(1/94)
وهذا أكثر من أن يحصى، وقد ذكرناه مستقصىً
في المسائل الخلافية، فلا نعيده ههنا.
[فاعل نعم وبئس اسم جنس]
فإن قيل: فَلِمَ وجب أن يكون فاعل نعم وبئس اسم جنس؟ قيل: لوجهين:
أحدهما: أنَّ نعم لَمّا وضعت للمدح العام، وبئس للذَّمِّ العام، خص
فاعلهما باللفظ العام.
والوجه الثاني: إنما وجب أن يكون اسم جنس؛ ليدلّ على أن الممدوح
والمذموم مستحق للمدح والذم في ذلك الجنس.
[جواز الإضمار في نعم وبئس قبل ذكرهما]
فإن قيل: فلِمَ جاز الإضمار فيهما1 قبل الذِّكر؟ قيل: إنما جاز الإضمار
فيهما قبل الذِّكر؛ لأن المضمر قبل الذكر يشبه النَّكرة؛ لأنه لا يعلم
إلى أي شيء يعود حتى يفسر، ونعم وبئس لا يكون فاعلهما معرفة محضة،
فلمَّا ضارع المضمر فاعلهما؛ جاز الإضمار فيهما.
فإن قيل: فلِمَ فعلوا ذلك؟ قيل: إنما فعلوا ذلك طلبًا للتخفيف
والإيجاز؛ لأنهم أبدًا يتوخّون الإيجاز والاختصار في كلامهم.
فإن قيل: فكيف يحصل التخفيف, والإضمار على شريطة التفسير؟ قيل: لأن
التفسير إنما يكون بنكرة منصوبة؛ نحو: "نعم رجلاً زيد" والنّكرة أخفُّ
من المعرفة.
فإن قيل: فعلى ماذا انتصبت النَّكرة؟ قيل: على التمييز.
__________
= غير أنَّ الشاعر اضطر لإقامة الوزن، فأشبع كسرة التاء؛ فتولَّدت عنها
الياء، وهذه الياء؛ ياء الإشباع، وليست لام الكلمة -وهذا هو المراد من
الاستشهاد بهذا البيت- ولكن للنحاة آراء أخرى في هذا الشاهد وهي:
أ- ربما أجرى الشاعر الفعل المعتل مجرى الفعل الصحيح، فجعل علامة الجزم
السكون خِلافًا للقاعدة.
ب- نقل البغدادي في خزانة الأدب أن سيبويه عَدَّ هذا البيت في باب
الضرورات، ورواه بـ "ألم يأتِك" بحذف الياء.
ج- وقال ابن جنّي: "أنشده أبو العباس المبرد، عن الأصمعي: ألا هل
أتاك"؛ ورواه بعضهم: "ألم يبلغك" ثم قال: ولا شاهد فيه في الرّوايات
الثلاث. خزانة الأدب: 3/ 534.
1 في "س" في نعم وبئس.
(1/95)
فإن قيل: فَلِمَ رُفع زيد في قولهم: "نعم
الرجل زيد"؟ قيل: فيه1 وجهان؛ أحدهما: أن يكون مرفوعًا بالابتداء ونعم
الرجل هو الخبر، وهو مقدم على المبتدأ؛ والتقدير فيه: زيد نعم الرجل،
إلا أنه مقدم2 عليه؛ كقولهم: مررت به المسكين؛ والتقدير فيه: المسكين
مررت به.
فإن قيل: فأين العائد ههنا من الخبر إلى المبتدأ؛ قيل: لأن الرجل لَمّا
كان شائعًا في الجنس، كان زيد داخلاً تحته، فصار بمنزلة العائد الذي
يعود إليه منه؛ فصار هذا كقول الشاعر3: [الطويل]
فأمّا القتال لا قتالَ لديكم ... ولكنَّ سَيرًا في عِرَاضِ
الْمَواكِبِ4
فإنَّ القتال مبتدأ، وقوله: لا قتال لديكم خبره، وليس فيه عائد؛ لأن
قوله: لا قتال لديكم، نفي عام؛ لأن "لا" تنفي الجنس، فاشتمل على جميع
القتال، فصار ذلك بمنزلة العائد /إليه/5، وكذلك قول الشاعر6: [الطويل]
فأما الصدور، لا صدورَ لجعفرٍ ... ولكنّ أعجازًا شديدًا صَرِيرُهَا7
__________
1 في "س" في ذلك.
2 في "س" قدِّم.
3 هو الحارث بن خالد بن العاص المخزومي، وفد على عبد الملك بن مروان
بالشام، فولاه إمارة مكة، وتوفي فيها سنة 80هـ.
4 المفردات الغريبة: سيرًا في عِراض المواكب: سيرًا مع رُكّاب الإبل
الذين لا يقاتلون.
موطن الشاهد: "القتال، لا قتال لديكم".
وجه الاستشهاد: عودة الخبر "لا قتالَ لديكم" على المبتدأ من دون أن
يكون فيه عائد؛ لأنه مقترن بلا النافية للجنس، كما جاء في المتن.
5 سقطت من "س".
6 نسبة البغدادي في خزانة الأدب إلى رجل من ضباب، ولم ينسبه غيره من
النحاة الذين استشهدوا به.
7 المفردات الغريبة: الجعفر: النهر الصغير، وبه سمي الرجل؛ وجعفر: أبو
قبيلة من عامر، وهم الجعافرة. الصرير: أشد الصياح. وروي البيت: ضَريرها
بدل صريرها؛ والضرير: المريض المهزول، وكل شيء خالطه ضر، فهو ضرير،
ومضرور. راجع لسان العرب مادة "ضرر" 4/ 485.
موطن الشاهد: "الصدرو، لا صدور لجعفر".
وجه الاستشهاد: اقتران الجملة بـ "لا" النافية للجنس التي أفادت
العموم، فأغنى ذلك عن الضمير العائد من الجملة إلى المبتدأ "الصدور"؛
وهذا كثير شائع.
وفي هذا البيت شاهد آخر على حذف الفاء في جواب "أما" للضرورة الشعرية.
(1/96)
والوجه الثاني: أن يكون زيد مرفوعًا؛ لأنه
خبر مبتدأ محذوف، كأنه لما قيل: نعم الرجل، قيل: مَنْ هذا الممدوح؟
قيل: زيد؛ أي: هو زيد، وحذف المبتدأ كثير في كلامهم، فاعرفه تصب، إن
شاء الله تعالى.
(1/97)
الباب الرابع عشر: باب حبَّذا
[الأصل في حبَّذا]
إن قال قائل: ما الأصل في "حبَّذا"؟ قيل: الأصل في "حبَّذا": حَبُبَ
ذا؛ إلا أنه لَمّا اجتمع حرفان متحركان من جنس واحد، استثقلوا
اجتماعهما متحركين، فحذفوا حركة الحرف الأول، وأدغموه في الثاني؛ فصار:
حبَّ، وركبوه مع ذا، فصار بمنزلة كلمة واحدة؛ ومعناها المدح، وتقريب
الممدوح من القلب.
فإن قيل: فَلِمَ قلتم إن الأصل: حَبُبَ: على فعُل، دون فَعَل وفَعِل1؟
قيل: لوجهين:
أحدهما: أن اسم الفاعل منه حبيب، على وزن: فعيل؛ وفعيل أكثر ما يجيء في
ما فعله: فَعُل؛ نحو: شَرُفَ فهو شريف، وظَرُفَ فهو ظريف، ولَطُفَ فهو
لطيف، وما أشبه ذلك.
والوجه الثاني: أنه قد حكي عن بعض العرب: أنه نقل الضمة من الباء إلى
الحاء؛ كما قال الشاعر2: [الطويل]
[فَقُلْتُ اقتلوها عنكُمُ بمزاجها] ... وحُبَّ بها مقتولة حين
تُقْتَلُ3
فدل على أن أصله: فَعُل.
فإن قيل: فَلِمَ جعلوهما بمنزلة كلمة واحدة؟ قيل: إنما جعلوهما بمنزلة
كلمة واحدة طلبًا للتخفيف على ما جرت به عادتهم في كلامهم.
__________
1 في "س" حبَّ على وزن فَعَل وفَعِل.
2 هو الأخطل: غياث بن غوث؛ أحد أشهر ثلاثة شعراء في العصر الأمويّ مع
جرير والفرزدق؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة 90هـ. الشعر والشعراء 1/
483.
3 المفردات الغريبة: اقتلوها: الضمير عائد إلى الخمرة؛ وقتلها: أي
مزجها بالماء.
موطن الشاهد: "حُبَّ" وجه الاستشهاد: ضم الحاء في "حَبَّ" وذكر الشاهد
للقياس عليه. وفي البيت شاهد آخر، وهو مجيء فاعل "حُبَّ أو حَبَّ" غير
"ذا" ولكن يشترط إذا كان الفاعل "ذا" فتح الحاء في "حَبَّ".
(1/98)
فإن قيل: فلِمَ ركّبوه مع المفرد المذكر
دون المؤنث والمثنى والمجموع؟ قيل: لأن المفرد المذكور هو الأصل،
والتأنيث والتثنية والجمع كُلُّها فرع عليه، وهي أثقل منه، فلّما
أرادوا التركيب؛ كان تركيبه مع الأصل الذي هو الأخفّ، أولى من تركيبه
مع الفرع الذي هو الأثقل.
[حبّذا في التثنية والجمع والتأنيث بلفظ واحد]
فإن قيل: فلِمَ كانت حبّذا في التثنية والجمع والتأنيث على لفظ واحد؟
قيل: إنما كانت كذلك؛ نحو حبَّذا الزيدان، وحبذا الزيدون، وحبذا هند؛
لأنها جرت في كلامهم مجرى المثل، والأمثال لا تتغيَّر، بل تلزم سننًا
واحدًا، وطريقة واحدة.
فإن قيل فما الغالب على "حبَّذا" الاسمية أو الفعلية؟ قيل: اختلف
النحويون في ذلك؛ فذهب أكثرهم إلى أن الغالب عليها الاسمية، وذلك؛ لأن
الاسم أقوى من الفعل، فلمّا رُكّب أحدهما مع الآخر، كان التغليب للأقوى
الذي هو الاسم دون الأضعف الذي هو الفعل؛ وذهب بعضهم إلى أن الغالب
عليها الفعليّة /وذلك/1؛ لأن الجزء الأول منهما فعل، فغلب عليها
الفعليّة؛ لأن القوة للجزء الأول؛ وذهب آخرون إلى أنها لا يغلب عليها
اسمية ولا فعلية، بل هي جملة مركبة من فعل ماضٍ، واسم هو فاعل، فلا
يغلَّب أحدهما على الآخر.
[بمَ يرتفع الاسم المعرفة بعد حبّذا؟]
فإن قيل: فلماذا2 يرتفع المعرفة بعده؛ نحو: "حبَّذا زيد"؟ قيل: لخمسة
أوجه:
الوجه الأول: أن يجعل حبذا مبتدأ، وزيد خبره.
والوجه الثاني: أن تجعل: ذا مرفوعًا بـ "حبَّ" ارتفاع الفاعل بفعله،
وتجعل زيدًا بدلاً منه.
والوجه الثالث: أن تجعل زيدًا خبرًا مبتدأ محذوف، كأنه لَمّا قيل: من
هو؟ قيل: زيد؛ أي: هو زيد.
والوجه الرابع: أن تجعل زيدًا مبتدأ، وحبَّذا خبره.
__________
1 سقطت من "س".
2 في "ط" فبماذا.
(1/99)
والوجه الخامس: أن تجعل: ذا زائدة، فيرتفع
زيد بـ "حبَّ" لأنه فاعل؛ وهو أضعف الأوجه1.
فإن قيل: فعلى ماذا تنتصب النكرة بعده؟ قيل: /إنما/2 تنتصب النكرة بعده
على التمييز، ألا ترى أنك إذا قلت: حبَّذا زيد رجلاً، وحبذا عمرو
راكبًا يحسن فيه تقدير "مِنْ" كأنك قلت: مِنْ رجلٍ، ومن راكب؛ كما قال
الشاعر3: [البسيط]
يا حبذا جبل الريان من جبل ... وحبذا ساكن الريان من كانا
فذهب بعض النحويين إلى أنه إن كان الاسم غير مشتق؛ نحو: حبَّذا زيد
رجلاً؛ كان منصوبًا على التمييز، وإن كان مشتقًّا؛ نحو: حبّذا عمرو
رَاكبًا؛ كان منصوبًا على الحال؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 في "ط" الوجوه: والأفضل ما أثبتناه من "س".
2 سقطت من "س".
3 الشاعر: جرير، وقد سبقت ترجمته.
موطن الشاهد: "من جبل".
وجه الاستشهاد: التصريح بـ "من" قبل جبل؛ وهذا ما يرجح انتصاب الاسم
النكرة بعد حبذا على التمييز.
(1/100)
الباب الخامس عشر:
باب التعجب
[علة زيادة ما في التعجب]
إن قال قائل: لِمَ زيدت "ما" في التعجب؛ نحو: "ما أحسن زيدًا"! دون
غيرها؟ قيل: لأن "ما" في غاية الإبهام، والشيء إذا كان مبهمًا؛ كان
أعظمَ في النفس1؛ لاحتماله أمورًا كثيرة؛ فلهذا كانت زيادتها في التعجب
أولى من غيرها. فإن قيل: فما معناها؟ قيل: اختلف النحويون في ذلك؛ فذهب
سيبويه وأكثر البصريين إلى أنها بمعنى شيء، وهو في موضع رفع بالابتداء،
"وأحسن" خبره؛ تقديره: شيء أحسن زيدًا؛ وذهب بعض النحويين من البصريين
إلى أنها بمعنى الذي، وهو موضع رفع بالابتداء، و"أحسن" صلته، وخبره
محذوف؛ وتقديره: الذي أحسن زيدًا شيء؛ وما ذهب إليه سيبويه والأكثرون
أَولى؛ لأنّ الكلام على قولهم مستقلّ بنفسه، لا يفتقر إلى تقدير شيء،
وعلى القول الآخر، يفتقر إلى تقدير شيء، وإذا كان الكلام مستقلاً
بنفسه، مستغينًا عن تقدير، كان أولى مما يفتقر إلى تقدير.
[خلافهم في فعليّة حَبَّذا] !!!!!!!!!!
فإن قيل: هل: "أحسن" فعل أو اسم؟ قيل: اختلف النحويون في ذلك؛ فذهب
البصريون إلى أنه فعل ماضٍ، واستدلوا على ذلك من ثلاثة أوجه:
[استدلالات البصريين على فعلية حبذا] !!!!!!!!
/الوجه/2 الأول: أنهم قالوا: الدليل على أنه فعل، أنه إذا وصل بياء
الضمير، فإن نون الوقاية تصحبه؛ نحو: "ما أحسنني" وما أشبه ذلك، وهذه
النون إنما تصحب /ياء/3 الضمير في الفعل خاصة؛ لتقيه من الكسر، ألا ترى
أنك تقول: أكرمني، وأعطاني، وما أشبه ذلك؟ ولو قلت في نحو /غلامي
__________
1 في "س" في النفوس.
2 سقطت من "ط".
3 سقطت من "ط".
(1/101)
وصاحبي/1: غلامني، وصاحبني، لم يجز، فلما
دخلت هذه النون عليه؛ دلَّ على أنه فعل.
والوجه الثاني: أنهم قالوا: الدليل على أنه فعل، أنه ينصب المعارف
والنكرات، و"أفعل" إذا كان اسْمًا، إنما ينصب النكرات خاصة على
التمييز؛ نحو: هذا أكبر منك سنًّا، وأكثر منك علمًا، وما أشبه ذلك،
فلمَّا نصب -ههنا- المعارف، دلَّ على أنه فعل ماض.
والوجه الثالث: أنهم قالوا: الدليل على أنه فعل ماضٍ، أنه مفتوح الآخر؛
فلو لم يكن فعلاً، لما كان لبنائه على الفتح وجه، إذ لو كان اسْمًا؛
لكان يجب أن يكون مرفوعًا؛ لوقوعه خبرا لـ: "ما" قبله بالإجماع، فلمَّا
وجب أن يكون مفتوحًا، دلَّ على أنه فعل ماض.
[استدلالات الكوفيين على اسميه حبذا] !!!!!!!!!!!!!
وذهب الكوفيون إلى أنه اسم، واستدلوا على ذلك من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أنهم قالوا: الدليل على أنه اسم أنه لا يتصرف، ولو كان
فعلاً؛ لوجب2 أن يكون متصرفًا؛ لأن التصرف من خصائص الأفعال، فلمَّا لم
يتصرف، دلَّ على أنه ليس بفعل؛ فوجب أن يلحق الأسماء.
والوجه الثاني: أنهم قالوا: الدليل على أنه اسم أنه يدخله التصغير؛
والتصغير من خصائص الأسماء؛ قال الشاعر3: [البسيط]
يَامَا أُمَيلِحَ غِزْلانًا شَدَنَّ لَنَا ... مِنْ هؤُليَّائِكُنَّ
الضَّالِ والسَّمُرِ4
والوجه الثالث: أنهم قالوا: الدليل على أنه اسم أنه يصح نحو: ما
__________
1 سقطت من "ط".
2 في "س" لكان يجب؛ وكلاهما صحيح.
3 نُسب البيت إلى عدد من الشعراء؛ منهم المجنون؛ والبيت في ديوانه
ص130؛ والعرجيّ، وذو الرُّمَّة، والحسين بن عبد الله.
4 المفردات الغريبة شَدَنَّ: يقال شدن الظبي: إذا قوي، وطلع قرناه،
واستغنى عن أمه. هؤليَّائكن: تصغير هؤلاء. الضَّال: شجر السدر البري.
السَّمُر: شجر الطَّلح. راجع القاموس: مادة "سمر" ص 369.
موطن الشاهد: "أُمَيلِحَ". وجه الاستشهاد: تصغير فعل التعجب، واستدل به
الكوفيون على أنه اسم؛ لأن التصغير من خصائص الأسماء؛ والصواب ما ذهب
إليه البصريون. وفي البيت شاهد آخر على تصغير اسم الإشارة "أولاء" مع
اقترانه بالهاء.
(1/102)
أقومه!، وما أبيعه!، كما يصح الاسم في نحو:
هذا أقوم منك، وأبيع منك، ولو أنه فعل؛ لوجب أن يعتلّ كالفعل؛ نحو:
أقام وأباع في قولهم: "أباع الشيء" إذا عرضه للبيع، فلما لم يعتل، وصح
كالأسماء مع ما دخله من الجمود والتصغير، دل على أنه اسم.
[رجحان مذهب البصريين]
والصحيح ما ذهب إليه البصريون، وأما ما استدل به الكوفيون ففاسد؛ أما
قوله: إنه لا يتصرف، فلا حجَّة فيه، ولأنَّا أجمعنا على أن: عسى وليس
فعلان، ومع هذا لا يتصرّفان وكذلك -ههنا- وإنما لم يتصرّف فعل التعجب
لوجهين:
أحدهما: أنهم لَمّا لم يصوغوا للتعجب حرفًا يدل عليه، جعلوا له صيغة لا
تختلف؛ لتكون دلالة على المعنى الذي أرادوه، وأنه مُضمَّن معنى ليس في
أصله.
والوجه الثاني: إنما لم يتصرف؛ لأن الفعل المضارع يصلح للحال
والاستقبال، والتعجب إنما يكون مما هو موجود في الحال، أو كان فيما
مضى، ولا يكون التعجب مما لم يقع، فلما كان المضارع يصلح للحال
والاستقبال، كرهوا أن يصرفوه إلى صيغة تحتمل الاستقبال الذي لا يقع
التعجب منه.
[الرد على قولهم: يدخله التصغير]
وأما قولهم: إنه يدخله التصغير، وهو من خصائص الأسماء؛ قلنا: الجواب
عنه من ثلاثة أوجه:
الوجه الأوّل: أن التصغير -ههنا- لفظي؛ والمراد به: تصغير المصدر، لا
تصغير الفعل؛ لأنَّ هذا الفعل مُنِعَ من التصرف، والفعل متى منع من
التصرف، لا يؤكد بذكر المصدر، فلمّا أرادوا تصغير المصدر، صغروه بتصغير
فعله؛ لأنه يقوم مقامه، ويدل عليه، فالتصغير في الحقيقة للمصدر، لا
للفعل.
والوجه الثاني: أن التصغير إنما حَسُنَ في فعل التعجب؛ لأنه لَمّا لزم
طريقة واحدة، أشبه الأسماء، فدخله بعض أحكامها، والشيء إذا أشبه الشيء
من وجه، لا يخرج بذلك عن أصله، كما أن اسم الفاعل محمول على الفعل في
العمل، فلم يخرج بذلك عن كونه اسْمًا، والفعل محمول على الاسم في
الإعراب، ولم يخرج عن كونه فعلاً؛ فكذلك ههنا.
والوجه الثالث: أنه إنما دخله التصغير حملاً على باب أفعل الذي
(1/103)
للتفضيل والمبالغة؛ لاشتراك اللفظين في
ذلك، ألا ترى أنك لا تقول: "ما أحسن زيدًا"، إلا لمن بلغ غاية الحسن
كما لا تقول: "زيد أحسن القوم"، إلا لمن كان أفضلهم في الحسن؟ فلهذه
المشابهة بينهما؛ جاز التصغير في قوله: "يا أميلح غزلانا"! كما تقول:
غزلانك أميلح الغزلان، وما أشبه ذلك، والذي يدل على اعتبار هذه
المشابهة بينهما، أنهم حملوا: "أفعل منك، وهو أفعل القوم" على قولهم:
"ما أفعله" فجاز فيهما ما جاز فيه، وامتنع فيهما ما امتنع فيه، فلم
يقولوا: "هذا أعور منك"، ولا: "أعور القوم" لأنهم لم يقولوا: "ما
أعوَرَه" وقالوا: "هو أقبح عورًا منك، وأقبح القوم عورًا" كما قالوا:
"ما أقبح عوره" وكذلك لم يقولوا: "هو أحسن منك حسنًا" فيؤكدوا، كما لم
يقولوا: "ما أحسن زيدًا حسنًا" فلما كانت بينهما هذه المشابهة، دخله
التصغير حملاً على: "أفعل" الذي للتفضيل والمبالغة.
وأمَّا قولهم: إنه يصح كما يصح الاسم، قلنا: التصحيح حصل من حيث حصل
التصغير، وذلك لحمله على باب: "أفعل" الذي للمفاضلة، ولأنه أشبه
الأسماء؛ لأنه لزم طريقة واحدة، فلمَّا أشبه الاسم من هذين الوجهين؛
وجب أن يصح كما يصح الاسم؛ وشبهه الاسم من هذين الوجهين، لا يخرجه
/ذلك/1 عن كونه فعلاً، كما أن ما لا ينصرف أشبه الفعل من وجهين، ولم
يخرجه /ذلك/2 عن كونه اسْمًا، فكذلك -ههنا- هذا الفعل، وإن أشبه الاسم
من وجهين، لا يخرجه عن كونه فعلاً؛ على أن تصحيحه غير مستنكر، فإنَّ
كثيرًا من الأفعال المتصرفة جاءت مصححة؛ كقولهم: "أغيلت3 المرأة،
واستنوق4 الجمل، واستتيست الشاة5، واستحوذ عليهم"؛ قال الله تعالى:
{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} 6 وهذا كثير7 في كلامهم، والذي
يدل على أن تصحيحه لا يدل على كونه اسْمًا أن "أفعل به" جاء في التعجب
مصحّحًا مع كونه فعلاً؛ نحو: "أَقْوِم به، وأبيع به"، فكما أن التصحيح
في: أفعل به، لا يخرجه عن كونه فعلاً، فكذلك التصحيح8 في "ما
__________
1 سقطت من "س".
2 سقطت من "ط".
3 أَغيلت المرأة: إذا حملت وهي ترضع طفلها؛ ومثلها: استغيلت.
4 استنوق الجمل: إذا ذل، وصار كالناقة في ذلها.
5 استَتْيَست الشاة: إذا صارت كالتيس في عنادها.
6 س: 58 "المجادلة، ن: 19، مد"، ومعنى استحوذ عليهم: غلب عليهم وسيطر.
7 في "ط" أكثر، وما أثبتناه من "س" وهو الأفضل.
8 في "ط" الصَّحيح.
(1/104)
أفعله" لا يخرجه عن كونه فعلاً، وقد ذكرنا
هذه المسألة مستوفاة في المسائل الخلافية1.
[فعل التعجب منقول من الفعل الثلاثي وعِلَّة ذلك]
فإن قيل: فلِمَ كان فعل التعجب منقولاً من الثلاثي دون غيره؟ قيل
لوجهين:
أحدهما: أن الأفعال على ضربين؛ ثلاثي ورباعي، فجاز نقل الثلاثي إلى
الرباعي؛ لأنك تنقله من أصل إلى أصل، ولم يجز نقل الرباعي إلى الخماسي؛
لأنك تنقله من أصل إلى غير أصل؛ لأن الخماسي ليس بأصل.
والوجه الثاني: أن الثلاثي أخف من غيره، فلما كان أخف من غيره، احتمل
زيادة الهمزة، وأما ما زاد على الثلاثي فهو ثقيل، فلم يحتمل الزيادة.
[لِمَ كانت الهمزة أولى بالزيادة]
فإن قيل: فلِمَ كانت الهمزة أولى بالزيادة؟ قيل: لأن الأصل في الزيادة
حروف المد واللين؛ وهي: الواو، والياء، والألف، فأقاموا الهمزة مقام
الألف، لأنها قريبة من الألف، وإنما أقاموها مقام الألف؛ لأن الألف لا
يُتَصَوَّر الابتداء بها؛ لأنها لا تكون إلا ساكنة، والابتداء بالساكن
محال، فكان تقدير زيادة الألف -ههنا- أولى؛ لأنها أخف حروف العلة، وقد
كثرت زيادتها في هذا النحو؛ نحو: أبيض، وأسود، وما أشبه ذلك.
[انتصاب الاسم بفعل التعجب وعِلَّة ذلك]
فإن قيل: فبماذا ينتصب الاسم في قولهم: "ما أحسنَ زيدًا"؟ قيل: ينتصب
لأنه مفعول أحسن؛ لأن "أحسن" لما ثُقِّل بالهمزة، صار متعديًا، بعد أن
كان لازمًا، فتعدّى إلى زيد، فصار زيد منصوبًا بوقوع الفعل عليه.
[عدم اشتقاق فعل التعجب من الألوان والخلق وعِلَّة ذلك]
فإن قيل: فلِمَ لا يشتق فعل التعجب من الألوان والخلق؟ قيل: لوجهين:
أحدهما: أن الأصل في أفعالها أن تستعمل على أكثر من ثلاثة أحرف، وما
زاد على ثلاثة أحرف لا يُبنى منه فعل التعجب.
__________
1 راجع هذه المسألة في كتاب: "الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين
والكوفيين" 1/ 81-95.
(1/105)
والوجه الثاني: أن هذه الأشياء لما كانت
ثابتة في الشخص، لا تكاد تتغير، جرت مجرى أعضائه التي لا معنى للأفعال
فيها، كاليد والرجل وما أشبه ذلك، فكما لا يجوز أن يقال: ما أيداه، ولا
ما أرجله من اليد والرجل، فكذلك لا يجوز أن يقال: ما أحمره و /لا ما/1
أسوده؛ فإن كان المراد بقوله: ما أيداه! من اليد بمعنى النعمة، وما
أرجلَه! من الرُّجلة2 جاز، وكذلك إن كان المراد بقوله: ما أحمره! من
صفة البلادة، لا من الحمرة، وما أسوده، من السَّودد، لا من السواد
جاز3، وإنما جاز في هذه الأشياء؛ لأنها ليست بألوان ولا خلق.
[علة استعمال لفظ الأمر في التعجب]
فإن قيل: فلِمَ استعملوا لفظ الأمر في التعجب نحو: "أحسن بزيد" وما
أشبهه؟ قيل: إنما فعلوا ذلك لضرب من المبالغة في المدح.
[الدليل على أن "أفعل" ليس بفعل أمر]
فإن قيل: فما الدليل على أنه ليس بفعل أمر؟ قيل: الدليل على ذلك أنه
يكون على صيغة واحدة في جميع الأحوال4، تقول: "يا رجلُ أحسن بزيد، ويا
رجلان أحسِن بزيد، ويا رجال أحسِن بزيد، ويا هند أحسن بزيد، ويا هندان
أحسن بزيد، ويا هندات أحسن بزيد" فيكون مع الواحد والاثنين والجماعة
والمؤنث على صيغة واحدة؛ لأنه لا ضمير فيه، ولو كان أمرًا؛ لكان ينبغي
أن يختلف في التثنية فتقول: "أحسنا بزيد" وفي جمع المذكر: "أحسنوا" وفي
إفراد المؤنث: "أحسني" وفي جمع المؤنث: "أحسنَّ" فتأتي بضمير الاثنين
والجماعة والمؤنث، فلما كان صيغة واحدة؛ دلَّ على أن لفظه لفظ الأمر،
ومعناه الخبر.
__________
1 سقطت من "ط".
2 الرُّجْلَةَ: القوّة على المشيء. القاموس: مادة "رجل" ص 903.
3 في "س" كان جائزًا.
4 التزم إفراده؛ "لأنه كلام جرى مجرى المثل، وصار معنى "أفعل به" كمعنى
"ما أفعله"! وهو يفيد محض التعجب، ولم يبقَ فيه معنى الخطاب حتى يثنّى،
ويجمع، ويُؤَنَّث باعتبار تثنية المخاطب، وجمعه، وتأنيثه". أسرار
العربية، ص122/ حا 4 نقلاً عن "الموفي في النحو الكوفي" ص 131.
(1/106)
فإن قيل: فما موضع الجار والمجرور في
قولهم: "أحسن بزيد"؟ قيل: موضعه الرفع؛ لأنه فاعل "أَحسِن" لأنه لَمّا
كان فعلاً، والفعل لا بد له من فاعل، جعل الجار والمجرور في موضع رفع؛
لأنه فاعل، قال الله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى
بِاللَّهِ نَصِيرًا} 1 أي: وكفى الله وليًّا، وكفى الله نصيرًا /والباء
زائدة/2؛ فكذلك -ههنا- الباء زائدة؛ لأن الأصل في: "أحسِن بزيد:
أحْسَنَ زيد" أي: صار ذا حسن، ثم نُقِلَ إلى لفظ الأمر، وزِيدَت الباء
عليه.
فإن قيل: فَلِمَ زيدت الباء /عليه/3؟ قيل: لوجهين؛ أحدهما: أنه لَمَّا
كان لفظ فعل التَّعجب لفظ الأمر، فزادوا الباء فرقًا بين لفظ الأمر
الذي للتعجب، وبين لفظ الأمر الذي لا يراد به التعجب.
والوجه الثاني: أنه لما كان معنى الكلام "يا حسن اثبت بزيد" أدخلوا
الباء؛ لأن "أثبت" يتعدى بحرف الجر؛ فلذلك، أدخلوا الباء. وقد ذهب بعض
النحويين إلى أن الجارّ والمجرور في موضع النصب؛ لأنه يقدِّر في الفعل
ضميرًا هو4 الفاعل، كما يقدَّر في: "ما أحسن زيدًا" وإذا قُدِّر -ههنا-
في الفعل ضمير، هو الفاعل، وقع الجار والمجرور في موضع المفعول، فكانا
في موضع نصب، والذي اتفق عليه أكثر النحويين هو الأول، وكان الأول هو
الأولى5؛ لأن الكلام إذا كان مستقلاً بنفسه من غير إضمار، كان أولى مما
يفتقر إلى إضمار، ثم حَمْلُ: "أحْسِن بزيد" على: "ما أحْسَنَ زيدًا" في
تقدير الإضمار لا يستقيم؛ لأن "أَحْسَنَ" إنما أضمر فيه لتقدم "ما"
عليه؛ لأن "ما" مبتدأ، و"أَحْسَنَ" خبره، ولا بد فيه من ضمير يرجع إلى
المبتدأ، بخلاف: "أَحْسِنْ بزيد" فإنه لم يَتَقَدَّمْه ما يوجب تقدير
الضمير، فبان الفرق بينهما؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 س: 4 "النساء، ن: 45، مد".
2 سقطت من "س".
3 سقطت من "س".
4 في "س" وهو.
5 في "س" الأَوَّل أَولَى.
(1/107)
الباب السادس عشر:
باب عسى
[عسى فعل جامد من أفعال المقاربة]
إن قال قائل: ما "عسى" من الكلام1؟ قيل: فعل ماض من أفعال المقاربة لا
يتصرف، وقد حكي2 عن ابن السّرَّاج3 أنه حرف، وهو قول شاذ لا يعرج عليه،
والصحيح أنه فعل؛ والدليل على ذلك، أنه يتصل به تاء الضمير، وألفه،
وواوه؛ نحو: "عسيت، وعسيا، وعسوا"؛ قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ
إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} 4 فلما دخلته هذه الضمائر كما تدخل على الفعل؛
نحو: قمت، وقاما، وقاموا، وقمتم، دل على أنه فعل، وكذلك -أيضًا- تلحقه
تاء التأنيث الساكنة التي تختص بالفعل؛ نحو: عست المرأة؛ كما تقول:
قامت وقعدت؛ فدل على أنه فعل.
[عِلَّة عدم تصرفِ عسى]
فإن قيل: فَلِمَ لا يتصرَّف؟ قيل: لأنه أشبه الحرف، لأنه لَمّا كان فيه
معنى الطمع أشبه لعلَّ، ولعل حرف لا يتصرف، فكذلك ما أشبهه.
[عمل عسى]
فإن قيل: فماذا تعمل5 عسى؟ قيل: ترفع الاسم، وتنصب الخبر مثل كان، إلا
أن خبرها لا يكون إلا مع الفعل المستقبل؛ نحو: عسى زيد أن يقوم.
__________
1 في "س" الكلِم.
2 في "س" يُحكى.
3 ابن السّرَّاج: أبو بكر، محمد بن السّريّ، أخذ النحو عن المبرِّد،
وخلفه في إمامة النحو؛ وأخذ عنه الزَّجّاجي، والسِّيرافي، والفارسي،
وغيرهم. مات سنة 316هـ. إنباه الرواة 4/ 154.
4 س: 47 "محمد، ن: 22، مد".
5 في "ط" تفعل.
(1/108)
[عِلَّة إدخال أن في خبر عسى]
فإن قيل فلِمَ أدخلت في خبره أن؟ قيل: لأن "عسى" وضعت لمقارنة
الاستقبال، و"أن" إذا دخلت على الفعل المضارع أخلصته للاستقبال، فلما
كانت "عسى" موضوعة لمقارنة الاستقبال، و"أن" تخلص الفعل للاستقبال؛
ألزموا الفعل الذي وضع لمقارنة الاستقبال "أن" التي هي علم الاستقبال.
[دليل انتصاب أن وصلتها في خبر عسى]
فإن قيل: فما1 الدليل على أن موضع أن وصلتها النصب؟ قيل: لأن معنى "عسى
زيد أن يقوم: قارب زيد القيام" والذي يدل على ذلك قولهم: "عسى الغوير
أبؤسًا"2، وكان القياس أن يقال: "عسى الغوير أن يبأس" إلا أنهم رجعوا
إلى الأصل المتروك، فقالوا: "عسى الغوير أبؤسًا" فنصبوه بعسى؛ لأنهم
أجروها مجرى قارب، فكأنه قيل: "قارب الغوير أبؤسًا"؛ وهو جمع بأس، أو
بؤس.
[عِلَّة حذف أن في خبر عسى أحيانًا]
فإن قيل فَلِمَ حذفوا "أن" /من خبره/3 في بعض أشعارهم؟ قيل: إنما
يحذفونها في بعض أشعارهم؛ لأجل الاضطرار تشبيهًا لها بـ "كاد"، فإن كاد
من أفعال المقاربة، كما أن عسى من أفعال المقاربة؛ ولهذا4 الشبه
بينهما، جاز أن يحمل عليها في حذف "أن" من خبرها /في/5 نحو قوله6:
[الوافر]
عَسَى الهمُّ الذي أمسيتُ فيه ... يكونُ وَرَاءَهُ فَرَجُ قَرِيبُ
__________
1 في "س" وما.
2 يُنسب هذا المثل إلى الزّبَّاء، ويقال: إنها قالته حين علمت أن
قصيرًا بات مع رجاله في غار صغير في طريق عودته من العراق؛ فانهار
عليهم، أو أتاهم أعداؤهم، فقتلوهم فيه، فصار مثلاً لكل شيء يخاف أن
يأتي منه شر؛ وقيل غير ذلك. والغوير: تصغير الغار. راجع مجمع الأمثال
"ط مصر، 1352 هـ"، 1/ 477. واللسان: مادة "عسى".
3 في "ط" في خبرها.
4 في "س" فلهذا.
5 سقطت من "س".
6 القائل: هو الشَّاعر هُدبة بن خشرم/ كان راوية للحطيئة، وكان جميل بن
معمر العذري رواية له. مات نحو سنة 50هـ. الشعر والشعراء 2/ 691،
والأغاني 21/ 169.
موطن الشاهد: "يكون وراءه".
وجه الاستشهاد: حذف "أن" في خبر "عسى" للضرورة الشعرية؛ لأن الأصل: عسى
الكرب.... أن يكون.
(1/109)
وكما أنَّ عسى تُشَبَّه بـ "كاد" في حذف
"أن" معها، فكذلك كاد تُشَبَّه بـ "عسى" في إثباتها معها؛ قال الشاعر1:
[الرجز]
[رَبْعٌ عَفَاهُ الدَّهْر طَوَرًا فامَّحَى] ... قَدْ كَاد مِنْ طُولِ
البِلى أَنْ يَمْصَحَا2
فأثبت "أن" مع كاد، وإن كان الاختيار حذفها، حملاً على عسى؛ فدل على
وجود المشابهة بينهما.
[عِلَّة حذف أن من خبر كاد]
فإن قيل: وَلِمَ كان الاختيار مع كاد حذف "أنْ" وهي كعسى في المقاربة؟
قيل: هما وإن اشتركا في الدَّلالة على المقاربة إلا أن كاد أبلغ في
تقريب الشيء من الحال، وعسى أذهب في الاستقبال، ألا ترى أنك لو قلت:
"كاد زيد يذهب بعد عام" لم يجز؛ لأن "كاد" توجب أن يكون الفعل شديد
القرب من الحال، ولو قلت: عسى الله أن يدخلني الجنة برحمته؛ لكان
جائزًا، وإن لم يكن شديد القرب من الحال، فلما كانت كاد أبلغ في تقريب
الشيء من الحال، حذف معها "أن" التي هي علم الاستقبال، ولما كانت عسى
أذهب في الاستقبال؛ أُتي معها بأن التي هي علم الاستقبال.
فإن قيل: فما موضع "أنْ" مع صلتها /في/3 نحو: "عسى أن يخرج زيد"؟ قيل،
موضعها4 مع صلتها5 الرّفع بأنه فاعل كما كان زيد مرفوعًا بأنه فاعل في
نحو: "عسى زيد أن يخرج".
[عدم جواز حذف أن حال كونها مع صلتها في محل رفع فاعل]
فإن قيل: فهل يجوز أن تحذف "أن" إذا كانت مع صلتها في موضع رفع؟ قيل:
لا يجوز ذلك؛ لأن6 من شرط الفاعل أن يكون اسْمًا لفظًا ومعنى، وإذا
قلت: عسى يخرج زيد، فقد جعلت الفعل فاعلاً، والفعل لا يكون فاعلاً؛ لأن
__________
1 نُسب هذا الشاهد إلى رؤبة بن العجّاج، وقد سبقت ترجمته.
2 المفردات الغريبة: الرَّبع: المنزل. عفاه: درسه. البِلى: الدُّروس
والاندثار. أمصح: أَخلق.
موطن الشاهد: "كاد ... أن يمصحا.
وجه الاستشهاد: أثبت الشاعر "أن" في خبر "كاد" حملاً لها على عسى
للضرورة الشعرية؛ لأن المشهور إسقاطها.
3 سقطت من "ط".
4 في "س" موضعه.
5 في "س" صلته.
6 في "س" لأنه.
(1/110)
الفاعل مخبر عنه، والإخبار إنما يكون عن
الاسم لا عن الفعل، بلى إن جعل زيد في نحو: "عسى يخرج زيد" فاعل عسى،
وجعل يخرج في موضع النَّصب جازت المسألة؛ لأن المفعول لا يبلغ /في/1
اقتضاء الاسميّة مبلغ الفاعل، ألا ترى أنه قد يقوم مقام المفعول
/الثاني/2 ما ليس باسم؛ نحو: "ظننت زيدًا قام أبوه" فقام أبوه جملة
فعلية، وقد قامت مقام المفعول الثاني لظننت، وأما الفاعل، فلا يجوز أن
يقع قط إلا اسْمًا لفظًا ومعنى /لِمَا/3 بَيَّنَّاه، فاعرفه تصب، إن
شاء الله تعالى.
__________
1 سقطت من "ط".
2 سقطت من "س".
3 في "ط" كما.
(1/111)