أسرار العربية

الباب التاسع: باب خبر المبتدأ
[الخبر مفرد وجملة]
إن قال قائل: على كم ضربًا ينقسم خبر المبتدأ؟ قيل: على ضربين؛ مفرد، وجملة. فإن قيل: على كم ضربًا ينقسم المفرد؟ قيل على ضربين؛ أحدهما: أن يكون اسْمًا غير صفة، والآخر أن يكون صفة؛ أما الاسم غير الصفة؛ فنحو: زيد أخوك، وعمرو غلامك؛ فزيد مبتدأ، وأخوك خبره، وكذلك عمرو مبتدأ، وغلامك خبره، وليس في شيء من هذا النحو ضمير يرجع إلى المبتدأ عند البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن فيه ضميرًا يرجع إلى المبتدأ؛ وبه قال علي بن عيسى الرماني1 من البصريين؛ والأول هو الصحيح؛ لأن هذه أسماء محضة، والأسماء المحضة لا تتضمن الضمائر، وأما ما كان صفة؛ فنحو: زيد ضارب، وعمرو حسن، وما أشبه ذلك، ولا خلاف بين النحويين في أن هذا النحو يحتمل2 ضميرًا يرجع إلى المبتدأ؛ لأنه يتنزل3 منزلة الفعل، ويتضمن معناه.
[انقسام الجملة إلى اسميّة وفعلية]
فإن قيل: على كم ضربًا تنقسم الجملة؟ قيل: على ضربين؛ /جملة/4 اسميّة، وجملة فعلية؛ فأما الجملة الاسمية، فما كان الجزء5 الأوّل منها اسْمًا؛ وذلك نحو: "زيد أبوه منطق" فزيد: مبتدأ أول: وأبوه: مبتدأ ثانٍ،
__________
1 الرُّمَّاني: أبو الحسن، علي بن عيسى، عالم في اللغة والنحو والبلاغة والتفسير؛ من آثاره: شرح كتاب سيبويه، والألفاظ المتقاربة، ومعاني الحروف، والحدود، والنكت في إعجاز القرآن وغيرها. مات سنة 384هـ.
2 في "س" يتحمّل.
3 في "س" يتنزل.
4 سقطت من "س".
5 في "ط" الخبر.

(1/75)


ومنطلق: خبر عن المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني، وخبره: خبر عن المبتدأ الأول. وأما الجملة الفعلية فما كان الجزء1 الأول منها فعلاً؛ نحو: زيد ذهب أبوه، وعمرو أن تكرمه يكرمك، وما أشبه ذلك؛ أما الظرف وحرف الجر، فاختلف النحويون فيهما، فذهب سيبويه وجماعة من النحويين إلى أنهما يُعدَّان من الجمل؛ لأنهما يُقَدَّر معهما الفعل، فإذا قال: زيد عندك، وعمرو في الدار كان التقدير: زيد استقر عندك، وعمرو استقر في الدار؛ وذهب بعض النحويين إلى أنهما يعدان من المفردات؛ لأنه يقدر معهما: مستقر؛ وهو اسم الفاعل، واسم الفاعل لا يكون مع الضمير جملة، والصحيح: ما ذهب إليه سيبويه، ومن تابعه؛ والدليل على ذلك: أنا وجدنا الظرف، وحرف الجر يقعان في صلة الأسماء الموصلة؛ نحو: الذي، والتي، ومن، وما، وما أشبه ذلك؛ تقول الذي عندك زيد، والذي في الدار عمرو، وكذلك سائرها، ومعلوم أن الصلة لا تكون إلا جملة، فإذا وجدناهم يصلون بهما الأسماء الموصولة، دلنا ذلك على أنهما يُعدَّان من الجمل، لا من المفردات، وأن التقدير: "استقر" دون "مستقر"؛ لأن استقرَّ يصلح أن يكون صلة لأنه جملة، و"مستقرّ" لا يصلح أن يكون صلة؛ لأنه مفرد، ولا بد في هذا النحو -أعني الجملة- من ضمير يعود إلى المبتدأ؛ تقول: زيد أبوه منطلق، فيكون العائد إلى المبتدأ "الهاء" في أبوه؛ فأما قولهم: "السمن منوان2 بدرهم" ففيه ضمير محذوف يرجع إلى المبتدأ؛ والتقدير فيه: منوان منه بدرهم وإنما حذف منه تخفيفًا للعلم به، ولو قلت: "زيد انطلق عمرو" لم يجز /قولاً واحدًا/3 فلو أضفت إلى ذلك: إليه، أو معه؛ صحت المسألة؛ لأنه قد رجع من: إليه، أو معه، ضمير إلى المبتدأ، وعلى هذا قياس كل جملة وقعت خبر المبتدأ4، وإنما وجب ذلك ليرتبط5 الكلام الثاني بالأول، ولو لم يرجع منه ضمير /إلى/6 الأول؛ لم يكن أولى به من غيره، فتبطل فائدة الخبر.
فإن قيل: فلم إذا كان المبتدأ جُثَّة، جاز أن يقع في خبره ظرف المكان دون ظرف الزمان؟ قيل: إنما جاز أن يقع في خبره ظرف المكان دون ظرف.
__________
1 في "ط" الخبر.
2 مَنَا ومناة: كيل أو ميزان ويثنى على منوان ومنيان ويجمع على أمناء.
3 سقطت من "س".
4 في "س" خبرًا لمبتدأ؛ وكلاهما صحيح.
5 في "ط" ليربط، وما أثبتناه من "س" وهو الأفضل.
6 سقطت من "ط".

(1/76)


الزمان؛ لأن في وقوع ظرف المكان خبرًا عنه فائدة، وليس في وقوع ظرف الزمان خبرًا عنه فائدة، ألا ترى أنك تقول في ظرف المكان: زيد أمامك فيكون مفيدًا؛ لأنه يجوز ألا يكون أمامك، ولو قلت في ظرف الزمان: زيد يوم الجمعة لم يكن مفيدًا؛ لأنه لا يجوز أن يخلو عن يوم الجمعة، وحكم الخبر أن يكون مفيدًا.
فإن قيل: فكيف جاز الإخبار عنه بظرف الزمان في قولهم "الليلةَ الهلالُ" قيل: إنما جاز؛ لأن التقدير فيه "الليلةَ حدوث الهلال"، أو طلوعه، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، والحدوث والطلوع حدث، ويجوز أن يكون خبر المبتدأ ظرف زمان، إذا كان المبتدأ حدثًا؛ كقولك: "الصلح يوم الجمعة، والقتال يومَ السبت وما أشبه ذلك؛ لأن في وقوعه خبرًا عنه فائدة.
[العامل في خبر المبتدأ]
فإن قيل: فما العامل في خبر المبتدأ؟ قيل: اختلف النحويون في ذلك؛ فذهب الكوفيون إلى أن عامله المبتدأ على ما ذكرناه، وذهب البصريون1 إلى أن الابتداء وحده هو العامل في الخبر؛ لأنه لَمّا وجب أن يكون عاملاً في المبتدأ، وجب أن يكون عاملاً في الخبر، قياسًا على العوامل اللفظية التي تدخل على المبتدأ؛ (وهو على رأي بعضهم) 2. وذهب قوم /منهم أيضًا/3 إلى أن الابتداء عمل في المبتدأ؛ والمبتدأ عمل في الخبر، وذهب سيبويه وجماعة معه إلى أن العامل في الخبر، وهو الابتداء والمبتدأ جميعًا؛ لأن الابتداء لا ينفك عن المبتدأ، ولا يصح للخبر معنى إلا بهما، فدل على أنهما العاملان فيه، والذي اختاره أن العامل في الحقيقة، هو الابتداء وحده دون المبتدأ، وذلك؛ لأن الأصل في الأسماء ألا تعمل، وإذا ثبت أن الابتداء له تأثير في العمل، فإضافة ما لا تأثير له إلى ما له تأثير، لا تأثير له، والتحقيق فيه أن تقول: إن الابتداء أعمل4 في الخبر بواسطة المبتدأ؛ لأنّ المبتدأ مشارك له في العمل، وفي كل واحد من هذه المذاهب كلام لا يليق ذكره بهذا المختصر، (فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى) 5.
__________
1 في "س" وأما البصريون فاختلفوا، فذهب قوم إلى أن..
2 سقطت من "س".
3 سقطت من "س".
4 في "س" عملَ.
5 سقطت من "س".

(1/77)


الباب العاشر: باب الفعل
...
الباب العاشر: باب الفاعل
[تعريف الفاعل]
إن قال قائل: ما الفاعل؟ قيل: /كل/1 اسم ذكرته بعد فعل، وأسندت ذلك الفعل إليه؛ نحو: "قام زيد، وذهب عمرو".
[الفاعل مرفوع وأوجه ذلك]
فإن قيل: فَلِمَ كان إعرابه الرفع؟ قيل: فرقًا بينه وبين المفعول.
فإن قيل: فهلا عكسوا، وكان الفرق واقعًا؟ قيل: لخمسة أوجه.
الوجه الأول2: وهو أن الفعل لا يكون له إلا فاعل واحد، ويكون له مفعولات كثيرة؛ فمنه ما يتعدى إلى مفعول واحد، ومنه ما يتعدى إلى مفعولين، ومنه ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولين، مع أنه يتعدى إلى خمسة أشياء؛ وهي: المصدر، وظرف الزمان، وظرف المكان، والمفعول /له/3، والحال، وليس له إلا فاعل واحد، وكذلك كل فعل لازم يتعدى إلى هذه الخمسة، وليس له -أيضًا- إلا فاعل واحد، فإذا ثبت هذا، وأن الفاعل أقل من المفعول، فالرّفع3 أثقل، والفتح أخف، فأعطوا الأقل الأثقل، والأكثر الأخف؛ ليكون ثقل الرفع موازيًا لقلة الفاعل، وخفة الفتح موزاية لكثرة المفعول.
والوجه الثاني: أن الفاعل يشبه المبتدأ، والمبتدأ مرفوع، فكذلك ما أشبهه، ووجه الشبه بينهما: أن الفاعل يكون هو والفعل جملة، كما يكون المبتدأ مع الخبر جملة، فلما ثبت للمبتدأ الرفع؛ حمل الفاعل عليه.
__________
1 سقطت من "س".
2 في "ط" أحدهما.
3 سقطت من "س".
4 في "ط" والرفع، والصواب ما أثبتناه من "س".

(1/78)


والوجه الثالث: أن الفعل أقوى من المفعول؛ فأُعطي الفاعل الذي هو الأقوى، الأقوى وهو الرّفع، وأُعطي المفعول الذي هو الأضعفُ، الأضعفَ وهو النصب.
والوجه الرابع: أن الفاعل أول، والرفع أول، والمفعول آخر، والنصب /آخر/1؛ فأعطي الأوّلُ الأوّلَ، والآخرُ الآخرَ.
والوجه الخامس: أن هذا السؤال، لا يلزم؛ لأنه لم يكن الغرض إلا مجرد الفرق، وقد حصل، وبان أن هذا السؤال لا يلزم: لأنَّا لو عكسنا على ما أورده السائل، فنصبنا على الفاعل، ورفعنا المفعول؛ لقال الآخر: فهلا عكستم؟ فيؤدي ذلك إلى أن ينقلب السؤال، والسؤال متى انقلب، كان مردودًا؟ وهذا الوجه ينبغي أن يكون مُقدَّمًا من جهة النظر إلى ترتيب الإيراد، وإنما أخرناه؛ لأنه بعيد من التحقيق.
[بم يرتفع الفاعل]
فإن قيل: بماذا يرتفع الفاعل؟ قيل: يرتفع بإسناد الفعل إليه؛ لا لأنه أحدث فعلاً على الحقيقة، والذي يدل على ذلك أنه يرتفع في النفي، كما يرتفع في الإيجاب؛ تقول: ما قام زيد، ولم يذهب عمرو؛ فترفعه وإن كنت قد نفيت عنه القيام والذهاب، كما لو أوجبته له؛ نحو: قام زيد، وذهب عمرو، وما أشبه ذلك2.
[الفاعل لا يتقدّم على الفعل]
فإن قيل: فَلِمَ لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل؟ قيل: لأن الفاعل تَنَزَّلَ منزلة الجزء من الكلمة؛ وهو الفعل3 والدليل على ذلك من سبعة أوجه:
أحدهما: أنهم يسكنون لام الفعل، إذا اتصل به ضمير الفاعل؛ قال الله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة} 4 لئلا يتوالى أربعة متحركات5 لوازم في كلمة واحدة6 إلا أن يحذف من الكلمة /شيء/7 للتخفيف؛ نحو:
__________
1 سقطت من "س".
2 في "ط" وأشباه ذلك؛ وكلاهما صحيح.
3 في "س" تنزل منزلة الجزء من الفعل.
4 س: 2 "البقرة، ن: 51، مد".
5 في "ط" يتوالى إلى أربع حركات.
6 لأنه لم يجئ في الكلام توالي أربعة متحرِّكات في كلمة واحدة.
7 سقطت من "س".

(1/79)


عُجلط1، وعُكَلِط، وعُلَبِط، فلو لم ينزلوا ضمير الفاعل منزلة حرف من سِنخ2 الفعل/وإلا/3 لما سكَّنوا لامه، ألا ترى أن ضمير المفعول لا تُسَكَّن4 له لام الفعل إذا اتصل به؛ لأنه في نية الانفصال؛ قال الله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً} 5 فلم يسكن6 لام الفعل إذ7 كان في نية الانفصال؛ بخلاف قوله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى} ؛ لأنه /ليس/8 في نية الانفصال.
والوجه الثاني: أنهم جعلوا النون في الخمسة الأمثلة علامة للرفع، وحذفها علامة للجزم والنصب، فلولا أنهم جعلوا هذه الضمائر التي هي: الألف، والواو، والياء في: يفعلان، وتفعلان ويفعلون، وتفعلين يا امرأة، بمنزلة حرف من سِنخ الكلمة، وإلا لما جعلوا الإعراب بعده.
والوجه الثالث: أنهم قالوا: "قامت هند" فألحقوا التاء بالفعل، والفعل لا يؤنث، وإنما التأنيث للاسم، فلو لم يجعلوا الفاعل بمنزلة جزء من الفعل، وإلا لما جاز إلحاق /علامة/9 التأنيث به.
والوجه الرابع: أنهم قالوا في النسب إلى كنت "كنتيّ"؛ قال الشاعر: [الطويل]
فأصبحت كنتيًّا وأصبحت عاجنًا ... وشر خصال المر كنت وعاجن10
__________
1 عُجلط وعُجَالِط، وعُكَلِط وعكالِط، وعُلَبط وعُلَابط صفة للَّبن؛ وهو كل لبن خاثر ثخين. راجع القاموس، مادة: "علبط"، ص 610.
2 من سِنخ: من أَصل.
3 سقطت من "س".
4 في "ط" يسكن.
5 س: 33 "الأحزاب: 12، مد".
6 في "ط" يسكن.
7 في "ط" إذا، والصواب ما أثبتناه من "س".
8 سقطت من "س".
9 سقطت من "ط".
10 المفردات الغريبة: الكُنْتِيُّ: الكبير السن والشديد؛ سمي بذلك لكثرة قوله في شبابه: كنت في شبابي كذا وكذا. راجع القاموس مادة "كنت" ص 146.
عاجن: شيخ كبير، يقال: عجن الرجل: إذا نهض معتمدًا بيده على الأرض كِبرًا أو بُدنًا، فهو عاجن، ويقال: فلان عجن وخبز، إذا شاخ وَكَبرَ. "أسرار العربية: 82/ حا2".
موطن الشاهد: "كنتيًّا" وجه الاستشهاد: نسب الشاعر إلى "كنت" فقال: "كُنْتِيّ".

(1/80)


فأثبتوا التاء، ولو لم يتنزل1 منزلة حرف من سنخ الكلمة، وإلا لما جاز إثباتها.
والوجه الخامس: أنهم قالوا: حبذا، وهي مركبة2 من فعل وفاعل، فجعلوهما بمنزلة اسم واحد، وحكم على موضعه بالرفع على الابتداء.
والوجه السادس: أنهم قالوا: "زيد ظننت قائم" فألغوها، والإلغاء: إنما يكون للمفردات، لا للجمل، فلو لم ينزل الفعل مع الفاعل بمنزلة كلمة واحدة، وإلا لما جاز الإلغاء.
والوجه السابع: أنهم قالوا للواحد: "قفا" على التثنية؛ لأن المعنى: قف قف، قال الله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} 3 فثنى وإن كان الخطاب لملك واحد؛ لأن المراد /به/4: ألقِ ألقِ، والتثنية ليست للأفعال، وإنما هي للأسماء، فلو لم يتنزل الاسم منزلة بعض الفعل، وإلا لما جازت تثنيته باعتباره.
وإذا ثبت بهذه الأوجه أن الفاعل يتنزل منزلة الجزء من الفعل؛ لم يجز تقديمه عليه.
فإن قيل: لِمَ زعمتم أن قول القائل: زيد قام مرفوع بالابتداء دون الفعل، ولا فصل بين قولنا: زيد ضرب، وضرب زيد؟ قيل لوجهين؛ أحدهما: أنه من شرط الفاعل ألا يقوم غيره مُقامه مع وجوده؛ نحو قولك: قام زيد، فلو كان تقديم زيد على الفعل بمنزلة تأخيره، لاستحال قولك: زيد قام أخوه، وعمرو انطلق غلامه؛ ولَمّا جاز ذلك، دل على أنه لم يرتفع بالفعل، بل بالابتداء.
والوجه الثاني: أنه لو كان الأمر على ما زعمت؛ لوجب ألا يختلف حال الفعل؛ فكان5 ينبغي أن يقال: الزيدان قام، والزيدون قام؛ كما تقول: قام الزيدان، وقام الزيدون؛ فلمّا لم يقل إلا: "الزيدان قاما، والزيدون قاموا"، دل على أنه يرتفع بالابتداء دون الفعل.
فإن قيل: فَلِمَ استتر ضمير الواحد؛ نحو: "زيد قام" وظهر ضمير الاثنين؛
__________
1 في "ط" يتنَزّل.
2 في "س" وهو مركب؛ وكلاهما صحيح.
3 س: 50 "ق: 24، مك".
4 سقطت من "س".
5 في "س" وكان.

(1/81)


نحو الزيدان قاما وضمير الجماعة؛ نحو: الزيدون قاموا؟ قيل: لأن الفعل لا يخلو من فاعل واحد، وقد يخلو من اثنين وجماعة، فإذا قدمت اسْمًا مفردًا على الفعل؛ نحو: زيد قام، لم تحتج1 معه إلى إظهار ضميره؛ لإحاطة العلم بأنه لا يخلو من فاعل واحد، فإذا قدمنا2 اسْمًا مثنى على الفعل؛ نحو: "الزيدان قاما" أو مجموعًا؛ نحو: "الزيدون قاموا" وجب إظهار ضمير التثنية والجميع؛ لأنه قد يخلو من ذلك، فلو لم يظهر ضميرها؛ لوقع الالتباس، ولم يعلم أن الفعل لاثنين، أو جماعة؛ فافهمه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 في "ط" لم يحتج، والصواب ما أثبتناه من "س" لمناسبة الخطاب.
2 في "س" قدمت؛ وكلاهما صحيح.

(1/82)


الباب الحادي عشر: باب المفعول به
[تعريف المفعول به]
إن قال قائل: ما المفعول /به/1؟ قيل: كل اسم تعدَّى إليه فعل.
[العامل في المفعول به]
فإن قيل؟ فما العامل في المفعول؟ قيل: اختلف النحويون في ذلك فذهب أكثرهم2 إلى أن العامل في المفعول هو الفعل فقط، وذهب بعضهم3 إلى أن العامل فيه الفعل والفاعل معًا؛ والقول الصحيح هو الأول، وهذا القول ليس بصحيح4، وذلك؛ لأن الفاعل اسم، كما أن المفعول كذلك، فإذا استويا في الاسمية؛ والأصل في الاسم ألا يعمل، فليس عمل أحدهما في صاحبه أولى من الآخر، وإذا ثبت هذا، وأجمعنا على أن الفعل له تأثير في العمل، فإضافة ما لا تأثير له في العمل، إلى ما له تأثير، لا تأثير له، فدل على أن العامل هو الفعل فقط؛ وهو على ضربين؛ فعل متعدٍّ بغيره، وفعل متعدٍّ بنفسه؛ فأما ما يتعدى بغيره، فهو الفعل اللازم، ويتعدى بثلاثة أشياء؛ وهي: الهمزة، والتضعيف، وحرف الجر؛ فالهمزة، نحو: "خرج زيد وأخرجته"، والتضعيف؛ نحو: "خرج المتاع وخرّجته" وحرف الجر؛ نحو: "خرج زيد وخرجت به" وكذلك: "فرح زيد، وأفرحته، وفرّحته، وفرحت به" وما أشبه ذلك. وأما المتعدي بنفسه فعلى ثلاثة أضرب؛ ضرب يتعدى إلى مفعول واحد؛ كقولك: "ضرب زيد عمرًا، وأكرم عمرو بشرًا"، وضرب يتعدى إلى مفعولين؛ كقولك:
__________
1 سقطت من "ط".
2 في "س" أكثر النحويين.
3 في "س" بعض النحويين.
4 أي أن قولهم: إن العامل في المفعول، الفعل والفاعل، ليس صحيحًا، وإنما العامل هو الفعل وحده.

(1/83)


"أعطيت زيدًا درهمًا، وظننت زيدًا قائمًا" وضرب يتعدى إلى ثلاثة مفعولين؛ كقلوك: "أعلم الله زيدًا عمرًا خيرَ الناس، ونبأ الله عمرًا بشرًا كريمًا" وهذا الضرب منقول بالهمزة والتضعيف مما يتعدى إلى مفعولين لا1 يجوز الاقتصار على أحدهما؛ لأن كل واحد من هذه الأشياء الثلاثة المعدّية، التي هي: الهمزة، والتضعيف، وحرف الجر، كما أنها تنقل الفعل اللازم من اللزوم إلى التعدي، فكذلك إذا دخلت على الفعل المتعدي، فإنما تزيده مفعولاً؛ فإن2 كان يتعدى إلى مفعول واحد، صار يتعدى إلى مفعولين؛ كقولك في ضرب زيد عمرًا: أضربت زيدًا عمرًا، وفي "حفر زيد بئرًا، أحفرت زيدًا بئرًا" وما أشبه ذلك، فإن3 كان متعديًا إلى مفعولين، صار متعديًا إلى ثلاثة مفعولين، ونحوه /على/4 ما قدّمناه. فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 في "س" ولا.
2 في "ط" وإن.
3 في "ط" وإن، والصواب ما أثبتنا من "س".
4 زيادة من "ط".

(1/84)


الباب الثاني عشر: باب ما لم يُسَمَّ فَاعِلُه
[لِمَ لَمْ يُذكر الفاعل]
إن قال قائل: لم لم يُسمَّ الفاعل؟ قيل: لأن العناية قد تكون بذكر المفعول، كما تكون بذكر الفاعل، وقد تكون للجهل بالفاعل، وقد تكون للإيجاز والاختصار،1 أو /إلى/ غير ذلك.
[عِلّة رفع نائب الفاعل]
فإن قيل: فَلِمَ2 كان ما لم يُسَمَّ فاعله مرفوعًا؟ قيل: لأنهم لَمَّا حذفوا الفاعل، أقاموا المفعول مقامه، فارتفع بإسناد الفعل إليه، كما كان يرتفع الفاعل.
[عِلَّة ذكر نائب الفاعل]
فإن قيل: فَلِمَ إذا حُذِفَ الفاعل، وجب أن يقام اسم آخر مقامه؟ قيل: لأن الفعل لا بد له من فاعل؛ لئلا يبقى الفعل حديثًا من غير محدّث عنه، فلما حذف الفاعل -ههنا- وجب أن يقام اسم آخر مقامه؛ ليكون الفعل حديثًا عنه، وهو المفعول.
[قيام المفعول مقام الفاعل]
فإن قيل: كيف يقام المفعول مقام الفاعل، وهو ضدّه في المعنى؟ قيل: هذا غير غريب في الاستعمال، فإنه إذا جاز أن يقال: "مات زيد" وسُمِّي زيد فاعلاً، ولم يحدث بنفسه الموت، وهو مفعول في المعنى، جاز أن يقام المفعول -ههنا- مقام الفاعل، وإن كان مفعولاً في المعنى؛ والذي يدل على أن المفعول -ههنا- أقيم مقام الفاعل، أن الفعل إذا كان يتعدى إلى مفعول واحد، لم يتعدَّ إلى
__________
1 سقطت من "س".
2 في "س" وَلِمَ.

(1/85)


مفعول البتَّة؛ كقولك في ضرب زيد عمرًا، وأكرم بكر بشرًا: (ضرب عمرو، وأكرم بشر) 1، وإن كان يتعدى إلى مفعولين، صار يتعدّى إلى مفعول واحد؛ كقولك في: "أعطيت زيدًا درهمًا، وظننت عمرو قائمًا: أُعْطِيَ زيد درهمًا، وظن عمر عمرو قائمًا" ولو قلت: "ظن قائم عَمرًا"؛ لزوال اللبس، ولو قلت في: "ظننت زيدًا أباك؛ ظن أبوك زيدًا" لم يجز، وذلك؛ لأن قولك: ظننت زيدًا أباك يؤذن بأن زيدًا معلوم، والأبوة مظنونة، فلو أقيم الأب مقام الفاعل؛ لانعكس المعنى، فصارت الأبوة معلومة، وزيد مظنونًا، وذلك لا يجوز، وكذلك تقول: "أعطي زيد درهمًا، وأعطي درهم زيدًا" فيكون جائزًا؛ لعدم الالتباس، فلو قلت في "أعطيت زيدًا غلامًا: أعطي غلام زيدًا" لم يجز؛ لأن كُلَّ واحد منهما يصح أن يكون هو الآخذ، فلو أقيم غلام مقام الفاعل، ولم يعلم الآخذ من المأخوذ، فهذا، كان ممتنعًا؛ وكذلك، إن كان الفعل يتعدى إلى ثلاثة مفعولين، صار يتعدى إلى مفعولَيْن كقولك في: "أعلم الله زيدًا عمرًا خيرَ الناس: أُعلِم زيدٌ عمرًا خيرَ الناس"3: لقيام المفعول الأول مقام الفاعل، وكان هو الأولى؛ لأنه فاعل في المعنى؛ فدل على أن المفعول -ههنا- أقيم مقام الفاعل. وإذا كان الأمر على هذا، فبناء الفعل للمفعول به، نقيض4 نقله بالهمزة، والتضعيف، وحرف الجر، ألا ترى أن الفعل إذا كان يتعدى إلى مفعول واحد، صار يتعدى بها إلى مفعولين، وإذا كان يتعدى إلى مفعولين، صار يتعدى بها إلى ثلاثة مفعولين، وذلك؛ لأن بناء الفعل للمفعول به، يجعل المفعول فاعلاً، والنقل بالهمزة، والتضعيف، وحرف الجر، يجعل الفاعل مفعولاً، إذا ثبت هذا، فلا بُدَّ أن تزيد بنقله بالهمزة، والتضعيف، وحرف الجر مفعولاً، وتنقص ببنائه5 للمفعول مفعولاً.
[وجوب تغيير الفعل عند بنائه للمجهول وعلة ذلك]
فإن قيل: فَلِمَ وجب تغيير الفعل إذا بني للمفعول؟ قيل: لأن المفعول، يصح أن يكون هو الفاعل، فلو لم يغيّر الفعل، لم يعلم هل هو الفاعل بالحقيقة، أو6 قائم مقامه؟
__________
1 سقطت من "س".
2 في "س" كان جائزًا؛ وكلاهما صحيح.
3 سقطت من "ط" وما أثبتناه من "س".
4 في "ط" يقتضي، والصواب ما أثبتنا من "س" لمناسبة السِّياق.
5 في "ط" وينقص ببنيانه، وما أثبتناه من "س" أفضل.
6 في "ط" أم؛ والصواب ما أثبتناه من "س".

(1/86)


فإن قيل: فلِمَ ضَمُّوا الأول، وكسروا الثاني؛ نحو: "ضُرِب زيد" وما أشبه ذلك؟ قيل: إنَّما ضمُّوا الأول؛ ليكون دلالة على المحذوف الذي هو الفاعل إذ 1 كان من علاماته، وإنما كسروا الثاني؛ لأنهم لَمّا حذفوا الفاعل الذي لا يجوز حذفه، أرادوا أن يصوغوه على بناء لا يشركه فيه شيء من الأبنية، فبنوه على هذه الصيغة، فكسروا الثاني؛ لأنهم لو ضمّوه؛ لكان على وزن: طُنُب2، وجُمُل3، ولو فتحوه؛ لكان على وزن: نُغَر4 وصُرَد 5، ولو أسكنوه؛ لكان على وزن: قُلْب6 وقُفْل، فلم يبق إلا الكسر؛ فحركوه به.
فإن قيل: فلِمَ كسروا أول المعتل؛ نحو: قِيلَ، وبِيعَ، ولم يَضمُّوه كالصحيح؟ قيل: كان القياس يقتضي أن يجرى المعتل مجرى الصحيح في ضم أوله، وكسر ثانية، إلا أنهم استثقلوا الكسرة على حرف العلة، فنقلوها إلى القاف، فانقلبت الواو ياء؛ لسكونها وانكسار ما قبلها، كما قلبوها في: ميعاد وميقات، وميزان؛ وأصلها: موعاد، وموقات، وموزان؛ لأنها من الوعد، والوقت، والوزن، وأمَّا الياء، فثبتت؛ لانكسار ما قبلها؛ على أنه من العرب من يشير إلى الضم تنبيهًا على أن الأصل في هذا النحو، هو الضم، ومن العرب -أيضًا- من يحذف الكسرة، ولا ينقلها، ويقرّ الواو؛ لانضمام ما قبلها، وتقلب الياء واوًا؛ لسكونها وانضمام ما قبلها؛ كما قال الشاعر7: [الرجز]
ليتَ وهل ينفع شيئًا ليتُ ... ليتَ شبابًا بُوعَ فاشتريتُ
__________
1 في "ط" إذا؛ والصواب ما أثبتناه من "س".
2 طُنُب: بضم أوله وثانيه حبل طويل يشد به سرادق البيت أو الوتد؛ وجمعه أطناب.
القاموس: مادة "طنب" ص 102.
3 جُمُل: جمع جَمَل.
4 نُغَر: البلبل والعصفور الصغير. القاموس: مادة "نغر" ص 437.
5 صُرَد: طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير؛ أو هو أول طائر صام لله تعالى. القاموس: مادة "صرد" ص 265.
6 قُلْب: سوار المرأة، وقد سبقت الإشارة إليه.
7 الشاعر: رؤبة بن العجاج الرَّجَّاز المشهور. كان من أفصح الرُّجّاز في عصره؛ وكان العلماء يحتجون بشعره ولغته؛ قال الخليل بن أحمد الفراهيدي يوم موته: "دفنَّا اللغة، والشعر، والفصاحة". مات سنة 145هـ. الشعر والشعراء 2/ 594.
موطن الشاهد: "بُوعَ" وجه الاستشهاد: وقوع بوع على لغة بعض العرب والمشهور فيها: بيع.

(1/87)


أراد: بيع، فقلب الياء واوًا، لسكونها، وانضمام ما قبلها، كما قلبوها في نحو: موسر، وموقن؛ والأصل: ميسر، وميقن؛ لأنهما من اليسر واليقين، إلا أنه لَمّا وقعت الياء ساكنة مضمومًا ما قبلها؛ قلبوها واوًا، فكذلك ههنا.
[الفعل اللازم لا يبنى للمجهول]
فإن قيل: فهل يجوز أن يبنى الفعل اللازم للمفعول به؟ قيل: لا يجوز ذلك على القول الصحيح، وقد زعم بعضهم أنه يجوز، وليس بصحيح، إلا أنك1 لو بنيت الفعل اللازم للمفعول به، لكنت تحذف الفاعل، فيبقى الفعل غير مستند2 إلى شيء، وذلك محال، فإن اتصل به ظرف الزمان، أو ظرف المكان، أو المصدر، أو الجار والمجرور، جاز أن تبنيه عليه، ولا يجوز أن تبنيه على الحال؛ لأنها لا تقع إلا نكرة، فلو أقيمت مقام الفاعل؛ لجاز إضمارها3 كالفاعل، فكانت تقع معرفة، والحال لا تقع إلا نكرة.
فإن قيل: فلِمَ إذا أقيم الظرف مُقام الفاعل يخرج عن الظرفية، ويجعل مفعولاً؛ كزيد وعمرو وما أشبه ذلك؟ قيل: لأنه يتضمن معنى حرف الجر، فلو لم ينقل، لعلَّقته بالفعل مع تضمن حرف الجر، فالفاعل لا يتضمن حرف الجر، فكذلك ما قام مقامه.
فإن قيل: فالمصدر لا يتضمن حرف الجر، فهل ينقل أولاً؟ قيل: اختلف النحويون في ذلك؛ فذهب بعضهم إلى أنه لا ينقل؛ لأنه ليس بينه وبين الفعل واسطة، وذهب آخرون إلى أنه ينقل، واستدلوا على ذلك من وجهين:
أحدهما: أن الفعل لا بد له من الفاعل، والمصدر لو لم يذكر؛ لكان الفعل دالًّا عليه بصيغته، فصار وجوده وعدمه سواء، والفاعل لا بد /له/4 منه، فكذلك ما يقوم مقامه ينبغي أن يجعل بمنزلة المفعول الذي لا يستغنى بالفعل عنه.
والوجه الثاني: أن المصدر إنما يذكر تأكيدًا للفعل، ألا ترى أن قولك: "سرت سيرًا" بمنزلة /قولك/5: "سرت سرت" فكما لا يجوز أن يقوم الفعل مقام الفاعل، فكذلك لا يجوز أن يقوم مقامه ما كان بمنزلته؛ فلهذا، وجب نقل المصدر.
__________
1 في "س" لأنك؛ وكلاهما صحيح.
2 في "س" مسند.
3 في "ط" إظهارها؛ والصواب ما أثبتناه من "س".
4 سطقت من "س".
5 سقطت من "س".

(1/88)


فإن قيل: فإن اجتمع ظرف الزمان، وظرف المكان، والمصدر، والجار والمجرور، فأيها يُقام مقام الفاعل؟ قيل: أنت مخير فيها كلها، أيها شئت أقمت1 مُقام الفاعل، وزعم بعضهم أن الأحسن أن تقيم الاسم المجرور مُقام الفاعل؛ لأنه لو لم يكن حرف الجر، لم تقم2 مقام الفاعل غيره؛ فاعرفه تُصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 في "س" أقمته؛ وكلاهما صحيح.
2 في "س" يُقَم؛ وكلاهما صحيح.

(1/89)