غريب الحديث للقاسم بن سلام ردد
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه
قَالَ لسراقة ابْن جُعشم: أَلا أدُلّك على أفضل الصَّدَقَة ابْنَتك
مَرْدُودَة عَلَيْك لَيْسَ لَهَا كاسب غَيْرك.
(2/75)
قَالَ الْأَصْمَعِي: الْمَرْدُودَة
الْمُطلقَة قَالَ أَبُو عبيد: وَإِمَّا هَذَا كِنَايَة عَن الطَّلَاق
وَكَذَلِكَ حَدِيث الزبير رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
إِن الزبير جعل دوره صَدَقَة قَالَ: وللمردودة من بَنَاته أَن تسكن غير
مضرَّة وَلَا مُضَر بهَا فَإِن استغنت بِزَوْج فَلَا شَيْء لَهَا.
وَأما الْمَرْأَة الرَّاجِع فَإِنَّهَا الَّتِي مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا
فَرَجَعت إِلَى أَهلهَا وَفِي حَدِيث الزبير من الْفِقْه أَن الرجل
يَجْعَل الدَّار وَالْأَرْض وَقفا على قوم وَيشْتَرط أَن يزِيد فيهم من
شَاءَ وَينْقص مِنْهُم من شَاءَ فَيجوز لَهُ ذَلِك وَإِنَّمَا جَازَ
هَذَا فِي الْوَقْف خَاصَّة دون الصَّدَقَة الْمَاضِيَة لِأَن حكمهمَا
مُخْتَلف أَلا ترى أَن الْوَقْف قد يجوز أَن لَا يُخرجهُ صَاحبه 49 / ب
من يَده وَأَن الصَّدَقَة لَا تكون / مَاضِيَة حَتَّى تخرج من يَد
صَاحبهَا فِي قَول بَعضهم.
(2/76)
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي حَدِيث النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام: فِي العُمْرَي والرَقبي إِنَّهَا لمن اعْمِرها
وَلمن أُرْقِبها ولورثتهما من بعدهمَا.
عمر [قَالَ أَبُو عُبَيْد -] :
وَتَأْويل الْعمريّ أَن يَقُول الرجل للرجل: هَذِه الدَّار لَك عمرك
أَو يَقُول: هَذِه الدَّار لَك عمري
رقب وَقَالَ أَبُو عبيد عَن عَطاء
فِي تَفْسِير الْعمريّ بِمثل ذَلِك أَو نَحوه. وَأما الرقبي فَهُوَ أَن
يَقُول الرجل للرجل: إِن مت قبلي رجعت إِلَيّ وَإِن مت قبلك فَهِيَ
لَك. وَقَالَ أَبُو عبيد عَن قَتَادَة: الرقبي أَن يَقُول الرجل للرجل
كَذَا وَكَذَا لفُلَان فَإِن مَاتَ فَهُوَ لفُلَان. قَالَ أَبُو
عُبَيْد: وأصل الْعمريّ عندنَا إِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذ من الْعُمر أَلا
ترَاهُ يَقُول: هُوَ لَك عمري أَو عمرك وأصل الرقبي من المراقبة
فَكَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا [إِنَّمَا -] يرقب موت صَاحبه أَلا ترَاهُ
يَقُول: إِن متّ قبلي رجعت إِلَيّ وَإِن مت قبلك فَهِيَ لَك فَهَذَا
ينبئك عَن المراقبة وَالَّذِي كَانُوا يُرِيدُونَ بِهَذَا أَن يكون
الرجل يُرِيد أَن يتفضل على صَاحبه بالشَّيْء
(2/77)
فيستمتع مِنْهُ مَا دَامَ حَيا فَإِذا
مَاتَ الْمَوْهُوب لَهُ لم يصل إِلَى ورثته مِنْهُ شَيْء فَجَاءَت سنة
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِنَقْض ذَلِك إِنَّه من ملك شَيْئا
حَيَاته فَهُوَ لوَرثَته من بعد مَوته. وَفِيه أَحَادِيث كَثِيرَة إِن
رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم قضى بالعمري للْوَارِث.
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْعمريّ جَائِزَة لأَهْلهَا.
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا رقبي فَمن أرقب شَيْئا
فَهُوَ لوَرَثَة المرقب. قَالَ أَبُو عبيد: وَهَذِه الْآثَار أصل لكل
(2/78)
من وهب هبة وَاشْترط فِيهَا شرطا بَاطِلا
كَالرّجلِ يهب للرجل جَارِيَة على أَن لَا تبَاع وَلَا توهب أَو على
أَن يتخذها سَرِيَّة أَو على أَنه إِن أَرَادَ بيعهَا فالواهب أَحَق
بهَا هَذَا وَمَا أشبهه من الشُّرُوط فقبضها الْمَوْهُوب لَهُ على
ذَلِك وَعوض الْوَاهِب مِنْهَا فالهبة جَائِزَة مَاضِيَة وَالشّرط فِي
ذَلِك كُله بَاطِل. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ مَالك يَقُول: إِذا
أعمر الرجل الرجل دَارا فَقَالَ: هِيَ لَك عمرك فَإِنَّهَا على شَرطهَا
فَإِذا مَاتَ الْمَوْهُوب لَهُ رجعت إِلَى الْوَاهِب إِلَّا أَن
يَقُول: هِيَ لَك ولعقبك من بعْدك. وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه سَأَلَ رجلا: هَل صُمت من سرار هَذَا
الشَّهْر شَيْئا قَالَ: لَا قَالَ: فَإِذا أفطرت من رَمَضَان فَصم
يَوْمَيْنِ.
سرر قَالَ أَبُو عبيد قَالَ
الْكسَائي وَغَيره: السرَار آخر الشَّهْر لَيْلَة يستسِرُّ الْهلَال.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَرُبمَا استسر لَيْلَة وَرُبمَا استسر
لَيْلَتَيْنِ إِذا تمّ الشَّهْر وأنشدني الْكسَائي: [الرجز]
(2/79)
نَحن صَبَحنا عَامِرًا فِي دارها ...
جُرْدا تعادى طَرَفَي نهارِهَا
عَشِيَّة الْهلَال أَو سرارها
وقَالَ أَبُو عُبَيْد: وَفِيه لُغَة أُخْرَى: سرر الشَّهْر. وَفِي
هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَنه [إِنَّمَا -] سَأَلَهُ عَن سرار
شعْبَان فَلَمَّا أخبرهُ أَنه لم يصمه أمره أَن يقْضِي بعد الْفطر
يَوْمَيْنِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَوجه الحَدِيث عِنْدِي وَالله أعلم
أَن هَذَا كَانَ من نذر على ذَلِك الرجل فِي ذَلِك الْوَقْت أَو تطوع
قد كَانَ ألزمهُ نَفسه فَلَمَّا فَاتَهُ أمره بِقَضَائِهِ لَا أعرف
للْحَدِيث وَجها غَيره وَقَالَ أَيْضا أَنه لم ير بَأْسا أَن يصل
رَمَضَان بشعبان إِذا كَانَ لَا يُرَاد بِهِ رَمَضَان إِنَّمَا يُرَاد
بِهِ التَّطَوُّع أَو النّذر يكون فِي ذَلِك الْوَقْت وَمِمَّا يشبه
هَذَا الحَدِيث حَدِيثه الآخر: لَا تقدمُوا رَمَضَان بِيَوْم وَلَا
يَوْمَيْنِ إِلَّا أَن يُوَافق ذَلِك صوما كَانَ يَصُومهُ أحدكُم.
فَهَذَا مَعْنَاهُ التَّطَوُّع أَيْضا فَأَما إِذا كَانَ يُرَاد بِهِ
رَمَضَان فَلَا لِأَنَّهُ خلاف الإِمَام وَالنَّاس.
(2/80)
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام أَنه مر بِامْرَأَة مُجحّ فَسَأَلَ عَنْهَا
فَقَالُوا: هَذِه امْرَأَة لفُلَان فَقَالَ: أيُلِمّ بهَا فَقَالُوا:
نعم فَقَالَ: لقد هَمَمْت أَن ألعنه لعنا يدْخل مَعَه فِي قَبره كَيفَ
يستخدمه وَهُوَ لَا يحل لَهُ أم كَيفَ يورِّثه وَهُوَ لَا يحل لَهُ.
جح قَالَ أَبُو عُبَيْد: أما
قَوْله: مجح. فَإِنَّهَا الْحَامِل المقُرب وَأما قَوْله: كَيفَ
يستخدمه أم كَيفَ يورثه فَإِن وَجه الحَدِيث أَن يكون / الْحمل قد ظهر
بهَا قبل أَن تُسبي فَيَقُول: إِن جَاءَت بِولد وَقد وَطئهَا 50 / الف
بعد ظُهُور الْحمل لم يحل لَهُ أَن يَجعله مَمْلُوكا لِأَنَّهُ لَا
يدْرِي لَعَلَّ الَّذِي ظهر لم يكن حملا وَأَنه حدث الْحمل من وَطئه
فان الْمَرْأَة رُبمَا ظهر
(2/81)
بهَا الْحمل ثمَّ لَا يكن شَيْئا حَتَّى
يحدث بعد ذَلِك فَيَقُول: لَا يدْرِي لَعَلَّه وَلَده وَقَوله: أم
كَيفَ يورِّثه يَقُول: لَا يدْرِي [لَعَلَّ -] الْحمل [قد -] كَانَ
بِالصِّحَّةِ قبل السَّبي [فَكيف يورثه -] وَإِنَّمَا نرى من هَذَا
الحَدِيث أَنه نهى عَن وَطْء الْحَوَامِل من السَّبي حَتَّى يَضعن.
أَتَى وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
أَنه سَأَلَ عَاصِم ابْن عدي الْأنْصَارِيّ عَن ثَابت بْن الدحداح
وتُوُفي: هَل تعلمُونَ لَهُ نسبا فِيكُم فَقَالَ: لَا إِنَّمَا هُوَ
آتيٌّ فِينَا فَقضى رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام بميراثه لِابْنِ
أُخْته. قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: [أما -] قَوْله: آتيّ
فِينَا فَإِن الأتيّ الرجل يكون فِي الْقَوْم لَيْسَ مِنْهُم وَلِهَذَا
قيل للسيل الَّذِي يَأْتِي من بلد
(2/82)
قد مُطر فِيهِ إِلَى بلد لم يمطر فِيهِ:
فَذَلِك آتيّ قَالَ العجاج: [الرجز]
سَيْلٌ آتِىّ مَدَّةٌ آتِي ... يُقَال مِنْهُ: قد أَتيت السَّيْل
فَأَنا أؤتّيه إِذا سهلت سَبيله ليخرج من مَوضِع إِلَى مَوضِع وأصل
هَذَا من الغربة وَلِهَذَا قيل: رجل أتاوي إِذا كَانَ غَرِيبا فِي غير
بِلَاده وَمِنْه حَدِيث عُثْمَان رَضِي اللَّه عَنهُ حِين بعث إِلَى
عبد الله بْن سَلام رجلَيْنِ فَقَالَ لَهما: قولا: إِنَّا رجلَانِ
أتاويان. وَقد قَالَ بعض أَصْحَاب الحَدِيث فِي حَدِيث ثَابت بْن
الدحداح: إِن عَاصِم ابْن عدي قَالَ: إِنَّمَا هُوَ آتٍ فِينَا
مَمْدُود فَجعله من الْإِتْيَان وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء وَالْمَحْفُوظ
مَا قلت لَك: أُتِي بتَشْديد الْيَاء. وَفِي هَذَا الحَدِيث من
الْفِقْه أَنه أعْطى الْمِيرَاث ابْن الْأُخْت لما لم يجد لَهُ وَارِثا
فورث
(2/83)
ابْن أُخْته لِأَنَّهُ من ذَوي الْأَرْحَام
وَفِيه اكْتِفَاء بِمَسْأَلَة رجل وَاحِد عَن نسبه لم يسْأَل غَيره.
صيص وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَذكر فتْنَة تكون فِي أقطار الأَرْض
كَأَنَّهَا صيَاصِي بقرِ. [قَوْله: صياصي بقر -] يَعْنِي قُرُونهَا
وَإِنَّمَا سميت صياصي لِأَنَّهَا حصونها الَّتِي تحصن بهَا من عدوها.
وَكَذَلِكَ كل من يحصن بحصن فَهُوَ لَهُ صيصية قَالَ اللَّه عز وَجل
{وانْزَلَ الَّذِيْنَ ظَاهَرُوْهُمْ مِّنْ أهْلِ الْكِتَابِ مِنْ
صَيَاصِيْهِمْ} . يُقَال فِي التَّفْسِير: إِنَّهَا حصونهم وَكَذَلِكَ
يُقَال لأصبع الظائر الزَّائِدَة فِي بَاطِن رجله: صيصية والصيصية فِي
غير هَذَا: شَوْكَة الحائك.
(2/84)
موت وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي [عَلَيْهِ] السَّلَام حِين قَالَ لعوف بن مَالك: امْسِك سِتا
تكون قبل السَّاعَة: أولهنَّ موت
نَبِيكُم عَلَيْهِ السَّلَام وَكَذَا وَكَذَا وموتان تكون فِي النَّاس
كقُعاص الْغنم وهدنة تكون بَيْنكُم وَبَين بني الْأَصْفَر فيغدرون بكم
فيسيرون إِلَيْهِم فِي ثَمَانِينَ غَايَة تَحت كل غَايَة اثْنَا عشر
ألفا وَبَعْضهمْ يَقُول: غابة.
(2/85)
قعص
هدن غيى قَالَ أَبُو عُبَيْد: أما قَوْله: موتان تكون فِي النَّاس
فَإِن الموتان هُوَ الْمَوْت يُقَال: وَقع فِي المَال موتان إِذا وَقع
الْمَوْت فِي الْمَاشِيَة قَالَهَا الْكسَائي وَقَالَ الْفراء: وَأما
الموتان من الأَرْض فانه الَّذِي لم يحيي بعد وَمِنْه الحَدِيث بموتان
الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ فَمن أحيى مِنْهَا شَيْئا فَهُوَ لَهُ.
وَأما القُعاص فَإِنَّهُ دَاء يَأْخُذ الْغنم لَا يُلبثها أَن تَمُوت
وَمِنْه
(2/86)
أُخِذ الإقعاص فِي الْقَتْل يُقَال: رميت
الصَّيْد فأقعصته إِذا مَاتَ مَكَانَهُ. وَأما الْهُدْنَة فالسكون
وَالصُّلْح. و [أما -] قَوْله: فِي ثَمَانِينَ غابة من قَالَهَا
بِالْبَاء فَإِنَّهُ يُرِيد الأجمة شبه كَثْرَة الرماح بهَا وَمن
قَالَ: غَايَة فَإِنَّهُ يُرِيد الرَّايَة قَالَ لبيد وَذكر لَيْلَة
سمرها: [الْكَامِل]
قد بت سامرها وَغَايَة تاجرٍ ... وافيت إِذْ رُفعت وَعز مُدامهَا
وَقَوله: غَايَة تَاجر يُقَال: إِن صَاحب الْخمر كَانَت لَهُ راية
يرفعها ليُعرف أَنه بَائِع خمر / وَيُقَال: بل أَرَادَ بقوله: غَايَة
تَاجر أَنَّهَا غَايَة مَتَاعه فِي 50 / ب الْجَوْدَة. وَبَعْضهمْ يروي
فِي الحَدِيث: فِي ثَمَانِينَ غياية وَلَيْسَ هَذَا بِمَحْفُوظ وَلَا
مَوضِع للغياية هَهُنَا.
(2/87)
رأى
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه
قَالَ: أَنا بَرِيء من كل مُسلم مَعَ مُشْرك قيل: لم يَا رَسُول الله
قَالَ: لَا ترَاءى ناراهما.
وَإِن قَالَ أَبُو عُبَيْد: أما قَوْله: لَا ترَاءى ناراهما فَفِيهِ
قَولَانِ: أما أَحدهمَا فَيَقُول: لَا يحل لمُسلم أَن يسكن بِلَاد
الْمُشْركين فَيكون مِنْهُم بِقدر مَا يرى كل وَاحِد مِنْهُم نَار
صَاحبه فَيجْعَل الرُّؤْيَة فِي هَذَا الحَدِيث فِي النَّار وَلَا
رُؤْيَة للنار وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَن تَدْنُو هَذِه من هَذِه وكَانَ
الْكسَائي يَقُول: الْعَرَب تَقول: دَاري تنظر إِلَى دَار فلَان ودورنا
تناظر وَيَقُول: إِذا أخذت فِي طَرِيق كَذَا وَكَذَا فَنظر إِلَيْك
الْجَبَل فَخذ عَن يَمِينه أَو [عَن -] يسَاره هَكَذَا كَلَام الْعَرَب
[و -] قَالَ
(2/88)
قَالَ اللَّه عز وَجل وَذكر الْأَصْنَام
فَقَالَ {وَالَّذِيْنَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِه لاَ يَسْتَطِيْعُوْنَ
نَصْرَكُمْ وَلاَ أنْفُسَهُمْ يَنْصُرُوْنَ وإِنْ تَدْعُوْهُمْ إِلَى
الْهُدَى لَا يَسْمَعُوْا وَتَرَاهُمْ يَنْظَرُوْنَ إليْكَ وَهُمْ لَا
يُبْصِرُوْنَ} فَهَذَا وَجه. وَأما الْوَجْه الآخر فَيُقَال: [إِنَّه
-] أَرَادَ بقوله: لَا تراءي ناراهما يُرِيد نَار الْحَرْب قَالَ الله
[تبَارك و -] تَعَالَى: {كُلَّمَاَ أوْقَدُوْا نَاراً لَلْحَرْبِ
أطفَأَهَا الله} فَيَقُول: ناراهما مُخْتَلِفَتَانِ هَذِه تَدْعُو
إِلَى اللَّه [تبَارك وَتَعَالَى -] وَهَذِه تَدْعُو إِلَى الشَّيْطَان
فَكيف تتَّفقَانِ وَكَيف يساكن الْمُسلم الْمُشْركين فِي بِلَادهمْ
وَهَذِه حَال هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء وَيُقَال: إِن أول هَذَا أَن قوما
من أهل مَكَّة أَسْلمُوا وَكَانُوا مقيمين بهَا على إسْلَامهمْ قبل فتح
مَكَّة فَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام هَذِه الْمقَالة فيهم ثمَّ
صَارَت للعامة.
غذا وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه بعث مُصدقا
(2/89)
فَقَالَ: لَا تَأْخُذ من حَزَرات أنفس
النَّاس شَيْئا خُذ الشارف وَالْبكْر وَذَا الْعَيْب.
حزر شرف ربب مخض أكل أَبُو عبيد:
أما قَوْله: من حزرات أنفس النَّاس فَإِن الحزرة خِيَار المَال قَالَ
الشَّاعِر: [الرجز]
الحزرات حزرات النَّفس
فَيَقُول: لَا تَأْخُذ خِيَار أَمْوَالهم خُذ الشارف وَهِي المسنة
الهرمة وَالْبكْر [و -] هُوَ الصَّغِير من ذُكُور الْإِبِل فَقَالَ:
الشارف وَالْبكْر وَإِنَّمَا السّنة الْقَائِمَة فِي النَّاس أَن لَا
يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة إِلَّا ابْنة مَخَاض أَو ابْنة لبون أَو حقة
أَو جَذَعَة لَيْسَ فِيهَا سنّ فَوق هَذِه الْأَرْبَع وَلَا دونهَا
وَإِنَّمَا وَجه هَذَا الحَدِيث عِنْدِي وَالله أعلم أَنه كَانَ فِي
أول الْإِسْلَام قبل أَن يُؤْخَذ النَّاس بالشرائع فَلَمَّا قوي
الْإِسْلَام واستحكم جرت الصَّدَقَة على مجاريها ووجوهها. وَأما حَدِيث
عمر رَضِي اللَّه عَنهُ: دع الرِّبَا والماخض والأكولة
(2/90)
فَإِن الرُّبَّا هِيَ الْقَرِيبَة الْعَهْد
بِالْولادَةِ يُقَال: هِيَ فِي ربابها مَا بَينهَا وَبَين خمس عشرَة
لَيْلَة قَالَ وأنشدني الْأَصْمَعِي لبَعض الْأَعْرَاب: [الرجز]
حَنين أُم البوَّ فِي ربابها
وَأما الماخض فَهِيَ الَّتِي قد أَخذهَا الْمَخَاض لتَضَع. والأكولة
الَّتِي تسمن للْأَكْل لَيست بسائمة وَالَّذِي يروي فِي الحَدِيث
الأكيلة وَإِنَّمَا الأكيلة المأكولة يُقَال: هَذِه أكيلة الْأسد
وَالذِّئْب فَأَما هَذِه فَإِنَّهَا الأكولة. وَأما قَول عمر: احتسب
عَلَيْهِم بالغذاء فَإِنَّهَا السخال الصغار وَاحِدهَا غذي وأنشدني
الْأَصْمَعِي قَالَ أَنْشدني أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء: [الْبَسِيط]
لَو أنني كنتُ من عادٍ وَمن إرمٍ ... غذيّ بَهْمٍ ولقمانا وَذَا جدن
(2/91)
قَالَ الْأَصْمَعِي: [و -] أَخْبرنِي خلف
الْأَحْمَر أَنه سمع الْعَرَب تنشده: غذي بهم بِالتَّصْغِيرِ.
شفع عوط قَالَ أَبُو عبيد: وَأما
الحَدِيث الآخر: أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بعث 51 / الف مُصدقا
فَأتى بِشَاة شَافِع فَلم يَأْخُذهَا وَقَالَ: ائْتِنِي بمعتاط. /
فَإِن الشافع الَّتِي مَعهَا وَلَدهَا [سميت شافعا لِأَن وَلَدهَا -]
شفعها وشفعته [هِيَ -] يُقَال: هِيَ تشفعه وَهُوَ يشفعها وَالشَّفْع:
الزَّوْج والوتَر: الْفَرد. وَأما المعتاط فالتي ضربهَا الْفَحْل فَلم
تحمل ويُقَال مِنْهُ: هِيَ معتاط وعائط وَحَائِل وَجمع العائط عُوط
وَجمع الْحَائِل حُول وحولل قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: [و -] سَمِعت
الْكسَائي يَقُول: جمع العائط عُوط وعوطط و [جمع -] الْحَائِل حولل
وحول و [كَانَ -] بَعضهم يَجْعَل حوللا مصدرا وَلَا يَجعله جمعا
وَكَذَلِكَ عوطط.
(2/92)
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام: تنْكح الْمَرْأَة لميسمها ولمالها ولحسبها عَلَيْك
بِذَات الدَّين تربت يداك.
وسم ترب عقر حلق قَالَ أَبُو
عُبَيْد: أما قَوْله: لَميسمها فَإِنَّهُ الْحسن وَهُوَ الوَسامة
وَمِنْه يُقَال: رجل وسيم وَامْرَأَة وسيمة. وَأما قَوْله: تربت يداك
فَإِن أَصله أَنه يُقَال للرجل إِذا قل مَاله: [قد -] ترب أَي افْتقر
حَتَّى لصق بِالتُّرَابِ. [و -] قَالَ اللَّه عز وَجل {أوْ مِسْكِيْناً
ذَا مَتْرَبَةٍ} فيرون وَالله أعلم أَن النَّبِي [صلي اللَّه -]
عَلَيْهِ وَسلم لم يتَعَمَّد الدُّعَاء عَلَيْهِ بالفقر وَلَكِن هَذِه
كلمة جَارِيَة على أَلْسِنَة
(2/93)
العري يَقُولُونَهَا وهم لَا يُرِيدُونَ
وُقُوع الْأَمر وَهَذَا كَقَوْلِه لصفية ابْنة حُيي حِين قيل لَهُ
يَوْم النَّفر: إِنَّهَا حَائِض فَقَالَ: عَقْرا حَلْقا مَا أَرَاهَا
إِلَّا حابستنا. فَأصل هَذَا مَعْنَاهُ: عقرهَا اللَّه وحلقها [و -]
قَوْله: عقرهَا اللَّه بِمَعْنى عقر جَسدهَا وحلقها بِمَعْنى
أَصَابَهَا وجع فِي حلقها هَذَا كَمَا يُقَال: قد رَأس فلَان فلَانا
إِذا ضرب رَأسه وصدره إِذا أصَاب صَدره وَكَذَلِكَ حلقه إِذا أصَاب
حلقه. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا هُوَ عِنْدِي عقرا وحلقا
وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: عقري حلقي. قَالَ بعض النَّاس: بل
أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله: تَربت يداك نزُول
الْأَمر بِهِ
(2/94)
عُقُوبَة لتعديه ذَوَات الدَّين إِلَى
ذَوَات الْجمال والمَال وَاحْتج بقوله عَلَيْهِ السَّلَام: اللَّهُمَّ
[إِنِّي -] أَنا بشر فَمن دَعَوْت عَلَيْهِ بدعوة فَاجْعَلْ دَعْوَتِي
عَلَيْهِ رَحْمَة لَهُ. وَالْقَوْل الأول أعجب إليّ وأشبه بِكَلَام
الْعَرَب أَلا تراهم يَقُولُونَ: لَا أَرض لَك وَلَا أم لَك وهم
يعلمُونَ أَن لَهُ أَرضًا وَأما وَزعم بعض الْعلمَاء أَن قَوْلهم: لَا
أَب لَك مَدْح وَلَا أم لَك ذمّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقد وجدنَا
قَوْلهم: لَا أم لَك قد وُضِع مَوضِع الْمَدْح قَالَ كَعْب بْن سعد
الغنوي يرثي أَخَاهُ: [الطَّوِيل]
هَوَتْ أُمه مَا يبْعَث الصبحَ غاديا ... وماذا يُؤَدِّي الليلُ حِين
يؤوب
وقَالَ بعض النَّاس: إِن قَوْله: تربت يداك 13 يُرِيد بِهِ 13 استغنت
يداك
(2/95)
من الْغنى وَهَذَا خطأ لَا يجوز فِي
الْكَلَام إِنَّمَا ذهب إِلَى المترب وَهُوَ الْغَنِيّ فغلط وَلَو
أَرَادَ هَذَا التَّأْوِيل لقَالَ: أتربت يداك لِأَنَّهُ يُقَال: أترب
الرجل إِذا كثر مَاله فَهُوَ مُترب وَإِذا أَرَادوا الْفقر قَالُوا:
ترب يترب. وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
أَن امْرَأَة توفّي عَنْهَا زَوجهَا فاشتكت عينهَا فأرادوا أَن يداووها
فَسئلَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عَن ذَلِك فَقَالَ: قد كَانَت
إحداكن تمكث فِي شَرّ أحلاسها فِي بَيتهَا إِلَى الْحول فَإِذا كَانَ
الْحول فَمر كلب رمته ببعرة ثمَّ خرجت أَفلا أَرْبَعَة أشهر وَعشرا
قَالَ أَبُو عبيد: أما قَوْله: فَمر كلب رمته ببعرة يَعْنِي أَنَّهَا
كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة تَعْتَد سنة على زَوجهَا لَا تخرج من
بَيتهَا ثمَّ تفعل ذَلِك فِي رَأس الْحول لترى النَّاس أَن إِقَامَتهَا
حولا بعد زَوجهَا أَهْون عَلَيْهَا من بَعرَة يرْمى بهَا كلب وَقد
ذكرُوا هَذِه الْإِقَامَة حولا فِي أشعارهم
(2/96)
قَالَ لبيد يمدح قومه: [الْكَامِل]
وهُمُ ربيع للمُجاور فيهم ... والمرملاتِ إِذا تطاول عامُها
وَنزل بذلك الْقُرْآن فِي أول الْإِسْلَام قَوْله تَعَالَى
{وَالَّذِيْنَ يُتَوْفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُوْنَ أزْوَاجاً
وَّصِيَّةَ لاَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ
اِخْرَاجٍ} ثمَّ نسخ ذَلِك بقوله عز وَجل / {يَتَرَبَّصْنَ
بِاًنْفُسِهِنَّ أرْبَعَةَ اشْهُرٍ وَّعَشْراً} فَقَالَ النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام: كَيفَ لَا تصبر إحداكن قدر هَذَا وَقد كَانَت تصبر
حولا
صهب وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمُلَاعنَة: إِن جَاءَت بِهِ
أصيَهَب أثَيُبجَ حَمش السَّاقَيْن فَهُوَ لزَوجهَا وَإِن جَاءَت بِهِ
أَوْرَق جَعدًا جُماليا خَدلج السَّاقَيْن سابغ الإليتين فَهُوَ للَّذي
رميت بِهِ.
(2/97)
ثبج
حمش ورق خَدلج جمل أَبُو عبيد: أما قَوْله: أُصَيْهِب فَهُوَ تَصْغِير
أصهب. والأُثَيبج تَصْغِير أثبج وَهُوَ الناتئ الثبج والثبج: مَا بَين
الْكَاهِل ووسط الظّهْر وَهُوَ من كل شَيْء وَسطه وَأَعلاهُ. والحمش
الدَّقِيق السَّاقَيْن. والأورق: الَّذِي لَونه بَين السوَاد والغُبرة
وَمِنْه قيل للرماد: أَوْرَق وللحمامة وَرْقَاء وَإِنَّمَا وَصفه
بالأُدمة. وَأما الخدلج فالعظيم السَّاقَيْن. وَأما قَوْله: الجمالى
فَإِنَّهُ يروونها هَكَذَا بِفَتْح الْجِيم يذهبون إِلَى الْجمال.
وَلَيْسَ هَذَا من الْجمال فِي شَيْء وَلَو أَرَادَ ذَلِك لقَالَ: جميل
وَلكنه جُمالي بِضَم الْجِيم يَعْنِي أَنه عَظِيم الْخلق شبه خلقه
بِخلق الْجمل وَلِهَذَا قيل للناقة: جُمالية لِأَنَّهَا تشبه بالفحل من
الْإِبِل فِي عظم الْخلق قَالَ الْأَعْشَى يصف نَاقَة: [المتقارب]
(2/98)
جُماليةٍ تَغتَليِ بالرِّداف ... إِذا كذّب
الآثماتُ الهجيراَ
يَقُول: لَا يصدقن فِي الهجير فِي سَيرهَا فِي الهاجرة. وَفِي هَذَا
الحَدِيث من الْفِقْه أَنه لَاعن بَين الْمَرْأَة وَزوجهَا وَهِي
حَامِل وَقد كَانَ بعض الْفُقَهَاء لَا يرى اللّعان بِالْحملِ حَتَّى
تضع فَإِن انْتَفَى عَنهُ حِينَئِذٍ لَاعن يذهب إِلَى أَنه لَا يدْرِي
لَعَلَّ ذَلِك لَيْسَ سجل يَقُول: لَعَلَّه من ريح وَهَذَا رَأْي أبي
حنيفَة وَأما حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّمَا لَاعن
بَينهمَا لِأَنَّهُ قَذفهَا قذفا بِالزِّنَا وَلم يذكر حملا فَلهَذَا
وَقع اللّعان. وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام: لقد هَمَمْت أَن أنهِي عَن الغيلة ثمَّ ذكرت أَن فَارس
وَالروم يَفْعَلُونَهُ فَلَا يضرهم.
(2/99)
غيل
قَالَ أَبُو عبيد: بَلغنِي قَالَ أَبُو عُبَيْدَة واليزيدي وأظن
الْأَصْمَعِي وَغَيرهم: قَوْله: الغيلة هُوَ الغَيل وَذَلِكَ أَن
يُجَامع الرجل الْمَرْأَة وَهِي مرضع يُقَال مِنْهُ: قد أغال الرجل
وأغُيل ولولد مُغال ومُغَيل وأنشدني الْأَصْمَعِي بَيت امْرِئ
الْقَيْس: [الطَّوِيل]
فمثلكِ حُبلى قد طرقتُ ومرضع ... فألهيتُها عَن ذِي تمائمَ مُحولِ
وَمِنْه الحَدِيث الآخر: لَا تقتلُوا أَوْلَادكُم سِرا إِنَّه ليدرك
الْفَارِس فيدعثره. يَقُول: يهدمه ويطحطحه بَعْدَمَا صَار رجلا قد ركب
الْخَيل
(2/100)
وقَالَ ذُو الرمة يصف الْمنَازل أَنَّهَا
قد تهدمت وتغيرت فَقَالَ: [الرجز]
آرِيّها والمنتأى المدعَثرُ
يَعْنِي بالمنتأى النؤى وَهُوَ الحفير يحْفر حول الخباء للمطر
والمدعثر: المهدوم. وَالْعرب تَقول فِي الرجل تمدحه: مَا حَملته أمه
وُضعا وَلَا أَرْضَعَتْه غَيلا وَلَا وَضعته يَتْنًا وَلَا أباتته مئقا
قَوْلهم: مَا حَملته وُضعا يُرِيد مَا حَملته على حيض وَبَعْضهمْ
يَقُول: تُضعا وَقَوْلهمْ: وَلَا أَرْضَعَتْه غيلا يَعْنِي أَن تُوطأ
وَهِي مرضع وَقَوْلهمْ وَلَا وَضعته يتنا يَعْنِي أَن يخرج رِجْلَاهُ
قبل يَدَيْهِ فِي الْولادَة يُقَال مِنْهُ: قد أيتنت الْمَرْأَة فَهِيَ
موتن
(2/101)
وَالْولد مُوتَن وَقَوْلهمْ: وَلَا أباتته
مئقا وَبَعْضهمْ يَقُول: وَلَا أباتته على مأقة فَإِنَّهُ شدَّة
الْبكاء.
كفأ وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ
وَيسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُم ويُرد عَلَيْهِم أَقْصَاهُم وهم يَد
على من سواهُم لَا يقتل مُسلم بِكَافِر وَلَا ذُو عهد فِي عَهده. 5
ذمم قَالَ أَبُو عُبَيْد أما
قَوْله: تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ فَإِنَّهُ يُرِيد: تتساوى فِي الْقصاص
والديات فَلَيْسَ لشريف على رَضِيع فضل [فِي ذَلِك -] 52 / الف وَمن
هَذَا قيل فِي الْعَقِيقَة عَن الْغُلَام: شَاتَان / مكافئتان يَقُول:
متساويتان
(2/102)
وأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: مكافأتان
وَالصَّوَاب: مكافئتان وكل شَيْء سَاوَى شَيْئا حَتَّى يكون مثله
فَهُوَ مكافئ لَهُ والمكافأة بَين النَّاس من هَذَا يُقَال: كافأت
الرجل أَي فعلت بِهِ مثل مَا فعل بِي. وَمِنْه الكفؤ من الرِّجَال
للْمَرْأَة تَقول: إِنَّه مثلهَا فِي حسبها. قَالَ الله [تبَارك و -]
وَتَعَالَى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحد} يَقُول: هُوَ كُفُؤ لَهَا
وكَفِئ بِمَعْنى وَاحِد. وَأما قَوْله: يسْعَى بِذِمَّتِهِمْ
أَدْنَاهُم فَإِن الذِّمَّة الْأمان يَقُول: إِذا أعْطى الرجل مِنْهُم
الْعَدو أَمَانًا جَازَ ذَلِك على جَمِيع الْمُسلمين لَيْسَ لَهُم أَن
يخفروه كَمَا أجَاز عمر [رَضِي اللَّه عَنهُ -] أَمَان عبد على جَمِيع
[أهل -] الْعَسْكَر وَكَانَ أَبُو حنيفَة لَا يُجِيز أَمَان العَبْد
إِلَّا بِإِذن مَوْلَاهُ
(2/103)
وَأما حَدِيث عمر فَلَيْسَ فِيهِ ذكر مولى
وَمِنْه قَول سلمَان الْفَارِسِي رَحمَه اللَّه تَعَالَى: ذِمة
الْمُسلمين وَاحِدَة فالذمة هِيَ الْأمان وَلِهَذَا سمى الْمعَاهد
ذِمِّيا لِأَنَّهُ قد أعْطى الْأمان على مَاله وذمته للجزية الَّتِي
تُؤْخَذ مِنْهُ.
قصى يدى وَقَالَ أَبُو عبيد: لم يكن
لأهل السوَاد عهد فَلَمَّا أخذت مِنْهُم الْجِزْيَة صَار لَهُم عهد أَو
قَالَ: ذمَّة شكّ أَبُو عبيد. وَأما قَوْله: يرد عَلَيْهِم أَقْصَاهُم
فَإِن هَذَا فِي الْغَزْو إِذا دخْل الْعَسْكَر أَرض الْحَرْب فَوجه
الإِمَام مِنْهُ السَّرَايَا فَمَا غنمت من شَيْء جعل لَهَا مَا سمي
لَهَا وردّ مَا بَقِي على أهل الْعَسْكَر لأَنهم وَإِن لم يشْهدُوا
الْغَنِيمَة رِدْء للسرايا. وَأما قَوْله: وهم يَد على من سواهُم
فَإِنَّهُ يَقُول: إِن الْمُسلمين جَمِيعًا كلمتهم ونصرتهم وَاحِدَة
على جَمِيع الْملَل الْمُحَاربَة لَهُم يتعاونون على ذَلِك ويتناصرون
وَلَا يخذل بَعضهم بَعْضًا. وَأما قَوْله: وَلَا يقتل مُؤمن بِكَافِر
فقد تكلم النَّاس فِي معنى هَذَا قَدِيما قَالَ بَعضهم: لَا يقتل مُؤمن
بِكَافِر كَانَ قَتله فِي الْجَاهِلِيَّة
(2/104)
قَالَ: وَقد قَالَ فِيهِ غير هَذَا أَيْضا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: [و -] أما أَنا فَلَيْسَ [لَهُ -] عِنْدِي وَجه
وَلَا معنى إِلَّا أَنه لَا يُقَاد مُؤمن بذمي وَإِن قَتله عمدا
وَلَكِن يكون عَلَيْهِ الدِّيَة كَامِلَة فِي مَاله وَأما رَأْي أبي
حنيفَة وَجَمِيع أَصْحَابه فَإِنَّهُم يرَوْنَ أَن يُقَاد لحَدِيث
يرْوى عَن عبد الرَّحْمَن ابْن الْبَيْلَمَانِي أَن النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام أقاد معاهدا بِمُسلم وَقَالَ: أَنا أَحَق من وفى بِذِمَّتِهِ
وَهَذَا حَدِيث لَيْسَ بِمُسْنَد وَلَا يَجْعَل مثله إِمَامًا يسفك
بِهِ دِمَاء الْمُسلمين. وَقَالَ أَبُو عبيد: قلت لزفَر: إِنَّكُم
تَقولُونَ: إِنَّا ندرأ الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ وَإِنَّكُمْ جئْتُمْ
إِلَى أعظم الشُّبُهَات فأقدمتم عَلَيْهَا قَالَ: وَمَا هُوَ قلت:
الْمُسلم يُقتل بالكافر قَالَ: فاشهد أَنْت على رجوعي عَن هَذَا
عهد قَالَ
(2/105)
أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ قَول أهل
الْحجاز: لَا يقتل مُسلم بِكَافِر ولَا يقودونه بِهِ. [وَأما -]
قَوْله: وَلَا ذُو عهد فِي عَهده فَإِن ذَا الْعَهْد الرجل من أهل
الْحَرْب يدْخل إِلَيْنَا بِأَمَان فقتْله محرّم على الْمُسلمين حَتَّى
يرجع إِلَى مأمنه وأصل هَذَا من قَول اللَّه تَعَالَى {وَإِنْ اَحَدٌ
مِّنَ الْمُشْرِكِيْنَ اسْتَجَارَكَ فَاَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ
كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ اَبْلِغْهُ مَأمَنَه} فَذَلِك قَوْله فِي عَهده
يَعْنِي حَتَّى يبلغ المأمن أَو الْوَقْت الَّذِي توقته لَهُ ثمَّ لَا
عهد لَهُ وَقَالَ أَبُو عبيد: إِن رجلا من [أهل -] الْهِنْد قدم عدن
بِأَمَان فَقتله رجل بأَخيه فَكتب فِيهِ إِلَى عمر بْن عبد الْعَزِيز
فَكتب أَن يُؤْخَذ مِنْهُ خَمْسمِائَة دِينَار وَيبْعَث بهَا إِلَى
وَرَثَة الْمَقْتُول وَأمر بالقاتل أَن يحبس قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
وَهَكَذَا كَانَ رَأْي عمر بْن عبد الْعَزِيز رَحمَه اللَّه كَانَ يرى
دِيَة الْمعَاهد نصف دِيَة الْمُسلم فَأنْزل [ذَلِك -] الَّذِي دخل
بِأَمَان منزلَة الذِّمِّيّ الْمُقِيم مَعَ الْمُسلمين وَلم ير على
قَاتله قودا وَلَكِن عُقُوبَة
(2/106)
لقَوْل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لَا
يقتل مُسلم بِكَافِر.
رفه وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهي عَن الإرفاه.
(2/107)
52 - / ب / قَالَ أَبُو عبيد: وأصل هَذَا
من وِرْد الْإِبِل وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذا وَردت كل يَوْم مَتى شَاءَت
قيل: وَردت رِفْها قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي: ويُقَال: [قد -] أرفه
الْقَوْم إِذا فعلت إبلهم ذَلِك فهم مُرفِهون فَشبه كَثْرَة التدهن
وإدامته بِهِ وَقَالَ لبيد يذكر نخلا نابتة على المَاء:
[الْبَسِيط]
يشربن رِفها عِراكا غيرَ صادرةٍ ... فَكلهَا كارِعٌ فِي المَاء مغتمر
قرفص قعا وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ جَالِسا القرفصاء.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَوْله: القرفصاء يَعْنِي أَن يقْعد الرجل قعدة
المحتبي ثمَّ يحتبي بيدَيْهِ يضعهما على سَاقيه. وَأما الإقعاء [فَهُوَ
-] الَّذِي جَاءَ فِيهِ النَّهْي عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَن
يفعل فِي الصَّلَاة فقد اخْتلف النَّاس فِيهِ فقَالَ أَبُو عُبَيْدَة:
وهُوَ أَن يلصق أليتيه بِالْأَرْضِ وَينصب
(2/108)
سَاقيه وَيَضَع يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ.
وَأما تَفْسِير الْفُقَهَاء فَهُوَ أَن يضع أليتيه على عَقِبَيْهِ بَين
السَّجْدَتَيْنِ شَبيه بِمَا يروي عَن العبادلة: عبد الله بن عَبَّاس
وَعبد اللَّه بْن عمر وَعبد اللَّه بْن الزبير رَضِي اللَّه عَنْهُم
قَالَ أَبُو عبيد: [و -] قَول أبي عُبَيْدَة أشبه بِكَلَام الْعَرَب
وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد الْعَرَب وَذَلِكَ بَيّن فِي بعض الحَدِيث أَنه
نهى أَن يُقعى الرجل كَمَا يُقعِى السَّبع وَيُقَال: كَمَا يُقعى
الْكَلْب فَلَيْسَ الإقعاء فِي السبَاع إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو
عُبَيْدَة
عقب ورك ضجع قَالَ أَبُو عُبَيْد:
وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه أكل مرّة مُقعيا
فَكيف يُمكن [أَن يكون -] فعل هَذَا وَهُوَ وَاضع أليتيه على
عَقِبَيْهِ وَأما الحَدِيث الآخر أَنه نهى عَن عَقِبِ الشَّيْطَان فِي
الصَّلَاة فَإِنَّهُ أَن يضع الرجل أليتيه على عَقِبيهِ فِي الصَّلَاة
بَين السَّجْدَتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يَجعله بعض النَّاس الإقعاء وَأما
حَدِيث عبد الله بْن مَسْعُود أَنه كره أَن يسْجد الرجل
(2/109)
متوركا أَو مُضْطَجعا.
فرشح قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله:
متوركًا يَعْنِي أَن يرفع وركيه إِذا سجد حَتَّى يُفحش فِي ذَلِك
وَقَوله: مُضْطَجعا يَعْنِي أَن يتضامّ ويلصق صَدره بِالْأَرْضِ ويدع
التجافيَ فِي سُجُوده وَلَكِن يَقُول بَين ذَلِك وَيُقَال: التورك أَن
يلصق أليتيه بعقبيه فِي السُّجُود وَأما حَدِيث ابْن عمر رَحمَه الله
أَنه كَانَ لَا يفرشح رجلَيْهِ فِي الصَّلَاة وَلَا يلصقهما.
فرش فجج فشج قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
قَوْله: يفرشح رجلَيْهِ فالفرشحة أَن يفرج بَين رجلَيْهِ فِي الصَّلَاة
ويباعد إِحْدَاهمَا من الْأُخْرَى فَيَقُول: لَا يفعل ذَلِك وَلَا يلصق
إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى وَلَكِن بَين ذَلِك وَأما افتراش السَّبع
الَّذِي جَاءَ فِيهِ النَّهْي فَهُوَ أَن يلصق الرجل ذِرَاعَيْهِ
بِالْأَرْضِ فِي السُّجُود وَكَذَلِكَ يفعل السبَاع. وَأما التفاجُّ
فَإِنَّهُ تفريج مَا بَين الرجلَيْن. [وَمِنْه حَدِيث
(2/110)
النَّبِيّ صلي الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه
كَانَ إِذا بَال تفاجّ] وَفِي بعض الحَدِيث قَالَ بعض الصَّحَابَة:
حَتَّى نأوي لَهُ. وَأما الفشج فَهُوَ دون التفاجّ. وَمِنْه حَدِيث
الْأَعرَابِي الَّذِي دخل الْمَسْجِد فِي عهد النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام فَلَمَّا كَانَ فِي نَاحيَة مِنْهُ فشج فَبَال. وَبَعْضهمْ
يرويهِ: فشج بالتثقيل مُشَدّدَة الشين.
لبط وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام حِين أَمر عَامر بْن ربيعَة وَكَانَ رَأْي
سهل بْن حُنيف يغْتَسل فعانه فَقَالَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ وَلَا
جلد مُخَبأة فَلبط بِهِ حَتَّى مَا يعقل من شدَّة الوجع فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتتهمون بِهِ أحدا قَالُوا: نعم عَامر
بن ربيعَة وَأَخْبرُوهُ
(2/111)
بقوله فَأمره رَسُول الله عَلَيْهِ
السَّلَام أَن يغسل لَهُ فَفعل قَالَ: فراح مَعَ الركب. قَالَ قَالَ
الزُّهْرِيّ: يُؤْتى الرجل العائن بقدح فَيدْخل كَفه فِيهِ 53 / الف
فيتمضمض / ثمَّ يمجه فِي الْقدح ثمَّ يغسل وَجهه فِي الْقدح ثمَّ يدْخل
يَده الْيُسْرَى فَيصب على كَفه الْيُمْنَى ثمَّ يدْخل يَده الْيُمْنَى
فَيصب على كَفه الْيُسْرَى ثمَّ يدْخل يَده الْيُسْرَى فَيصب على مرفقه
الْأَيْمن ثمَّ يدْخل يَده الْيُمْنَى فَيصب على مرفقه الْأَيْسَر ثمَّ
يدْخل يَده الْيُسْرَى فَيصب على قدمه الْيُمْنَى ثمَّ يدْخل يَده
الْيُمْنَى فَيصب على قدمه الْيُسْرَى ثمَّ يدْخل يَده الْيُسْرَى
فَيصب على ركبته الْيُمْنَى ثمَّ يدْخل يَده الْيُمْنَى فَيصب على
ركبته الْيُسْرَى ثمَّ يغسل دَاخِلَة إزَاره وَلَا يوضع الْقدح
بِالْأَرْضِ ثمَّ يصب على رَأس الرجل الَّذِي أُصِيب بِالْعينِ من
خَلفه صبة وَاحِدَة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَوْله: فلبط بِهِ يَقُول:
صرع يَقُول: لُبِط بِالرجلِ يُلبط لبطا إِذا سقط. وَمِنْه حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه خرج
(2/112)
وقريش ملبوط بهم يَعْنِي أَنهم سُقُوط بَين
يَدَيْهِ قَالَ: وَفِي هَذَا لُغَة أُخْرَى لَيْسَ بِالْحَدِيثِ
يُقَال: لبج بِمَعْنى لبط سَوَاء وَقَوله: فَأمره رَسُول الله عَلَيْهِ
السَّلَام أَن يغسل لَهُ فقد كَانَ بعض النَّاس يغلط فِيهِ أَن الَّذِي
أَصَابَته الْعين هوالذي يغسل. وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا فسره الزُّهْرِيّ
يغسل العائن هَذِه الْمَوَاضِع من جسده ثمَّ يصبهُ الْمعِين على نَفسه
أَو يصب عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عبيد: وَمِمَّا يبين ذَلِك حَدِيث ابْن
أبي وَقاص أَنه ركب يَوْمًا فَنَظَرت إِلَيْهِ امْرَأَة فَقَالَت: إِن
أميركم هَذَا ليعلم أَنه أهضم الكشحين فَرجع إِلَى منزله فَسقط
فَبَلغهُ مَا قَالَت الْمَرْأَة فَأرْسل إِلَيْهَا فغسلت لَهُ. قَالَ
أَبُو عبيد: وَأما قَوْله: فَيغسل دَاخِلَة إزَاره فقد اخْتلف النَّاس
فِي مَعْنَاهُ فَكَانَ بَعضهم يذهب وهمه إِلَى المذاكير وَبَعْضهمْ
إِلَى الأفخاذ والورك قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي من
هَذَا فِي شَيْء إِنَّمَا أَرَادَ بداخلة إزَاره طرف إزَاره الدَّاخِل
الَّذِي يَلِي جسده وَهُوَ يَلِي الْجَانِب الْأَيْمن من الرجل لِأَن
المؤتزر إِنَّمَا يبْدَأ إِذا ائتزر بالجانب الْأَيْمن
(2/113)
فَذَلِك الطّرف يُبَاشر جسده فَهُوَ
الَّذِي يغسل قَالَ: وَلَا أعلمهُ إِلَّا جَاءَ مُفَسرًا فِي بعض
الحَدِيث هَكَذَا.
غلق وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لَا يغلق الرَّهْن. قَالَ أَبُو عبيد:
قَوْله: لَا يغلق الرَّهْن قد جَاءَ تَفْسِيره عَن غير وَاحِد من
الْفُقَهَاء فِي رجل دفع إِلَى رجل رهنا وَأخذ مِنْهُ دَرَاهِم
فَقَالَ: إِن جئْتُك بحقك إِلَى كَذَا وَكَذَا وَإِلَّا فالرهن لَك
بحقك فَقَالَ: لَا يغلق الرَّهْن. قَالَ أَبُو عبيد: فَجعله جَوَابا
لمسألته وَقد روى عَن طاؤوس نَحْو هَذَا. وَقد ذهب بِمَعْنى هَذَا
الحَدِيث بعض النَّاس إِلَى تَضْييع الرَّهْن
(2/114)
يَقُول: إِذا ضَاعَ الرَّهْن عِنْد
الْمُرْتَهن فَإِنَّهُ يرجع على صَاحبه فَيَأْخُذ مِنْهُ الدَّين
وَلَيْسَ يضرّهُ تَضْييع الرَّهْن وَهَذَا مَذْهَب لَيْسَ عَلَيْهِ أهل
الْعلم وَلَا يجوز فِي كَلَام الْعَرَب أَن يُقَال للرَّهْن إِذا
ضَاعَ: قد غلق إِنَّمَا يُقَال: قد غلق إِذا اسْتَحَقَّه الْمُرْتَهن
وَكَانَ هَذَا من فعل أهل الْجَاهِلِيَّة فَرده رَسُول اللَّه صلي
اللَّه عَلَيْهِ وَسلم وأبطله بقوله: لَا يغلق الرَّهْن وَقد ذكر بعض
الشُّعَرَاء ذَلِك فِي شعره فَقَالَ زُهَيْر يذكر امْرَأَة:
[الْبَسِيط]
وفارقتك برهن لَا فِكاك لَهُ ... يَوْم الوَداع فأمسى الرهنُ قد غلقا
يَعْنِي أَنَّهَا ارتهنت قلبه فَذَهَبت بِهِ فَأَي تَضْييع هَهُنَا.
وَأما الحَدِيث الآخر فِي الرَّهْن: لَهُ غُنْمه وَعَلِيهِ غرمه. قَالَ
أَبُو عبيد: وَهَذَا أَيْضا
(2/115)
مَعْنَاهُ معنى الأول لَا يفترقان يَقُول:
يرجع الرَّهْن إِلَى ربه فَيكون غنمه لَهُ وَيرجع رب الْحق عَلَيْهِ
بِحقِّهِ فَيكون غرمه عَلَيْهِ وَيكون شَرطهمَا الَّذِي اشْترطَا
بَاطِلا هَذَا كُله مَعْنَاهُ إِذا كَانَ الرَّهْن قَائِما بِعَيْنِه
وَلم يضع فَأَما إِذا ضَاعَ فَحكمه غير هَذَا. 53 / ب
جَوف / وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
أَنه قَالَ: اسْتَحْيوا من اللَّه ثمَّ قَالَ: الاستحياء من اللَّه أَن
لَا تنسوا الْمَقَابِر والبلي وَأَن لَا تنسوا الْجوف
وَمَا وعى وَأَن لَا تنسوا الرَّأْس وَمَا احتوى. قَالَ أَبُو عبيد:
قَوْله: لَا تنسوا الْجوف وَمَا وعى وَالرَّأْس وَمَا احتوى فِيهِ
قَولَانِ: يُقَال: أَرَادَ بالجوف الْبَطن والفرج كَمَا قَالَ فِي
الحَدِيث الآخر: إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم الأجوفان وكالحديث
الَّذِي يرْوى
(2/116)
عَن جُنْدُب: من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَلا يَجْعَل فِي بَطْنه إِلَّا
حَلَالا فَإِن أول مَا ينتن من الْإِنْسَان بَطْنه وَقَوله: الرَّأْس
وَمَا احتوى يُرِيد مَا فِيهِ من السّمع وَالْبَصَر وَاللِّسَان أَن
لَا يسْتَعْمل ذَلِك إِلَّا فِي حلّه. وَأما القَوْل الآخر: يَقُول:
لَا تنسوا الْجوف وَمَا وعى يَعْنِي الْقلب وَمَا وعى من معرفَة اللَّه
تَعَالَى وَالْعلم بحلاله وَحَرَامه وَلَا يضيع ذَلِك وَيُرِيد
بِالرَّأْسِ وَمَا احتوى الدِّمَاغ وَإِنَّمَا خص الْقلب والدماغ
لِأَنَّهُمَا مجمع الْعقل ومسكنه وَمن ذَلِك حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام: إِن فِي الْجَسَد لمضغة إِذا صلحت صلح بهَا سَائِر الْجَسَد
وَإِذا فَسدتْ فسد بهَا سَائِر الْجَسَد وَهِي الْقلب. |