فقه اللغة وسر العربية

الفصل الحادي والستون في أبنية الأفعال.
في الأكثر الأغلب:. "فعل" يكون بمعنى التكثير كقوله عزَّ وجلَّ: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} 3 وقوله: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} 4. وفعَّل: يكون بمعنى أفعل نحو خَبَّرَ وأخْبَرَ وكَرَّمَ وأكْرَمَ ونزَّلَ وأنْزَلَ. ويكون مضادا له نحو أفرط إذا جاوزَ الحدَّ وفَرَّط إذا قصَّر. قال الشاعر: [من الرجز]
لا خَيْرَ في الإفْراطِ والتَّفريطِ ... كِلاهُما عِندي من التَّخْليطِ.
وقلت في كتاب المبهج: إياك والإفراط الممل والتفريط المُخلّ. ويكون فَعَّلَ بنية لا لمعنى نحو كلَّمَ. ويكون بمعنى نسب نحو ظلمهُ: إذا نسبه إلى الظُّلم وجهَّلهُ: إذا نسبه إلى الجهل.
__________
1 سورة الهمزة: الآية 6.
2 الحيوان 2/181.
3 سورة يوسف الآية: 23.
4 سورة البقرة الآية: 49.

(1/257)


"أفْعَل"
يكون بمعنى فَعَل نحو أَسْقَى وسَقَى وأمْحَضَهُ الودَّ ومَحَضَهُ وقد يتَضادَّان نحو نَشَطَ العُقْدَة إذا شَدَّها وأنْشَطَها إذا حَلَّها.
"فاعَلَ"
يكون بين اثنين نحو ضارَبَهُ وبارَزَهُ وخاصَمَهُ وحارَبَهُ وقاتَلَهُ. ويكون بمعنى فَعَلَ كقوله تعالى: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} 1 أي قَتَلَهُم وسافرَ الرَّجل ويكون بمعنى فعَّل نحو ضاعفَ الشيء وضَعَّفَهُ.
"تَفاعَلَ"
يكون بين اثنين وبين الجماعة نحو تَجَادَلا وتَنَاظَرا وتَحاكَما. ويكون من واحد نحو تَراءَى لهُ. ويكون بمعنى أظهَرَ نحو تغافَلَ وتَجاهَلَ وتَمارَضَ وتَساكَرَ إذا أظهرَ غفلةً وجَهلا ومَرَضاً وسكْراً وليس بغافل ولا جاهل ولا مريض ولا سَكران.
"تَفَعَّلَ"
يكون بمعنى فَعَّلَ نحو تَخَلَّصَهُ إذا خَلَّصَهُ كما قال الشاعر: [من الطويل]
تَخَلَّصَني من غَفْلَةِ الغَيِّ مُنْعِماً ... وكنتُ زماناً في ضَمان إسارِهِ.
وكما قال عمرو بن كلثوم: [من الوافر]
تَهَدَّدْنا وَأَوْعِدْنا رُويداً ... متى كنَّا لامَّكَ مَقْتَوينا.
ويكون بمعنى التَّكَلّف نحو تّشّجَّعَ وتَجَلَّدَ وتَحَلَّمَ. ويكون لأخذ الشيء نحو تأدَّبَ وتَفَقَّهَ وتَعَلَّمَ. ويكون تَفَعَّلَ بمعنى افتَعَلَ نحو تَعْلمْ بمعنى اعْلَم كما قال القطامي: [من الوافر]
تَعَلَّمَ أنَّ بعْدَ الشَّرِّ خَيراً ... وأنَّ لهذه الغُمَمِ انْقِشاعا.
أي اعلم.
"استَفْعَلَ"
يكون بمعنى التَّكلُّف نحو استَعْظَمَ أي تَعَظَّمَ واستَكْبَرَ أي تَكَبَّرَ ويكون استفعَلَ بمعنى الاستدعاء والطلب نحو استَطْعَمَ واستَسْقى واسْتَوْهَبَ. ويكون بمعنى فَعَلَ نحو اسْتَقَرَّ أي أقَرَّ. ويكون بمعنى صار نحو اسْتَنْوَقَ الجَمَلُ واستَنْسَرَ البغاث وقد تقدم في
__________
1 سورة التوبة الآية: 30.

(1/258)


باب السينات.
"افْتَعَلَ"
يكون بمعنى فَعَلَ نحو اشْتَوى أي شوى واقْتَنى أي قَنى واكْتَسَبَ أي كَسَبَ. ويكون لحدوث صفة نحو افْتَقَرَ وافْتَتَنَ.
وأما "انْفَعَلَ"
فهو فعل المطاوعة نحو كسرته فانكسر وجَبَرتُهُ فانجَبَر وقلبته فانقلب وقد تقدم له ذكر في باب النونات.
الفصل الثاني والستون: في أبنية دالة على معان في الأغلب الأكثر وقد تختلف.
ما كان على "فَعَلانٍ" دلَّ على الحركة والإضطراب كالنَّزوان والغليان والضَّربان والهَيَجان. وما كان على "فَعْلانَ" دلَّ على صفات تقع من أحوال كالعَطْشان والغَرْثان والشَّبعان والرَّيان والغَضبان. وما كان على "أفعَلَ" دلَّ على صفات بالألوان نحو أبيض وأحمر وأسود وأصفر وأخضر وكذلك العيوب تكون على أفعل نحو أزرق وأحْوَل وأعْوَر وأقْرَع وأقْطَع وأعْرَج وأخْنَف. وتكون الأدواء على "فُعال" كالصُّداع والزُّكام والسُّعال والخُنَّاق والكُباد. والأصوات أكثرها على هذا كالصُّراخ والنُّباح والضُّباح والرُّغاء والثُّغاء والخُوار. وفصل آخر منها على "فَعيل" كالضَّجيج والهَرير والصَّهيل والنَّهيق والضَّغيب والزَّئير والنَّعيق والنَّعيب والخَرير والصَّرير. وحكايات الأصوات على "فَعْلَة" كالصَّرصَرة والقَرْقَرَة والغَرْغَرَة والقَعْقَعَة والخَشْخَشَة. وأطعِمَة العرب على "فَعيلَة" كالسَّخينة والعَصيدة واللَّفيتة والحَريرة والنَّقيعَةُ والوَليمَة والعَقيقَة. وأكثر الأدوية على "فَعول" كاللَّعوق والسَّموط والوَجور واللَّدود والذَّرور والقَطور والنَّطول. وأكثر العادات في الاستكثار على "مِفْعال" نحو مِطعان ومِطعام ومِضراب ومِضياف ومِكثار ومِهذَار وامرأةٌ مِعطار ومِذكار ومئناث ومتئام.
الفصل الثالث والستون: في التشبيه بغير أداة التشبيه.
وهذه طريقة أنيقة غَلَبَ عليها المحدِّثون المتقدمين فأحسنوا وظَرُفوا ولَطُفوا وأرى أبا نواس السَّابق إليها في قوله: [من السريع]
تَبْكي فَتُلْقي الدُّرَ مِنْ نَرْجِسٍ ... وتَلْطِمُ الوَردَ بِعُنَّابِ.

(1/259)


فشبه الدمع بالدُّر والعين بالنرجس والخدّ بالورد والأنامل بالعنَّاب من غير أن يذكر الدّمع والعين والخدّ والأنامل ومن غير أن استعان بأداة من أدوات التشبيه وهي: كأنّ وكاف التشبيه وحَسِبتُهُ كذا وفلان حسن ولا القمر وجوادٌ ولا المطر. وقد زاد أبو الفرج الوَأوَاءُ على أبي نواس فخمَّس ما ربَّعَهُ بقوله: [من البسيط]
وأمطَرَتْ لُؤلُأً من نَرْجِسٍ وسَقَتْ ... وَرْداً وعَضَّتْ على العُنَّابِ بالبرَدِ.
والزِّيادة في تشبيه الثَّغر بالبرَد. ومن هذا الباب: قول أبي الطّيب المتنبي: [من الوافر]
بدَت قَمراً ومالَتْ خُوطَ بان ... وفاحَتْ عَنْبَراً ورَنَتْ غَزالا.
وقول أبي القاسم الزّاهي: [من الطويل]
سَفَرْنَ بُدوراً وانْتَقَبْنَ أهِلَّةً ... ومِسْنَ غُصوناً والتَفَتْنَ جَآذِرا.
وقول أبي الحسن الجوهري الجُرجاني في الشَّراب: [من الطويل]
إذا فُضَّ عنه الخَتمُ فاحَ بَنَفْسَجاً ... وأشْرَقَ مِصباحاً ونَوَّرَ عُصْفُرا.
وقول مؤلف الكتاب: [من الوافر]
رَنا ظَبياً وغَنَّى عَنْدَليبا ... ولاحَ شَقائقاً ومَشى قَضيبا.
وقوله أيضاً: [من المتقارب]
وفيك لنا فِتَنٌ أرْبَعٌ ... تَسُلُّ علينا سُيوفَ الخَوارِجِ.
لِحاظُ الظِّباءِ وطَوقُ الحَمام ... ومَشيُ القِباجِ1 وزَيُّ التَّدارِجِ2.
ومن هذا الباب قول ابن سكّرة: [من الكامل]
الخَدُّ ورْدٌ والصَّدغ عاليةٌ ... والرِّيقُ خَمْرٌ والثَّغْرُ من بَرَدِ.
وقول القاضي عبد العزيز في المدح: [من الطويل]
لِحاظُكِ أقْدارٌ وكَفُّكِ مُزْنَةٌ ... وعَزْمُكِ صمصام وربعك غيل3.
الفصل الرابع والستون: في إقامة العم مقام الأب والخالة مكان الأم.
قال الله تعالى حكاية عن بني يعقوب: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ
__________
1 القباج: طائر يشبه الحجل.
2 التدارج: طائر أرقش حسن الصورة.
3 الغيل: اللبن ترضعه المرأة ولدها وهي تؤتي أو وهي حامل 1344.

(1/260)


لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} 1 وإسماعيل عم يعقوب فجعله أبا. وقال في قصة يوسف: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} 2 يعني أباه وخالته وكانت أمه قد ماتت فجعل الخالة أما.