معرفة علوم الحديث ط احياء العلوم

ذكر النوع السادس والعشرين من معرفة علوم الحديث: "معرفة المدلسين"
هذا1 النوع من هذه العلوم معرفة المدلسين الذين لا يميز من كتب عنهم بين ما سمعوه وما لم يسمعوه، وفي التابعين وأتباع التابعين وإلى عصرنا هذا منهم جماعة.
حدثنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد النحوي ببغداد قال: ثنا أحمد بن بشر المرثدي قال: حدثنا خالد بن خراش قال: سمعت حماد بن زيد يقول: المدلس متشبع بما لم يعط.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن بطة الأصبهاني قال: ثنا محمد بن عبد الله بن رسته2 الأصبهاني قال: ثنا سليمان بن داؤد المنقري قال: سمعت عبد الصمد بن عبد الوارث يحدث عن أبيه قال: التدليس ذل، قال سليمان:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في خ، ش، صف مصدر بالعبارة: "قال الحاكم".
2 في ظ، خ: "دسته" وهو غلط.

 

ص -165-      التدليس والغش والغرور والخداع والكذب يحشر يوم تبلى السرائر في نفاذ واحد.
أخبرنا أبو العباس السياري قال: أخبرنا أبو الموجه قال: أخبرنا عبدان قال: ذكر لعبد الله بن المبارك رجل ممن كان يدلس فقال: فيه قولًا شديدًا وأنشد فيه:

دلس للناس أحاديثه                              والله لا يقبل تدليسًا

قال أبو عبد الله1: فالتدليس عندنا على ستة أجناس:
فمن المدلسين من دلس عن الثقات الذين هم في الثقة مثل المحدث أو فوقه أو دونه إلا أنهم لم يخرجوا من عداد الذين يقبل أخبارهم، فمنهم من التابعين أبو سفيان طلحة بن نافع وقتادة بن دعامة وغيرهما.
أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق الأزهري2 قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: ثنا محمد بن البراء قال: ثنا علي بن المديني قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: كان شعبة يرى أحاديث أبي سفيان عن جابر إنما هو كتاب سليمان اليشكري، قال: قلت لعبد الرحمن: سمعته من شعبة؟ قال: أو بلغني عنه.
سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن تميم يقول: سمعت أبا قلابة بن الرقاشي يقول: سمعت علي بن عبد الله يقول: شعبة أعلم الناس بحديث قتادة ما سمع مما لم
يسمع.
قال أبو عبد الله3: ففي هذه4 الأئمة المذكورين بالتدليس من التابعين جماعة وأتباعهم غير أني لم أذكرهم فإن غرضهم من ذكر الرواية أن يدعوا إلى الله عز وجل فكانوا يقولون: "قال فلان لبعض الصحابة" فأما غير التابعين فأغراضهم فيه مختلفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش، صف: "قال الحاكم".
2 زيادة في خ، ش وصف.
3 خ، ش، صف: "قال الحاكم".
4 خ، ش، صف: "هؤلاء".

 

ص -166-      وأما الجنس الثاني من المدلسين فقوم يدلسون الحديث فيقولون: "قال فلان" فإذا وقع إليهم من ينقر عن سماعاتهم ويلح ويراجعهم1 ذكروا فيه سماعاتهم.
أخبرني قاضي القضاة محمد بن صالح الهاشمي قال: ثنا أبو جعفر المستعيني قال: ثنا علي بن عبد الله2 المديني قال: قال أبي ثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معتمر بن سليمان التيمي قال: جئت إلى رباح بن زيد فأملى علي كتاب ابن طاؤس، فلما فرغت قلت: سمعته من معتمر3؟ قال: لا ولكن أخرج إلي معتمر كتابًا فدفعه إلي قال:
وحدثنا أبي قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: سألت سفيان عن حديث إبراهيم بن عقبة في الرضاع فقال: لم أسمع، حدثني معمر عنه4.
قال: أبي وسمعت يحيى يقول: كان هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين وما ضرب بيده شيئًا قط"5 الحديث. قال يحيى: فلما سألته قال: أخبرني أبي عن عائشة قالت:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بالأصل: "راجعهم" وسياق الكلام يقتضي: "يراجعهم" كما جاء في ظ، خ، ش وصف.
2 خ، ش، صف: "علي بن عبد الله بن علي بن المديني".
3خ، ش، صف: "معتمر بن التيمي".
4 خ، س، صف: "حدثني عنه معمر".
5 رواه البخاري في صحيحه في كتاب الأدب باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا، وكان يحب التخفيف واليسر على الناس ولفظه فيه: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينقم بها الله" 8/ 36-37. ورواه مسلم في صحيحه في كتاب الفضائل باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، واختباره من المباح أسهله، وانتقامه لله عند انتهاك حرماته 4/ 1813-1814. ورواه أبو داود في كتاب الأدب باب في التجاوز في الأمر 4/ 250.

 

ص -167-      "ما خير رسول الله صلى عليه وسلم بين أمرين، لم أسمع من أبي إلا هذا والباقي لم أسمعه إنما هو عن الزهري".
أخبرني محمد بن أحمد الذهلي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد السكري قال: ثنا علي بن خشرم قال: قال لنا ابن عيينة عن الزهري فقيل له: سمعته من الزهري؟ فقال: لا ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني قال: ثنا جدي قال: ثنا كثير بن يحيى قال: حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"فلان في النار ينادي، يا حنان يا منان"1. قال: أبو عوانة قلت للأعمش: سمعت هذا من إبراهيم؟ قال: لا، حدثني به حكيم بن جبير عنه.
قال أبو عبد الله2: نكتفي بما ذكرناه من مثال هذا الجنس، فقد صح مثل ذلك عن محمد بن إسحاق ويزيد بن أبي زياد وشباك وأبي إسحاق ومغيرة وهشيم بن بشير، وفيما حدثونا أن جماعة من أصحاب هشيم اجتمعوا يومًا على أن لا يأخذوا منه التدليس، ففطن لذلك فكان يقول: في كل حديث يذكره حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم، فلما فرغ قال لهم: هل دلست لكم اليوم؟ قالوا: لا، فقال: لم أسمع من مغيرة حرفًا مما ذكرته، إنما قلت حدثني حصين ومغيرة غير مسموع لي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن عبدًا في جهنم لينادي ألف سنة يا حنان يا منان، قال: فيقول الله عز وجل لجبريل عليه السلام: اذهب فائتني بعبدي هذا فينطلق جبريل فيجد أهل النار مكبين يبكون فيرجع إلى ربه فيخبره فيقول: ائتني به فإنه في مكان كذا وكذا، فيجيء به فيوقفه على ربه عز وجل، فيقول له: يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك، فيقول: أي رب، شر مكان وشر مقيل. فيقول: ردوا عبدي فيقول: يا رب ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تردني فيها، فيقول: دعوا عبدي" 3/ 230.
2 ظ، خ، ش: "قال الحاكم".

 

ص -168-      والجنس الثالث من التدليس قوم دلسوا على1 أقوام مجهولين لا يدرى من هم ومن أين هم.
مثال ذلك ما أخبرناه الحسن بن محمد بن إسحاق قال: ثنا محمد بن أحمد بن البراء قال: ثنا علي بن عبد الله قال: حدثني حسين الأشقر قال: ثنا شعيب بن عبد الله النهمي عن أبي عبد الله عن نوف قال: بت عند علي فذكر كلامًا. قال: ابن المديني فحدثني حسين فقلت لحسين: ممن سمعته؟ فقال: حدثنيه شعيب عن أبي عبد الله عن نوف، فقلت لشعيب: من حدثك بهذا؟ قال: أبو عبد الله الجصاص، قلت: عن من؟ قال: عن حماد القصار، فلقيت حمادًا فقلت: من حدثك بهذا؟ قال: بلغني عن فرقد السبخي2 عن نوف. فإذا هو قد دلس عن ثلاثة والحديث بعد منقطع وأبو عبد الله الجصاص مجهول وحماد القصار لا يدرى من هو وبلغه عن فرقد وفرقد لم يدرك نوفًا ولا رآه.
أخبرني أبو سعيد أحمد بن محمد بن عمرو الأحمسي بالكوفة قال: ثنا الحسين بن حميد بن الربيع قال: ثنا عثمان بن محمد قال: حدثنا ابن إدريس عن شعبة عن عبد الله بن صبيح عن محمد بن سيرين قال3: ثلاثة يصدقون من حدثهم أنس وأبو العالية والحسن.
قال أبو عبد الله4: قد روى جماعة من الأئمة عن قوم من المجهولين، فمنهم سفيان الثوري روى عن أبي همام السكوني وأبي مسكين وأبي خالد الطائي وغيرهم من المجهولين ممن5 لم يقف على أساميهم غير أبي همام فإنه الوليد بن قيس إن شاء الله، كذلك شعبة بن الحجاج حدث عن جماعة من المجهولين. فأما بقية بن الوليد فحدث عن خلق من خلق الله لا يوقف على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، خ، ش، صف: "عن".
2 بالأصل وفي خ: "السنجي" وهو تصحيف.
3 خ، ش، صف: "يعني ابن سيرين".
4 ظ، خ، ش، صف: "قال الحاكم".
5 بالأصل: "حين" فلعل ما هنا تحريف من الناسخ.

 

ص -169-      أنسابهم ولا عدالتهم. وقال أحمد بن حنبل: إذا حدث1 بقية عن المشهورين فرواياته مقبولة وإذا حدث عن المجهولين فغير مقبولة، وعيسى بن موسى التيمي البخاري الملقب بغنجار شيخ في نفسه ثقة مقبول قد احتج به محمد بن إسماعيل البخاري في الجامع الصحيح غير أنه يحدث عن أكثر من مائة شيخ من المجهولين لا يعرفون بأحاديث مناكير وربما توهم طالب هذا العلم أنه بجرح2 فيه وليس كذلك.
والجنس الرابع من المدلسين قوم دلسوا أحاديث رووها عن المجروحين فغيروا أساميهم وكناهم كي لا يعرفوا.
أخبرني محمد بن صالح الهاشمي قاضي القضاة قال: ثنا أبو جعفر المستعيني قال: حدثنا عبد الله بن علي المديني3 قال: حدثني أبي قال: كل ما في كتاب ابن جريج أخبرت عن داؤد بن الحصين وأخبرت عن صالح مولى التوأمة فهو من كتب إبراهيم بن أبي يحيى.
سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سمعت يحيى بن معين4 يقول: إبراهيم بن أبي يحيى لا يكتب حديثه كان جهميًا رافضيًا، قلت ليحيى: يروي ابن جريج عن إبراهيم بن أبي يحيى؟ قال حدث عنه: "من مات مريضًا مات شهيدًا".
قال أبو عبد الله: وقد كان الثوري يحدث عن إبراهيم بن هراسة فيقول: حدثنا5 أبو إسحاق الشيباني، قال: سليمان الشاذكوني: من أراد التدين بالحديث فلا يأخذ عن الأعمش ولا عن قتادة إلا ما قالا: "سمعناه".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: "قد حدث".
2 ش، صف: "لجرح".
3 ش، صف: "عبد الله بن علي بن عبد الله بن المديني".
4 ش، صف: "يحيى بن موسى" ولعل الصواب "يحيى بن معين"؛ لأن العباس الدوري يروي عنه، انظر تهذيب التهذيب في ترجمة يحيى بن معين.
5 خ، ش، صف: "حدثني".

 

ص -170-      قال علي بن المديني حدثنا يعلى بن عبيد عن محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل، قال ابن المديني: فكنت أرى أن هذا من صحيح حديث ابن إسحاق فإذا هو قد دلسه.
حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن إسحاق قال: حدثني من لا أتهم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس، فإذا الحديث مضطرب.
قال علي: وحدثنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة قال: زكاة الأرض يبسها، فقلت لسفيان فإن وهيبا رواه عن أيوب عن أبي قلابة، فقال سفيان رواه أبو عمير الحارث بن عمير عن أيوب، فقيل لسفيان: من عن أبي عمير؟ قال: ابنه حمزة، فلقيت حمزة بن الحارث فحدثني عن أبيه عن أيوب عن أبي قلابة بهذا الحديث.
أخبرني عبد الله بن محمد بن حمويه الدقيقي، قال: حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي قال: حدثني خلف بن سالم قال: سمعت عدة من مشايخ أصحابنا تذاكروا كثرة التدليس والمدلسين فأخذنا في تمييز أخبارهم فاشتبه علينا تدليس الحسن بن أبي الحسن وإبراهيم بن يزيد النخعي؛ لأن الحسن كثيرًا ما يدخل بينه وبين الصحابة أقوامًا مجهولين وربما دلس عن مثل عتي بن ضمرة وحنيف بن المنتخب1 ودغفل بن حنظلة وأمثالهم، وإبراهيم أيضًا يدخل بينه وبين أصحاب عبد الله مثل هني بن نويرة وسهم بن منجاب وخزامة2 الطائي وربما دلس عنهم، وذكر تدليس أبي إسحاق السبيعي فأكثر عن عجائبه، وكذلك الحكم ومغيرة وابن إسحاق وهشيم.
الجنس الخامس من المدلسين قوم دلسوا عن قوم سمعوا منهم الكثير وربما فاتهم الشيء عنهم فيدلسونه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش: "حنتف بن الجسف" وهو الصواب ذكره الذهبي في المشتبه.
2 كذا في خ، ش، صف: "خزامة" وبالأصل: "الحزانة" كذا.

 

ص -171-      أخبرني قاضي القضاة محمد بن صالح الهاشمي قال: ثنا أبو جعفر المستعيني قال: حدثنا عبد الله بن علي بن عبد الله بن المديني قال: ثنا أبي قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: حدثنا صالح بن أبي الأخضر قال: حديثي1 منه ما قرأت على الزهري ومنهما سمعت ومنه ما وجدت في كتاب ولست أفصل ذا من ذا، قال: يحيى: وكان قدم علينا فكان يقول: "حدثنا الزهري حدثنا الزهري".
قال علي بن المديني: وربما كان سفيان بن عيينة إذا أراد أن يدلس يقول: عشرة عن زبيد، منهم مالك بن مغول عن مرة عن مرة عن عبد الله: إن الله قسم بينكم أخلاقكم.
قال علي2: وكان زهير وإسرائيل يقولان عن أبي إسحاق إنه كان يقول: ليس أبو عبيدة حدثنا ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستنجاء بالأحجار الثلاثة. قال: ابن الشاذكوني: ما سمعت بتدليس قط أعجب من هذا ولا أخفى. قال: أبو عبيدة لم يحدثني ولكن عبد الرحمن عن فلان عن فلان ولم يقل حدثني فجاز الحديث وسار.
أخبرني أبو يحيى السمرقندي قال: ثنا محمد بن نصر قال: حدثني جماعة عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عن الحسن بن ذكوان عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن ثمن الميتة وعن ثمن الخمر والحمر الأهلية وكسب البغي وعن عسب كل ذي فحل"3. قال أبو عبد الله محمد بن نصر: وهذا حديث لم يسمعه الحسن بن ذكوان من حبيب بن أبي ثابت وذلك أن محمد بن يحيى حدثنا قال: أبو معمر قال: حدثني عبد الوارث عن الحسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت، وعمرو هذا منكر الحديث فدلسه الحسن عنه.
قال أبو عبد الله4: ومن هذه الطبقة جماعة من المحدثين المتقدمين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش، صف: "حدثني".
2 خ، ش، صف: "يحيى".
3 سبق تخريجه.
4 ظ، خ، ش، صف: "قال الحاكم".

 

ص -172-      والمتأخرين مخرج حديثهم في الصحيح إلا أن المتبحر في هذا العلم يميز بين ما سمعوه وما دلسوه.
الجنس السادس من التدليس قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط ولم يسمعوا منهم، إنما قالوا قال: فلان فحمل ذلك عنهم على السماع وليس عندهم عنهم سماع عال ولا نازل.
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمذان قال: حدثنا إبراهيم بن نصر قال: ثنا أبو الوليد الطيالسي قال: حدثني صاحب لي من أهل الري يقال له: أشرس قال: قدم علينا محمد بن إسحاق فكان يحدثنا عن إسحاق بن راشد فقدم علينا إسحاق بن راشد فجعل يقول "ثنا الزهري" و "ثنا الزهري"، قال: فقلت له: "أين لقيت بن شهاب؟ قال: لم ألقه، مررت ببيت المقدس فوجدت كتابًا له ثَم.
أخبرني محمد بن صالح الهاشمي قاضي القضاة قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن الحسين المستعيني قال: حدثنا عبد الله بن علي بن المديني1 قال: قال أبي سعيد يحيى بن سعيد يقول: قال علي بن المبارك: كتاب يحيى بن أبي كثير هذا، بعث إلي يحيى من اليمامة أو خلفه عندي ولم أسمعه من يحيى يشك في قوله بعث إلي من
اليمامة أو خلفه عندي.
قال علي: سمعت يحيى يقول: قال التيمي: ذهبوا بصحيفة جابر إلى الحسن فرواها وذهبوا بها إلى قتادة فرواها وأتوني بها فلم أروها.
قال علي: قال عبد الرحمن بن مهدي: كان عندي مخرمة كتب لأبيه لم يسمعها منه.
قال علي: الحكم عن مقسم عن ابن عباس إنما سمع منه أربعة أحاديث والباقي كتاب.
قال أبي وسئل عن عمرو بن حكام فقال: كان له قريب سمع من شعبة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش، صف: "عبد الله بن علي بن عبد الله بن المديني".

 

ص -173-      فلما مات أخذ كتبه وقال: كان لا يعرف.
قال أبي: حدثني الحسن بن محمد بن عبد الله بن يزيد قال: كان الصباح إذا جاء عبد الوهاب بن مخلد1 يقول: ترى هذا والله ما صدقه أبوه في شيء وما هو إلا أخذ الكتب.
قال أبو عبد الله2: هذا باب يطول فليعلم صاحب الحديث أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة ولا من جابر ولا من ابن عمر ولا من ابن عباس شيئًا قط، وأن الأعمش لم يسمع من أنس وأن الشعبي3 لم يسمع من صحابي غير أنس، وأن الشعبي لم يسمع من عائشة ولا من عبد الله بن مسعود ولا من أسامة بن زيد ولا من علي إنما رآه رؤية ولا من معاذ بن جبل ولا من زيد بن ثابت، وأن قتادة لم يسمع من صحابي غير أنس، وأن عامة حديث عمرو بن دينار عن الصحابة غير مسموعة، وأن عامة حديث مكحول عن الصحابة حوالة، وأن ذلك كله يخفى إلا على الحفاظ للحديث.
وقال أبو عبد الله: قد ذكرت في هذه الأجناس الستة أنواع التدليس ليتأمله طالب هذا العلم فيقيس بالأقل على الأكثر ولم أستحسن ذكر أسامي من دلس من أئمة المسلمين صيانة للحديث ورواته غير أني أدل على جملة يهتدي4 إليها الباحث عن الأئمة الذين دلسوا والذين تورعوا عن التدليس: هو أن أهل الحجاز والحرمين ومصر والعوالي ليس التدليس من مذهبهم وكذلك أهل خراسان والجبال وأصبهان وبلاد فراس وخوزستان وما وراء النهر لا يعلم أحد من أئمتهم دلس، وأكثر المحدثين تدليسًا أهل الكوفة ونفر يسير من أهل البصرة، فأما مدينة السلام بغداد فقد خرج منها جماعة من أئمة الحديث مثل أبي النضر هاشم بن القاسم وأبي نوح عبد الرحمن بن غزوان وأبي كامل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، خ "مجاهد".
2 ظ، خ، ش، صف: "قال الحاكم".
3 كذا في الأصول: ولعل الصواب "التيمي".
4 ش، صف: "ليهتدي".

 

ص -174-      مظفر بن مدرك وأبي محمد يونس بن محمد المؤدب وهم في الطبقة الأولى من أهل بغداد لا يذكر عنهم وعن أقرانهم من الطبقة الأولى التدليس، ثم الطبقة الثانية بعدهم الحسن بن موسى الأشيب وسريج بن النعمان الجوهري ومعاوية بن عمرو الأزدي والمعلى بن منصور وأقرانهم من هذه الطبقة لم يذكر عنهم التدليس، ثم الطبقة الثالثة إسحاق بن عيسى بن الطباع ومنصور بن سلمة الخزاعي وسليمان بن داؤد الهاشمي وأبو نصر عبد الملك بن عبد العزيز التمار لم1 يذكر عنهم وعن طبقتهم التدليس، ثم الطبقة الرابعة منهم مثل الهيثم بن خارجة والحكم بن موسى وخلف بن هشام وداؤد بن عمر الضبي لم يذكر عنهم وعن طبقتهم التدليس، ثم الطبقة الخامسة مثل إمام الحديث أحمد بن حنبل ومزكي الرواة يحيى بن معين وصاحب المسند أبي خيثمة زهير بن حرب وعمرو بن محمد الناقد لم يذكر عن واحد منهم التدليس، ثم الطبقة السادسة والسابعة فلم يذكر عنهم ذلك إلا2 أبي بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي الواسطي: فحدثني أبو علي الحافظ قال: كنت يومًا عند أبي بكر بن الباغندي وهو يملي علي فقال لي أبو يزيد عمرو بن يزيد الجرمي فأمسكت عن الكتابة، ثم أعاد ثانيًا ثم قال: حديث سرار3 بن مجشر، فقلت: قد أغناك الله عنه يا أبا بكر، فقد حدثناه أبو عبد الرحمن النسائي قال: حدثنا أبو يزيد، فإن أخذ أحد من أهل بغداد التدليس فعن الباغندي وحده.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش، صف: "ولم يذكر".
2 ش، صف: "إلى" وهو خطأ.
3 كذا في خ، ش، صف: "سرار" وبالأصل: "سران" وهو تحريف.

ذكر النوع السابع والعشرين من معرفة علوم الحديث: "علل الحديث"
هذا1 النوع منه معرفة علل الحديث وهو علم برأسه غير الصحيح والسقيم والجرح والتعديل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في خ، و ، وصف: "سرار"، وبالأصل: "سران" وهو تحريف.

 

ص -175-      أخبرنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الهاشمي قال: حدثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله قال: سمعت أبا قدامة السرخسي يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: لأن أعرف علة حديث هو عندي أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثًا ليس عندي.
قال أبو عبد الله1: وإنما يعلل الحديث من أوجه للجرح فيها مدخل فإن حديث المجروح ساقط واهٍ وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة فيخفى عليهم علمه فيصير الحديث معلولًا، والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: معرفة الحديث إلهام، فلو قلت للعالم يعلل الحديث من أين قلت هذا لم يكن له حجة.
وأخبرني أبو علي الحسين بن محمد بن عبدويه الوراق بالري قال: ثنا محمد بن صالح الكيليني2 قال: سمعت أبا زرعة وقال له رجل: ما الحجة في تعليلكم3 الحديث؟ قال: الحجة أنا تسألني عن حديث له علة فأذكر علته، ثم تقصد بن وارة -يعني محمد بن مسلم بن وارة- وتسأله عنه ولا تخبره بأنك قد سألتني عنه فيذكر علته، ثم تقصد أبا حاتم فيعلله، ثم تميز كلام كل منا4 على ذلك الحديث؛ فإن وجدت بيننا خلافًا في علته فاعلم أن كلا منا تكلم على مراده وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم، قال: ففعل الرجل فاتفقت كلمتهم عليه فقال: أشهد أن هذا العلم إلهام.
فالجنس الأول من أجناس علل الحديث:5
مثاله ما حدثناه أبو العباس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، خ، ش، صف: "قال الحاكم".
2 بهامش الأصل: "كيلين قرية على باب الري".
3 خ، ش، صف: "تعليلك".
4 بالأصل: "كلامنا" محرفًا عن: "كلام كل منا".
5 كذا في خ و ش، وبالأصل: "من العلل".

 

ص -176-      محمد بن يعقوب قال: ثنا محمد بن إسحاق الصغاني قال: ثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من جلس مجلسًا كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم: "سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك"1.
قال أبو عبد الله2: هذا حديث من تأمله لم يشك أنه من شرط الصحيح وله علة فاحشة.
حدثني أبو نصر أحمد بن محمد الوراق قال: سمعت أبا حامد أحمد بن حمدون القصار يقول: سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبل بين عينيه وقال: دعني حتى أقبل رجليك3 يا أستاذ الأستاذين وسيد4 المحدثين وطبيب الحديث في علله، حدثك محمد بن سلام قال: ثنا مخلد بن يزيد الحراني قال: أخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس5 فما علته؟ قال: محمد بن إسماعيل: هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث إلا أنه معلول، حدثنا به موسى بن إسماعيل قال: حدثنا وهيب قال: ثنا سهيل عن عون بن عبد الله قوله قال: محمد بن إسماعيل هذا أولى فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماعًا من سهيل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي في سننه في أبواب الدعوات باب ما يقول إذا قام من مجلسه ولفظه:
"من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه، فقال: قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك" وقال عنه هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه لا نعرفه من حديث سهيل إلا من هذا الوجه 5/ 158.
2 خ، ش، صف: "قال الحاكم".
3 ش، صف: "رجلك".
4 ش، صف: "ويا سيد المحدثين".
5 أراد بذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند ولفظه:
"كفارة المجالس أن يقول العبد: سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك" 2/ 369.

 

ص -177-      الجنس الثاني من علل الحديث:1
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري قال: ثنا قبيصة بن عقبة عن سفيان عن خالد الحذاء أو عاصم2 عن أبي قلابة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أرحم أمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرأهم أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وإن لكل أمة أمينًا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة"3 رضي الله عنهم.
قال أبو عبد الله: وهذا من نوع آخر علته، فلو صح بإسناده لأخرج في الصحيح، إنما روى خالد الحذاء عن أبي قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"أرحم أمتي..." مرسلًا وأسند ووصل: "إن لكل أمة أمينًا4 وأبو عبيدة أمين هذه الأمة"، هكذا رواه  البصريون الحفاظ عن خالد الحذاء وعاصم جميعًا وأسقط المرسل من الحديث وخرج المتصل بذكر أبي عبيدة في الصحيحين".
الجنس الثالث من علل الحديث:
حدثنا أبو عباس محمد بن يعقوب، قال: ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، قال: ثنا بن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير عن موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة".
قال أبو عبد الله5: وهذا إسناد لا ينظر فيه حديثي إلا علم أنه6 من شرط الصحيح والمدنيون إذا رووا عن الكوفيين زلقوا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في خ و ش، وبالأصل: "من العلل".
2 ش، صف: "وعاصم".
3 روى آخر الحديث البخاري في صحيحه في كتاب أخبار الآحاد وذلك عن خالد عن أبي قلابة عن أنس 9/ 109. وروى آخره أيضًا ابن ماجه في سننه في المقدمة 1/ 48-49.
4 بالأصل: "أمين".
5 خ، ش، صف: "قال الحاكم".
6 خ، ش، صف: "حدثني إلا على أنه" محرفًا عن: "حديثي إلا علم أنه".

 

ص -178-      حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هانئ قال: ثنا يحيى بن محمد بن يحيى قال: ثنا أبو الربيع قال: ثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني قال: سمعت أبا بردة يحدث عن الأغر المزني وكانت له صحبة. قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم مائة مرة"1.
قال أبو عبد الله: رواه مسلم بن الحجاج في الصحيح عن أبي الربيع وهو الصحيح المحفوظ ورواه الكوفيون أيضًا مسعر وشعبة وغيرهما2 عن عمرو بن مرة عن أبي بردة هكذا.
الجنس الرابع من علل الحديث:
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار قال: ثنا أحمد بن محمد بن عيسى القاضي قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا زهير بن3 محمد عن عثمان بن سليمان عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور4.
قال أبو عبد الله5: قد خرج العسكري وغيره من المشايخ هذا الحديث في الوحدان وهو معلول من ثلاثة أوجه: أحدهما أن عثمان هو ابن أبي سليمان والآخر أن عثمان إنما رواه عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه والثالث قوله: "سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو سليمان لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره" وقد خرجت شواهده في التخليص.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم في صحيحه في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه 4/ 2075.
2 ظ، خ، ش، صف: "مسعر وغيره".
3 ش: زهير ثنا محمد.
4 رواه الإمام أحمد في مسنده ولفظه: عن جبير بن مطعم أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء بدر -قال: ابن جعفر في فداء المشركين- وما أسلم يومئذ، فدخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب فقرأ بالطور، فكأنما صدع عن قلبي حين سمعت القرآن 4/ 83.
5 ظ: "قال الحاكم".

 

ص -179-      الجنس الخامس من علل الحديث:1
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: ثنا بحر بن نصر أنا ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن رجال من الأنصار أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فرمي بنجم فاستنار فذكر الحديث بطوله2.
قال الحاكم: علة هذا الحديث أن يونس على حفظه وجلالة محله قصر به وإنما هو عن ابن عباس قال: حدثني رجال من الأنصار، وهكذا رواه ابن عيينة ويونس من سائر الروايات وشعيب بن أبي حمزة وصالح بن كيسان والأوزاعي وغيرهم عن الزهري وهو في الصحيح.
الجنس السادس من علل الحديث:1
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: ثنا أبو العباس الثقفي قال: ثنا حاتم بن الليث الجوهري قال: ثنا حامد بن أبي حمزة السكري قال: ثنا علي بن الحسين بن واقد قال: حدثني أبي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما لك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ قال:
"كانت لغة إسماعيل قد درست فجاء بها جبرائيل عليه السلام إلي فحفظنيها".
قال أبو عبد الله3: لهذا الحديث علة عجيبة، حدثني أبو عبد الله محمد بن العباس الضبي رحمه الله من أصل كتابه قال: أنا أحمد بن علي بن زرين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في خ و ش، وبالأصل: "من العلل".
2 رواه مسلم في صحيحه في كتاب السلام باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان ولفظه: أن عبد الله بن عباس قال: أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار، أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمي بنجم فاستنار. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ماذا كنتم تقولون في الجاهلية، إذا رمي بمثل هذا؟" قالوا: الله روسوله أعلم. كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم. مات رجل عظيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته. ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه، إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش. ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم. حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا..." 4/ 1751. ورواه الترمذي وأحمد في المسند.
3 ظ، خ، ش: "قال الحاكم".

 

ص -180-      الفاشاني1 من أصل كتابه قال: ثنا علي بن خشرم قال: ثنا علي بن الحسين بن واقد قد بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله، إنك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لغة إسماعيل كانت قد درست فأتاني بها جبرائيل فحفظنيها".
الجنس السابع من علل الحديث:
حدثنا الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه قال: أخبرنا أبو بكر يعقوب بن يوسف المطوعي قال: ثنا أبو داؤد سليمان بن محمد المباركي قال: ثنا أبو شهاب عن سفيان الثوري عن الحجاج بن فرافصة2 عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"المؤمن غر كريم والفاجر3 خب لئيم"4.
قال أبو عبد5 الله: وهكذا رواه عيسى بن يونس ويحيى بن الضريس عن الثوري فنظرت فإذا له علة، أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو قال: ثنا أحمد بن سيار قال: حدثنا محمد بن كثير قال: ثنا سفيان الثوري عن الحجاج بن الفرافصة6 عن رجل عن أبي سلمة قال سفيان: أراه ذكر أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"المؤمن غر كريم والفاجر7 خب لئيم".
الجنس الثامن من علل الحديث:
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بهامش الأصل: "فاشان بالفاء قرية من قرى مرو" وفي ظ، خ، ش: "الباساني" ذكره الذهبي في المشتبه.
2 كذا في التقريب: "الفرافصة" وبالأصل: "القرافصة" لعله تصحيف.
3 خ، ش، صف: "الكافر".
4 رواه أبو داود في سننه في كتاب الأدب باب في حسن العشرة عن يحيى بن كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ المصنف 4/ 251. ورواه الترمذي في سننه في أبواب البر والصلة باب ما جاء في البخل بإسناد أبي داود وقال عنه: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه 3/ 232. ورواه الإمام أحمد في مسنده 2/ 294.
5 خ، ش: "قال الحاكم".
6 بالأصل: "القرافصة" والصواب: "الفرافصة" كما جاء في التقريب.
7 خ، ش، صف: "الكافر".

 

ص -181-      حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني قال: ثنا روح بن عبادة قال: حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر عند أهل بيت قال: "أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار ونزلت عليكم السكينة"1.
قال أبو عبد الله2: قد ثبت من غير وجه رواية يحيى بن أبي كثير عن أنس بن مالك إلا أنه لم يسمع منه هذا الحديث وله علة. أخبرنا أبو العباس قاسم بن القاسم السياري وأبو محمد الحسن بن حليم المروزيان بمرو قالا: حدثنا أبو الموجه قال: أخبرنا عبدان قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك3 قال: أخبرنا هشام عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثت عن أنس4 أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر عند أهل بيت قال:
"أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة"5.
الجنس التاسع من علل الحديث:
أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي قال: ثنا يحيى بن عثمان بن صالح6 السهمي قال: ثنا سعيد بن كثير بن عفير قال: حدثني المنذر بن عبد الله الحزامي عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الأطعمة باب ما جاء في الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده 3/ 367، والإمام أحمد في المسند 3/ 138.
2 ظ، خ، ش: "قال الحاكم".
3 زيادة في خ، ش صف.
4 خ، ش: "أنس بن مالك".
5 أفطر عندكم الصائمون: أي أثابكم إثابة من فطر صائمًا.
والأبرار: جمع بر أي تقي.
أخرجه أبو داود -برقم 3854 الأطعمة: باب ما جاء في الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده" بإسناد صحيح.
والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم 296/  297/  298/ عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر عند أهل بيت قال:
"أفطر..." الحديث.
6 خ، ش، صف: "يحيى بن صالح".

 

ص -182-      قال: "سبحانك اللهم تبارك اسمك وتعالى جدك"1، وذكر الحديث بطوله.
قال أبو عبد الله2: لهذا الحديث علة صحيحة والمنذر بن عبد الله أخذ طريق المجرة فيه. حدثنا أبو جعفر محمد بن عبيد الله العلوي النقيب بالكوفة قال: حدثنا الحسين بن الحكم الحبري3 قال: حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل قال: ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة قال: ثنا عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا افتتح الصلاة، فذكر الحديث بغير هذا اللفظ وهذا مخرج في صحيح لمسلم.
الجنس العاشر من علل الحديث:
أخبرنا أحمد بن علي بن الحسن المقرئ قال: حدثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي قال: ثنا أبي عن أبيه عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من ضحك في صلاته يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء"4.
قال أبو عبد الله الحاكم: لهذا الحديث علة صحيحة: أخبرنا أبو الحسين علي بن عبد الرحمن السبيعي بالكوفة قال: ثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي قال: ثنا وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان قال: سئل جابر عن الرجل يضحك في الصلاة قال: "يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء".
قال أبو عبد الله5: فقد ذكرنا علل الحديث على عشرة أجناس وبقيت أجناس لم نذكرها وإنما جعلتها مثالًا لأحاديث كثيرة معلولة ليهتدي إليها المتبحر في هذا العلم فإن معرفة علل الحديث من أجل هذه العلوم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي في سننه في أبواب الصلاة باب ما يقول عن افتتاح الصلاة 1/ 153-154. ورواه النسائي في سننه في كتاب افتتاح الصلاة باب نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة. ورواه ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب افتتاح الصلاة 1/ 264.
2 ظ، خ، ش: "قال الحاكم".
3 خ، ش: "الجبري" والصواب "الحبري" ذكره الذهبي في المشتبه.
4 رواه البخاري في صحيحه في كتاب الوضوء باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين من القبل والدبر، والحديث فيه موقوف عن جابر بن عبد الله 1/ 55.
5 ظ، خ، ش: "قال الحاكم".

 

ص -183-      ذكر النوع الثامن والعشرين من معرفة علوم الحديث: "الشاذ من الروايات"
هذا1 النوع منه معرفة الشاذ من الروايات، وهو غير المعلول فإن المعلول ما يوقف على علته أنه دخل حديث في حديث أو وهم فيه راو أو أرسله واحد فوصله واهم، فأما الشاذ فإنه حديث يتفرد2 به ثقة من الثقات وليس للحديث أصل متابع3 لذلك الثقة. سمعت أبا بكر أحمد بن محمد المتكلم الأشقر يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال: لي الشافعي ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذ إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثًا يخالف فيه الناس هذا الشاذ من الحديث.
ومثاله ما حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه قال: ثنا موسى بن هارون قال: قتيبة بن سعيد قال: ثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل
عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعًا وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء، فصلاها مع المغرب".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في خ، ش، صف مصدر بالعبارة: "قال الحاكم".
2 خ، ش، صف: "فتفرد".
3 ش: "بمتابع".

 

ص -184-      قال أبو عبد الله1: هذا حديث رواته أئمة ثقات وهو شاذ الإسناد والمتن لا نعرف له علة نعلله بها، ولو كان الحديث عند الليث عن أبي الزبير عن أبي الطفيل لعللنا به الحديث، ولو كان عند يزيد أبي ح-بيب عن أبي الزبير لعللنا به، فلما لم نجد له العلتين خرج عن أن يكون معلولًا، ثم نظرنا فلم نجد ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية ولا وجدنا هذا المتن بهذه السياقة عند أحد من أصحاب أبي الطفيل ولا عند أحد ممن رواه عن معاذ بن جبل عن أبي الطفيل فقلنا الحديث شاذ.
وقد حدثونا عن أبي العباس الثقفي قال: كان2 قتيبة بن سعيد يقول لنا: على هذا الحديث علامة أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي خيثمة حتى عد قتيبة أسامي سبعة من أئمة الحديث كتبوا عنه هذا الحديث، وقد أخبرناه أحمد بن جعفر القطيعي قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: ثنا قتيبة3 فذكره.
قال أبو عبد الله4: فأئمة الحديث إنما سمعوه من قتيبة تعجبًا من إسناده ومتنه ثم لم يبلغنا عن واحد منهم أنه ذكر للحديث علة، وقد قرأ علينا أبو علي الحافظ هذا الباب وحدثنا به عن أبي عبد الرحمن النسائي وهو إمام عصره عن قتيبة بن سعيد ولم يذكر أبو عبد الرحمن ولا أبو علي للحديث علة، فنظرنا فإذا الحديث موضوع وقتيبة بن سعيد ثقة مأمون.
حدثني أبو الحسن محمد بن موسى بن عمران الفقيه قال: ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: سمعت صالح بن حفصويه النيسابوري قال: أبو بكر وهو صاحب حديث يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، خ، ش: "قال الحاكم".
2 خ، ش: "إن".
3 خ، ش: "قتيبة بن سعيد".
4 ظ، خ: "قال الحاكم"، ش: "قال الحاكم أبو عبد الله".

 

ص -185-      الطفيل؟ فقال: كتبته مع خالد المدايني، قال البخاري: وكان خالد المدايني يُدخل الأحاديث على الشيوخ.
ومن هذا الجنس حدثنا1 أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو الثقة المأمون من أصل كتابه قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن سيار قال: ثنا محمد بن كثير العبدي قال: ثنا سفيان الثوري قال: حدثني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع"2.
قال أبو عبد الله3: وهذا الحديث شاذ الإسناد والمتن إذ لم نقف له على علة وليس عند الثوري عن أبي الزبير هذا الحديث ولا ذكر أحد في حديث رفع اليدين أنه في صلاة الظهر أو غيرها، ولا نعلم أحدًا رواه عن أبي الزبير غير إبراهيم بن طهمان وحده تفرد به إلا حديث يحدث به سليمان بن أحمد الملطي من حديث زياد بن سوقة وسليمان متروك يضع الحديث، وقد رأيت جماعة من أصحابنا يذكرون أن علته أن يكون عن محمد بن كثير عن إبراهيم بن طهمان، هذا خطأ فاحش وليس عند محمد بن كثير عن إبراهيم بن طهمان [حرف4] فيتوهمون قياسًا أن محمد بن كثير يروي عن إبراهيم بن طهمان كما روى أبو حذيفة؛ لأنهما جميعًا رويا عن الثوري وليس كذلك فإن أبا حذيفة قد روى عن جماعة لم يسمع منهم محمد بن كثير منهم إبراهيم بن طهمان وشبل بن عباد وعكرمة بن عمار وغيرهم من أكابر الشيوخ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش: "أخبرنا".
2 روى في معناه عدة أحاديث في صحيح مسلم كتاب الصلاة باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع، وفي الرفع من الركوع وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود 1/ 292-293.
3 ظ، خ، ش: "قال الحاكم".
4 الزيادة عن خ، ش، وزيد عليها أيضًا في خ، ش، صف: "وهذا كما يقال: قست وأخطأت فإنهم يرون عن أبي حذيفة عن إبراهيم بن طهمان".

 

ص -186-      حدثنا أبو الحسين1 عبد الرحمن بن نصر المصري الأصم ببغداد قال: ثنا أبو عمرو بن خزيمة البصري2 بمصر قال: ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثنا أبي عن ثمامة عن أنس قال: "كان قيس بن سعد من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرط من الأمير"3 يعني ينظر في أموره، وحدثنا جماعة من مشايخنا عن أبي بكر محمد بن إسحاق قال: حدثني أبو عمرو محمد بن خزيمة البصري بمصر وكان ثقة فذكر الحديث بنحوه.
قال أبو عبد الله4: وهذا الحديث شاذ بمرة فإن رواته ثقات وليس له أصل عن أنس ولا عن غيره من الصحابة بإسناد آخر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش، صف: "أبو الحسن".
2 ش: "المصري".
3 رواه البخاري في صحيحه في كتاب الأحكام باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الذي فوقه وإسناده: حدثنا محمد بن خالد الذهلي حدثنا الأنصاري محمد حدثنا أبي عن ثمامة عن أنس" 9/ 81.
4 ظ: "قال الحاكم".