معرفة علوم الحديث ط احياء العلوم

ص -150-      ذكر النوع الثالث والعشرين من معرفة علوم الحديث : "المشهور من الحديث"
هذا1 النوع من هذه العلوم معرفة المشهور من الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهور من الحديث غير الصحيح فرب حديث مشهور لم يخرج في الصحيح2. من ذلك قوله3 صلى الله عليه وسلم:
"طلب العلم فريضة على كل مسلم"، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها"4، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "الخوارج كلاب النار"، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي"، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا انتصف شعبان فلا صيام حتى يجيء رمضان"، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "أفطر الحاجم والمحجوم"، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة5 بلجام من نار"6، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "من مس ذكره فيتوضأ"، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس"، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم". فكل هذه الأحاديث مشهورة بأسانيدها وطرقها وأبواب يجمعها أصحاب الحديث

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اكتفيت بتعليق الحاكم على الأحاديث الآتية خوفًا من الإطالة في تحقيق جميع هذه الأحاديث.
2 في خ، ش وصف ومصدر بالعبارة: "قال الحاكم".
3 خ، ش، صف: "قول النبي".
4 نضر الله: أي كساه النضرة والهيبة والجمال. وهذا دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم لمن اشتغل بتبليغ كلام النبوة. أخرجه الترمذي 3/ 372 "أبواب العلم: باب في الحث على تبليغ السماع" وقال: حسن صحيح. وابن ماجه برقم "232" وقال: حديث حسن صحيح وأحمد في المسند برقم 1/ 166.
5 زيادة في خ، ش وصف.
6 الحديث رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح أخرجه أبو داود برقم "3658" العلم -باب كراهية منع العلم. والترمذي برقم 3/ 370 العلم: باب ما جاء في كتمان العلم. وابن ماجه رقم "261" باب: من سئل عن علم فكتمه.

 

ص -151-      وكل حديث منها تجمع طرقه في جزء أو جزئين ولم يخرج في الصحيح منها حرف1.
وأما الأحاديث المشهورة المخرجة في الصحيح فمثل قوله صلى الله عليه وسلم:
"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"2 الحديث، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس" الحديث3، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى الجمعة فليغتسل"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا" الحديث، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "كل معروف صدقة"4، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الإمام ليؤتم به"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "تقتل عمارًا الفئة الباغية"، وأمره صلى الله عليه وسلم: "برفع اليدين في الصلاة عند الركوع ورفع الرأس"، وأمره صلى الله عليه وسلم "بإفراد الإقامة"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"5، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقاطعوا ولا تدابروا"، والطوالات من الأحاديث مثل حديث الإيمان وحديث الزكاة وحديث الحج وحديث الإفك وحديث التوبة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لكنا نقول قد أخرج بعض هذه الأحاديث في الصحيح كحديث: "
أفطر الحاجم والمحجوم"، وكقوله عليه السلام: "نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها".
2 أخرجه مسلم في صحيحه: 3/ 1515 الإمارة: باب قوله صلى الله عليه وسلم:
"إنما الأعمال بالنية". وأخرجه البخاري برقم 1/ 9 بدئ الوحي: أول حديث فيه.
3 في هذا الحديث، الحث على حفظ العلم والعمل به.
أخرجه البخاري 1/ 194 العلم: باب كف يقبض العلم. ومسلم في صحيحه 4/ 2058 العلم: باب رفع العلم وقبضه.
4 المعروف هو الخير، والرفق والإحسان، أي أعمال البر والخير.
أخرجه البخاري 10/ 447 الأدب: باب كل معروف صدقة: مسلم برقم 2/ 697 الزكاة: باب بيان أن اسم الزكاة يقع على كل نوع من المعروف.
5 المسلم: أي كامل الإسلام، والمهاجر: أي من أراد الهجرة -وثوابها عظيم- فليترك ما حرم الله ونهى عنه، وهي ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء.
أخرجه البخاري 1/ 53 الإيمان: باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
ومسلم برقم 1/ 65 الإيمان: باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل.

 

ص -152-      وحديث المعارج وحديث الشفاعة وحديث القبر1 وحديث أم زرع.
ومن الطوالات المشهورة التي لم تخرج في الصحيح حديث الطير وحديث عرض القبائل وحديث والآن العدوى وحديث الشورى وحديث2 سقيفة بني ساعدة3 ومقتل عثمان رضي الله عنه وحديث سطيح وعجائب:
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم} وحديث بلوقيا وحديث حليمة وحديث قس بن ساعدة وحديث أم معبد وغيرها من الطوالات.
فهذه الأنواع التي ذكرنا4 من المشهورة التي يعرفها أهل العلم وقل ما يخفى ذلك عليهم وهو المشهور الذي يستوي في معرفته الخاص والعام.
وأما المشهور الذي يعرفه أهل الصنعة فمثال ذلك ما حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن أبي الوزير التاجر قال: ثنا أبو حاتم الرازي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثني سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان"5.
قال: أبو عبد الله6: هذا حديث مخرج في الصحيح وله رواة عن أنس غير أبي مجلز ورواه عن أبي مجلز غير التيمي ورواه عن التيمي غير الأنصاري ولا يعلم ذلك غير أهل الصنعة فإن الغير إذا تأمله يقول سليمان التيمي7: هو صاحب أنس وهذا حديث غريب أن يرويه عن رجل عن أنس ولا يعلم أن الحديث عند الزهري وقتادة وله عن قتادة طرق كثيرة ولا يعلم أيضًا أن الحديث بطوله في ذكر العرنيين يجمع ويذاكر بطرقه. وأمثال هذا الحديث ألوف من الأحاديث التي لا يقف على شهرتها غير أهل الحديث والمجتهدين في جمعه ومعرفته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في ظ، خ، ش، صف: "القبر" وبالأصل "الفتن" لعله تحريف.
2 زيادة في ش وصف.
3 حديث سقيفة بن ساعدة مخرج في صحيح البخاري.
4 خ، ش، صف: "ذكرتها".
5 رواه البخاري في صحيحه في كتاب الوتر باب القنوت قبل الركوع وبعده 2/ 32 ورواه مسلم في صحيحه في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة 1/ 468. ورواه أبو داود في السنن كتاب صلاة الوتر باب القنوات في الصلوات 2/ 68.
6 خ، ش، صف: "قال الحاكم".
7 زيادة في ظ، خ و ش.

 

ص -153-      ذكر النوع الرابع والعشربن من معرفة علوم الحديث: "الغريب من الحديث"
هذا1 النوع منه معرفة الغريب من الحديث، وليس هذا العمل ضد الأول فإنه يشتمل على أنواع شتى لا بد من شرحها في هذ الموضع.
فنوع منه غرائب الصحيح: مثال ذلك ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن الجبار قال: ثنا يونس بن بكير عن عبد الواحد بن أيمن المخزومي قال: حدثني أيمن قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا يوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فيه كذانة وهي الجبل، فقلت: يا رسول الله، كذانة قد عرضت فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"رشوا عليها" ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها وبطنه معصوب بحجر من الجوع، فذكر حديثًا طويلًا فيه ذكر أهل الصفة ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم إياهم وهو حديث في ورقة. قال: الحاكم2: رواه البخاري في الجامع الصحيح عن خلاد بن يحيى المكي عن عبد الواحد بن أيمن. فهذا حديث صحيح وقد تفرد به عبد الواحد بن أيمن عن أبيه وهو من غرائب الصحيح3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في خ، ش وصف مصدر بالعبارة: "قال الحاكم".
2 زيادة في خ، ش وصف.
3 الأمر ليس كذلك؛ لأنه قد تابع سعيد بن ميناء أيمن وتابع حنظلة بن أبي سفيان عبد الواحد، راجع البخاري "الطبع المصطفائي" ص589.

 

ص -154-      ومن ذلك ما حدثناه أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى بن أسد قال: ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي العباس الأعمى الشاعر عن عبد الله بن عمرو قال: لما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف فلم ينل منهم شيئًا فقال: "إنا قافلون إن شاء الله غدًا"، فقال: المسلمون: أنرجع1 ولم نفتحه؟ فقال لهم: "اغدوا على القتال"، فغدوا فأصابهم جراح، فقال لهم: "إنا قافلون غدًا"، فأعجبهم ذلك، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحاكم2: رواه مسلم في المسند الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن سفيان، وهو غريب صحيح فإني لا أعلم أحدًا حدث به عن عبد الله بن عمرو غير أبي العباس السائب بن فروخ الشاعر ولا عنه غير عمرو بن دينار ولا عنه غير سفيان بن عيينة، فهو غريب صحيح.
والنوع الثاني من غريب الحديث غرائب الشيوخ: مثاله3 ما حدثناه أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: ثنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يبيع حاضر لبادٍ"4.
قال الحاكم5: هذا حديث غريب لمالك بن أنس عن نافع وهو إمام يجمع حديثه تفرد به عنه الشافعي وهو إمام مقدم لا نعلم أحدًا حدث به عنه غير الربيع بن سليمان وهو ثقة مأمون.
حدثنا6 أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو قال: حدثنا سعيد بن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في ظ، خ، ش وصف: "أنرجع" وفي الأصل: "نرجع" بإسقاط همزة الاستفهام.
2 زيادة في خ، ش وصف.
3 خ، ش، صف: "مثل ذلك".
4 رواه الإمام مالك في الموطأ في كتاب البيوع باب ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة 2/ 96. والحديث في كتاب البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وفي مسند أحمد.
5 زيادة في خ، ش وصف.
6 ظ: "أخبرنا".

 

ص -155-      مسعود قال: حدثنا النضر بن شميل قال: ثنا شعبة عن حصين عن أبي وائل عن عبد الله حديث التشهد1.
قال: الحاكم2: هذا حديث يعد في أفراد النضر بن شميل عن شعبة وقد تابعه بدل بن المحبر ولا أعلم له راويًا عن النضر بن شميل غير سعيد بن مسعود.
والنوع الثالث من غريب الحديث غرائب المتون: مثال ذلك ما حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسحاق الخزاعي3 بمكة قال: حدثنا أبو يحيى بن مسرة قال: حدثنا خلاد بن يحيى قال: ثنا أبو عقيل عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:
"إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله؛ فإن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى"4.
قال الحاكم5: هذا حديث غريب الإسناد والمتن. فكل ما روي فيه فهو من الخلاف على محمد بن سوقة، فأما ابن المنكدر عن جابر فليس يرويه غير محمد بن سوقة وعنه أبو عقيل وعنه خلاد بن يحيى.
حدثنا6 أبو الحسن محمد بن المظفر الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن غزوان قال: ثنا علي بن جابر قال: ثنا محمد بن خالد بن عبد الله قال: ثنا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش، صف: "الشهيد".
2 زيادة في خ، ش وصف.
3 خ، ش، صف: "الفاكهي".
4 أول الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: $"إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق" 3/ 199 وقال العجلوني عن الحديث: رواه البزار عن جابر بلفظ:
"إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، فإن المنبت لا ظلًّا.." الحديث" 1/ 300.
5 زيادة في خ، ش، صف.
6 في ظ، خ، وصف: حدثني محمد بن المظفر.

 

ص -156-      محمد بن فضيل قال: ثنا محمد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله، أتاني ملك فقال: يا محمد، وسل1 من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ قال: قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب".
قال الحاكم2: تفرد به علي بن جابر عن محمد بن خالد عن محمد بن فضيل ولم نكتبه3 إلا عن ابن4 مظفر وهو عندنا حافظ ثقة مأمون.
فهذه الأنواع التي ذكرتها مثال لألوف من الحديث يجري على مثالها وسننها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش، صف: "واسئل".
2 زيادة في خ، ش وصف.
3 خ، ش، صف: "ولم يكتبه".
4 زيادة في خ، ش وصف.

ذكر النوع الخامس والعشرين من معرفة1 علوم الحديث: "الأفراد من الأحاديث"
هذا2 النوع منه3 معرفة الأفراد من الأحاديث4 وهو على ثلاثة أنواع:
فالنوع الأول منه:
معرفة سنن رسول5 الله صلى الله عليه وسلم يتفرد بها أهل مدينة واحدة عن الصحابي، ومثال ذلك6 ما حدثناه أبو نصر أحمد بن نهل الفقيه ببخارا وقال: ثنا صالح بن محمد بن حبيب الحافظ قال: ثنا علي بن حكيم قال: ثنا شريك عن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، خ، ش، صف: "علوم".
2 في خ، ش وصف مصدر بالعبارة: "قال الحاكم".
3 بالأصل: "فيه" وهو محرف عن: "منه".
4 خ، ش، صف: "الحديث".
5 خ، ش، صف: "لرسول الله".
6 خ، ش، صف: "ومثاله".

 

ص -157-      أبي الحسناء عن الحكم بن عتيبة عن حنش قال: كان علي رضي الله عنه يضحي بكبشين بكبش عن النبي صلى الله عليه وسلم وبكبش عن نفسه وقال: كان أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه أبدًا.
قال الحاكم1: تفرد به أهل الكوفة من أول الإسناد إلى آخره لم يشركهم فيه أحد.
ومنه ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: ثنا هلال بن العلاء الرقي قال: حدثنا أبو الوليد قال: ثنا همام عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ فاتحة الكتاب وما تيسر".
قال الحاكم1: تفرد بذكر الأمر فيه أهل البصرة من أول الإسناد إلى آخره لم يشركهم في هذا اللفظ سواهم.
ومنه ما حدثنا أبو علي محمد بن علي بن عمر المذكر قال: ثنا أبو الأزهر قال: حدثنا ابن أبي فديك قال: أخبرنا الضحاك بن عثمان عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة لما توفي سعد بن أبي وقاص قالت: "ادخلوا به المسجد حتى أصلي عليه فأنكر ذلك عليها فقالت: والله، لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء وأخيه في المسجد".
قال الحاكم1: تفرد به أهل المدينة ورواته كلهم مدنيون، وقد روي بإسناد آخر عن موسى بن عقبة عن عبد الواحد بن حمزة عن عبد الله بن الزبير عن عائشة وكلهم مدنيون لم يشركهم فيه أحد.
ومنه ما حدثني أبو علي الحسين بن علي الحافظ قال: ثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بن أبي عبد الله المديني بمصر قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: ثنا بن وهب قال: ثنا عمرو بن الحارث عن حبان بن واسع بن حبان عن أبيه عن عبد الله بن زيد الأنصاري: قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فأخذ ماء لأذنيه خلاف الماء الذي مسح به رأسه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زيادة في خ، ش وصف.

 

ص -158-      قال الحاكم1: هذه سنة غريبة تفرد بها أهل مصر ولم يشركهم فيها أحد.
ومنه ما حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الإمام قال: أخبرنا إسماعيل قتيبة قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: ثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه:
"ألا إنه ستفتح عليكم أرض العجم -أو قال: "الأعاجم"- وفيها بيوت تدعى الحمامات ألا وهن2 حرام على رجال أمتي إلا بأزر وعلى نساء أمتي إلا نفساء أو سقيمة"3.
قال الحاكم4: تفرد بذكر تحريم الحمامات على النساء أهل الشام بهذا الإسناد.
[ومنه5 ما] أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسحاق الخزاعي بمكة قال: ثنا أبو يحيى عبد الله بن أحمد بن زكرياء بن أبي مسرة المكي قال: حدثنا خلاد بن يحيى المكي قال: ثنا إسماعيل بن عبد الملك، وهو ابن أبي الصفير، مكي، عن عبد الله بن أبي مليكة، وهو مكي، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها فقالت: "يارسول الله، خرجت من عندي وأنت طيب النفس لما رأيت من أمتك ثم رجعت إلي خاثرًا حزينًا، فقال:
"إني دخلت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زيادة في خ، ش وصف.
2 خ، ش، صف: "وهي".
3 رواه أبو داود في سننه في كتاب الحمام ولفظه فيه:
"إنها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتًا يقال لها: الحمامات، فلا يدخلنها الرجال الإ بالأزر، وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء" 4/ 39 ورواه ابن ماجه في سننه في كتاب الأدب باب دخول الحمام 2/ 1233.
4 زيادة في خ، ش وصف.
5 زيادة في ظ، خ، ش وصف.

 

ص -159-      الكعبة وودت أن لم أكن دخلتها إن1 أكون أتعبت أمتي"2.
قال الحاكم3: هذا حديث تفرد به أهل مكة وليس في رواته إلا مكي.
ومنه ما حدثنا أبو أحمد علي بن محمد الحنيني4 بمرو قال: حدثنا إبراهيم بن هلال البوزنجردي قال: ثنا علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت أبا حمزة السكري يقول: استشار قتيبة بن مسلم أهل مرو في رجل يجعله على القضاء فأشاروا عليه بعبد الله بن بريدة فدعاه وقال له: إني قد جعلتك على القضاء بخراسان، فقال: ابن بريدة: ما كنت لأجلس على قضاء بعد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته من أبي بريدة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"القضاة ثلاثة فإثنان في النار وواحد في الجنة: فأما الاثنان فقاض قضى بغير الحق وهو يعلم فهو في النار وقاض قضى بغير الحق وهو لا يعلم فهو في النار. وأما الواحد الذي هو في الجنة فقاض قضى بالحق فهو في الجنة"5.
قال الحاكم6: هذا حديث تفرد به به الخراسانيون فإن رواته عن آخرهم مراوزة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش، صف: "وان".
2 رواه الترمذي في سننه في أبواب الحج باب ما جاء في دخول مكة ولفظه فيه: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندي وهو قرير العين طيب النفس، فرجع إلي وهو حزين، فقلت له، فقال:
"إني دخلت الكعبة ووددت أني لم أكن فعلت، إني أخاف أن أكون أتعبت أمتي من بعدي" 2/ 180. ورواه ابن ماجه في سننه في كتاب المناسك باب دخول الكعبة 2/ 1018-1019.
3 زيادة في خ، ش وصف.
4 خ، ش: "الجيبي".
5 رواه أبو داود في سننه في كتاب الأقضية باب في القاضي يخطئ وهو عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"القضاء ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار. فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جل فهو في النار" 3/ 299، ورواه ابن ماجه في سننه في كتاب الأحكام باب الحاكم يجتهد فيصيب الحق 2/ 776.
6 زيادة في خ، ش وصف.

 

ص -160-      والنوع الثاني من الأفراد:
أحاديث يتفرد بروايتها رجل واحد عن إمام من الأئمة.
ومثال ذلك ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: ثنا أحمد بن شيبان الرملي قال: ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى نجد فبلغت سهمانهم اثني عشر بعيرًا، فنفلنا النبي صلى الله عليه وسلم بعيرًا بعيرًا"1.
قال الحاكم2: تفرد به سفيان بن عيينة عن الزهري وعنه أحمد بن شيبان الرملي.
ومنه ما حدثناه أبو الحسن علي بن الفضل السامري في بغداد قال: ثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا إبراهيم بن محمد المدني عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"سدوا هذه الأبواب الشوارع التي في المسجد إلا باب أبي بكر؛ فإني لا أعلم رجلًا من الصحابة أحسن يدًا من أبي بكر رضي الله عنه"3.
قال الحاكم2: تفرد به إبراهيم بن محمد المدني عن الزهري وعنه الحسن بن عرفة.
ومنه ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: ثنا هارون بن سليمان الأصبهاني قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور والأعمش وواصل الأحدب عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال:
"أن تجعل لله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في صحيحه في كتاب الغزوات باب السرية التي قبل نجد ولفظه: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد فكنت فيها، فبلغت سهامنا اثني عشر بعيرًا، ونفلنا بعيرًا بعيرًا" 5/ 203 ورواه أحمد في مسنده 2/ 10، 62.
2 زيادة في خ، ش وصف.
3 رواه الدارمي في سننه في المقدمة باب في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو جزء من حديث 1/ 38.

 

ص -161-      ندا وهو خلقك"، قلت: ثم ماذا؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك"، قلت: ثم ماذا؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك"1.
وقال: تفرد به عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري عن واصل.
قال: أبو عبد الله: هذا النوع من الأفراد يكثر ولا يمكن ذكره لكثرته وهو عند أهل الصناعة متعارف وقد ذكرنا مثاله.
فأما النوع الثالث من الأفراد:
فإنه أحاديث لأهل المدينة تفرد بها عنهم أهل مكة مثلًا وأحاديث2 لأهل مكة ينفرد3 بها عنهم أهل المدينة مثلًا وأحاديث ينفرد4 بها الخراسانيون عن أهل الحرمين مثلًا، وهذا نوع يعز وجوده وفهمه.
ومثال ذلك ما حدثناه أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي قال: ثنا موسى بن سهل بن كثير قال: ثنا إسماعيل بن علية عن خالد الحذاء عن ابن أشوع عن الشعبي عن وراد قال: كتب معاوية بن أبي سفيان إلى المغيرة: اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه أنه كان ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.
قال الحاكم5: سعيد بن عمرو بن أشوع شيخ من ثقات الكوفيين يجمع حديثه ويعز وجوده وليس هذا الحديث عند الكوفيين عنه إنما ينفرد6 به أبو المنازل خالد بن مهران الحذاء7: البصري عنه.
وحدثنا أبو بكر الشافعي قال: ثنا محمد بن شداد قال: ثنا أبو زكير يحيى بن محمد بن قيس قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في صحيحه في كتاب الأدب باب قتل الولد خشية أن يأكل معه بنفس الإسناد 8/ 9. ورواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده 1/ 90-91.
2 زيادة في خ، ش وصف.
3 زيادة في خ، ش وصف.
4 خ، ش، صف: "تفرد".
5 زيادة في خ، ش وصف.
6 خ، ش، صف: "يتفرد".
7 زيادة في خ، ش وصف.

 

ص -162-      قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلوا البلح بالتمر فإن الشيطان إذا رآه غضب وقال: عاش ابن آدم أكل الجديد بالخلق"1.
قال الحاكم: تفرد به أبو2 زكير عن هشام بن عروة وهو من أفراد البصريين عن المدنيين فإن يحيى بن محمد بن قيس بصري مخرج حديثه في كتاب مسلم وهشام بن عروة بن الزبير3 مدني.
حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ببغداد قال: ثنا محمد بن عيسى المدايني قال: ثنا محمد بن الفضل بن العطية قال: حدثنا أبو إسحاق وحدثنا أبو العباس المحبوبي قال: حدثنا محمد بن الليث قال: ثنا يحيى بن إسحاق الكاجغوني4 قال: ثنا عبد الكبير5 بن دينار عن ابن إسحاق عن البراء قال: كان رجل يقال له: نعم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
"أنت عبد الله". قال أبو عبد الله: أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي إمام تابعي من أهل الكوفة وليس هذا الحديث عند الكوفيين عنه فإن عبد الكبير بن دينار مروزي ومحمد بن الفضل بن عطية بخاري وقد تفردا به عنه فهو من أفراد الخراسانيين عن الكوفيين.
حدثنا إبراهيم بن عصمة بن إبراهيم العدل ومحمد بن سليمان بن منصور المذكر قالا حدثنا الحسين بن داؤد بن معاذ البلخي قال: ثنا الفضيل بن عياض

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن ماجه في سننه في كتاب الأطعمة باب أكل البلح بالتمر وهو بنفس لفظ المصنف وقال في الزوائد: في إسناده أبو زكريا يحيى بن محمد ضعفه ابن معين وغيره.
وقال ابن عدي: أحاديثه مستقيمة سوى أربعة أحاديث. قال السندي: قلت وقد عد هذا الحديث من جملة تلك الأحاديث. وقال النسائي: إنه حديث منكر 2/ 1105.
2 زيادة في خ، ش وصف.
3 زيادة في ظ، خ، ش وصف.
4 خ، ش، صف: "الكاجغري" ويقال أيضًا "بدل الجيم شينًا" "الكاشغري" كما ذكره صاحب لسان الميزان.
5 ش، صف: "الكبير بن دينار" والصواب ما في الأصل، ذكره صاحب لسان الميزان.

 

ص -163-      قال: ثنا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
"يقول الله عز وجل للدنيا يا دنيا، اخدمي من خدمني وأتعبي يا دنيا من خدمك".
قال الحاكم1: هذا حديث من أفراد الخراسانيين عن المكيين فإن الحسين بن داؤد بلخي والفضل بن عياض عداده في المكيين.
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدثنا خالد بن نزار الإيلي قال: أخبرنبي نافع بن عمر الجمحي عن بشر بن عاصم عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"أبغض الرجال إلى الله البليغ الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها"2.
قال الحاكم: وهذا الحديث من أفراد المصريين عن المكيين فإن خالد بن نزار عداده في المصريين ونافع بن عمر مكي.
حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي قال: ثنا الحسين بن داؤد بن معاذ قال: ثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا محمد بن سوقه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا كمقامي فيكم"3 الحديث.
قال الحاكم1: وهذا الحديث من أفراد الخراسانيين عن الكوفيين فإن عبد الله بن المبارك إمام أهل خراسان وهذا يعد في أفراده عن محمد بن سوقه وهو كوفي وقد حدث به أيضًا النضر بن إسماعيل البجلي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زيادة في خ، ش وصف.
2 رواه أبو داود في سننه في كتاب الأدب باب ما جاء في المشتدق في الكلام ولفظه فيه:
"إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه الباقرة بلسانها" 4/ 302. ورواه الإمام أحمد في مسنده 2/ 165.
3 الحديث أخرجه مسلم 8/ 173 وأخرجه الألباني في مختصر مسلم برقم 1993.

 

ص -164-      حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار قال: ثنا أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد بن سلام الرازي بأصبهان قال: ثنا يحيى بن الضريس قال: ثنا عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب قال: ثنا أبي عن أبيه عن جده عن علي قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون}1 فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد والناس يصلون بين راكع وقائم فصلى، فإذا سائل قال: يا سائل أعطاك أحد شيئًا؟ فقال: لا إلا هذا الراكع لعلي أعطاني خاتمًا.
قال الحاكم2: هذا حديث تفرد به الرازيون عن الكوفيين فإن يحيى بن الضريس الرازي قاضيهم وعيسى العلوي من أهل الكوفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المائدة، الآية 55.