فقه اللغة وسر العربية الفصل الخامس: في
الاختصاص بعد العموم.
العرب تفعل ذلك فتذكر الشيء على العموم ثم تخصّ منه الأفضل فالأفضل
فتقول: جاء القوم والرئيس والقاضي. وفي القرآن: {حَافِظُوا عَلَى
الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} 1. وقال تعالى: {فِيهِمَا
فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} 2 وإنما أفرد الله الصلاة الوسطى من
الصلاة وهي داخلة في جملتها وأفرد التمر والرمان من جملة الفاكهة وهما
منها للاختصاص والتَّفضيل كما أفرد جبريل وميكائيل من الملائكة فقال:
{مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ
وَمِيكَالَ} 3.
الفصل السادس: في ضدّ ذلك.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي
وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} 4 فخصّ السبع ثم أتى بالقرآن العام بعد ذكره
إياه.
الفصل السابع: في المكان والمراد به مَنْ فيه.
العرب تفعل ذلك قال الله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا
فِيهَا} 5 أي أهلها وكما قال جلَّ جلاله: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ
شُعَيْباً} 6 أي أهل مديَن وكما قال حميد بن
__________
1 سورة البقرة الآية: 238.
2 سورة الرحمن: الآية 68.
3 سورة البقرة الآية: 98.
4 سورة الحجر: الآية 87................................=
= 5 سورة يوسف الآية: 82.
6 سورة الأعراف الآية: 85.
(1/223)
ثور: [من الطويل] :
قَصائِدُ تَستَحْلي الرُواةُ نَشيدَها ... ويَلهو بها من لاعِبِ
الحَيِّ سامِرُ.
يَعَضُّ عليها الشيخُ إبهامَ كَفِّهِ ... وتُجزى بها أحياؤُكم
والمقابرُ.
أي أهل المقابر. والعرب تقول: أكلتُ قِدراً طيبة. أي أكلت ما فيها.
وكذلك قول الخاصّة: شَرِبت كأسا.
الفصل الثامن: في فيما ظاهره أمر وباطنه
زجر.
هو من سنن العرب تقول العرب: إذا لم تَستَحِ فافعل ما شِئتَ1. وفي
القرآن: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} 2 وقال جلّ وعلا: {وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ} 3.
الفصل التاسع: في الحمل على اللفظ والمعنى
للمجاورة.
العرب تفعل ذلك فتقول: هذا حُجْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ. والخرب نعت الحُجر لا
نعت الضبِّ ولكن الجوار عمل عليه كما قال امرؤ القيس: [من الطويل] :
كأن ثبيراً في عَرانين وَبلِهِ ... كبيرُ أناسٍ في بِجاد مُزَمَّلِ4.
فالمُزَمَّل: نعت الشيخ لا نعت البِجاد وحقه الرفع ولكن خفضه للجوار
وكما قال الآخر:
يا ليت شَيْخَكِ قد غَدا ... مُتَقلِّدا سَيفا ورُمحا.
والرُمح لا يُتَقَلَّد وإنما قال ذلك لمجاورته السيف. وفي القرآن:
{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} 5 لا يقال: أجْمَعت
الشُركاء وإنما يقال: جَمَعت شركائي وأجمَعتُ أمري وإنما قال ذلك
للمجاورة وقال النبي صلى الله عايه وسلم: "ارجِعْنَ مأزورات غيرَ
مَأجورات" 6 وأصلها
__________
1 الحديث أخرجه الطيالسي 121 وأحمد 4/121, و 122 والبخاري 3484, 1316
وابن حبان 607 والطبراني 17/651 والقضاعي 1153, 1156 والبيهقي 10/192,
198 وابن ماجه 4183 من حديث أبي سعيد ولفظه في صحيح البخاري "إن مما
أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"
2 سورة فصلت الآية: 40.
3 سورة الكهف الآية: 29.
4 مزمل: ملتف.
5 سورة يونس الآية: 71.
6 أخرجه ابن ماجه 1578 والبيهقي 4/77 و6/176 والبغوي 5/465 من حديث علي
مضعفه البوصيري في الزوائد.
(1/224)
مَوزورات من الوزر ولكن أجراها مجرى المَأجورات للمجاورة بينهما
وكقوله: بالغدايا والعشايا ولا يقال: الغدايا إذا أفردت عن العشايا
لأنها الغدوات والعامة تقول: جاء البرد والأكسية والأكسية لا تجيء ولكن
للجوار حق في الكلام. |