فقه اللغة وسر العربية القسم الثاني:
سر العربية في مجاري كلام العرب
وسننها
والاستشهاد بالقرآن على أكثرها.
(1/219)
الفصل الأول: في
تقديم المؤخر وتأخير المقدم.
العرب تبتدئ بذكر الشيء والمقدَّم غيره كما قال عزَّ وجلَّ: {يَا
مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ
الرَّاكِعِينَ} 1 وكما قال تعالى: {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ
مُؤْمِنٌ} 2 وكما قال عزّ وجلَّ: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً
وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} 3 وكما قال تعالى: {وَهُوَ
الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} 4 وكما قال حسان بن ثابت في
ذكر بني هاشم: [من الطويل]
بَهالِيل منهم جعفر وابن أمّه ... عليٌ ومنهم أحمد المُتَخَيَّرُ.
وكما قال الصّلتان العبديّ: [من المتقارب]
فَمِلَّتنا أننا مسلمون ... على دين صدّيقنا والنّبي.
الفصل الثاني: يناسبه في التقديم والتاخير.
العرب تقول: أكرَمني وأكرَمته زيد وتقديره: أكرمني زيد وأكرَمته كما
قال تعالى حكاية عن ذي القرنين: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} 5
تقديره: آتوني قِطراً أفرغ عليه وكما قال حلَّ جلاله: {الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ
لَهُ عِوَجَا} 6 وتقديره أنزل على عبده الكتاب قيِّما ولم يجعل له عوجا
وكما قال امرؤ القيس: [من الطويل] :
ولو أن ما أسعى لأدنى معيشةٍ ... كفاني ولم أطلب قليلٌ من المال.
__________
1 سورة آل عمران: الآية 43.
2 سورة التغابن الآية: 2.
3 سورة الشورى الآية: 49.
4 سورة الانبياء الآية: 33.
5 سورة الكهف الآية: 96.
6 سورة الكهف: الآية 1.
(1/221)
وتقديره: كفاني قليل من المال ولم أطلبه.
وكما قال طَرَفة: [من الطويل] :
وكرَّى إذا نادى المضاف مجنَّباً ... كذئب الغضى نَبَّهْتَهُ
المُتَوَرَّدِ1.
وتقديره: كذئب الغضى المتورِّد نبَّهته. وكما قال ذو الرمة: [من
البسيط]
كأن أصواتَ من إيغالهنَّ بنا ... أواخر الميس إنقاض الفراريجظ
وتقديره: كأن أصوات أواخر الميس من إيغالهن بنا إنقاض الفراريج. وكما
قال أبو الطَّيب المتنبي: [من الطويل] :
حملت إليه من لساني حديقةً ... سقاها الحِجا2 سَقيَ الرِّياضِ
السَّحائبِ
وتقديره: سقي السّحائب الرّياض.
الفصل الثالث في إضافة الاسم إلى الفعل.
هي من سنن العرب تقول: هذا عامٌ يُغَاثُ الناس وهذا يومُ يَدخُل الأمير
وفي القرآن: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} 3. وقال
عزَّ ذكره: {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ} 4. وفي الخبر عن النبي صلى
الله عليه وسلم: "إنَّ المريض لَيَخْرُجُ من مَرَضهِ كيم ولدته أمّه"
5.
الفصل الرابع: في الكناية عما لم يجر ذكره
من قبل.
العرب تقدم عليها توسعا واقتدارا واختصارا ثقة بفهم المُخَاطَب كما قال
عزّض ذكره: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} 6 أي من على الأرض وكما قال:
{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} 7 يعني الشمس وكما قال عزَّ وجل:
{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} 8 يعني الروح فكنى عن الأرض
والشمس والروح من غير أن أجري ذكرها. وقال حاتم الطائي:
__________
1 المتورد: أي يريد الماء.
2 الحجا: العقل.
3 سورة الحجر الآية: 36.
4 سورة المرسلات: الآية 35.
5 أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات 83 والبيهقي في الشعب
9868 من حديث أبي هريرة مع اختلاف يسير فيه وإسناده ضعيف لم يسمع الحسن
من أبي هريرة ولمعناه شواهد كثيرة انظر الترغيب 4998 – 5045 والمجمع
2/300 – 305.
6 سورة الرحمن: الآية 26.
7 سورة صّ الآية: 32.
8 سورة القيامة: الآية 26.
(1/222)
أماويَّ ما يُغْني الثَّراءُ عن الفَتى ... إذا حشرَجَتْ يوماً وضاقَ
بها الصَّدرُ.
يعني: إذا حشرجت النفس وقال دعبل: [من الكامل] :
إن كان إبراهيم مضْطَلِعاً بها ... فَلَتَصْلُحَنْ من بَعده
لِمُخارِقِ.
يعني: الخلافة ولم يسمها فيما قبل. وقال عبد الله بن المعتز: [من
الوافر] :
وَنَدمان دعوتُ فَهَبَّ نَحوي ... وسلسَلها كما انخَرَطَ العَقيقُ.
يعني: وسلسل الخمر ولم يجر ذكرها. |