 316، 317،
319، 326. =
ص -115-
فسئل يعني يحيى عن النفل في أول مغنم، فقال: ذلك على وجه
الاجتهاد من الإمام وليس في ذلك أمر موقت ولا شيء ثابت، بلغنا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في بعض مغازيه ولم يبلغنا
أنه نفل في مغازيه كلها، فذلك عندنا على وجه الاجتهاد من
الإمام في أول مغنم وفيما بعده.
ومنهم عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي1.
سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول: سمعت العباس بن الوليد بن
مزيد يقول: سمعت عقبة بن علقمة يقول: سمعت موسى بن بشار وكان
قد صحب مكحولًا يقول: ما رأيت أحدًا قط أحد نظرًا ولا أنفى
للغل عن الإسلام من الأوزاعي.
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: أخبرنا العباس بن الوليد
البيروتي، قال: ثنا
أبو عبد الله بن بحر، قال: سمعت الأوزاعي، يقول: يجتنب أو يترك
من قول أهل العراق خمس ومن قول أهل الحجاز خمس: من قول أهل
العراق شرب المسكر والأكل عند الفجر في رمضان ولا جمعة إلا في
سبعة أمصار وتأخير صلاة العصر حتى يكون ظل كل شيء أربعة أمثاله
والفرار يوم الحزف، ومن قول أهل الحجاز استماع الملاهي والجمع
بين الصلاتين من غير عذر والمتعة بالنساء والدرهم بالدرهمين
والدينار بالدينارين يدًا بيد وإتيان النساء في أدبارهن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد أبو عمرو الأوزاعي، إمام أهل
الشام وفقيههم وعالمهم. مجتهد محدث ثقة جليل. روى له الجماعة
في كتبهم. كان رأسًا في العلم والعمل بارعًا بالكتابة والترسل.
ولد سنة 88هـ، وأخذ العلم عن كبار التابعين كعطاء. وأخذ عنه
كبار العلماء كالزهري وسفيان وشعبة ومالك وابن المبارك. سكن
بيروت ومات بها سنة 157 في شهر صفر. "انظر: تقريب التقريب
ص207، وشذرات الذهب 1/ 241-242، وتاريخ الإسلام حوادث سنة
141-160 ص483، والبداية والنهاية 10/ 120".
ص -116-
حدثني محمد بن صالح بن هانيء قال: حدثنا محمد بن عمرو بن النضر
الحرشي قال: ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: ثنا محمد بن
مصعب عن الأوزاعي عن مخلد بن الحسين أنه حدث عن أيوب السختياني
أنه قال: إذا حدثت الرجل بسنة فقال: دعنا من هذا وأجبنا عن
القرآن فاعلم أنه ضال. قال الأوزاعي: إن السنة جاءت قاضية على
الكتاب ولم يجئ الكتاب قاضيًا على السنة.
ومنهم سفيان بن عيينة الهلالي1.
سمعت أبا بكر محمد بن جعفر المزكي يقول: سمعت أبا بكر محمد بن
إسحاق يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول:
ما رأيت أفقه من ابن عيينة وأسكت عن الفتيا منه.
سمعت أبا الطيب الكرابيسي يقول: إبراهيم بن محمد بن يزيد
المروزي، يقول: سمعت علي بن2 خشرم يقول: كنا في مجلس سفيان بن
عيينة، فقال: يا أصحاب الحديث تعلموا فقه الحديث ولا يقهركم
أصحاب الرأي، ما قال أبو حنيفة شيئًا إلا ونحن نروي فيه حديثًا
أو حديثين قال: فتركوه وقالوا: عمرو بن دينار عمن؟
أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن العباس الخطيب بمرو قال:
حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن زاذان3 المروزي قال:
أخبرنا أحمد بن عصام قال: أنا نصر بن حاجب قال: سألت سفيان بن
عيينة عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمواساة: أهي لازمة
لهذه الأمة؟ فقال: كانت لازمة للأنصار فيما بايعهم عليه النبي
صلى الله عليه وسلم أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي أبو محمد
الكوفي الأعور ثم المكي، ثقة حافظ فقيه إمام حجة محدث الحرم
المكي، إلا أنه تغير حفظه بآخره. وكان ربما دلس لكن عن الثقات،
مات سنة 198هـ. "انظر: تقريب التقريب ص128-129، والكاشف 2/
379، وشذرات الذهب 1/ 354".
2 خ، ش: "علي بن أبي خشرم".
3 خ، ش، صف: "داثكاز" وبهامش الأصل "رائكار".
ص -117-
يواسوا المهارجين ففعلوا ذلك حتى نزلت آية الزكاة المفروضة، ثم
ذكر التطوع في الصدقة فوسع عليهم في ذلك إلا عند الضرورة حيث
لا يجد غيره. قيل لسفيان: كيف قسم النبي صلى الله عليه وسلم
للمهاجرين دون الأنصار وقد قاتلوا عليه جميعًا؟ قال: إنما فعل
ذلك لتقع المواساة عن الأنصار، ثم ترجع إلى الأنصار أموالهم
إذا استغنى عنهم المهاجرون فسقطت عن الأنصار المواساة إلا عند
الضرورة ونظر بذلك لهما جميعًا.
ومنهم عبد الله بن المبارك الحنظلى:1
أخبرنا أبو العباس السياري، قال: حدثنا عيسى بن محمد بن عيسى،
قال: ثنا العباس
بن مصعب قال: جمع عبد الله بن مبارك الحديث والفقه والعربية
وأيام الناس والشجاعة والتجارة والسخاء والمحبة عند الفرق.
سمعت أبا عبد الله محمد بن خيران بن الحسن الزاهد بهمذان يقول:
سمعت علي بن صالح الكرابيسي يقول: سمعت نصر بن طلبة يقول: سمعت
محمد بن أعين يقول: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ورب هذا البيت،
ما رأت عيناي مثل عبد الله بن المبارك.
سمعت علي بن حمشاذ العدل يقول: سمعت أحمد بن سلمة، يقول: سمعت
محمد بن مسلم بن وارة يقول: سمعت حبانا صاحب ابن المبارك يقول:
قلت لعبد الله بن المبارك قول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى
الله عليه وسلم حين نزل براءتها من السماء وبحمد الله لا بحمدك
إني لأستعظم هذا القول فقال: عبد الله ولت الحمد أهله2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو عبد الله بن المبارك الحنظلي مولاهم المروزي الفقيه
الحافظ الزاهد، أبو عبد الرحمن، ذو المناقب، صنف التصانيف
الكثيرة، له من الأحاديث نحوًا من عشرين ألف حديث، وهو من رواة
الجماعة. سكن خراسان، ومات بهيت على الفرات سنة 181هـ. "انظر
شذرات الذهب 1/ 295-297، وتقريب التقريب ص187، والكاشف 2/
123".
2 ش، صف: "قلت الحمد أهله" كذا.
ص -118-
سمعت أبا العباس أحمد بن هارون الفقيه يقول: سمعت يحيى بن
ساسويه يقول: سمعت أبا عمار يقول: سمعت عبد الله بن المبارك
وسئل عن قوله صلى الله عليه وسلم:
"كلابس ثوبي زور"1،
قال: الذي يلبس ما ليس له.
حدثنا بكر بن محمد الصيرفي بمرو قال: ثنا إسحاق بن الهياج
البلخي قال: ثنا أبو قدامة قال: سمعت الحسن بن الربيع يقول:
قال عبد الله بن المبارك في حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه
وسلم لقوله:
"استقيموا لقريش ما استقامت لكم"2.
تفسيره حديث أم سلمة:
"لا تقاتلوهم ما صلوا الصلاة".
ومنهم يحيى بن سعيد القطان:3
سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ يقول: سمعت عبد الله
بن بشر الطالقاني يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: سمعت4 يحيى بن
سعيد أثبت الناس، قال أحمد: وما كتبت عن مثل يحيى بن سعيد.
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: ثنا حنبل بن إسحاق بن
حنبل، قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم في صحيحه في كتاب اللباس والزينة باب النهي عن
التزوير في اللباس وغيره، والتشبع بما لم يعط وهو عن عائشة أن
امرأة قالت: يارسول الله، أقول: إن زوجي أعطاني ما لم يعطني؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"المتشبع بما لم يعط، كلابس ثوبي زور" 3/ 1681 ورواه الإمام أحمد في المسند 6/ 90، 167، 345، 346.
2 رواه أحمد في المسند بلفظه 5/ 277.
3 هو يحيى بن سعيد القطان البصري الحافظ أبو سعيد، أحد
الأعلام. ولد سنة 120هـ.
قال عنه أحمد بن حنبل: ما رأيت بعيني مثله. سيد الحفاظ في
زمانه، ممن مهد لأهل الحديث طرق الأخبار وحثهم على تتبع العلل
للآثار أخذ عنه ابن حنبل وابن معين وابن المديني وغيرهم. كان
من سادات أهل البصرة وقرائهم، كان يختم القرآن في كل يوم وليلة
ويدعو لألف إنسان من أهل العلم وإخوانه، مات سنة 198هـ "انظر:
مشاهير علماء الأمصار ص161-162، وشذرات الذهب 1/ 355، وتاريخ
الإسلام للذهبي وفيات سنة 191-200 ص362-471".
4 في ظ بإسقاط لفظ "سمعت" وفي غيرها بإثباته، يلوح لنا أن لفظ
"سمعت" هنا مكرر من يد الناسخ.
ص -119-
حدثنا علي بن المديني قال: سمعت يحيى بن سعيد ذكر عن ابن جريج
عن يعقوب
ابن عطاء عن عطاء عن ابن عباس في الإيلاء أنها واحدة بائنة،
قال فدخلت على أبيه1 فأنكره فخرجت إليه، فقال: قد سمعته منه أو
حدثني به، قال علي فقلت: ليحيى: فما تقول أنت؟ قال: حدثني
شعبة2 قال: حدثني ابن أبي نجيح علقمة3 في الإيلا قال: يوقف.
قال يحيى وقال عطاء عن ابن عباس قال: إن مضيت الأربعة الأشهر4
فهي واحدة بائنة.
قالت: وسألت يحيى عن العطاس فقال: كان شعبة يحدث عن ابن أبي
ليلى عن أبيه عن أيوب في العطاس. قال يحيى: والمستحب فيه ما
حدثنا ابن أبي ليلى، قال: حدثني أخي عن أبي عن علي قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله
على كل حال، وليقل5
له يرحمك الله، وليقل يهديكم الله، ويصلح بالكم"6
قال يحيى7: فرددته على ابن أبي ليلى غير مرة فقال: عن علي بن
أبي طالب رضي الله عنه.
ومنهم عبد الرحمن بن مهدي:8
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش، صف: "ابنه".
2 خ، ش، صف: "سعيد".
3 ظ، خ، ش، صف: "مجاهد".
4 بالأصل وأيضًا في ظ: "أشهر".
5 في النسخ كلها: "ليقال".
6 رواه البخاري في كتاب الأدب باب إذا عطس كيف يشمت عن أبي
هريرة ولفظه: $"إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له أخوه
أو صاحبه يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم
الله ويصلح بالكم" 8/ 61 ورواه الترمذي في أبواب الاستئنذان
والآداب باب ما جاء في كيف يشمت العاطس 4/ 178. ورواه ابن ماجه
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي وذلك في كتاب الأدب باب
تشميت العاطس 2/ 1224. ورواه أحمد في المسند 1/ 120، 122 و2/
353.
7 زيادة في ظ، خ و ش.
8 هو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم أبو سعيد
البصري اللؤلؤي الحافظ، أحد الأئمة. ولد سنة 135هـ، ثقة حافظ
عارف بالرجال والحديث. أخذ عنه ابن المبارك وابن وهب وأحمد بن
حنبل ويحيى وغيرهم. كان يملي من حفظه آلاف الآحاديث. توفي
بالبصرة شهر جمادى سنة 198هـ. "انظر: تقريب التهذيب ص210،
وتاريخ الإسلام حوادث سنة 191-200 ص279-288، والكاشف 2/ 165.
ص -120-
حدثني محمد بن صالح بن هانئ قال: ثنا محمد بن إسماعيل بن مهران
قال: حدثنا محمد بن أبي صفوان الثقفي قال: سمعت علي بن المديني
يقول: والله لو أخذت وحلفت بين الركن والمقام لحلفت بالله أني
لم أر قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي.
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن
حنبل، قال حدثني أبي قال: سألت عبد الرحمن بن مهدي عن رضاع
الكبير فقال: سمعت مالكًا يحدث عن نافع عن ابن عمر قال: لا
رضاعة إلا لصغير و1لا رضاعة لكبير.
حدثنا أبو العباس قال: ثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي
قال: سألت عبد الرحمن عن نحل2 الولد فقال: ثنا مالك عن الزهري
عن عروة عن عائشة أن أبا بكر نحلها جداد عشرين وسقا من ماله
بالغابة، قال أبي: كذا قال "بالغابة" وإنما هو "العالية".
قال: وسألت عبد الرحمن عن الآبق إذا سرق فقال: حماد بن سلمة
أخبرنا عن هشام بن عروة عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير
قال: يقطع الآبق3 إذا سرق، وقال حماد: سأل رجل هشام بن عروة
عنه فقال: لم أسمعه من أبي ولكن حدثني الثقة المأمون على ما
تغيب عنه يحيى بن سعيد.
ومنهم يحيى بن يحيى التميمي:4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زيادة في ظ و خ.
2 نحل: أي تبرع.
3 الآبق: الهارب.
4 هو يحيى بن يحيى بن بكر أبو زكريا التميمي المنقري
النيسابوري، ثقة ثبت إمام عصره. ولد بنيسابور سنة 142هـ. روى
عنه أئمة الحديث كالبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن راهويه
وغيرهم. طلبه المأمون للقضاء فأبى. توفي سنة 266هـ. "انظر:
تقريب التقريب ص380، والبداية والنهاية 10/ 294، وتاريخ
الإسلام وفيات سنة 221-230 ص459-463".
ص -121-
سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ يقول: سمعت يحيى بن
محمد بن يحيى الشهيد يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنلظي
يقول: ما رأيت مثل يحيى بن يحيى ولا أحسب أن يحيى بن يحيى رأى
مثل نفسه1.
سمعت أبا عبد الله يقول: سمعت يحيى بن محمد يقول: ما رأيت
محدثًا أورع من يحيى بن يحيى ولا أحسن لباسًا منه.
أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل القارئ قال: حدثنا أبو
زكريا يحيى بن محمد بن يحيى إملاء قال: أتيت يحيى بن يحيى يوم
جمعة فانطلقت معه إلى المسجد وهو راكب برذون حتى أتينا2 المسجد
الجامع عند الزوال، فدخل المسجد ودخلت معه فصلى في الصحن في
الشمس وذلك في الصيف ولم يركع قبل الصلاة ولا بعدها، فلما أردا
أن يسجد بسط كم قميصه فسجد عليه، فلما انصرف انصرفت معه حتى
دخل إلى بيته ومعنا رجل آخر يسمى محمد بن عثمان، فسأله محمد عن
الطريق القذر يمر به الإنسان وذلك أنا مررنا بطريق قذر فسأله
محمد عن مثل هذا الطريق يجتاز3 به الإنسان، فقال يحيى بن يحيى:
قرأت على مالك عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم بن الحارث
التميمي عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قالت: سألت
أم سلمة فقلت إني امرأة أطيل ذيلي فأمر بالمكان القذر والمكان
الطيب، فقالت أم سلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يطهره ما بعده"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر قول الحنظلي في تاريخ الإسلام وفيات سنة 221-230 ص460.
2 خ، ش، صف: "أتى".
3 خ، ش، صف: "يمر".
4 رواه أبو داود في سننه في كتاب الطهارة باب في الأذى يصيب
الذيل ولفظه: عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها
سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني امرأة
أطيل ذيلي، وأمشي في المكان القذر، فقالت أم سلمة: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
"يطهره ما بعده" 1/
104، ورواه الترمذي في سننه في أبواب الطهارة باب ما جاء في
الوضوء من الموطئ 1/ 96.
ص -122-
قال أبو زكرياء: أحسبني كتبت هذا الحديث على مفتاح الحانوت؛
لأنه لم يكن معي بياض.
ومنهم أحمد بن محمد بن حنبل:1
سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول: سمعت يوسف بن عبد الله
الخوارزمي ببيت المقدس، يقول: سمعت حرملة بن يحيى يقول: سمعت
الشافعي يقول: خرجت
من بغداد وما خلفت بها أفقه أزهد ولا أورع ولا أعلم من أحمد بن
حنبل.
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن
حنبل قال: سألت أبي عن وطئ المستحاضة فقال: حدثنا وكيع عن
سفيان بن غيلان عن عبد الملك بن ميسرة عن الشعبي عن قمير عن
عائشة رضي الله عنها قالت: "المستحاضة لا يغشاها زوجها"2 قال
أبي: ورأيت في كتاب الأشجعي كما رواه وكيع، ورواه غندر عن شعبة
عن عبد الملك بن ميسرة عن الشعبي أنه قال: "المستحاضة لا
يغشاها زوجها".
أخبرنا أبو بكر محمد عبد الله العماني قال: ثنا عبد الله بن
أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثني محمد بن عفان بن صفوان
بن أمية الجمحي قال: ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ما خالطت3
الصدقة مالاً إلا أهلكته". قال أبي: تفسيره أن الرجل يأخذ الصدقة أو الزكوة وهو موسر أو غني
وإنما هي للفقير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الإمام الفقيه المحدث، غني عن التعريف.
2 رواه الدرامي في سننه في كتاب الوضوء باب من قال لا يجامع
المستحاضة زوجها عن الشعبي عن قيمر "هكذا" عن عائشة قالت:
"المستحاضة لا يأتيها زوجها" 1/ 208.
3 خ، ش، صف: "خالطه".
ص -123-
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه1 قال: حدثنا عبد الله بن
أحمد بن حنبل2 قال: حدثني أبي قال: حدثنا مخلد بن يزيد عن
الأوزاعي عن عبد الواحد بن قيس عن أبي هريرة قال3: "تكفير كل
لحاء ركعتان"، قال أبي يعني الرجل الذي يلاحي الرجل يخاصمه
يصلي ركعتين، تكفيره يعني كفارته.
ومنهم علي بن عبد الله بن جعفر المديني:4
سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس العنزي5 يقول: سمعت
عثمان بن سعيد الدرامي يقول: سمعت علي بن المديني يقول: وهو
كفر يعني من قال: القرآن مخلوق.
سمعت الشريف القاضي أبا الحسن محمد بن صالح الهاشمي قاضي
القضاة يقول: هذه أسامي مصنفات علي بن المديني: كتاب "الأسامي
والكنى ثمانية أجزاء"، كتاب "الضعفاء عشرة أجزاء"، كتاب
"المدلسين خمسة أجزاء"، كتاب "أول من نظر في الرجال وفحص عنهم
جزء"، كتاب "الطبقات عشرة أجزاء"، كتاب "من روى عن رجل لم يره
جزء"، كتاب "علل المسند ثلاثون جزءًا"، كتاب "العلل لإسماعيل
القاضي أربعة عشر جزءًا"، كتاب "علل حديث ابن عيينة ثلاثة عشر
جزءًا"، كتاب "من لا يحتج بحديثه6 ولا يسقط جزءان"،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش، صف: "خالويه".
2 زيادة في خ، ش، وصف.
3 زيادة في ظ، خ و ش.
4 هو علي بن عبد الله بن جعفر السعدي مولاهم أبو الحسن بن
المديني البصري الحافظ، ثقة ثبت إمام أهل عصره بالحديث وعلله.
قال البخاري: ما استصغرت نفسي إلا عنده. روى له البخاري وأبو
داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في التفسير. توفي سنة 234 هـ
"انظر: تقريب التقريب ص247، وشذرات الذهب 2/ 81، وتهذيب
التهذيب 7/ 349-357.
5 خ، ش، صف: "العزى" "كذا".
6 خ، ش، صف: "به".
ص -124-
كتاب "الكنى خمسة أجزاء"، كتاب "الوهم والخطأ خمسة أجزاء"،
كتاب "قبائل العرب عشرة أجزاء"، كتاب "من نزل من الصحابة سائر
البلدان خمسة أجزاء"، كتاب "التاريخ عشرة أجزاء"، كتاب "العرض
على المحدث جزءان"، كتاب "من حدث ثم رجع عنه جزءان"، كتاب
"يحيى وعبد الرحمن في الرجال خمسة أجزاء"، كتاب "سؤالاته يحيى
جزءان"، كتاب "الثقات والمثبتين عشرة أجزاء"، كتاب "اختلاف
الحديث خمسة أجزاء"، كتاب "الأسامي الشاذة ثلاثة أجزاء"، كتاب
"الأشربة ثلاثة أجزاء"، كتاب "تفسير غريب الحديث خمسة أجزاء"،
كتاب "الإخوة والأخوات ثلاثة أجزاء"، كتاب "من تعرف1 باسم دون
اسم أبيه جزءان"، كتاب "من يعرف باللقب جزء"، كتاب "العلل
المتفرقة ثلاثون جزءًا"، وكتاب "مذاهب المحدثين جزءان".
قال الحاكم2: إنما اقتصرنا على فهرست مصنفاته في هذا الموضع
ليستدل به على تبحره وتقدمه وكماله.
ومنهم يحيى بن معين3
صاحب الجرح والتعديل:
سمعت بكر بن محمد بن أحمد4 الصيرفي يقول: سمعت جعفر بن محمد بن
كزال يقول: كنت مع يحيى بن معين بالمدينة فمرض مرضه الذي مات
فيه وتوفي بالمدينة، فحمل على سرير رسول الله صلى الله عليه
وسلم ورجل ينادي بين يديه: "هذا الذي كان ينفي الكذب عن حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: "يعرف".
2 زيادة في خ و ش.
3 هو يحيى بن معين بن عون أبو زكريا المري البغداي الغطفاني
الحافظ. ولد سنة 158هـ، وهو إمام المحدثين مشهور، فضائله
كثيرة، وهو أيضًا إمام في الجرح والتعديل. مات بالمدينة
المنورة قاصدًا الحج سنة 233هـ "انظر: تقريب التقريب ص379،
والكاشف 3/ 269، وتاريخ الإسلام حوادث 231-240 ص404-413.
4 بالأصل: "أحمدان" محرفًا عن: "أحمد".
ص -125-
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: ثنا العباس بن محمد
الدوري قال: سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت يعقوب بن إبراهيم بن
سعد عن أبيه قال: أخبرني من رأى بريدة بن سفيان يشرب الخمر في
طريق الري. قال: يحيى بن معين: وقد روى محمد بن إسحاق عن بريدة
هذا وأهل المدينة ومكة يسمون النبيذ خمرًا والذي عندنا أنه رأى
بريدة يشرب النبيذ في طريق الري فقال: رأيته يشرب خمرًا.
قال: وسئل عن أقل المهر فقال: حدثنا الأسود بن عامر قال: ثنا
سفيان الثوري عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله
عليه وسلم زوج أمرأة من رجل على سورة من القرآن، وحدثنا يونس
محمد قال: صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال:
"لو أن
رجلًا تزوج امرأة على ملء الكف من طعام لكان ذلك صداقًا".
ومنهم إسحاق بن إبراهيم الحنظلي:1
أخبرنا الحسن بن حليم2 المروزي قال: ثنا أبو عمرو نصر بن
زكرياء قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم قال: سألني أحمد بن حنبل عن
حديث الفضل بن موسى من3 حديث ابن عباس قال4: كان النبي صلى
الله عليه وسلم يلحظ في صلاته ولا يلوي عنقه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المروزي الحنظلي أبو يعقوب
التميمي الإمام نزيل نيسابور وعالمها. ولد سنة 161 هـ، وهو أحد
الأئمة الأعلام المتبوعين، ثقة حافظ مجتهد قرين أحمد بن حنبل.
قيل تغير قبل موته بيسير. جمع بين الفقه والحديث والورع. روى
له الجماعة إلا ابن ماجه. توفي بنيسابور سنة 238 هـ "انظر:
تقريب التهذيب ص27، وشذرات الذهب 2/ 89، وطبقات الفقهاء ص94".
2 ش: "الحسن بن محمد بن حكيم المروزي" والصواب: "حليم" ذكره
الذهبي في المشتبه.
3 زيادة في ظ، خ و ش.
4 زيادة في خ و ش.
ص -126-
خلف ظهره1، قال: فحدثته فقال له رجل: يا أبا يعقوب رواه وكيع
خلاف2 هذا، فقال له أحمد بن حنبل: اسكت إذا حدثك أبو يعقوب
أمير المؤمنين فتمسك به.
أخبرنا أبو زكريا العنبري قال: ثنا أحمد بن محمد بن الأزهر
قال: سمعت أبي يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: كنت
عند عبد الله بن إدريس وعنده جماعة من أهل الكوفة وأهل الحجاز
فجرى ذكر المسكر فحرمه الحجازيون
وجعل أهل الكوفة يحتجون في تحليله إلى أن قال بعضهم حدثنا أبو
إسحاق عن سعيد بن ذي لعوة عن علي في الرخصة فقال الحجازيون:
والله ما تجيئون به عن المهاجرين ولا عن الأنصار ولا عن
أبنائهم وإنما3 تجيئون به عن العميان
والعوران والعرجان والعمشان والحولان.
قال الأزهري فحدثني أحمد بن سيار قال: ثنا علي بن يونس قال:
قال أبو بكر بن عياش أقول لهم: حدثنا أبو حصين فيقولون: حدثنا
أبو إسحق عن سعيد بن ذي لعوة الماص بظر أمه كان يشتم عثمان.
ومنهم محمد بن يحيى الذهلي:4
سمعت أبا زكرياء العنبري يقول: سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر
يقول:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي في السنن في أبواب الجمعة باب ما ذكر في
الالتفات في الصلاة عن عكرمة عن ابن عباس: "أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يلحظ في الصلاة يمينًا وشمالًا ولا يلوي
عنقه خلف ظهره" وقال عنه: هذا حديث غريب 2/ 50.
2 ش، صف: "بخلاف".
3 التكملة عن ظ، خ، ش وصف.
4 هو محمد بن يحيى بن عبد الله أبو عبد الله الذهلي مولاهم
النيسابوري، حافظ ثقة جليل صدوق. ولد سنة نيف وسبعين ومائة.
انتهت إليه مشيخه العلم بخراسان، وهو عالم بحديث الزهري. عده
أحمد بن حنبل إمام خراسان ومحدثها. مات في ربيع الأول وقيل
الآخر سنة 258 هـ "انظر: تقريب التهذيب ص323، وتاريخ
الإسلام حوادث "251-260 ص337-343، والبداية والنهاية 11/ 31".
ص -127-
رأيت محمد بن يحيى بعد وفاته في المنام فقلت: يا أبا عبد الله،
ما فعل بك ربك؟ قال: غفر لي. قلت: فما فعل بحديثك؟ قال: كتب
بماء الذهب ورفع في عليين.
سمعت يحيى بن منصور القاضي يقول: سمعت خالي عبد الله بن علي بن
الجارود يقول: سمعت محمد بن سهل بن عسكر، يقول: كنا عند أحمد
بن حنبل فدخل محمد بن يحيى فقام إليه أحمد وتعجب منه الناس، ثم
قال لبنيه وأصحابه: اذهبوا إلى أبي عبد الله فاكتبوا عنه.
أخبرني محمد بن صالح بن هانئ1 قال أبو عمر المستملي2 قال ثنا
محمد بن يحيى بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:
"إنه ليغان على قلبي"، فسئل عن
معناه فقال:
سمعت عفان يقول: سألت الأعراب عنه فقالوا: إنه ليغطى على قلبي،
قال: وسئل محمد ين يحيى عن اللفظة في الحديث: هل رأيت الله؟
فيقول ما ينبغي لأحد أن يرى الله تعالى، فقال: هذا في الدنيا
فأما في الآخرة إن أهل الجنة ينظرون إلى الله تعالى بأبصارهم.
أخبرني أبي قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: سمعت محمد بن يحيى
يقول: أرى الضوء من مس الذكر استحبابًا لا إيجابًا لحديث عبد
الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه عن النبي صلى الله عليه
وسلم.
أخبرنا علي بن عيسى قال: ثنا أبو عمر3 قال: ثنا محمد يحيى قال:
حدثنا أبو نعيم قال: ثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله حبس
عن مكة القتل"4، قال محمد
بن يحيى وصحف أبو نعيم فيه إنما هو حبس عن مكة الفيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زيادة في خ و ش.
2 خ، ش، صف: "المستملي أحمد بن المبارك".
3 صف: "أبو عمرو" وفي خ، ش: "أبو عمرو الحرشي".
4 رواه البخاري في الصحيح في كتاب اللقطة باب كيف تعرف لقطة
أهل مكة ولفظه: حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال: لما فتح
الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس فحمد الله
وأثنى عليه، ثم قال:
"إن الله حبس عن مكة الفيل
[وفيه رواية:
القتل]
وسلط
عليها رسوله والمؤمنين؛ فإنها لا تحل لأحد كان قبلي، وإنها
أحلت لي ساعة من نهار وإنها لا تحل لأحد بعدي..." 3/
164-165". ورواه مسلم في صحيحه في كتاب الحج باب تحريم مكة
وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد على الدوام 2/
987-989.
ص -128-
ومنهم محمد بن إسماعيل البخاري:1
سمعت أبا الطيب محمد بن أحمد المذكر يقول: سمعت أبا بكر محمد
بن إسحاق يقول: ما رأيت تحت أديم هذا السماء أعلم بالحديث من
محمد بن إسماعيل البخاري.
سمعت يحيى بن عمرو بن صالح الفقيه يقول: سمعت أبا العباس محمد
بن عبد الرحمن الفقيه يقول: كتب أهل بغداد إلى محمد بن إسماعيل
البخاري:
المسلمون بخير ما بقيت لهم
وليس بعدك خير حين تفتقد
حدثني أبو سعيد أحمد بن
محمد النسوي قال: حدثني أبو حسان مهيب بن سليم قال: سمعت محمد
بن إسماعيل البخاري يقول: اعتللت بنيسابور علة خفيفة وذلك في
شهر رمضان فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه فقال لي:
أفطرت يا أبا عبد الله؟ فقلت: نعم. قال: خشيت أن تضعف عن قبول
الرخصة، فقلت: أخبرنا عبدان عن ابن المبارك عن ابن جريح، قال:
قلت لعطاء: من أي المرض أفطر؟ قال: ومن أي مرض كان كما قال
الله عز وجل:
{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا}2، قال البخاري: ولم يكن هذا عند إسحاق.
سمعت أبا بكر محمد بن جعفر يقول: سمعت محمد بن إسحاق يقول:
سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: عندنا خبر صحيح عن النبي
صلى الله عليه وسلم3
في القراءة على العالم فقيل4 له: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
قال: نعم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إمام المحدثين صاحب الصحيح المعروف.
2 سورة البقرة، الآية 183.
3 العبارة المحصورة بين النجيمين لم ترد في خ، ش وصف.
4 خ، ش، صف: "فقال له".
ص -129-
فذكر قصة ضمام بن ثعلبة وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: الله
أرسلك إلينا؟ قال:
"نعم"،
الله أمرك أن تأمرنا أن نصلي في اليوم والليلة؟ قال:
"نعم".
سمعت أبا سعيد المؤذن يقول سمعت زنجويه بن محمد يقول: سمعت
محمد بن إسماعيل يقول: أحسن حديث الكوفيين حديث أبي الزعراء عن
عبد الله: يقوم نبيكم رابع أربعة، وإنما الحديث: أنا أول شافع
وأول مشفع.
ومنهم أبو زرعة عبيد1 الله بن عبد الكريم:2
سمعت أبا حامد أحمد بن محمد المقرئ الفقيه الواعظ يقول: سمعت
أبا العباس محمد بن إسحاق الثقفي يقول: لما انصرف قتيبة بن سعد
الى الري سألوه أن يحدثهم فامتنع وقال: أحدثكم بعد أن حضر
مجلسي أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وأبو بكر بن
أبي شيبة وأبو خيثمة؟ فقالوا له: فإن عندنا غلامًا يسرد كا ما
حدثت به مجلسًا مجلسًا، قم يا أبا زرعة. فقام أبو زرعة فسرد كل
ما حدث به قتيبة. فحدثهم قتيبة.
سمعت أبا بكر بن عبدويه الوراق بالري يقول: سمعت أبا جعفر محمد
بن علي الساوي وراق أبي زرعة يقول: حضرت أبا زرعة بماشهران كان
في السوق وعنده أبو حاتم ومحمد بن مسلم بن وارة والمنذر بن
شاذان وجماعة من العلماء فذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"لقنوا موتاكم إلا إله إلا
الله"3 فاستحيوا من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش، صف: "عبد الله".
2 هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد الحافظ أبو زرعة القرشي
المخزومي مولاهم الرازي أحد الأعلام. ولد سنة 200هـ كان من
أفراد العالم ذكاء وحفظًا ودينًا وفضلًا. من أقرانه مسلم بن
الحجاج وروى عنه. وروى عنه أيضًا الترمذي وابن ماجه والنسائي
في كتبهم. توفي آخر يوم من سنة 264هـ "انظر: تاريخ الإسلام
حوادث 261-280 ص124-132، والكاشف 2/ 201، والبداية والنهاية
11/ 37".
3 رواه مسلم في صحيحه في كتاب الجنائز باب تلقين الموتى لا إله
إلا الله عن أبي سعيد الخدري 2/ 631. ورواه أبو داود في سننه
في كتاب الجنائز باب في التلقين 3/ 190. ورواه ابن ماجه في
سننه في كتاب الجنائز باب ما جاء في تلقين الميت لا إله إلا
الله 1/ 464.
ص -130-
أبي زرعة وقالوا: تعالوا نذكر الحديث. فقال أبو عبد الله بن
وارة: حدثنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم، قال: ثنا عبد الحميد بن
جعفر عن صالح1 ولم يجاوز والباقون سكتوا، فقال أبو زرعة وهو في
السوق: ثنا بندار قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عبد الحميد بن
جعفر عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن
جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"،
ومات رحمه الله.
ومنهم أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي:2
أخبرنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم الهاشمي قال: ثنا أحمد بن
سلمة قال: ما رأيت بعد إسحاق ومحمد بن يحيى أحفظ للحديث ولا
أعلم بمعانيه من أبي حاتم محمد بن إدريس.
أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن أبي الوزير التاجر
قال: ثنا أبو حاتم الرازي قال: ثنا الأنصاري قال: حدثني حميد
الطويل عن أنس قال: كان ابن لأم سليم يقال: له أبو عمير وكان
النبي صلى الله عليه وسلم ربما3 يمازحه إذا دخل، فدخل يومًا
فمازحه فوجده حزينًا فقال:
"ما لي أرى أبا عمير حزينًا؟"
قال: يارسول الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، خ، ش، صف: "عن صالح وجعل يقول ابن أبي ولم يجاوزه وقال
أبو حاتم: ثنا بندار قال: ثنا أبو عاصم" وفي العبارة اضطراب.
2 هو محمد بن إدريس بن المنذر أبو حاتم الغطفاني الحنظلي
الرازي الحافظ، أحد الأئمة الأعلام. ولد سنة 195هـ وكتب الحديث
وهو في سن العاشرة. رحل الى بلدان عدة وسمع من أئمتها كأبي
نعيم والأصمعي وأبي اليمان وغيرهم، وهو من أقران أبو زرعة
الرازي وأبو زرعة الدمشقي. روى عنه أبو داود والنسائي وقيل
البخاري وابن ماجه أيضًا. توفي سنة 277هـ وله اثنان وثمانون
سنة "انظر: تاريخ الإسلام حوادث 261-280 ص430-435، والبداية
والنهاية 11/ 59، وطبقات السبكي 1/ 299-300".
3 لفظة "ربما" لم ترد في خ، ش وصف.
ص -131-
مات نغره الذي كان يلعب به، فجعل يناديه:
"يا أبا عمير، ما فعل النغير؟"1
قال أبو حاتم: فيه غير شيء من العلم، فيه أن النبي صلى الله
عليه وسلم مازح صبيًا وفيه أنه لم ينه عن لعب الصبي بالطير،
وفيه أنه كنى من لم يولد له، وفيه أنه لم ينه عن صيد وحش
المدينة، وفيه أنه صغر الطير وهو خلق من خلق الله.
ومنهم إبراهيم بن إسحاق الحربي البغدادي:2
سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله الصفار يقول: سمعت إبراهيم
بن إسحاق الحربي وحدث عن حميد بن زنجويه عن عبد الله بن صالح
العجلي بحديث فقال: اللهم لك الحمد، ورفع يديه يحمد الله تعالى
ثم قال: عندي عن عبد الله بن صالح العجلي قمطر وليس عندي عن
حميد غير هذا الطبق3 وأنا أحمد الله على الصدق. قال الحاكم4:
زادني فيه بعض أصحابنا عن أبي عبد الله بن الصفار قال: فقام
رجل من المجلس فقال: يا أبا إسحاق، لو قلت فيما لم تسمع سمعت
لما أقبل الله بهذه الوجوه عليك.
أخبرنا أحمد بن جعفر الزاهد قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق
الحربي قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في صحيحه في كتاب الأدب باب الانبساط إلى الناس
8/ 37 وفي باب الكنية للصبي قبل أن يولد للرجل 8/ 55. ورواه
مسلم في صححيه في كتاب الآداب باب استحباب تحنيك المولود عند
ولادته وحمله إلى صالح يحنكه، وجواز تسميته يوم ولادته،
واسحباب التسمية بعبد الله وإبراهيم وسائر أسماء الأنيباء
عليهم السلام 3/ 1693.
2 هو إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشير أبو إسحاق الحربي
الفقيه الحافظ أحد الأعلام. ولد سنة 198هـ، وطلب العلم وهو ابن
بضعة عشرة سنة، فسمع مسدد بن مسرهد وأبا عبيدة القاسم بن سلام،
وتفقه على الإمام أحمد وحمل عنه الكثير وكان من نجباء أصحابه.
كان إمامًا في العلم رأسًا في الزهد، عارفًا بالفقه بصيرًا
بالأحكام، حافظًا للحديث مميزًا لعلله، قيمًا بالأدب جماعة
للغة، عارفًا بالمذاهب. توفي في ذي الحجة الحجة سنة 285هـ
"انظر: تاريخ الإسلام حوادث 281-290 ص101-105، وأخبار القضاة
2/ 230، 242، وتاريخ بغداد 6/ 27-40".
3 خ، ش، صف: "الطريق".
4 زيادة في خ، ش وصف.
ص -132-
ثنا أبو بكر بن أبي الأسود قال: ثنا حميد بن الأسود عن هشام بن
عروة عن أبيه عن سفيان بن عبد الله الثقفي، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
"المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور"1. قال إبراهيم: فيه نهي عن الرياء وله علة2. حدثنا عبيد الله بن
عمر قال: حدثنا حماد بن زيد ح وحدثنا موسى، قال: ثنا حماد بن
سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم
نحوه ح وحدثنا علي قال: ثنا مبارك بن فضالة عن هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة ح وحدثنا موسى قال: ثنا حماد بن سلمة عن هشام عن
فاطمة عن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. قال
إبراهيم: فهذه أربعة أقاويل عن هشام أصوبها3 قول من قال: عن
هشام عن فاطمة عن أسماء، وأما قول من قال: عن هشام عن أبيه عن
سفيان بن عبد الله إنما4 أراد عن عبد الله بن سفيان وهو الذي
روى عنه يعلى بن5 عطاء الثقفي.
سمعت القاضي محمد بن صالح يقول: لا نعلم أن بغداد أخرجت مثل
إبراهيم بن إسحاق الحربي في الأدب والفقه والحديث والزهد، ثم
ذكر القاضي أن له كتابًا في غريب الحديث لم يسبق إليه.
ومنهم مسلم بن الحجاج القشيري:6
حدثنا محمد بن إبراهيم الهاشمي قال: ثنا أحمد بن سلمة قال:
سمعت الحسين بن منصور يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي
ونظر إلى مسلم بن الحجاج فقال: مرد كامل بوذ7.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مر تحقيقه.
2 ظ: "علة عجيبة".
3 خ، ش، صف: "إحدها".
4 بالأصل: "أنه".
5 ش، صف: "عن" وهو غلط.
6 هو أحد كبار أئمة المحدثين صاحب الصحيح المعروف.
7 في النسخ كلها: "مردا كائن بود" هو تحريف ويترجح أن الصواب
كما ضبطنا، جاء بهامش الأصل: شرح تفسيره بالعربية ما أعظم
الرجل هذا.
ص -133-
أخبرني الحسين بن محمد الدارمي قال: ثنا محمد بن إسحاق قال:
حدثني مسلم بن الحجاج قال: حدثنا يحيى بن أيوب قال: ثنا عبد
الله بن المبارك قال: أخبرنا يونس بن يزيد عن الزهري عن سهل بن
سعد عن أبي بن كعب قال: إنما كانت الفتيا الماء من الماء رخصة
في أول الإسلام ثم نهي عنها. قال: أبو بكر فسمعت مسلم بن
الحجاج يقول: حديث عثمان بن عفان وأبي سعيد الخدري في ترك
الغسل من الإكسال وقوله:
"الماء من الماء"
ثابت متقدم من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منسوخ بحديث
عائشة وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس
بين شعبها الأربع ومس الختان الختان"،
والرواية الأخرى:
"وجاوز الختان
الختان"، وفي حديث أبي هريرة من رواية هشام:
"ثم جهدها"
ومن1 رواية سعيد:
"ثم اجتهد" وكل ذلك في المعنى راجع إلى أمر واحد وهو تغيب الحشفة في الفرج،
فإذا كان ذلك منهما واجب عليهما الغسل وهما لا يبلغان ذلك من
الفعل وإلا قد اجتهد وجهدها. فأما حديث سهل بن سعد عن أبي بن
كعب الماء من الماء كانت رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم
أمرنا بالاغتسال فإن الزهري لم يسمعه من سهل بن سعد وإنما قال:
حدثني بعض من أرضى عن سهل بن سعد ولعله سمعه من أبي حازم فإن
مبشر بن إسماعيل قد رواه عن أبي غسان محمد بن مطرف وهو ثقة عن
أبي حازم. حدثنيه محمد بن مهران الرازي قال: ثنا مبشر الحلبي
عن محمد أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب،
وحدثنا هارون بن سعيد قال: ثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن
الحارث قال: قال ابن شهاب: وحدثني من أرضى عن سهل بن سعد
الساعدي أن أبي بن كعب حدثه.
ومنهم أبو عبد الله محمد بن إبراهيم العبدي:2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش: "في".
2 هو محمد بن إبراهيم بن سعيد الإمام الكبير أبو عبد الله
العبدي الفقيه المالكي البوشنجي شيخ أهل الحديث في زمانه
بنيسابور، ولد سنة 204هـ، رحل وطوف وصنف، ثقة عابد فقيه من
رواة الجماعة، توفي في غرة المحرم سنة 291هـ "انظر: تقريب
التهذيب ص288، وتاريخ الإسلام حوادث 291-300 ص235-239، وطبقات
الشافعية للسبكي 2/ 189".
ص -134-
سمعت أبا زكرياء العنبري يقول: شهدت جنازة الحسين1 بن محمد
القباني سنة تسع وثمانين ومائتين "289هـ" هـ فقدم أبو عبد الله
للصلاة عليه فصلى عليه، فلما أراد أن ينصرف قدمت دابته فأخذ
أبو عمرو الخفاف بلجامه وأبو بكر محمد بن إسحاق بركابه وأبو
بكر الجارودي وإبراهيم بن أبي طالب يسويان عليه ثيابه فمضى ولم
يكلم واحدًا منهم.
سمعت أبا عمرو بن أبي جعفر المقرئ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن
إسحاق يقول: لو لم يكن في أبي عبد الله البوشنجي من البخل في
العلم ما كان -وكان يعلمني- ما خرجت إلى مصر.
سمعت أبا بكر محمد بن جعفر المزكي يقول: سمعت أبا عبد الله
البوشنجي يقول: في حديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول2:
$"البذاء من الجفاء"3 فقال: البذاء خلاف البذاذة، إنما البذاء
طول اللسان برمي الفواحش والبهتان يقال: فلان بذيء اللسان
والبذاذة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنها من الإيمان" هي رثاثة الثياب في الملبس والمفرش وذلك تواضع عن رفيع الثياب
وثمين الملابس والمفترش وهي ملابس أهل الزهد في الدنيا يقال:
فلان بذ الهيئة رث الملبس والله أعلم".
سمعت أبا زكرياء العنبري يقول: سمعت أبا عبد الله البوشنجي4
وحدثنا عن يحيى بن بكير عن ضمام بن إسماعيل عن أبي قبيل
المعافري عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بالأصل: "الحس" والتصويب عن ظ، خ، ش وصف.
2 كذا بالأصل ولم يجئ هنا لفظ "يقول" في ظ و خ، يظهر أنه زيادة
من الناسخ.
3 رواه الترمذي في سننه في أبواب البر والصلة باب ما جاء في
الحياء وهو عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
"الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في
النار"
ثم قال: هذا حديث صحيح 3/ 247. ورواه ابن ماجه في سننه كتاب
الزهد باب الحياء وقال في الزوائد: رواه ابن حبان في صحيحه 2/
1400، ورواه الإمام أحمد 2/ 501.
4 كذا بالأصل وعبارة خ، ش وصف: "البوشنجي قال: حدثنا يحيى بن
بكير".
ص -135-
عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"تهادوا تحابوا"1،
فقال: بالتشديد من الحب وأما بالتخفيف من المحاباة.
ومنهم عثمان بن سعيد الدرامي:2
[وهو المقدم]3. سمعت أبا عبد الله محمد بن العباس الضبي يقول:
سمعت أبا الفضل بن إسحاق يقول: ما رأينا مثل عثمان بن سعيد ولا
رأى عثمان مثل نفسه، أخذ الأدب عن
اابن الأعرابي والفقه عن أبي يعقوب البويطي والحديث عن يحيى بن
معين وعلي بن المديني وتقدم في هذه العلوم رحمه الله.
حدثنا4 أبو الحسن أحمد بن حنبل محمد العنزي قال: ثنا عثمان بن
سعيد الدرامي قال: ثنا نعيم بن حماده عن ابن المبارك عن سفيان
عن زيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن
عازب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا كبر
حتى ترى إبهاماه قريبًا من أذنيه، قال5: وسمعت أبا الحسن يقول:
قال: سمعت عثمان بن سعيد يقول: فليس في رواية الثوري وزهير
وهشيم عنه أنه كان يرفعهما عد الركوع وإنما ذكروا صفة الرفع
كيف يرفع وإلى أين يبلغ به ولم يذكر فيه العود6 من رسول الله
صلى الله عليه وسلم كما أنه لم يذكر فيه قراءته وركوعه وسجوده
وتسليمه كيف كان، فهذا الذي يسبق القلب إلى صحته عن يزيد.
حدثنا علي بن المديني عن سفيان قال: ثنا يزيد بن أبي زياد وهو
تابعي بمكة فلما قدمنا الكوفة إذا هو يقول: رفع يديه ثم لا
يعود، قال سفيان: فإذا هم لقنوه هذه الكلمة، وسألت أحمد بن
حنبل رحمه الله فقال: لا يصح عنه هذا الحديث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الإمام مالك في الموطأ في باب حسن الخلق ولفظه: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تصافحوا يذهب
الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحفاء"
2/ 214.
2 هو الإمام المحدث المعروف صاحب سنن الدارمي.
3 العبارة جاءت هكذا في الأصل وفي ش وصف: "هذه الترجمة مقدمة
على ترجمة أبي عبد الله محمد بن إبراهيم العبدي" فليتأمل.
4 خ، ش، صف: "أخبرنا".
5 زيادة في ظ، خ، ش وصف.
6 بالأصل: "والعود" وهو خطأ من الناسخ.
ص -136-
وسمعت يحيى بن معين يضعف يزيد بن أبي زياد. قال: عثمان بن
سعيد: ولو صح عن البراء أنه قال: كان رسول1 الله صلى الله عليه
وسلم لا يرفع يديه إلا أول2 مرة وقال: غيره أنه عاد لرفعهما
كان أولى الحديثين أن يؤخذ به حديث صاحب الرؤية؛ لأنه لم يقدر
على الحكاية إلا بالرؤية الصحيحة والحفظ، والذي قال: لم أره
فقد يمكن أنه عاد ولم يره.
ومنهم أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي:3
سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى يقول: سمعت عبيد4 الله
بن محمد بن مسلم يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم
المصري يقول: كان محمد بن نصر المروزي عندنا إمامًا، فكيف
بخراسان؟
أخبرنا5 أبو عبد الله محمد بن يعقوب قال: ثنا إسماعيل بن قتيبة
قال: سمعت أبا حامد أحمد بن محمد بن سعيد الصيدلاني جار إسحاق
يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: لو صلح زماننا أحد
للقضاء لصلح أبو عبد الله المروزي. قال: وثنا إسماعيل بن قتيبة
قال: سمعت محمد بن يحيى غير مرة إذا سئل عن مسئلة يقول: سلوا
أبا عبد الله المروزي.
سمعت أبا محمد الثقفي يقول: سمعت جدي يقول: جالست أبا عبد الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش، صف: "النبي" موضع: "رسول الله".
2 ظ، خ، ش، صف: "في أول مرة".
3 هو محمد بن نصر المروزي الإمام أبو عبد الله أحد الأعلام في
العلوم والأعمال. ولد سنة 202هـ ببغداد ونشأ بنيسابور وسكن
سمرقند. إمام الحديث في عصره بلا مدافعة، تفقه على أصحاب
الشافعي، وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم. صنف
كتاب "القسامة" و "تعظيم قدر الصلاة" و "رفع اليدين" مات سنة
294 هـ "انظر: تاريخ الإسلام حوادث 291-300 ص295-299، وتاريخ
بغداد 3/ 315-318، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص106-107".
4 ظ، خ: "عبد الله".
5 خ، ش، صف: "حدثنا".
ص -137-
المروزي أربع سنين فلم أسمعه طول تلك المدة يتكلم في غير العلم
إلا أني حضرته يومًا وقيل له عن أبيه1 إسماعيل وما كان يتعاطاه
لو وعظته أو زبرته، فرفع رأسه ثم قال: لا أفسد مروتي بصلاحه.
قال: أبو عبد الله2: فضائل أبي عبد الله المروزي ومناقبه3
كثيرة فإنه أمام الحديث بخراسان، وأما كلامه في فقه الحديث
فأكثر من أن يمكن ذكره ومصنفاته في بلاد المسلمين مشهورة
ولعلها تزيد على ست مائة جزء، عندنا من المسموعات ما يزيد على
مائة جزء.
ومنهم أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي4:
5
سمعت أبا علي الحافظ غير مرة يذكر أربعة من أئمة المسلمين رآهم
فيبدأ بأبي عبد الرحمن.
وسمعت جعفر بن محمد بن الحارث يقول: سمعت مأمون المصري الحافظ
يقول: خرجنا مع أبي عبد الرحمن إلى طرسوس سنة للغداء6، فاجتمع
جماعة من مشايخ الإسلام واجتمع من الحفاظ عبد الله بن أحمد بن
حنبل ومحمد بن إبراهيم مربع أبو الأذان وكليجة وغيرهم فتشاوروا
من ينتقي7 لهم على الشيوخ فاجتمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي
وكتبوا كلهم بانتخابه.
قال أبو عبد الله8: فأما كلام أبي عبد الرحمن على فقه الحديث
فأكثر من أن يذكر في هذا الموضع، ومن نظر في كتاب السنن له
تحير في9 حسن كلامه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش، صف: "ابنه" وهو الصواب كما يدل عليه سياق العبارة.
2 ظ، خ، صف: "قال الحاكم".
3 بالأصل: "ما فيه" محرفًا عن: "مناقبه".
4 زيادة في ظ، خ، ش وصف.
5 الإمام المحدث الكبير المعروف صاحب السنن.
6 بالأصل: "الفداء" محرفًا عن: "الغداء".
7 بالأصل: "ينتق" كذا.
8 خ، ش، صف: "قال الحاكم".
9 خ، ش، صف: "من".
ص -138-
وليس هذا الكتاب بمسموع1 عندنا. ومع ما جمع أبو عبد2 الرحمن من
الفضائل رزق الشهادة في آخر عمره. فحدثني محمد بن إسحاق
الأصبهاني قال: سمعت مشايخنا بمصر يذكرون أن أبا عبد الرحمن
فارق مصر في آخر عمره وخرج إلى دمشق فسئل بها عن معاوية بن أبي
سفيان وما روي من فضائله فقال: لا يرضى معاوية رأسًا برأس حتى
يفضل؟ قال: فما زالوا3 يدفعون في حضنيه4 حتى أخرج من المسجد،
ثم حمل إلى الرملة5 ومات بها سنة ثلاث وثلاث مائة "303هـ" وهو
مدفون بمكة.
سمعت علي بن عمر الحافظ غير مرة يقول: أبو عبد الرحمن مقدم على
كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره.
ومنهم أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة6.
سمعت أبا بكر محمد بن علي الفقيه الشاشي يقول: سمعت أبا بكر
الصيرفي يقول: سمعت أبا العباس بن سريج وذكر أبا بكر محمد بن
إسحاق بن خزيمة فقال: يخرج النكت من حديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالمنقاش.
سمعت أبا أحمد الحافظ يقول: سمعت الحاكم أبا الحسن السنجاني7
يقول: نظرت في مسألة الحج لمحمد بن إسحاق بن خزيمة فتيقنت أنه
علم لا نحسنه نحن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بالأصل: "مسموع".
2 بالأصل: "أبي".
3 بالأصل: "فما زال".
4 كذا في الأصول "حضنيه" لكن الصواب "خصييه" راجع تذكرة الحفاظ
ج2 ص233.
5 ظ، خ، ش، صف: "مكة" وجاء في هامش ش، صوابه: "الرملة".
6 هو محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة السلمي الإمام أبو بكر
الملقب بإمام الأئمة. كان بحرًا من بحور العلم، طاف البلاد
ورحل إلى الآفاق في الحديث وطلب العلم. صنف: "الصحيح"، عدوه من
المجتهدين. مات سنة 311هـ "انظر: البداية والنهاية 11/ 149،
وشذرات الذهب 2/ 262، وتذكرة الحفاظ.
7 ش، صف: "السنجاري".
ص -139-
قال أبو عبد الله1: فضائل هذا الإمام مجموعة عندي في أوراق
كثيرة وهي أشهر وأكثر من أن يحتملها هذا الموضع، ومصنفاته تزيد
على مائة وأربعين كتابًا سوى المسائل والمسائل المصنفة أكثر من
مائة جزء فإن فقه حديث بريرة ثلاثة ومسألة الحج خمسة أجزاء.
وأنا أذكر في هذا الموضع من دقيق كلامه الذي أشار إليه إمام
فقهاء عصره أبو العباس بن سريج ما يستدل به على كثير من علومه.
قرأت بخط أبي عمرو المستملي ووفاته قبل وفاة أبي بكر بنيف
وثلاثين سنة قال: سألت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة عن معنى
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من صام الدهر ضُيقت عليه جهنم"2
فقال: ينبغي أن يكون ههنا معنى "عليه" "عنه" فلا يدخل جهنم؛
لأن من أراد لله عملًا وطاعة ازداد به عند الله رفعة وعليه
كرامة وإليه قربة.
سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق
بن خزيمة يقول: من لم يقر بأن الله تعالى على عرشه قد استوى
فوق سبع سمواته فهو كافر بربه، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه
وألقي على بعض المزابل حيث لا يتأذى المسلمون والمعاهدون بنتن
ريح جيفته3 وكان ماله فيئًا لا يرثه أحد من المسلمين إذ المسلم
لا يرث الكافر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. حدثني
الحسين بن محمد الدارمي قال: ثنا أبو بكر الإمام قال: ثنا أبو
موسى قال: ثنا عبد الصمد قال: ثنا شعبة4 عن خالد عن الحسن عن
أمه عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"تقتل عمارًا الفئة الباغية"5 قال: أبو بكر: فنشهد أن كل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش، صف: "قال الحاكم".
2 رواه الإمام أحمد في مسنده 4/ 414.
3 عبارة ش وصف: "بنتن ريحه ريح جيفته".
4 خ، ش، صف: "سعيد".
5 رواه البخاري في الصحيح في باب التعاون في بناء المسجد من
كتاب الصلاة ولفظه: عن كرمة قال: لي ابن عباس ولابنه علي
انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه، فانطلقنا فإذا هو في
حائط يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى ذكر
بناء المسجد فقال: كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار لبنتين لبنتين،
فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فنفض التراب عنه ويقول:
"ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى
النار". قال: يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن. 1/ 121-122، ورواه مسلم في
صحيحه في كتاب الفتن وأشراط الساعة باب لا تقوم الساعة حتى يمر
الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء وهو عن
أم سلمة 4/ 2236.
ص -140-
من نازع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خلافته
فهو باغ، على هذا عهدت مشايخنا وبه قال ابن إدريس رضي الله
عنه.
سمعت أبا سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان يقول: سمعت أبا بكر
محمد بن إسحاق يقول: وسئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"تحاجت الجنة والنار، فقالت الجنة يدخلني الضعفاء"1، فقيل لمحمد بن إسحاق: من الضعيف؟ قال: الذي يبرئ نفسه من الحول
والقوة يعني في اليوم عشرين مرة إلى خمسين مرة.
سمعت أبا زكريا العنبري يقول: سمعت محمد بن إسحاق يقول: ليس
لأحد مع النبي صلى الله عليه وسلم قول إذا صح الخبر عنه. سمعت
أبا هشام الرفاعي يقول: سمعت يحيى بن آدم يقول: لا يحتاج مع
قول النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول أحد وإنما كان يقال2 سنة
النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر عمر رضي الله عنهما أن
النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو عليها.
قال أبو عبد الله3: قد اختصرت هذا الباب وتركت أسامي جماعة من
أئمتنا كان من حقهم أن أذكرهم في هذا الموضع، فمنهم أبو داؤد
السجستاني ومحمد بن عبد الوهاب العبدي وأبو بكر الجارودي
وإبراهيم بن أبي طالب وأبو عيسى الترمذي وموسى بن هارون البزاز
والحسن بن علي المعمري وعلي بن الحسين بن الجنيد ومحمد بن مسلم
بن وارة ومحمد بن عقيل البلخي وغيرهم من مشايخنا رضي الله
عنهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم في صحيحه في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب
النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء ولفظه فيه: عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"تحاجت النار والجنة. فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين. وقالت
الجنة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم. فقال:
الله للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنار:
أنت عذابي، أعذب بك من أشاء من عبادي. ولكل واحدة منكم ملؤها.
فأما النار فلا تمتلئ. فيضع قدمه عليها، فتقول: قط قط. فهنالك
تمتلئ. ويزوي بعضها إلى بعض" 4/ 2186. ورواه الترمذي في السنن في أبواب صفة الجنة في باب ما جاء
في احتجاج الجنة والنار 4/ 98. ورواه الإمام أحمد في المسند 2/
276، 314، 450، 3/ 79.
2 بالأصل: "يقول".
3 خ، ط، ش، صف: "قال الحاكم".
ص -141-
ذكر النوع الحادي والعشرين من معرفة علوم الحديث: "الناسخ والمنسوخ"
هذا1 النوع منه معرفة ناسخ الحديث من منسوخه، وأنا ذاكر بمشيئة
الله تعالى منه أحاديث يستدل بها على الكثير.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار قال: حدثنا أحمد
بن مهدي بن رستم قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال: حدثنا شعبة
عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن عبد الله بن عمرو القارئ
عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"توضئوا مما غيرت النار"2 قال: أبو عبد الله: هذا الأمر3 منسوخ والناسخ له ما حدثنا أبو
العباس محمد بن يعقوب قال: ثنا محمد بن عوف قال: ثنا علي بن
عياش قال: ثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في خ، ش، صف مصدر بالعبارة: "قال الحاكم".
2 رواه أبو داود في سننه في كتاب الطهارة باب التشديد في
الوضوء مما مست النار 1/ 50. ورواه الترمذي في السنن في أبواب
الطهارة باب ما جاء في الوضوء مما غيرت النار 1/ 52. ورواه
النسائي في السنن في كتاب الطهارة باب الوضوء مما غيرت النار
1/ 105-106. ورواه ابن ماجه في سننه في كتاب الطهارة باب
الوضوء مما غيرت النار 1/ 163-164.
3 خ، ش، صف: "حديث".
ص -142-
عن جابر قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه
وسلم ترك الوضوء مما مست النار"1.
وحدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: ثنا إبراهيم بن مرزوق
قال: حدثنا وهب قال: ثنا شعبة عن عبد الله بن عبد الله عن أبي
ليلى عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تتوضئوا من
لحوم الغنم"2.
وحدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه قال: أخبرنا بشر بن موسى قال:
ثنا الحميدي قال: ثنا سفيان قال: ثنا ابن المنكدر وعبد الله بن
محمد بن عقيل وعمرو عن جابر بن عبد الله: "أن النبي صلى الله
عليه وسلم أكل خبزًا ولحمًا فصلى ولم يتوضأ"3.
حديث منسوخ: أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو
قال: ثنا سعيد بن مسعود قال: ثنا النضر بن شميل قال: أخبرنا
شعبة عن الحكم قال: سمعت ابن أبي ليلى يحدث عن عبد الله بن
عكيم قال: قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن:
"لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب"4. قال أبو عبد الله: هذا منسوخ والناسخ له ما حدثنا أبو العباس
محمد بن يعقوب قال: ثنا الربيع بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود في سننه في كتاب الطهارة باب في ترك الوضوء
مما مست النار 1/ 48-49. ورواه الترمذي في كتاب الطهارة باب ما
جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار 1/ 53-54. ورواه النسائي في
السنن في كتاب الطهارة باب ترك الوضوء مما غيرت النار 1/
107-108.
2 رواه أبو داود في السنن في كتاب الطهارة باب الوضوء من لحوم
الإبل 1/ 47. ورواه الترمذي في السنن في أبواب الطهارة باب ما
جاء في الوضوء من لحوم الإبل 1/ 54. ورواه الإمام أحمد في
المسند 5/ 93، 100. ورواه ابن ماجه في السنن في كتاب الطهارة
باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل 1/ 166.
3 رواه أبو داود في سننه في كتاب الطهارة باب ترك الوضوء مما
مست النار ولفظه: سمعت جابر بن عبد الله يقول: "قربت للنبي صلى
الله عليه وسلم خبزًا ولحمًا، فأكل ثم دعا بوضوء فتوضأ به ثم
صلى الظهر ثم دعا بفضل طعامه فأكل ثم قام إلى الصلاة ولم
يتوضأ" 1/ 49. ورواه النسائي في سننه في كتاب الطهارة في باب
ترك الوضوء مما غيرت النار 1/ 107-108.
4 رواه أبو داود في سننه في كتاب اللباس في باب من روى أن لا
ينتفع بإهاب الميتة 4/ 67 ورواه الترمذي في سننه في أبواب
اللباس باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت وهو عن عبد الله بن
عكيم قال: "أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا
تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" 3/ 136. ورواه النسائي في
السنن في كتاب الفرع والعتيرة باب ما يدبغ به جلود الميتة 7/
157. ورواه ابن ماجه في السنن في كتاب اللباس باب من قال: لا
ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب 2/ 1194.
ص -143-
سليمان قال: ثنا بشير بن بكر قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال:
"هلا استمتعتم بجلدها؟" قالوا: يارسول الله، إنها ميتة. فقال:
"إنما حرم أكلها"1.
قال: الحاكم2: هذا حديث مختلف في إسناده والصحيح عن ابن عباس
عن ميمونة، هكذا رواه مالك بن أنس وغيره عن الزهري.
حديث منسوخ: أخبرنا الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي قال: ثنا
أبو حاتم الرازي قال: ثنا أبو اليمان قال: حدثنا إسماعيل بن
عياش قال: ثنا عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة بن صهيب عن وهب
بن كيسان ونعيم بن عبد الله المجمر عن جابر بن عبد الله عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ما حسر عنه البحر3
فكل وما وجدته طافيًا4
فوق الماء فلا تأكله"5
والناسخ لذلك ما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود في السنن في كتاب اللباس باب في أهب الميتة
ولفظه: عن ميمونة قالت: أهدي لمولاة لنا شاة من الصدقة، فماتت،
فمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
"ألا دبغتم
إهابها واستنفعتم به" قالوا: يا
رسول الله إنها ميتة، قال:
"إنما حرم
أكلها" 4/ 65-66. ورواه الترمذي في سننه في أبواب اللباس باب ما جاء في
الجلود الميتة إذا دبغت 3/ 153. ورواه النسائي في كتاب الفرع
والعتيرة باب جلود الميتة 7/ 172. ورواه ابن ماجه في كتاب
اللباس باب لبس جلود الميتة إذا دبغت 2/ 1193.
2 زيادة في خ، ش.
3 صف: "ما خرج من البحر" موضع "ما حسر عنه البحر".
4 ظ، خ، ش، صف: "ميتًا طافيًا".
5 رواه ابن ماجه في السنن في كتاب الصيد باب الطافي من صيد
البحر وهو عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه. وما مات فيه
فطفا، فلا تأكلوه" قال: الدميري: وهو حديث ضعيف باتفاق الحفاظ
لا يجوز الاجتجاج به... 2/ 1082.
ص -144-
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع بن سليمان
قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن صفوان بن سليم عن
سعيد1 بن سلمة أن المغيرة بن أبي بردة أخبره أنه سمع أبا هريرة
يقول: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول
الله، إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا
به عطشنا؛ أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال: رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
"هو الطهور ماؤه الحل ميتته"2.
حديث منسوخ: أخبرنا عبد الله بن محمد الفاكهي بمكة قال: ثنا
عبد الله بن أحمد بن أبي مسرة3 قال: ثنا عبد الله بن يزيد
المقرئ عن الليث عن نافع عن ابن عمر أن4 النبي صلى الله عليه
وسلم قال:
"لا يأكل أحدكم من أضحيته فوق ثلاثة أيام"5.
والناسخ لذلك ما أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال: ثنا عبد
الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: ثنا محمد بن جعفر
قال: ثنا شعبة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن جابر بن عبد الله
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نتزود لحوم الأضاحي
إلى المدينة. قال: أبو عبد الله6: وفي هذه أخبار كثيرة في قوله
صلى الله عليه وسلم:
"كنت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، صف: "سويد بن مسلمة".
2 رواه أبو داود في السنن في كتاب الطهارة باب الوضوء بماء
البحر وهو عن أبي هريرة قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: يارسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من
الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
"هو
الطهور ماءه الحل ميتته" 1/ 21.
ورواه الترمذي في سننه في أبواب الطهارة باب ما جاء في ماء
البحر أنه طهور، وقال: عنه "حديث حسن صحيح" 1/ 47. ورواه
النسائي في سننه في كتاب الطهارة باب ماء البحر 1/ 50. ورواه
ابن ماجه في كتاب الطهارة باب الوضوء بماء البحر 1/ 136. ورواه
أحمد في مسنده 2/ 237، 261 و3/ 373 و 5/ 365.
3 صف: "ميسرة".
4 ش، صف: "عن".
5 رواه مسلم في صحيحه في كتاب الأضاحي باب بيان ما كان من
النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام 3/ 1560.
ورواه الإمام أحمد في المسند 2/ 9.
6 ش، صف: "قال الحاكم".
ص -145-
نهيتكم عن لحوم الأضاحي1
ألا فكلوا منها وتزودوا"2.
حديث منسوخ: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني
بالكوفة قال: ثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري قال: ثنا محمد بن
[عبيد عن]3 عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال:
"الميت يعذب ببكاء أهله عليه"4. رواه يحيى بن سعيد وقال: فيه عن عمر، والناسخ لذلك ما أخبرنا أبو
بكر بن أبي نصر الداربردي بمرو قال: ثنا أحمد بن محمد بن عيسى
القاضي قال: ثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن
أمه عمرة أنها أخبرته أنها سمعت عائشة رضي الله عنها وذكر لها
أن عبد الله بن عمريقول: أن الميت يعذب ببكاء الحي عليه، فقالت
عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما أنه لم يكذب ولكنه نسي
أو أخطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على يهودية يبكى
عليها فقال:
"إنهم يبكون وإنها تعذب في قبرها"5.
قال: الحاكم6: فقد جعلت هذه الأحاديث الناسخة لما تقدمها مثلًا
لحديث كثير لا يحتمل الموضع ذكرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش، صف: "الأضاحي فكلوا منها وتزودوا".
2 وراه مسلم في صحيحه في كتاب الأضاحي ولفظه: عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث. ثم قال
بعد:
"كلوا وتزودوا وادخروا" 3/ 1562. ورواه ابن ماجه في سننه في كتاب الأضاحي باب ادخار لحوم
الأضاحي وهو عن نبيشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث. فكلوا وادخروا" 2/ 1055.
3 الزيادة عن ظ، خ، ش وصف.
4 رواه مسلم في صحيحه في كتاب الجنائز باب الميت يعذب ببكاء
أهله عليه ولفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن الميت ليعذب ببكاء أهله"
2/ 640، ورواه أبو داود في سننة في كتاب الجنائز باب في النوح
3/ 194. ورواه ابن ماجه في السنن في كتاب الجنائز باب ما جاء
في الميت يعذب بما نيح عليه 1/ 508.
5 رواه أبو داود في سننه في كتاب الجنائز باب في النوح 3/ 194.
6 زيادة في خ.
ص -146-
ذكر النوع الثاني والعشرين من معرفة علوم الحديث: "الألفاظ الغريبة في
المتون"
هذا1 النوع منه معرفة الألفاظ الغريبة في المتون، وهذا علم قد
تكلم فيه جماعة من أتباع التابعين، منهم مالك والثوري وشعبة
فمن بعدهم. فأول من صنف الغريب في الإسلام النضر بن شميل، له
فيه كتاب هو عندنا بلا سماع، ثم صنف فيه أبو عبيد القاسم بن
سلام2 كتابه الكبير الذي أخبرناه محمد بن محمد بن الحسن
الكارزي قال: ثنا علي بن عبد العزيز قال: ثنا أبو عبيد3.
فحدثني أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس بن سلمة العنزي4 قال:
ثنا أبو الحسن علي بن محمد الهروي قال: سمعت هلال بن العلاء
الرقي يقول: من الله تعالي ذكره5 على هذه الأمة بأربعة:
بالشافعي بفقه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي
عبيد فسر غرائب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيحيى
بن معين نفى الكذب عن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وبأحمد بن جنبل ثبت في المحنة بأمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم، لولاهم لذهب الإسلام.
قال: أبو عبد الله: وقد صنف الغريب بعد أبي عبيد جماعة منهم
علي بن6 المديني وإبراهيم بن إسحاق الحربي وعبد الله بن مسلم
القتيبي7 وغيرهم وفي أهل عصرنا من صنفه، وأنا ذاكر بمشيئة الله
في هذا الموضع من الحديث ما لم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في خ، ش، صف مصدر بالعبارة: "قال الحاكم".
2 يقصد بذلك كتابه المعروف باسم: "غريب الحديث" وهو كتاب مطبوع
في ثلاث مجلدات.
3 خ، ش، صف: "أبو عبيدة" وهو غلط.
4 زيادة في خ، ش وصف.
5 لم ترد هذه الكلمة في ظ، خ و ش.
6 ش، صف: "علي بن عبد الله المديني".
7 في خ، ش: "القتى" كذا بالأصل وأيضًا في ظ: "القتيبي" ولعله
عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ذكره صاحب كشف الظنون،
فليتأمل.
ص -147-
يذكره واحد منهم في كتابه ليستدل به على شواهده إن شاء الله.
سمعت أبا زكرياء يحيى بن محمد العنبري يقول: في حديث أنس في
قصة الحديبية "أعطه الحذيا" قال: البشارة يقال لها الحذيا
والعرب تقول حذوته1 بالحذيا وإنما يعني البشارة بالخير.
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: ثنا الحسن بن علي بن عفان
العامري قال: ثنا أبو أسامة قال: ثنا عامر بن عبيدة الباهلي
قال: ثنا أبو المليح الهذلي عن أبيه قال: كنا مع النبي صلى
الله عليه وسلم فأصابنا بغيش من مطر فنادى منادي النبي صلى
الله عليه وسلم ونحن في سفر:
"من شاء أن يصلي في رحله فليفعل"
2 3. قال: أبو عبد الله: سألت الأدباء معنى البغيش فقالوا:
المطر والعرب تقول بغشة4 وبغيش.
أخبرنا أبو أحمد إسحاق بن محمد بن خالد بن شيرويه بن بهرام
الهاشمي بالكوفة قال: ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة قال: ثنا
خالد بن مخلد القطواني قال: ثنا معاوية بن أبي مزرد عن أبيه عن
أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بيد
الحسين بن علي فيرفعه على باطن قداميه5 فيقول:
"حُزُقَّه حُزُقَّه، تَرَقَّ عين بَقَّه، اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من
يحبه".
قال: أبو عبد الله6: سألت الأدباء عن معنى هذا الحديث فقالوا
لي: أن الحزقة المقارب الخطى والقصير الذي يقرب خطاه، وعين بقة
أشار إلى البقة التي تطير ولا شيء أصغر من عينها لصغرها،
وأخبرني بعض الأدباء أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في النسخ كلها: "حذته" والصواب: "حذوته" كما ضبطنا.
2 رواه مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة المسافرين باب الصلاة في
الرحال في المطر 1/ 485.
3 ش، صف: "قال الحاكم".
4 ش، صف: "بغيشة".
5 خ، ش، صف: "قدمه".
6 ش، صف: "قال الحاكم".
ص -148-
النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالبقة فاطمة رضي الله عنها
فقال للحسين: يا قرة عين بقة ترق والله أعلم.
سألت أبا زكرياء يحيى بن محمد العنبري عن قول النبي صلى الله
عليه وسلم:
"المعتكف معكف الذنوب"، فقال: المعتكف في معنى المحتبس والمعكوف المحبوس، قال الله عز
وجل:
{وَالْهَدْيَ
مَعْكُوفًا}1 أي محبوسًا، وروى عن عثمان بن عطاء أنه قال: مثل المعتكف كمثل
الملازم لغريمه فالمعتكف لذنوبه ملازم باب سيده فيقول: لا أبرح
من بابك حتى تغفر لي وترحمني، ولا يبرح من بابه ساعة واحدة
ولذلك نهى المعتكف عن مجامعة النساء؛ لأنه يترك ملازمة الدعاء
ويشتغل بلهو النساء، قال الله عز وجل:
{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد}2.
المباشرة ههنا الجماع وهو مثل قوله:
{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنّ}3 يعني جامعوهن في ليالى
شهر رمضان، فأبيح للصائم غير المعتكف الجماع وحظر عليه الجماع
في الاعتكاف وإنما تطيروا بذكر الاحتباس فتفاءلوا بذكر
الاعتكاف وهو مثل المهر للحرائر والثمن للمماليك والإماء وكذلك
الوصي للميت والوكيل للحي والمعنى واحد والله أعلم.
سمعت أبا زكرياء العنبري يقول: حدثنا أحمد بن خالد الدامغاني
قال: ثنا هشام بن عمار قال: ثنا صدقة قال: ثنا عثمان بن أبي
العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
"عليكم بهذا العلم قبل أن يقبض وقبل أن يرفع"، ثم جمع بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام هكذا ثم قال:
"العالم والمتعلم في الخير شريكان ولا خير في سائر الناس بعد". قال: أبو
زكرياء: فالعالم والمتعلم في الأجر سيان كما أن الداعي والمؤمن
في الدعاء شريكان، قال الله عز وجل في شأن الدعاء في قصة موسى
وهارون صلى الله عليهما:
{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}4 كما حدثنا محمد بن عبد السلام قال: ثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الفتح، الآية 25.
2 سورة البقرة، الآية 187.
3 سورة البقرة، الآية 187.
4 سورة يونس، الآية 89.
ص -149-
إسحاق بن إبراهيم قال: ثنا أبو نعيم قال: ثنا أبو جعفر الرازي
عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: قد أجيبت دعوتكما قال:
دعى موسى وأمن هارون.
سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد صاحب ثعلب يقول:
أخبرني ثعلب قال: أخبرني أبو نصر عن الأصمعي قال: العرب تقول:
لقست نفسي أي غثت، قال ثعلب: ومنه النهي في قوله صلى الله عليه
وسلم:
"لا يقولن أحدكم خبثت نفسي وليقل لقست نفسي"1.
حدثنا2 أبو عمر قال: أنا ثعلب عن ابن الأعرابي؛ قال: العرب
تقول لقست نفسي أي ضاقت، قال ثعلب فعلى3 قول ابن الأعرابي هو
أجود؛ لأن النفس تضيق من الأمر ولا يكون بها غثيان4؛ لأن
الغثيان ضرب من الوجع5.
قرأت بخط أبي العباس محمد بن يعقوب عن محمد بن عبد الوهاب قال:
قلت لعلي بن عثام: لم سموا نقباء؟ قال: النقيب الضمين ضمنوا
لرسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام قومهم فسموا بذلك نقباء.
حدثنا مكي6 بن بندار الزنجاني عن بعض مشايخه عن أبي العيناء
قال: ثنا الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء عن أبيه عن جده قال:
سمعت عليا يقول:
طوبى لمن كانت له مزخه
يزخها ثم ينام الفخه7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الإمام أحمد في المسند عن عائشة رضي الله عنها قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا يقولن
أحدكم نفسي خبيثة ولكن يقول نفسي لقسة"
6/ 66.
2 بالأصل: "ثنا"، ظ: "قال" وش، صف: "أخبرنا".
3 خ، ش وصف: "فعندي".
4 بالأصل: "غشيان لأن الغشيان" محرفًا عن: "غثيان لأن
الغثيان".
5 هكذا في ش وصف، وبالأصل وأيضًا في ظ وخ: "حدثنا أبو عمر قال:
أنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العرب تقول: قست نفسي أي ضاقت،
قال ثعلب: فعلى قول ابن الأعرابي هو أجود؛ لأن النفس تضيق من
الأمر ولا يكون بها غثيان؛ لأن الغثيان ضرب من الوجع". سياق
العبارة يدل على صحة ما في ش وصف كما أثبتنا.
6 خ، ش، صف: "علي بن بندار".
7 خ، ش: "الفخذه" وهو خطأ.
|