غريب الحديث للقاسم بن سلام جفف
هرشف رعف وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
حِين سحر أَنه جعل
(2/265)
سحره فِي جف طلعة وَدفن تَحت راعوفة
الْبِئْر. قَوْله: جف طلعة يَعْنِي طلع النّخل وجفه وعاؤه الَّذِي يكون
فِيهِ [و -] الجف [أَيْضا -] فِي غير هَذَا يُقَال: هُوَ شَيْء من
جُلُود [كالإناء -] يُؤْخَذ فِيهِ مَاء السَّمَاء إِذا جَاءَ الْمَطَر
[يسع نصف قِربة أَو نَحوه -] وَمِنْه قَول الراجز: [الرجز]
كل عَجُوز رَأسهَا كالكُفَّةْ ... تحمل جُفَّا مَعهَا هرشَفَّه.
[فالجف هَهُنَا مَا أعلمتك و -] الهرشفة: خرقَة أَو غَيرهَا تحمل بهَا
المَاء مَاء السَّمَاء إِذا كَانَ قَلِيلا ثمَّ تصب فِي الْإِنَاء
وَقَالَ غَيره.
(2/266)
الهِرشَفَةُ خرقَة أَو قِطْعَة كسَاء أَو
نَحوه ينشفُ بهَا المَاء من الأَرْض ثمَّ تعصر فِي الجفة وَذَلِكَ فِي
قلَّة المَاء وَبَعْضهمْ يَقُول: الهِرشفة من نعت الْعَجُوز وَهِي
الْكَبِيرَة والجف أَيْضا فِي غير هذَيْن: جمَاعَة النَّاس وَمن ذَلِك
قَول النَّابِغَة: [الْكَامِل]
فِي جُف تغلب واردي الأمرارِ ... يُرِيد [بجف تغلب -] جَمَاعَتهمْ
وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يرويهِ: فِي جُف ثَعْلَب يُرِيد ثَعْلَبَة بْن
سعد والجفة مثل الجف الْجَمَاعَة. وَمِنْه حَدِيث عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: لَا نَفَل فِي غنيمَة حَتَّى تُقسم جفة أَي كلهَا.
(2/267)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما [قَوْله -]
: راعوفة الْبِئْر فَإِنَّهَا صَخْرَة تتْرك فِي أَسْفَل الْبِئْر إِذا
احتفرت تكون ثَابِتَة هُنَاكَ فَإِذا أَرَادوا تنقية الْبِئْر جلس
المنقي عَلَيْهَا وَيُقَال: بل هُوَ حجر ناتئ فِي بعض الْبِئْر يكون
صُلبا لَا يُمكنهُم حفره فَيتْرك على حَاله وَيُقَال: هُوَ حجر يكون
على رَأس الْبِئْر يقوم عَلَيْهِ المستقي. وَقد روى بعض الْمُحدثين
هَذَا الحَدِيث أَنه جعل سحره فِي جُب طلعة وَلَا أعرف الْجب إِلَّا
الْبِئْر الَّتِي لَيست بمطوية وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة
وَهُوَ قَول الله [تبَارك و -] تَعَالَى [فِي كِتَابه -] {فِيْ
غَيَابَةِ الْجُبِّ} وَلَا أرى الْمَحْفُوظ فِي الحَدِيث إِلَّا الجف
بِالْفَاءِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ [يُقَال -] : أرُعُوفة الْبِئْر
وراعُوفه.
(2/268)
أزل
ألل وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: عجب
ربكُم من إِلِّكُمْ بِكَسْر الْألف وَقُنُوطِكُمْ وَسُرْعَة إجَابَته
إيَّاكُمْ وَرَوَاهُ بعض الْمُحدثين: من أزلّكُم. وأصل الْأَزَل:
الشدَّة [قَالَ -] : وَأرَاهُ الْمَحْفُوظ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ من
شدَّة يأسكم وَقُنُوطِكُمْ. فَإِن كَانَ الْمَحْفُوظ قَوْله: من
إِلِّكُمْ بِكَسْر الْألف فَإِنِّي أحسبها: من ألكم بِالْفَتْح وَهُوَ
أشبه بالمصادر يُقَال مِنْهُ: أل يؤل أَلا وأللا وأليلا وَهُوَ أَن
يرفع الرجل صَوته بِالدُّعَاءِ ويجأر فِيهِ قَالَ الْكُمَيْت يمدح
رجلا: [الْبَسِيط]
فَأَنت مَا أَنْت فِي غبراء مظْلمَة ... إِذا دعت أللَيها الكاعب
الْفضل
(2/269)
فقد يكون أللَيها أَنه أَرَادَ الألل ثمَّ
ثناه كَأَنَّهُ يُرِيد صَوتا بعد صَوت وَقد يكون ألُلَيها أَن يُرِيد
حِكَايَة أصوات النِّسَاء بالنبطية إِذا صرخن وَقد يُقَال لكل شَيْء
محدد: هُوَ مؤلل وقَالَ طرفَة يذكر أُذُنِي النَّاقة ويصف حدتهما
وانتصابهما: [الطَّوِيل]
مؤلَّلتان يعرف العِتق فيهمَا ... كسامِعَتَيْ شَاة بحومَل مُفردِ
والإل [أَيْضا -] فِي غير هَذَا الْموضع قَالَ الْأَصْمَعِي: [يُقَال
-] : قد ألّ الرجل فِي السّير يؤلّ أَلا إِذا أسْرع فِي السّير
وَكَذَلِكَ قد ألّ لَونه يؤل أَلا إِذا صفا وبرق وأظن قَول أبي دواد
[الْإِيَادِي -] من أحد هذَيْن وَذَلِكَ أَنه ذكر فرسا أُنْثَى صَاد
عَلَيْهَا الْوَحْش فَقَالَ: [الْكَامِل]
فلهزتُهنّ بهَا يؤلّ فريصُها ... من لمع رايتنا وهُنّ غوادي
يَقُول لما لمع الْمرَائِي إِلَيْنَا بالوحش ركبت الْفرس فِي آثارهن.
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَن
الْمُهَاجِرين قَالُوا:
(2/270)
يَا رَسُول الله / إِن الْأَنْصَار قد
فضلونا آوونا وَأَنَّهُمْ فعلوا بِنَا وفعلوا 69 / الف فَقَالَ رَسُول
اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم: ألستم تعرفُون ذَلِك لَهُم قَالُوا:
نعم قَالَ: فَإِن ذَلِك.
أنن قَالَ أَبُو عبيد: لَيْسَ فِي
الحَدِيث غير هَذَا. قَوْله: فَإِن ذَلِك مَعْنَاهُ وَالله أعلم فَإِن
معرفتكم بصنيعهم وإحسانهم مُكَافَأَة مِنْكُم لَهُم. كحديثه الآخر: من
أزلّت عَلَيْهِ نعْمَة فليكافئ بهَا فَإِن لم يجد فليظهر ثَنَاء حسنا
فَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: فَإِن ذَاك يُرِيد هَذَا
الْمَعْنى وَهَذَا اخْتِصَار من كَلَام الْعَرَب وَهُوَ من أفْصح
كَلَامهم اكْتفى مِنْهُ بالضمير [لِأَنَّهُ قد علم مَعْنَاهُ وَمَا
أَرَادَ بِهِ الْقَائِل -] وَقد بلغنَا عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ:
جَاءَ رجل إِلَى عمر بْن عبد الْعَزِيز من قُرَيْش يكلمهُ فِي حَاجَة
[لَهُ -] فَجعل يمت بقرابته فَقَالَ [عمر -] : فَإِن ذَاك ثمَّ ذكر
لَهُ حَاجته فَقَالَ: لَعَلَّ ذَاك.
(2/271)
لم يزدْ على أَن قَالَ: فَإِن ذَاك
وَلَعَلَّ ذَاك أَي إِن ذَاك كَمَا قلت وَلَعَلَّ حَاجَتك أَن تقضي
وَقَالَ ابْن قيس الرقيات: [الْكَامِل]
بكرت على عواذلي ... يلحينني وألومهنّهْ ... وَيَقُلْنَ شيب قد علا ...
ك وَقد كَبرت فَقلت إنّهْ
أَي أَنه [قد كَانَ] كَمَا تقلن. والاختصار فِي كَلَام الْعَرَب كثير
لَا يُحْصى وَهُوَ عندنَا أعرب الْكَلَام وأفصحة وَأكْثر مَا
وَجَدْنَاهُ فِي الْقُرْآن من ذَلِك قَوْله: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى
مُوْسَى إنِ أضْرِبْ بِّعَصّاكَ الْبَحْرَ فَأنْفَلَقَ} إِنَّمَا
مَعْنَاهُ وَالله أعلم فَضَربهُ فانفلق وَلم يقل: فَضَربهُ لِأَنَّهُ
حِين قَالَ: أَن اضْرِب بعصاك علم أَنه قد ضربه وَمِنْه قَوْله: {وَلَا
تحلقوا رؤوسكم حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّه فَمَنْ كَانَ
مِنْكُمْ مَّرِيضْاً أوْ بِه أَذًى مِّنْ رَأسِه فَفِدْيَةٌ مِّنْ
صيَام} وَلم يقل: فحلق ففدية من صِيَام اختصر وَاكْتفى مِنْهُ بقوله:
وَلَا تحلقوا
(2/272)
[رءوسكم -] وَكَذَلِكَ قَوْله: {قَالَ
مُوْسى أتّقُوْلُوْنَ لِلْحَقَ لَمَّا جَاءَكُمْ أسِحْرٌ هَذا ولاَ
يُفلِحُ السَّاحِرُوْنَ} وَلم يخبر عَنْهُم فِي هَذَا الْموضع أَنهم
قَالُوا: إِنَّه سحر [و -] لَكِن لما قَالَ [تبَارك وَتَعَالَى -] :
أَسِحْرٌ هَذَا علم أَنهم قد قَالُوا: إِنَّه سحر وَكَذَلِكَ قَوْله:
{وَجَعَلَ لِلَّهِ انْدَاداً لَيضل عَنْ سَبِيلِه قُلْ تَمَتَّعْ
بِكُفْرِكَ قَليْلا إنْكَ مِنْ أصْحَابِ النَّارِ أمْ مَنْ هُوَ
قَانِتٌ} - يُقَال فِي التَّفْسِير: [مَعْنَاهُ -] أَهَذا أفضل أم من
هُوَ قَانِت فَاكْتفى بالمعرفة بِالْمَعْنَى وَهَذَا أَكثر من أَن يحاط
بِهِ وَأنْشد للأخطل: [الرجز]
لما رأونا والصليبَ طالعا ... ومار سرجيس وموتا ناقعا
خلوا لنا راذان والمزارعا ... كَأَنَّمَا كَانُوا غُرابا وَاقعا
(2/273)
أَرَادَ فطار فَترك الْحَرْف الَّذِي فِيهِ
الْمَعْنى لِأَنَّهُ قد علم مَا أَرَادَ.
دبح قنع وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهى أَن يُدَبحَ الرجل فِي
الصَّلَاة كَمَا يُدّبَح الْحمار. قَوْله: أَن يدبح هُوَ أَن يُطَأْطِئ
رَأسه فِي الرُّكُوع حَتَّى يكون أَخفض من ظَهره وَهَذَا كحديثه الآخر
أَنه كَانَ إِذا ركع لم يشخص رَأسه وَلم يصوّبه وَبَعْضهمْ يرويهِ: لم
يصوب رَأسه وَلم يقنعه يَقُول: لم يرفعهُ حَتَّى يكون أَعلَى من جسده
وَلَكِن يكون بَين ذَلِك. وَمِنْه حَدِيث إِبْرَاهِيم أَنه كره أَن
يقنع الرجل رَأسه فِي الرُّكُوع أَو يصوّبه. والإقناع: رفع الرَّأْس
وإشخاصه قَالَ الله [تبَارك و -] تَعَالَى: {مهطعين مقنعي رؤوسهم}
وَالَّذِي يسْتَحبّ من هَذَا أَن يَسْتَوِي
(2/274)
ظهر الرجل وَرَأسه فِي الرُّكُوع كَحَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ إِذا ركع لَو صُبّ على ظَهره
مَاء لاستقر وَقَالَ العجاج: [الرجز]
وَلَو رَآنِي الشُّعَرَاء دبحوا
جفأ كفأ وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة
أَنه نهى عَنْهَا ونادى مناديه بذلك قَالَ: فأجفأوا الْقُدُور.
(2/275)
هَكَذَا يرْوى الحَدِيث بِالْألف وَهُوَ
فِي الْكَلَام فجفأوا بِغَيْر ألف وَمَعْنَاهُ أَنهم أكفأوها أَي
قلبوها يُقَال مِنْهُ: جفأت الرجل وَغَيره إِذا احتملته ثمَّ ضربت بِهِ
الأَرْض. وَكَذَلِكَ الحَدِيث الآخر: فَأمر 69 / ب بالقُدور فكفئت
وَبَعْضهمْ / يرويهِ: فأكفئت. واللغة الْمَعْرُوفَة بِغَيْر ألف
يُقَال: كفأت الْقدر أكفأها كفأة.
وثلة طول حلق وقا أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام: لَا حِمًى إِلَّا فِي ثَلَاث:
ثلّة الْبِئْر وطوَل الْفرس وحلقة الْقَوْم. قَوْله: ثلّة الْبِئْر
يَعْنِي أَن يحتفر الرجل بِئْرا فِي مَوضِع لَيْسَ بِملك لأحد فَيكون
لَهُ من حوالي الْبِئْر من الأَرْض مَا يكون ملقى لثلة الْبِئْر.
وَهُوَ مَا يخرج من ترابها لَا يدْخل فِيهِ أحد عَلَيْهِ حريما للبئر
والثَّلة فِي غير هَذَا [أَيْضا -] جمَاعَة الْغنم وأصوافها وَكَذَلِكَ
الْوَبر أَيْضا: ثلة.
(2/276)
وَمِنْه حَدِيث الْحسن فِي الْيَتِيم: إِذا
كَانَت لَهُ مَاشِيَة أَن للْوَصِيّ أَن يُصِيب من ثلتها ورسلها.
[قَالَ -] فالثلة: الصُّوف. والرِسل: اللَّبن. والثلة فِي غير هَذَا:
الْجَمَاعَة من النَّاس قَالَ اللَّه [تبَارك و -] تَعَالَى {ثُلَةٌ
مِنَ الْأَوَّلين وَقَلِيل مِّنَ الآخِرْيِنَ} . وَأما قَوْله: فِي طول
الْفرس فَإِنَّهُ أَن يكون الرجل فِي الْعَسْكَر فيربط فرسه فَلهُ من
ذَلِك الْمَكَان مستدار لفرسه فِي طوله لَا يمْنَع من ذَلِك وَله أَن
يحميه من النَّاس. وَقَوله: حَلْقة الْقَوْم يَعْنِي أَن يجلس الرجل
فِي وسط الْحلقَة فَلهم أَن يحموها [أَن -] لَا يجلس فِي وَسطهَا أحد.
وَمِنْه حَدِيث حُذَيْفَة: الْجَالِس فِي وسط الْحلقَة مَلْعُون. قَالَ
وَيُقَال: هُوَ تخطي الْحلقَة.
(2/277)
ثغم
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه
أتِيَ بِأبي قُحافة وَكَأن رَأسه ثَغامة فَأَمرهمْ أَن يغيروه. [قَالَ
أَبُو عبيد -] : ثغامة يَعْنِي نبتا أَو شَجرا يُقَال لَهُ: الثغام
وَهُوَ أَبيض الثَّمر والزهر فَشبه بَيَاض الشيب بِهِ وَقَالَ حسان بن
ثَابت:
[الْكَامِل]
إِمَّا ترى رَأْسِي تغير لونُه ... شُمْطًا فَأصْبح كالثغام المُمحِلِ
الممحل [يَعْنِي -] الَّذِي قد أَصَابَهُ الْمحل وَهُوَ الجدوبة.
حرر بيى بَلل وَقَالَ أَبُو عبيد:
فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي الشبرم وَرَآهُ عِنْد
(2/278)
أَسمَاء ابْنة عُمَيْس وَهِي تُرِيدُ أَن
تشربه فَقَالَ: إِنَّه حَار جَار وأمرها بالسنا وبعض النَّاس يرويهِ:
حارّ يارّ وَأكْثر كَلَامهم بِالْيَاءِ. قَالَ الْكسَائي وَغَيره: حَار
من الْحَرَارَة ويارّ إتباع كَقَوْلِهِم: عطشان نطشان وجائع نائع وَحسن
بسن وَمثله كثير فِي الْكَلَام وَإِنَّمَا سمي إتباعا لِأَن الْكَلِمَة
الثَّانِيَة إِنَّمَا هِيَ تَابِعَة للأولى على وَجه التوكيد لَهَا
وَلَيْسَ يتَكَلَّم بهَا مُنْفَرِدَة فَلهَذَا قيل: إتباع. وَأما
حَدِيث آدم عَلَيْهِ السَّلَام حِين قتل ابْنه فَمَكثَ مائَة سنة لَا
يضْحك ثمَّ قيل لَهُ: حياك اللَّه وبياك فَقَالَ: وَمَا بياك قيل:
أضْحكك.
(2/279)
وَقَالَ بعض النَّاس فِي بَيّاك: إِنَّمَا
هُوَ إتباع وَهُوَ عِنْدِي [على -] مَا جَاءَ تَفْسِيره فِي الحَدِيث
أَنه لَيْسَ بِاتِّبَاع وَذَلِكَ أَن الإتباع لَا [يكَاد -] يكون
بِالْوَاو وَهَذَا بِالْوَاو. وَمن ذَلِك قَول الْعَبَّاس [بْن عبد
الْمطلب -] فِي زَمْزَم: [إِنِّي -] لَا أحلهَا لمغتسل وَهِي لشارب
حِلّ وبِلّ. وَيُقَال أَيْضا: إِنَّه إتباع وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي
كَذَلِك لمَكَان الْوَاو قَالَ: وَأَخْبرنِي الْأَصْمَعِي عَن
الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان أَنه قَالَ: بِلّ هُوَ مُبَاح بلغَة حمير
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَيُقَال: بلّ شِفَاء من قَوْلهم: قد بَلَ الرجل
من مَرضه إِذا برأَ وأبل.
أطط وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِن الدُّنْيَا حلوة
(2/280)
خَضِرة فَمن أَخذهَا بِحَقِّهَا بورك لَهُ
فِيهَا قَالَ: ويروي أَن هَذَا المَال حُلْو خضر فَمن أَخذه.
خضر زهر نوس بجح صَهل أَبُو عبيد -]
قَوْله: خَضِرة يَعْنِي غضة حَسَنَة وكل شَيْء غضَ طريّ فَهُوَ خَضِر
وَأَصله من خُضرة الشّجر وَمِنْه قيل للرجل إِذا مَاتَ شابًّا غضا: قد
اخْتُضِر.
عمد نجد رمد ندى سرح [أَبُو
عُبَيْدٍ -] وحَدثني بعض أهل الْعلم أَن شَيخا كَبِيرا من الْعَرَب
كَانَ قد أولِعَ بِهِ شَاب من شُبَّانهمْ فَكلما / رَآهُ قَالَ: أجززت
يَا أَبَا فلَان عبره فَيَقُول: قد آن 70 / الف
(2/281)
لَك أَن تُجَزّ يَا أَبَا فلَان [يَعْنِي
الْمَوْت -] . فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ: أَي بني وتختضرون أَي تموتون
شبَابًا. وَمِنْه قيل: خُذ هَذَا الشَّيْء خَضِرا مَضِرا فالخضر: الغض
الْحسن والمضر إتباع لَهُ. وَقَالَ اللَّه عز وَجل {فَأَخْرْجنَا
مِنْهُ خَضِراً} - يُقَال: إِنَّه الْأَخْضَر وَهُوَ من هَذَا
وَيُقَال: إِنَّمَا سمي الْخضر لِأَنَّهُ كَانَ إِذا جلس فِي مَوضِع
اخضر مَا حوله.
خنث أَسد مسس زرنب وقا أَبُو عبيد:
فِي حَدِيث النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهي عَن اختناث الأسقية.
قَالَ الْأَصْمَعِي وَغَيره: الاختناث أَن يثني أفواهها ثمَّ يشرب
مِنْهَا
(2/282)
وأصل الاختناث التكسّر والتثنيّ. وَمِنْه
حَدِيث عَائِشَة [رَضِي اللَّه عَنْهَا -] حِين ذكرت وَفَاة النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهَا قَالَت: فانخنث فِي حِجري وَمَا شَعرت
بِهِ [يَعْنِي -] حِين قبض فانثنت عُنُقه أَو غَيرهَا من جسده.
وَيُقَال: من هَذَا سمي المخنث لتكسّره وَبِه سميت الْمَرْأَة خَنَث.
[يَقُول: إِنَّهَا لينَة تتثنى -] . وَمعنى الحَدِيث فِي النَّهْي عَن
اختناث الأسقية يُفَسر على وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَنه يخَاف أَن يكون
فِيهِ دَابَّة وَشرب رجل من فِي سقاء فَخرجت مِنْهُ حَيَّة. وَالْوَجْه
الآخر: قَالَ: ينتنه ذَلِك وَعَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهي
عَن اختناث الأسقية وَقَالَ: إِنَّه ينتنه. وَالَّذِي دَار عَلَيْهِ
معنى الحَدِيث
(2/283)
أَنه نهى أَن يشرب من أفواهها.
عُقُق خوف سأم لفف شفف أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِيّ عَلَيْهِ
السَّلَام فِي الْعَقِيقَة عَن الْغُلَام شَاتَان وَعَن الْجَارِيَة
شَاة. قَوْله: الْعَقِيقَة أَصله الشّعْر الَّذِي يكون على رَأس
الصَّبِي حِين يُولد وَإِنَّمَا سميت الشَّاة الَّتِي تذبح عَنهُ فِي
تِلْكَ الْحَال عقيقة لِأَنَّهُ يحلق عَنهُ ذَلِك الشّعْر عِنْد
الذّبْح وَلِهَذَا قيل فِي الحَدِيث: أميطوا عَنهُ الْأَذَى يَعْنِي
بالأذى ذَلِك الشّعْر الَّذِي يحلق عَنهُ [و -] هَذَا مِمَّا قلت لَك:
إِنَّهُم رُبمَا سمّوا الشَّيْء باسم غَيره إِذا كَانَ مَعَه أَو من
سَببه فسميت الشَّاة عقيقة لعقيقة الشّعْر. وَكَذَلِكَ كل مَوْلُود من
الْبَهَائِم فَإِن الشّعْر الَّذِي يكون عَلَيْهِ حِين يُولد عقيقة
وعقة. [و -] قَالَ زُهَيْر يذكر
(2/284)
حمَار الْوَحْش: [الوافر]
أذلك أم أقبّ الْبَطن جأب ... عَلَيْهِ من عقيقته عِفاءُ
ويروى: فِراء. أَو لست ترى أَن الْعَقِيقَة هَهُنَا إِنَّمَا هِيَ
الشّعْر لَا الشَّاة وَقَالَ: العِقة فِي النَّاس والحمر وَلم أسمعهُ
فِي غَيرهمَا عِقة وَقَالَ ابْن الرّقاع العاملي فِي العقة يصف الْحمار
أَيْضا: [الْبَسِيط]
تَحَسَّرَتْ عِقّة عَنهُ فأنسلها ... واجتاب أُخْرَى جَدِيدا بَعْدَمَا
ابتقلا
يُرِيد أَنه لما فطم من الرَّضَاع وَأكل البقل ألقِي عقيقته واجتاب
أُخْرَى أَي لبسهَا وَهَكَذَا زَعَمُوا يكون.
(2/285)
عشنق
علق حرر قرر وقا أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام
أَنه قَالَ: اجْتمعت إِحْدَى عشرَة امْرَأَة فتعاهدن وتعاقدن أَن لَا
يكتمن من أَخْبَار أَزوَاجهنَّ شَيْئا. فَقَالَت الأولى: زَوجي لحم جمل
غثّ على جبل وعر لَا سهل فيرتقي وَلَا سمين فينتقي. ويروى: فَينْتَقل.
وَقَالَت الثَّانِيَة: زَوجي لَا أبث خَبره إِنِّي أَخَاف أَن لَا أذره
إِن أذكرهُ أذكر عُجَرَة وبُجَرَه. قَالَت الثَّالِثَة: زَوجي
العَشَنَّق إِن أُنطقْ أُطلَّق وَإِن أسكت أعلَّق. قَالَت الرَّابِعَة:
زَوجي كليل تهَامَة لَا حرّ وَلَا قرّ وَلَا مَخَافَة وَلَا سآمة.
قَالَت الْخَامِسَة: زَوجي إِن أكل لفّ وَإِن شرب اشتفّ وَلَا يولج
الكفّ ليعلم البثّ. قَالَت السَّادِسَة: زَوجي عياياء أَو غياياء
هَكَذَا يرْوى الحَدِيث بِالشَّكِّ
(2/286)
طباقاء كل دَاء لَهُ دَاء شجكِ أَو فَلَّكِ
أَو جمع كلالك. قَالَت السَّابِعَة: زَوجي إِن دخل فَهِد وَإِن خرج
أسِد وَلَا يسْأَل عَمَّا عهِد. قَالَت الثَّامِنَة: زَوجي المسّ مسّ
أرنب وَالرِّيح ريح زرنب. قَالَت التَّاسِعَة: زَوجي رفيع الْعِمَاد
طَوِيل النِجاد عَظِيم الرَماد قريب الْبَيْت من الناد. قَالَت
الْعَاشِرَة: زَوجي مَالك وَمَا مَالك مَالك خير من ذَلِك لَهُ إبل
قليلات المسارح / وكثيرات الْمُبَارك إِذا سمعن صَوت المزهر أَيقَن 70
/ ب أنّهن هوالك. قَالَت الْحَادِيَة عشرَة: زَوجي أَبُو زرع وَمَا
أَبُو زرع أنَاس من حليّ أُذُنِي وملأ من شَحم عضدي وبّجحني فبّجحت
وجدني فِي أهل غنيمَة بشق فجعلني فِي أهل صَهِيل وأطيط ودائس ومنق
وَعِنْده أَقُول فَلَا أقبح وأشرب فأتقمّح [ويروى: فأتقنّح -] وأرقد
(2/287)
فأتصبح أم أبي زرع وَمَا أم أبي زرع عكومها
رداح وبيتها فياح ابْن أبي زرع فَمَا ابْن أبي زرع كمسل شطبة [وتشبعه
ذِرَاع الجفرة بنت أبي زرع وَمَا بنت أبي زرع طوع أَبِيهَا وطوع أمهَا
وملء كسائها وغيظ -] جارتها جَارِيَة أبي زرع فَمَا جَارِيَة أبي زرع
لَا تبثّ حديثنا تبثيثا وَلَا تنقل ميرتنا تنقيثا وَلَا تملأ بيتنا
تغشيشا ويروى: تعشيشا خرج أَبُو زرع والأوطاب تُمخَض فلقي امْرَأَة
مَعهَا ولدان لَهَا كالفهدين يلعبان [من -] تَحت خَصْرها برمانتين
فطلقني
(2/288)
ونكحها فنكحت بعده رجلا سَرِيًّا ركِبَ
شَريا وَأخذ خطّيًا وأراح عَليّ نعْمَة ثريا وَقَالَ: كُلي أم زرع
وميري أهلك فَلَو جمعت كل شَيْء أعطانيه مَا بلغ أَصْغَر آنِية أبي
زرع. قَالَت عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَقَالَ [لي -] رَسُول
اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم: كنت لَك كَأبي زرع لأم زرع.
غثث نقى نقل عجر بجر أَبُو عبيد:
سَمِعت عدَّة من أهل الْعلم [لَا أحفظ عَددهمْ -] يخبر كل وَاحِد
مِنْهُم بتفسير هَذَا الحَدِيث وَيزِيد بَعضهم على بعض قَالُوا: [أما
-] قَول الأولى: لحم جَمل غَثّ تَعْنِي المهزول على رَأس جبل وعر تصف
قلَّة خَيره وَبعده مَعَ الْقلَّة كالشيء فِي قُلة الْجَبَل الصعب لَا
ينَال إِلَّا بالمشقة لقولها: لَا سهل فيرتقي وَلَا سمين فينتقي تَقول:
لَيْسَ لَهُ نِقْي وَهُوَ المخ وَقَالَ الْكسَائي: فِيهِ لُغَتَانِ
يُقَال: نَقَوت الْعظم ونَقَيته
(2/289)
إِذا استخرجت النقي مِنْهُ قَالَ
الْكسَائي: وَكلهمْ يَقُول: انتقيته إِذا استخرجت النقي مِنْهُ وَمِنْه
قيل للناقة السمينة: منقية [و -] قَالَ الْأَعْشَى يمدح قوما:
[الْكَامِل]
حاموا على أضيافهم فَشَوَوا لَهُم ... من لحم مُنقية وَمن أكبادِ
وَمن رَوَاهُ: فَينْتَقل فَإِنَّهُ أَرَادَ لَيْسَ بسمين فينتقله
النَّاس إِلَى بُيُوتهم [فيأكلونه -] وَلَكنهُمْ يزهدون فِيهِ. و [أما
-] قَول الثَّانِيَة: زَوجي لَا أبثّ خَبره إِنِّي أَخَاف أَن لَا أذره
إِن أذكرهُ أذكر عُجَرَة وبُجَرَه فالعُجَر أَن يتعقد العصب أَو
الْعُرُوق حَتَّى ترَاهَا ناتئة من الْجَسَد. والبُجَر نَحْوهَا إِلَّا
أَنَّهَا فِي الْبَطن خَاصَّة واحدتها بجرة
(2/290)
وَمِنْه قيل: رجل أبجر إِذا كَانَ أعظم
الْبَطن وَامْرَأَة بجراء وَجَمعهَا بُجر وَيُقَال: لفُلَان بجرة
وَيُقَال: رجل أبجر إِذا كَانَ ناتئ السُّرَّة عظيمها. و [أما -] قَول
الثَّالِثَة: زَوجي العشنّق إِن أُنطقْ أُطلَّق وَإِن أسكت أعلَّق
فالعشنق: الطَّوِيل قَالَه الْأَصْمَعِي. تَقول: لَيْسَ عِنْده أكثرمن
طوله بِلَا نفع فَإِن ذكرت مَا فِيهِ من الْعُيُوب طَلقنِي وَإِن سكت
تركني معلقَة لَا أيِّما وَلَا ذَات بعل. وَمِنْه قَول اللَّه تَعَالَى
{فَلا تَمِيْلُوْا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوْهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} .
(2/291)
وَقَول الرَّابِعَة: زَوجي كليل تهَامَة
لَا حرّ وَلَا قرّ وَلَا مَخَافَة وَلَا سآمة تَقول: لَيْسَ عِنْده
أَذَى وَلَا مَكْرُوه وَإِنَّمَا هَذَا مثل لِأَن الْحر وَالْبرد
كِلَاهُمَا فِيهِ أَذَى إِذا اشتدا. وَلَا مَخَافَة تَقول: لَيست
عِنْده غائلة وَلَا شَرّ أخافه. وَلَا سآمة تَقول: لَا يسأمني فيملّ
صحبتي. وَقَول الْخَامِسَة: زَوجي إِن أكل لفّ وَإِن شرب اشتفّ فَإِن
اللف فِي الْمطعم الْإِكْثَار [مِنْهُ مَعَ التَّخْلِيط من صنوفه
حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُ شَيْئا. والاشتفاف فِي الشّرْب أَن يستقصى
مَاء فِي الْإِنَاء وَلَا يُسئِر فِيهِ سؤرا وَإِنَّمَا أَخذ من
الشفافة وَهِي الْبَقِيَّة تبقى فِي الْإِنَاء من الشَّرَاب فَإِذا 71
/ الف شربهَا صَاحبهَا / قيل: اشتفّها وتشافّها تشافا قَالَ ذَلِك
الْأَصْمَعِي قَالَ: وَيُقَال فِي مثل من الْأَمْثَال لَيْسَ الرّيّ
عَن التشاف يَقُول: لَيْسَ من لَا يشتف لَا يروي وَقد يكون الرّيّ دون
ذَلِك قَالَ: ويروى عَن جرير بن عبد الله
(2/292)
[البَجلِيّ -] أَنه قَالَ لِبَنِيهِ: يَا
بني إِذا شربتم فأسئروا هَذَا فِي الحَدِيث و [قَالَ -] فِي حَدِيث
آخر: فَإِنَّهُ أجمل. 5
غيا عيا طبق دوأ فَهد أَبُو عبيد
[و] قَوْلهَا: لَا يولج الْكَفّ ليعلم البث قَالَ: فأحسبه كَانَ بجسدها
عيب أَو دَاء تكتئب لَهُ لِأَن البث هُوَ الْحزن فَكَانَ لَا يدْخل
يَده فِي ثوبها ليمس ذَلِك الْعَيْب فَيشق عَلَيْهَا تصفه بِالْكَرمِ.
(2/293)
و [أما -] قَول السَّادِسَة: زَوجي غياياء
أَو عياياء طباقاء فَأَما غياياء بالغين مُعْجمَة فَلَا أعرفهَا
وَلَيْسَت بِشَيْء وَإِنَّمَا هُوَ [عياياء -] بِالْعينِ. والعياياء من
الْإِبِل الَّذِي لَا يضْرب وَلَا يُلقح وَكَذَلِكَ هُوَ من الرِّجَال
قَالَ أَبُو نصر: يُقَال: بعير عياياء إِذا لم يحسن
(2/294)
أَن يضْرب النَّاقة وعياياء فِي النَّاس
الَّذِي لَا يتَّجه لشَيْء وَلَا يتَصَرَّف فِي الْأُمُور فَإِذا كَانَ
حاذقا بالضراب قيل: بعير معيد والطباقاء: العي الأحمق الفَدّم وَمِنْه
قَول جميل بْن معمر يذكر رجلا: [الطَّوِيل]
طباقاء لم يشْهد خُصوما وَلم يقد ... قلاصا إِلَى أكوارها حِين تعكفُ
وَقَوْلها: كل دَاء لَهُ دَاء [أَي دَاء -] كل شَيْء من أدواء النَّاس
فَهُوَ فِيهِ وَمن أدوائه. وَقَول السَّابِعَة: زَوجي إِن دخل فَهِد
وَإِن خرج أسِد فَإِنَّهَا تصفه بِكَثْرَة النّوم والغفلة فِي منزله
على وَجه الْمَدْح لَهُ وَذَلِكَ أَن الفهد كثير النّوم
(2/295)
يُقَال: أنوم من فَهد وَالَّذِي أَرَادَت
[بِهِ -] أَنه لَيْسَ يتفقد مَا ذهب من مَاله وَلَا يلْتَفت إِلَى
معائب الْبَيْت وَمَا فِيهِ فَهُوَ كَأَنَّهُ ساهٍ عَن ذَلِك وَمِمَّا
يُبينهُ قَوْلهَا: وَلَا يسْأَل عَن عَمَّا تُرِيدُ عَمَّا كَانَ
عِنْدِي قبل ذَلِك [و -] قَوْلهَا [و -] إِن خرج أَسد تصفه بالشجاعة
تَقول: إِذا خرج إِلَى النَّاس ومباشرة الْحَرْب ولقاء الْعَدو أَسد
فِيهَا يُقَال: قد أَسد الرجل واستأسد بِمَعْنى وَاحِد. و [أما -] قَول
الثَّامِنَة: زَوجي الْمس مس أرنب وَالرِّيح ريح زرنب [فَإِنَّهَا تصفه
بِحسن الْخلق ولين الْجَانِب كمس الأرنب -] إِذا وضعت يدك على ظهرهَا.
وَقَوْلها: [و -] الرّيح ريح زرنب فَإِن فِيهِ مَعْنيين: قد يكون أَن
تُرِيدُ طيب ريح جسده وَيكون أَن تُرِيدُ طيب الثَّنَاء فِي النَّاس
وَالثنَاء والثنا وَاحِد إِلَّا أَن الثَّنَاء مَمْدُود والثنا
مَقْصُور وانتشاره فيهم كريح الزرنب وَهُوَ نوع من أَنْوَاع الطّيب
مَعْرُوف.
(2/296)
و [أما -] قَول التَّاسِعَة: زَوجي رفيع
الْعِمَاد فَإِنَّهَا تصفه بالشرف وسنا الذّكر السناء فِي الشّرف
مَمْدُود والسنا مَقْصُور مثل سنا الْبَرْق وأصل الْعِمَاد: عماد
الْبَيْت وَجمعه: عمد وأعماد وَهِي [العيدان -] الَّتِي تُعمد فِي
الْبيُوت وَإِنَّمَا هَذَا مثل تَعْنِي أَن بَيته رفيع فِي قومه وحسبه.
وَأما قَوْلهَا: طَوِيل النجاد فَإِنَّهَا تصفه بامتداد الْقَامَة
والنجاد حمائل السَّيْف فَهُوَ يحْتَاج إِلَى قدر ذَلِك من طوله
وَهَذَا [مِمَّا -] يمدح بِهِ الشُّعَرَاء قَالَ مَرْوَان ابْن أَبى
حَفْصَة: [الْكَامِل]
قصرت حمائله عَلَيْهِ فَقلّصت ... وَلَقَد تحفظ قينها فأطالها
وَأما قَوْلهَا: عَظِيم الرماد فَإِنَّهَا تصفه بالجود وَكَثْرَة
الضِّيَافَة من لحم الْإِبِل وَغَيره من اللحوم فَإِذا فعل ذَلِك عظمت
ناره وَكثر وقودها فَيكون الرماد فِي الْكَثْرَة على قدر ذَلِك وَهَذَا
كثير فِي أشعارهم.
(2/297)
وَقَوْلها: قريب الْبَيْت من الناد يَعْنِي
أَنه ينزل بَين ظهراني النَّاس ليعلموا مَكَانَهُ فَينزل بِهِ الأضياف
وَلَا يستبعد مِنْهُم [ويتوارى -] فِرَارًا من نزُول النوائب بِهِ
والأضياف وَهَذَا الْمَعْنى أَرَادَ زُهَيْر بقوله لرجل يمدحه:
[الْكَامِل]
يَسِط الْبيُوت لكَي يكون مَظِنة ... من حَيْثُ تُوضَع جَفنة المسترفِد
قَوْله: يسط الْبيُوت يُرِيد بتوسط الْبيُوت لكَي يكون مَظَنَّة
يَعْنِي معلما يُقَال: فلَان مَظَنَّة لهَذَا الْأَمر أَي معلم لَهُ
وَمِنْه قَول النَّابِغَة:
[الوافر]
فَإِن مَظنَة الْجَهْل الشبابُ
ويروى السباب.
(2/298)
/ وَقَول الْعَاشِرَة: زَوجي مَالك وَمَا
مَالك مَالك خير من 71 / ب ذَلِك لَهُ إبل قليلات المسارح كثيرات
الْمُبَارك تَقول: إِنَّه لَا يوجههن ليسرحن نَهَارا إِلَّا قَلِيلا
ولكنهن يبركن بفنائه فَإِن نزل بِهِ ضيف لم تكن الْإِبِل غَائِبَة
عَنهُ وَلكنهَا بِحَضْرَتِهِ فيقريه من أَلْبَانهَا ولحومها.
وَقَوْلها: إِذا سمعن صَوت المزهر أيقنّ أنّهن هوالك فالمزهر الْعود
الَّذِي يضْرب بِهِ قَالَ الْأَعْشَى يمدح رجلا: [الْخَفِيف]
جَالس حوله الندامى فَمَا ينفكّ يُؤْتى بمزهر مندوفِ
فَأَرَادَتْ الْمَرْأَة أَن زَوجهَا قد عوّد إبِله [أَنه -] إِذا نزل
بِهِ الضيفان أَن ينْحَر لَهُم ويسقيهم الشَّرَاب ويأتيهم بالمعازف
فَإِذا سَمِعت الْإِبِل
(2/299)
ذَلِك الصَّوْت علِمْنَ أَنَّهُنَّ منحورات
فَذَلِك قَوْلهَا: أيقنّ أَنَّهُنَّ هوالِك. وَقَول الْحَادِيَة عشرَة:
زَوجي أَبُو زرع وَمَا أَبُو زرع أنَاس من حُلِي اذُنَي تُرِيدُ حلاني
قِرَطة وشنوفا تنوس بأذني والنوس: الْحَرَكَة من كل شَيْء متدلى يُقَال
مِنْهُ: قد نَاس ينوس نوسا وأناسه غَيره إناسة. [قَالَ -] وَأَخْبرنِي
ابْن الْكَلْبِيّ إِن ذَا نواس ملك الْيمن [إِنَّمَا -] سمي بِهَذَا
لضفيرتين كَانَتَا تنوسان على عَاتِقيهِ. وَقَوْلها: مَلأ من شَحم
عَضُدَيّ لم ترد الْعَضُد خَاصَّة إِنَّمَا أَرَادَت الْجَسَد كُله
تَقول: إِنَّه أسمنني بإحسانه إليّ فَإِذا سمنت الْعَضُد سمن سَائِر
الْجَسَد. وَقَوْلها: بَجّحني فَبَجَحْت أَي فرّحني ففَرِحت وَقد بجح
الرجل يبجح إِذا فَرح [و -] قَالَ الرَّاعِي: [الطَّوِيل]
(2/300)
وَمَا الفقرُ من أَرض الْعَشِيرَة ساقنا
... إِلَيْك وَلَكنَّا بقربك نبجحُ
وَفِي هَذَا لُغَتَانِ: بَجَحْت وبَجِحْت ويروى: بقُرباك وبقربك وهما
الْقَرَابَة. وَقَوْلها: وجدني فِي أهل غنيمَة بِشق والمحدثون
يَقُولُونَ: بشِقّ وشِقّ: موضعْ تَعْنِي أَن أَهلهَا كَانُوا أَصْحَاب
غنم لَيْسُوا بأصحاب خيل وَلَا إبل. قَالَت: فجعلني فِي أهل صَهِيل
وأطيط تَعْنِي أَنه ذهب بِي إِلَى أَهله وهم أهل خيل وإبل لِأَن الصهيل
أصوات الْخَيل
(2/301)
والأطيط: أصوات الْإِبِل [و -] قَالَ
الْأَعْشَى فِي الأطيط: [الْبَسِيط]
أَلَسْت مُنْتَهِياً عَن نَحْتِ أثْلَتِنَا ... وَلَسْتَ ضائرها مَا
أطت الْإِبِل
دوس وطب رمن قَالَ أَبُو عبيد:
الأطيط هَهُنَا الحنين وَقد يكون الأطيط فِي غير الْإِبِل أَيْضا
وَمِنْه حَدِيث عتبَة بْن غَزوَان حِين ذكر بَاب الْجنَّة [فَقَالَ] :
ليَأْتِيَن عَلَيْهِ زمَان وَله أطيط يَعْنِي الصَّوْت بالزحام.
[قَوْلهَا -] : دائس ومنق فَإِن بعض النَّاس يتأوله دئاس الطَّعَام
وَأهل الشَّام يسمّونه الدراس يَقُولُونَ: قد درس النَّاس الطَّعَام
يدرسونه وَأهل الْعرَاق يَقُولُونَ: [قد -] داسوا يدوسون.
نقى قبح قَمح بثث نقث أَبُو عبيد:
وَلَا أَظن وَاحِدَة من هَاتين الْكَلِمَتَيْنِ من كَلَام الْعَرَب
وَلَا أَدْرِي مَا هُوَ فَإِن كَانَ
(2/302)
كَمَا قيل فَإِنَّهَا أَرَادَت أَنهم
أَصْحَاب زرع وَهَذَا أشبه بِكَلَام الْعَرَب إِن كَانَ مَحْفُوظًا.
وَأما قَول الْمُحدثين: مُنِقّ فَلَا أَدْرِي مَا مَعْنَاهُ وَلَكِنِّي
أَحْسبهُ: منَقّ فَإِن كَانَ هَذَا بِالْفَتْح فَإِنَّهَا أَرَادَتْهُ
من تنقية الطَّعَام أَي دائس للطعام ومُنَقّ لَهُ. وَقَوْلها: عِنْده
أَقُول فَلَا أقبّح واشرب فأتقمح تَقول: لَا يقبح عليّ قولي بل يقبل
مني. وَأما التقمّح فِي الشَّرَاب فَإِنَّهُ مَأْخُوذ من النَّاقة
المُقامح. قَالَ الْأَصْمَعِي: وَهِي الَّتِي ترد الْحَوْض فَلَا تشرب.
قنح ردح شطب نثث حَدِيث أَبُو
عُبَيْدٍ: فأحسب قَوْلهَا: فأتقّمح أَي أروي حَتَّى أدع الشّرْب من
[شدَّة -] الرّيّ وَلَا أَرَاهَا قَالَت هَذَا إِلَّا من عزة المَاء
عِنْدهم وكل رَافع رَأسه عِنْدهم: فَهُوَ مقامح وقامح ومُقَمح وَجمعه:
(2/303)
72 - / الف قماح ومقمحون قَالَ بشر بْن أبي
خازم / يذكر سفينة كَانَ فِيهَا: [الوافر]
وَنحن على جوانبها قُعود ... نَغّض الطّرف كَالْإِبِلِ القِماح
فَإِن فعل ذَلِك بِإِنْسَان فَهُوَ مُقْمَح. وَهُوَ فِي التَّنْزِيل
{إِلَى الأذْقَانِ فَهُمْ مُّقْمَحُوْنَ} . وَبَعض النَّاس يروي هَذَا
الْحَرْف: وأشرب فأتقنّح بالنُّون وَلَا أعرف هَذَا الْحَرْف وَلَا أرى
الْمَحْفُوظ إِلَّا بِالْمِيم. [فَإِن كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا فانه
يُقَال: إِن التقنح الامتلاء من الشّرْب والريّ مِنْهُ وَهُوَ فِي
التَّنْزِيل -] . وَقَوْلها: أم أبي زرع فَمَا أم أبي زرع عكومها رَداح
فالعُكوم الْأَحْمَال والأعدال الَّتِي فِيهَا الأوعية من صنوف
الْأَطْعِمَة
(2/304)
وَالْمَتَاع وَاحِدهَا عكم وَقَوْلها: رداح
تَقول: هِيَ عِظَام كَثِيرَة الحشو وَمِنْه قيل للكتيبة إِذا عظمت:
رداح قَالَ لبيد: [الرجز]
وأبِّنا مُلاعب الرماح ... ومدره الكتيبة الرداحِ
أَمر ابْنَته بالبكاء على أبي برَاء عَمه والتأبين مدح الْمَيِّت وَلَا
يكون للحي تأبين وَمن هَذَا قيل للْمَرْأَة: رَداح إِذا كَانَت
عَظِيمَة الأكفال. وَقَوْلها: ابْن أبي زرع فَمَا ابْن أبي زرع كمسل
شطبة
(2/305)
فَإِن الشطبة أَصْلهَا مَا شطب من جريد
النّخل وَهُوَ سَعَفه وَذَلِكَ أَنه إِذا يشقق مِنْهُ قضبان دقاق تنسج
مِنْهُ الْحصْر يُقَال [مِنْهُ -] للْمَرْأَة الَّتِي تفعل ذَلِك:
شاطبة وَجَمعهَا: شواطب قَالَ قيس بْن الخطيم الأنصارى: [الطَّوِيل]
ترى قِصَد المُرّان تُلْقى كَأَنَّهَا ... تَذرّع خرصانٍ بأيدي
الشواطبِ
فَأخْبرت [الْمَرْأَة -] أَنه مهفهف ضرب اللَّحْم شبهته بِتِلْكَ
الشطبة وَهَذَا مِمَّا يمدح بِهِ الرجل. قِضبان وقُضبان وَالضَّم
أَكثر. وَقَوْلها: يَكْفِيهِ ذِرَاع الجفرة فَإِن الجفرة الْأُنْثَى من
أَوْلَاد الْمعز وَالذكر
(2/306)
جفر. وَمِنْه قَول عمر [رَضِي اللَّه عَنهُ
-] فِي اليربوع يُصِيبهُ الْمحرم جفرة وَالْعرب تمدح الرجل بقلّة
الطّعْم وَالشرب أَلا تسمع قَول أعشى بأهلة: [الْبَسِيط]
تكفيه حُزة فِلذ إِن الَمَّ بهَا ... من الشَواء ويروى شربه الغُمَرْ
ويروى: تكفيه فلذة كبد. وَقَوْلها: جَارِيَة أبي زرع [فَمَا جَارِيَة
أبي زرع] لَا تنثّ تنثيثا وَبَعْضهمْ يرويهِ: لَا تبثّ حديثنا تبثيثا
وَأَحَدهمَا قريب الْمَعْنى من الآخر أَي لَا تظهر سرنا. و [قَوْلهَا
-] لَا تُنقل ميرتنا تنقيثا يَعْنِي الطَّعَام لَا تَأْخُذهُ فتذهب
بِهِ تصفها بالأمانة والتنقيث الْإِسْرَاع فِي السّير قَالَ الْفراء:
يُقَال: خرج فلَان ينتقث إِذا أسْرع
(2/307)
فِي سيره. وَقَوْلها: خرج أَبُو زرع
والأوطاب تُمخض فالأوطاب أسقية اللَّبن وَاحِدهَا وطب. قَالَت: فلقى
امْرَأَة مَعهَا ولدان لَهَا كالفهدين يلعبان من تَحت خَصْرها برمانتين
تَعْنِي أَنَّهَا [ذَات -] كفل عَظِيم فَإِذا استلقت نبأ بهَا الكفل من
الأَرْض حَتَّى تصير تحتهَا فجوة تجْرِي فِيهَا الرُّمَّان
شرى خطط ثرى [قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ
-] : وَبَعض النَّاس يذهب بالرمانتين إِلَى أَنَّهُمَا الثديان
وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه. قَالَت: فطلقني ونكحها ونكحت بعده رجلا سريا
ركب شريا يَعْنِي الْفرس أَنه يستشري فِي عَدْوِهْ [يَعْنِي أَنه يلج
-] ويمضي فِيهِ بِلَا فتور وَلَا انكسار وَمن
(2/308)
هَذَا قيل للرجل إِذا لجّ فِي الْأَمر: قد
شَرى فِيهِ واستشرى فِيهِ. وَقَوْلها: أَخذ خطّيا تَعْنِي الرمْح سمى
خطّيا لِأَنَّهُ يَأْتِي من بِلَاد وَهِي نَاحيَة الْبَحْرين يُقَال
لَهَا: الْخط فتنسب الرماح إِلَيْهَا وَإِنَّمَا أصل الرماح من
الْهِنْد وَلكنهَا تحمل إِلَى الْخط فِي الْبَحْر ثمَّ تفرق مِنْهَا
فِي الْبِلَاد. وَقَوْلها: نعما ثريا تَعْنِي الْإِبِل والثري: الْكثير
من المَال وَغَيره [و -] قَالَ الْكسَائي: يُقَال: قد ثرى بَنو فلَان
بني
(2/309)
|