الخصائص باب في 1 الاستغناء بالشيء عن الشيء:
قال سيبويه: واعلم2 أن العرب قد تستغني بالشيء "عن الشيء"3 حتى يصير
المستغنى عنه مسقطًا من كلامهم البتة.
فمن ذلك استغناؤهم بترك عن "ودع " و "وذر ". فأما قراءة بعضهم "ما
ودَعك ربك وما قلى " وقول أبي الأسود4 " حتى وَدَعه " فلغة شاذة وقد
تقدم القول5 عليها.
__________
1 كذا في أ. وسقط هذا الحرف في ش، ب.
2 كذا في ش، ب. وسقط حرف العطف في أ.
3 كذا في أ، ب. وسقط هذا في ش. وانظر في هذا 2/ 191، 251 من الكتاب.
4 الصواب أنه قول أنيس بن زنيم في عبيد الله بن زياد. وهاك البيت
بتمامه:
سل أميري ما الذي غيره ... عن وصالي اليوم حتى ودعه
وفي الحماسة البصرية نسبته إلى عبد الله بن كريز. وانظر الخزانة 3/
121.
5 انظر ص100 من هذا الجزء.
(1/267)
ومن ذلك استغناؤهم بلمحة عن ملمحة وعليها
كسرت ملامح وبشبه عن مشبه وعليه جاء مشابه وبليلة عن ليلاة وعليها جاءت
ليال وعلى أن ابن الأعرابي قد أنشد:
في كل يوم ما وكل ليلاه ... حتى يقول كل راء إذ1 راه
يا ويحه من جمل ما أشقاه
وهذا شاذ لم يسمع إلا من هذه الجهة. وكذلك استغنوا بذكر عن مذكار أو
مذكير وعليه جاء مذاكير. وكذلك استغنوا بـ"أينق " عن أن يأتوا به
والعين في موضعها فألزموه القلب أو الإبدال فلم يقولوا " أنوق" إلا في
شيء شاذ حكاه الفراء. وكذلك1 استغنوا بقسي عن قووس فلم يأت إلا
مقلوبًا. ومن ذلك استغناؤهم بجمع القلة عن جمع الكثرة نحو قولهم أرجل
لم يأتوا فيه بجمع الكثرة. وكذلك شسوع: لم يأتوا فيه بجمع القلة. وكذلك
أيام: لم يستعملوا فيه جمع الكثرة. فأما جيران فقد أتوا فيه بمثال
القلة أنشد الأصمعي:
مذمة الأجوار والحقوق3
وذكره أيضًا ابن الأعرابي فيما أحسب. فأما دراهم, ودنانير, ونحو ذلك
-من الرباعي وما ألحق به- فلا سبيل فيه إلى جمع القلة. وكذلك4 اليد
التي هي العضو قالوا فيها أيد البتة. فأما أياد فتكسير أيد لا تكسير يد
وعلى أن "أياد " أكثر ما تستعمل في النعم لا في الأعضاء. وقد جاءت
أيضًا فيها أنشد أبو الخطاب:
ساءها ما تأملت في أياديـ ... ـنا وإشناقُها إلى الأعناق5
__________
1 ثبت لفظ "إذ" في أ، ج. وسقط في ش، ب.
2 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "فكذلك".
3 "مذمة" كذا بالمعجمة في ش، ج. وفي أ: "مدمة" بالمهملة.
4 كذا في أ، وفي ش، ب: "فكذلك".
5 نسبة في اللسان في "شنق" إلى عدي -وهو عدي بن زيد كما في التاج
والسيرافي في شرح سيبويه- وكان يبدو لي أنه عدي المهلهل من قصيدته التي
يقول فيها:
طفلة ما أبنة المحلل هيفا ... ء لعوب لذيذة في العناق
وانظر الأغاني 5/ 54 طبع الدار، حتى رأيته في قصيدة عدي بن زيد في
الأغاني 2/ 116. وإشتاقها إلى الأعناق رفعها إلى العنق بالغل. يذكر أنه
كان الغل في يده مرفوعة إلى عنقه وكان كذلك في جمع من أصحابه فساءها
ذلك. وانظر الخزانة 3/ 348.
(1/268)
وأنشد أبو زيد 1:
أما واحدًا فكفاك مثلي ... فمن ليد تطاوحها الأيادي2
ومن أبيات3 المعاني في ذلك "قوله"4:
ومستامة تستام وهي رخيصة ... تباع بساحات الأيادي وتمسح5
"مستامة " يعني أرضًا تسوم فيها الإبل، من السير6 لا من السوم الذي هو
البيع و "تباع " أي تمد فيها الإبل أبواعها وأيديها و " تمسح " من
المسح وهو القطع من قول الله تبارك وتعالى: {فَطَفِقَ مَسْحًا
بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} وقال العجاج:
وخطرت فيه الأيادي وخطر ... رايٌ إذا أورده الطعن صدر7
__________
1 انظر نوادره ص56، وقد نسبه إلى نفيع: رجل من عبد شمس جاهلي.
2 ورد في اللسان في طوح وفي "يدي". وفيه: "أيادي" وما هنا في النوادر.
وتطارحها: تراميها يقول: إني أكفيك واحدا يعدو عليك. فأما إذا رامتك
أياد فلا طاقة لي بذلك.
3 أبيات المعافى: ما يخالف ظاهره باطنه، فهي ما فيها تعمية وإلغاز عن
المراد. وانظر شفاء الغليل "حرف الألف". وقد ألف في أبيات المعاني كتب,
أشهر ما طبع منها كتاب المعاني الكبير لابن قتيبة. وقد طبع في الهند.
وانظر أيضًا الخزانة 3/ 81.
4 زيادة في أ.
5 نسب هذا البيت في اللسان "مسح، وباع، وسام" إلى ذي الرمة، ويبدو أن
هذا اشتباه، سببه أنه على روي قصيدة لذي الرمة أولها:
أمنزلي ميّ سلام عليكما ... على النأي والنائي يود وينصح
وليس هذا البيت في القصيدة. وقد أورده جامع الديوان المطبوع في أوروبا
في ذيل الديوان في المفردات التي حملت على ذي الرمة.
6 كذا في اللسان "بوع"، وهو يريد: من السوم الذي هو السير، يقال: سامت
الناقة: مرت سريعة، وكذا الريح. وفي اللسان "سوم": "من السوم الذي هو
الرعي".
7 جاء هذا في الكتاب 1/ 189 والرواية فيه:
وخطرت أيدي الكملة وخطر
وهو من أرجوزة يمدح بها عمر بن عبيد الله بن معمر. وقبله.
أليس يمشي قدما إذا ادكر ... ما وعد الصابر في اليوم اصطبر
إذ لقح اليوم العماس واقمطر
واليوم العماس: الشديد، يريد يوم الحرب. واقمطر: صعب واشتد. والراي:
جمع راية. يقول إنه يدخل الحرب قدما غير هياب، يبتغي ما وعد الله
الصابرين في الجهاد. وقوله: خطرت أيدي الكماة أي تحركت أيديهم في
القتال، وخطرت الرايات يوردها الطعن فتصدر راويات بدم الأعداء. وقد جاء
الشاهد في ديوان الأعشى المطبوع في أوروبا فيما حمل على الأعشى ميمون
بن قيس.
(1/269)
وقال الراجز 1:
كأنه بالصحصحان الأنجل ... قطنٌ سخامٌ بأيادي غُزَّل2
ومن ذلك استغناؤهم بقولهم: ما أجود جوابه عن "هو أفعل منك 3" من
الجواب. فأما قولهم: ما أشد سواده وبياضه وعوره وحوله فما لا بد منه.
ومنه أيضًا استغناؤهم باشتد وافتقر عن قولهم: فقر وشد. وعليه جاء فقير.
فأما شد فحكاها أبو زيد في المصادر ولم يحكها سيبويه. ومن ذلك
استغناؤهم عن الأصل مجردًا من الزيادة بما استعمل منه حاملًا للزيادة
وهو صدر صالح من اللغة. وذلك قولهم " حوشب "4 هذا لم يستعمل منه "حشب "
عارية من الواو الزائدة ومثله "كوكب " ألا ترى أنك لا تعرف في الكلام "
حشب " عاريًا من الزيادة ولا "ككب " ومنه قولهم "دَودَرَّي " لأنا لا
نعرف "ددر " ومثله كثير في ذوات الأربعة 5. وهو في الخمسة أكثر منه في
الأربعة. فمن الأربعة فلنقس6، وصرنفخ7، وسميدع8، وعميثل9، وسرومط10،
وجحجبي11، وقسقبّ12، وقسحبّ13، وهرشفّ14. ومن
__________
1 هو جندل بن المثنى الطهوي كما في اللسان في "سحم".
2 هذا في وصف سراب ذكره في قوله قبله:
والآل في كل مراد هو جل
فقوله "كأنه" أي الآل. والصحصحان: ما استوى من الأرض. والأنجل: الواسع.
والسخام من القطن: اللين.
3 يبدو أن الكلام سقطا والأصل فيه:
"استغناؤهم بقولهم: ما أجود جوابه عن قولهم: ما أجوبه، وبقولهم: أنت
أجود جوابا عن هو أفعل منك من الجواب".
4 انظر في حوشب وما بعده ص254 من هذا الجزء.
5 كذا في أ، ب، ج. وفي ش "الأربع".
6 هو البخيل الرديء.
7 هو الصياح.
8 هو السيد الكريم.
9 من معانيه النشيط.
10 هو الجمل الطويل.
11 حي من الأنصار.
12 هو الضخم.
13 وهو الضحم أيضا.
14 من معانيه الكبير المهزول والعجوز المسنة.
(1/270)
ذوات الخمسة جعفليق1، وحنبريت1، ودردبيس،
وعضرفوط1، وقرطبوس1، وقرعبلانة2، وفنجليس 3. فأما عرطليل4 -وهو رباعي-
فقد استعمل بغير زيادة قال أبو النجم:
في سرطم هادٍ وعنقٍ عرطل5
وكذلك خنشليل ألا ترى إلى قولهم: خنشلت المرأة والفرس إذا أسنت وكذلك
عنتريس ألا ترى أنه من العترسة وهي الشدة. فأما قِنفَخر6 فإن النون فيه
زائدة. وقد حذفت -لعمري- في قولهم: امرأة قفاخرية إذا كانت فائقة في
معناها غير أنك وإن كنت قد حذفت النون فإنك قد صرت إلى زيادة أخرى
خلفتها وشغلت الأصل شغلها وهي الألف وياء الإضافة. فأما تاء التأنيث
فغير معتدة. وأما حيزبون7 فرباعي لزمته زيادة الواو. فإن قلت: فهلا
جعلته ثلاثيًا من لفظ "الحزب"؟ قيل يفسد هذا أن النون في موضع زاي
عيضموز7، فيجب لذلك أن تكون أصلًا كجيم "خيسفوج "8 وأما "عريقصان "9
فتناوبته زيادتان وهما الياء في عريقصان والنون في "عرنقصان " كلاهما
يقال10 بالنون
__________
1 انظر ص237 من هذا الجزء.
2 هي دويبة عريضة عظيمة البطن.
3 هي الكمرة العظيمة.
4 هو الطويل.
5 قبله:
يأوي إلى ملط له وكلكل
وهو في وصف بعير السانية الذي يستقي عليه. والملط جمع ملاط وهو الجنب،
والسرطم: الطويل، والهادي "العنق، ويكون قوله: "وعنق هرطل" من عطف
المرادف. والرواية في الظرائف الأدبية:
وكاهل ضخم وعنق عرطل
6 هو التار الناعم الضخم الجثة.
7 هي العجوز.
8 هو حب القطن والخشب البالي.
9 هو من النبات.
10 كذا في ش، ب. وفي أ: "يقالان".
(1/271)
والياء. وأما "عِزويت "1 فمن لفظ "عزوت "
لأنه "فِعليت " والواو لام. وأما " قنديل" فكذلك أيضًا ألا ترى إلى قول
العجلي 2:
رُكب في ضخم الذفاري قندل3
وأما عَلَندى4 فتناهبته الزوائد. وذلك أنهم قد قالوا فيه: عِلوَدٌ
وعُلادى وعُلَندًى وعَلَندًى ألا تراه غير منفك من الزيادة.
ولزوم الزيادة لما لزمته من الأصول يضعف5 تحقير الترخيم؛ لأن فيه حذفًا
للزوائد. وبإزاء ذلك ما حذف من الأصول كلام يد ودم وأب وأخ وعين سهٍ
ومذ وفاء عدة وزنة وناس والله في أقوى قولي6 سيبويه. فإذا جاز حذف
الأصول فيما أرينا وغيره كان حذف الزوائد التي ليست لها حرمة الأصول
أحجى وأحرى.
وأجاز أبو الحسن أظننت زيدًا عمرًا عاقلا ونحو ذلك وامتنع منه أبو
عثمان وقال: استغنت العرب عن ذلك بقولهم: جعلته يظنه عاقلا.
ومن ذلك استغناؤهم بواحد عن اثنٍ وباثنين عن واحدين وبستة عن ثلاثتين
وبعشرة عن خمستين وبعشرين عن عشرتين ونحو ذلك.
__________
1 انظر ص198 من هذا الجزء.
2 هو أبو النجم.
3 صدره كما في اللسان "فندل":
هدي بنا كل نياف عندل
يهدي: يتقدم. والنياف يريد جملا طويلا في ارتفاع، والعندل: الطويل،
والقندل: العظيم الرأس. وفي الطرائف الأدبية ركب الشطر الشاهد مع غير
الشطر السابق.
4 هو البعير الضخم الشديد.
5 انظر ص237 من هذا الجزء.
6 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "قول" وانظر في هذا ص237 من هذا الجزء.
(1/272)
باب في عكس التقدير:
هذا موضع من العربية غريب. وذلك أن تعتقد في أمر من الأمور حكمًا ما
وقتامًا ثم تحور1 في ذلك الشيء عينه في وقت آخر فتعتقد فيه حكمًا آخر.
من ذلك الحكاية عن أبي عبيدة 2. وهو قوله: ما رأيت أطرف3 من أمر
النحويين؛ يقولون: إن علامة التأنيث لا تدخل على علامة التأنيث وهم
يقولون "علقاة " وقد قال العجاج:
فكر في علقي وفي مكور4
يريد أبو عبيدة أنه قال: "في علقي " فلم يصرف التأنيث ثم قالوا مع هذا
"علقاة " أي فألحقوا تاء التأنيث ألفه. قال أبو عثمان 5: كان أبو عبيدة
أجفى من أن يعرف هذا. وذلك أن من قال "علقاة " فالألف عنده للإلحاق
بباب جعفر كألف "أرطى " فإذا نزع الهاء أحال اعتقاده الأول عما كان
عليه وجعل الألف للتأنيث فيما بعد فيجعلها للإلحاق مع تاء التأنيث
وللتأنيث إذا فقد التاء. ولهذا نظائر. هي قولهم 6: بُهمي7 وبُهماة
وشكاعى8 وشكاعاة، وباقلى وباقلاة ونقاوى9، ونقاواة،
__________
1 أي ترجع. وهو هكذا في أ، ب. وفي ج: "تجوز" وكذا هو في ش فيما يبدو
للقارئ، وهو تحريف.
2 كذا في الأصول ما عدا ش ففيها: "عبيد" وهو خطأه وما أثبت هو الصواب.
3 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "أظرف".
4 هذا في وصف الثور الوحشي الذي شبه به ناقته. ويروى: "فحط" بدل "فكر"
ويروى أيضا بدلهما "يستن" أي يرعى في العلقى وفي المكور، وهي جمع مكر
-كضرب- وهو ضرب من النبات، كالعلقى. وانظر أراجيز العرب 92 وديوان
العجاج والكتاب 2/ 9 وشرح شاهد الشافية للبغدادي 417.
5 انظر الكشاف في سورة المؤمن عند قوله تعالى: {يُصِبْكُمْ بَعْضُ
الَّذِي يَعِدُكُمْ} والجار بردي على الشافية 315.
6 كذا في أ. وفي ش، ب: "هو".
7 هو ضرب من النبات من خير المراعي. ولا يثبت سيبويه بهماة ألف بهمى
عنده للتأنيث وانظر الكتاب 2/ 9.
8 من دق النبات يتداوى بها.
9 ضرب من النبات له زهر أحمر. وقوله: "نقاوى ونقاواة" بالنون كذا في أ،
ب، ج. وفي ش: "تفاوى وتقاواة". وهو تحريف.
(1/273)
وسمانى1 وسماناة. ومثل ذلك من الممدود
قولهم: طرفاء وطرفاءة وقصباء وقصباءة وحلفاء وحلفاءة وباقلاء وباقلاءة.
فمن قال: "طرفاء " فالهمزة عنده للتأنيث ومن قال: "طرفاءة " فالتاء
عنده للتأنيث وأما الهمزة على قوله فزيادة لغير التأنيث. وأقوى القولين
فيها عندي أن تكون همزة مرتجلة غير منقلبة لأنها إذا كانت منقلبة في
هذا المثال فإنها عن ألف التأنيث لا غير نحو صحراء وصلفاء2، وخبراء3،
والحرشاء4. وقد يجوز أن تكون منقلبة عن حرف لغير الإلحاق فتكون -في
الانقلاب لا في الإلحاق- كألف علباء وحرباء. وهذا مما يؤكد عندك حال
الهاء ألا ترى أنها إذا لحقت اعتقدت فيما قبلها حكمًا ما فإن لم تلحق
حار5 الحكم إلى غيره. ونحو6 منه قولهم: الصفنة7، والصفن، والرضاع8،
والرضاعة وهو صفو الشيء وصفوته9، وله نظائر قد ذكرت ومنه البرك10،
والبركة للصدر.
ومن ذلك قولنا: كان11 يقوم زيد ونحن نعتقد رفع "زيد " بـ "كان " ويكون
"يقوم " خبرًا مقدمًا عليه. فإن قيل: ألا تعلم أن "كان " إنما تدخل على
الكلام الذي كان قبلها
__________
1 هو ضرب من الطيور.
2 هي المكان الغليظ الجلد.
3 هو القاع ينبت السدر.
4 يقال أفعى حرشاء: خشنة الجلد.
5 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "جاز".
6 يريد أن هذه الكلمات فيها مذكر ومؤنث ومدلولهما واحد. فالصفنة مؤنث
والصفن مذكر، فهذا كعلقى: يكون مؤنثا فيمنع الصرف، ومذكرا فيصرف،
والمعنى واحد.
7 هي وءاء الخصية، وكذلك الصفن بسكون الفاء وفتحها. وقد ضبط "الصفن" في
أبفتح الفاء.
8 بفتح الراء وكسرها في الرضاع والرضاعة.
9 بتثليث الصاد.
10 البرك بالفتح والبركة بالكسر. وكلاهما صدر البعير.
11 من النحو بين لا يجيز هذه المسألة ويجعل المنع عاما ويقول أبو حيان
في البحر 5/ 109: "مسألة كان يقوم زيد على أن زيد اسم كان فيها خلاف
والصحيح المنع" وقد حمل المجيز لها قوله تعالى في آخر سورة التوبة "من
بعدما كاد تزيغ قلوب فريق منهم"، بقراءة تزيغ بالتاء على أن "قلوب" اسم
كاد وجملة "تزيغ" الخبر، ويرى من يمنع ذلك أن في كاد ضمير الشأن. وانظر
الهمع 1/ 118.
(1/274)
مبتدأ وخبرًا, وأنت إذا قلت: يقوم زيد
فإنما الكلام من فعل وفاعل فكيف ذلك فالجواب أنه لا يمتنع أن يعتقد مع
"كان " في قولنا: كان يقوم زيد أن زيدًا مرتفع بـ "كان " , وأن "يقوم "
مقدم عن موضعه فإذا حذفت "كان " زال الاتساع وتأخر الخبر الذي هو "يقوم
" فصار بعد "زيد " كما أن ألف "علقاة " للإلحاق, فإذا حذفت الهاء
استحال التقدير فصارت للتأنيث حتى قال:
فكر في علقى وفي مكور
على ذا تأوله أبو عثمان: ولم يحمله على أنهما لغتان. وأظنه إنما ذهب
إلى ذلك لما رآه قد كثرت نظائره؛ نحو سمانى وسماناة وشكاعى وشكاعاة
وبهمى وبهماة. فألف "بهمى " للتأنيث وألف "بهماة " زيادة لغير الإلحاق
كألف قبعثرى وضبغطرى. ويجوز أن تكون للإلحاق بجخدب على قياس قول أبي
الحسن الأخفش إلا أنه إلحاق اختص مع التأنيث ألا ترى أن أحدًا لا ينون
" بهمى" فعلى ذلك يكون الحكم على قولنا: كان يقوم زيد ونحن نعتقد أن
زيدًا مرفوع بكان.
ومن ذلك ما نعتقده في همزاء حمراء وصفراء ونحوهما أنهما1 للتأنيث، فإن
ركبت الاسم مع آخر قبله، حرت2 عن ذلك الاستشعار والتقدير فيها واعتقدت
غيره. وذلك أن تركب3 مع " حمراء " اسمًا قبلها فتجعلهما جميعًا كاسم
واحد فتصرف4 "حمراء " حينئذ. وذلك قولك: هذا دار حمراء ورأيت دار حمراء
ومررت
__________
1 يريد همزة حمراء وصفراء، وهمزة نحوهما، ولو أفرد لكان أجود.
2 أي رجعت.
3 يريد التركيب المزجي.
4 يريد أنها لا تلزم منع الصرف كما في أمرها الأول، بل قد تصرف، على
التفصيل الآتي. وذلك أنك إن أردت التعريف منعت الصرف وإلا صرفت.
والعبارة في ج: "ومن ذلك حمراء وصفراء؛ همزته للتأنيث؛ فإن ركبته مع
اسم آخر قبله ثم سميت به صرفته في النكرة؛ لأنك لا تترك صرفه للتأنيث،
إنما تنزعه للتعريف والتركيب ... " وهي ظاهرة.
(1/275)
بدار حمراء وكذلك هذا كلبصفراء1، ورأيت
كلبصفراء ومررت بكلبصفراء, "فلا تصرف الاسم للتعريف والتركيب كحضرموت.
فإن نكرت صرفت فقلت: رب كلبصفراءٍ مررت به"2، وكلبصفراء آخر. فتصرف في
النكرة وتعتقد في هذه الهمزة مع التركيب أنها لغير التأنيث وقد كانت
قبل التركيب له. ونحو من ذلك ما نعتقده في الألفات إذا كن في الحروف
والأصوات أنها غير منقلبة, وذلك نحو ألف لا وما وألف قاف وكاف ودال
وأخواتها وألف على, وإلى, ولدى3، وإذا فإن نقلتها فجعلتها أسماء أو
اشتققت منها فعلًا استحال ذلك التقدير واعتقدت فيها ما تعتقده في
المنقلب. وذلك قولك: مويت إذا كتبت "ما " ولويت إذا كتبت " لا " وكوفت
كافًا حسنة ودولت دالًا جيدة, وزويت زايًا قوية. ولو سميت رجلًا بـ
"على " أو "إلى " أو " لدى " أو "ألا " أو "إذا " 4، لقلت في التثنية:
عَلَوان وإلَوان ولَدَوان وأَلَوان وإذَوَان فاعتقدت في هذه الألفات مع
التسمية بها وعند الاشتقاق منها الانقلاب وقد كانت قبل ذلك عندك غير
منقلبة. وأغرب من ذلك قولك: بأبي أنت! . فالباء في أول الاسم حرف جر
بمنزلة اللام في قولك: لله أنت! فإذا اشتققت منه فعلًا اشتقاقًا
صوتيًّا استحال ذلك التقدير فقلت: بأبأت5 به بئباء وقد أكثرت من
البأبأة. فالباء الآن في لفظ الأصل وإن كنا قد أحطنا علمًا بأنها فيما
اشتقت منه زائدة للجر. ومثال
__________
1 تبعب في رسم كلبصفراء بالوصل ما في أ. وهذا قياس التركيب المزجي كمعد
يكرب. وهو مركب من كلب وصفراء.
2 ما بين القوسين زيادة في ش، ب، خلت منها أ.
3 في أكتبت هذه الحروف بالألف: علا، وإلا، ولدا.
4 هذه الزيادة من ج.
5 أي قلت له: بأبي أنت. وهذا معنى الاشتقاق الصوتي؛ كما تقول: حوقل,
قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. وسبحل, قال: سبحان الله. وانظر الكتاب
1/ 177.
(1/276)
البِئباء على هذا الفعلال كالزلزال,
والقلقال, والبأبأة1 الفعللة, كالقلقلة, والزلزلة, وعلى هذا اشتقوا
منهما "البئب " فصار فعلا من باب سلس, وقلق؛ قال 2:
يا بأبي أنت ويا فوق البئب 3
فالبئب الآن بمنزلة الضلع, والعنب, والقمع, "والقرب"4. ومن ذلك قولهم:
القرنوة5 للنبت وقالوا: قرنيت السقاء إذا دبغته بالقرنوة فالياء في
قرنيت الآن للإلحاق, بمنزلة ياء سلقيت وجعبيت وإنما هي بدل من واو
"قرنوة " التي هي لغير الإلحاق. وسألني أبو علي -رحمه الله- عن ألف "يا
" من قوله -فيما أنشده أبو زيد6:
فخيرٌ نحن عند الناس منكم ... إذا الداعي المثوب قال يا لا7
فقال: أمنقلبة هي؟ قلت: لا؛ لأنها في حرف أعني " يا " فقال: بل هي
منقلبة. فاستدللته على ذلك فاعتصم بأنها قد خلطت باللام بعدها ووقف
عليها فصارت اللام كأنها جزء منها فصارت "يال " بمنزلة قال والألف في
موضع العين وهي مجهولة فينبغي أن يحكم عليها بالانقلاب عن الواو. هذا8
جمل ما قاله ولله هو وعليه رحمته،
__________
1 هو بالجر عطف على "البئباء". وفيه العطف على معمولين. ويقرأ بالرفع
على حذف المضاف وهو "مثال" أي ومثال البأبأة.
2 هو آدم مولى بلعنبر كما في اللسان في "أبو". وهو من رجز البيان
والتبيين للجاحظ 1/ 163، يقول في ابن له.
3 "يا فوق البئب" -ويروى البيب- أي أتت فوق أن يقال له: بأبي أنت.
4 زيادة في أخلت منها ش، ب.
5 انظر ص228.
6 انظر ص21 من نوادر أبي زيد، والخزانة ص4 ج2 من السلفية. وهذا من
بيتين لزهير بن مسعود الضبي.
7 يعده:
ولم يثق العوائق من غيور ... بغيرته وخلين الحجالا
المثوب: الذي يدعو الناس للحرب يستنصرهم، وقوله "يالا" يريد يا لبني
فلان. والعواتق جمع عاتق وهي التي لم تتزوج، وقوله "خلين الحجالا" أي
من الفزع يخرجن من المجال فلا يثقن بأن يمنعهن الأزواج والآباء
والإخوة، يقول: نحن عندهن أوثق منكن.
8 كذا في أ، وفي ش، ب: "وهذا".
(1/277)
فما كان أقوى قياسه وأشد بهذا العلم اللطيف
الشريف أنسه. فكأنه إنما كان مخلوقًا له. وكيف كان لا يكون كذلك وقد
أقام على هذه الطريقة مع جلة أصحابها وأعيان شيوخها سبعين سنة زائحة
علله ساقطة عنه كلفه, وجعله همه وسدمه1، لا يعتاقه عنه ولد ولا يعارضه
فيه متجر ولا يسوم به مطلبًا ولا يخدم به رئيسًا إلا بأخرة2 وقد حط من
أثقاله وألقى عصا ترحاله! ثم إني -ولا أقول إلا حقًا- لأعجب من نفسي في
وقتي هذا كيف تطوع لي بمسئلة أم كيف تطمح بي إلى انتزاع علة! مع ما
الحال عليه من علق الوقت وأشجانه وتذاؤبه3 وخلج4 أشطانه، ولولا معازة5
الخاطر واعتناقه6، ومساورة الفكر واكتداده7، لكنت عن هذا الشأن بمعزل
وبأمر سواه على شغل.
وقال لي مرة رحمه الله بهذه الانتقالات: كما جاز إذا سميت بـ "ضرب " أن
تخرجه من البناء إلى الإعراب كذلك يجوز أيضًا أن تخرجه من جنس إلى جنس
إذا أنت نقلته من موضعه إلى غيره.
ومن طريف ما ألقاه -رضي الله تعالى عنه- علي أنه سألني يومًا عن قولهم
هات لا هاتيت فقال "ما هاتيت "؟ فقلت: فاعلت فهات من هاتيت كعاط من
عاطيت فقال: أشيء آخر فلم يحضر إذ ذاك فقال أنا أرى فيه غير هذا.
فسألته عنه, فقال: يكون فعليت, قلت: ممه؟ قال: من الهوتة8،
__________
1 السدم: الهم.
2 يريد خدمته عضد الدولة بن بويه. وقد صنف له الإيضاح والتكملة.
3 أي اضطرابه واختلافه كتذاؤب الرياح. وقد أثبت "تذاؤبه" بالمعجمة، وفي
أ: "تداؤبه" بالمهملة. وفي ش، ب: "تداويه"، وكلاهما تحريف.
4 الأشطان جمع شطن وهو الحبل، وخلج الأشطان جذبها وانتزاعها. وضبط في أ
"خلج" بالتحريك. والخلج: الفساد فالمعنى: فساد أشطانه وأسبابه.
5 المعازة: المغالبة.
6 يقال: اعتنف الأمر: أخذه بعنف. يريد أنه يأخذ خاطره بالشدة.
7 أي جهده والإلحاح عليه. وقوله: "اكتداده" كذا في أ، ب. وفي ش:
"اكتداره". وهو تحريف.
8 بفتح الهاء وضمها.
(1/278)
وهي المنخفض من الأرض -قال: وكذلك " هيت "
لهذا البلد1، لأنه منخفض من الأرض- فأصله2 هوتيت، ثم أبدلت الواو التي
هي عين فعليت وإن كانت ساكنة؛ كما أبدلت في ياجل3 وياحل3، فصار هاتيت
وهذا لطيف حسن. على أن صاحب العين قد قال: إن الهاء فيه بدل من همزة
كهرقت ونحوه. والذي يجمع بين هاتيت وبين الهوتة حتى دعا ذلك أبا علي
إلى ما قال به أن الأرض المنخفضة تجذب إلى نفسها بانخفاضها. وكذلك
قولك: هات إنما هو استدعاء منك للشيء واجتذابه إليك. وكذلك صاحب العين
إنما حمله على اعتقاد بدل الهاء من الهمزة أنه أخذه من أتيت الشيء
والإتيان ضرب من الانجذاب إلى الشيء. والذي ذهب إليه أبو علي في "هاتيت
" غريب لطيف.
ومما يستحيل فيه التقدير لانتقاله من صورة إلى أخرى قولهم "هلممت" إذا
قلت: هلم. فهلممت الآن كصعررت وشمللت وأصله قبل غير هذا إنما هو أول4
"ها " للتنبيه لحقت مثال الأمر للمواجه توكيدًا. وأصلها5 ها لُمَّ فكثر
استعمالها وخلطت "ها " بـ "لم " توكيدًا للمعنى لشدة الاتصال فحذفت
الألف لذلك ولأن لام " لم " في الأصل ساكنة ألا ترى أن تقديرها أول
"المم " وكذلك يقولها أهل الحجاز ثم زال هذا كله بقولهم "هلممت " فصارت
كأنها فعللت من لفظ "الهلمام "6 وتنوسيت حال التركيب. وكأن الذي صرفهما
جميعًا عن ظاهر حاله حتى دعا أبا علي إلى أن جعله من "الهوتة " وغيره
من لفظ أتيت عدم تركيب7 ظاهره،
__________
1 هو بلد على شاطئ الفرات، وعلى هذا فالياء في هيت أصلها الواو.
2 أي أصل هاتيت.
3 والأصل: يوجل ويوحل.
4 هو هنا ظرف.
5 كذا في أ. وفي ش، ب: "فأصلها".
6 كذا في ج. وفي أ، ب، ش: "الهلمان". وكذا في عبارة اللسان في "هلم".
7 يريد أن تأليفه غير موجود في اللغة، فلذلك اعتمد تخريجه على غير
ظاهره. وهو عود إلى الكلام على هاتيت.
(1/279)
ألا ترى أنه ليس في كلامهم تركيب "هـ ت و "
ولا "هـ ت ي " فنزلا جميعًا عن بادي أمره إلى لفظ غيره.
فهذه طريق اختلاف التقدير وهي واسعة غير أني قد نبهت عليها فأمض الرأي
والصنعة فيما يأتي منها.
ومن لفظ "الهوتة " ومعناها قولهم مضى1 هيتاء2 من الليل؛ وهو فعلاء منه
ألا تراهم قالوا: قد تهور3 الليل، ولو كسرت "هيتاء " لقلت "هواتي "
وقريب من لفظه ومعناه قول الله سبحانه: {هَيْتَ لَكَ} إنما معناه هلم
لك وهذا اجتذاب واستدعاء له؛ قال:
أن العراق وأهله ... عنق إليك فهيت هيتا4
__________
1 كأن الليل بذهاب وقت منه ينخفض وتذهب قمته.
2 أي وقت منه.
3 أي ذهب أكثره. وفي ذلك معنى الانخفاض. وتراه "تهور" بالراء وهو هكذا
في أ، ب، ش. وفي ج: "تهوت". ولعمري لو جاءت هذه الصيغة في اللغة لكانت
هي الجودي، ولكنها لم تجئ.
4 هذا ثاني بيتين أنشدهما الفراء لشاعر في علي -رضي الله عنه- أولهما:
أبلغ أمير المؤمنيـ ... ـن أخا العراق إذا أتينا
وترى أن السياق يقضي بفتح أن. وقد روي كسرها على قطعه عما قبله أو على
تأويل أبلغ بقل. وقوله: عنق أي مائلون. وانظر اللسان "هيت" وشرح المفصل
4/ 32.
(1/280)
باب في الفرق 1 بين تقدير الإعراب وتفسير
المعنى:
هذا الموضع كثيرًا ما يستهوي من يضعف نظره إلى أن يقوده إلى إفساد
الصنعة. وذلك كقولهم في تفسير قولنا "أهلَكَ والليلَ " معناه الحق أهلك
قبل الليل، فربما دعا ذاك من لا دربة له إلى أن يقول "أهلك والليل "
فيجره وإنما تقديره الحق أهلك وسابق الليل. وكذلك قولنا زيد قام: ربما
ظن بعضهم أن زيدًا
هنا فاعل في الصنعة، كما أنه فاعل في المعنى. وكذلك تفسير معنى قولنا:
سرني قيام هذا وقعود ذاك، بأنه سرني أن قام هذا وأن قعد ذاك، ربما2
اعتقد في هذا وذاك أنهما في موضع3 رفع لأنهما فاعلان في المعنى. ولا
تستصغر هذا الموضع؛ فإن العرب أيضًا قد مرت به وشمت روائحه وراعته.
وذلك أن الأصمعي أنشد في جملة أراجيزه شعرًا من مشطور السريع طويلًا
ممدودًا مقيدًا التزم الشاعر فيه أن جعل قوافيه كلها في موضع جر إلا
بيتًا واحدًا من الشعر 4:
يستمسكون من حذار الإلقاء ... بتلعات كجذوع الصيصاء5
رِدِي رِدِي وِردَ قطاة صماء ... كدرية أعجبها برد الماء6
تطرد قوافيها كلها على الجر إلا بيتا واحدا، وهو قوله:
كأنها وقد رآها الرؤاء7
والذي سوغه8 ذاك -على ما التزمه في جميع القوافي- ما كنا على سمته من
القول. وذلك أنه لما كان معناه: كأنها في وقت رؤية الرؤاء تصور معنى
الجر من هذا الموضع فجاز أن يخلط هذا البيت بسائر الأبيات وكأنه لذلك
لم يخالف.
__________
1 كذا في ش. وفي أ، ب: "فرق". وفي ج: "فرق تقدير".
2 كذا في أ، وفي ب، ش: "وربما".
3 هما في موضع رفع زيادة عن مكان الجر الإضافة. ويظهر هذا في التابع.
فلا غرابة فيه وإنما الوهم الذي يحذر منه ابن جني أن يعتقد أنه ليس إلا
مرفوعا، حتى لو قيل يعجبني قيام زيد رفع زيد. وانظر فيما يأتي ص283.
4 في أبعد "الشعر": "قوله". وما هنا في ش، ب.
5 نسبه في اللسان في "تلع" إلى غيلان الربعي. وذكر ابن جني في الجزء
الثاني من هذا الكتاب "باب التطوع بما لا يلزم" قصيدة لغيلان على هذا
الروي، وليس فيها ما أورد هنا إلا:
كأنها وقد رآها الرؤاء
وهو يصف قوما في سفينة. يقول: إنهم يمسكون بسكانات السفينة -وسكانها
ذنبها الذي به تعدل وهو المعروف بالدفة- وهي طويلة تلعات كجذوع
الصيصاء؛ وهو ثمر نخله طويل، وقد كني بالنلعات عن السكانات لطولها،
وإنما يمسكون بها خشية أن تلقيهم في البحر فيهلكوا. والشعر في إصلاح
المنطق.
6 يخاطب السفينة فيقول، ردي حتى تصلي المرفأ كما ترد قطاة صماء؛ وصممها
ضيق أذنيها.
7 انظر تكملة هذا الشطر في الجزء الثاني من الخصائص "باب التطوع بما لا
يلزم".
8 كذا في أ. وفي ب: "سوغ له".
(1/281)
ونظير هذا عندي قول طرفة:
في جفان تعتري نادينا ... وسديف حين هاج الصِنَّبِر1
يريد الصِنَّبر فاحتاج للقافية إلى تحريك الباء فتطرق إلى ذلك بنقل
حركة الإعراب إليها تشبيهًا بباب قولهم: هذا بكر ومررت ببكر وكان يجب
على هذا أن يضم الباء فيقول: الصَنَّبُر لأن الراء مضمومة إلا أنه تصور
معنى إضافة الظرف إلى الفعل فصار إلى أنه كأنه قال: حين هيج الصنبر
فلما احتاج إلى حركة الباء تصور معنى الجر فكسر الباء وكأنه قد نقل
الكسرة عن الراء إليها. ولولا ما أوردته في هذا لكان الضم مكان الكسر
2. وهذا أقرب مأخذًا من أن تقول: إنه حرّف القافية للضرورة كما حرفها
الآخر في قوله 3:
هل عرفت الدار أم أنكرتها ... بين تبراك فشسَّى عبقُر4
في قول من قال: أراد عبقر5، ثم حرف الكلمة. ونحوه في التحريف قول
العبد6:
__________
1 الصنبر: الريح الباردة. والسديف: السنام أو شحمه. والبيت من قصيدة له
في الديوان 63 مطلعها:
أصحوت اليوم أم شاقتك هر ... ومن الحب جنون مستعر
2 ألف البدر الدماميني في قول طرفة هذا: "حين هاج الصنبر" بفاعل للفعل
مجرور، وأجاب عنه الشيخ السجاعي بمضمون كلام ابن جني، ولم ينسب هذا إلى
ابن جني فعابه عليه الجبرتي. انظر هذا في تاريخ الجبرتي في ترجمة
السجاعي في الجزء الثاني ص80 وانظر كتابه الأمير على المغني في مبحث
الجملة الرابعة من الجمل التي لها محل من الإعراب في الباب الثاني.
3 أي المرار العدوي كما في معجم البلدان في عبقر.
4 تراك وعبقر موضعان و"شسي" تثنية شس، هو المكان الغليظ.
5 ومن اللغويين من يقول: أراد: عيقر. انظر اللسان في "عبقر".
6 هو سحيم عبد بني الحسحاس. وهو من قصيدة له في الديوان المطبوع في دار
الكتب المصرية ص42 وما بعدها.
(1/282)
وما دمية من دمى ميسنا ... ن معجبة نظرًا
واتصافا1
أراد -فيما قيل- ميسان2، فزاد النون ضرورة، فهذا -لعمري- تحريف بتعجرف
عار من الصنعة. والذي ذهبت أنا إليه هناك في "الصنبِر " ليس عاريًا من
الصنعة. فإن قلت: فإن الإضافة في قوله "حين هاج الصنبر " إنما هي إلى
الفعل لا إلى الفاعل فكيف حرفت غير المضاف إليه؟ قيل الفعل مع الفاعل3
كالجزء الواحد وأقوى الجزأين منهما هو الفاعل فكأن الإضافة إنما هي
إليه لا إلى الفعل فلذلك جاز أن يتصور فيه معنى الجر.
فإن قيل: فأنت إذا أضفت المصدر إلى الفاعل جررته في اللفظ واعتقدت مع
هذا أنه في المعنى مرفوع فإذا كان في اللفظ أيضًا مرفوعًا فكيف يسوغ لك
بعد حصوله في موضعه من استحقاقه الرفع لفظًا ومعنى أن تحور به فتتوهمه
مجرورًا؟ قيل هذا الذي أردناه وتصورناه هو مؤكد للمعنى الأول لأنك كما
تصورت في المجرور معنى الرفع كذلك تممت حال الشبه بينهما فتصورت في
المرفوع معنى الجر. ألا ترى أن سيبويه لما شبه الضارب الرجل بالحسن
الوجه وتمثل ذلك في نفسه ورسا في تصوره زاد في تمكين هذه الحال له
وتثبيتها عليه, بأن عاد فشبه الحسن الوجه بالضارب الرجل في الجر كل ذلك
تفعله العرب, وتعتقده العلماء في الأمرين ليقوى تشابههما4 وتعمر ذات
بينهما، ولا يكونا على
__________
1 قبله -وهو مطلع القصيدة:
ألم خيال عشاء فطأفا ... ولم يك إذ طاف إلا اختطافا
لمية إذ طرقت موهنا ... فأضحى بها دنفا مستجافا
وبعده:
بأحسن منها غداة الرحيـ ... ـل قامت ترائيك وحفا غدافا
2 هي كورة بين البصرة وواسط كما في ياقوت. والبيت في اللسان "ميس
ووصف".
3 كذا في ش، ب. وفي أ: "الفاعل مع الفعل".
4 بالبناء للفاعل كما ضبط في أ. يقال: عمر الشيء, كنصر وكرم وسمع: صار
عامرا كما في القاموس.
(1/283)
حرد1، وتناظر غير مجد، فاعرف هذا من مذهب
القوم واقتفه تصب بإذن الله تعالى.
ومن ذلك قولهم في قول العرب: كل رجل وصنعته2، وأنت وشأنك: معناه أنت مع
شأنك وكل رجل مع صنعته فهذا يوهم من أمم أن الثاني خبر عن الأول كما
أنه إذا قال أنت مع شأنك فإن قوله "مع شأنك " خبر عن أنت. وليس الأمر
كذلك بل لعمري إن المعنى عليه غير أن تقدير الأعراب على غيره. وإنما "
شأنك" معطوف على "أنت " والخبر محذوف للحمل على المعنى, فكأنه قال: كل
رجل وصنعته مقرونان وأنت وشأنك مصطحبان. وعليه جاء العطف بالنصب مع أن؛
قال:
أغار على معزاي لم يدر أنني ... وصفراء منها عبلة الصفوات3
ومن ذلك قولهم أنت ظالم إن فعلت ألا تراهم يقولون في معناه: إن فعلت
فأنت ظالم فهذا ربما أوهم أن "أنت ظالم" جواب مقدم ومعاذ الله أن يقدم
جواب الشرط عليه وإنما قوله "أنت ظالم " دال على الجواب وساد مسده فأما
أن يكون هو الجواب فلا.
ومن ذلك قولهم في عليك زيدًا: إن معناه خذ زيدًا وهو -لعمري- كذلك, إلا
أن "زيدًا " الآن إنما هو منصوب بنفس " عليك " من حيث كان اسمًا لفعل
متعد لا أنه منصوب بـ "خذ ".
ألا ترى إلى فرق ما4 بين تقدير الإعراب وتفسير المعنى فإذا مر بك شيء
من هذا عن أصحابنا فاحفظ نفسك منه ولا تسترسل إليه فإن أمكنك أن يكون
__________
1 أي على غضب واغتياظ، يقال: حرد الرجل إذا اغتاظ فتحرش بالذي غاظه.
2 كذا في أ. وفي ب، ش، ج: "ضيعته". والضيعة هنا: حرفة الرجل وتجارته
وصناعته.
3 أورده في اللسان "معز". و"صفراء" يريد قوسا. والصفوات حجارة ملس
مسواة، وكأنها كان يرمى بها مكان السهام. وقوله "أغار" أي الذئب أو
السبع.
4 كذا في ش، ب. وفي سقط هذا اللفظ "ما" في أ.
(1/284)
تقدير الإعراب على سمت تفسير المعنى فهو ما
لا غاية وراءه وإن كان تقدير الإعراب مخالفًا لتفسير المعنى تقبلت1
تفسير المعنى على ما هو عليه، صححت طريق تقدير الإعراب حتى لا يشذ شيء
منها عليك وإياك أن تسترسل فتفسد ما تؤثر إصلاحه ألا تراك تفسر نحو
قولهم: ضربت زيدًا سوطًا أن معناه ضربت زيدًا ضربة بسوط. وهو -لا شك-
كذلك ولكن طريق إعرابه أنه على حذف المضاف, أي ضربته ضربة سوط ثم حذفت
الضربة على عبرة حذف المضاف. ولو ذهبت تتأول ضربته سوطًا على أن تقدير
إعرابه: ضربة بسوط كما أن معناه كذلك للزمك أن تقدر أنك حذفت الباء كما
تحذف حرف الجر في نحو قوله: أمرتك الخير2، وأستغفر3 الله ذنبًا فتحتاج
إلى اعتذار من حذف حرف الجر وقد غنيت عن ذلك كله بقولك 4: إنه على حذف
المضاف أي ضربة سوط ومعناه ضربة بسوط فهذا -لعمري- معناه، فأما طريق
إعرابه وتقديره فحذف المضاف.
باب في أن المحذوف إذا دلت الدلالة عليه كان في حكم الملفوظ به، إلا أن
يعترض هناك من صناعة اللفظ ما يمنع منه:
من ذلك أن ترى رجلا قد سدد سهمًا نحو الغرض ثم أرسله فتسمع صوتًا
فتقول: القرطاس والله أي أصاب القرطاس. فـ "أصاب " الآن في حكم الملفوظ
به
__________
1 كذا في أ، ب. وفي ش: "تركت". وهو بخط مغاير ويبدو أنه إصلاح من
الشنقيطي أو كتابة في موضع ترك بياضا.
2 يريد قول الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
وانظر الكتاب 1/ 17، والخزانة 1/ 164.
3 يريد قول الشاعر:
أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل
وانظر الخزانة 1/ 486.
4 كذا في أ. وفي ش، ب: "بقوله".
5 كذا في ش، ب. وفي أ: "فأما على طريق".
(1/285)
البتة، وإن لم يوجد في اللفظ، غير أن دلالة
الحال عليه نابت مناب اللفظ به. وكذلك قولهم لرجل مهو بسيف في يده:
زيدًا, أي اضرب زيدًا. فصارت شهادة الحال بالفعل بدلا من اللفظ به.
وكذلك قولك للقادم من سفر: خير مقدم أي قدمت خير مقدم وقولك: قد مررت
برجل إن زيدًا1 وإن عمرًا أي إن كان زيدًا وإن كان عمرًا وقولك للقادم
من حجه: مبرور مأجور أي أنت مبرور مأجور, ومبرورًا مأجورًا2 أي قدمت
مبرورًا مأجورًا وكذلك قوله 3:
رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الغداة من جلله4
أي رب رسم دار. وكان رؤبة إذا قيل له: كيف أصبحت؟ يقول: خير عافاك الله
-أي بخير- يحذف5 الباء لدلالة الحال عليها بجري العادة والعرف بها.
وكذلك قولهم: الذي ضربت زيد تريد الهاء وتحذفها لأن في الموضع دليلا
عليها. وعلى نحو من هذا تتوجه عندنا قراءة حمزة وهي قوله سبحانه:
"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامِ " ليست هذه القراءة عندنا من
الإبعاد والفحش والشناعة والضعف على ما رآه فيها وذهب إليه أبو
العباس6، بل الأمر فيها دون ذلك وأقرب وأخف وألطف وذلك أن لحمزة أن
يقول لأبي العباس: إنني لم أحمل " الأرحام " على العطف على المجرور
المضمر بل اعتقدت أن تكون فيه باء ثانية حتى كأني7 قلت: "وبالأرحام "
ثم حذفت الباء لتقدم ذكرها؛ كما حذفت لتقدم
__________
1 كذا في أ. وفي ش، ب: "أر".
2 انظر مجالس ثعلب 91.
3 هو جميل بن عبد الله بن معمر، صاحب بثينة. وانظر الأمالي 1/ 346
والسمط 557 والخزانة 4/ 199 والعيني 3/ 339، والسيوطي 126.
4 هذا البيت من شواهد النحو في مباحث حرف الجر، وهو مطلع القصيدة،
وبعده:
موحشا ما ترى به أحدا ... تنسج الريح ترب معتدله
واقفا في رباع أم جبير ... من ضحا يومه إلى أصله
5 كذا في ج وفي أ، ب، ش: "ويحذف".
6 يريد المبرد. وانظر الكامل 6/ 155، وشرح المفصل 3/ 78.
7 كذا في أ، ب. وفي ب: "كأن".
(1/286)
ذكرها في نحو قولك: بمن تمرر أمرر وعلى من
تنزل أنزل ولم تقل: أمرر به ولا أنزل عليه لكن حذفت الحرفين لتقدم
ذكرهما. وإذا جاز للفرزدق أن يحذف حرف الجر لدلالة ما قبله عليه "مع
مخالفته له في الحكم "1 في قوله:
وإني من قوم بهم يتقى العدا ... ورأب الثأى والجانب المتخوف2
أراد: وبهم رأب الثأى فحذف الباء في هذا الموضع لتقدمها في قوله: بهم
يتقى العدا وإن كانت حالاهما مختلفتين 3. ألا ترى أن4 الباء في قوله5:
"بهم يتقى العدا " منصوبة الموضع لتعلقها بالفعل الظاهر الذي هو يتقى
كقولك: بالسيف يضرب زيد والباء في قوله: "وبهم رأب الثأى " مرفوعة
الموضع عند6 قوم، وعلى كل حال فهي متعلقة بمحذوف ورافعه7 الرأب -ونظائر
هذا كثيرة- كان8 حذف الباء من قوله "والأرحام " لمشابهتها الباء في "به
" موضعًا وحكمًا أجدر وقد أجازوا تبًّا له وويل على تقدير وويل له
فحذفوها وإن كانت اللام في "تبًّا له " لا ضمير فيها وهي
__________
1 كذا في ب، ش. وفي أ: "مع مخالفته في الحكم له".
2 من نقيضة الفرزدق التي مطلعها:
عزفت بأعشاش وما كدت تعزف ... وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف
وانظر النقائض 64 طبعة أوروبا، واللسان "رأب".
3 كذا في أ، ب، وفي ش: "مختلفين".
4 كذا في أ، ب. وقد سقط هذا الحرف في ش.
5 كذا في أ، ب. وفي ش: "قولهم".
6 كأنه يريد أن يجعل خبرا، وهذا وجه الآخران أن يكون "بهم" صفة "قوم"،
و"رأب" فاعل به، وعلى هذا فقوله "بهم" مجرور الموضع. وهذا الوجه لا
يريده هنا إذ هو قريب من "بالسيف يضرب زيد".
7 كذا في ب. والمعنى عليه صحيح. أي "بهم" خبر والرأب مبتدأ والخبر
رافعه المبتدأ عند البصريين. وفي أ، ش: "رافعة الرأب" وهو لا يستقيم
على رأي البصريين.
8 جواب "إذا جاز للفرزدق".
(1/287)
متعلقة بنفس1 "تبًا " مثلها في هلم لك
وكانت اللام في "ويل له " خبرًا ومتعلقة بمحذوف وفيها ضمير فهذا عروض2
بيت الفرزدق.
فإن قلت: فإذا كان المحذوف للدلالة عليه عندك بمنزلة الظاهر فهل تجيز
توكيد الهاء المحذوفة في نحو قولك: الذي ضربت زيد فتقول: الذي ضربت
نفسه زيد كما تقول: الذي ضربته نفسه زيد قيل: هذا عندنا غير جائز؛ وليس
ذلك لأن المحذوف هنا ليس بمنزلة المثبت بل لأمر آخر وهو أن الحذف هنا
إنما الغرض به3 التخفيف لطول الاسم فلو ذهبت تؤكده لنقضت4 الغرض. وذلك
أن التوكيد والإسهاب ضد التخفيف والإيجاز فلما كان الأمر كذلك تدافع
الحكمان فلم يجز أن يجتمعا كما لا يجوز ادغام الملحق لما فيه من نقض
الغرض. وكذلك قولهم لمن سدد سهمًا ثم أرسله نحو الغرض فسمعت صوتًا
فقلت: القرطاس والله أي أصاب القرطاس: لا يجوز توكيد الفعل الذي نصب
"القرطاس ". لو قلت: إصابةً القرطاس فجعلت "إصابة " مصدرًا للفعل
الناصب للقرطاس لم يجز من قبل أن الفعل هنا قد حذفته العرب وجعلت الحال
المشاهدة دالة عليه, ونائبة عنه فلو أكدته لنقضت الغرض لأن في توكيده
تثبيتًا للفظه المختزل, ورجوعًا عن المعتزم من حذفه واطراحه والاكتفاء
بغيره منه. وكذلك قولك للمهوي
__________
1 المعروف أن اللام في مثل هذا للتبيين. وتقدير الكلام "له أعني" أو
"إرادتي له"، وليست متعلقة بنفس "تبا"، نعم يجيز الصبان إذا كان
المجرور غير المخاطب كما هنا أن يتعلق بالمصدر، ولكن ابن جني لا يرى
هذا التفصيل، يدل على ذلك تنظيره بهلم لك. واللام في المثال الأخير
للتبيين عند الصبان أيضا. انظر صبان الأشموني في مبحث المفعول المطلق.
2 أي مثيله. يقال: هذه المسألة عروض تلك أي نظيرها، وقد يقال لابن جني:
إن في بيت الفرزدق وفي،"تبا له وويل" حذف الجار والمجرور، وهو خبر،
وحذف الخبر سنن مألوف، ومنهج معروف، فأما قراءة حمزة ففيها حذف الجار
وإبقاء جزء، وهذا موضع القول والمؤاخذة.
3 كذا في ش، وفي أ: "فيه".
4 انظر ص128 من هذا الجزء.
(1/288)
بالسيف في يده: زيدًا أي اضرب زيدًا لم يجز
أن تؤكد ذلك الفعل الناصب لزيد ألا تراك لا تقول: ضربًا زيدًا وأنت
تجعل "ضربًا " توكيدًا لاضرب المقدرة من قبل أن تلك اللفظة قد أنيبت
عنها الحال الدالة عليها وحذفت هي اختصارًا فلو أكدتها لنقضت القضية
التي كنت حكمت بها لها لكن لك أن تقول: ضربًا زيدًا لا على أن تجعل
ضربًا توكيدًا للفعل الناصب لزيد بل على أن تبدله منه فتقيمه مقامه
فتنصب به زيدًا فأما على التوكيد به لفعله وأن يكون زيد منصوبًا بالفعل
الذي هذا1 توكيد له فلا.
فهذه الأشياء لولا ما عرض من صناعة اللفظ -أعني الاقتصار على شيء2 دون
شيء- لكان توكيدها جائزًا حسنًا لكن "عارض ما منع "3 فلذلك لم يجز؛ لا
لأن المحذوف ليس في تقدير الملفوظ به.
ومما يؤكد لك أن المحذوف للدلالة عليه بمنزلة الملفوظ به إنشادهم قول
الشاعر 4:
قاتلي القوم يا خزاع ولا ... يأخذكم من قتالهم فشل5
فتمام الوزن أن يقال: فقاتلي القوم فلولا أن المحذوف إذا دل الدليل
عليه بمنزلة المثبت لكان هذا كسرًا لا زخافًا. وهذا من أقوى وأعلى ما
يحتج به لأن المحذوف للدلالة عليه بمنزلة الملفوظ به البتة فاعرفه
واشدد يدك به.
__________
1 في د، هـ: "هو".
2 كذا في أ. وفي ش، ب: "الشيء".
3 كذا في أ. وفي ش. ب: "لكن عارض عرض ما منع".
4 هو الشداخ بن يعمر الكناني من شعراء الحماسة، وهو جاهلي. وليس
الشماخ، كما في شرح الدماميني للخزرجية 40، فهو تحريف.
5 البيت من المنسرح وقد دخله الخرم، ولو قال: "فقاتلي" نجا من ذلك. وقد
ذكره أبو رياش كاملا هكذا. وانظر التبريزي في شرح الحماسة. ونهاية
الشطر الأول "لا" وانظر الدماميني في الموطن السابق.
(1/289)
وعلى الجملة فكل ما حذف تخفيفًا فلا يجوز
توكيده لتدافع حاليه به من حيث1 التوكيد للإسهاب والإطناب والحذف
للاختصار والإيجاز. فاعرف ذلك مذهبًا للعرب.
ومما يدلك على صحة ذلك قول العرب -فيما رويناه عن محمد بن الحسن عن
أحمد بن يحيى: "راكب الناقة طليحان " كذا رويناه هكذا وهو يحتمل2 عندي
وجهين:
أحدهما ما نحن عليه من الحذف فكأنه قال: راكب الناقة والناقة طليحان
فحذف المعطوف لأمرين: أحدهما تقدم ذكر الناقة والشيء إذا تقدم ذكره دل3
على ما هو مثله. ومثله من حذف المعطوف قول الله عز وجل: {فَقُلْنَا
اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ
عَيْنًا} أي فضرب فانفجرت. فحذف " فضرب " لأنه معطوف على قوله: "فقلنا
". وكذلك قول التغلبي 4:
إذا ما الماء خالطها سخينا5
أي شربنا6 فسخينا. فكذلك قوله: راكب الناقة طليحان أي راكب الناقة
والناقة طليحان.
فإن قلت: فهلا كان التقدير على حذف المعطوف عليه أي الناقة وراكب
الناقة طليحان قيل يبعد ذلك من وجهين:
__________
1 كذا في الأصول. والأحسن في التعبير: من حيث إن.
2 انظر في تخريجه أيضًا التصريح على التوضيح، والأشموني في آخر مباحث
عطف النسق.
3 كذا في أ. وسقط هذا في ش، ب.
4 يريد عمرو بن كلثوم صاحب المعلقة التي أولها:
ألا هبي بصحنك فاصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا
5 صدره في وصف الخمر:
مشعشعة كأن الحص فيها
6 هذا وجه في فهم البيت، ويرى بعضهم أن "سخينا" وصف من السخونة وهو حال
من الضمير في خالطها، وذلك مزج الخمر بالماء الساخن.
(1/290)
أحدهما أن الحذف اتساع والاتساع بابه آخر
الكلام وأوسطه لا صدره وأوله ألا ترى أن من اتسع بزيادة " كان" حشوًا
أو آخرًا لا يجيز زيادتها أولا, وأن من اتسع بزيادة " ما " حشوًا وغير
أول لم يستجز زيادتها أولًا إلا في شاذ من القول نحو قوله:
وقد ما هاجني فازددت شوقا ... بكاء حمامتين تجاوبان
فيمن رواه " وقدما " بزيادة " ما " على أنه يريد: وقد هاجني لا فيمن
رواه فقال: "وقدمًا هاجني " أي وقديمًا هاجني.
والآخر أنه لو كان تقديره: الناقة وراكب الناقة طليحان لكان قد حذف حرف
العطف وبقي المعطوف به وهذا شاذ إنما حكى منه أبو عثمان عن أبي زيد:
أكلت لحمًا سمكًا تمرًا، وأنشد أبو الحسن:
كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يزرع الود في فؤاد الكريم2
وأنشد ابن الأعرابي 3:
وكيف لا أبكي على علاتي ... صبائحي غبائقي قيلاتي4
__________
1 لجحدر اللص قصيدة طويلة فيها هذا البيت، لكن بلفظ: "ومما هاجني" في
موضع: "وقد ما هاجني" وانظر الأمالي 1/ 281، والخزانة 4/ 483 ومعجم
البلدان "حجر" وشواهد المغني للسيوطي 139.
2 حذف فيه حرف العطف والأصل: كيف أصبحت، وكيف أمسيت، أي إبداء التحية
يعمل على الود والمحبة. والبيت في ديوان المعاني 2/ 225 عن أبي زيد.
وفيه: "يثبت" في مكان "يزرع".
3 في اللسان في "قيل": "الأزهري: أنشدني أعرابي:
ما لي لا أسقي حبيباتي ... وهن يوم الورد أمهاتي
صبائحي غبائق قيلاتي
أراد بحبيباته إبله التي يشرب ألبانها جعلهن كأمهاته، فهل ترى ما هنا
محرقا في اللسان، والظاهر أن هذه رواية أخرى عن ابن الأعرابي.
4 العلات جمع علة وكأنه يريد هنا ما يتعلل به، وفسرها بالصبائح
والغبائق والقيلات. يريد نوقا يحلبها صباحا وبعد المغرب وفي القائلة.
فالصبائح جمع صبوح، والغبائق جمع غبوق، والقيلات جمع قيلة.
(1/291)
وهذا كله شاذ ولعله جميع ما جاء منه. وأما
على القول الآخر فإنه -لعمري- قد حذف حرف العطف مع1 المعطوف به وهذا ما
لا بد منه؛ ألا ترى أنه إذا حذف المعطوف لم يجز أن يبقى الحرف العاطفه
قبله بحاله؛ لأن حرف العطف لا يجوز تعليقه2. فإن قلت فقد قال3:
قد وعدتني أم عمرو أن تا ... تدهن رأسي وتفليني وا4
وتمسح القنفاء حتى تنتا
فإنما جاز هذا لضرورة الشعر, ولأنه أيضًا قد أعاد الحرف في أول البيت
الثاني فجاز تعليق الأول بعد أن دعمه بحرف الإطلاق وأعاده فعرف ما أراد
بالأول فجرى مجرى قوله 5:
عجل لنا هذا وألحقنا بذا ال ... الشحم إنا قد مللناه بجل6
فكما7 علق حرف التعريف مدعومًا بألف الوصل وأعاده فيما بعد فكذلك علق
حرف العطف مدعومًا بحرف الإطلاق وأعاده فيما بعد. فإن قلت: فألف قوله "
وا "8 ملفوظ بها وألف الوصل في قوله "بذا ال " غير ملفوظ بها قيل: لو
ابتدأت اللام لم يكن من الهمزة بد. فإن قلت: أفيجوز على هذا "قام
زيدوه, وعمرو " فتجري
__________
1 كذا في أ. وفي ش، ب: "من".
2 يريد بذلك ألا يكون له تأثير ظاهر يحذف المعطوف.
3 أي حكم بن معية التميمي. انظر الموشح20.
4 "تفليني" في أ، ب: "تفديني" وقوله: "وا" كذا في أ، ب. وفي اللسان في
"تتأ" و"قنف" و"فلى". وقد أصلحت في ش: "واتا" وهو إفساد للشعر ومجافاة
للرواية "والقنفاء" الكمرة، و"تنتا" أي تنتأ وتبدو، وضبط في الموشح
"تنتا" بكسر التاء وهي لغة.
5 نسب في سيبويه 2/ 273 إلى غيلان وهو غيلان بن حريث الربعي الراجز كما
في العيني 1/ 510 على هامش الخزانة.
6 "الشحم" في سيبويه والعيني "بالشحم" و"بجل" أي حسب، وقوله "بذا ال"
رسم في أ، والكتاب "بذل".
7 كذا في أ، ب. وفي ش: "وكما".
8 كذا في أ، ب. وفي ش: "تا".
(1/292)
هاء1 بيان الحركة ألف الإطلاق؟ فإنه2 أضعف
القياسين. وذلك أن ألف الإطلاق أشبه بما صيغ في الكلمة من هاء بيان
الحركة ألا ترى إلى ما جاء من قوله 3:
ولاعب بالعشي بني بنينه ... كفعل الهر يحترش العظايا4
فأبعده الإله ولا يؤبى ... ولا يسقى من المرض الشفايا5
وقرأته على أبي علي: ولا يشفى. ألا ترى أن أبا6 عثمان قال: شبه ألف
الإطلاق بتاء التأنيث أي فصحح اللام لها كما يصححها للهاء وليست كذلك
هاء بيان الحركة لأنها لم تقو قوة تاء التأنيث أولا ترى أن ياء الإطلاق
في قوله:
... .. . كله لم أصنعي7
قد نابت عن الضمير العائد حتى كأنه قال: لم أصنعه فلذلك كان "وا " من
قوله " وتفليني وا " كأنه لاتصاله بالألف غير معلق. فإذا كان في اللفظ
كأنه غير معلق وعاد من بعد معطوفًا به لم يكن هناك كبير مكروه فيعتذر
منه.
__________
1 يريد هاء السكت.
2 هذا جواب قوله: "فإن قلت أفيجوز".
3 هو أعصر ابن سعد بن قيس عيلان كما اللسان في "حما". وفي حماسة
البحتري 324 هذه الأبيات ببعض تغيير عما في اللسان منسوبة إلى المستوغر
بن ربيعة، وكذا في طبقات ابن سلام طبعة أوروبا 12.
4 قبله:
إذا ما المرء صم فلم يكلم ... وأعيا سمعه إلا ندايا
والعظاء واحدها عظاية وهي دويبة. واحتراشها: صيدها.
5 "يؤبى" كذا في أ. وفي ش، ب: "تؤبى" و"الشفايا" كذا في ش، ب. وهو
الصواب. وفي أ: "الشفأ ا" يراد الشفاءا وهو خطأ.
6 يريد المازني. وقد جاء هذا في تصريف المازني ص459 تيمور والعبارة
فيه: "فإن الشاعر شبه ألف النصب بها التأنيث حين قال عظاية وصلاية وما
أشبهه".
7 هذا جزء من بيت تمامه:
قد أصبحت أم الخيار تدعي ... علي ذنبا كله لم أصنع
وهو من أرجوزة لأبي النجم العجلي. وانظر الكتاب 1/ 44، والخزانة في
الشاهد 56.
(1/293)
فإن قلت: فإن هاء بيان الحركة قد عاقبت لام
الفعل؛ نحو ارمه, واغزه, واخشه, فهذا يقويها, فإنه موضع لا يجوز1 أن
يسوى به بينها وبين ألف الإطلاق. والوجه الآخر الذي لأجله حسن حذف
المعطوف أن الخبر جاء بلفظ التثنية2، فكان ذلك دليلا على أن المخبر عنه
اثنان. فدل الخبر على حال المخبر عنه. إذ كان الثاني هو الأول. فهذا
أحد وجهي3 ما تحتمله الحكاية.
والآخر4 أن يكون الكلام محمولا على حذف المضاف أي راكب الناقة أحد
طليحين, كما يحتمل ذلك قوله سبحانه: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ
وَالْمَرْجَانُ} أي من أحدهما وقد ذهب5 فيه إليه فيما حكاه أبو الحسن.
فالوجه6 الأول وهو ما كنا عليه: من أن المحذوف من اللفظ إذا دلت
الدلالة عليه كان بمنزلة الملفوظ به, ألا ترى أن الخبر لما جاء مثنى دل
على أن المخبر عنه مثنى كذلك أيضًا، وفي هذا القول7 دليل على ما يرد من
نحوه بمشيئة الله "وحوله"8.
__________
1 كذا في ش، ب. وفي أ: "ما".
2 كذا في أ. وفي ش، ب: "التنبيه". وهو تصحيف، يريد قوله: "طليحان".
3 كذا في ش، ب. وسقط هذا في أ.
4 هذا مقابل قوله في ص290: "أحدهما ما نحن عليه من الحذف".
5 في الحجة بعد أن أورد ما ذكره المؤلف: "وقال أبو الحسن: زعم قوم أنه
يخرج من العذب أيضًا" ويخطر في خلدي لهذا أنه سقط هنا بعد "أحدهما":
"لا منهما".
6 كذا في أ. وفي ش، ب: "فالأوجه".
7 كذا في أ. وفي ش، ب: "القدر".
8 زيادة في ش، ب. وقد خلت منها أ.
(1/294)
باب في نقض المراتب
إذا عرض هناك عارض:
من ذلك امتناعهم من تقديم الفاعل في نحو ضرب غلامه زيدًا. فهذا1 لم
يمتنع من حيث كان الفاعل ليس رتبته التقديم وإنما امتنع لقرينة انضمت
إليه، وهي
إضافة الفاعل إلى ضمير المفعول وفساد تقدم المضمر على مظهره لفظًا
ومعنى. فلهذا وجب2 إذا أردت تصحيح المسئلة أن تؤخر الفاعل فتقول: ضرب
زيدًا غلامه، وعليه قول الله سبحانه: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ
رَبُّهُ} وأجمعوا3 على أن ليس بجائز ضرب غلامه زيدًا لتقدم المضمر على
مظهره لفظًا ومعنى. وقالوا في قول النابغة 4:
جزى ربه عني عدي بن حاتم ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
إن الهاء عائدة على5 مذكور متقدم كل ذلك لئلا يتقدم ضمير المفعول عليه
مضافًا " إلى الفاعل"6 فيكون مقدمًا عليه لفظًا ومعنى. وأما أنا فأجيز7
أن تكون الهاء في قوله:
جزى ربه عني عدي بن حاتم
عائدة على "عدي" خلافًا على الجماعة.
فإن قيل: ألا تعلم أن الفاعل رتبته التقدم، والمفعول رتبته التأخر8،
فقد وقع كل9 منهما الموقع الذي هو أولى به فليس لك أن تعتقد في الفاعل
وقد وقع مقدمًا أن
__________
1 كذا في أ. وقد سقطت "لم" في ش، ب.
2 كذا في أ. وفي ش، ب: "أوجب".
3 من القائلين بالجواز أبو عبد الله الطوال محمد بن أحمد. وهو من أصحاب
الكسائي، وكانت وفاته سنة 243، فكأن ابن جني لم يطلع على خلافه. وانظر
كتب النحو في مبحث الفاعل.
4 أي الذبياني. والذي عليه الرواة أن قائل هذا أبو الأسود الدؤلي يهجو
عدي بن حاتم. وإنما وهم من وهم في نسبته إلى النابغة أن للنابغة شعرًا
شبيها بهذا وهو:
جزى الله عبسا عبس آل بغيض ... جزاء الكلاب العاريات وقد فعل
ويقول العيني: "عزاه بعضهم إلى النابغة الذبياني، وأبو عبيدة إلى عبد
الله بن همارق، والأعلم لأبي الأسود. وقيل: لم يدر قائله، حتى قال ابن
كيسان: أحسبه مولدا مصنوعا، والبيت من شواهد النحو في باب الفاعل،
وانظر الخزانة طبعة السلفية 1/ 253, والعيني 2/ 487 على هامش الخزانة.
5 كذا في أ. وفي ش، ب: "إلى".
6 كذا في الأصول، والمناسب، "إليه".
7 كذا في أ. وفي ب، ش: "فإني أجيز".
8 كذا في أ. وفي ش، ب: "التأخير".
9 كذا في أ. وفي ش، ب: "كل واحدة".
(1/295)
إضافة الفاعل إلى ضمير المفعول وفساد تقدم
المضمر على مظهره لفظًا ومعنى. فلهذا وجب1 إذا أردت تصحيح المسئلة أن
تؤخر الفاعل فتقول: ضرب زيدًا غلامه، وعليه قول الله سبحانه: {وَإِذِ
ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} وأجمعوا2 على أن ليس بجائز ضرب غلامه
زيدًا لتقدم المضمر على مظهره لفظًا ومعنى. وقالوا في قول النابغة 3:
جزى ربه عني عدي بن حاتم ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
إن الهاء عائدة على4 مذكور متقدم كل ذلك لئلا يتقدم ضمير المفعول عليه
مضافًا " إلى الفاعل"5 فيكون مقدمًا عليه لفظًا ومعنى. وأما أنا فأجيز6
أن تكون الهاء في قوله:
جزى ربه عني عدي بن حاتم
عائدة على "عدي" خلافًا على الجماعة.
فإن قيل: ألا تعلم أن الفاعل رتبته التقدم، والمفعول رتبته التأخر7،
فقد وقع كل8 منهما الموقع الذي هو أولى به فليس لك أن تعتقد في الفاعل
وقد وقع مقدمًا أن
__________
1 كذا في أ. وفي ش، ب: "أوجب".
2 من القائلين بالجواز أبو عبد الله الطوال محمد بن أحمد. وهو من أصحاب
الكسائي، وكانت وفاته سنة 243، فكأن ابن جني لم يطلع على خلافه. وانظر
كتب النحو في مبحث الفاعل.
3 أي الذبياني. والذي عليه الرواة أن قائل هذا أبو الأسود الدؤلي يهجو
عدي بن حاتم. وإنما وهم من وهم في نسبته إلى النابغة أن للنابغة شعرًا
شبيها بهذا وهو:
جزى الله عبسا عبس آل بغيض ... جزاء الكلاب العاريات وقد فعل
ويقول العيني: "عزاه بعضهم إلى النابغة الذبياني، وأبو عبيدة إلى عبد
الله بن همارق، والأعلم لأبي الأسود. وقيل: لم يدر قائله، حتى قال ابن
كيسان: أحسبه مولدا مصنوعا، والبيت من شواهد النحو في باب الفاعل،
وانظر الخزانة طبعة السلفية 1/ 253, والعيني 2/ 487 على هامش الخزانة.
4 كذا في أ. وفي ش، ب: "إلى".
5 كذا في الأصول، والمناسب، "إليه".
6 كذا في أ. وفي ب، ش: "فإني أجيز".
7 كذا في أ. وفي ش، ب: "التأخير".
8 كذا في أ. وفي ش، ب: "كل واحدة".
(1/296)
إذا هبطا الأرض المخوف بها الردى ... يخفض
من جاشيهما منصلاهما1
وقول لبيد:
فمدافع الريان عُرِّيَ رسمها ... خلقًا كما ضمن الوُحِيَّ سِلامها2
ومن أبيات الكتاب 3:
اعتاد قلبك من سلمى عوائده ... وهاج أهواءك المكنونة الطلل
فقدم المفعول في المصراعين جميعًا وللبيد أيضًا:
رزقت مرابيع النجوم وصابها ... ودق الرواعد جودها فرهامها
وله أيضًا:
لمعفر قهد تنازع شلوه ... غبس كواسب ما يمن طعامها4
وقال الله عز وجل: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} وقال الآخر:
أبعدك الله من قلب نصحت له ... في حب جمل ويأبى غير عصياني
وقال المرقش الأكبر:
لم يشج قلبي مِلحوادث إلـ ... ـلا صاحبي المتروك في تغلم5
__________
1 تقول ذلك في أخويها ترثيهما. وفي الحماسة أن هذا لعمرة في ابنيها
ترثيهما. ومن هذه المرثية ما يستشهد به النحويون في باب الإضافة:
هما أخوا في الحرب من لا أخا له ... إذا خاف يوما نبوة فدعاهما
وانظر العيني في شواهد الإضافة، والأعلم في المرجع السابق، واللسان في
"أبو".
2 من معلقته التي أولها:
عفت الديار محلها فمقامها ... بمنى تأبد غولها فرجامها
3 1/ 142، وفي شواهد المغني للبغدادي 2/ 926: "قال ابن خلف: الشعر لعمر
بن أبي ربيعة" ولم أره في الديوان.
4 يصف بقرة وحشية تضطرب لولدها الذي أكلته السباع، وهو المعني بالمعفر
القهد. والمعفر: الذي قطعت عنه الرضاعة أياما يراد فطامه. والقهد:
الأبيض في كدرة. ويعني بالغبس الكواسب السباع، وجعلها لا يمن طعامها
لأنهن يكسبنه بأنفسهن فلا يد عليهن لأحد. وقوله: "غبس" كذا في أ. وفي
ش: "غبش".
5 هذا من قصيدة مفضلية، يرثي صاحبًا له دفن في تغلم وهو موضع. وانظر
شرح ابن الأنباري للمفضليات 487.
(1/297)
وفيها:
في باذخات من عماية أو ... يرفعه دون السماء خيم1
والأمر في كثرة تقديم المفعول على الفاعل في القرآن وفصيح الكلام
متعالم غير مستنكر فلما كثر وشاع تقديم المفعول "على الفاعل"2 كان
الموضع له، حتى إنه إذا أخر فموضعه التقديم فعلى ذلك كأنه قال: جزى
عديَّ بن حاتم ربُّه ثم قدم الفاعل على أنه قد قدره مقدمًا عليه مفعوله
فجاز ذلك3، ولا تستنكر هذا الذي صورته لك ولا يجف عليك فإنه مما تقبله
هذه اللغة ولا تعافه ولا تتبشعه ألا ترى أن سيبويه أجاز في جر "الوجه"
من قولك: هذا الحسن الوجهِ أن يكون من موضعين: أحدهما بإضافة الحسن
إليه، والآخر تشبيه4 له بالضارب الرجل هذا مع أنا قد أحطنا علمًا بأن
الجر في "الرجل" من قولك: هذا الضارب الرجل إنما جاءه وأتاه من جهة
تشبيههم إياه بالحسن الوجه لكن لما اطرد الجر في نحو هذا الضارب الرجل
والشاتم الغلام صار كأنه أصل في بابه حتى دع ذاك سيبويه إلى أن عاد
"فشبه الحسن الوجه "5 بالضارب الرجل، "من الجهة التي إنما صحت للضارب
الرجل تشبيهًا بالحسن الوجه"6 وهذا يدلك على تمكن الفروع عندهم حتى إن
أصولها
__________
1 قبله:
لو كان حي ناجيا لنجا ... من يومه المزلم الأعصم
والمزلم الأعصم: الوعل. وعماية جبل، وكذا خيم. يقول: هذا الوعل معتصم
بأعالى الجبال ومع ذلك يدركه الموت. وقوله "في باذخات" كذا في أ. وهو
الصواب. وفي ش، ب: "باذخ".
2 زيادة في ش خلت منها أ، ب.
3 كذا في أ, ش، وفي ب: "لذلك".
4 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "تشبيه".
5 كذا في ش، ب. وفي أ: "فشبه به الحسن الوجه".
6 ما بين القوسين زيادة في ش، ب، د، هـ، خلت منها أ.
(1/298)
التي أعطتها حكمًا من أحكامها قد حارت
فاستعادت1 من فروعها ما كانت هي أدته إليها وجعلته عطية منها لها فكذلك
أيضًا يصير تقديم المفعول لما استمر وكثر كأنه هو الأصل وتأخير الفاعل
كأنه أيضًا هو الأصل.
فإن قلت إن هذا ليس مرفوعًا إلى العرب ولا محكيًا عنها أنها رأته
مذهبًا وإنما هو شيء رآه سيبويه واعتقده قولًا ولسنا نقلد سيبويه ولا
غيره في هذه العلة ولا غيرها، فإن2 الجواب عن هذا حاضر عتيد والخطب فيه
أيسر وسنذكره في باب يلي هذا بإذن الله. ويؤكد أن الهاء في " ربه "
لعدي3 بن حاتم من جهة المعنى عادة العرب في الدعاء ألا تراك لا تكاد
تقول: جزى رب زيد عمرًا وإنما يقال: جزاك ربك خيرًا أو شرًا. وذلك أوفق
لأنه إذا كان مجازيه ربه كان أقدر على جزائه وأملأ4 به. ولذلك جرى
العرف بذلك فاعرفه.
ومما نقضت مرتبته المفعول في الاستفهام والشرط فإنهما5 يجيئان مقدمين6
على الفعلين الناصبين لهما وإن كانت رتبة المعمول أن يكون بعد العامل
فيه. وذلك قوله سبحانه وتعالى {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ
مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} فـ " أي منقلب " منصوب على المصدر بـ
"ينقلبون " لا بـ "سيعلم " وكذلك قوله تعالى: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ
__________
1 كذا في أ، ب. وفي ش: "واستعادت". وفي الخزانة في شواهد الفاعل:
"فاستعارت".
2 جواب قوله: "فإن قلت إن هذا ... ".
3 عرض ابن يعيش في شرح المفصل 1/ 72 لمذهب ابن جني في مسألة "ضرب غلامه
زيدا" ورأيه في مرجع الضمير في البيت، ثم قال: "وذلك خلاف ما عليه
الجمهور" والصواب أن تكون الهاء عائدة إلى المصدر، والتقدير: جزى رب
الجزاء، وصار ذكر الفعل كتقديم المصدر؛ إذ كان دالا عليه". وترى مثل
هذا في أمالي ابن الشجري 1/ 102.
4 كذا في ش، ب. وفي أ، ج: "إملائه" وفي عبارة الخزانة: "إيلامه".
والوجه ما أثبتنا. و"أملأ به" أي أوثق بأدائه، يقال: ملؤ فهو مليء إذا
كان ثقة غنيا.
5 أي المفعول في الاستفهام والمفعول في الشرط، وقد ثنى الضمير نظرا
لهذا التعدد.
6 كذا في أ. وفي ش، ب: "متقدمين".
7 كذا في ب، ش. وفي أ: "بيعلم".
(1/299)
قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} وقال:
{أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} فهذا ونحوه لم
يلزم تقديمه من حيث كان مفعولًا. وكيف يكون ذلك وقد قال عز اسمه:
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} وقال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ
الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} وقال: {يُحَرِّفُونَ
الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} وقال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ
تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وهو ملء الدنيا كثرة وسعة لكن إنما وجب
تقديمه لقرينة انضمت إلى ذلك وهي وجوب تقدم الأسماء المستفهم بها
والأسماء المشروط بها. فهذا من النقض العارض.
ومن ذلك وجوب تأخير المبتدأ إذا كان نكرة وكان الخبر عنه ظرفًا نحو
قولهم: عندك مال وعليك دين وتحتك بساطان ومعك ألفان. فهذه الأسماء كلها
مرفوعة بالابتداء ومواضعها التقديم على الظروف قبلها التي هي أخبار
عنها إلا أن مانعًا منع من ذلك حتى لا تقدمها1 عليها، ألا "ترى أنك"2
لو قلت: غلام لك أو بساطان تحتك ونحو ذلك لم يحسن3، لا لأن المبتدأ ليس
"موضعه التقديم"4 لكن لأمر حدث وهو كون المبتدأ هنا نكرة ألا تراه لو
كان معرفة لاستمر وتوجه تقديمه فتقول: البساطان تحتك والغلام لك. أفلا
ترى أن ذلك إنما فسد تقديمه لما ذكرناه: من قبح تقديم المبتدأ نكرة في
الواجب ولكن لو أزلت الكلام إلى غير الواجب لجاز تقديم النكرة كقولك:
هل غلام عندك وما بساط تحتك فجنيت الفائدة من حيث كنت قد أفدت بنفيك
عنه كون البساط تحته واستفهامك عن الغلام: أهو عنده أم لا؟ إذ كان هذا
معنى جليًا مفهومًا. ولو أخبرت عن النكرة في الإيجاب مقدمة فقلت: رجل
عندك كنت قد أخبرت عن منكور لا يعرف وإنما ينبغي أن تقدم المعرفة ثم
تخبر عنها بخبر يستفاد منه معنى منكور نحو زيد عندك ومحمد منطلق وهذا
واضح. فإن قلت: فلم وجب مع هذا تأخير النكرة في الإخبار عنها بالواجب
قيل لما قبح ابتداؤها نكرة لما ذكرناه رأوا تأخيرها وإيقاعها في موقع
الخبر الذي بابه أن يكون نكرة فكان ذلك إصلاحًا للفظ كما أخروا اللام
لام الابتداء مع "إن " في قولهم: إن زيدًا لقائم لإصلاح اللفظ. وسترى
ذلك في بابه بعون الله وقدرته. فاعلم إذًا أنه لا تنقض مرتبة إلا لأمر
حادث فتأمله وابحث عنه.
__________
1 كذا في أ. وفي ش، ب: "يقدمها".
2 كذا في ش، ب وفي أ: "تراك".
3 كذا في أ. وفي ش، ب، د، هـ: "يجز".
4 كذا في أ. وفي ش، د، هـ، ب: "موضعه يحسن التقديم".
(1/300)
باب في غلبة الفروع
على الأصول
...
باب من غلبة الفروع على الأصول:
هذا فصل من فصول العربية طريف1؛ تجده في معاني العرب، كما تجده في
معاني الإعراب 2. ولا تكاد تجد شيئًا من ذلك إلا والغرض فيه المبالغة.
فمما جاء فيه ذلك للعرب قول ذي الرمة:
ورمل كأوراك العذارى قطعته ... إذا ألبسته المظلمات الحنادس3
أفلا ترى ذا الرمة كيف جعل الأصل فرعًا والفرع أصلًا. وذلك أن العادة
والعرف في نحو هذا أن تشبه أعجاز النساء بكثبان الأنقاء ألا ترى إلى
قوله:
ليلى قضيب تحته كثيب ... وفي القلاد رَشَأٌ ربيب4
__________
1 كذا في ب وفي ش، ج: "ظريف" وسقط هذا اللفظ في أ.
2 يريد ما يرجع إلى الإعراب في الكلام، ويجعل ذلك مقابلا لمعاني العرب
التي تعالجها وأغراضها من الكلام. وسيعرض لهذا في قوله: "وهذا المعنى
عينه قد استعمله النحويون".
3 "ألبسته": غطته. والحنادس جمع حندس "الحندس: اشتداد الظلمة، وقد ذهب
بها مذهب الوصف" وانظر الديوان 318، والبيت من قصيدته التي مطعلها.
ألم تسأل اليوم الطلول الدوارس ... بحزوى وهل تدري القفار البسابس
وانظر أيضًا كامل المبرد ص2 ج7.
4 القلاد واحدها قلادة. والرشأ: الظبي إذا تحرك وقوي ومشى مع أمه.
والبيت في اللسان في "قلد".
(1/301)
وإلى قول ذي الرمة أيضًا -وهو من أبيات
الكتاب1:
ترى خلفها نصفًا قناة قويمة ... ونصفًا نقًا يرتج أو يتمرمر2
وإلى قول الآخر:
خلقت غير خلقة النسوان ... إن قمت فالأعلى قضيب بان
وإن توليت فدعصتان ... وكل إد تفعل العينان3
وإلى قوله 4:
كدِعص النقا يمشي الوليدان فوقه ... بما احتسبا من لين مس وتسهال
وما أحسن ما ساق الصنعة فيه الطائي الكبير:
كم أحرزت قضب الهندي مصلتةً ... تهتز من قضب تهتز في كثب5
__________
1 ص223 ج1.
2 قال الأعلم: "وصف امرأة فجعل أعلاها في الإرهاف واللطافة كالقناة،
وأسفلها في امتلائه وكثافته كالنقا المرتج، والنقا: الكثيب من الرمل.
وارتجاجه اضطرابه وانهيال بعضه على بعض للينه. والتمرمر أن يجري بعضه
على بعض". وهو من قصيدة في الغزل بمية أولها:
خليلي لا ربع بوهبين مخبر ... ولا ذو حجي يستنطق الدار يعذر
وانظر الديوان.
3 "دعصتان" تثنية دعصة، وهي قطعة من الرمل. والإد: العجب والأمر
العظيم. والشعر في اللسان في "دعص".
4 هو لامرئ القيس. وقد وقعت النسبة في ج.
5 من قصيدته التي أولها:
السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب
و"قضب الهندي" أي الحديد أو الصنع الهندي يريد السيوف، و"مصلته تهتز"
حالان من القضب، و"من قضب" تمييز "كم" ويريد بهذه القضب القدود القويمة
فوق الأعجاز اللينة كالكثب من الرمال. يريد أن السيوف تظفر المصاولين
بها بحسان النساء إذ يقعن في السبي، ومثله ما قبله:
كم كان في قطع أسباب الرقاب بها ... إلى المخدرة العذراء من سبب
و"تهتز" كذا في ج. وفي ش، ب: "تهز". وقد سقط "تهتز" في الموضع الثاني
في أ.
(1/302)
"ولله البحتري"1 فما أعذب وأظرف وأدمث
قوله:
أين الغزال المستعير من التقا ... كفلا ومن نور الأقاحي مبسما2
فقلب ذو الرمة العادة والعرف في هذا فشبه كثبان الأنقاء بأعجاز النساء.
وهذا كأنه يخرج مخرج المبالغة أي قد ثبت هذا الموضع وهذا3 المعنى
لأعجاز النساء وصار4 كأنه الأصل فيه حتى شبه به كثبان الأنقاء. ومثله
للطائي الصغير:
في طلعة البدر شيء من ملاحتها ... وللقضيب نصيب من تثنيها5
وآخر من6 جاء به شاعرنا، فقال:
نحن ركب مِلجِنِّ في زي ناس ... فوق طير لها شخوص الجمال7
فجعل كونهم جنًّا أصلا وجعل كونهم ناسًا فرعًا وجعل كون مطاياه طيرًا
أصلًا وكونها جمالا فرعًا فشبه الحقيقة بالمجاز في المعنى الذي منه
أفاد المجاز من الحقيقة
__________
1 كذا في ب، ج. وفي ش: "ولله در البحتري" وفي أ: "والبحتري" وهو عطف
على الطائي.
2 من قصيدة يمدح فيها أحمد وإبراهيم ابني المدبر أولها:
أمحلي سلمى بكاظمة أسلما ... وتعلما أن الجوى ما هجما
وانظر الديوان.
3 كذا في ش، ب. وفي أ: "فهذا".
4 كذا في ب، ش. وفي أ: "فصار".
5 "من تثنيها". كذا في ج، وفي ب، ش: "في تثنيها". وهو من قصيدة في مدح
المتوكل أولها:
أنافعي عند ليلى فرط حبيها ... ولوعة لي أبديها وأخفيها
6 كذا في أ. وفي ب، ج. ش: "ما".
7 من قصيدة في مدح عبد الرحمن بن المبارك الأنطاكي، أولها:
صلة الهجري وهجر الوصال ... نكسائي في السقم نكس الهلال
وبعده:
من بنات الجديل تمشى بنا في الـ ... ـبيد مشي الأيام في الآجال
وقوله: "فوق طير" أي فوق ركائب كالطير.
(1/303)
ما أفاد. وعلى نحو من هذا قالوا "جمالية"
لأنهم شبهوها بالجمل في شدته وعلو خلقه؛ قال الأعشى:
جمالية تغتلي بالردف ... إذا كذب الآثمات الهجيرا1
وقال الراعي:
على جمالية كالفحل هملاج
وهو كثير. فلما شاع ذلك واطرد صار كأنه أصل في بابه، حتى عادوا فشبهوا
الجمل بالناقة في ذلك؛ فقال2:
وقربوا كل جُمالي عَضِه ... قريبةٍ ندوتُه من مَحمَضِه
فهذا من حملهم الأصل على الفرع فيما كان الفرع أفاده من الأصل، ونظائره
في هذه اللغة كثيرة.
وهذا المعنى عينه قد استعمله النحويون في صناعتهم فشبهوا الأصل بالفرع
في المعنى الذي أفاده ذلك الفرع من ذلك الأصل ألا ترى أن سيبويه أجاز
في قولك: هذا الحسن الوجه أن يكون الجر في الوجه من موضعين، أحدهما
__________
1 "تغتلي": تسرع، والرداف جمع الرديف وهو -كالردف: من يركب خلف الراكب،
يريد أنها تقوى على السير وفوقها أكثر من راكب، والآثمات من النوق:
المبطئات، وكذب البعير الهجير: أساء السير فيه ولم يصدقه. وهو من قصيدة
له في الديوان وقبله:
وبيداء يلعب فيها السرا ... ب لا يهتدي القوم فيها مسيرا
قطعت إذا سمع السامعو ... ن للجندب الجون فيها صريرا
ناجية كأتان التميل ... توفي السرى بعد أين عسيرا
2 هو هميان بن قحافة كما في اللسان في "جمل وعضه وحمض". وعضه: يرعى
العضاء من الأشجار. والندوة موضع شرب الإبل. والمحمض: حيث يرعى الحمض
وهو من النبات ما فيه ملوحة، وهو ما تشتهيه الإبل. يقول: موضع شربه
قريب لا يتعب في طلب الماء. وانظر نوادر أبي زيد 114 والأمالي 2/ 252
والسمط 283.
(1/304)
الإضافة والآخر تشبيهه بالضارب الرجل الذي
إنما جاز فيه الجر تشبيهًا له بالحسن الوجه على ما تقدم في الباب قبل
هذا.
فإن قيل: وما الذي سوغ سيبويه هذا وليس مما يرويه عن العرب رواية وإنما
هو شيء رآه واعتقده لنفسه وعلل به قيل يدل على صحة ما رآه من هذا وذهب
إليه ما عرفه وعرفناه معه: من أن العرب إذا شبهت شيئًا بشيء مكنت ذلك
الشبه لهما، وعمرت1 به الحال بينهما؛ ألا تراهم لما شبهوا الفعل
المضارع بالاسم فأعربوه تمموا ذلك المعنى بينهما بأن شبهوا اسم الفاعل
بالفعل فأعملوه. وكذلك لما شبهوا الوقف بالوصل في نحو3 قولهم "عليه
السلام والرحمت " وقوله 4:
بل جوزتيهاء كظهر الحجفت5
وقوله 6:
آلله نجاك بكفي مَسلمت ... من بعدما وبعدما وبعدمت7
صارت نفوس القوم عند الغلصمت ... وكادت الحرة أن تدعى أمت
__________
1 في اللسان "جمل": "عمت" ويبدو أنه تحريف عما هنا.
2 كذا في أ، ج، ش، ب: "فكذلك".
3 سقط لفظ "نحو" في ش، ب. وثبت في أ، ج.
4 أي سؤر الذئب كما في اللسان في "حجف"، وشواهد الشافية 200.
5 بعده:
قطعتها إذا المها تجوفت ... مآرنا إلى ذراها أهدفت
جوز التيهاء: وسطها والحجفة: الترس من جلد، وتجوفت: دخلت في جوفها.
والمآرن أصلها المآرين جمع المئران وهو كناس الوحش، وذراها: ظلها،
وأهدفت: لجأت. وقوله: "بل جوزتيهاء" أي رب جوزتيهاء. وقوله: كظهر
الحجفة أي في الاستواء، وقوله: قطعتها إذا المها تجوفت مآرنا أي في وقت
الظهيرة حين يدخل بقر الوحش كنسه من الحر وتلجأ إلى ظل المآرين.
6 هو أبو النجم كما في اللسان في "ما" وانظر شواهد الشافية 218،
والخزانة 2/ 148.
7 "بعدمت" أراد: بعدما، فأبدل الألف هاء، ثم أبدل الهاء تاء تشبيها
لهما بهاء التأنيث. انظر اللسان "ما".
(1/305)
كذلك شبهوا أيضًا الوصل بالوقف في قولهم:
ثلاثهَ اربعه يريد ثلاثه أربعه ثم تخفف الهمزة فتقول: ثلاثهَ اربَعَه
وفي قولهم: " سبسبَّا وكلكلاّ"1. وكما أجروا غير اللازم مجرى اللازم في
قولهم: "لَحمر2 ورُيا 3" وقولهم: وَهْوَ4 الله وَهْيَ4 التي فعلتْ
وقوله 5:
فقمت للطيف مرتاعًا وأرقني ... فقلت أهي سرت أم عادني حلم6
__________
1 أي لو جربا في الشعر. ومن الأول قوله:
إن الدبي فوق المتون دبا ... وهبت الريح بمور هبا
تترك ما أبقى الدبي سبسبا
والدبي: الجراد. والمتون جمع المتن، وهو ما صلب من الأرض. والمور -بضم
الميم- الغبار. والسبسب: القفر والمفازة.
ومن الثاني قوله:
كأن مهواها على الكلكل ... وموقعا من ثفنات زل
موقع كفى راهب يصلي ... في غبش الصبح وفي التجلي
وهو في وصف ناقته. والكلكل: الصدر. والثفنات جمع الثفنة، وهو ما يقع
على الأرض من أعضاء الإبل. وزل: خفاف. وانظر شرط شواهد الشافية
للبغدادي في الشاهدين، وفي الشاهد الثاني الخزانة 2/ 551.
2 يريد أن "الأحمر" إذا خفف بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى اللام يجوز
حذف همزة الوصل في غير الوصل لتحريك اللام. وهو وإن كان عارضا فقد أجري
مجرى اللازم على هذا الوجه.
3 يريد أن "رؤيا" إذا خففت همزتها بإبدالها واوا فإن بعض العرب يرى
إبدال الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، وهو يجعل
العارض كالأصل اللازم، وعامة العرب على خلافه فيقولون: الرؤيا من غير
إبدال.
4 أجرى واو العطف وهي ليست لازمة مجرى اللازمة التي هي جزء من الكلمة
فخفف بتسكين ما هو في حكم الوسط.
5 هو زياد بن حمل من قصيدة طويلة في الحماسة، وقبله:
زارت رويقة شعثا بعد ما هجعوا ... لدى نواحل في أرساغها خدم
يريد أن خيال رويقة -وهو اسم محبوبته- زارهم وقد عرسوا في السفر. وأراد
بالنواحل الرواحل، والخدم واحدها خدمة وهي السير يشد عليها. وانظر
الخزانة 2/ 391، وشرح الحماسة للتبريزي طبعة بن 608.
6 "للطيف" كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "للضيف"، "وأرقني" كذا هو في أ، ب،
ش. والمعروف في الرواية: "فأرقني".
(1/306)
وقولهم ها1 الله ذا, أجروه مجرى دابة
وقوله:
ومن يتق فإن الله معه ... ورزق الله مؤتابٌ وغادي2
أجرى "تَقِ فَ "3 مجرى علم حتى صار "تَقْفَ " كعَلْمَ, كذلك4 أيضًا
أجروا اللازم مجرى غير اللازم في قول الله سبحانه: {أَلَيْسَ ذَلِكَ
بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} 5 فأجرى النصب مجرى الرفع
الذي لا تلزم فيه الحركة6 ومجرى7 الجزم الذي لا يلزم فيه الحرف أصلا
وكما حمل النصب على الجر في التثنية والجمع الذي على حد التثينة, كذلك
حمل الجر على النصب فيما لا ينصرف وكما شبهت الياء بالألف في قوله:
كأن أيديهن بالقاع القَرِق8
__________
1 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "هاء"، وهو خطأ. و"ها" للتنبيه، وهي من تمام
"ذا" وانظر شرح الرضي للكافية 2/ 336 وما بعدها. ويقرأ "ها الله"
بإثبات ألف "ها" كما هي في الرسم.
2 "رزق الله" كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "رزق المرء" والبيت أورده اللسان
في "أوب ووقى" غير معزو: وانظر شواهد الشافية 228، وقد ورد في السيرافي
غير معزو أيضًا، في 1/ 270، 5/ 402، 6/ 333 من نسخة التيمورية،
والصاحبي 19.
3 عبارة ابن سيده: "أراد: يتق. فأجرى تق ف، من "يتق فإن" مجرى علم،
فخفف كقولهم هلم في علم وانظر اللسان "وقى". وقوله: "تق ف" كذا في ش،
ب، ج. وسقط في أ "ف".
4 موصول بقوله آنفا: "كما أجروا غير اللازم مجرى اللازم".
5 أي بالاقتصار على ياء واحدة. وهذا في قراءة طلحة بن سليمان والفيض بن
غزوان، أما قراءة الجمهور فنصب يحيى وإظهار الياء الثانية. وانظر البحر
المحيط 8/ 391.
6 كذا في أ، ب، ش. والمناسب: "أز".
7 ثبت لفظ "مجرى" في ش، ب، ج وسقط في أ.
8 بعده:
أيدي نساء يتعاطين الورق
وهو في وصف إبل بسرعة السير. والفرق: المكان المستوي لا حجارة فيه.
والورق: الدراهم. وانظر اللسان في "فرق"، وهو مما نسب إلى رؤبة في
الديوان 179 وانظر الخزانة 3/ 529، وأمالي ابن الشجري 1/ 105.
(1/307)
وقوله 1:
يا دار هند عفت إلا أثافيها
كذلك حملت الألف على الياء في قوله -فيما أنشد أبو زيد:
إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضّاها ولا تملَّق2
وكما وضع الضمير المنفصل موضع المتصل في قوله:
إليك حتى بلغت إياكا
ومنه قول أمية 3:
بالوارث الباعث الأموات قد ضمنت ... إياهم الأرض في دهر الدهارير
كذلك وضع أيضا المتصل موضع المنفصل في قوله:
فما نبالي إذا ما كنت جارتنا ... ألا يجاورنا إلاك ديار4
وكما قلبت الواو ياء استحسانًا, لا عن قوة علة في نحو غديان5، وعشيان5،
وأبيض لياح5، كذلك أيضًا "قلبت الياء واوًا"6 في نحو الفتوى والرعوى
والتقوى،
__________
1 أورد سيبويه في الكتاب 2/ 55 هذا الشطر ونسبه إلى بعض السعديين.
2 نسبه العيني إلى رؤبة. انظر شواهد المعرب والمبني، وهو في ديوان رؤبة
179 فيما نسب إليه.
3 قال العيني في شواهد الضمير: "قاله الفرزدق، وما قيل أنه لأمية بن
أبي الصلت غير صحيح". وقبله:
إني حلفت ولم أحلف على فند ... فناء بيت من الساعين معمور
وبعده بيت:
لو لم يبشر به عيسى وبينه ... كنت النبي الذي يدعو إلى النور
وهو من قصيدة للفرزدق مدح يزيد بن عبد الملك وهجاء يزيد بن المهلب،
وانظر الديوان 102 طبع أوروبا؛ ومختصر الشواهد للعيني 28، وقوله:
"بالوارث" في الأصول: "الوارث" وهو تحريف.
4 قال: العيني: "أنشده الفراء ولم يعزه إلى أحد".
5 غديان وصف من غدي -بكسر الدال- تغدى وعشيان وصف من عشي -بكسر الشين-
تعشى، وأبيض لياح: شديد البياض. ويقال فيه أيضا لِياح بالكسر.
6 أثبتت هذه الجملة هنا وفقا لما في أ، ج. وفي ش، ب: أخرت هذه الجملة
عن "الشروي".
(1/308)
والبقوى, والثنوى, والشروى -وقد ذكر1 ذلك-
وقولهم عوى الكلب عوة. وكما أتبعوا الثاني الأول في نحو شد وفر وعض
ومنذ كذلك أتبعوا الأول الثاني في نحو: اقتل اخرج ادخل وأشباه هذا
كثير2، فلما رأى سيبويه العرب إذا شبهت شيئًا بشيء فحملته على حكمه
عادت أيضًا فحملت الآخر على حكم صاحبه, تثبيتًا لهما وتتميمًا لمعنى
الشبه بينهما حكم أيضًا لجر الوجه من قوله " هذا الحسن الوجه " أن يكون
محمولًا على جر الرجل في قولهم " هذا الضارب الرجل " كما أجازوا أيضًا
النصب في قولهم "هذا الحسن الوجهَ " حملًا له منهم على " هذا الضارب
الرجل " ونظيره قولهم: يا أميمة3، ألا تراهم حذفوا الهاء فقالوا: أميم
فلما أعادوا الهاء أقروا الفتحة بحالها اعتيادًا للفتحة في الميم وإن
كان الحذف فرعًا.
وكذلك قولهم "اجتمعت أهل اليمامة"4 أصله "اجتمع أهل اليمامة " ثم حذف
المضاف فأنث الفعل فصار "اجتمعت اليمامة" ثم أعيد المحذوف فأقر التأنيث
الذي هو الفرع بحاله فقيل اجتمعت أهل اليمامة "نعم " وأيد ذلك ما قدمنا
ذكره؛ من عكسهم التشبيه وجعلهم فيه الأصول محمولة على الفروع، في
تشبيههم كشبان الأنقاء بأعجاز النساء، وغير ذلك مما قدمنا ذكره.
ولما كان النحويون بالعرب لاحقين, وعلى سمتهم آخذين, وبألفاظهم متحلين
ولمعانيهم وقصودهم آمين، جاز لصاحب5 هذا العلم الذي جمع شعاعه وشرع
أوضاعه ورسم أشكاله ووسم أغفاله7، وخلج أشطانه،
__________
1 انظر 88 من هذا الجزء.
2 كذا في ش، ب وفي أ: "كثيرة".
3 من هذا قول النابغة:
كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
فقد روي بفتح الفاء وخرجه سيبويه على ما ذكره المؤلف. وانظر الكتاب 1/
315.
4 كذا في أ. وقد سقط هذا اللفظ في ش، وأثبت في ب ولكن ضرب عليه. وانظر
في هذا سيبويه 1/ 26.
5 ثناء على سيبويه. وهو به حقيق.
6 أي ما تفرق منه.
7 واحده غفل -كقفل- وهو ما لا سمة.
(1/309)
وبعج أحضانه، وزم شوارده, وأفاء1 فوارده،
أن يرى فيه نحوًا مما رأوا ويحذوه على أمثلتهم التي حذوا وأن يعتقد في
هذا الموضع نحوًا مما اعتقدوا في أمثاله لا سيما والقياس إليه مصغ وله
قابل وعنه غير متثاقل. فاعرف إذًا ما نحن عليه للعرب مذهبًا ولمن شرح
لغاتها مضطربًا وأن سيبويه لاحق بهم وغير بعيد فيه عنهم. ولذلك عندنا
لم يتعقب هذا الموضع عليه أحد من أصحابه2 ولا غيرهم، ولا أضافوه إلى ما
نعوه عليه وإن كان بحمد الله ساقطًا عنه وحرىً بالاعتذار هم منه. وأجاز
سيبويه أيضًا نحو هذا وهو قوله "زيدًا إذا يأتيني أضرب "3 فنصبه بـ
"أضرب " ونوى تقديمه حتى كأنه قال "زيدًا أضرب إذا يأتيني" ألا ترى إلى
نيته بما يكون جوابًا ل "إذا " -وقد وقع في موقعه- أن يكون التقدير فيه
تقديمه عن موضعه.
ومن غلبة الفروع للأصول إعرابهم في الآحاد بالحركات نحو زيدٌ وزيدًا,
وزيدٍ وهو يقوم وإذا تجووزت رتبة الآحاد4 أعربوا بالحروف نحو الزيدان،
والزيدين، والزيدون والعمرين وهما يقومان وهم ينطلقون. فأما ما جاء في
الواحد من ذلك نحو أخوك وأباك وهنيك فإن أبا بكر ذهب فيه إلى أن العرب
قدمت منه هذا القدر توطئة لما أجمعوه من الإعراب في التثنية والجمع
بالحروف. وهذا أيضًا نحو آخر من حمل الأصل على الفرع ألا تراهم أعربوا
بعض الآحاد بالحروف حملًا لهم على ذلك في التثنية والجمع. فأما قولهم "
أنت تفعلين "
__________
1 الفوارد واحدها فارد وفاردة، وهو المنقطع من الحيوان عن القطيع،
وأفاء الفوارد: رجعها وأعادها إلى جماعتها.
2 كذا في ش، أ، ج. وفي ب: "أصحابنا".
3 هذا جار في الجواب المرفوع أن يجوز تقديم معموله على أداة الشرط بلا
خلاف. وإنما يجري الخلاف في تقديم معمول الجواب المجزوم. وانظر الهمع
2/ 61، والكتاب 1/ 68.
4 كذا في ش، ب. وفي أ: "الأعداد".
(1/310)
فإنهم إنما أعربوه بالحرف1 وإن كان في رتبة
الآحاد -وهي الأول- من حيث كان قد صار بالتأنيث إلى حكم الفرعية ومعلوم
أن الحرف أقوى من الحركة فقد ترى إلى علم إعراب الواحد أضعف لفظًا من
إعراب ما فوقه فصار -لذلك- الأقوى كأنه الأصل والأضعف كأنه الفرع.
ومن ذلك حذفهم الأصل لشبهه عندهم بالفرع ألا تراهم لما حذفوا الحركات
-ونحن نعلم أنها زوائد في نحو لم يذهب ولم ينطلق- تجاوزوا ذلك إلى أن
حذفوا للجزم أيضًا الحروف الأصول فقالوا: لم يخش ولم ير ولم يغز. ومن
ذلك "أيضًا"2 أنهم حذفوا ألف مغزىً3، ومدعىً في الإضافة فأجازوا مغزِيّ
ومرمِيّ ومَدعِيّ فحملوا الألف هنا -وهي لام- على الألف الزائدة في
نحو4 حبلىّ وسكرىّ. ومن ذلك حذفهم ياء تحية وإن كانت أصلًا حملًا لها
على ياء شقية وإن كانت زائدة فلذلك قالوا تحويّ كما قالوا سقويّ وغنويّ
في شقية وغنية. وحذفوا أيضًا النون الأصلية في قوله 5:
ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل
وفي قوله6:
كأنهما ملآن لم يتغيرا
__________
1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "بالحروف".
2 زيادة في أ، ب.
3 كذا في أ. وفي ب، ج. "معزى".
4 ثبت لفظ "نحو" في أ، وسقط في ش، ب.
5 هو النجاشي الحارثي. وانظر شرح شواهد المغني للسيوطي 229 والكتاب 1/
9. والشطر الذي أورده من أبيات فيها حديث عن ذئب لقيه على ماء ورده،
وقبله:
فقلت له يا ذئب هل لك في أخ ... يواسي بلا من عليك ولا بخل
فقال هداك الله للرشد إنما ... دعوت لما لم يأته سبع قبلي
فلست بآنيه ولا أستطيعه ... ولاك استقنى إن كان ماؤك ذا فضل
6 عجزه:
وقد مر للدارين من بعدنا عصر
وانظر اللسان في "أين" وهو من قصيدة لأبي صخر الهذلي في الأمالي 1/
148، وبقية أشعار الهذليين 93 وقيل هذا البيت:
لليلى بذات الجيش دار عرفتها ... وأخرى بذات البين آياتها سطر
(1/311)
وقوله 1:
أبلغ أبا دختنوس مألكةً ... غير الذي قد يقال مِلكذب2
كما حذفوا الزائدة3 في قوله 4:
وحاتم الطائي وهاب المئي
وقوله 5:
ولا ذاكر الله إلا قليلا
ومن ذلك حملهم التثنية -وهي أقرب إلى الواحد- على الجمع وهو أنأى عنه؛
ألا تراهم قلبوا همزة التأنيث فيها فقالوا: حمراوان وأربعاوان كما
قلبوها فيه واوًا فقالوا: حمراوات علمًا وصحراوات وأربعاوات. ومن ذلك
حملهم الاسم -وهو الأصل- على الفعل -وهو الفرع- في باب ما لا ينصرف
"نعم " وتجاوزوا بالاسم رتبة الفعل إلى أن شبهوه بما ورءاه -وهو الحرف-
فبنوه نحو أمس وأين وكيف وكم وإذا. وعلى ذلك ذهب بعضهم في ترك تصرف "
ليس" إلى أنها ألحقت بـ "ما " فيه كما ألحقت "ما " 6 بها في العمل في
اللغة الحجازية. وكذلك قال أيضًا في " عسى ": "إنها"7 منعت التصرف
لحملهم إياها على لعل. فهذا ونحوه يدلك على قوة تداخل هذه اللغة
وتلامحها8، واتصال أجزائها وتلاحقها وتناسب أوضاعها وأنها لم تقتعث9
اقتعاثًا ولا هيلت هيلا, وأن واضعها عني بها وأحسن جوارها10، وأمد
بالإصابة والأصالة فيها.
__________
1 انظر البيت في اللسان في "ألك".
2 أبو دختنوس لقيط بن زرارة. ودختنوس سماها باسم بنت كسرى ويقال:
دختنوش. وهي منقولة عن الفارسية أصلها دخت نوش، ومعناه: بنت الهنيء.
وانظر اللسان، والمعرب للجواليقي 142. وقوله: "ملكذب". يريد: من الكذب.
وانظر أمالي ابن الشجري 1/ 97.
3 كذا في أ، ج. وفي ب، ش: "الزوائد".
4 عزاه في اللسان في "مأى" إلى امرأة من عقيل تفخر بأخوالها من اليمن
وكذا في النوادر 91 والخزانة 3/ 304 وقبله:
حيدة خالي ولقيط وعلي
5 هو أبو الأسود الدؤلي. وانظر الخزانة طبعة السلفية، 1/ 258 والشطر
الذي أورده صدره:
فألقيته غير مستعتب
6 كذا في أ. وفي ب: "فيه".
7 كذا في أ. وفي ش، ب، د، هـ: "إنها المراد وسقط ما".
8 كذا في أ. وفي ش: "تحاملها" وفي ب: "تلاحمها".
9 كأنه يريد أنها ليست جزافا، بل هي مقدرة بمقياس، يقال: قعث له إذا
حقن له بيده وأعطاء، واقتعث العطية إذا أكثرها وفي هذا معنى الخروج عن
التقدير والحساب.
10 كذا في أ، ب. وفي ش: "جوازها".
(1/312)
|