غريب الحديث للقاسم بن سلام طلع
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث الْحسن لِأَن أعلم أَنِّي بريءٌ من
النِّفاق أحَبُّ إليّ من طِلاع الأَرْض ذَهَبا. قَالَ الْأَصْمَعِي:
طِلاع الأَرْض مِلْؤُها يُقَال: قَوس طِلاع الكفَّ إِذا كَانَ عَجْسها
يمْلَأ الْكَفّ قَالَ أَوْس بن حجر يصف قوسا: (الطَّوِيل)
كَتُومٌ طِلاعُ الكفّ لَا دون مِلئها ... وَلَا عَجْسها عَن مَوضِع
الكفِّ أفْضَلا
قَالَ أَبُو عبيد: وأحسب الطَّلاع إِنَّمَا هُوَ أَن يُطالع الشَّيْء
بالشَّيْء حَتَّى يُساويه فَجعل مِلأ الأَرْض يُسَاوِي أَعْلَاهَا
وَكَذَلِكَ مَا أشبهه.
(4/449)
سَطَا وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
الْحسن لَا بأسَ أَن يَسْطُوا الرجلُ على الْمَرْأَة قَالَ حدّثنَاهُ
عباد بن عباد عَن هِشَام عَن الْحسن قَالَ عباد وَقَالَ هِشَام:
وَذَلِكَ إِذا خِيفَ عَلَيْهَا وَلم تُوجَد امرأةٌ تُعالِجُ ذَلِك
مِنْهَا هَذَا وَمَا أشبهه من الْكَلَام. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة:
السَّطُو أَن يدْخل يَده فِي رَحمها فيستخرج الولَد إِذا نَشِبَ فِي
بَطنهَا مَيتا وَقد يَفْعَلُونَ ذَلِك بالناقة وَرُبمَا أخرجُوا
الْجَنِين مقطّعا يُقَال مِنْهُ: سَطَوت أسطُو سَطْواً. قَالَ أَبُو
عبيد: والسَّطو فِي غير هَذَا أَن يَسْطو الرجلُ على غَيره بالضَّرْب
والشَّتْم والإساءة يُقَال: سَطَوت عَلَيْهِ وَبِه قَالَ الله
تَعَالَى] {يَكَادُوْنَ يَسْطُوْنَ بِالَّذِيْنَ يَتْلُوْنَ عَلَيْهِمْ
آياتِنا} .
غرب وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
الْحسن إِذا اسْتَغْرَب الرجلُ ضَحكا فِي الصَّلاة أعَاد الصلاةَ.
كَانَ أَبُو عَمْرو والأصمعي يَقُول أَحدهمَا: الاستغراب هُوَ القهقهة
(4/450)
وَقَالَ الآخر: هُوَ الْإِكْثَار من
الضَحِك وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول: أغرب الرجلُ ضَحِكا وَأنْشد
بَيت ذِي الرُّمة: (الطَّوِيل)
فَمَا يُغْرِبون الضَّحْكَ إِلَّا تَبَسُّما ... وَلَا يَنْسِبون
القولَ إِلَّا تخافِيا]
هيد وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
الْحسن بن [أبي] الْحسن الْبَصْرِيّ مَا من أحدٍ عَمِلَ لله عزّ وجلّ
عملا إِلَّا سَار فِي قلبه سورتان فَإِذا كَانَت الأولى مِنْهُمَا لله
تَعَالَى فَلَا تَهيدَنَّه الْآخِرَة. [قَوْله: لَا تَهِيدَنَّه -]
يَقُول: لَا تُصَرِّفَنَّه عَن ذَلِك وَلَا تُزِيلنَّه يُقَال مِنْهُ:
هِدْتُ الرجلَ أهيدُه هَيْداً وهادًا إِذا زَجَرْتَه عَن الشَّيْء
وصرفته عَنهُ [قَالَ أَنْشدني الْأَحْمَر: (الْبَسِيط)
حَتَّى استقامَتْ لَهُ الْأَعْنَاق طَائِعَة ... فَمَا يُقال لَهُ
هَيْدٌ وَلَا هادِ
قَوْله: هيدِ وَلَا هادِ خفض فِي مَوضِع رفع وَهَذَا على الْحِكَايَة
كَقَوْلِك
(4/451)
صَهٍ صَهْ وغاقٍ وغَاقِ وَنَحْوه وَقد
يرْوى بِالرَّفْع وَهُوَ جَائِز وَمَعْنَاهُ لَا يمْنَع من شَيْء. ونرى
أَن حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام من هَذَا حِين قيل لَهُ فِي
الْمَسْجِد: يَا رَسُول الله هِدْه فَقَالَ: بل عرش كعرشِ مُوسَى كَانَ
سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِيمَا بَلغنِي عَنهُ يَقُول: معنى هِدْهُ
أصْلحْه وَهَذَا معنى الحَدِيث الآخر كَمَا قَالَ سُفْيَان وَلكنه
إصْلَاح بعد هدم الأول إِنَّمَا هُدَّه أَي أزِلْ هَذَا عَن مَوْضِعه
وابْنِ غَيْرَهُ وَالَّذِي أَرَادَ الْحسن بقوله: فَلَا تَهيدَنَّه
الآخرةُ يَقُول: إِذا صحّت نِيَّته فِي أول مَا يُرِيد الْأَمر من
البرّ فَعرض لَهُ الشَّيْطَان فَقَالَ: إِنَّك تُرِيدُ بِهَذَا
الرِّياءَ فَلَا يمنعنَّه ذَلِك من الْأَمر الَّذِي تقدَّمت فِيهِ
نِيَّته. وَهَذَا شَبيه بِالْحَدِيثِ الآخر: إِذا أَتَاك الشَّيْطَان
وَأَنت تصلي فَقَالَ: إِنَّك ترائي فزدها طولا.
ضبع مدر وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث الْحسن وَعبد الله بن شَقِيق الْعقيلِيّ حِين ذكرا حديثَ
إِبْرَاهِيم خَلِيل الله صلوَات الله عَلَيْهِ فَقَالَا: يَأْتِيهِ
أَبوهُ يَوْم
(4/452)
الْقِيَامَة فيسأله أَن يَّشْفَعَ لَهُ
فَيَقُول: خُذ بحُجْزتي فَيَأْخُذ بحُجزته فتحين من إِبْرَاهِيم
التفاتة إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ بِضبْعانِ أمْدَرَ فينتزع حُجْزته من
يَده وَيَقُول: مَا أَنْت بِأبي. قَوْله: ضبْعان هُوَ الذّكر من
الضِّباع وَهُوَ الذِّيْخُ أَيْضا وَلَا يُقَال للذّكر ضَبع إِنَّمَا
الضَّبع الْأُنْثَى خَاصَّة. وَقَوله: أمْدَرُ يَقُول: هُوَ
المُنْتَفِخُ الجنبينِ العظيمُ البطنِ قَالَ الرَّاعِي يصف إبِلا لَهَا
قيِّم: (الْبَسِيط)
وقَيِّمٍ أمْدَرِ الجنبينِ مُنْخَرِقٍ ... عَنهُ العَباءَةُ قَوَّام
على الهَمَلِ
قَوْله: أمدر الجنبين يَعْنِي عظيمهما. وَيُقَال إِن الأمْدَرَ الَّذِي
قد تَتَرَّبَ جنباه من المدَر يذهب بِهِ إِلَى التُّرَاب أَي أصابَ
جسدَه الترابُ وَقَالَ بَعضهم: الأمْدَرُ الكثيرُ الرَّجيع الَّذِي لَا
يَقْدِرُ على حَبْسه وَقد يَسْتَقِيم أَن يكون المعنيان جَمِيعًا فِي
ذَلِك الضِّبعان.
(4/453)
بضض
ملخ ذرا وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث الْحسن مَا تشَاء أَن ترى
أحدَهم أبيضَ بَضّاً يَمْلَخُ فِي الْبَاطِل مَلْخَاً ينفٌضُ
مِذْرَوَيه يَقُول: هأنَذَا فَاعْرفُوني يرْوى ذَلِك فِيمَا أعلم عَن
أبي بكر الْهُذلِيّ عَن الْحسن. قَالَ الْأَصْمَعِي: البَضُّ الرَّخْص
الجسدِ وَلَيْسَ هَذَا من الْبيَاض خَاصَّة وَلكنه من الرُّخوصة
والرَّخاصة مصدرين إِن كَانَ أَدَم أَو أَبيض وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة
بضَّة. وَأما قَوْله: يَمْلَخُ فَإِن المْلَخ والمَلَخَ لُغَتَانِ
التثنِّي والتكسّر يُقَال: مَلَخَ الفرسُ وَغَيره إِذا لعب قَالَ رؤبة
يصف الْحمار: (الرجز)
مُعْتَزِمُ التَّجْلِيحِ مَلاَّخُ المَلَقْ
المَلَق أَن ينتزع الشَّيْء من مَوْضِعه انتزاعا سهلا. وَقَالَ
الْأَصْمَعِي: يُقَال امتَلخْتُ اللجام من رَأس الدَّابَّة إِذا
نَزَعته مِنْهُ نزعا سهلا. وَأما المِذْرَوان فَإِنَّهُمَا كأنّهما
فَرْعا الأليتين قَالَ عنترة:
(4/454)
(الوافر)
أنَحْوي تَنْفُضُ اسْتُكَ مِذْرَوَيْها ... لِتَقْتُلَني فهأنذا عمارا]
سلم غنم شجب وَقَالَ [أَبُو عبيد -]
: فِي حَدِيث الْحسن الْمجَالِس ثَلَاثَة: فسالم
(4/455)
وغانِمٌ وشاجِبٌ. فالسالم الَّذِي لم يغنم
شَيْئا وَلم يَأْثَم. والغانم الَّذِي قد غنم من الْأجر. والشاجِبُ
الآثم الْهَالِك يُقَال مِنْهُ: قد شَجَبَ [الرجل -] يَشْجُبُ شَجْبًا
وشجوبا إِذا عَطِبَ وَهلك فِي دين أَو دنيا وَفِيه لُغَة أُخْرَى:
شَجِبَ يشجَبُ شَجَبَاً وَهُوَ أَجود اللغتين [وأكثرهما وَمِنْه قَلِتَ
قَلَتًا ووَتِغَ وَتَغًا وتَغِبَ تَغَبًا هَذَا كُله إِذا هلك قَالَه
الْكسَائي وَقَالَ الْكُمَيْت: (المنسرح)
ليلَك ذَا ليلَكَ الطويلَ كَمَا ... عالَجَ تبريح غله الشجب
(4/456)
وَقد رُوِيَ فِي هَذَا الحَدِيث عَن غير
الْحسن سَمِعت أَبَا النَّضر يحدثه عَن شَيبَان عَن آدم بن عَليّ قَالَ
سَمِعت أَخا بِلَال مُؤذن النَّبِيّ صلي الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول
الناسُ ثَلَاثَة أثلاثٍ: فِسالم وغانم وشاجب فالسَّالم السَّاكِت
والغانم الَّذِي يَأْمر بِالْخَيرِ وَينْهى عَن الْمُنكر والشاجب
النَّاطِق بالخَنا والمعِينُ على الظُّلم هَكَذَا يرْوى فِي الحَدِيث
وَالتَّفْسِير الأول يرجع إِلَى هَذَا.
عزل وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
الْحسن إِذا كَانَ الرجل أعْزَلَ فَلَا بَأْس أَن يأخُذَ من سِلاح
الغَنيمة فَيُقَاتل بِهِ فَإِذا فرغ مِنْهُ ردّه قَالَ حدّثنَاهُ هشيم
عَن أبي الْأَشْهب عَن الْحسن. قَوْله: أعْزَل هُوَ الَّذِي لَا سِلاحَ
مَعَه وَمِنْه الحَدِيث الَّذِي يرْوى عَن الشّعبِيّ أَن زَيْنَب لما
أجارت أَبَا الْعَاصِ خرج النَّاس إِلَيْهِ عُزلا. وَفِي هَذَا
الحَدِيث من الْفِقْه أَنه رخّص فِي الِانْتِفَاع بِالْغَنِيمَةِ عِنْد
مَوضِع الضَّرُورَة إِلَى ذَلِك وَقد رُوِيَ عَن عبد الله أنّه لما
انْتهى إِلَى أبي جهل وَهُوَ مُثْبِتٌ قَالَ: فضربتُه بسيفي فَلم
يَعْملْ فأخَذْتُ سَيْفه فأجهزتُ عَلَيْهِ] .
(4/457)
وجس
وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي حَدِيث الْحسن فِي الرجل يجامِع
الْمَرْأَة وَالْأُخْرَى تسمع قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ الوَجس.
الوَجْسُ هُوَ الصَّوت الْخَفي. [وَقد رُوِيَ فِي مثل هَذَا من
الْكَرَاهَة مَا هُوَ أشدّ مِنْهُ هُوَ فِي بعض الحَدِيث حَتَّى الصبيّ
فِي مَهْده وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ ينَام بَين جاريتين
سَمِعت عباد بن الْعَوام يحدث عَن أبي شيبَة قَالَ سَمِعت عِكْرِمَة
يحدث عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ ينَام بَين جاريتين فَإِن هَذَا
عِنْدِي إِنَّمَا هُوَ على النّوم لَيْسَ على الْجِمَاع.
ريع وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
الْحسن حِين سُئِلَ عَن الْقَيْء يَدَرْع الصَّائِم فَقَالَ: هَل راعَ
مِنْهُ شَيْء فَقَالَ لَهُ السَّائِل: مَا أَدْرِي مَا تَقول فَقَالَ:
هَل عَاد مِنْهُ شَيْء. قَالَ أَبُو عبيد: وكَذَلِك القَوْل عندنَا
فِيهِ يُقَال رَاع الشَّيْء يريع ريعا.
(4/458)
دلك
لفج وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث الْحسن أنّه سُئِلَ: أيُدالِكُ
الرجلُ امْرَأَته فَقَالَ: نعم إِذا كَانَ مُلْفَجا. قَوْله: يُدالِك
يَعْنِي الَمْطل بِالْمهْرِ وكل مماطِلٍ فَهُوَ مدالكٌ. والمُلْفَج:
المُعْدِم الَّذِي لَا شَيْء لَهُ يُقَال قد ألَفَجَ إلفاجًا قَالَ
رؤبة يمدح قوما: (الرجز)
أحْسابُكُم فِي العُسرِ والإلفاجِ ... شيبَتْ بَعذْبٍ طَيِّب المزاجِ
والإصرام مثل الإلفاج إِلَّا أَنه يُقَال مِنْهُ مُصْرِم وَكَذَلِكَ
المُزْهِد والمُحْوِج والمُعْدِمُ] .
دثر قدع طلع بن وَقَالَ [أَبُو عبيد
-] : فِي حَدِيث الْحسن حادِثُوا هَذِه القُلوبَ بِذكر الله فإنَّها
سريعةُ الدُّثُور واقْدَعُوا هَذِه الأنفُسَ فَإِنَّهَا طُلَعةٌ.
(4/459)
قَوْله: سَريعةُ الدُّثُور يَعْنِي رُوُس
ذكر الله [تبَارك وَتَعَالَى -] مِنْهَا يُقَال للمنزل وَغَيره إِذا
عَفَا ودَرَسَ: قد دَثَر فَهُوَ دَاثِر [قَالَ ذُو الرمة: (الطَّوِيل)
أشاقَتْكَ أخلاقُ الرُّسُومِ الدَّواثرِ
وَهُوَ كثير فِي الشّعْر] . [والدّثُور فِي غير هَذَا كَثْرَة
الْأَمْوَال وَاحِدهَا دَثْر يُقَال: هُم أهل دَثْر ودُثُور وَمِنْه
الحَدِيث الآخر حِين قيل: يَا رَسُول الله ذهب أهل الدُّثور بالأجُور.
وَاحِد الدُّثور دَثْر وَفِيه لُغَة أُخْرَى: دَبْرٌ بِالْبَاء] .
وَقَوله: اقْدَعُوها يَعْنِي كفُّوها وامْنَعُوها كَمَا تقْدَع
الدَّابَّة باللّجام إِذْ كبَحْتها قَالَه الْكسَائي.
(4/460)
وَقَوله: فإنّها طُلَعةٌ هَكَذَا يرْوى
الحَدِيث وَقَالَ الْأَصْمَعِي: طلعة وَحكي عَن بعض الماضين أَحْسبهُ
الزَّبرقان بن بدر أنّه قَالَ: إنّ أبغضَ كَنائِنِي إليَّ الطُّلَعة
الخُبَأة يَعْنِي الَّتِي تكْثر الِاطِّلَاع والاختباء. وَالَّذِي
أَرَادَ الْحسن أَن النُّفُوس تطلع إِلَى هَواهَا وتشتهيه حَتَّى تردّي
صَاحبهَا يَقُول: فامنعوها عَن ذَلِك.
أَحَادِيث مُحَمَّد سِيرِين رَحمَه الله
رصد [وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين كَانُوا لَا يرصدون
(4/461)
الثَّمار فِي الدَّين وَيَنْبَغِي أَن
يرصُدوا العَيْنَ فِي الدَّين من حَدِيث ابْن الْمُبَارك بَلغنِي عَنهُ
عَن طَلْحَة بن النَّضر قَالَ سَمِعت ابْن سِيرِين يَقُول ذَلِك.
قَالَ: فسره ابْن الْمُبَارك أَنه أَرَادَ إِذا كَانَ على الرجل
الدَّين وَعِنْده من العَيْن مثله لم تَجِب الزكاةُ لِأَن ذَلِك
الدَّين يكون قِصاصاً بِالْعينِ وَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين وَله ثمار
مِمَّا يخرج الأَرْض الَّتِي عَلَيْهَا العُشر فإنّ ذَلِك الدَّين
الَّذِي عَلَيْهِ لَا يكون قِصاصاً بالدَّين وَلَكِن يُؤْخَذ مِنْهُ
عُشر أرضه لأنّ حُكْم الْأَرْضين غيرُ حكم الْأَمْوَال فَهَذَا الَّذِي
أَرَادَ ابْن سِيرِين وَقد كَانَ غَيره يُفتي بِغَيْر هَذَا يَقُول:
لَا تكون عَلَيْهِ زَكَاة فِي أرضه أَيْضا إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين
بِقدر ذَلِك] . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: فِي حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين
رَحمَه الله أَنه قَالَ:
(4/462)
النقاب مُحدث.
نقب لثم لفم لثم وصص أَبُو عبيد -]
وَهَذَا حَدِيث قد تأوّله بعض النَّاس على غير وَجهه يَقُول: إِن
النِّقاب لم يكن النِّسَاء يَفْعَلْنَه كنَّ يُبْرِزْنَ وجوههن
وَلَيْسَ هَذَا وَجه الحَدِيث وَلَكِن النِّقابَ عِنْد الْعَرَب هُوَ
الَّذِي يَبْدُو مِنْهُ المَحْجِر فَإِذا كَانَ على طرف الْأنف فَهُوَ
اللَّفام وَإِذا كَانَ على الْفَم 137 / ب فَهُوَ اللِّثام وَلِهَذَا
قيل فلَان يَلْثم فلَانا إِذا قبَّله على فَمه. / وَالَّذِي أَرَادَ
مُحَمَّد فِيمَا نرى وَالله أعلم أَن يَقُول إِن إبداءَهنَّ المحاجِرَ
محدَث وإنّما كَانَ النَّقاب لاحقا بِالْعينِ أَو أَن يَبْدُوا إِحْدَى
الْعَينَيْنِ وَالْأُخْرَى مستورة. [عرفنَا ذَلِك بِحَدِيث يحدّثه هُوَ
عَن عُبَيْدَة أَنه 137 / ب
(4/463)
سَأَلَهُ عَن قَوْله عزّ وَعلا {يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} قَالَ: فقَنَع رَأسه وغطَّى وَجهه
وَأخرج إِحْدَى عَيْنَيْهِ وَقَالَ: هَكَذَا. فَإِذا كَانَ النقاب لَا
يَبْدُو مِنْهُ إِلَّا العينان قطّ فَذَلِك الوَصْوَصة وَاسم ذَلِك
الشَّيْء الوَصْواصُ وَهُوَ الثَّوْب الَّذِي يغطّى بِهِ الْوَجْه
وَقَالَ الشَّاعِر:
(الرجز)
يَا لَيْتها قد لَبِسَتْ وَصْواصَا
قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا مُحَمَّد لِأَن الوصاوِصَ والبراقع
كَانَت لِبَاس النِّسَاء ثمَّ أحدثن النقاب بعد ذَلِك. قَالَ أَبُو
زيد: تَقول تَمِيم تَلَثَّمت على الْفَم وَغَيرهم يَقُولُونَ:
تَلَفَّمت] .
ظنن وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث مُحَمَّد [بن سِيرِين -] أَنه قَالَ: لم يكن عليٌّ [رَضِي الله
عَنهُ -] يَظنُ فِي قتل عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ
(4/464)
وَكَانَ الَّذِي يُظَّنُ فِي قَتله غَيره
قَالَ فَقيل لَهُ: مَنْ هُوَ قَالَ: عَمداً أسكُت عَنهُ. قَوْله:
يُظَّنُ يَقُول يُتَّهَم وَأَصله من الَّظنَّ إِنَّمَا هُوَ يُفْتَعل
مِنْهُ [وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يكون -] يُظْتَنُّ فَثقلَتْ الظَّاء
مَعَ التَّاء فقلبت ظاء [قَالَ الشَّاعِر: (الطَّوِيل)
وَمَا كلُّ من يظَّنُّني أَنا مُعْتِبٌ ... وَلَا كلُّ مَا يُروى عليَّ
أقولُ
وَمِنْه قَول زُهَيْر: (الْبَسِيط)
هُوَ الجوادُ الَّذِي يُعطِيك نائله ... عَفْواً ويُظْلَمُ أَحْيَانًا
فيَظَّلِمُ
إنّما هُوَ يَظْتَلِم وَأَبُو عُبَيْدَة يَرْوِيهَا: فينظلم بالنُّون]
.
حَبل رفأ وَقَالَ [أَبُو عبيد -] فِي حَدِيث مُحَمَّد [بن سِيرِين -]
لما ركب
(4/465)
نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّفِينَة
حمل فِيهَا من كلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ فلمّا أرْفأتِ السفينةُ فَقَدَ
حبَلَتَين كَانَتَا مَعَه فَقَالَ لَهُ المَلَك: ذهب بهما الشَّيْطَان.
قَوْله: حبَلَتَين يَعْنِي قضيبين من قُضبان الكَرْم [يُقَال لَهُ
الحبلة والجَفْنة وَجمع الْجَفْنَة جَفْن -] . وَقَوله: أرفأت هَكَذَا
يرْوى [فِي -] الحَدِيث وإعرابها عندنَا أرفيت يُقَال: قد أرفأت
السَّفِينَة أرفيها إرفاء.
قفر قبض وَقَالَ [أَبُو عبيد -] فِي
حَدِيث مُحَمَّد [بن سِيرِين -] أَن بني إِسْرَائِيل كَانُوا يَجِدون
مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْعوتاً عِنْدهم وَأَنه يخرج من
بعض هَذِه القُرى الْعَرَبيَّة فَكَانُوا يَقْتَفِرُون الأثرَ فِي كلّ
قَرْيَة حَتَّى أتَوا يثرب فَنزل بهَا طَائِفَة مِنْهُم. قولهك
يَقْتَفِرون الْأَثر يَتَتَبّعُون الآثارَ ويطلبُونها وكل طَالب
(4/466)
أثَرا فَهُوَ مُقْتَفِر وَمِنْهَا يُقَال
للقَائف: هُوَ يَقْتَفِر الْأَثر قَالَ ابْن أَحْمَر:
[السَّرِيع]
وإنّما الدَّهر بِرُبَّانِه ... وأنتَ من أفَنَانِه مُقْتَفِرْ
ويروى: مُعْتَصرْ.
[أَحَادِيث أبي قلابَة رَحمَه الله
مصص قبص قبض قبص وقا أَبُو عبيد:
فِي حَدِيث أبي قِلابَةَ عَن رجل من أَصْحَاب
(4/467)
النَّبِيّ صلي الله عَلَيْهِ وَسلم كنّا
نتوضَّاْ مِمَّا غيَّرِت النّارُ ونُمَصْمِصُ من اللَّبن وَلَا
نُمَصْمِصُ من الثَّمَرَة - قَالَ حَدَّثَنِيهِ حجاج عَن حَمَّاد بن
سَلمَة عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن رجل من الصَّحَابَة. قَوْله:
نُمَصْمِص المَصْمَصَة بِطرَفِ اللِّسَان وَهُوَ دُون الْمَضْمَضَة
والمَضْمَضَةُ بالفم كلّه وفَرْقُ مَا بَينهمَا شَبيه بفَرْقِ مَا بَين
القَبْصة والقَبْضة فَإِن القَبْضةَ بالكفَّ كلّها والقبصة بأطراف
الْأَصَابِع وَكَانَ الْحسن يقْرَأ / فَقَبَصْتُ قَبْصَةً - /.
برر وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
أبي قلَابَة حِين قَالَ لخَالِد الحذّاء وقَدِم من مكّة: بُرَّ
العَمَلُ قَالَ حدّثنَاهُ ابْن علية عَن خَالِد الْحذاء قَالَ: قَدمت
من مَكَّة فلقيني أَبُو قلَابَة فَقَالَ لي: بر الْعَمَل.
(4/468)
قَوْله: بُرَّ الْعَمَل إِنَّمَا دَعَا
لَهُ بِالْبرِّ يَقُول بَرَّ الله عَمَلك أَي جعل حجَّك مبرورا
والمبرور إِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذ من البِّر يَعْنِي ألاَّ يُخالطه
غَيره من الْأَعْمَال الَّتِي فِيهَا المآثِمُ. وَكَذَلِكَ غَيْرُ
الحَجِّ أَيْضا وَمِنْه الحَدِيث الْمَرْفُوع قَالَ حدّثنَاهُ أَبُو
مُعَاوِيَة ومروان بن مُعَاوِيَة كِلَاهُمَا عَن وَائِل ابْن دَاوُد
عَن سعيد بن عُمير قَالَ: سُئِلَ النَّبِيّ صلي الله عَلَيْهِ وَسلم:
أيّ الكَسْبِ أفضلُ فَقَالَ: عَمَلُ الرجل بِيَدِهِ وكلّ بيع مَبْرور.
بن قَالَ أَبُو عبيد: فَجعل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام البِرَّ فِي
البيع أَلا يخالطه كذب وَلَا شَيْء من الْإِثْم] .
أَحَادِيث عَطاء أبي رَبَاح رَحمَه الله
وطط وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
عَطاء فِي الوَطْواط يُصِيبهُ المُحْرِم قَالَ: ثلثا دِرْهَم.
(4/469)
[قَالَ الْأَصْمَعِي قَوْله -] الوَطواط
هَهُنَا هُوَ الخُفاش وَيُقَال إِنَّه الخُطّاف وَهَذَا أشبه
الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ [لحَدِيث عَائِشَة رَحمهَا الله
قَالَ سَمِعت إِسْحَاق الرَّازِيّ يحدثه عَن حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان
عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة قَالَت: لما أحْرقَ بيتُ
الْمُقَدّس كَانَت الأوزاغ تَنْفُخُه بأفواهها وَكَانَت الوطاوط تطفئه
بأجنحتها.
وزغ قَالَ أَبُو عبيد: فَهِيَ هَذِه
الخَطاطِيف وَقد يُقَال للرجل الضَّعيف: الوَطْواط وَلَا أرَاهُ سمي
بذلك إِلَّا تَشْبِيها بالطائر. وَأما الأوزاغ فَهِيَ الَّتِي أَمر
بقتلها وواحدها وَزَغ وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ سامٌّ أبرص وَفِي
الْأُنْثَى من الوزغ وزغة] .
غهب وَقَالَ [أَبُو عبيد -] فِي
حَدِيث عَطاء أَنه سُئِلَ عَن رجل أصَاب صيدا غَهَباً قَالَ: عَلَيْهِ
الْجَزَاء.
(4/470)
قَوْله: غَهَبا الغَهَبُ أَن يُصِيبهُ
غَفلَة من غير تَعَمُّدٍ لَهُ. [يُقَال غَهِبت عَن الشَّيْء أغْهَبها
غَهَباً - إِذا غفلت عَنهُ ونَسِيته -] . وَفِي هَذَا الحَدِيث [من
الْفِقْه -] أَنه رأى الْجَزَاء فِي الْخَطَأ كَمَا يرَاهُ فِي الْعمد.
وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي حَدِيث عَطاء خفوا على الأَرْض.
خفف قَالَ أَبُو عبيد: وَجهه
عِنْدِي أَنه يُرِيد بذلك فِي السُّجُود يَقُول: لَا تُرْسِل نَفْسك
على الأَرْض إرْسَالًا ثقيلا فيؤثر فِي جَبْهَتِك أثر السُّجُود
[وَيبين ذَلِك حَدِيث مُجَاهِد أَن حبيب بن أبي ثَابت سَأَلَهُ
فَقَالَ: إِنِّي أَخَاف
(4/471)
أَن يُؤثر السُّجُود فِي جبهتي فَقَالَ:
إِذا سجدت فتَخافَّ. يَعْنِي خَفِّف نَفسك وجبهتك على الأَرْض. وَبَعض
النَّاس يَقُول: فتجافّ وَالْمَحْفُوظ عِنْدِي بِالْخَاءِ من
التَّخْفِيف] .
سبطر وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث عَطاء إِنَّه سُئِلَ عَن الرَّجل يذبح الشَّاة ثمَّ يَأْخُذ
مِنْهَا يدا أَو رِجلا قبل أَن تَسْبَطِرّ فَقَالَ: مَا أَخذ مِنْهَا
فَهُوَ ميتَة. قَوْله: تَسْبَطِرّ يَعْنِي [أَن -] تَمتَدَّ بعد
الْمَوْت وكل ممتد فَهُوَ مسبطر.
صرر وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث عَطاء إِنَّه كره من الْجَرَاد مَا قَتله الصر.
بن قَالَ أَبُو عبيد: الصِّرُّ الْبرد الشَّديد ويروى فِي تَفْسِير
قَوْله تَعَالَى
(4/472)
{كَمَثَلِ رِيْحٍ فِيْهَا صِرُّ} قَالَ:
بَرْدٌ.
[حَدِيث مَيْمُون مهْرَان رَحمَه الله
بهَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فِي حَدِيث مَيْمُون بن مهْرَان حِين كتب
إِلَى يُونُس ابْن عُبيد: عَلَيْك بِكِتَاب الله عزّ وجلّ فَإِن
النَّاس قد بَهَوْا بِهِ واسْتَخَفُّوا أَو اسْتَحَبُّوا عَلَيْهِ
الْأَحَادِيث أحاديثَ الرِّجَال سَمِعت إِسْمَاعِيل بن عليّة يحدثه عَن
يُونُس بن عبيد أَن ميمونا كتب بذلك إِلَيْهِ فِي حَدِيث فِيهِ طول.
قَوْله: بَهَوْا بِهِ هَكَذَا قَالَ إِسْمَاعِيل وَهُوَ فِي الْكَلَام:
بَهَؤُا بِهِ مَهْمُوز وَمَعْنَاهُ أنِسوا بِهِ يُقَال: بَهَأت
الشَّيْء فَأَنا أبْهَأ بِهِ وَكَذَلِكَ بَسَأتُ بِهِ وبَسَيت بِهِ
إِذا أنِسْتَ بِهِ. وَإِنَّمَا أَرَادَ مَيْمُون أَنهم قد أنِسُوا بِهِ
وَحين ذهبت هَيْبَته من قُلُوبهم وَخرج إعظامه مِنْهَا وَكَذَلِكَ كلّ
شَيْء أنِسْتَ بِهِ فَإِن هيبته تنَقُص من الْقلب] .
(4/473)
أَحَادِيث الزُّهْرِيّ رَحمَه الله
تَعَالَى
مجج حمض [وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث الزُّهْرِيّ الاُّذُن مَجَّاجة وللنفس حَمْضَةٌ. المجَّاجةُ
الَّتِي تمجُّ مَا تسمع يَعْنِي أَنَّهَا تُلقيه فَلَا تقبله إِذا
وُعظت بِشَيْء أَو نُهيت عَنهُ. وَقَوله: وللنفس حَمْضَةٌ الحمضة
الشَّهْوَة للشَّيْء وَإِنَّمَا أخذت من شَهْوَة الْإِبِل للحَمْض
وَذَلِكَ إِذا مَلَّت الخُلَّة اشتهت الحمضة وَهُوَ كل نبت فِيهِ
ملُوحة والخُلَّة مَا لم تكن فِيهِ ملوحة. قَالَ الْأَصْمَعِي:
وَالْعرب تَقول: الخُلة خبز الْإِبِل والحمض فاكهتها.
(4/474)
|