أسرار العربية

الباب الحادي والعشرون: باب الإغراء
[علة قيام بعض الظروف والحروف مقام الفعل]
إن قال قائل: لِمَ أقيم بعض الظروف والحروف مُقام الفعل؟ قيل: طلبًا للتخفيف؛ لأن الأسماء، والحروف أخف من الأفعال، فاستعملوها1 بدلاً عنها طلبًا للتخفيف.
فإن قيل: فَلِمَ كثر في "عليك وعندك ودونك" خاصة؟ قيل: لأن الفعل إنما يضمر إذا كان عليه دليل من مشاهدة حال، أو غير ذلك، فلما2 كانت "على" للاستعلاء، والمستعلي يُشاهد من تحته، و"عند" للحضرة، ومن بحضرتك تشاهده، و"دون" للقرب، ومن بقربك3 تشاهده؛ فصار4 هذا بمنزلة مشاهدة حال تدل عليه، فلهذا أقيمت مُقامَ الفعل.
[علة كون الإغراء للمخاطب دون الغائب والمتكلم]
فإن قيل: فَلِمَ خُصَّ به المخاطب دون الغائب والمتكلم؟ قيل: لأن المخاطب يقع الأمر له بالفعل من غير لام الأمر؛ نحو: قم، واذهب؛ فلا يفتقر إلى لام الأمر، وأما الغائب والمتكلم فلا يقع الأمر لهما إلا باللام؛ نحو: "ليقم زيد، ولأقم معه" فيفتقر إلى لام الأمر؛ فلما أقاموها مقام الفعل؛ كرهوا أن يستعملوها للغائب والمتكلم؛ لأنها تصير قائمة مقام شيئين؛ اللام والفعل، ولم يكرهوا ذلك في المخاطب؛ لأنها تقوم مقام شيء واحد، وهو الفعل؛ وأما قوله عليه السلام: "ومن لم يستطع /منكم/5 الباءة فعليه بالصوم6، فإنه له
__________
1 في "ط" واستعملوها.
2 في "س" ولَمّا.
3 في "س" بقربٍ منك.
4 في "ط" صار.
5 سقطت من "س".
6 في "ط" الصّوم.

(1/131)


الباب الحادي والعشرون: باب الإغراء
[علة قيام بعض الظروف والحروف مقام الفعل]
إن قال قائل: لِمَ أقيم بعض الظروف والحروف مُقام الفعل؟ قيل: طلبًا للتخفيف؛ لأن الأسماء، والحروف أخف من الأفعال، فاستعملوها1 بدلاً عنها طلبًا للتخفيف.
فإن قيل: فَلِمَ كثر في "عليك وعندك ودونك" خاصة؟ قيل: لأن الفعل إنما يضمر إذا كان عليه دليل من مشاهدة حال، أو غير ذلك، فلما2 كانت "على" للاستعلاء، والمستعلي يُشاهد من تحته، و"عند" للحضرة، ومن بحضرتك تشاهده، و"دون" للقرب، ومن بقربك3 تشاهده؛ فصار4 هذا بمنزلة مشاهدة حال تدل عليه، فلهذا أقيمت مُقامَ الفعل.
[علة كون الإغراء للمخاطب دون الغائب والمتكلم]
فإن قيل: فَلِمَ خُصَّ به المخاطب دون الغائب والمتكلم؟ قيل: لأن المخاطب يقع الأمر له بالفعل من غير لام الأمر؛ نحو: قم، واذهب؛ فلا يفتقر إلى لام الأمر، وأما الغائب والمتكلم فلا يقع الأمر لهما إلا باللام؛ نحو: "ليقم زيد، ولأقم معه" فيفتقر إلى لام الأمر؛ فلما أقاموها مقام الفعل؛ كرهوا أن يستعملوها للغائب والمتكلم؛ لأنها تصير قائمة مقام شيئين؛ اللام والفعل، ولم يكرهوا ذلك في المخاطب؛ لأنها تقوم مقام شيء واحد، وهو الفعل؛ وأما قوله عليه السلام: "ومن لم يستطع /منكم/5 الباءة فعليه بالصوم6، فإنه له
__________
1 في "ط" واستعملوها.
2 في "س" ولَمّا.
3 في "س" بقربٍ منك.
4 في "ط" صار.
5 سقطت من "س".
6 في "ط" الصّوم.

(1/132)


الفعل، ولم يظهر لدلالة ما تقدم عليه من قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} 1 الآية2.
لأن في ذلك دلالة على أن ذلك مكتوب3 عليهم، فنصب "كتاب /الله/"4 على المصدر؛ كقوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ} 5 فنصب: "صنع الله" على المصدر بفعل مقدر، دل عليه ما قبله6؛ /ونحو ذلك قول/7 الشاعر8: [الطويل]
دَأَبْتُ إلى أن ينبت الظّل بَعْدَمَا ... تَقَاصَر حتّى كَادَ في الآلِ يَمْصَحُ
وَجيفَ المطايا، ثُمّ قُلتُ لِصُحْبَتِي ... وَلَمْ ينزلوا: أبردتم فتروّحوا9
فنصب "وجيف" بفعل دلّ عليه ما تقدم. وأما البيت الذي أنشدوه، فلا حُجَّة /لهم/10 فيه من وجهين:
أحدهما: أن قوله "دلوي دونكا" في موضع رفع؛ لأنه خبر مبتدأ مقدر؛ والتقدير فيه؛ هذا دلوي دونكا، والثاني: أنّا نسلم أنه في موضع
__________
1 س: 4 "النساء، ن: 23، مد".
2 سقطت من "س".
3 في "س" المكتوب.
4 سقطت من "س".
5 س: 27 "النمل، ن: 88، مك".
6 لأن التقدير: صنع صُنعًا الله؛ فحذف الفعل "صنع" وأضيف المصدر "صنعًا" إلى الفاعل لفظ الجلالة كإضافته إلى المفعول؛ فجاءت: صُنْعَ الله.
7 في "ط" قال.
8 الشاعر هو: الرّاعي النميري، أبو جندل، عبيد بن حصين، من بني نمير، كان سيّدًا في قومه، وسمي بالراعي؛ لأنه أكثر من وصف راعي الإبل في شعره؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة 90هـ. طبقات ابن سلام 1/ 502.
9 المفردات الغريبة: الآل: السراب. يمصح: يذهب وينقطع.
وجيف المطايا: ضرب من سير الإبل والخيل. أبردتم: دخلتم في آخر النهار. تروحوا: الرواح الذهاب، أو السير بالعشي؛ والمراد: حان وقت مبيتكم واستراحتكم.
موطن الشاهد: "وجيف المطايا".
وجه الاستشهاد: انتصاب "وجيف" على المصدر المؤكد لمعنى قوله: "دأبت"؛ لأنه بمعنى: واصلت السير، وأوجفت المطي؛ أي: سمتها الوجيف، وهو سَير سريع.
10 سقطت من "س".

(1/133)


نصب، /و/1 لكن بإضمار فعل؛ والتقدير فيه: "خذ دلوي دونك" ودونك تفسير لذلك /الفعل المقدر/2؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 سقطت من "ط".
2 زيادة من إحدى النسخ، وفي "س" لذلك المصدر.

(1/134)


الباب الثاني والعشرون: باب التحذير
[علة التكرار في التحذير]
إن قال قائل: ما وجه التكرير إذا أرادوا التحذير في نحو قولهم: "الأسد الأسد"؟ قيل: لأنهم أرادوا أن يجعلوا أحد الاسمين قائمًا مُقام الفعل الذي هو "احذر" ولهذا، إذا كرَّروا، لم يجز إظهار الفعل، وإذا حذفوا أحد الاسمين؛ جاز إظهار الفعل؛ فدل على أن أحد الاسمين قائم مقام الفعل.
[الاسم الأول يقوم مقام الفعل]
فإن قيل: فأيّ الاسمين أولى بأن يقوم مقام الفعل؟ قيل: أولى الاسمين بأن يقوم مقام الفعل هو الأول؛ لأن الفعل يجب أن يكون مقدّمًا على الاسم الثاني؛ لأنه مفعول، فكذلك الاسم الذي يقوم مقام الفعل، ينبغي أن يكون مقدَّمًا.
[علة انتصاب الاسم في التحذير]
فإن قيل: فَلِمَ انتصب قولهم: "إياكَ والشرَّ" قيل: لأن التقدير فيه: ("إياك احذر" فإياك: منصوب باحذر، والشر معطوف عليه، وقيل: أصله) 1: "إياك2 احذر من الشر" فموضع الجار والمجرور النصب، فلما حذف حرف الجرِّ3، صار النصب في ما بعده.
[علَّة تقدير الفعل بعد إياك]
فإن قيل: فَلِمَ قدروا الفعل بعد "إياك" ولم يقدروه قبله؟ قيل: لأن "إياك"
__________
1 سقطت من "س".
2 في "ط" احذر إياك؛ والصواب ما أثبتنا من "س".
3 في "ط" الجارّ.

(1/135)


ضمير المنصوب المنفصل، فلا1 يجوز أن يقع الفعل قبله؛ لأنك لو أتيت به قبله؛ لم يجز أن تأتي به بلفظه؛ لأنك تقدر على ضمير المنصوب المتصل؛ وهو الكاف؛ ألا ترى أنك لو قلت: "ضربت إياك" لم يجز؟ لأنك تقدر على أن تقول: "ضربتك"؛ فأما قول الشاعر2: [الرجز]
إليكَ حتّى بَلَغَتْ إيَّاكَا
فشاذٌ، لا يقاس عليه.
[علة عدم استعمال الفعل مع إياك]
فإن قيل: فَلِمَ لم يستعملوا لفظ الفعل مع "إياك" كما استعملوه3 مع غيره؟ قيل: إنما خصت "إياك" بهذا؛ 4 لأنها لا تكون إلا في موضع نصب؛ لأنها ضمير المنصوب المنفصل، فصارت5 بنية لفظه، تدل على كونه مفعولاً، فلم يستعملوا معه لفظ الفعل، بخلاف غيره من الأسماء؛ فإنه يجوز أن يقع مرفوعًا، ومنصوبًا، ومجرورًا، إذ ليس في بنية لفظه ما يدل على كونه مفعولاً، فاستعملوا معه لفظ الفعل؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 في "ط" ولا.
2 الشاعر هو: حميد الأرقط، وهو حميد بن مالك بن ربعي، من تميم؛ وقيل: من ربيعة؛ لقب بالأرقط لآثار كانت في وجهه؛ وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، وكان معاصرًا للحَجّاج. معجم الأدباء 11/ 14، وخزانة الأدب 5/ 395.
موطن الشاهد: "إياك".
وجه الاستشهاد: وضع "إياك" موضع "الكاف" ضرورة؛ وذلك شاذٌ، ولا يقاس عليه كما جاء في المتن.
3 في "ط" يستعملوه، وهو سهو من الناسخ، أو الطابع.
4 في "ط" بهذه.
5 في "س" فصار.

(1/136)


الباب الثالث والعشرون: باب المصدر
[علَّة انتصاب المصدر]
إن قال قائل: لِمَ كان المصدر منصوبًا؟ قيل: لوقوع الفعل عليه؛ وهو المفعول المطلق.
[اشتقاق الفعل من المصدر أو العكس وخلافهم في ذلك]
فإن قيل: هل الفعل مشتق من المصدر، أو المصدر مشتق من الفعل؟ قيل: اختلف النحويون في ذلك؛ فذهب البصريون إلى أن الفعل مشتق من المصدر، واستدلوا على ذلك من سبعة أوجه:
[أدلة البصريين في كون الفعل مشتق من المصدر]
الوجه الأول: أنه يُسمَّى مصدرًا؛ والمصدر هو الموضع الذي تصدر عنه الإبل؛ فلَمَّا سُمّي مصدرًا؛ دل على أنه قد صدر عنه الفعل.
والوجه الثاني: أن المصدر يدل على زمان مطلق؛ والفعل يدل على زمان معين، فكما1 أن المطلق أصل للمقيد، فكذلك المصدر أصل للفعل.
والوجه الثالث: أن الفعل يدلّ على شيئين؛ والمصدر يدل على شيء واحد، قبل الاثنين؛ فكذلك يجب أن يكون المصدر قبل الفعل.
والوجه الرّابع: أن المصدر اسم، وهو يستغني عن الفعل، والفعل لا بد له من الاسم، وما يكون مفتقرًا إلى غيره، ولا يقوم بنفسه، أولى بأن يكون فرعًا مما لا يكون مفتقرًا إلى غيره.
والوجه الخامس: أن المصدر لو كان مشتقًّا من الفعل؛ لوجب أن يدلَّ على ما في الفعل من الحدث والزمان ومعنى ثالث، كما دلت أسماء الفاعلين
__________
1 في "س" وكما.

(1/137)


والمفعولين على الحدث، وعلى ذات الفاعل، والمفعول به، فلمّا لم يكن المصدر كذلك؛ دلّ على أنه ليس مشتقًّا من الفعل.
والوجه السادس: أن المصدر لو كان مشتقًّا من الفعل؛ لوجب أن يجري على سنن واحد، ولم يختلف، كما لم تختلف أسماء الفاعلين والمفعولين؛ فلمّا اختلف المصدر اختلاف سائر الأجناس؛ دلّ على أن الفعل مشتق منه.
والوجه السابع: أن الفعل يتضمّن المصدر، والمصدر لا يتضمّن الفعل، ألا ترى أن "ضَرَبَ" يدل على ما يدل عليه "الضَّرْب"؛ و"الضَّرْب" لا يدل على ما يدل عليه "ضَرَبَ"1 وإذا كان كذلك؛ دل على أن المصدر أصل، والفعل فرع /عليه/2، وصار هذا كما نقول في الأواني المصوغة من الفِضَّة؛ فإنها فرع عليها، ومأخوذة منها؛ وفيها زيادة ليست في الفضة، فدل على أن الفعل مأخوذ من المصدر، كما كانت الأواني مأخوذة من الفضة.
[أدّلة الكوفيين في كون المصدر مأخوذ من الفعل]
وأما الكوفيون فذهبوا إلى أن المصدر مأخوذ من الفعل، واستدلوا على ذلك من ثلاثة أوجه:
/ الوجه /3 الأول: أن المصدر يعتل لاعتلال4 الفعل، ويصح لصحته؛ تقول: "قمت قيامًا" فيعتل المصدر لاعتلال الفعل، وتقول: "قاوم قوامًا" فيصح المصدر لصحة الفعل؛ فدل على أنه فرع عليه.
والوجه الثاني: أن الفعل يعمل في المصدر، ولا شك أن رتبة العامل قبل رتبة المعمول.
والوجه الثالث: أن المصدر يذكر توكيدًا للفعل، ولا شك أن رتبة المؤكَّد قبل رتبة المؤكِّد؛ فدل على أن المصدر مأخوذ من الفعل.
[تفنيد مزاعم الكوفيين]
والصحيح: ما ذهب إليه البصريون، وأما5 ما استدل به الكوفيون ففاسد. أما قولهم: إنه يَصِحّ لِصِحَّةِ الفعل، ويعتل لاعتلاله؛ فنقول: إنما صح لصحته، واعتل لاعتلاله، طلبًا للتشاكل؛ ليجري الباب على سنن واحد؛
__________
1 في "س" ضربت.
2 سقطت من "س".
3 سقطت من "س".
4 في "س" كاعتلال.
5 في "س" وما.

(1/138)


لئلا تختلف طرق تصاريف الكلمة، وهذا لا يدل على الأصل والفرع، ألا ترى أنهم قالوا: "يَعِدُ" والأصل /فيه/1: "يَوْعِدُ" فحذفوا الواو؛ لوقوعها بين ياء وكسرة، وقالوا: "أَعِدُ، ونَعِدُ، وتَعِدُ" فحذفوا الواو -وإن لم تقع بين ياء وكسرة حملاً على "يَعِدُ" لئلا تختلف طرق تصاريف الكلمة، وكذلك قالوا: "أُكْرِمُ" والأصل فيه "أُأَكْرِمُ" إلا أنهم حذفوا إحدى الهمزتين استثقالاً لاجتماعهما، ثم قالو: "يُكرم، وتُكرم، ونُكرم" فحذفوا الهمزة، وإن لم تجتمع2 همزتان حملاً على "أكرم" ليجري الباب على سنن واحد؟ فكذلك3 ههنا. وأما قولهم: إن الفعل يعمل في المصدر، فنقول: هذا لا يدل على أنه أصل له، فإنَّاأجمعنا على أن الحروف تعمل في الأسماء، والأفعال، ولا شك أن الحروف ليست أصلاً للأسماء، والأفعال؛ فكذلك ههنا. وأما قولهم: إن المصدر يذكر تأكيدًا للفعل، فنقول: هذا لا يدل على أنه فرع عليه، ألا ترى أنك تقول: "جاءني زيد /زيد/4، ورأيت زيدًا زيدًا" ولا يدل هذا على أن زيدًا الثاني فرع على الأول؛ فكذلك ههنا، وقد بيّنا هذا مستوفىً في المسائل الخلافيّة5.
[علة انتصاب أفعل المضاف إلى المصدر]
فإن قيل: فَلِمَ6 كان قولهم: "سرت أشد السير" منصوبًا على المصدر؟ قيل: لأن "أفعل" لا يضاف إلا إلى ما هو بعض له، وقد أضيف إلى المصدر الذي هو السير، فلما أضيف إلى المصدر، كان مصدرًا؛ فانتصب انتصاب المصادر كلها.
[انتصاب المصدر القرفصاء ونحوه]
فإن قيل: فعلى ماذا ينتصب قولهم: "قَعَدَ القُرفصاءَ" ونحوه؟ قيل: ينتصب على المصدر بالفعل الذي /هو/7 قبله؛ لأن القرفصاء لما كانت نوعًا من القعود، والفعل الذي هو "قعد" يتعدى إلى جنس القعود الذي يشتمل على القرفصاء؛ وغيرها؛ تعدّى إلى القرفصاء الذي هو8 نوع منه؛ لأنه إذا عمل في
__________
1 سقطت من "ط".
2 في "ط" يجتمع.
3 في "ط" وكذلك.
4 سقطت من "س".
5 راجع: الإنصاف في مسائل الخلاف، 1/ 144-152.
6 في "س" لِمَ.
7 سقطت من "س".
8 في "س" التي منها.

(1/139)


الجنس، عمل في النَّوع، إذا كان داخلاً تحته؛ هذا مذهب سيبويه، وذهب أبو بكر بن السَّرَّاج إلى أنه صفة لمصدر /موصوف/1 محذوف؛ والتقدير فيه: "قَعَدَ القعدةَ القرفصاء" إلا أنه حذف الموصوف، وأقام الصفة مقامه؛ والذي عليه الأكثرون مذهب سيبويه؛ لأنه لا يفتقر إلى تقدير موصوف، (وما ذهب إليه ابن السَّراج يفتقر إلى تقدير موصوف) 2، وما لا يفتقر إلى تقدير /موصوف/3 أولى مما يفتقر إلى تقدير /موصوف/3، فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 سقطت من "ط".
2 سقطت من "س".
3 سقطت من "س".

(1/140)


الباب الرابع والعشرون: باب المفعول فيه
[تعريف المفعول فيه]
إن قال قائل: ما المفعول فيه؟ قيل: هو الظرف، وهو كلُ اسم من أسماء المكان، أو الزمان، يُراد فيه معنى "في" /و/1 ذلك نحو: "صمت اليوم، وقمت الليلة، وجلست مكانك" والتقدير فيه: "صمت في اليوم، وقمت في الليلة، وجلست في مكانك" وما أشبه ذلك.
[علة تسمية المفعول فيه ظرفًا]
فإن قيل: فَلِمَ سُمّي ظرفًا؟ قيل: لأنه لما كان محلاً للأفعال، سُمّي ظرفًا، تشبيهًا بالأواني التي تحلُ الأشياء فيها؛ ولهذا، سَمَّى الكوفيُون الظروف "محالّ"؛ لحلول الأشياء2 فيها.
[علّة عدم بناء الظُروف]
فإن قيل: فلِمَ 3 لم يبنوا الظروف لتضمنها معنى الحرف؟ قيل: لأن الظروف وإن نابت عن الحرف، إلا أنها لم تتضمن معناه، والذي يدل على ذلك، أنه يجوز إظهاره مع لفظها، ولو كانت متضمنة للحرف، لم يجز إظهاره، ألا ترى أن "متى، وأين، وكيف" لَمّا تضمنت معنى همزة الاستفهام؛ لم يجز إظهار الهمزة معها؟ فلمّا جاز إظهاره ههنا؛ دل على أنها لم تتضمن معناه، وإذا لم تتضمن معناه؛ وجب أن تكون مُعربة على أصلها.
[علة تعدي الفعل اللازم إلى جميع ظروف الزمان دون المكان]
فإن قيل: فلِمَ تعدّى الفعل اللازم إلى جميع ظروف الزمان، ولم يتعدَّ إلى
__________
1 سقطت من "ط".
2 في "س" الأفعال.
3 في "س" لِمَ.

(1/141)


جميع ظروف المكان؟ قيل: لأن الفعل يدُل على جميع ظروف الزمان بصيغته، كما يدلُّ على/ جميع/ 1 ضروب المصادر، وكما أن الفعل يتعدّى إلى جميع ضروب المصادر، فكذلك يتعدَّى إلى جميع ظروف الزمان، وأما ظروف المكان، فلم يدل عليها الفعل بصيغته، ألا ترى أنك إذا قلت: ضرب، أو سيضرب، لم يدل على مكانٍ دون مكان، كما يكون فيه2 دلالة على زمان دون زمان، فلمّا لم يدل الفعل على ظروف المكان بصيغته؛ صار الفعل اللازم منه بمنزلته من زيد وعمرو، وكما أن الفعل اللازم، لا يتعدَّى بنفسه إلى زيد وعمرو، فكذلك لا يتعدَّى إلى ظروف 3 المكان.
[علة تعدي اللازم إلى الجهات الست ونحوها]
فإن قيل: فلِمَ تعدي إلى الجهات الست، ونحوها من ظروف المكان؟ قيل: لأنها أشبهت ظروف الزمان من وجهين:
أحدهما: أنها مبهمة غير محدودة، وكان هذا اللفظ مشتملاً على جميع ما يقابل ظهره 4 إلى أن تنقطع الأرض؟ (كما أنك إذا قلت: "أمامَ زيد" كان أيضًا غير محدود، وكان هذا اللفظ مشتملاً على جميع ما يقابل وجهه إلى أن تنقطع الأرض) 5، كما أنك إذا قلت: "قام" دل على كل زمان ماضٍ من أول ما خلق الله الدُنيا إلى وقت حديثك، وإذا 6 قلت: "يقوم" دلّ على كل زمان مستقبل.
والوجه الثاني: أن هذه الظروف لا تتقدّر على وجه واحدٍ، لأن فوقًا يصير تحتًا، وتحتًا يصير فوقًا، كما أن الزمان المستقبل يصير حاضرًا، الحاضر يصير ماضيًا، فلما أشبهت ظروف الزمان، تعدي الفعل إليها، كما يتعدّى إلى ظروف الزمان.
[حذف حرف الجرّ اتساعًا]
فإن قيل: فكيف قالوا: "زيد منِّي معقِدَ الإزار، ومقْعَدَ القابلة، ومَنَاطَ الثُّريَّا، وهما خطان جانبي أنفها" يعني الخطين اللذين يكتنفان أنف الظَّبية، وهي
__________
1 سقطت من "س".
2 في "ط" فيها.
3 في "س" ظرف.
4 في "س" وجهه، وهو سهو من الناسخ.
5 سقطت من "س".
6 في "س" فإذا.

(1/142)


كلها مخطوطة 1؟ قيل: الأصل فيها كلها أن تُستعمل بحرف الجر، إلا أنهم حذفوا حرف الجر في هذه المواضع اتساعًا؛ كقول الشاعر2: [الكامل]
فلأبغينَّكم قنًا وعوارضًا ... ولأُقبلَنَّ الخيل لابةَ ضرغد3
وقال الآخر4: [الكامل]
لَدْنٌ بهزِّ الكَفِّ يعسلُ متْنُه ... فيه كَمَا عسل الطَّريقَ الثَّعْلَبُ5
أراد في الطريق، ومن حقها أن تُحفظ 6، ولا يُقاس عليها. فأما قولهم: دخلت البيت؛ فذهب أبو عمر الْجَرميُّ7 إلى أنَّ "دخلت": فعل متعدٍ تعدَّى إلى البيت، فنصبه؛ كقولك: "بنيت البيت" وما أشبه ذلك. وذهب الأكثرون إلى أنَّ "دخلت": فعل لازم/ وقد/ 8 كان الأصل فيه أن يُستعمل مع حرف الجرّ،
__________
1 في "س" مخصوصة.
2 الشاعر هو: عامر بن الطفيل بن مالك من بني عامر بن صعصعة، كان فارسَ قومه، وأحد فتَّاك العرب، وشعرائهم، وساداتهم من أهل نجد، وهو ابن عمّ "لبيد" المشهور. أدرك الإسلام، ولم يُسلم. مات سنة 11 هـ. الشّعر والشعراء 118، والخزانة 471/1.
3 المفردات الغريبة: أَبغينَّكم: أطلبنكم. قنًا وعوارضًا: مكانان معروفان. لأُقبِلَنَّ الخيل: لأستقبلنَّها. اللابة: الحرة وما اشتد من الأرض. ضرغد: اسم جبل.
موطن الشاهد: "لأبغينكم قنًا".
وجه الاستشهاد: انتصاب "قنًا" و"عوارضًا" بحذف حرف الجر للضرورة؛ لأنهما مكانان مختصان، لا يُنصبان نصب الظروف.
4 القائل هو: ساعدة بن جؤية الهذلي، شاعر من مخضرمي الجاهلية والإسلام.
5 المفردات الغريبة: لدن: ليِّن. يعسل: يعدو؛ والعسلان: عدو الذئب؛ والمراد: يعسل في عدوته هذه. كما عسل الطريق: أي كما عسل في الطريق الثعلب؛ فهو يصف رمحه باللين، وعدم الصلابة والخشونة.
موطن الشاهد: "عسل الطريق".
وجه الاستشهاد: حذفُ حرف الجر في "المقدر"، وانتصاب "الطريق" بعد حذفه؛ لأن الأصل: عسل في الطريق؛ ومثل هذا يُحفظ، ولا يُقاس عليه.
6 في "ط" يُحفظ.
7 الجرميّ: أبو عمر، صالح بن إسحاق الجرمي، أحد علماء النحو، أخذ عن الأخفش، ويونس بن حبيب النَّحوَ، وعن أبي زيد والأصمعيّ اللغةَ. مات سنة 225هـ. البلغة 96، 97، وبغية الوعاة 8/2.
8 سقطت من "س".

(1/143)


(إلا أنه حُذف حرف الجر) 1 اتِّساعًا على ما بيّنَّا؛ وهذا هو الصحيح، والذي يدلُ على أنَّ "دخلت" فعل لازم من وجهين:
أحدهما: أن مصدره/ يجيء/ 2 على "فُعُول" وهو من مصادر الأفعال اللازمة، كقعد قعودًا، وجلس جلوسًا، وأشباه ذلك.
والثاني: /أنَّ/3 نظيره فعل لازم، وهو "غرت" ونقيضه فعل لازم، وهو "خرجت" فيقتضي أن يكون لازمًا (حملاً على نظيره) 4، ونقيضه؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 سقطت من "س".
2 سقطت من "ط".
3 سقطت من "ط".
4 سقطت من "س".

(1/144)