أسرار العربية

الباب الثاني والأربعون: باب الإضافة
[ضربا الإضافة]
إن قال قائل: على كم ضربًا الإضافة؟ قيل: على ضربين؛ إضافة بمعنى "اللام" نحو: "غلام زيد"؛ أي: "غلام لزيد" وإضافة بمعنى "مِنْ" نحو: "ثوب خز"؛ أي: "ثوب مِنْ خز".
[علة حذف التنوين من المضاف وجر المضاف إليه]
فإن قيل: فَلِمَ حذف التنوين من المضاف، وجُر المضاف إليه؟ قيل: أمَّا حذف التنوين؛ فلأنه يدلُ على الانفصال، والإضافة تدلُ على الاتصال، فلم يجمعوا بينهما، ألا ترى أن التنوين يؤذن بانقطاع الاسم وتمامه، والإضافة تدل على الاتصال، وكون الشيء مُتصلاً منفصلاً في حالة واحدة محال؛ وأما جر المضاف إليه؛ فلأن الإضافة لَمّا كانت على ضربين؛ بمعنى اللام، وبمعنى مِنْ، وحُذفَ حرف الجر، قام المضاف مُقامه، فعمل في المضاف إليه الجر، كما يعمل حرف الجر.
[الفارق بين ضربي الإضافة]
فإن قيل: "وجه زيد، ويد عمرو" هذه1 الإضافة هل هي بمعنى اللام، أو بمعنى مِنْ؟ قيل: بمعنى اللام؛ لأن الإضافة التي بمعنى "مِنْ" يجوز أن يكون الثاني وصفًا للأول، ألا ترى أنه يجوز أن تقول في نحو قولك: "ثوبُ خزٍّ: ثوبٌ خزٌّ" فترفع "خزٌّ"؛ لأنه صفة2 لثوب؟ وكذلك ما أشبهه؛ وأما الإضافة بمعنى اللام، فلا يجوز أن يكون الثاني وصفًا للأول، ألا ترى أنك لا تقول في "غلامُ زيدٍ: غلامٌ زيدُ" فلا يجوز أن تجعل زيدًا3 صفة لغلام، كما جاز أن
__________
1 في "س" هل هذه الإضافة بمعنى اللام ...
2 في "س" وصف.
3 في "س" يُجعل زيد.

(1/206)


تجعل خزًّا صفة لثوب؛ فلمَّا وجدنا قولهم: "وجه زيد" لا يجوز أن يكون الثاني وصفًا للأوّل، علمنا أنَّه بمعنى "اللام" لا بمعنى "مِنْ".
[الإضافة غير المحضة وعللها]
فإن قيل: فَلِمَ كانت إضافة1 اسم الفاعل /إذا/2 أُريد به الحال أو الاستقبال، وإضافة الصفة المشبهة باسم الفاعل، وإضافة "أفعَلَ" إلى ما هو بعض له، وإضافة الاسم إلى الصفة، غير محضة في هذه المواضع كلها؟ قيل: أمَّا اسم الفاعل، فإنما كانت إضافته3 غير محضة؛ لأن الأصل في قولك: "مررت برجل ضارب زيد غدًا" /أي/4: "ضاربٍ زيدًا"5 بتنوين ضارب، فلمّا كان التنوين6 -ههنا- مُقدرًا، كانت الإضافة في تقدير الانفصال؛ ولهذا؛ أُجري صفةً7 للنكرة، وأمّا الصفة المشبهة باسم الفعل فإنما كانت إضافتها غير محضة؛ لأن التقدير في قولك: "ممرت برجل حسن الوجه: مررت برجل حسنٍ وجهُهُ" فلما كان التنوين -أيضًا- ههنا مقدرًا؛ كانت إضافته -أيضًا- غير محضة، وأمّا "أفْعَل" الذي يُضاف إلى ما هو بعض له، فإنما كانت إضافته غير محضة؛ لأن التقدير في قولك: "زيد أفضلُ القومِ: زيد أفضلُ من القومِ" فلما كانت "مِنْ" ههنا مقدَّرةً؛ كانت إضافته غير محضة، وأمّا إضافة الاسم إلى الصفة، فإنما كانت غير محضة؛ لأن التقدير في قولك: "صلاة الأولى: صلاة الساعة الأولى" فلما كان الموصوف -ههنا- مُقدَّرًا، كانت الإضافة غير محضة (وإذا كانت غير محضة) 8 لم تفقد التعريف، بخلاف ما إذا كانت محضةً؛ نحو: "غلام زيد" وممّا لم يتعرّف بالإضافة؛ لأنّ إضافته غير محضة قولهم9: "مررت برجلٍ مثلِك وشبهِك"، وما أشبه ذلك، وإنَّما لم يتعرّف بالإضافة؛ لأنها لا تخصُ شيئًا بعينه، فلهذا10، وقعت صفةً للنكرة؛ فاعرفه تُصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 في "ط" إضافته.
2 سقطت من "ط".
3 في "ط" إضافة؛ والصواب ما أثبتنا من "س".
4 زيادة في "ط".
5 في "س" زيد.
6 في "ط" تنوين؛ والصواب ما أثبتنا من "س".
7 في "س" وصفًا.
8 سقطت من "ط".
9 في "ط" كقولهم، والصواب ما أثبتنا من "س".
10 في "س" ولهذا.

(1/207)


الباب الثالث والأربعون: باب التوكيد
[فائدة التوكيد]
إن قال قائل: ما الفائدة في التوكيد؟ قيل: الفائدة في التوكيد التحقيق، وإزالة التجوز في الكلام؛ لأن من كلامهم المجاز، ألا ترى أنهم يقولون: "مررت بزيدٍ" وهم يريدون المرور بمنزله ومحله1، و"جاءني القوم" وهم يريدون بعضهم؟ قال الله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ} 2 وإنماكان جبريل وحده؛ فإذا قلت: "مررت بزيدٍ نفسه" زال هذا المجاز، وكذلك إذا قلت: "جاءني القوم كلُهم" زال هذا المجاز أيضًا؛ قال الله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ} 3 فزال هذا المجاز الذي كان في قوله: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} 4؛ لوجود التوكيد /فيه/5.
[ضربا التوكيد]
فإن قيل: فعلى كم ضرب التوكيد؟ قيل: على ضربين؛ توكيد بتكرير اللفظ، وتوكيد بتكرير المعنى؛ فأما التوكيد بتكرير اللفظ؛ فنحو /قولك/6: "جاءني زيد زيد، وجاءني رجل رجل" وما أشبه ذلك، وأما التوكيد بتكرير المعنى، فيكون بتسعة ألفاظ؛ وهي "نفسه، عينه، كلُه، أجمع، أجمعون، جمعاء، جُمَع، كلا، كلتا".
[علة وجوب تقديم بعض ألفاظ التوكيد على غيرها]
فإن قيل: فَلِمَ وجب تقديم "نفسه، وعينه" على "كلهم، وأجمعين"؟
__________
1 في "س" ومحلته.
2 س: 3 "آل عمران، ن: 39، مد".
3 س: 15 "الحجر، ن: 30، مك"؛ وس: 38 "ص، ن: 73، مك".
4 س: 3 "آل عمران؛ ن: 39، مد".
5 سقطت من "س".
6 زيادة من "س".

(1/208)


قيل: لأنَّ "النفس، والعين" يدلان على حقيقة الشيء، و"كلهم، وأجمعون" يدلان على الإحاطة والعموم، والإحاطة والعموم يدلان على محاطٍ به، فكان فيهما معنى التَّبَع، و"النفس، والعين" ليس فيهما معنى التبع، فكان تقديمها أولى؛ وقدّم "كلهم" على "أجمعين"؛ لأن معنى الإحاطة في "أجمعين" أظهر منه1 في "كلهم"؛ لأنَّ أجمعين من الاجتماع، وكل لا اشتقاق له؛ وأما ما بعد "أجمعين" فتبع لأجمعين2، وإنما كان كذلك3؛ لأنهم كرهوا إعادة /لفظ/4 "أجمعين" فزادوا ألفاظًا بعد "أجمعين" تبعًا له؛ لأنها5 لا معنى لها سوى التبع؛ فلهذا، وجب أن تكون بعد "أجمعين".
[أجمع وجمعاء وجُمع معارف وعلّة ذلك]
فإن قيل: "أجمع، وجمعاء، وجُمع" هل هُنَّ5 معارف أو6 نكرات؟ قيل: هي7 معارف، والذي يدل على ذلك، أنها تكون تأكيدًا للمعارف؛ نحو: "جاء الجيش أجمع، ورأيت القبيلة جمعاء، ومررت بهن جُمع" فلما كانت تأكيدًا للمعارف؛ دل على أنها معارف.
[علة كون الألفاظ السابقة غير مصروفة]
فإن قيل: فَلِمَ كانت غير مصروفة8؟ قيل: أما "أجمع" فللتعريف ووزن الفعل، وأما "جمعاء" فلألف9 التأنيث؛ نحو: "صحراء" وأما "جُمع" فللتعريف والعدل عن جمع10 "جمعاء" وقياسه: "جمع: كحُمر" فَعُدِل وحُرِّك؛ فاجتمع /فيه/11 العدل والتعريف؛ (فلذلك لم ينصرف، والذي عليه الأكثرون هو الأول) 12. وأما "كلا، وكلتا" ففيهما إفراد لفظي، وتثنية معنوية، والذي يدلُّ على ذلك، أنهما تارة يرجع13 الضمير إليهما بالإفراد اعتبارًا
__________
1 في "ط" منها.
2 في "س" زيادة "نحو أكتعين وأبصعين".
3 في "ط" ذلك.
4 سقطت من "س".
5 في "س" لأنه.
6 في "ط" أم، والصواب ما أثبتنا من "س".
7 في "س" لا بل.
8 في "ط" معروفة؛ والصواب ما أثبتنا من "س".
9 في "ط" فلألفي، والصواب ما أثبتنا من "س".
10 في "س" عن جمع بوزن صحاري، وقيل للتعريف والعدل عن جمع "جمعاء".
11 سقطت من "س".
12 سقطت من "ط".
13 في "س" يردّ.

(1/209)


باللفظ, وتارةً بالتثنية اعتبارًا بالمعنى؛ قال الله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} 1 فردّ /الضمير/2 إلى اللفظ فأفرد، ثُمَّ قال الشاعر3: [الطويل]
كلا أخوينا ذو رجالٍ كأنّهُم ... أسُودُ الشَّرى من كُلِّ أغلبَ ضَيغَمِ4
وقال الآخر /وهو الفرزدق/5: [البسيط]
كِلاهُمَا حِينَ جدَّ الجري بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رَاب6
فردّ إلى اللفظ والمعنى؛ فقال: "أقلعا" اعتبارًا بالمعنى، وقال: "راب" اعتبارًا باللفظ، والذي يدلُ على أنَّ الألف فيهما ليست للتثنية أنها لو كانت للتثنية؛ لانقلبت في النصب والجر إذا أُضيفتا إلى المظهر؛ لأن الأصل هو المظهر؛ تقول: رأيت كلا الرجُلين، ومررت بكلا الرجُلين، ورأيت كلتا المرأتين /ومررت بكلتا المرأتين/7 فلو كانت للتثنية؛ لوجب أن تنقلب مع المظهر، فلمَّا لم تنقلب، دلَّ على أنها الألف المقصورة، وليست للتثنية.
وذهب الكوفيون إلى أن الألف فيهما للتثنية، واستدلوا على ذلك بقول الشاعر8: [الزجر]
في كِلتِ رجليها سلامى واحدة ... كلتاهما مقرونة بزائده9
__________
1 س: 18 "الكهف، ن: 33، مك".
2 سقطت من "س".
3 لم يُنسب إلى قائل معين.
4 المفردات الغريبة: الشَّرى: موضع تُنسب إليه الأسود الشرسة. الضَّغم: العض الشديد؛ ومنه سُمي الأسد ضيغمًا.
موطن الشاهد: "كلا أخوينا ذو".
وجه الاستشهاد: إفراد "ذو" في الإخبار عن "كلا" حملاً على اللفظ، وهو الأفضل، والأرجح؛ ولو ثُنَّى "ذو" حملاً على المعنى لجاز.
5 سقطت من "ط". والفرزدق: سبقت ترجمته.
6 المفردات الغريبة: كلاهما: الضمير فيها عائد إلى فرسين تتاسابقان. أقلعا: توقَّفا. رابٍ: منتفخ من الجري.
موطن الشاهد: "كلاهما ... أقلعا، كلا أنفيهما راب".
وجه الاستشهاد: تثنية الضمير العائد إلى "كلا" في الخبر "أقلعا" حملاً على المعنى، وإفراده في "راب" حملاً على اللفظ؛ وكلاهما صحيح، غير أن الحمل على اللفظ لغة القرآن؛ وهو الأرجح، كما أوضحنا.
7 سقطت من "ط".
8 لم يُنسب إلى قائل معين.
9 المفردات الغريبة: السُّلامَى: عظام الأصابع؛ وهو اسم للواحد والجمع أيضًا؛ وتجمع =

(1/210)


فأفرد في قوله "كلت" فدلّ على أن كلتا مثنّى، واستدلوا على ذلك -أيضًا- بأنَّ الألف فيهما1 تنقلب إلى الياء في حال2 النصب والجر إذا أُضيفتا إلى المضمر؛ تقول: "رأيت الرجلين كليهما، ومررت بالرجلين كليهما"، وكذلك تقول: "رأيت المرأتين كلتيهما، ومررت بالمرأتين كلتيهما" ولو كانت الألف المقصورة، لم تنقلب، كألف "عصا" /ونحوها/3. وما ذهب إليه الكوفيون ليس بصحيح، فأما استدلالهم بقول الشاعر /في البيت المتقدم/4: في كلت رجليهما سلامى واحدة، فلا حُجَّة فيه؛ لأنَّه يحتمل أنه حذف الألف لضرورة الشعر؛ وأما قولهم: إنها تنقلب في حال النصب والجر إذا أُضيفت إلى المضمر؛ قلنا إنما قُلبت مع المضمر؛ لأنها أشبهت /ألف/5: "إلى، وعلى، ولدى" فلما أشبهتها؛ قلبت ألفها مع المضمر ياءً، كما قلبت ألف "إلى، وعلى، ولدى" مع المضمر في "إليك، وعليك، ولديك" ووجه المشابهة بينهما6 وبين هذه الكلم، أن هذه الكلم7 (يلزم دخولها على الاسم، وإنما قُلبت في حالة الجر والنصب دون الرّفع؛ لأن هذه الكلم) 8 لها حال النصب والجر وليس لها حال الرفع.
[توكيد النكرات]
فإن قيل: فهل يجوز توكيد النكرة؟ قيل: إن كان التوكيد بتكرير اللفظ جاز توكيد النكرة، كما يجوز توكيد المعرفة؛ نحو: "جاءني رجل رجل" وإن كان التوكيد بتكرير المعنى، فقد اختلف النحويُون في ذلك؛ فذهب البصريون إلى أنه لا يجوز، وذلك؛ لأن كل واحدٍ9 من هذه الألفاظ التي يؤكد بها معرفة، فلا يجوز أن يجري على النكرة تأكيدًا، كما لا يجوز أن يجري عليها
__________
= على السُّلَامَيَات. والبيت في وصف نعامة. وفي "ط" رجليهما، والصواب ما أثبتناه من "س".
موطن الشاهد: "كلتِ رجليها".
وجه الاستشهاد: ذهب الكوفيون إلى أن إفراد "كلتا" في هذا البيت دليل على أن "كلتا" مثنى، والألف فيها ألف التثنية؛ وقد ردَّ المؤلف احتجاجهم هذا في المتن بما يغني عن الإعادة.
1 في "س" فيها.
2 في "س" حالة.
3 سقطت من "س".
4 سقطت من "س".
5 سقطت من "س".
6 في "س" بينها.
7 في "س" الكلمة.
8 سقطت من "ط".
9 سقطت من "ط".

(1/211)


وصفًا. وذهب الكوفيون إلى أنه يجوز، واستدلوا على جوازه بقول الشاعر1: [البسيط]
لكنه شاقه أن قيل ذا رجب ... يا ليت عدَّة حول كله رجب2
فَجَرَّ "كلا" على التوكيد لحول3؛ وهو4 نكرة، واستدلوا -أيضًا- بقول الشاعر 5: [الرجز]
إذا القَعُودُ كَرَّ فيها حَفَدًا ... يومًا جديدًا كُلَّه مُطَرَّدًا 6
فأكد "يومًا"؛ وهو نكرة بـ"كله"، واستدلوا -أيضًا- بقول الآخر7: [الرجز]
قد8 صرت البكرة يومًا أجمعا ... [حتى الضياء بالدجى تقنعا] 9
__________
1 لم يُنسب إلى قائل مُعين.
2 موطن الشاهد: "حول كلّه".
وجه الاستشهاد: استدلَّ الكوفيون بهذا البيت على جواز توكيد النكرة؛ حيث أكد الشاعر "حول" وهي نكرة بـ"كل"؛ ومثل هذا التوكيد شاذّ عند البصريين؛ لأنهم يشترطون اتحاد التوكيد والمؤكد في التعريف. وقد فند المؤلف حجة الكوفيين بإيراده الرواية الثانية للبيت "يا ليت عدة حولي".
3 في "ط" بحول، والصواب ما أثبتنا من "س".
4 في "ط" وهذه.
5 لم يُنسب إلى قائل معين.
6 المفردات الغريبة: القعود من الإبل: ما يقتعده الراعي في حاجاته. الْحَفَد: نوع من سير الإبل. يوم مطرَّد: يوم كامل.
موطن الشاهد: "يومًا جديدًا كُلّه" وجه الاستشهاد: استشهد به الكوفيّون على جواز توكيد النكرة، وقد رَدّ المؤلف في المتن بما يغني عن الإعادة.
7 لم يُنسب إلى قائل مُعين، ورُبما كان مصنوعًا، كما قال بعض البصريين.
8 في "ط" وقد.
9 المفردات الغريبة: صَرَّت: صوّتت. الكبرة: الفتيَّة من الإبل؛ والمعنى: ظلوا يمتحون عليها الماء حتى حل الظلام.
موطن الشاهد: "يومًا أجمعًا".
وجه الاستشهاد: استشهد به الكوفيون على تأكيد النكرة "يومًا" بـ"أجمعا"؛ وهذا البيت لا يصح شاهدًا؛ لكونه مجهول النسبة، وقد يكون موضوعًا. ثم لو صح هذا شاهدًا؛ لكان من باب الشَّاذّ؛ والشاذُّ يحفظ، ولا يُقاس عليه.

(1/212)


وما استدلوا به من هذه الأبيات لا حُجَّة /لهم/1 فيه، أمَّا قول الشاعر: "يا ليت عدة حولٍ كُلِّه رَجَبَا"2.
فالرواية: "يا ليت عدة حولي3 كُلِّه رَجَبَا"4 بالإضافة، وهو معرفة لا نكرة، و"رَجَبَا" منصوب، فإنَّ القصيدة منصوبة. وأما قول الآخر: "يومًا جديد كلّه مُطَرَّدًا" فيحتمل أن يكون تأكيدًا للمضمر في "جديد" والمضمرات لا تكون إلا معارف، وكان هذا أولى؛ لأنه أقرب إليه من اليوم، فعلى هذا يكون الإنشاد بالرفع. وأما قول الآخر: "قد صرّت البكرة يومًا أجمعا" فلا يعرف قائله، فلا تكون فيه حُجّة، ثُمَّ لو صحّت هذه الأبيات على ما رَوَوه5، فلا يجوز الاحتجاج بها؛ لقلتها وشذوذها في بابها، والشاذ لا يُحتجّ به؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 زيادة من "س".
2 في "س" رجب.
3 في "ط" حول، والصواب ما أثبتنا من "س".
4 في "ط" رجب، والصواب ما أثبتنا من "س".
5 في "س" رووا.

(1/213)


الباب الرابع والأربعون: باب الوصف
[الغرض من الوصف]
إن قال قائل: ما الغرض في الوصف؟ قيل: التّخصيص والتفصيل1؛ فإن كان معرفةً، كان الغرض من الوصف التّخصيص؛ لأنَّ الاشتراك يقع فيها2، ألا ترى أنَّ المسمَّين3 يزيد، ونحوه كثير؛ فإذا قال: "جاءني زيد" لم يُعلم أيُهم يريد، فإذا قال: "زيد العاقل، أو العالم، أو الأديب" أوما أشبه ذلك، فقد خصه من غيره؟ وإنْ كان الاسم نكرةً، كان الغرض من الوصف التفصيل1، ألا ترى أنك إذا قلت: "جاءني رجل" لم يعلم أيُ رجل هو، فإذا قلت: "رجل عاقل" فقد فصلته عمَّن4 ليس له هذا الوصف، ولم تخصّه؛ لأنَّا نعني بالتخصيص شيئًا بعينه، ولم يُرَد 5 ههنا.
[موافقة الصفة للموصوف]
فإن قيل: ففي كم /حكمًا/6 تتبع الصفة الموصوف؟ قيل: في عشرة أشياء؛ في رفعة، ونصبه، وجرّه، وإفراده، وتثنيته، وجمعه، وتذكيره، وتأنيثه، وتعريفه، وتنكيره.
[استحالة وصف النكرة بالمعرفة أو العكس]
فإن قيل: فَلِمَ لم توصف المعرفة بالنكرة، والنكرة بالمعرفة، وكذلك سائرها؟ قيل: لأنَّ المعرفة ما خصَّ الواحد من جنسه، والنكرة ما كان شائعًا في
__________
1 في "ط" التَّفضيل.
2 في "س" فيهما.
3 في "س" المسمَّى.
4 في "ط" فضَّلته على من، والصواب ما أثبتنا.
5 في "ط" يريد، ولعلّه غلط طباعيّ.
6 سقطت من "س".

(1/214)


جنسه، والصفة في المعنى هي الموصوف، ويستحيل الشيء الواحد أن يكون شائعًا مخصوصًا، وإذا استحال هذا في وصف المعرفة بالنكرة، والنكرة بالمعرفة، كان في وصف الواحد بالاثنين، و1 الاثنين بالجمع، أشدّ استحالة، وكذلك سائرها.
[العامل في الصفة]
فإن قيل: فما العامل في الصفة؟ قيل: /هو/2 العامل في الموصوف، فإذا قلت3: "جاءني زيد الظَّريفُ" كان العامل فيه: جاءني، وإذا قلت: "رأيت زيدًا الظريفَ" كان العامل فيه: رأيت، وإذا قلت: "مررت بزيدٍ الظريفِ" كان العامل فيه: الباء؛ هذا مذهب سيبويه. وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أن كونه صفة لمرفوع، أوجب له الرفع، وإلى أنَّ كونه صفة لمنصوب، أوجب له النصب، وإلى أنَّ كونه صفة لمجرورٍ، أوجب له الجر؛ والذي عليه الأكثرون هو الأول، وهو مذهب سيبويه؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 في "س" أو.
2 سقطت من "س".
3 في "س" قال.

(1/215)


الباب الخامس والأربعون: باب عطف البيان
[الغرض في عطف البيان]
إن قال قائل: ما الغرض في عطف البيان؟ قيل: الغرض فيه رفع اللبس، كما في الوصف؛ ولهذا، يجب أن يكون أحد الاسمين يزيد على الآخر في كون الشخص معروفًا به؛ ليخصَّه من غيره؛ لأنه لا يكون إلا بعد اسم مشترك، ألا ترى أنك إذا قلت: "مررت بولدك زيد" /فَ/1 قد خصصت ولدًا واحدًا من أولاده، فإن لم يكن له إلا ولدٌ واحدٌ كان بدلاً، ولم يكن عطف بيان؛ لعدم الاشتراك.
[وجه الشبه بين عطف البيان وكل من البدل والوصف]
وعطف البيان يشبه البدل من وجه، ويشبه الوصف من وجه؛ فوجه شبهه للبدل3 أنه اسم جامد، كما أن البدل يكون اسمًا جامدًا، ووجه شبهه للوصف4 أن العامل فيه هو العامل في الاسم الأول؛ والدليل على ذلك أنك تحمله تارةً على اللفظ، وتارة على الموضع؛ فتقول: "يا زيدُ زيدٌ زيدًا" فالرفع على اللفظ، والنصب على الموضع، قال الشاعر5: [الرَّجز]
إني وأسطارٍ سُطِرْنَ سَطْرًا ... لقَائِلٌ يا نصرُ نصرٌ نصرَا
(ويجوز أن يكون "نصرًا" الثالث منصوبًا على المصدر، كأنه قال: انصر نصرًا،6 وهذا باب يترجمه البصريون، ولا يترجمه الكوفيُون؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 سقطت من "ط".
2 في "ط" ولدًا واحدًا.
3 في "س" بالبدل.
4 في "س" بالوصف.
5 الشاعر هو: رؤبة بن العجّاج، وقد سبقت ترجمته، ونسبه بعضهم إلى ذي الرُّمَّة. موطن الشاهد: "يا نصرُ نصرٌ نصرا".
وجه الاستشهاد: عطف "نصر" الثانية، والثالثة عطف بيان على نصر الأولى؛ فرفعت الثانية عطفًا على اللفظ، ونُصبت الثانية عطفًا على المحل؛ وفي البيت أوجه كثيرة لا داعي لذكرها.
6 سقطت من "ط".

(1/216)