أسرار العربية الباب السابع عشر:
باب كان وأخواتها
[كان وأخواتها أفعال وأدلة ذلك]
إن قال قائل: أي شيء كان وأخواتها من الكَلِم؟ قيل: أفعال، وذهب بعض
النحويين إلى أنها حروف وليست أفعالاً، لأنها لا تدل على المصدر، ولو
كانت أفعالاً؛ لكان ينبغي أن تدل على المصدر، ولَمَّا كانت لا تدل على
المصدر، دل على أنها حروف1؛ والصحيح أنها أفعال، وهو مذهب الأكثرين
والدليل على ذلك من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أنها تلحقها تاء الضمير وألفه وواوه؛ نحو: كنت، وكانا،
وكانوا2، كما تقول: قمت، وقاما، وقاموا، وما أشبه ذلك.
والوجه الثاني: أنها تلحقها تاء التأنيث الساكنة؛ نحو: كانت المرأة،
كما تقول: قامت المرأة، وهذه التاء تختص بالأفعال.
والوجه الثالث: أنها تتصرف؛ نحو: كان يكون، وصار يصير، وأصبح يصبح،
وأمسى يمسي، وكذلك سائرها ما عدا "ليس" وإنما لم يدخلها التصرف؛ لأنها
أشبهت "ما" وهي3 تنفي الحال (كما أن "ما" تنفي الحال) 4؛ ولهذا تجري
"ما" مجرى "ليس" في لغة أهل الحجاز، فلما أشبهت "ما" وهي حرف لا يتصرف،
وجب ألا تتصرف5. وأما قولهم: إنها لا تدل على المصدر، ولو كانت
أفعالاً؛ لدلت على المصدر، قلنا: هذا إنما يكون في الأفعال الحقيقية،
وهذه الأفعال غير حقيقية؛ ولهذا المعنى تُسمّى6 أفعال
__________
1 في "س" دل على أنها ليست أفعالاً.
2 في "س" تقول: كانت، وكانا، وكنتما.
3 في "س" لأنها.
4 سقطت من "س".
5 في "ط" يتصرّف.
6 في "ط" يُسمّى، والصواب ما أثبتناه من "س".
(1/112)
العبارة، فما ذكرناه (يدل على أنها أفعال)
1، وما ذكرتموه يدل على أنها أفعال غير حقيقية، فقد علمنا بمقتضى
الدليلين، على أنهم قد جبروا هذا الكسر، وألزموها الخبر عوضًا عن
دلالتها على المصدر، وإذا وجد الجبر بلزوم الخبر عوضًا عن المصدر كان
في حكم الموجود الثَّابت.
[انقسام كان على خمسة أوجه]
فإن قيل: فعلى كم تنقسم كان وأخواتها؟ قيل: أمَّا كان فتنقسم على خمسة
أَوجه:
الوجه الأوّل: أنها تكون ناقصة فتدل على الزمان المجرد عن الحدث؛ نحو:
"كان زيد قائمًا" ويلزمها الخبر2 لِمَا بيّنا.
والوجه الثاني: أنها تكون تامة، فتدل على الزمان والحدث كغيرها من
الأفعال الحقيقية، ولا تفتقر إلى خبر؛ نحو: كان زيد، وهي بمعنى: حدث
ووقع؛ قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى
مَيْسَرَةٍ} 3 أي: حدث ووقع، وقال تعالى: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ
تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} 4 وقال تعالى: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً
يُضَاعِفْهَا} 5 في قراءة من قرأ بالرفع، وقال تعالى: {كَيْفَ
نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} 6، أي: وجد وحدث؛
وصبيًّا: منصوب على الحال، ولا يجوز أن تكون /كان/7 ههنا الناقصة؛
/لأنه/8 لا اختصاص لعيسى في ذلك؛ لأن كُلًّا قد كان في المهد صبيًّا،
ولا عجب في تكليم من كان فيما مضى في حال الصَّبي (وإنما العجب في
تكليم من هو في المهد في حال الصبي) 9، فدل على أنها -ههنا- بمعنى: وجد
وحدث، وعلى هذا قولهم: أنا مذ كنت صديقك؛ /أي وجدت/10؛ قال الشاعر11:
[الطويل]
فِدَىً لِبَنِي ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ نَاقَتِي ... إذا كان يومٌ ذو
كَوَاكِبَ أَشْهَبُ12
__________
1 سقطت من "س".
2 في "س" الجر، وهو سهو من الناسخ.
3 س: 2 "البقرة، ن: 280، مد".
4 س: 4 "النساء، ن: 29، مد".
5 س: 4 "النساء، ن: 40، مد".
6 س: 19 "مريم، ن: 29، مك".
7 سقطت من "ط".
8 في "ط" لأنها؛ والصواب ما أثبتنا من "س" لموافقة السياق.
9 سقطت من "س".
10 سقطت من "ط".
11 نسب صاحب "الأزهية في علم الحروف" هذا البيت إلى مقاس العائذيّ، ولم
أصطد له ترجمة وافية.
12 المفردات الغريبة: ذهل بن شيبان: جد جاهلي، وبنوه بطن من بكر بن
وائل. موطن الشاهد: "كان يوم".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "كان" تامًّا بمعنى "وقع أو حصل" ومجيئه بهذا
المعنى كثير شائع.
(1/113)
أي حدث يوم، وقال الآخر1: [الوافر]
إذا كان الشتاءُ فأَدْفِئُونِي ... فإن الشَّيخ يَهْدِمُه الشِّتَاءُ
أي: حدث الشِّتاء.
والوجه الثالث: أن يجعل فيها ضمير الشأن والحديث، فتكون الجملة خبرها؛
نحو: "كان زيد قائم"؛ أي: كان الشأن والحديث2 زيد قائم؛ قال الشاعر3:
إذا متُّ كَانَ النَّاس صِنْفَانِ شَامِتٌ ... وَآخَرُ مُثْنٍ بالذي
كُنْتُ أَصْنَعُ
أي: كان الشأن والحديث الناس صنفان.
والوجه الرابع: أن تكون زائدة (غير عاملة) 4؛ نحو: "زيد كان قائم" أي:
زيد قائم؛ قال الشاعر: 5 [الوافر]
سَرَاةُ بني أبي بكر تَسَامَى ... عَلَى كَانَ المسَوَّمةِ العِرَابِ6
__________
1 نُسب هذا البيت إلى الربيع بن ضبع، ولم أصطد له ترجمة وافية.
موطن الشاهد: "كان الشتاء".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "كان" بمعنى "حدث" ومجيئه بهذا المعنى كثير
شائع.
2 في "س" والحدث.
3 الشاعر: هو العُجَير بن عبد الله السلولي، شاعر إسلامي مقلّ، من
شعراء الدولة الأموية، ومن طبقة أبي زبيد الطائي. تجريد الأغاني 4/
1458.
موطن الشاهد: "كان الناس صنفان".
وجه الاستشهاد: مجيء اسم "كان" ضمير الشأن، وخبرها الجملة الاسمية:
"الناس صنفان"؛ ويروى: كان الناس صنفين؛ وعلى هذه الرواية يكون "الناس"
اسْمًا لـ "كان" و "صنفين" خبرها.
4 سقطت من "س".
5 لم ينسب إلى شاعر معين.
6 المفردات الغريبة: سراة: جمع سريّ، وهو السيد الشريف. تَسامى: أصله
تتسامى، من السمو والرفعة. المسوّمة: المعلمة؛ لتترك في المرعى، وتعرف
من غيرها. العِراب: العربية.
موطن الشاهد: "على كان المسوّمة".
وجه الاستشهاد: وقوع "كان" زائدة بين الجار والمجرور.
(1/114)
(أي: على المسومة) 1 وقال الآخر2: [الوافر]
فَكَيفَ إذا مَرَرْتُ بِدَارِ قَومٍ ... وَجِيرَانٍ لنَا كَانوا
كِرَامِ
(أي: جيران كرام) 3.
والوجه الخامس: أن تكون بمعنى صار؛ قال الله تعالى: {وَكَانَ مِنَ
الْكَافِرِينَ} 4، {فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} 5؛ أي: صار، وعلى هذا
حمل بعضهم قوله تعالى: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ
صَبِيًّا} 6 أي: صار، وقال الشاعر7: [الطويل]
بتيهاءَ قَفْرٍ والمطيُّ كَأَنَّهَا ... قطا الْحَزْن قَدْ كانت فراخًا
بُيُوضُها8
أي: صارت فراخًا بيوضها.
[صار ناقصة وتامة]
وأمّا صار، فتستعمل ناقصة وتامة، فأمَّا الناقصة، فتدل /أيضًا/9، على
الزمان المجرد عن الحدث، ويفتقر10 إلى الخبر؛ نحو: "صار زيد عالِمًا"
مثل
__________
1 ساقطة من "ط".
2 القائل: الفرزدق، وقد سبقت ترجمته.
موطن الشاهد: "وجيرانٍ لنا كانوا كرام".
وجه الاستشهاد: وقوع "كانوا" زائدة بين الصِّفة والموصوف.
3 سقطت من "س".
4 س: 2 "البقرة، ن: 34، مد".
5 س: 11 "هود، ن: 43، مك"، وفي "ط" وكان من المغرقين.
6 س: 19 "مريم، ن: 29، مك".
7 القائل: عمرو بن أحمر، ولم أصطد له ترجمة وافية.
8 المفردات الغريبة: تيهاء قفر: صحراء مضلة يضل فيها الساري عن طريقه.
القطا: نوع من الطيور؛ مفرده: قطاة؛ وأضاف القطا إلى الحزن؛ ليبين مدى
عطشها. وشبه النوق بها؛ لأنها أشبهت القطا التي فارقت فراخها؛ لتحمل
إليها الماء لتسقيها؛ وذلك أسرع لطيرانها. "أسرار العربية: 137/ حا3".
موطن الشاهد: "كانت".
9 وجه الاستشهاد: مجيء "كان" بمعنى "صار" وقد جاءت بمعنى صار في القرآن
الكريم؛ حيث قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ} س: 3 "آل عمران، ن: 110، مد".
10 زيادة من "س".
10 في "ط" ويفتقر.
(1/115)
"كان" إذا كانت ناقصة؛ وأما التامة، فتدل
على الزمان والحدث، ولا تفتقر إلى خبر؛ نحو: "صار زيد إلى عمرو" مثل
كان إذا كانت تامة، وكذلك سائر أخواتها تستعمل ناقصة وتامة، إلا: ظل،
وليس، وما زال، وما فتئ، فإنها لا تستعمل إلا ناقصة.
[عمل الأفعال الناقصة في شيئين وعلة ذلك]
فإن قيل: فَلِمَ عملت هذه الأفعال في شيئين؟ قيل: لأنها عبارة عن الجمل
لا عن1 المفردات، فلما اقتضت شيئين؛ وجب أن تعمل فيهما2.
[عِلَّة رفعها للاسم ونصبها للخبر]
فإن قيل: فَلِمَ رفعت الاسم، ونصبت الخبر؟ قيل: تشبيهًا بالأفعال
الحقيقيّة، فرفعت الاسم تشبيهًا له بالفاعل، ونصبت الخبر تشبيهًا /له/3
بالمفعول.
[جواز تقديم خبر الأفعال الناقصة على اسمها]
فإن قيل: فهل يجوز تقديم أخبارها على أسمائها؟ قيل: نعم يجوز، وإنما
جاز/ذلك/4 لأنها لَمَّا كانت أخبارها مُشَبَّهة بالمفعول، وأسماؤها
مشبهة بالفاعل، والمفعول يجوز تقديمه على الفاعل؛ فكذلك ما كان
مشَبَّها به.
[جواز تقديم خبر بعض الأفعال الناقصة عليها وعلة ذلك]
فإن قيل: فهل يجوز تقديم أخبارها عليها أنفسها؟ قيل: يجوز ذلك في ما لم
يكن في أوله "ما"؛ نحو: "قائمًا كان زيد" وإنما جاز ذلك؛ لأنه لَمّا
كان مشبهًا بالمفعول، والعامل فيه متصرف؛ جاز تقديمه عليه كالمفعول؛
نحو: "عمرًا ضرب زيد".
[عدم تقديم اسم الأفعال الناقصة عليها وعلة ذلك]
فإن قيل: فَلِمَ لم يجز تقديم أسمائها عليها أنفسها، كما يجوز تقديم
أخبارها عليها؟ قيل: إنما لم يجز تقديم أسمائها عليها؛ لأن أسماءها
مشبهة بالفاعل، والفاعل لا يجوز تقديمه على الفعل، فكذلك ما كان
مشبّهًا به، وجاز
__________
1 في "س" دون المفردات.
2 في "ط" فيها؛ والصواب ما أثبتنا من "س".
3 سقطت من "س".
4 سقطت من "ط".
(1/116)
تقديم أخبارها عليها؛ لأنها مشبهة
بالمفعول، والمفعول يجوز تقديمه على الفعل، كما بيّنا.
[علة عدم تقديم خبر ما في أوله "ما" عليه]
فإن قيل: فلِمَ لم يجز تقديم خبر ما في أوّله "ما" عليه؟ قيل: لأن "ما"
في أوله ما ما عدا "ما دام" للنفي؛ /والنفي/1 له صدر الكلام
كالاستفهام، فكما أن الاستفهام لا يعمل ما بعده في ما قبله؛ نحو:
"أعمرًا ضرب زيد"2 فكذلك النفي لا يعمل ما بعده في ما قبله؛ نحو:
"قائمًا ما زال زيد".
[جواز تقديم خبر ما زال عليها عند بعضهم]
وقد ذهب بعض النحويين إلى أنه يجوز تقديم خبر "ما زال" عليها؛ وذلك لأن
ما للنفي، وزال فيها معنى النفي، /والنفي/3 إذا دخل على النفي صار
إيجابًا، /وإذا صار إيجابًا/4 صار قولك: "ما زال زيد قائمًا" بمنزلة:
"كان زيد قائمًا" وكما يجوز أن تقول: "قائمًا كان زيد" فكذلك يجوز أن
تقول: "قائمًا ما زال زيد" وأجمعوا على أنه لا يجوز تقديم خبر "ما دام"
عليها، وذلك؛ لأن5 "ما" فيها مع الفعل بمنزلة المصدر، ومعمول المصدر،
لا يتقدّم عليه.
[خلافهم في تقديم خبر ليس عليها وعلة ذلك]
فإن قيل: فهل يجوز تقديم خبر ليس عليها؟ قيل: اختلف النحويون في ذلك؛
فذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز تقديم خبرها عليها /نفسها/6 وذهب أكثر
البصريين إلى جوازه؛ لأنه كما جاز تقديم خبرها على اسمها، جاز تقديم
خبرها عليها نفسها، والاختيار عندي ما ذهب إليه الكوفيون؛ لأن "ليس"
فعل لا يتصرف، والفعل إنما يتصرف عمله إذا كان متصرِّفًا في نفسه، وإذا
لم يكن متصرِّفًا في نفسه، لم يتصرف عمله، وأمَّا قولهم: إنه كما جاز
تقديم خبرها على اسمها؛ جاز تقديم خبرها عليها ففاسد؛ لأنَّ تقديم
خبرها على اسمها، لا يخرجه عن كونه متأخرًا عنه، وتقديم خبرها عليها،
يوجب كونه متقدمًا عليها، وليس من ضرورة أن يعمل الفعل في ما بعده،
يجب7 أن يعمل في ما قبله؛
__________
1 سقطت من "س".
2 في "س" عمرًا؛ والصواب ما في المتن.
3 سقطت من "ط".
4 سقطت من "ط".
5 في "س" أن.
6 زيادة من "س".
7 في "ط" ويجب، والصواب ما أثبتناه من "س".
(1/117)
ثم نقول: إنما جاز تقديم خبرها على اسمها؛
لأنها أضعف من "كان" لأنها تتصرف، ويجوز تقديم خبرها عليها، وأقوى من
"ما" لأنها حرف، ولا يجوز تقديم خبرها على اسمها، فجعل لها منزلة بين
المنزلتين، فلم يجز تقديم خبرها عليها نفسها، لتنحطّ عن درجة "كان"
وجوزوا1 تقديم خبرها على اسمها؛ لترتفع عن درجة "ما".
[امتناع استعمال ما زال مع إلا]
فإن قيل: لِمَ جاز: "ما كان زيد إلا قائمًا" ولم يجز: "ما زال زيد إلا
قائمًا"؟ قيل: لأن "إلا" إذا دخلت في الكلام، أبطلت معنى النفي، فإذا
قلت: ("ما كان زيد إلا قائمًا" كان التقدير فيه: "كان زيد قائمًا" وإذا
قلت:) 2 "ما زال زيدًا إلا قائمًا"؛ صار التقدير: "زال زيد قائمًا"
و"زال" لا تستعمل إلا بحرف النفي، فلما كان إدخال حرف الاستثناء يوجب
إبطال معنى النفي، و"كان" يجوز استعمالها من غير حرف النفي، و"زال" لا
يجوز استعمالها إلا بإدخال حرف3 النفي جاز: "ما كان زيد إلا قائمًا"
ولم يجز "ما زال زيد إلا قائمًا"؛ وأما قول الشاعر4: [الطويل]
حَرَاجِيجُ ما تَنْفَّكُّ إلا مُنَاخَةً ... عَلَى الْخَسْفِ أو
نَرْمِي بِهَا بَلَدًا قَفْرَا5
فالخير قوله: على الخسف، وتقديره: ما تنفك على الخسف إلا أن تناخ أو
نرمي6 بها بلدًا قَفْرَا؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 في "ط" ويجوز.
2 سقطت من "س".
3 في "س" بحرف.
4 الشاعر: ذو الرمة، غيلان بن عقبة بن بهيش، من فحول الشعراء العشاق؛
وشعره يعجب أهل البادية، ويدل على فطنة وذكاء ليسا في غيره؛ له ديوان
شعر مطبوع. مات بِحُزوى من رمال الدهناء سنة 117هـ. الشعر والشعر 1/
524.
5 المفردات الغريبة: حراجيج: جمع حرجوج أو حرجيج، وهي الناقة الجسيمة
الطويلة. الخسف: الجوع، وهو أن تبيت الناقة على غير علف.
موطن الشاهد: "ما تنفك إلا مناخة".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "تنفك" مقرونًا بـ "إلا" على وجه الشذوذ.
وقيل: "تَنْفَّكّ" تامة لا خبر لها؛ أي: لا تنفصل من السير إلا في حال
إناختها؛ أو يكون خبرها: "على الخسف" و"مناخة" منصوبة على الحال في
الوجهين.
6 في "س" ترمي.
(1/118)
الباب الثامن عشر:
باب ما
[علة إعمال ما الحجازية]
إن قال قائل: لِمَ عملت "ما" في لغة أهل الحجاز، فرفعت الاسم، ونصبت
الخبر؟ قيل: لأن "ما" أشبهت "ليس" ووجه الشبه بينهما من وجهين؛
أحدهما: أن "ما" تنفي الحال، كما أن "ليس" تدخل على المبتدأ والخبر؛
ويقوي هذه المشابهة بينهما دخول الباء في خبرها، كما تدخل في خبر "ليس"
(فإذ ثبت أنها أشبهت "ليس") 1 فوجب أن تعمل عملها، فترفع الاسم، وتنصب
الخبر، وهي لغة القرآن؛ قال الله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} 2، وذهب
الكوفيون إلى أن الخبر منصوب بحذف حرف الجر، وهذا فاسد؛ لأن حذف حرف
الجر، لا يوجب النصب؛ لأنه لو كان حذف حرف الجر، يوجب النصب؛ لكان
ينبغي أن يكون ذلك في كل موضع، ولا خلاف أن كثيرًا من الأسماء يحذف
منها حرف الجر ولا تنتصب3 بحذفه؛ كقوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ
وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} 4، ولو حذف حرف الجر؛ لكان: وكفى
الله وليًّا، وكفى الله نصيرًا /بالرفع/5 كقول الشاعر6: [الطويل]
عُمَيرة وَدِّع إن تجهّزتَ غاديًا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
__________
1 سقطت من "س".
2 س: 12 "يوسف، ن: 31، مك".
3 في "ط" منتصب.
4 س: 4 "النساء، ن: 45، مد".
5 سقطت من "س".
6 الشاعر هو: سحيم عبد بني الحسحاس كان عبدًا نوبيًّا، فاشتراه بنو
الحسحاس، فنشأ فيهم، رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان يعجب بشعره،
قتله سيده، وقيل بنو الحسحاس؛ لتشبيبه بنسائهم سنة 40هـ.
موطن الشاهد: "كفى الشيب".
وجه الاستشهاد: سقوط الباء من فاعل "كفى" فدل ذلك على أن هذه الباء،
ليست واجبة الدخول على فاعل هذا الفعل.
(1/119)
وكذلك قولهم: "بحسبك زيد، وما جاءني من
أحد" /و/1 لو حذفت حرف الجر، لقلت: "حسبك زيد، وما جاءني أحد" بالرفع؛
فدل على أن حذف حرف الجر، لا يوجب النصب.
[علة إهمال ما التميمية]
فإن قيل: لِمَ لَمْ تعمل على لغة بني تميم؟ قيل: لأن الحرف إنَّما يعمل
إذا كان مختصًّا بالاسم، كحرف الجر، أو بالفعل كحرف الجزم [وَ] 2 إذا
كان يدخل على الاسم والفعل لم يعمل كحرف العطف، و"ما" تدخل على الاسم
والفعل، ألا ترى أنك تقول: "ما زيد قائم، وما يقوم زيد" فتدخل عليهما،
فلما كانت غير مختصة؛ وجب أن تكون غير عاملة.
فإن قيل: فَلِمَ3 دخلت الباء في خبرها؛ نحو: "ما زيد بقائم"؟ قيل:
لوجهين؛ أحدهما: أنها أدخلت4 توكيدًا للنفي،
والثاني: أن يُقَدَّر أنَّها جواب لمن قال: "إن زيدًا لقائم" فأدخلت
الباء في خبرها؛ لتكون بإزاء اللام في خبر إنَّ.
[إهمال ما الحجازية إذا توسطت إلَّا بينها وبين خبرها وعلة ذلك]
فإن قيل: فَلِمَ3 بطل عملها في لغة أهل الحجاز، إِذَا فصلت5 بين اسمها
وخبرها بإلا؟ قيل: لأن "ما" إنَّما عملت؛ لأنَّها أشبهت "ليس" من جهة
المعنى وهو، النفي، و"إلا" تبطل معنى النفي، فتزول المشابهة، وإذا6
زالت المشابهة؛ وجب ألا تعمل.
[إهمال ما الحجازية إذا فصل بينها وبين اسمها وخبرها بـ "إن" الخفيفة
وعلة ذلك]
فإن قيل: فلماذا بطل عملها -أيضًا- إذا فصلتَ5 بينها وبين اسمها وخبرها
بـ "إن" الخفيفة؟ قيل: لأن "ما" ضعيفة في العمل؛ لأنها إنما عملت لأنها
أشبهت فعلاً لا يتصرف شبهًا ضعيفًا من جهة المعنى؛ فلما كان عملها
ضعيفًا؛ بطل عملها مع الفصل؛ ولهذا المعنى، يبطل7 عملها -أيضًا- إذا
__________
1 سقطت الواو من "س".
2 زيادة يقتضيها السياق.
3 في "س" لِمَ.
4 في "س" دخلت.
5 في "س" فصل.
6 في "س" فإذا؛ وكلاهما صحيح.
7 في "س" بطل.
(1/120)
تقدَّم الخبر على الاسم؛ نحو: "ما قائم
زيد" لضعفها في العمل؛ فألزمت طريقة واحدة، وأما قول الشاعر1: [البسيط]
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش وإذ ما مثلَهُم بشرُ
فمن النحويين من قال: هو منصوب على الحال؛ لأن التقدير فيه: وإذ ما
بشرٌ مثلَهُم، فلما قدم مثلهم الذي هو صفة النكرة، انتصب على الحال؛
لأن صفة النكرة إذا تقدمت، انتصبت على الحال؛ كقول الشاعر2: [مجزوء
الوافر]
لِمَيَّةَ موحشًا طللُ ... يَلوحُ كَأَنَّه خِلَلُ3
/و/4 التقدير فيه: طَلَلٌ مُوحشٌ؛ وكقول الآخر5: [البسيط]
والصالحات عليها مُغْلَقًا باب
والتقدير فيه: باب مغلق؛ إلا أنه لما قدم الصفة على النكرة6، نصبها على
الحال؛ ومنهم من قال: هو منصوب على الظرف؛ لأن قوله: ما مثلهم بشر، في
معنى: "فوقهم"؛ ومنهم من حمله على الغلط؛ لأن 7 هذا البيت للفرزدق،
وكان تميميًّا، وليس من /لغته/8 إعمال "ما" سواء تقدم الخبر، أو تأخر،
فلمَّا استعمل لغة غيره غلط، فظن أنها تعمل مع تقدم الخبر، كما تعمل مع
تأخره، فلم يكن في ذلك حجة؛ ومنهم من قال: إنها لغة لبعض العرب، وهي
لغة قليلة، لا يعتدّ بها؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 الشاعر: الفرزدق، وقد سبقت ترجمته.
وقد أوضح المؤلف في المتن مراده من ذكر الشاهد بما يغني عن الإعادة.
2 الشاعر هو: كثير بن عبد الرحمن، المعروف بكثير عزة، وقد سبقت ترجمته.
3 المفردات الغريبة: الطلل: ما بقي شاخصًا من آثار الديار. الخِلَل:
جمع خِلَّة، وهي بطانة تُغشى بها أجفان السيوف.
موطن الشاهد: "موحشًا طلل".
وجه الاستشهاد: تقدمت الصفة على الموصوف النكرة؛ فانتصبت على الحال وفق
القاعدة.
4 زيادة من "س".
5 لم ينسب إلى قائل معين.
موطن الشاهد: "مغلقًا بابُ".
وجه الاستشهاد: تقدمت الصفة على الموصوف النكرة "باب" فانتصبت على
الحال، كما في الشاهد السابق.
6 في "س" صفة النكرة نصبها؛ وكلاهما صحيح.
7 في "س" فإن.
8 في "ط" لفظة؛ والأفضل ما أثبتنا من "س".
(1/121)
الباب التاسع عشر:
باب إن وأخواتها
[علة إعمال الأحرف المشبهة]
إن قال قائل: لِمَ أعملت1 هذه الأحرف؟ قيل: لأنها أشبهت الفعل، ووجه
الشّبه بينهما من خمسة أوجه:
الوجه الأول: أنها مبنية على الفتح، كما أن الفعل الماضي مبني على
الفتح.
والوجه الثاني: أنها على ثلاثة أحرف، كما أن الفعل على ثلاثة أحرف.
والوجه الثالث: أنها تلزم الأسماء، كما أن الفعل يلزم الأسماء.
والوجه الرابع: أنها تدخل عليها نون الوقاية، كما تدخل على الفعل؛ نحو
إنني وكأنني ولكنني.
والوجه الخامس: أن فيها معاني الأفعال، فمعنى إن وأن: حققت، ومعنى
"كأن": شبَّهت، ومعنى "لكن": استدركت، ومعنى "ليت": تمنيت، ومعنى
"لعل": ترجيت، فلما أشبهت هذه الحروف الفعل من هذه الأوجه /الخمسة/2؛
وجب أن تعمل عمله؛ وإنما عملت في شيئين؛ لأنها عبارة عن الجمل، لا عن
المفردات، كما بيّنا في "كان".
[علة نصب الأحرف المشبهة للاسم ورفعها للخبر]
فإن قيل: فلم نصبت الاسم، ورفعت الخبر؟ قيل: لأنها /لَمّا/3 أشبهت
الفعل، وهو يرفع وينصب، شُبِّهت /به/4 فنصبت الاسم تشبيهًا بالمفعول،
ورفعت الخبر تشبيهًا بالفاعل.
__________
1 في "س" عملت.
2 سقطت من "س".
3 سقطت من "ط".
4 سقطت من "ط".
(1/122)
[علة وجوب تقديم منصوب الأحرف المشبهة على
مرفوعها]
فإن قيل: فَلِمَ وجب تقديم المنصوب على المرفوع؟ قيل لوجهين:
أحدهما: أن هذه الحروف، تشبه الفعل لفظًا ومعنى؛ فلو قُدِّم المرفوع
على المنصوب، لم يعلم هل هي حروف، أو أفعال؟
فإن قيل: الأفعال تتصرَّف، والحروف لا تتصرَّف، قيل: عدم التصرف، لا
يدل على أنها حروف؛ لأنه قد يوجد أفعال لا تتصرف؛ وهي: نعم، وبئس،
وعسى، وليس، وفعل التعجب، وحبَّذا، فلما كان ذلك يؤدي إلى الالتباس
بالأفعال، وجب تقديم المنصوب على المرفوع رفعًا لهذا الالتباس.
والوجه الثاني: أن هذه الحروف لما أشبهت الفعل الحقيقيّ لفظًا ومعنى،
حملت عليه في العمل، فكانت فرعًا عليه في العمل، وتقديم1 المنصوب على
المرفوع فرع؛ فألزموا الفرع الفرع، وتخرج على هذا "ما" فإنَّها ما
أشبهت الفعل من جهة اللفظ، وإنما أشبهته من جهة المعنى، ثم الفعل الذي
أشبهته ليس فعلاً حقيقيًّا وفي فعليته خلاف، بخلاف هذه الحروف، فإنها
أشبهت الفعل الحقيقيّ من جهة اللفظ والمعنى من الخمسة الأوجه التي
بيناها، فبان الفرق بينهما. وقد ذهب الكوفيون إلى أن "إن" وأخواتها
/إنما/2 تنصب الاسم، ولا ترفع الخبر وإنما الخبر يرتفع بما كان يرتفع
به قبل دخولها؛ لأنها فرع على الفعل في العمل، فلا تعمل عمله؛ لأن
الفرع -أبدًا- أضعف من الأصل، فينبغي ألا تعمل في الخبر؛ وهذا ليس
بصحيح؛ لأن كونه فرعًا على الفعل في العمل، لا يوجب ألا يعمل عمله، فإن
اسم الفاعل فرع على الفعل في العمل، ويعمل عمله، على أنَّا قد عملنا
بمقتضى كونه فرعًا، فإنَّا ألزمناه طريقة واحدة، وأوجبنا فيه تقديم
المنصوب على المرفوع، ولم نُجَوِّز فيه الوجهين، كما جاز ذلك مع الفعل؛
لئلا3 يجري مجرى الأصل، فلمّا أوجبنا فيه تقديم المنصوب على المرفوع،
بان ضعف هذه الحروف (عن رتبة الفعل) 4، وانحطاطها عن رتبة الفعل؛ فوقع
الفرق بين الفرع والأصل؛ ثم لو كان الأمر كما زعموا، وأنه باقٍ على
رفعه؛ لكان الاسم المبتدأ أولى بذلك، فلما وجب نصب المبتدأ بها؛ وجب
رفع
__________
1 في "س" وتقدم.
2 سقطت من "ط".
3 في "س" لكيلا.
4 سقطت من "س".
(1/123)
الخبر بها؛ لأنه ليس في كلام العرب عامل
يعمل في الأسماء النصب، ولا يعمل الرفع، فما ذهبوا إليه يؤدي إلى ترك
القياس، ومخالفة الأصول لغير فائدة، وذلك لا يجوز.
[علة جواز العطف على موضع إنَّ ولكنَّ]
فإن قيل: فَلِمَ جاز العطف على موضع "إن ولكن" دون سائر أخواتها؟ قيل:
لأنهما لم يغيِّرا معنى الابتداء، بخلاف سائر الحروف؛ لأنها غيَّرت
معنى الابتداء؛ لأن: "كأن" أفادت معنى التشبيه، و"ليت" أفادت معنى
التمني، و"لعل" /أفادت/1 معنى التَّرجي.
[خلافهم في العطف على الموضع قبل ذكر الخبر]
فإن قيل: فهل يجوز العطف على الموضع قبل ذكر الخبر؟ قيل: اختلف
النحويون في ذلك؛ فذهب أهل البصرة2 إلى أنه لا يجوز ذلك على الإطلاق،
وذلك لأنك إذا قلت: "إنك وزيد قائمان" وجب أن يكون /زيد/3 مرفوعًا
بالابتداء، ووجب أن يكون عاملاً في خبر زيد، وتكون "إن" عاملة في خبر
الكاف، وقد اجتمعا معًا، وذلك لا يجوز؛ وأمّا الكوفيون فاختلفوا /في
ذلك/4؛ فذهب الكسائي إلى أنه يجوز ذلك على الإطلاق؛ سواء تبين فيه عمل
"إن" أو لم يتبين؛ نحو: "إن زيدًا وعمرو قائمان، وإنك وبكر منطلقان".
وذهب الفراء إلى أنه لا يجوز ذلك إلا في ما لم5 يتبين فيه عمل "إن"
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ
هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى} 6 فعطف الصابئين على موضع إن
قبل تمام الخبر؛ وهو قوله: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}
ومما حكي عن بعض العرب أنه قال: "إنك وزيد ذاهبان"، وقد ذكره سيبويه في
الكتاب.
والصحيح: ما ذهب إليه البصريون. وما استدل7 به الكوفيون، فلا حُجَّة
__________
1 سقطت من "ط".
2 في "س" البصريون.
3 زيادة من "س".
4 سطقت من "س".
5 في "س" مالا.
6 س: 5 "المائدة، ن: 69، مد".
7 في "ط" استدلوا؛ والصواب ما أثبتناه من "س" لأنه لا يلتقي فاعلان
لفعل واحد كما هو معلوم.
(1/124)
لهم فيه، وأما قوله تعالى: {إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} فلا حُجَّة
لهم فيه من وجهين:
أحدهما: أنَّا نقول: في الآية تقديم وتأخير؛ والتقدير فيه1: إن الذين
آمنوا والذين هادوا ومن آمن بالله واليوم الآخر، فلا خوف عليهم ولا هم
يحزنون، والصابئون والنصارى كذلك.
والوجه الثاني: أن تجعل2 قوله: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ} خبر الصابئين والنصارى، وتضمر للذين آمنوا والذين هادوا
/خبرًا/3 مثل الذي أظهرت للصابئين والنصارى، ألا ترى أنك تقول: "زيد
وعمرو قائم" فتجعل: قائمًا خبرًا لعمرو، وتضمر لزيد خبرًا آخر مثل الذي
أظهرتَ لعمرو، وإن شئت جعلته خبرًا لزيد، وأضمرت لعمرو خبرًا؛ كما قال
الشاعر4: [الوافر]
وإلا فاعلموا أنَّا وأنتم ... بُغَاةٌ ما بقينا في شقاق5
وإن شئت جعلت قوله "بغاة" خبرًا للثاني، وأضمرت للأول خبرًا، وإن شئت
جعلته خبرًا للأول، وأضمرت للثاني خبرًا على ما بينّا.
وأما قول بعض العرب "إنك وزيد ذاهبان" فقد ذكره 6 سيبويه أنه غلط من
بعض العرب، وجعله بمنزلة قول الشاعر7: [الطويل]
بَدَا لِي أَنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ مَا مَضَى ... وَلاَ سَابِقٍ شَيئًا
إِذَا كَانَ جَائِيا
__________
1 في "س" فيها.
2 في "ط" يجعل.
3 سقطت من "ط".
4 الشاعر هو: بشر بن أبي خازم الأسدي، شاعر فحل شجاع من أهل نجد. مات
سنة 92هـ.
5 المفردات الغريبة: بغاة: جمع باغٍ وهو من تجاوز الحد في العدوان.
الشقاق: النزاع والخصومة.
موطن الشاهد: "أنا وأنتم بغاة".
وجه الاستشهاد: جواز كون "بغاة" خبرا لـ "أنتم" على إضمار خبر أنَّا؛
والتقدير: أنا بغاة وأنتم بغاة. وجواز كونه خبرا لـ "أنَّا" على إضمار
خبر أنتم؛ وكلاهما جائز. وأجاز الأعلم الشنتمري أن يكون خبر "أن"
محذوفًا، دل عليه خبر المبتدأ الذي بعدها. وأجاز الفراء وشيخه الكسائي
أن يعطف بالرفع على اسم "إن" قبل أن يذكر الخبر.
6 في "ط" ذكره.
7 الشاعر هو: زهير بن أبي سلمى المزني، شاعر جاهلي حكيم، من المعمرين،
ومن أصحاب المعلقات؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة 13 ق. هـ. الشعر
والشعراء 1/ 137.
موطن الشاهد: "ولا سابق".
وجه الاستشهاد: جر "سابق" عطفًا على خبر ليس "مدرك"؛ لتوهمه أن الخبر
مجرور؛ لكثرة مجيئه مجرورًا بالباء الزائدة؛ ويروى: ولا سابقا، ولا
شاهدَ فيه على هذه الرواية.
(1/125)
فقال: "سابق" بالجر على العطف، وإن كان
المعطوف عليه منصوبًا لتوهم1 حرف الجر فيه؛ وكذلك قول الآخر2: [الطويل]
مَشَائِيمُ لَيسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً ... ولا نَاعِبٍ إلا بِبَينٍ
غُرَابُهَا3
فقال: "ناعب" /بالجر/4 بالعطف على "مصلحين"؛ لأنه توهم أن الباء في
مصلحين موجودة، ثم عطف عليه مجرورًا وإن كان منصوبًا، ولا خلاف أن هذا
نادر، ولا يقاس عليه، فكذلك ههنا؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 في "ط" بالتوهم؛ وما أثبتناه من "س" هو الصواب.
2 الشاعر هو: الأحوص، عبد الله بن محمد الأنصاري، من شعراء العصر
الأموي، كان صاحب نسيب، من طبقة جميل بن معمر، وكان هجاء؛ له ديوان شعر
مطبوع. مات سنة 105هـ. الشعر والشعراء: 1/ 518، وطبقات فحول الشعراء:
1/ 137.
3 المفردات الغريبة: مشائيم: أهل شؤم. ناعب: من نعب الغراب: إذا صاح؛
والمعنى لا يصيح غرابهم إلا بالسوء والفراق.
موطن الشاهد: "ولا ناعب".
وجه الاستشهاد: عطف "ناعب" بالجر على مصلحين لتوهم زيادة الباء في خبر
ليس كما في الشاهد السابق.
4 سقطت من "س".
(1/126)
الباب العشرون: باب
ظننت وأخواتها
[استعمالات ظن وأخواتها]
إن قال قائل: على كم ضرابًا تستعمل /فيه/1 هذه الأفعال؟ قيل: أمّا ظننت
فتستعمل على ثلاثة أوجه:
أحدهما: بمعنى الظن وهو ترجيح أحد الاحتمالين على الآخر.
والثاني: بمعنى اليقين؛ قال الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ
أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 2 /أي:
يوقنون/3 وقال الله تعالى: {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} 4.
وقال الشاعر5: [الطويل]
فقلت لهم: ظنوا بألفي مُدَجَّجٍ ... سَرَاتُهُم في الفارسي المسرَّدِ6
وهذان يتعديان إلى مفعولين.
والثالث: بمعنى التهمة؛ كقوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ
بِضَنِينٍ} 7 في قراءة من قرأ بالظاء؛ أي: بمتهم، وهذا يتعدى 8 إلى
مفعول واحد.
__________
1 زيادة من "س".
2 س: 2 "البقرة: 46، مد".
3 زيادة من "س".
4 س: 18 "الكهف، ن: 53، مك".
5 الشاعر هو: دريد بن الصمة الجشمي البكري من هوازن، كان من الشعراء
الأبطال ومن المعمرين المخضرمين. مات سنة 8هـ.
6المفردات الغريبة: ظنوا: استيقنوا. مدجَّج: الشَّاكُّ في السلاح.
المسرَّد: الدرع المثقبة؛ أو ذات الحلق.
موطن الشاهد: "ظنوا" وجه الاستشهاد: مجيء فعل ظن مفيدًا معنى اليقين لا
الشك.
7 س: 81 "التكوير: 24، مك".
8 في "س" وهذه تتعدّى.
(1/127)
[استعمال خال وحسب]
وأما: "خلت، وحسبت" فتستعملان بمعنى الظن. وأما "زعمت" فتستعمل في
القول عن غير صحة، قال الله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ
لَنْ يُبْعَثُوا} 1.
[استعمال علم]
وأما "علمت" فتستعمل على أصلها، فتتعدى إلى مفعولين، وتستعمل بمعنى:
"عرفت" فتتعدّى إلى مفعول واحد؛ قال الله تعالى: {لا تَعْلَمُهُمْ
نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} 2.
[استعمال رأى]
وأما "رأيت" فتكون من رؤية القلب، فتتعدى إلى مفعولين؛ نحو: "رأيت الله
غالبًا"، وتكون من رؤية البصر، فتتعدى إلى مفعول واحد؛ نحو: "رأيت
زيدًا" أي: أبصرت زيدًا.
[استعمال وجدت]
وأما "وجدت" فتكون بمعنى: علمت، فتتعدّى إلى مفعولين؛ نحو: "وجدت زيدًا
عالِمًا" وتكون بمعنى: أصبت، فتتعدى إلى مفعول واحد؛ نحو: "وجدت الضالة
وجدانًا"، وقد تكون لازمة في نحو قولهم: "وجدت في الحزن وجدًا، ووجدت
في المال وجدًا، ووجدت في الغضب موجدة" وحكى بعضهم: "وجدانًا" قال
الشاعر3: [الوافر]
كِلانَا رَدَّ صَاحِبَه بِغَيظٍ ... عَلَى حَنَق وَوِجْدَانٍ شَدِيدِ4
[علَّة إعمال هذه الأفعال]
فإن قيل: لِمَ أعلمت5 هذه الأفعال، وليست مؤثرة في المفعول؟ قيل:
__________
1 س: 64 "التغابن، ن: 7، مد".
2 س: 9 "التوبة، ن: 101، مد".
3 الشعر هو: صخر الغيّ، وهو صخر بن جعد الخضريّ، من مخضرمي الدولتين؛
الأموية والعباسية؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة 140هـ.
4 موطن الشاهد: "وجدان".
وجه الاستشهاد: مجيء "وجدان" مصدرًا لـ "وجد" التي بمعنى غضب؛ والقياس
أن يأتي المصدر منها -في هذه الحال- موجدة.
5 في "س" فلم عملت.
(1/128)
لأن هذه الأفعال، وإن لم تكن مؤثرة، إلا أن
لها تعلقًا بما عملت فيه، ألا ترى أن قولك: "ظننت" يدل على الظن، والظن
يتعلق بمظنون؟ وكذلك سائرها؛ ثم ليس التأثير شرطًا في عمل الفعل، وإنما
شرط عمله أن يكون له تعلق بالمفعول، فإذا تعلق بالمفعول، تعدّى إليه؛
سواء كان مؤثرًا، أو لم يكن مؤثرًا، ألا ترى أنك تقول: ذكرت زيدًا
فيتعدَّى إلى زيد، وإن لم يكن مؤثرًا فيه، إلا أنه لَمّا كان له به
تعلق عَمِل؛ لأن "ذكرت" تدل على الذكر، والذكر لا بد له من مذكور،
يتعدّى1 إليه، فكذلك ههنا.
[علة تعدي أفعال الظن إلى مفعولين]
فإن قيل: فَلِمَ تعدّت إلى مفعولين؟ قيل: لأنَّها لما كانت تدخل على
المبتدأ والخبر بعد استغنائها بالفاعل، وكل واحد من المبتدأ والخبر، لا
بد له من الآخر، وجب أن تتعدى إليهما.
[خلافهم في جواز اقتصار هذه الأفعال على الفاعل]
فإن قيل: فهل يجوز الاقتصار فيها على الفعل والفاعل؟ قيل: اختلف
النحويون في ذلك؛ فذهب البعض2 إلى أنه يجوز، واستدل عليه بالمثل
السائر، وهو قولهم: "من يَسْمَع يَخَل"، فاقتصر على "يَخل" وفيه ضمير
الفاعل3. وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز، واستدل على ذلك من وجهين:
أحدهما: أنَّ هذه الأفعال، تجاب بما يُجاب به القسم؛ كقوله تعالى:
{وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} 4 فكما لا يجوز الاقتصار على
القسم دون المقسم عليه؛ فكذلك لا يجوز الاقتصار على هذه الأفعال مع
فاعليها دون مفعوليها.
والثاني: أنَّا نعلم أن العاقل لا يخلو من ظن أو علم أوشك، فإذ قلت:
ظننت، أو علمت، أو حسبت، لم تكن فيه فائدة، لأنه لا يَخلو5 عن ذلك.
[عدم جواز استغناء هذه الأفعال على أحد مفعوليها وعلة ذلك]
فإن قيل: فهل يجوز الاقتصار على أحد المفعولين؟ قيل: لا يجوز؛ لأن
__________
1 في "ط" فيتعدى.
2 في "س" بعض النحويين.
3 في "س" فاقتصر على ضمير الفاعل، وهو سهو من الناسخ.
4 س: 41 "فصلت، ن: 48، مك".
5 في "ط" تخلو.
(1/129)
هذه الأفعال داخلة على المبتدأ والخبر،
وكما1 أن المبتدأ، لا بد له من الخبر, والخبر لا بد له من المبتدأ،
فكذلك لا بد لأحد المفعولين من الآخر.
[وجوب إعمال هذه الأفعال حال تقدمها وجواز إلغائها عند توسطها وتأخرها]
فإن قيل: فَلِمَ وجب إعمال هذه الأفعال إذا تقدمت، وجاز إلغاؤها إذا
توسطت وتأخرت؟ قيل: إنما وجب إعمالها إذا تقدمت لوجهين:
أحدهما: أنها إذا تقدمت، فقد وقعت في أعلى مراتبها؛ فوجب إعمالها، ولم
يجز إلغاؤها.
والثاني: أنها إذا تقدمت، دل ذلك على قوة العناية /بها/2؛ وإلغاؤها يدل
على اطِّراحها، وقلة الاهتمام بها؛ فلذلك، لم يجز إلغاؤها مع التقديم؛
لأن الشيء لا يكون معنيًّا به مُطَّرحًا؛ وأما إذا توسطت أو تأخرت،
فإنما جاز إلغاؤها؛ لأن هذه الأفعال لما كانت ضعيفة في العمل، وقد مر
صدر الكلام على اليقين، لم يغير الكلام عما اعتمد عليه، وجعلت /في/3
تعلقها بما قبلها بمنزلة الظرف، فإذا قال: "زيد منطلق ظننت" فكأنه قال:
"زيد منطلق في ظني" وكما4 أن قولك: "في ظني" لا يعمل في ما قبله، فكذلك
ما نزل بمنزلته. وأما من أعملها إذا تأخرت5، فجعلها6 متقدمة في
التقدير، وإن كانت متأخرة في اللفظ مجازًا وتوسعًا؛ غير أن الإعمال مع
التوسط أحسن من الإعمال مع التأخر، وذلك؛ لأنها إذا توسطت، كانت متقدمة
من وجه، /و/7 متأخرة من وجه؛ لأنها متأخرة عن أحد الجزأين، متقدمة على
الآخر، ولا يتم أحد الجزأين إلا بصاحبه، فكانت متقدمة من وجه، ومتأخرة
من وجه، فحسن إعمالها، كما حَسُنَ إلغاؤها؛ وإذا تأخرت عن الجزأين
جميعًا، كانت متأخرة من كل وجه، فكان إلغاؤها أَحْسَنَ من إعمالها؛
لتأخرها، وضعف عملها؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 في "س" فكما.
2 سقطت من "ط".
3 سقطت من "س".
4 في "س" فكما.
5 في "س" تقدمت، وهو سهو من الناسخ.
6 في "س" فقدّرها.
7 سقطت من "س".
(1/130)
|