فقه اللغة وسر العربية الفصل العاشر:
يناسبه ويقاربه.
العرب تسمي الشيء باسم غيره إذا كان مجاورا له أو كان منه بسبب
كتسميتهم المطر بالسماء لأنه منها ينزل وفي القرآن: {يُرْسِلِ
السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} 1 أي المطر وكما قال جلَّ اسمه:
{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} 2 أي عنبا ولا خفاء بمناسبتها وكما
يقال: عفيف الإزار أي عفيف الفرج في أمثال له كثيرة. ومن سنن العرب وصف
الشيء بما يقع فيه أو يكون منه كما قال تعالى: {فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} 3
أي يوم عاصف الريح وكما تقول: ليل نائم أي نام فيه وليل ساهر أي يُسهر
فيه.
الفصل الحادي عشر: في إجراء ما لا يعقل ولا يفهم من الحيوان مُجرى بني
آدم.
ذلك من سنن العرب كما تقول: أكلوني البراغيث وكما قال عزّ وجلّ: {يَا
أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ
سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} 4 وكما قال سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ
كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي
عَلَى أَرْبَعٍ} 5 ويقال: إنه قال ذلك تغليبا لمن يمشي على رجلين وهم
بنو آدم. ومن سنن العرب تغليب ما يعقل كما يُغَلَّب المذكّر على
المؤنّث إذا اجتمعا.
الفصل الثاني عشر: في الرجوع من المخاطبة
إلى الكناية ومن الكناية إلى المخاطبة.
العرب تفعل ذلك كما قال النابغة: [من البسيط] :
يا دارَ مَيَّة بالعلياذِ فالسَّنّدِ ... أقْوَتْ وطال عليها سالِفُ
الأمَدِ.
__________
1 سورة نوح: الآية 11.
2 سورة يوسف الآية: 36.
3 سورة ابراهيم الآية: 18.
4 سورة النمل الآية: 18.
5 سورة النور الآية: 45.
(1/225)
فقال: يا دار ميَّة ثم قال: أقْوَتْ وكما قال الله عزّ وجلّ: {حَتَّى
إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} 1
فقال: كنتم في الفلك ثم قال: بهم وكما قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ,
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 2 فرجع من الكناية إلى
المخاطبة كما رجع في الآية المُتقدمة من المخاطبة. |