(1/243)
المعارف، والذي يدلُّ على؛ أنَّ الضَّمائر
أعرف المعارف، أنَّها لا تفتقر إلى أن توصف كغيرها من المعارف، وهو قول
سيبويه. وذهب بعضهم إلى أن الاسم المبهم أعرفُ المعارف، ثُمَّ المضمر،
ثُمَّ العلم، ثُمَّ ما فيه الألف واللام؛ وهو قول أبي بكر ابن
السَّرَّاج1. وذهب آخرون إلى أن أعرف المعارف الاسم العلم، لأنه في أول
وضعه، لا يكون له مشارك /ب/2, ثُمَّ المضمر، ثُمَّ المبهم، ثُمَّ ما
عُرّف بالألف واللام؛ وهو قول أبي سعيد السِّيرافي3. فأما ما عُرّف
بالإضافة؛ فتعريفه بحسب ما يُضاف إليه من المضمر، والعلم، والمبهم، وما
فيه الألف واللام على اختلاف الأقوال.
[علة بناء الأسماء المضمرة والمبهمة]
فإن قيل: فَلِمَ بُني الاسم المضمر والمبهم دون سائر المعارف؟ قيل:
أمَّا المضمر فإنما بُني؛ لأنَّه أشبه الحرف؛ لأنَّه جُعل دليلاً على
المظهر، فإذا جعل علامة على غيره، أشبه تاء التأنيث /وإذا أشبه تاء
التأنيث/4، فقد أشبه الحرف، وإذا أشبه الحرف، فيجب أن يكون مبنيًّا.
وأمَّا المبهم؛ وهو اسم الإشارة، فإنما بُني؛ لتضمنه معنى حرف الإشارة.
[حرف الإشارة مُضمر غير منطوق به]
فإن قيل: أين حرف الإشارة؟ قيل: حرف الإشارة وإن لم ينطقوا به، إلا أن
القياس كان يقتضي أن يُوضع له حرف كغيره من المعاني كالاستفهام،
والشَّرط، والنفي، والنهي، والتمني، والترجي، والعطف، والنداء،
والاستثناء، إلى غير ذلك، إلا أنهم /لَمَّا/5 لم ينطقوا به، وضمّنوا
معناه اسم الإشارة، وإن لم يُنطق6 به؛ وجب أن يكون مبنيًّا؛ فاعرفه
تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 سبقت ترجمته.
2 سقطت من "س".
3 سبقت ترجمته.
4 سقطت من "ط".
5 سقطت من "ط".
6 في "س" ينطقوا.
(1/244)
الباب الرَّابع والخمسون: باب جمع
التَّكسير
[عِلَّة جمع فَعْل في القلة على أَفْعُل]
إن قال قائل: لِمَ جمع "فَعْل" -بفتح الفاء، وسكون العين- في القلة على
"أفْعُل"، وسائل أوزان الثلاثي، وهي "فِعْل، فَعْل، فَعَل، فَعِل،
فُعْل، فِعَل، فُعَل، /فُعُل/1" تُجمع على: "أفْعَال"؟ قيل: لأنَّ
"فَعْلا" أكثر استعمالاً من غيره، ومن2 سائر الأوزان، و"أفعُل" أخفُّ
من "أفعال" فأعطوا ما يكثر استعماله الأخفَّ، وأعطوا ما يقلُّ استعماله
الأثقلَ؛ ليعادلوا بينهما؛ فأمَّا قولهم: "فَرْخ وأَفْرَاخ، وأنف
وآناف، وزَنْد وأَزْناد" في حروف معدودة فشاذٌّ، لا يقاس عليه، على
أنهم قد تكلموا عليها، فقالوا: إنما قالوا في جمع: فرخ: أفراخ؛ لوجهين:
أحدهما: أنهم حملوه على معنى "طيْر"؛ فكما قالوا على جمع: طَيْر:
أطيار؛ فكذلك، قالوا في جمع: فرْخ: أفراخ؛ لأنَّه في معناه.
والوجه الثاني: أنَّ فيه الرَّاء؛ وهو3 حرف تكرير فينزل التَّكرير فيها
بمنزلة الحركة؛ فصار بمنزلة "فَعَل" بفتح العين؛ فجمع على "أفعال"
كـ"جبل: وأجبال، وجمل: وأجمال"؛ قال الشاعر4: [البسيط]
ماذا تقولُ لأفراخٍ بذي مرخٍ ... زُغْب الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ
ألقيتَ كاسِبَهُم في قَعْرِ مَظْلَمةٍ ... فاغفِر عليك سلامُ الله يا
عمرُ5
__________
1 سقطت من "ط".
2 في "س" ومن.
3 في "س" وهي.
4 الشاعر هو: الحطيئة، أبو مليكة، جرول بن أوس، كان شاعرًا من مخضرمي
الجاهلية والإسلام، وكان هجاءً مرًّا، لم يسلم أحد من لسانه حتى أمه،
وزوجه، ونفسه؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة 30هـ. الأعلام 59/3.
5 المفردات الغريبة: أفراخ: جمع فرخ، وهو صغير الطيور الذي لا يستطيع
الطيران.
وعنى بالأفراخ -هنا- أطفاله الصّغار. ذي مرخ: اسم موضع. زغب الحواصل:
كناية عن جوعهم، وصغر سنِّهم. وهذان البيتان قالهما الحطيئة وهو في سجن
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لَمَّا سجنه بسبب هجائه للزَّبرقان بن
بدر؛ فرقّ له أمير المؤمنين، ونهاه عن هجاء النَّاس، وأخلى سبيله.
موطن الشاهد: "أفراخ".
وجه الاستشهاد: مجيء "أفراخ" على وزن "أفعال" وقد بَيَّنَ المؤلف في
المتن سبب ذلك.
(1/245)
وأما "أنف" فإنما جمعه على "أفعال" فقالوا1
"آناف"؛ لأنَّ فيه2 النون؛ والنون فيها غُنَّة، فصارت الغنَّة فيها
بمنزلة الحركة، فصار بمنزلة "فَعَل" فجمع على "أَفْعَال" وأمَّا
"زَنْد" فإنما جُمع على "أَفعال"، فقالوا: "أزناد" لوجهين:
أحدهما: لما ذكرنا أن النون فيها غُنَّة، فصارت كأنَّها متحرِّكة.
والوجه الثاني: أن "زندًا" في معنى "عود" و"عود" يجمع على "أعواد"،
فكذلك ما كان في معناه.
[علة جمع فعل على أفعال]
فإن قيل: فَلِمَ3 جمع "فَعْلاً" إذا كانت عينة ياءً أو واوًا على
"أفعال" ولم يجمعوه على "أَفْعُل"؟ قيل: لأنَّهم لو جمعوه على "أَفعُل"
على قياس الصحيح؛ لأدَّى ذلك إلى الاستثقال، ألا ترى أنَّك لو قلت في
جمع "بَيْت: أَبْيُت"4، وفي جمع "عود: أعود"5 لأدَّى ذلك إلى ضم الياء
والواو، والياء تستثقل عليها الضمة؛ لأنها معها بمنزلة ياء وواو، وكذلك
الواو -أيضًا- تُستثقل عليها الضمة أكثر من الياء؛ لأنها معها بمنزلة
واوين، فلمَّا كان ذلك مستثقلاً؛ عدلوا عنه إلى "أَفْعَال".
[علة جمعهم بين فِعَال وفُعُول في جمع الكثرة]
فإن قيل: فَلِمَ جمعوا بين "فِعال، وفُعُول" في جمع الكثرة قيل:
لاشتراكهما في عدد الحروف، وإن كان في أحدهما حرف ليس في الآخر.
[عِلَّة الصياغة في جمع التكسير]
فإن قيل: فَلِمَ خصّوا في جمع التكسير ما كان على "فَعْل" مما عينه واو
__________
1 في "ط" قالوا.
2 في "ط" فيها.
3 في "س" وَلِمَ.
4 في "س" شيخ أَشيخ.
5 في "س"، أعواد، والصَّواب ما في المتن.
(1/246)
بـ "فِعال"؛ نحو: "ثوب: وثياب" وما1 عينه
ياء بـ"فُعُول"؛ نحو: "شيخ: وشُيُوخ" وهلَّا عكسوا؟ قيل: إنَّما لم
يجمعوا ما كان من ذوات الواو على "فُعُول"؛ لأنَّه كان يؤدي إلى
الاستثقال، ولا يؤدي إلى ذلك إذا2 جمع على "فِعَال" ألا ترى أنَّه لو
جمع على "فُعول"؛ لكان يؤدي إلى اجتماع واوين وضَمَّة؛ نحو "ثُووُب،
وحُووض" وذلك مستثقل لاجتماع واوين /وضَمَّة/3 وجوَّزوا ذلك في الياء؛
لأنَّها أخف من الواو، فكذلك خصّوا ما كان عينه واوًا بـ "فِعَال"، وما
كان عينه ياء بـ"فُعُول".
[فَعْل وأَفْعُل]
فإن قيل: فمن أين زعمتم أنَّ "أفْعُلا" لا يكون إلا في جمع "فَعْل"؛
وقد قالوا: "زَمَن: وأَزْمُن" فجمعوا "فَعَلاً" بفتح العين على
"أَفْعُل"؟ قيل: إنَّما قالوا: "زَمَن وأَزْمُن" وإن كان القياس يوجب
أن يقال: "أزمان" إلا أنَّه لَمَّا كان "زمن" في معنى "دَهْر" و"دَهْر"
يجمع على "أَدْهُر" فكذلك -أيضًا- جمعوا زمنًا على "أَزْمُن"؛ لأنَّه
في معناه؛ كقوله4: [الطويل]
أَمَنْزِلَتَيْ مَي سلام عليكما ... هل الأَزْمُن اللَّائي مضين رواجعُ
[عِلَّة جمع فُعْل على فِعْلان]
فإن قيل: فَلِمَ جُمِعَ ما جاء على "فُعْل" في الأغلب على "فِعلان"؟
قيل: لأنَّ "فُعْلاً" مقصور من "فُعال" وما كان على "فُعَال" فإنه
يُجمع على "فِعْلَان"؛ نحو: "غُراب وغِربان، وعُقاب وعِقبان" وكذلك5 ما
كان مقصورًا منه يجمع على "فِعلان".
[علة تحريك عين فَعْلة في الجمع]
فإن قيل: فَلِمَ وجب تحريك العين في "فَعْلة" بفتح الفاء وسكون العين
في
__________
1 في "ط" ومما.
2 في "ط" إذ.
3 سقطت من "ط".
4 القائل هو ذو الرُّمَّة: وقد سبقت ترجمته.
موطن الشاهد: "الأَزْمُنُ".
وجه الاستشهاد: مجيء "زمن" مجموعًا جمع تكسير على وزن "أَفْعُل" حملاً
على "دهر" و"أدهر"؛ لأنَّه بمعناه، كما جاء في المتن.
5 في "س" فكذلك.
(1/247)
الجمع؛ نحو "جَفَنات، وقَصَعَات" وسُكِّنت
في نحو: "خَدْلات، وصَعْبات" /من فَعْلة/1؟ قيل: لأن "فَعْلة" بفتح
الفاء، وسكون العين تكون اسمًا غير صفة؛ نحو: "جَفْنَة، وقَصْعة" وتكون
صفة؛ نحو: "خَدْلة، وصَعْبة" فحرِّكت العين منها إذا كانت2 اسمًا غير
صفة؛ نحو: "جَفَنات، وقَصَعات" للفرق بينهما وبين الصفة؛ نحو:
"خَدْلات، وصَعْبَات".
[علة كون الاسم أولى بالتَّحريك من الصفة]
فإن قيل: فَلِمَ كان الاسم أولى بالتحريك من الصفة وهلَّا عكسوا، وكان
الفرق حاصلاً؟ قيل: إِنَّما كان الاسم أولى بالتحريك من الصفة؛ لأنَّ
الاسم أقوى وأخف، والصفة أضعف وأثقل؛ (فلمَّا كان الاسم أقوى وأخف،
والصفة أضعف وأثقل) 3؛ كان الاسم للتحريك أحمل؛ فأمَّا قول4 الشاعر5:
[الطويل]
أَبَتْ ذِكَرٌ، عوَّدْنَ أحشاءَ قَلْبه ... خُفُوقًا، وَرَفْضَاتُ
الهوى في المفَاصِل6
فسكن "رَفْضات" والأصل "رَفَضَات" بالفتح لأجل ضرورة الشِّعر.
[علة كون العين المعتلة من فَعْلة ساكنة في الجمع كالصفة]
فإن قيل: فَلِمَ إذا كانت العين من "فَعْلة" معتلَّة أو مضاعفة، تكون
ساكنة كالصفة؛ نحو: "عَوْرات، وبَيْضات وسلَّات" وما أشبه ذلك؟ قيل:
إنَّما كانت ساكنةً إذا كانت العين معتلَّة؛ لأنَّ الحركة، توجب ثقلاً
في الواو والياء؛ فسكَّنوهما هربًا من ثقل الحركة عليهما، وحرصًا على
تصحيحهما، ومن العرب من يفتح الياء والواو، فيقول: "عَوَرَات،
وبَيَضَات" كما لو كان صحيح العين،
__________
1 سقطت من "س".
2 في "ط" كان.
3 سقطت من "س".
4 في "ط" قال الشَّاعر.
5 لم يُنسب إلى قائل معين.
6 المفردات الغريبة: رفضات الهوى: رُبَّما المراد اضطرابات المفاصل
التي تنتاب العُشَّاق، ومن ارفضَّ الدمع: إذا تفرّق، وتتابع سيلانه،
وقطرانه.
أحشاء قلبه: أحشاء جمع "حشا" وهو ما اضطَمَّت عليه الضُّلوع.
المفاصل: جمع "مفصل" وهو كل ملتقى عظمين في الجسد.
موطن الشاهد: "رَفْضَات".
وجه الاستشهاد: مجيء "رَفْضَات" مسكَّنة؛ والقياس أن تأتي محرَّكة
"رَفَضَات" للضرورة الشعرية.
(1/248)
وعلى هذه اللغة قراءة من قرأ: {ثَلاثُ
عَوْرَاتٍ لَكُمْ} 1 بفتح الواو؛ /و/2 قال الشَّاعر3: [الطويل]
أخو بَيَضات رائح مُتَأوِّب ... رفيقٌ بمسح المنكبين سبوح4
وإنما كانت ساكنةً إذا كانت مضاعفة لئلا يجمتع حرفان متحرِّكان من جنس
واحد، وذلك مستثقل، ألا ترى أنك لو قلت في جمع: "سَلَّة: سلَلَات،
وملَّة: مللات"؛ لكان ذلك مستثقلاً؟
[علة جمع فُعْلَة على فُعَْلات]
فإن قيل: فَلِمَ جاز في جمع "فُعْلة" بضم الفاء وسكون العين، ضَمّ
العين، وفتحها، وسكونها؛ نحو: "ظُلْمة: وظُلُمَات، وظُلَمَات،
وظُلْمَات"؟ قيل: أما الضمُ فللإتباع؛ وأما الفتح ففرارًا5 من اجتماع
ضمتين؛ وأما السكون فللتَّخفيف؛ كقولهم في "عَضُد: عَضْد.
[عِلَّة جمع فِعْلة على فِعَِْلات]
فإن قيل: فَلِمَ جاز في جمع "فِعْلة" بكسر الفاء، وسكون العين، كسرُ
العين، وفتحها، وسكونها؛ نحو: "سِدرة: وسِدِرَات وسِدَرَات وسِدْرَات"؟
قيل: أمَّا الكسر فللإتباع؛ وأما الفتح ففرارًا6 من اجتماع الكسرتين؛
وأما السكون فللتَّخفيف؛ كقولهم في: "كَتِف: كَتْف" كما بينا في جمع
"فَعْله"، والألف والتاء، في /جميع/7 ذلك كلِّه للقلة عند بعض
النحويين، ويحتجون
__________
1 س: 24 "النور، ن: 58، مد".
2 سقطت من "ط".
3 لم يُنسب إلى قائل مُعين.
4 المفردات الغريبة: بيضَات: جمع بيضة، والبيضة واحدة سواء أكانت بيضة
الطير أم بيضة الحديد؛ ولا تحرَّك ياؤها في الجمع إلا في ضرورة الشّعر.
متأوِّب: راجع؛ ومثلها: الآيب.
السّبوح من الخيل: ما يسبح بيديه في جريه، كناية عن سرعته.
موطن الشَّاهد: "بَيَضات".
وجه الاستشهاد: جمع الشَّاعر "بيضة" على "بَيَضات" على وزن "فَعَلات"
والقياس أن يجمعها على "بَيْضات" بتسكين الياء؛ للضرورة الشعرية؛ وذكر
بعضهم أنَّ فتحها على لغة هُذيل التي تفتح العين في جمع "فَعْلَة"
صحيحًا كان، أو معتلًّا.
5 في "ط" فرارًا.
6 في "ط" فرارًا.
7 زيادة في "ط".
(1/249)
بما رُوي عن حسان بن ثابت1 أنشد النابغة2
قصيدته التي يذكر فيها: [الطويل]
لَنَا الْجَفَنَات الغرُّ يلمعنَ بالضُّحى ... وأسيافنا يقطرنَ من
نجدةٍ ما
فَلَمْ يرَ فيه اهتزازًا، فعاتبه على ذلك؛ فقال له النابغة: قد أخطأت
في بيت واحد في ثلاثة مواضع، وأغضيتُ عنها، ثُمَّ جئت تلومني!! فقال له
حسان: /و/3 ما تلك المواضع؟ فقال له:
الأول: أنك قلت: الْجَفَنَات وهي تدلُ على عدد قليل، ولا فخر لك أن
يكون لك في ساحتك ثلاث جفنات أو أربع.
والثاني: أنك قلت: "يلمعن" واللمعة بياض قليل، فليس فيه كبير شأن.
والثالث: أنك قلت: "يقطرن" والقطرة تكون للقليل، فلا يدل ذلك على فرط
نجدة، وكان يجب أن تقول: "الجِفَان ويَسِلن"؛ وهذا -عندي- ليس بصحيح؛
لأنَّ هذا الجمع يجيء للكثرة، كما يجيء للقلة؛ قال الله تعالى: {وَهُمْ
فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} 4 والمراد به الكثرة لا القلة، والذي يدلّ
على ذلك: أنه جمع صحيح، فصار بمنزلة قولهم: "الزيدون، والعمرون" (وكما
أن قولهم: الزيدون، والعمرون) 5 يكون للكثرة والقلة، فكذلك هذا الجمع،
وأمّا ما روى النابغة وحسان، فقد كان أبو علي الفارسي6 يقدح فيه، ولو
صح، فيحتمل أن يكون النابغة قصد ذكر شيءٍ يدفع عنه7 ملامة حسان،
ويعارضها في الحال.
[عِلَّة جواز الاكتفاء بجمع القلة عن جمع الكثرة والعكس]
فإن قيل: فَلِمَ جاز أن يُكتفى لله ببناء القلة عن بناء الكثرة، وببناء
الكثرة
__________
1 حسّان بن ثابت الأنصاري، شاعر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحد
مخضرمي الجاهلية والإسلام، وكان من المعمرين، عاش ستين سنة في الجاهلية
ومثلها في الإسلام. قال فيه الأصمعي: "كان فحلاً من فحول الجاهلية،
فلمَّا دخل الإسلام سقط شعره"؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة 54هـ.
طبقات فحول الشعراء 5/1، والشّعر والشعراء 305/1.
2 سبقت ترجمته.
موطن الشاهد: "الْجَفَنَات.
وجه الاستشهاد: احتجّ بعضهم بكون "الْجَفَنات" على وزن "فَعَلات" جمعًا
يفيد القِلَّة، وأنَّ جمع الكثرة لـ"الجفنة: جِفَان" على وزن "فِعَال"
والصَّواب ما ذكره المؤلف في المتن؛ لأنَّها تأتي للقلة وللكثرة.
3 سقطت من "ط".
4 س: 34 "سبأ، 37، مك".
5 سقطت من "س".
6 سبقت ترجمته.
7 في "س" به.
(1/250)
عن بناء القلَّة؟ قيل: إنما جاز أن يُكتفى
ببناء القِلَّة عن بناء الكثرة؛ نحو: "قلم وأقلام، ورَسَن وأرسان وأُذن
وآذان، وطُنُب وأطناب، وكَتِف وأكتاف، وإبل وآبال" وأن يُكتفى ببناء
الكثرة عن بناء القلة؛ نحو: "رجل ورجال، وسَبع وسِبَاع، وشسع1
وشُسُوع"؛ لأنَّ معنى الجمع مشترك في القليل والكثير؛ فجاز أن يُنوى
بجمع القِلَّة جمع الكثرة؛ لاشتراكهما في الجمع، كما جاز ذلك في ما
يجمع بالواو والنون؛ نحو: "الزيدون"، وجاز أن يُنوى بجمع الكثرة جمع
القلّة كما يجوز أن يُنوى بالعموم الخصوص.
[علة جمع ما كان رباعيًّا على فعالل]
فإن قيل: فَلِمَ جُمع ما كانَ رباعيًّا على مثل واحدٍ، وهو مثال:
"فعالل"؟ قيل: لأنَّ ما كان على أربعة أحرف لَمَّا كان أثقل مما كان
على ثلاثة أحرف، ألزم طريقة واحدةً، وزيدت الألف على واحده دون غيرها؛
لأنها أخف الحروف؛ لأنها قطّ لا تكونُ إلا ساكنة.
[علة حذف آخر الاسم الخماسي في الجمع]
فإن قيل: فَلِمَ حُذف آخر ما كان خمسيًّا في الجمع؛ نحو: "سفرجل
وسفارج"؟ قيل: إنما وجب حذف آخر حروفه لطوله، ولو أتي به على الأصل،
لكان مستثقلاً، فحُذف طلبًا للخفة، وكان الآخر أولى بالحذف؛ لأنَّه
أضعف حروف الكلمة؛ لأنَّ الحذف في آخر الكلمة أكثر من غيره.
[علة جواز جمع سفرجل على سفاريج ونحوه]
فإن قيل: فَلِمَ جاز أن يقولوا في جمع: "سفرجل: سفاريج" بالياء؟ قيل:
لأنهم لَمَّا حذفوا اللام، جعلوا الياء2 عوضًا عن اللام المحذوفة منه.
[علة تعويضهم بالياء دون غيرها]
فإن قيل: فَلِمَ عوض بالياء دون غيرها؟ قيل: لأنَّ ما بعد ألف التكسير
مكسور، فكأنَّهم أشبعوا الكسرة، فنشأت الياء؛ وذلك ليس بثقيل؛ فلهذا،
كانت الياء أولى من غيرها.
__________
1 الشَّسع: أحد سيور النَّعل، وهو الذي يدخل بين الإصبعين.
2 في "س" التاء، والصّواب ما في المتن.
(1/251)
[علة عدم حذف الزيادة في الجمع إذا كانت
رابعة]
فإن قيل: فَلِمَ حذفوا الزيادة منه في الجمع؛ إذا لم تقع رابعة، ولم
يحذفوها، إذا وقعت رابعة؟ قيل: إنما حذفوا الزيادة إذا لم تقع رابعةً؛
لأنهم إذا حذفوا منه الحرف الأصلي؛ فالزائد أولى، وإنما لم يحذفوها إذا
وقعت رابعة؛ لأنهم يجتلبون لها الياء قبل الطرف1، وإذا وجدت قبل الطرف،
وهي من نفس الكلمة، فينبغي ألا تحذف؛ لأنَّها أولى بالثبات من
المجتلبة.
[علة قلب الألف والواو في الجمع وإبقاء الياء على حالها]
فإن قيل: فَلِمَ قالوا جمع: "مفتاح: مفاتيح، وجرموق2: جراميق" فقلبوا
الألف والواو، وأبقوا الياء على حالها؟ قيل: إِنَّما قلبوا الألف
والواو ياء لسكونهما3 وانكسار ما قبلهما، وأبقوا الياء على حالها؛
لأنَّ الكسرة /إذا كانت/4 توجب قلب الألف والواو ياء، فَلأَن تُبْقَى5
"الياء" على حالها، كان ذلك من طريق الأولى؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله
تعالى.
__________
1 في "س" الظَّرف، والصَّواب ما في المتن.
2 الجرموق: ما يُلبس فوق الخفّ؛ ليقيه من الطِّين. القاموس المحيط:
784.
3 في "ط" لسكونها.
4 سقطت من "ط" والسِّياق يستوجبها.
5 في "ط" يبقى، والصواب ما أثبتنا.
(1/252)
الباب الخامس
والخمسون: باب التصغير
[علة ضم أول الاسم المصغر]
إن قال قائل: لِمَ ضُمَّ أول الاسم الْمُصَغَّر؟ قيل لوجهين:
أحدهما: أنَّ الاسم المصغر يتضمن المكبر، ويدلُّ عليه، فأشبه فعل ما لم
يُسَمَّ فاعله، فكما بُني أول فعل ما لم يُسم فاعله على الضَّمِّ،
فكذلك أوّل الاسم المصغر.
والوجه الثاني: أنَّ التصغير لَمَّا صيغ له بناء؛ جُمع له جميع
الحركات، فبني الأوّل على الضم؛ لأنَّه أقوى الحركات، وبُني الثاني على
الفتح تبيينًا للضَّمَّة، وبُني ما بعد ياء التصغير على الكسر في تصغير
ما زاد على ثلاثة أحرف، دون ما كان على ثلاثة أحرف؛ لأنَّ ما كان على
ثلاثة أحرف، يقع ما بعد الياء منه حرف الإعراب، فلا يجوز أن يُبنى على
الكسر.
[عِلَّة كون التصغير بزيادة حرف]
فإن قيل: فَلِمَ كان التصغير بزيادة حرفٍ، ولم يكن بنقصان حرف؟ قيل:
لأنَّ التصغير قام مُقام الصِّفة، ألا ترى أنك إذا قلت في رَجُل:
رُجيل، وفي دِرْهَم: دُرَيْهِم، وفي دينار: دُنَينير، قام رُجيل مُقام:
رجل صغير، وقام دُريهم1 مقام درهم صغير، وقام دنينير مُقام: دينار
صغير؛ فلمَّا قام التصغير مقام الصفة؛ وهي لفظ زائد، جُعل بزيادة حرف،
وجُعل ذلك الحرف دليلاً على التصغير؛ لأنه /قام/2 مقام ما يوجب
التصغير.
[عِلَّة كون الزيادة ياء ساكنة ثالثة]
فإن قيل: فَلِمَ كانت الزيادة ياءً، ولِمَ كانت ساكنة، ولِمَ كانت
ثالثة؟ قيل: إنما كانت ياءً؛ لأنهم لَمَّا زادوا الألف في التكسير؛
والتصغير /والتكسير/3 من
__________
1 في س "درهم".
2 سقطت من "ط".
3 سقطت من "ط".
(1/253)
وادٍ واحد؛ زادوا فيه الياء؛ لأنها1 أقرب
إلى الألف من الواو. وإنما كانت ساكنة ثالثة؛ لأنَّ ألف التكسير لا
تكون إلا كذلك.
[علة حمل التصغير على التكسير]
فإن قيل: فَلِمَ حُملَ التصغير على التكسير، ومن أين زعمتم أنهما من
وادٍ واحد؟ قيل: إنما حُمل التصغير على التكسير؛ لأنه يغير اللفظ
والمعنى، كما أنّ التكسير يغيِّر اللفظ والمعنى، ألا ترى أنَّك إذا قلت
في تصغير "رَجُل: رُجيل ... 2 قد غيَّرت لفظه بِضَمِّ أوّله، وفتح
ثانيه، وزيادة ياء ساكنة ثالثة، وغيَّرت معناه؛ لأنَّك نقلته من الكبر
إلى الصِّغر، كما أنَّك إذا قلت في تكسيره: "رجال" غيّرت لفظه بزيادة
الألف، وفتح ما قبلها؛ وغيّرت معناه؛ لأنَّك نقلته من الإفراد إلى
الجمع؟ ولهذا3 المعنى؛ قلنا: إنهما من وادٍ واحد.
[علة إلزام التصغير طريقة واحدة]
فإن قيل: فَلِمَ ألزموا التَّصغير طريقة واحدة، ولم تختلفْ أبنيته
كاختلاف أبنية التكسير؟ قيل: لأنَّ التَّصغير أضعف من التكسير، ألا ترى
أنَّك إذا قلت: "رُجَيْل" فقد وصفته بالصغر4، من غير أن تَضُمَّ إليه
غيره، وإذا قلت: "رجال" فقد ضممت إليه غيره، وصيَّرت الواحد جمعًا؟
فلمَّا كان التصغير أضعف من التكسير في التَّغَيُّر، (وكان المراد به
معنى واحدًا؛ أُلزم طريقةً واحدةً، ولَمَّا كان التكسير أقوى من
التصغير في التغيير) 5 ويكون كثيرًا وقليلاً، وليس له نهاية ينتهي
إليها؛ خُصّ بأبنية تدلُّ على القلة والكثرة؛ فلذلك6 اختلفت7 أبنيته.
[علة حذف آخر الاسم الخماسي في التصغير]
فإن قيل: فَلِمَ إذا كان الاسم خماسيًّا، يحذف آخر حروفه في التصغير؛
نحو: "سفرجل، وسفيرج"؟ قيل: إِنَّما /وجب/8 حذف آخر حروفه في التصغير؛
لطوله على ما بينا في /جمع/9 التكسير؛ لأنَّ التصغير يجري مجرى
__________
1 في "ط" لأنَّه.
2 في "ط" زيادة "أنَّك" قبل قد، ولا ضرورة لها، فلم نثبتها.
3 في "س" فلهذا.
4 في "ط" بالصَّغير.
5 سقطت من "س".
6 في "ط" فكذلك.
7 في "ط" اختلف، ولعلَّه سهو من الناسخ أو الطَّابع.
8 سقطت من "س".
9 سقطت من "ط".
(1/254)
التكسير؛ ولهذا، يجوز فيه التعويض، فيقال:
"سفيريج" كما قالوا في التكسير: "سفاريج" ولهذا -أيضًا- إذا كانت
الزيادة غير رابعة، حذفت، وإذا كانت رابعة لم تُحذف، حملاً للتصغير على
التكسير؛ لأنَّ التصغير والتكسير من وادٍ واحد.
فإن قيل: فَلِمَ ردُّوا1 التاء في تصغير المؤنث إذا كان الاسم
ثلاثيًّا؛ نحو: "شمس وشُمَيْسَة" ولم يردُّوها إذا كانت على أربعة
أحرف؛ نحو: "زينب وزُيَيْنَب"؟ قيل: إِنَّما ردُّوا التاء في التصغير؛
لأنّ التصغير يرد الأشياء إلى أصولها، ألا ترى أنهم قالوا في تصغير:
"باب: بُويب" وفي تصغير "ناب: نُيَيْب" فردّوا الألف إلى أصلها؛ وأصلها
في "باب" الواو؛ لأنَّك تقول في تكسيره: أبواب، وبوَّيب بابًا؛ وأصلها
في "باب" الياء؛ لأنَّك تقول في تكسيره: أنياب، ونَيَّبت نابًا2، (وفي
الأمر منه: نَيِّب، وفي الأمر من الأول: بَوِّب) 3؛ فإذا كان التكسير
والتصغير يردَّان الأشياء إلى أصولها؛ والأصل في نحو: "شمس" أن تكون
بعلامة التأنيث، للفرق بين المذكر والمؤنث؛ وجب ردها في التصغير، واختص
رد التاء في الثلاثي4 لخفة لفظة. فأما الرباعي فلم تُرَد5 فيه التاء؛
لطوله، فصار الطُول بدلاً من تاء التأنيث. فأما ما لم تُرَدّ فيه التاء
في التصغير من الثلاثي؛ فنحو قولهم في قوس: قُوَيس، وفي فَرَس: فُريس،
وفي عِرْس: عُرَيس6، وفي حرب: حُريب، وفي "ناب الإبل: نُيَيب، وفي درع
الحديد: دُريع: وأما ما أثبتوا فيه التاء في التصغير من الرباعي؛ فنحو
قولهم في قُدام: قُدَيديمة، وفي وراء: وُرَيِّئة، وفي أمام أُميمة،
فقد7 تكلموا عليه؛ فقالوا: إنما لم تلحق8 التاء في التصغير ما9 كان
ثلاثيًّا؛ لأنه أُجرِي مُجرى المذكر؛ لأنَّه في معناه، وذلك؛ لأنَّ
"القوس" في معنى "العود"؛ و"العرس"10 ينطلق على المذكر والمؤنث،
والمذكر هوالأصل، فبقي لفظ تصغيره على أصله، و"العرس" في معنى
"التعريس" و"الحرب" في الأصل: مصدر حربت حربًا؛ والمصدر في الأصل
مذكَّر؛ و"النَّاب" رُوعي فيها معنى النَّاب الذي هو السِّنُّ، وهو
مذكَّر؛ لأنَّها سُمِّيت به عند سقوطه؛ و"درع
__________
1 في "ط" زادوا، والصواب ما أثبتناه من "س".
2 في "س" في الأمر.
3 سقطت من "س".
4 في "س" بالثلاثي.
5 في "ط" يرد.
6 في "س" غرس: غريس.
7 في "س" وقد.
8 في "ط" يلحق.
9 في "ط" لَمَّا.
10 في "س" الغرس.
(1/255)
الحديد" في معنى الدرع الذي هو القميص.
وإنما أثبتوا التاء في التصغير في ما كان رباعيًّا؛ نحو: "قديديمة،
وَوُرَيِّئة، وأميمة" لوجهين:
أحدهما: أنَّ الأغلب في الظروف أن تكون مذكَّرة، فلو لم يدخلوا التَّاء
في هذه الظروف، وهي مؤنثة؛ لالتبست بالمذكَّر.
والوجه الثاني: أنَّهم زادوا التاء تأكيدًا للتأنيث، ويحتمل -أيضًا-
وجهًا ثالثًا؛ وهو أنَّهم أثبتوا التاء تنبيهًا على الأصل المرفوض، كما
صحَّحوا الواو في "العود" والحركة تنبيهًا على أن الأصل في باب: بوب،
ودار: دور، وهو أصل مرفوض /و/1 على كُل حال، فكِلا القسمين شاذٌّ، لا
يقاسُ عليه.
[علة المخالفة بين الأسماء المبهمة والمتمكنة في التصغير]
فإن قيل: فَلِمَ خالفوا بين تصغير الأسماء المبهمة وما أشبهها وبين
الأسماء المتمكنة؛ قالوا في تصغير: ذا: ذيّا، وفي تا: تَيَّا، وفي
الذي: الُّذيّا، وفي: التي: الُّتيَّا؟ قيل: إِنَّما فعلوا ذلك جريًا
على أُصول كلامهم في تَغيُّر2 الحكم عند تغيير3 الباب؛ لأنَّ الأسماء
المبهمة لَمَّا كانت مغايرة للأسماء المتمكنة، جعلوا لها حكمًا غير حكم
الأسماء المتمكِّنة؛ لتغايرهما، فلم4 يَضُمُّوا أوائلها في التصغير،
كما فعلوا في الأسماء المتمكنة، وجوزوا أن تقع5 ياء التصغير فيها
ثانية؛ كقولهم في ذا: ذيَّا، وفي تا6: تيَّا.
[علة عدم امتناع وقوع ياء التصغير ثانية في الأسماء المبهمة]
فإن قيل: فَلِمَ لم يمتنع وقوع ياء التصغير فيها ثانيةً، كما امتنع في
الأسماء المتمكنة؟ قيل: إِنَّما لم يمتنع وقوع ياء التصغير فيها ثانية،
كما امتنع في الأسماء المتمكنة؛ لأنَّ أوائلها مفتوحة، فلم يمتنع وقوع
ياء التصغير الساكنة بعدها، بخلاف الأسماء المتمكنة، فإن أوائلها
مضمومة، فيمتنع وقوع الياء الساكنة بعدها.
__________
1 سقطت من "ط".
2 في "ط" تغيير، والصواب ما أثبتناه من "س" لمناسبة السياق.
3 في "س" تغيّر، والصواب ما في المتن.
4 في "س" ولم.
5 في "ط" يقع.
6 في "ط" تاء.
(1/256)
[علة زيادة الألف في الأسماء المبهمة في
التصغير]
فإن قيل: فَلِمَ زادوا الألف في آخرها علامة للتصغير؟ قيل: إِنَّما
حسَّن زيادة الألف في آخرها علامة للتصغير؛ لأنَّها أسماء مبنية، فجُعل
في آخرها ألفٌ؛ لتكون على صيغة لا يُتصور دخول الحركة التي هي آلة
الإعراب عليه؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
(1/257)