الخصائص باب في تداخل الأصول
الثلاثية والرباعية والخماسية:
ولنبدأ من ذلك بذكر الثلاثي منفردًا بنفسه ثم مداخلًا لما فوقه.
اعلم أن الثلاثي على ضربين: أحدهما ما يصفو ذوقه، ويسقط عنك التشكك في
حروف أصله؛ كضرب وقتل وما تصرَّف منهما. فهذا ما لا يرتاب به في جميع
تصرفه نحو: ضارب ويضرب ومضروب, وقاتل وقتَّال واقتتل القوم واقتل ونحو
ذلك. فما كان هكذا مجردًا1 واضح الحال من الأصول, فإنه يحمي نفسه وينفي
الظِنَّة عنه.
والآخر أن تجد الثلاثي على أصلين متقاربين والمعنى واحد, فههنا
يتداخلان, ويوهم كل واحد منهما كثيرًا من الناس أنه من أصل صاحبه, وهو
في الحقيقة من أصل غيره, وذلك كقولهم: شيء رخو ورِخْوَدّ2. فهما -كما
ترى- شديدا التداخل لفظًا, وكذلك هما معنًى. وإنما تركيب "رخو" من رخ
و3, وتركيب "رخود" من رخ د, وواو "رِخْوَدّ" زائدة, وهو فعول كعلود4
وعسود5، والفاء6، والعين من "رخو" و"رخود" متفقتان7، لكن لاماهما
مختلفتان7. فلو قال لك قائل: كيف تحقر "رخودًا" على حذف الزيادة لقلت:
رخيد -بحذف الواو وإحدى الدالين, ولو قال لك: كيف تبني من رخو مثل جعفر
لقلت "رخوي" ومن "رخود ": رَخْدَدْ؛ أفلا ترى إلى ازدحام اللفظين مع
تماس المعنيين؛ وذلك أن
__________
1 كذا في أ، وفي ش، ب: "مجردة".
2 الرخود اللين. وهو من الرجال: اللين العظام الرخوها.
3 كذا في أ، في ب، ش: "ر خ ود".
4 يقال رجل علود: غليظ الرغبة.
5 رجدل عسود: قوي شديد.
6 كذا في أ. وفي ش، ب: "فالفاء".
7 كذا في أ، وفي ش، ب "متفقان ... مختلفان" وكل صحيح.
(2/46)
الرخو الضعيف, والرخودّ المتثنيّ والتثني
عائد إلى معنى الضعف, فلما كانا1 كذلك أوقعا الشك لمن ضعف2 نظره،
وقلَّ3 من هذا الأمر ذات يده.
ومن ذلك قولهم: رجل ضيَّاط3، وضيطار3. فقد ترى تشابه الحروف, والمعنى
مع ذلك واحد, فهو أشد لإلباسه. وإنما "ضياط" من تركيب "ض ي ط ", وضيطار
من تركيب "ض ط ر ". ومنه "قول جرير "4:
تعدّون عَقْر النيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى! لولا الكميّ المقنعا5
فضيّاط يحتمل مثاله ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون فعَّالًا كخياط وربّاط,
والآخر أن يكون فيعالًا كخيتام6 وغيداق7، والثالث أن يكون فوعالًا
كتوراب. فإن قلت: إن فوعالًا لم يأت صفة, قيل: اللفظ يحتمله وإن كانت
اللغة تمنعه. ومن ذلك لوقة8 وألوقة8، وصوص9 وأصوص9، وينجوج10 وألنجوج10
ويلنجوج10 وضيف وضيفن في قول11 أبي زيد. ومن ذلك حية وحواء, فليس حواء
من لفظ حيّة كعطَّار من
__________
1 كذا في أ. وفي ش، ب: "كان".
2 كذا في أ. وفي ش، ب: "تضعف" وهو محرف عن يضعف. وفيهما: "وتقل".
3 الضيّاط: العظيم الجنبين، والضيطار يقال لهذا، وللثيم.
4 كذا في ش، ب. وفي أ "قوله".
5 يقال للقوم إذ كانوا لا يغنون غناء: بنو ضوطري. وجريز يهجو بهذا
الفرزدق بقومه، وكان غالب أبو الفرزدق باري سحيم بن وثيل الرايحي في
عقر النوق تكرمًا في قصة معروفة, وانظر اللسان في ضطر, والنقائض 823،
وهو البيت 58 من قصيدته التي أولها:
أقمنا وربتنا الديار ولا أرى ... كمربعنا بين الحنيين مربعا
6 هو لغة في الخاتم.
7 من معانيه الكريم، ويقال: شباب غيداق: ناعم.
8 اللوقة والألوفة: طعام طيب يكون من الزيد والرطب.
9 الصوص: البخيل. والأصوص: الناقة الكريمة الموثقة الخلق. وتقول العرب:
ناقة أصوص عليها صوص. وإذ كان معنياهما مختلفين كما رأيت لا يكونان من
هذا الباب.
10 هو عود طيب الريح يتبخّر به.
11 أي أن يكون ضيفن من ضفن، يقال: ضفن إلى القوم إذا جاء إليهم حتى
يجلس معهم، رخص هذا بأبي زيد؛ لأن أيا عبيد وغيره يرون أن الضيفن من
مادة الضيف والنون زائدة، وعلى هذا لا يكون الضيف والضيفن متداخلين.
وانظر اللسان في ضيف رضيفن.
(2/47)
العطر، وقطّان من القطن، بل حيّة من لفظ "ح
ي ي " من مضاعف الياء، وحوّاء من تركيب "ح وى " كشواء وطواء. ويدل على
أن الحية من مضاعف الياء ما حكاه صاحب الكتاب1 من قولهم في الإضافة إلى
حيَّة بن بهدلة: حَيَويّ. فظهور الياء عينًا في حيوي قد علمنا منه كون
العين ياء، وإذا كانت العين ياء واللام معتلة, فالكلمة من مضاعف الياء
البتة, ألا ترى أنه ليس في كلامهم نحو حيوت. وهذا واضح. ولولا هذه
الحكاية لوجب أن تكون الحية والحواء من لفظ2 واحد؛ لضربين من القياس:
أما أحدهما فلأن فعالًا في المعاناة3 إنما يأتي من لفظ المعاني3؛ نحو
عطّار من العطر, وعصَّاب من العصب. وأما الآخر فلأن ما عينه واو ولامه
ياء أكثر مما عينه ولامه ياءان, ألا ترى أن باب طويت وشويت أكثر من باب
حييت وعييت. وإذ كان الأمر كذلك علمت قوة السماع وغلبته للقياس, ألا
ترى أن سماعًا واحدًا غلب قياسين اثنين.
نعم, وقد يعرض هذا التداخل في صنعة الشاعر فيرى أو يُرِي أنه قد جنَّس4
وليس في الحقيقة تجنيسًا وذلك كقول القطامي:
مستحقبين فؤادًا ما له فاد5
__________
1 انظر الكتاب 2/ 72. وحية بن بهدلة قبيلة عربية.
2 يريد من لفظ الحوّاء، وهو مادة حويت.
3 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "المعاباة ... المعابا"، والمعاناة الشيء:
معالجته وملابسته ومباشرته، وترادف هنا النسب.
4 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "جانس".
5 صدره:
كنية الحي من ذي الغيضة احتملوا
وهو من قصيدته التي مطلعها:
ما اعتاد حب سليمى حين معتاد ... ولا تقضي بواقي دينها الطادي
يقول فيها:
ما للكواعب ودَّعن الحياة كما ... ودعنني واتخذن الشيب ميعادي
ثم يقول: كنية الحي....، وكنية الحي: بعده وتحوله عن منتجعه إلى آخر،
يقول: ودعنني وبعدن عني كبعد هذا الحي إذ احتملوا من ذي الغيضة، وهو
موضع، ويقول: إنهم استحقبوا معهم واحتملوا أسيرًا لا فداء له على
الأسر، يعني نفسه وقع أسيرًا لمن سلبت فؤاده من الحي.
(2/48)
ففؤاد من لفظ "ف أد " وفادٍ من تركيب "ف د
ى " , لكنهما لما تقاربا هذا التقارب دَنَوَا من التجنيس. وعليه قول
الحمصي ّ1:
وتسويف العدات من السوافي2
فظاهر هذا يكاد لا يشك أكثر الناس أنه مجنس, وليس هو كذلك. وذلك أن
تركيب "تسويف" من "س وف " وتركيب السوافي من "س ف ي "3، لكن لما وجد في
كل واحد من الكلمتين سين وفاء4 وواو, جرى في بادي السمع مجرى الجنس
الواحد, وعليه قال الطائي الكبير:
أَلْحَدٌ حوى حية الملحدين ... ولَدْنُ ثرىً حال دون الثراء 5
فيمن رواه6 هكذا "حوى حية الملحدين" أي: قاتل المشركين, وكذلك قال في
آخر البيت أيضًا:
ولدن ثرى حال دون الثراء
__________
1 هو عبد السلام بن رغان المعروف بديك الجن. وانظر رسالة الغفران طبع
المعارف 383.
2 "العدات" كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "العذاب"؛ وفي رسالة الغفران
"الظنون", و"السوافي" جمع السافي، وهو الريح التي تسفي التراب أو هو
التراب نفسه، ضربه مثلًا لما يبعث الأذى. والسواف: الهلاك، وقد فسر
بهذا في رسالة الغفران.
3 هذا على روايته "السوافي", وأما على رواية رسالة الغفران "السواف"
وهو الهلاك, فالمادة للتسويف والسواف واحدة.
4 في غير أبعدها زيادة: "وياء".
5 هذا في مرئية لخالد بن زيد بن مزيد الشيباني, وترى "وألحد" و"لدن"
مرفوعين، وهو ما في الديوان. وفي أصول الخصائص "ألحدا" ولدن بنصبهما
والوجه ما أثبته، يقول: أيحوى لحد حية الملحدين! يعجب من هذا.
والملحدون: الكافرون، وحيتهم: مهلكهم كما يهلك الحية مَنْ لدغه. و"لدن
ثرى فاللدن الناعم, وهو من إضافة الصفة للموصوف, أي: أيحول الثري -وهو
هنا تراب القبر- دون الغنى والوفر الحالين فيه بحلول المرثي.
6 أي لا فيمن روى: جثة الملحدين, والملحدون في هذه الرواية الذين
ألحدوه في قبره ووضعوه في لحده. وهم المشيعون, يقول: هنا جئتنا جميعًا,
فكيف يضمنا اللحد! ويقول التبريزي في شرحه: "والصواب هو الرواية
الأولى.
(2/49)
فجاء به مجيء التجنيس, وليس على الحقيقة
تجنيسًا صحيحًا. وذلك أن التجنيس عندهم أن يتفق اللفظان ويختلف أو
يتقارب المعنيان؛ كالعقل والمعقل والعقلة والعقيلة ومعقلة1. وعلى ذلك
وضع أهل اللغة كتب الأجناس. وليس الثرى من لفظ الثراء على الحقيقة,
وذلك أن الثرى -وهو الندى- من تركيب "ث ر ي " لقولهم: التقى3 الثريان.
وأما الثراء -لكثرة المال- فمن تركيب "ث ر و "؛ لأنه من الثروة ومنه
الثريّا؛ لأنها من الثروة لكثرة كواكبها مع صغر مرآتها, فكأنها كثيرة
العدد بالإضافة إلى ضيق المحل. ومنه قولهم: ثَرَوْنا بني فلان, نثروهم
ثروة, إذا كنا أكثر منهم. فاللفظان -كما ترى- مختلفان, فلا تجنيس إذًا
إلّا للظاهر. وقد ذكرت هذا الموضع في كتابي في شرح المقصور والممدود عن
ابن السكيت, وأنَّ الفراء تسمح3 في ذكر مثل هذا على اختلاف أصوله, وأن
عذره في ذلك تشابه اللفظين بعد القلب.
ومن ذلك قولهم: عدد طيس4، وطَيْسَل. فالياء في طيس أصل, وتركيبه من "ط
ي س ", "وهي"5 في طيسل زائدة, وهو من تركيب "ط س ل ". ومثله الفيشة
والفيشلة: حالهما في ذلك سواء. وذهب سيبويه6 في "عنسل" إلى زيادة
النون, وأخذها من قوله 7:
عسلان الذئب أمسى قاربًا ... برد الليل عليه فنسل
__________
1 المعلقة: "الدية".
2 يقال ذلك إذا جاء المطر فرسخ في الأرض حتى يلتقي هو وندى الأرض.
3 يريد أن القراءة ذكر الثرى والثراء في المقصور والممدود، فالثراء
ممدود الثرى، وهما من مادتين مختلفتين، وشرط هذا اتحاد المادة.
4 أي: كثير.
5 زيادة في أ، سقط في ش, ب.
6 انظر الكتاب 2/ 350. وعبارته: "ومما جعلته زائدًا بثبت العنسل؛ لأنهم
يريدون العسول، وتراه لم يرود البيت الذي أورده المؤلف، والعنسل الناقة
السريعة.
7 أي: لبيد، وقيل: النابغة الجعدي، وانظر اللسان في عسل، وجزم في
الجمهرة 1/ 252 بنسبته إلى لبيد، وليس هذا البيت في قصيدة لبيد التي
على هذا الروي في الديوان.
(2/50)
وذهب محمد بن حبيب1 في ذلك إلى أنه من لفظ
"العنس" وأن اللام زائدة, وذهب بها مذهب زيادتها في ذلك وأولالك, وعبدل
وبابه. وقياس قول محمد بن حبيب هذا أن تكون اللام في فيشلة وطيسل
زائدة. وما أراه إلّا أضعف القولين؛ لأن زيادة النون ثانية أكثر من
زيادة اللام في كل موضع, فكيف بزيادة النون غير ثانية. وهو أكثر من أن
أحصره2 لك.
فهذه طريق تداخل الثلاثي "بعضه في بعض. فأما تداخل الثلاثي"3 والرباعي
لتشابههما في أكثر الحروف فكثير؛ منه قولهم: سبط وسبطر, فهذان أصلان لا
محالة, ألا ترى أن أحدًا لا يدعي زيادة الراء. ومثله سواء دمث ودمثر,
وحبج4، وحبجر. وذهب أحمد بن يحيى في قوله 5:
يردُّ6 قلخًا وهديرًا زغدبًا
إلى أن الباء زائدة, وأخذه من زغد البعير يزغد زغدًا في هديره. وقوله:
إن الباء زائدة, كلام تمجّه الآذان وتضيق عن احتماله المعاذير7. وأقوى
ما يذهب إليه فيه أن يكون أراد أنهما أصلان مقتربان كسبط وسبطر. وإن
أراد ذلك أيضًا فإنه قد تعجرف. ولكن قوله في أسكفة8 الباب: إنها من
استكفَّ الشيء أي: انقبض أمر
__________
1 حبيب، اسم أمه، فلذلك لا يصرف. وانظر مراتب النحو بين ص157، والبغية
29.
2 كذا في ش، ب، وفي أ: "أحضره".
3 هذا على ما في ج، وقد خلا من هذه الزيادة أ، ب، ش.
4 الحبج: المنتفخ السمين. والحبجر أيضًا: الغليظ، يقال: وتر حبجر.
5 أي: العجاج؛ كما في اللسان في زغدب. وانظر ديوانه 74.
6 "يرد" كذا في أصول الخصائص, وفي اللسان: "يرج"، وفي سر الصناعة "حرف
الباء": "يمد" و"قلخان" كذا في أ. وفي ب، ج، ش: "فلجا"، وهو تحريف,
والقلخ والزغدب: هدير البعير.
7 كذا في أ. وفي ش، ب: "المعاذر".
8 الأسكفة: عتبة الباب.
(2/51)
لا ينادي1 وليده, وروينا ذلك عنه. وروينا
عنه أيضًا أنه قال في "تنور": إنه تَفْعُول من النار, وروينا عنه أيضًا
أنه قال: الطَّيْخ: الفساد "قال "2: فهو من تواطخ القوم. وسنذكر ذلك في
باب سقطات العلماء بإذن الله.
ولكن من الأصلين المتداخلين: الثلاثي والرباعي قولهم: زرم3، وازرأمّ3,
وخضل4 واخضأل4، وأزهر وازهأرّ, وضفد5 واضفأد5ّ، وزلم6 القوم،
وازلأمّوا6، وزغب الفرخ7 وازلغبّ7. ومنه قولهم: مبلع8 وبلعوم, وحلق
وحلقوم, وشيء صلد وصلادم, وسرطم9 وسرواط9. وقالوا للأسد: هرماس, وحدثنا
أبو علي عن الأصمعي أنه قال في هرماس: إنه "من الهرس"10. وحدثنا أيضًا
أنهم يقولون: لبن قمارص11. وقالوا: دلاص12، ودلامص12، ودمالص12. وأنشد
ابن الأعرابي:
فباتت تشتوي والليل داج
ضماريط آستها في غير نار13
ومن هذا أيضًا قولهم: بعير أشدق وشَدْقَم14.
__________
1 كذا في أ، ج وفي ش، ب: "يبادي". وقوله: أمر لا ينادي وليده, هذا مثل
يضرب للشيء الذي ينادى فيه الجلة والعظماء لا الصغار. يريد استنكارًا.
رأى ثعلب هذا وأنه ركب أمرًا إدّا.
2 كذا في أ. وسقط في ش، ب.
3 زرم وازرأم: انقطع.
4 خضل واخضأل: ابتل وندي.
5 صفد واصفأد" وفي ج: "صفد واصفاد"، وفي ش: "ضغد واضغأد"، وكل هذا
تحريف.
6 زلم القوم وازلأموا: أسرعوا وارتحلوا.
7 زغب وازلغب: طلع ريشه.
8 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "بلعم", وما أثبت هو الصواب.
9 السرطم والسرواط: الذي يبتلع كل شيء. وما أثبته هو الصواب؛ إذ يظهر
فيه التداخل المطلوب. وفي أ، ج "سرطم وسراطم"، وفي ش, ب: "سوطم
وسواطي". وكل هذا تحريف.
10 كذا في أ، وفي ب: "أخذ من الهرس".
11 هو الحامض كالقارص, وكان ينبغي ذكره هذا الوصف ليبين التداخل.
12 الألفاظ الثلاثة في معنى البراق.
12 جاء في اللسان في ضرط البيت هكذا للقضم بن مسلم البكائي:
وبيت أمه فأساغ نهسًا ... ضماريط آستها في غير نار
وفيه أن ضماريط الآست ما حواليها، كأن الوحد ضمريط أو ضمراط أو ضمروط
مشتق من الضرط. ومن هنا كان التداخل الذي يعنيه أبو الفتح.
14 أي: واسع الشدق.
(2/52)
وينبغي أن يكون جميع هذا من أصلين ثلاثي
ورباعي, وهو قياس قول أبي عثمان, ألا تراه قال في دلامص: إنه رباعي
وافق أكثره حروف الثلاثي؛ كسبط وسبطر, ولؤلؤ ولَّالٍ. فلؤلؤ رباعي
ولّال ثلاثي. وقياس مذهب الخليل بزيادة الميم في دلامص أن تكون الميم
في هذا كله زائدة, وتكون على مذهب أبي عثمان أصلًا, وتكون الكلم التي
اعتقبت هذه الحروف عليها أصلين لا أصلًا واحدًا. نعم وإذا جاز للخليل
أن يدَّعي زيادة الميم حشوًا -وهو موضع عزيز عليها- فزيادتها آخرًا
أقرب مأخذًا؛ لأنها لما تأخَّرت شابهت بتطرفها أول الكلمة الذي هو
معان1 لها ومظنة منها. فقياس قوله في دلامص: إنه فعامل أن يقول في
دمالص: فماعل, وكذلك في قمارص, وأن يقول في بلعوم وحلقوم: إنه فعلوم؛
لأن زيادة الميم آخرًا أكثر منها أولًا, ألا ترى إلى تلفيهم2 كل واحد
من دلقم3 ودردم4، ودقعم5، وفسحم6، وزرقم, وستهم, ونحو ذلك بزيادة الميم
في آخره. ولم نر أبا عثمان خالف في هذا خلافه في دلامص. وينبغي أن يكون
ذلك لأن آخر الكلمة مشابه لأولها, فكانت زيادة الميم فيه أمثل من
زيادتها حشوًا. فأما ازرأمَّ واضفادّ ونحو ذلك, فلا تكون همزته إلّا
أصلًا, ولا تحملها8 على باب شأمل وشمأل لقلة ذلك. وكذلك لام ازلغبَّ هي
أحرى أن تكون أصلًا.
__________
1 كذا في أ، ج، وفي ب: "معاذ"، وفي ش: "معاد". والمعان: المباءة،
والمنزل.
2 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "تلقنهم".
3 من معانيه العجوز المسنة.
4 هي الناقة المسنة.
5 هو التراب، يقال: بفية الدقعم، كما يقال: بفيه التراب.
6 هو الواسع الصدر.
7 كذا في أ. وفي ش، ب: "بزيادة".
8 كذا في أ. وفي ش: "يحملها"، وفي ج: "تحملها". وفي ب غير منقوطة.
(2/53)
ومن الأصلين الثلاثي والرباعي المتداخلين
قولهم: قاع قرق1، وقرقر1، وقرقوس1، وقولهم: سلس وسَلْسَلٌ وقَلِقٌ
وقَلْقَل. وذهب أبو إسحاق في نحو: قلقل وصلصل وجرجر وقرقر إلى أنه
فعفل, وأن الكلمة لذلك ثلاثية, حتى كأن أبا إسحاق لم يسمع في هذه اللغة
الفاشية المنتشرة2 بزغد وزغدب, وسبط وسبطر, ودمث ودمثر, وإلى قول
العجاج:
ركبت أخشاه إذا ما أحبجا3
هذا مع قولهم وتر حبجر للقوي الممتلئ. نعم, وذهب إلى مذهب شاذ غريب في
أصل منقاد عجيب, ألا ترى إلى كثرته في نحو زلز وزلزل, ومن أمثالهم:
"توقري يازلزه"4 فهذا قريب من قولهم: قد5 تزلزلت أقدامهم إذا قلقت فلم
تثبت. ومنه قلق وقلقل، وهوة6 وهوهاءة6، وغوغاءٌ وغوغاءُ؛ لأنه مصروف7
رباعي وغير مصروف ثلاثي. ومنه رجل أدرد8، وقالوا: عض على دردره9،
ودردوره10. ومنه صلّ وصلصل, وعجّ وعجعج. ومنه عين ثرة وثرثارة. وقالوا:
تكمكم من الكمة11، وحثحثت وحثثت, ورقرقت ورققت, قال الله تعالى:
__________
1 أي: أملس مستو.
2 كذا في أ. وفي ش، ب: المنقشرة".
3 "أخشاء" أي: أخوفه، والحديث عن المهمة المذكور, قيل في قوله:
ومهمه هالك من تعرّجا
قوله: "أحبجا" أي: بدا واعترض في قوة وهول, وبهذا يتداخل مع حيجر،
وانظر اللسان في حبج وخشي، والديوان 9. والاقتضاب 3، 4.
4 "زلزة" كذا في أ، ج. وفي ش، ب: زلزلة" وهو خطأ. والزلزة: الطياشة
الخفيفة من قولهم: زلز: قلق.
5 كذا في أ، وفي ش، ب: "مصروف". يريد أنك إذا صرفت "غوغاء" كان أصله
غوغا, ومن مضعف الفاء والغين, فأبدلت الواو الأخيرة همزة، فكان
كالقمقام, والوجه الآخر أن تجعل الهمزة للتأنيث، فيكون غوغاء كحمراء.
وانظر الكتاب 2/ 386.
8 وصف من الدرد، وهو ذهاب الأسنان.
9 الدردر: منبت الأسنان.
10 تراه يعني بالدردور: الدردر, والذي في اللسان والقاموس أن الدردور
موضع في وسط البحر يجيش ماؤه، لا تكاد تسلم السفينة منه.
11 هي الفلتسوة المدورة؛ وتكمكم: لبسها.
(2/54)
{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ}
1 وهذا باب واسع جدًّا, ونظائره كثيرة: فارتكب أبو إسحاق مركبًا وعرًا,
وسحب فيه عددًا جمًّا, وفي هذا إقدام وتعجرف. ولو قال ذلك في حرف أو
حرفين كما قال الخليل في دلامص, بزيادة الميم؛ لكان أسهل؛ لأن هذا شيء
إنما احتمل القول به في كلمة عنده شاذة أو عزيزة النظير. فأما الاقتحام
بباب منقاد في مذهب متعاد2 ففيه ما قدمناه, ألا ترى أن تكرير3 الفاء لم
يأت به ثبت إلّا في مرمريس, وحكى غير صاحب الكتاب أيضًا مرمريت, وليس
بالبعيد أن تكون التاء بدلًا من السين, كما أبدلت منها في ست, وفيما
أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
يا قاتل الله بني السعلات ... عمرو بن يربوع شرار النات4
غير أعفَّاء ولا أكيات
فأبدل السين تاء.
فإن قلت: فإنا نجد للمرمريت أصلًا يحتازه إليه وهو المرت5، قيل: هذا هو
الذي دعانا إلى أن قلنا: إنه قد يجوز أن تكون التاء في مرمريت بدلًا من
سين مرمريس. ولولا أن معنا مَرْتا لقلنا فيه: إن التاء بدل من السين
البتة, كما قلنا ذلك في ست والنات وأكيات. فإن قال قائل منتصرًا لأبى
إسحاق: لا ينكر أن يأتي في المعتل من الأمثلة ما لا يأتي في الصحيح
نحو: سيد وميت, وقضاة ودعاة, وقيدودة وصيرورة وكينونة, وكذلك يجيء في
المضاعف ما لا يأتي
__________
1 آية: 94 سورة الشعراء.
2 كذا في أ. وفي ش، ب، ج: "معتاد".
3 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "تكثير".
4 السعلاة: الغول أو ساحرة الجن، جعل أمهم كالغول أو كالساحرة الجنية،
وقد كتب "السلعاة" بالتاء المفتوحة مجانسة للغات، وكتب في اللسان في
أنس: السعلاة. والنات والأكيات يريد الناس والأكياس. وقد كتب في أقبالة
النات س، وتحت التاء في أكيات س للدلالة على أصل الحرف قبل الإبدال.
والرجز لعلياء بن أرقم كما في النوادر 104، وزاد ابن دريد في الجمهرة
3/ 33: "أظنه اليشكري", وانظر اللآلي 703.
5 هو المكان لا نبت فيه.
6 كذا في أ، وفي ش، ب: "تنكر".
(2/55)
في غيره من تكرير الفاء. بل إذا كانوا قد
كرروها في مرمريت ومرمريس، ولم نر في الصحيح فيعلا ولا فُعَلة في جمع
فاعل, ولا فيعلولًا مصدرًا كان ما ذهب إليه أبو إسحاق من تكرير الفاء
في المضاعف أولى بالجواز, وأجدر بالتقبل, فهو قول غير أن الأوّل أقوى,
ألا ترى أن المضاعف "لا ينتهي"1 في الاعتلال إلى غاية الياء والواو,
وأنَّ ما أعلّ منه في نحو: ظلت ومست و"ظنت في ظننت"2، وتقصيت,
وتقضَّيت, وتفضَّيت من الفضة, وتسريت من السرية, ليس شيء من إعلال ذلك
ونحوه بواجب, بل جميعه لو شئت لصححته, وليس كذلك حديث الياء والواو
والألف في الاعتلال, بل ذلك فيها في عام أحوالها التي اعتلت فيها أمر
واجب أو مستحسن في حكم الواجب, أعني: باب حاري وطائي وياجل وياءس, وآية
في قول3 سيبويه. فإن قلت فقد قرأ الأعمش بعذاب بيئس4، فإنما ذاك لأن
الهمزة وإن لم تكن حرف علة فإنها معرضة للعلة, وكثيرة الانقلاب عن حروف
العلة5, فأجريت "بيئس" عنده مجرى سيّد وهيّن, كما أجريت التجزئة مجرى
التعزية في باب الحذف والتعويض, وتابع أبو بكر البغداديين في أن الحاء
الثانية في حثحثت بدل من ثاء, وان أصل حثثت. وكذلك قال في نحو: ثرة،
__________
1 كذا في ش، وفي أ، ب: "لم ينته".
2 كذا في أ، ب. وفي ج: "ظنيت وتظنيت".
3 انظر الكتاب 2/ 388.
4 يريد ابن جني أن بيئسا فيعل -بكسر العين- على هذه القراءة وهو مختص
بالمعتل كسيد وميت، ولكن الذي سوّغ ذلك في المهموز وهو قريب من المعتل.
وقد وافق الأعمش في هذه القراءة عيسى بن عمر، وعن الأعمش قراءة أخرى
بيأس. راجع البحر المحيط 4/ 413.
5 كذا في ش، ب. أ: "حرف".
(2/56)
وثرثارة: إن الأصل فيها ثرّارة, فأبدل من
الراء الثانية ثاء فقالوا: ثرثارة. وكذلك طرد هذا الطرد1. وهذا وإن كان
عندنا غلطًا لإبدال الحرف مما ليس من مخرجه ولا مقاربًا في المخرج له,
فإنه شق آخر من القول. ولم يدع أبو بكر فيه تكرير الفاء, وإنما هي عين
أبدلت إلى لفظ الفاء, فأما أن يدعي أنها فاء مكررة فلا.
فهذا طريق تزاحم الرباعي مع الثلاثي, وهو كثير جدًّا فاعرفه, وتوقّ
حمله عليه أو خَلْطه به, ومِزْ كل واحد منهما عن صاحبه, ووالِهِ دونه,
فإن فيه إشكالًا, وأنشدني الشجري لنفسه:
أناف على باقي الجمال ودفّفت ... بأنوار عشبٍ مخضئلّ عوازبه2
وأما تزاحم الرباعي مع الخماسي فقليل, وسبب ذلك قلة الأصلين جميعًا,
فلمَّا قلَّا قلَّ ما يعرض من هذا الضرب فيهما, إلّا أن منه قولهم:
ضبغطى3، وضبغطرى3 وقوله أيضًا:
قد دردبت والشيخ دردبيس4
ف"دردبت" رباعي و"دردبيس" خماسي, ولا أدفع أن يكون استكره نفسه على أن
بنى من "دردبيس" فعلًا فحذف خامسه؛ كما أنه لو بنى من سفرجل فعلًا عن
ضرورة لقال: سفرج.
__________
1 كذا في ش، ب. وفي أ: "الطرز".
2 "مخضئل" كذا في ش، ب، أ. وتزيد أبأن كتب خاج البيت: "مزهرّ" على أنها
رواية أخرى.
3 الضبغطي والضبغطري: كلمة يفزع بها الصبيان.
4 قبله: أم عيال قحمة تعوس.
والقحمة: المتقدمة في السن. والعوس: الطوفان بالليل، أو إصلاح المعيشة.
والدرجبة: الخضوع والذل والدردبيس هنا الفاني من الشيوخ، وانظر اللسان
في دردبس.
(2/57)
باب في "المثلين " 1: كيف حالهما في
الأصلية والزيادة، وإذا كان أحدهما زائدًا فأيهما هو؟ :
اعلم أنه متى اجتمع معك في الأسماء والأفعال حرف أصل2 ومعه حرفان مثلان
لا غير فهما أصلان, متصلين كانا أو منفصلين؛ فالمتصلان نحو: الحفف3،
والصدد، والقصص، وصببت وحللت وشددت وددن، ويين4. وأما5 المنفصلان فنحو:
دَعْدٍ وتُوتٍ وطوط6، وقلق وسلس. وكذلك إن كان هناك زائد فالحال واحدة
نحو: حمام وسمام7، وثالث وسالس؛ روينا عن الفراء قول الراجز:
ممكورة غرثي الوشاح السالس ... تضحك عن ذي أشر غضارس8
وكذلك كوكب، ودودح9. وليس من ذلك دؤادم10؛ لأنه مهموز.
__________
1 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "أن المثلين".
2 كذا في أ. وفي ش، ب: "أصلي".
3 الخفف: ضيق العيش وشدته. وهو بالمهملة في أ، ب. وفي ش: "الخفف".
4 بين -بالتحريك، ويسكن ثانية: عين أرواد بين ضاحك وضويحك، وقيل: في
بلاد خزاعة، وقيل غير ذلك القاموس ومعجم البلدان.
5 كذا في ش، ب، وفي أ: "فأما".
6 من معانيه الحية والقطن.
7 جمع سم.
8 السالس: السلس اللين. و"غضارس" كذا بالغين المعجمة في ش، ب. وفي أ،
ج: "مضارس" بالعين المهملة، وكلاهما معناه: بارد عذب، وجاء الشطر
الأخير في اللسان "عطمس" مع شطر آخر.
9 في اللسان أن ابن جني ذكر هذا اللفظ ولم يفسره.
10 هكذا يجعل ابن جني هذا الحرف مهموزًا، والذي في اللغة ثاني حروفه
واو، ولم يذكروا الهمز، وهو صمغ كالدم يخرج من السمر.
(2/58)
وكذلك إن كان هناك حرفان تسقطهما الصنعة
جريًا في ذلك مجرى الحرف الواحد "كألف حمام وسمام وواو وكوكب ودودح"1
وذلك ألندد ويلندد, يوضح ذلك الاشتقاق في ألندد؛ لأنه هو الألدّ. وأما
ألنجج فإن2 عدَّة حروفه خمسة، وثالثه نون ساكنة, فيجب أن يحكم بزيادتها
فتبقى أربعة, فلا يخلو حينئذ أن يكون مكرر اللام كباب قعدد وشربب3، أو
مزيدة في أوله الهمزة كأحمر وأصفر وإثمد. وزيادة الهمزة أولًا أكثر من
تكرير4 اللام آخرًا. فعلى ذلك ينبغي أن يكون العمل, فتبقى الكلمة من
تركيب "ل ج ج "، "فمثلاها إذن أصلان"5, وكذلك يلنجج؛ لأن الياء في ذلك
كالهمزة كما قدمناه. فمثلًا ألنجج ويلنجج أصلان كمثلي ألندد ويلندد.
فهذه أحكام المثلين إذا كان معهما أصل واحد في أنهما أصلان لا محالة.
فأما إذا كان معك أصلان ومعهما حرفان مثلان, فعلى أضرب: منها أن يكون
هناك تكرير على تساوي حال الحرفين. فإذا كانا6 كذلك كانت الكلمة كلها
أصولًا, وذلك نحو: قلقل وصعصع7، وقرقر8. فالكلمة إذًا لذلك رباعية.
وكذلك إن اتفق الأوّل والثالث واختلف الثاني والرابع, فالمثلان أيضًا
أصلان. وذلك نحو: فرفخ9 وقرقل10 وزهزق11 وجرجم12, وكذلك إن اتفق
الثاني13 والرابع واختلف
__________
1 كذا في ش، ب. وقد خلت من هذه الزيادة أ.
2 كذا في أ، وفي ش، ب: "فلأن".
3 هو وادٍ في ديار بني سليم. انظر معجم ياقوت.
4 كذا في ش، ب. وفي أ: "تكثير".
5 ثبت ما بين القوسين في أ، وسقط في سائر الأصول.
6 كذا في أ، ب. وفي ش: "كان".
7 كذا في أ، ب. ش وفي ج: "ضعضع", ويقال: صعصع القوم: فرقهم.
8 يقال: قرقر البعير: هدر.
9 هو نبات الرجلة.
10 هو قميص للنساء.
11 أي: أكثر من الضحك.
12 يقال: جرجم الشراب: شربه.
13 يريد الثاني والرابع، والأول والثالث, من الحروف الأصول دون نظر إلى
الزوائد.
(2/59)
الأول والثالث نحو كربر1، وقسطاس،
وهزنبزان2، وشعلع3، فالمثلان أيضًا أصلان. وكل ذلك أصل رباعي. وكذلك إن
اتفق الأول والرابع واختلف الثاني والثالث, فالمثلان أصلان, والكلمة
أيضًا من بنات الأربعة. وذلك نحو: قربق4، وصعفصة5، "وسلعوس". وكذلك إن
اتفق الأول والثاني، واختلف الثالث والرابع, فالمثلان أصلان والكلمة
أيضًا رباعية, وذلك نحو: ديدبون7، وزيزفون 8: هما رباعيان كباب ددن
وكوكب في الثلاثة. ومثالهما "فيعلول" كخيسفوج9، وعيضموز10. فهذه حال
الرباعي.
وكذلك أيضًا إن حصل معك ثلاثة أحرف أصول, ومعها مثلان غير ملتقيين,
فهما أيضًا أصلان, وذلك كقولهم: زبعبق11، وشمشليق12، وشفشلق13.
فهذه هي الأصول التي يكون فيها المثلان أصلين. وما علمنا أن وراء ما
حضرنا وأحضرناه منها مطلوبًا فيتعب بالتماسه وتطلبه.
فأما متى يكون أحد المثلين زائدًا فهو أن يكون معك حرفان أصلان من
بعدهما حرفان مثلان, فأحدهما زائد. وسنذكر أيهما هو الزائد عقيب الفراغ
من تقسيم ذلك. وذلك كمهدد وسردد14، وجلبب، وشملل وصعرر، واسحنكك،
__________
1 في القاموس واللسان أن ابن جني ذكره ولم يفسره، ويقول صاحب القاموس:
"وعندي أنه تصحيف , والصواب بالزاي آخره", وهو يريد الكريز وهو القثاء
الكبار. وقوله: "كربر" كذا في أ. وفي ش، ب: "يطر". وهو تحريف.
2 هو الوثاب.
3 هو الطويل.
4 هو دكان البقال.
5 هو السكباج، وهو لحم يطبخ بخل.
6 زيادة في ش، ب، ج، وقد خلت منها أ. وسلعوس بلد وراء طرسوس.
7 هو اللهو أو الباطل. وانظر ص24 من هذا الجزء.
8 يقال: ناقة زيزفون: سريعة.
9 من معانية: حب القطن، والخشب البالي.
10 من معانيها: العجوز, والصخر العظيمة.
11 هو السيء الخلق.
12 هي العجوز المسترخية.
13 هي الشمشلبق.
14 هو واد في تهامة.
(2/60)
واقعنسس. وكذلك إن كان معك حرفان أصلان
بينهما حرفان مثلان, فأحد المثلين أيضًا زائد. وذلك نحو: سلّم وقلّفٍ1
وكسَّر وقطَّع, وكذلك إن فصل بين المثلين المتأخرين عن الأصلين
المتقدمين أو المتوسطين بينهما زائد فالحال واحدة, وذلك نحو: قردود2،
وسحتيت3، وصهميم4, وقرطاط5، وصفتات6، "وعثوثل"7، "واعشوشب، واخلولق"8.
فهذا حكم المثلين بجيئان مع الأصلين.
وكذلك إن جاءا بعد الثلاثة الأصول, وذلك نحو: قفعدد9، وسبهلل، وسبحلل10
وهرشف وعربد11، وقسحب12، وقسقب13، وطرطب14.
وكذلك إن التقى المثلان حشوًا وذلك نحو: علكد15، وهلقس16، ودبخس17،
وشمخر18، وضمخر19، وهمقع20, وزملق21، وشعلّع، وهملّع22 وعدبّس23
وعجنّس24.
__________
1 هو الغرين إذا يبس.
2 هو ما ارتفع من الأرض وغلظ.
3 كذا في أبالمهملة، وفي ش، ب: "سخنيت"، وكل صحيح. والسحتيت: السويق
القليل الدسم، والسختيت: الشديد.
4 من معانيه: السيد الشريف.
5 هو كالبرذعة يوضع تحت السراج.
6 هو الجسيم الشديد.
7 كذا في أ. وسقط في ش، ب. والعثوئل: الفدم العيي.
8 كذا ش، ب. وسقط في أ.
9 القفعدد: القصير.
10 يقال سقاء سبحلل: ضخم.
11 هو الشديد من كل شيء.
12 هو الضخم.
13 هو الضخم.
14 هو الشيء الضخم المسترخي.
15 هو الغليظ الشديد العنق.
16 من معانيه: الجوع الشديد.
17 هو الضخم العظيم الخلق.
18 هو المتكبر.
19 هو المتكبر أيضًا.
20 هو الأحمق.
21 هو من ينزل قبل أن يولج.
22 من معانيه: الذئب.
23 هو الشديد الموثق الخلق من الإبل وغيرها.
24 هو الجمل الضخم.
(2/61)
وكذلك إن حجز بين المثلين زائد. وذلك نحو
جلفزيز1، وهلبسيس2، وخربصيص3، وحندقوق4. فهذه الكلم كلها رباعية الأصل,
وأحد مثليها زائد.
فأما همرّش5 فخماسي, وميمه الأولى نون, وأدغمت في الميم لمَّا لم يخف
هناك لَبْس, ألا ترى أنه ليس في بنات الأربعة مثال "جَعْفِر" فيلتبس به
همرش. ولو حقَّرت "همرشًا" لقلت "هنيمر" فأظهرت نونها لحركتها. وكذلك
لو استكرهت على تكسيرها لقلت "هنامر". ونظير إدغام هذه النون إذا لم
يخافوا لبسًا قولهم: امحّى وامّاز وامّاع. ولما لم يكن في الكلام
"افَّعَل" علم أن هذا انفعل؛ قال أبو الحسن: ولو أردت مثال انفعل من
رأيت ولحزت6 لقلت: ارّأى والَّحَزَ.
فإن قلت: فما تقول في مثل عذوّر7، وسنوّر8، واعلوّط9، واخروّط،
وهبيّخ10، وهبيغ11، وجبروة وسمعنة ونظرنة وزونك12، فيمن13 أخذه من
زاك14 يزوك -وعليه حمله أبو زيد؛ لأنه صرف فعله عقيبه معه- فإن هذا
سؤال ساقط عنا, وذلك أنا إنما كلامنا على ما أحد مثليه زائد ليذكر فيما
بعد. فأما ما مثلاه جميعًا زائدان فليس فيه كلام ولا توقف في القطع
(زائديه معًا) 15.
فإن قيل: فهذا, ولكن ما تقول في صَمَحْمَح16، ودَمَكْمَك17، وبابهما؟
قيل: هذا في جملة ما عقدناه, ألا ترى أن معك في أوّل المثال الصاد
والميم، وهما لفظ
__________
1 من معانيها: العجوز.
2 يقال: ما في الدار هلبسيس, أي: ما فيها أحد.
3 من معانيه: الجمل الصغير.
4 هي بقلة.
5 من معانيها: العجوز الكبيرة.
6 أي: بخلت.
7 من معانيه: السيء الخلق.
8 هو جملة السلاح.
9 يقال: اعلوّط البعير: ركبه بلا خطام.
10 من معانيه: الأحمق.
11 يقال: نهر هبيغ: عظيم.
12 هو المختال الرافع نفسه فوق قدرها.
13 أي: لا فيمن أخذه من زنك: وعليه الجوهري في الصحاح. وانظر اللسان
"زنك".
11 أي: تبختر في مشيته.
15 كذا في أ. وفي ش. ب بدل هذا: "بزيادته".
16 من معانيه: الرجل الشديد.
17 هو الشديد القوي.
(2/62)
أصلين, ثم تكرر كل واحد من الثاني والثالث,
فصار عَوْد الثاني ملحقًا له بباب "فعّل" وعود الثالث ملحقًا له بباب
"فعلل", فقد ثبت أن كل واحد من الحرفين الثاني والثالث قد عاد عليه نفس
لفظه, كما عاد على1 طاء "قطع" لفظها, وعلى دال "قعدد" أيضًا لفظها.
فباب "فعلعل" ونحوه أيضًا ثلاثي, كما أن كل واحد من "سلّم" و"قطّع"
و"قعدُد" و"شملل" ثلاثي. وهذا أيضًا جواب من سأل عن مرمريس ومرمريت
سؤاله عن صمحمح ودمكمك؛ لأن هذين أولًا كذينك آخرًا.
الآن قد أتينا على أحكام المثلين: متى يكونان أصلين, ومتى يكون أحدهما
زائدًا بما لا تجده متقصي متحجرًا في غير كلامنا هذا.
وهذا أوان القول على الزائد منهما إذا اتفق ذلك أيهما هو.
فمذهب2 الخليل في ذلك أن الأوّل منهما هو الزائد, ومذهب2 يونس -وإياه
كان يعتمد أبو بكر- أن الثاني منهما هو الزائد, وقد وجدنا لكلٍّ من
القولين مذهبًا, واستوسعنا له بحمد الله مضطربًا. فجعل الخليل الطاء
الأولى من قطع ونحوه كواو حوقل، وياء بيطر, وجعل يونس الثانية منه كواو
جهور3، ودهور4. وجعل الخليل باء جلبب الأولى كواو جهور ودهور, وجعل
يونس الثانية كياء سلقيت وجعبيت. وهذا قدر من الحجاج5 مختصر وليس
بقاطع, وإنما فيه الأنس بالنظير لا القطع باليقين. ولكن من أحسن ما
يقال في ذلك ما كان أبو علي -رحمه الله- يحتج به لكون الثاني هو
الزائد, قولهم 6: اقعنسس واسحنكك, قال: ووجه الدلالة من ذلك أن نون
افعنلل بابها إذا وقعت في ذوات الأربعة أن تكون بين
__________
1 كذا في أ. وفي ش، بك "إلى".
2 انظر الكتاب 2/ 354, فقد ساق سيبويه المذهبين ثم قال: "وكلا الوجهين
صواب ومذهب".
3 هو اسم موضع.
4 يقال: دهورة: قذفة في مهواة.
5 كذا في أوفي ش، ب: "الاحتجاج".
6 هذا بدل من قوله: "ما كان أبو علي.....".
(2/63)
أصلين نحو: احرنجم واخرنطم, واقعنسس ملحق
بذلك, فيجب أن يحتذى به طريق ما ألحق بمثاله. فلتكن السين الأولى أصلًا
كما أن الطاء المقابلة لها من "اخرنطم" أصل, وإذا كانت السين الأولى من
اقعنسس أصلًا كانت الثانية الزائدة من غير ارتياب ولا شبهة. وهذا في
معناه سديد حسن جار على أحكام هذه الصناعة. ووجدت أنا أشياء في هذا
المعنى يشهد بعضها لهذا المذهب وبعضها لهذا المذهب. فمما يشهد لقول
يونس قول الراجز:
بني عقيل ماذه الخنافق ... المال هدى والنساء طالق1
فالخنافق جمع خنفقيق وهي الداهية, ولن تخلو القاف المحذوفة أن تكون
الأولى أو الثانية, فيبعد أن تكون الأولى؛ لأنه لو حذفها لصار التقدير
"به"2 في الواحد إلى "خنفيق", ولو وصل إلى ذاك لوقعت الياء رابعة فيما
عدته خمسة, وهذا موضع يثبت فيه حرف اللين, بل يجتلب إليه تعويضًا أو
إشباعًا. فكان يجب على هذا خنافيق. فلمَّا لم يكن كذلك علمت أنه إنما
حذف القاف الثانية فبقي "خنفقي", فلما وقعت الياء خامسة حذفت فبقي
"خنفق" فقيل في تكسيره خنافق. فإن قلت: ما أنكرت أن يكون حذف القاف
الأولى فبقي "خنفيق", وكان قياس تكسيره خنافيق, غير أنه اضطر إلى حذف
الياء كضرورته إلى حذفها في قوله 3:
والبكرات الفسَّج العطامسا4
__________
1 "والنساء طالق" كذا بإفراد الخبر، وكأنه ذهب إنه يريد: كل امرأة
طالق, ولو قال: والنساء طوالق؛ لاستغنى عن هذا.
2 زيادة في ش، ب خلت منها أ.
3 أي: غيلان بن حريث الربعي، وانظر الكتاب: 2/ 119، وشرح شواهد الإيضاح
لابن بري، الورقة: 94/ أ.
4 قبله:
قد قربت ساداتها الروائسا
الروائس جمع الرائسة وهي المتقدمة لسرعتها ونشاطها، والبكرات جمع
البكرة وهي الناقة الفتية، والفسج جمع فاسج وهي هنا السمينة، والعطامس
جمع العيطموس، وهي هنا الناقة الحسناء، وكان قياسه، العطاميس؛ فحذف
الياء.
(2/64)
قيل: الظاهر غير هذا, وإنما العمل على
الظاهر لا على المحتمل. فإذا صحَّ أنه إنما حذف الثانية علمت أنها هي
الزائدة دون الأولى, ففي هذا بيان وتقوية لقول يونس.
ويقوي قوله أيضًا أنهم لما ألحقوا الثلاثة بالأربعة فقالوا: مهدد
وجلبب, وبدأوا باستعمال الأصلين وهما الميم والهاء, والجيم واللام,
فهذان أصلان لا محالة. فكما تبعت الهاء الميم والهاء أصل, كما أن1
الميم أصل, فكذلك يجب أن تكون الدال الأولى أصلًا لتتبع الهاء التي هي
أصل2. فكما لا يشك أن الهاء أصل تبع أصلًا, فكذلك ينبغي أن تكون الدال
الأولى أصلًا تبعت أصلًا, من حيث تساوت أحوال الأصول الثلاثة وهي الفاء
والعين واللام. فلما استوفيت3 الأصول الثلاثة المقابل بها من "جعفر"
الأصول الأول الثلاثة, وبقيت هناك بقية من الأصل الممثل4 -وهي اللام
الثانية التي هي الراء- استؤنفت5 لها لام ثانية مكررة وهي الدال
الثانية. نعم, وإذا كانت اللام الثانية من الرباعي مشابهة بتجاوزها
الثلاثة للزائد كان الحرف المكرر الذي هو أحد حرفين أحدهما زائدة لا
محالة إذا وقع هناك هو الزائد لا محالة.
فهذا كله -كما ترى- شاهد بقوة قول يونس.
فأما6 ما يشهد للخليل فأشياء, منها: ما جاء من نحو: فَعَوْعَل
وفَعَيْعَل وفَعَنْلَل وفَعَاعِل وفَعَاعَيل نحو غدودن7، وخفيدد8،
وعقنقل وزرارق9،
__________
1 سقط هذا الحرف في أ.
2 كذا في أوفي ش، ب: "الأصل".
3 كذا في أ، ب، ج. وفي ش "استوفت".
4 كذا في أ، ب وفي ج: "الممتثل".
5 كذا في ش، ب، ج، وفي أ: "استوثقت".
6 كذا في أ. وفي ش، ب: "وأما".
7 يقال: شاب غدودن: ناعم.
8 هو السريع.
9 جمع زرق، ككر، وهو طائر.
(2/65)
وسخاخين1. وذلك أنك قد علمت أن هذه المثل
التي تكررت فيها العينان إنما يتقدم على الثانية منهما الزائد لا
محالة, أعني: واو فعوعل, وياء فعيعل, ونون فعنلل, وألف فعاعل وفعاعيل.
فكما أنهما لما اجتمعا2 في هذه المثل ما3 قبل الثانية زائد4 لا محالة،
فكذلك ينبغي أن يكونا إذا التقيا غير مفصول بينهما في نحو: فَعَّل
وفُعّل وفَعَّال وفُعَّال وفعِّل, وما كان نحو ذلك: الزائدة منهما
أيضًا هي الأولى لوقوعها موقع الزوائد مع التكرير فيهما لا محالة. فكما
لا يشك في زيادة ما قبل العين الثانية في فعوعل وبابه, فكذلك ينبغي ألا
يشك في زيادة ما قبل العين الثانية مما5 التقت عيناه نحو: فَعَّل
وفُعّل, وبقية الباب. وهذا واضح.
فإن عكس عاكس هذا فقال: إن كان هذا شاهدًا لقول الخليل عندك كان هو
أيضًا نفسه شاهدًا لقول يونس عند غيرك. وذلك أن له أن يقول: قد رأينا6
العينين في بعض المثل إذا التقتا مفصولة إحداهما من الأخرى, فإن ما بعد
الأولى منهما زائد لا محالة, ويورد هذه المثل عينها نحو: عثوثل وخفيدد
وعقنقل وبقية الباب, فيقول7 لك: فكما أن ما بعد العين الأولى منها8
زائد9 لا محالة، فليكن أيضًا ما بعد العين الأولى في فعّل، وفُعّل،
وبقية الباب هو الزائد لا محالة.
__________
1 يقال: ماء سخاخين: حار.
2 كذا في أ. وفي ش، ب: "اجتمعنا".
3 في الأصول: "وما"، والسياق مع الواو غير ظاهر.
4 كذا في أ. وفي ش، ب: "زائدة".
5 كذا في أ. وفي ش، ب: "فيما".
6 كذا في أ، ب. وفي ش: "أرينا".
7 كذا في أ. وفي ش: "فتقول"، وفي ب غير منقوط.
8 كذا في أ. يريد: من المثل السابقة. وفي ش، ب: "منهما".
9 كذا في أ. وفي ش، ب: "زائدة".
(2/66)
فالجواب أن هذه الأحرف الزوائد في فعوعل،
وفعيعل "وفعنلل"1 وبقية الباب أشبه بالعين الأولى منها بالعين الآخرة,
وذلك لسكونها, كما أن العينين إذا التقتا فالأولى منهما2 ساكنة لا غير,
نحو: فَعّل وفُعّل وفِعِّيل وبقية الباب, ولا نعرف في الكلام3 عينين
التقتا والأولى منهما متحركة, ألا ترى أنك لا تجد في الكلام نحو:
فِعِعْل ولا فُعُعْل ولا فُعُعْل, ولا شيئًا من هذا الضرب4 لم نذكره5.
فإذا كان كذلك علمت أن واو "فعوعل" لسكونها أشبه بعين "فعل" الأولى
لسكونها أيضًا منها بعينها الثانية لحركتها فاعرف ذلك فرقًا ظاهرًا.
ومنها أن أهل الحجاز يقولون للصواغ: الصياغ فيما رويناه عن الفراء6؛
وفي ذلك دلالة على ما نحن بسبيله. ووجه الاستدلال منه7 أنهم كرهوا
التقاء الواوين -لا سيما فيما كثر استعماله- فأبدلوا الأولى8 من
العينين ياء -كما قالوا في أما: "أيما" ونحو ذلك- فصار تقديره:
الصيواغ, فلما التقت الواو والياء على هذا أبدلوا الواو للياء قبلها
فقالوا "الصياغ". فإبدالهم العين الأولى من الصواغ دليل على أنها هي
الزائدة؛ لأن الإعلال بالزائد أولى منه بالأصل.
فإن قلت: فقد قلبت9 العين الثانية أيضًا, فقلت "صياغ", فلسنا نراك إلّا
وقد أعللت العينين جميعًا, فمن جعلك بأن10 تجعل الأولى هي الزائدة دون
الآخرة وقد انقلبتا جميعًا,
__________
1 كذا في أ. وسقط في ش، ب.
2 كذا في ش، ب. وسقط في أ.
3 كذا في ش، ب وفي أ: "يعرف" بالبناء للمفعول, وهو لا يستقيم مع
"عينين".
4 كذا في ش، ب. وفي أ: "النحو".
5 كذا أثبته، وفي أ، ب، ش: "يذكره".
6 كذا في أ. وسقط حرف العطف في ش، ب.
7 كذا في ش، ب، وفي أ: "منهم" أي: من أهل الحجاز.
8 كذا في ش، ب. وفي أ: "الأول".
9 هذا الضبط عن ب وفي أ: "قلبت بالبناء للمفعول.
10 أي: تتمسك بأن تجعل.
(2/67)
قيل: قلب الثانية لا يستنكر؛ لأنه1 كان عن
وجوب "وذلك"2 لوقوع الياء ساكنة قبلها, فهذا غير بعيد ولا معتذر منه,
لكن قلب الأولى -وليس هناك علة تضطر إلى إبدالها أكثر من الاستخفاف
مجردًا- هو المعتد المستنكر المعول3 عليه المحتج به, فلذلك اعتمدناه,
وأنشأنا الاحتجاج للخليل عنه؛ إذ4 كان تلعبًا بالحرف من غير قوة سبب،
ولا وجوب علة. فأما ما يقوي سببه ويتمكّن حال الداعي إليه فلا عجب منه,
ولا عصمة للحرف -وإن كان أصليًا- دونه. وإذا5 كان الحرف زائدًا كان
بالتلعب به قمنا.
واذكر قول الخليل وسيبويه في باب: مقول ومبيع, و"أن"6 الزائد عندهما هو
المحذوف, أعني: واو مفعول؛ من حيث كان الزائد أولى بالإعلال من الأصل.
فإن قلت: فما أنكرت أن يكونوا إنما أبدلوا العين الثانية في صوّاغ دون
الأولى, فصار التقدير به إلى صوياغ, ثم وقع التغيير فيما بعد؟
قيل: يمنع من ذلك أن العرب إذا غيّرت كلمة عن صورة إلى أخرى اختارت أن
تكون الثانية مشابهة لأصول كلامهم ومعتاد أمثلتهم. وذلك أنك تحتاج إلى
أن تنيب7 شيئًا عن8 شيء, فأولى أحوال الثاني بالصواب أن يشابه الأول.
ومن
__________
1 في ش، ب: "وذلك لأنه". وما هنا في أ.
2 كذا في أ. وسقط في ش، ب.
3 في أ، ب، ش: "المقول". وفي م: "المنقول".
4 كذا في م. وفي سائر الأصول: "إذا" والوجه ما أثبت.
5 كذا في أ. وفي ش، ب: "إن".
6 كذا في أ. وسقط في ش، ب.
7 كذا في أ. وفي ش، ب، ج: "تثبت" والوجه ما أثبت لينفق مع قوله بعد:
"المناب عنه".
8 كذا في أ. وفي ش، ب: "من".
(2/68)
مشابهته له أن يوافق أمثلة القوم، كما كان
المناب عنه مثالًا من مثلهم أيضًا، ألا ترى أن الخليل لما رتَّب أمر
أجزاء العروض المزاحفة، فأوقع للزحاف مثالًا مكان مثالٍ عدل عن الأول
المألوف الوزن إلى آخر مثله في كونه مألوفًا, وهجر ما كان بقَّتْه صنعة
الزحاف من الجزء المزاحف مما1 كان خارجًا عن أمثلة لغتهم.
وذلك أنه لما طوى2 "مُسْ تَفْ عِلُنْ " فصار إلى "مُسْ تَعِلُن " ثناه
إلى مثال معروف وهو "مفتعلن" لما كره "مُسْتَعِلُنْ" إذ كان غير مألوف
ولا مستعمل. وكذلك لما ثرم3 "فَعُولُنْ" فصار إلى "عُولُ" وهو مثال غير
معروف عدله إلى "فَعْلُ"4. وكذلك لما خبل5 "مُسْتَفْعِلُنْ" فصار إلى
"مُتَعِلُنْ" فاستنكر ما بقي منه جعل خالفة الجزء "فَعَلَتُنْ" ليكون
ما صيِّر إليه مثالًا مألوفًا, كما كان ما انصرف عنه مثالًا مألوفًا.
ويؤكد ذلك عندك أن الزحاف إذا عرض في موضع فكان ما يبقى بعد إيقاعه
مثالًا معروفًا لم يستبدل به غيره. وذلك كقبضه6 "مفاعلين" إذا صار إلى
"مفاعلن", وككفه7 أيضًا لما صار إلى "مفاعيل", فلما كان ما بقي عليه
الجزء بعد زحافه مثالًا غير مستنكر أقرَّه على صورته ولم يتجشَّم تصوير
مثال آخر "غيره"8 عوضًا منه, وإنما أخذ الخليل بهذا لأنه أحزم وبالصنعة
أشبه.
__________
1 كذا في أ. وفي ش، ب: "لما".
2 الطيّ من أضرب الزحاف. وهو حذف الساكن الرابع من التفعيلة، وهو هنا
الفاء.
3 الترم في "فعولن": حذف فائه -ويسمى خرمًا- مع حذف نونه، ويسمى قبضًا.
4 كذا في أ. وفي ش، "فطن" والصواب ما أثبت.
5 الخبل في "مستفعلن": حذف تائه بالخبن، مع حذف سينه بالطي.
6 القبض: حذف الخامس الساكن، وهو في "مفاعيلن" حذف الياء.
7 الكف: سقوط السابع الساكن. وهو في "مفاعلين"، حذف النون.
8 كذا في ش، ب. وسقط هذا في أ.
(2/69)
فكذلك لما أريد التخفيف في صوّاغ أبدل
الحرف الأول فصار من "صيواغ"1 إلى لفظ "فيعال" كفيداق وخيتام, ولو أبدل
الثاني لصار1 "صوياغ" إلى لفظ "فعيال"، وفعْيال مثال مرفوض. فإن قلت
"كان يصير من صوياغ إلى لفظ فوعال"3، قيل: قد ثبت أن عين هذه الكلمة
واو, ف"صوياغ" إذًا لو صير إليه لكان "فعيالًا" لا محالة, فلذلك قلنا:
إنهم أبدلوا العين الأولى ياء, ثم إنهم "أبدلوا لها"4 العين الثانية،
وإذا كان المبدل هو الأول, لزم أن يكون هو الزائد؛ لأن حرمة الزائد
أضعف من حرمة الأصل.
فهذا أيضًا أحد ما يشهد بصحة قول الخليل.
ومنها قولهم: صَمَحْمَح ودَمَكْمَك؛ فالحاء الأولى هي الزائدة, وكذلك
الكاف الأولى, وذلك أنها فاصلة بين العينين, والعينان متى اجتمعتا في
كلمة واحدة مفصولًا بينهما فلا يكون الحرف الفاصل بينهما إلّا زائدًا
نحو: عثوثل وعقنقل وسلالم وخفيفد. وقد ثبت أيضًا بما قدمناه "قبيل"5 أن
العين الأولى هي الزائدة. فثبت إذًا6 أن الميم والحاء الأوليين في
"صمحمح" هما الزائدتان7، وأن الميم والحاء الأخريين هما الأصلان. فاعرف
ذلك فإنه مما يحقق مذهب الخليل.
__________
1 كذا في أ. وفي ش، ب: "صواغ".
2 كذا في ش، ب. وفي أ: "فصار".
3 كذا في ش، ب. وفي أ: "كان يصير من لفظ فوعال".
4 هذا على ما في أ، وإن كان الذي فيها: "أبدلوها"، وفي ش، ب: "ظهوها"،
وهو محرَّف عن "قلبوا لها".
5 كذا في أ. وسقط هذا في ش، ب.
6 كذا في أ. وفي ش، ب: "أيضًا".
7 كذا في أ. وفي س، ب "الزائدان".
(2/70)
ومنها أن التاء1 في "تفعيل" عوض2 من عين
"فِعَّال" الأولى، والتاء زائدة, فينبغي أن تكون عوضًا من زائد أيضًا؛
من حيث كان الزائد بالزائد أشبه منه بالأصلي. فالعين الأولى إذًا من
"قِطَّاع" هي الزائدة؛ لأن تاء تقطيع عوض منها, كما أن هاء تفعلة في
المصدر عوض من ياء تفعيل, وكلتاهما زائدة.
فليس واحد من المذهبين إلّا وله داعٍ إليه وحامل عليه. وهذا مما
يستوقفك عن القطع على أحد المذهبين إلّا بعد تأمله وإنعام الفحص عنه.
والتوفيق بالله عز وجل.
__________
1 كذا في ج. وفي ش، ب: "الياء" وكذا فيما بعد. وهو تصحيف.
2 وذلك أن الأصل في مصدر فعل المضعف هو الفعّال -بكسر الفاء وشد للعين-
إذ كان فيه حروف فعله "فعل", وكان مكسور الأول كنظيره الأفعال, ولكن
العرب عدلت من هذا الأصل إلى التفعيل، وانظر شرح الرضي للشافية 1/ 165.
ويقول سيبويه في الكتاب 2/ 242: وأما فعلت فالمصدر منه على التفعيل,
جعلوا التاء التي في أوله بدلًا من العين الزائدة في قعلت, وجعلوا
الياء بمنزلة ألف الأفعال، فغيَّروا أوله كما غيَّروا آخره". وترى من
كلام سيبويه أن التاء عوض عن العين الزائدة، سواء أكانت الأولى أم
الثانية. فدعوى المؤلف أنها عِوَض من العين الأولى محل بحث. وانظر
أيضًا صبان الأشموني في مبحث إعمال اسم المصدر.
(2/71)
باب في الأصلين "يتقاربان في التركيب
بالتقديم والتأخير" 1:
اعلم أن كل لفظين وجد فيهما تقديم وتأخير فأمكن أن يكونا جميعًا2 أصلين
ليس أحدهما مقلوبًا عن صابحه فهو3 القياس الذي لا يجوز غيره, وإن لم
يمكن ذلك حكمت بأن4 أحدهما مقلوب عن صاحبه, ثم أريت أيهما الأصل وأيهما
الفرع. وسنذكر وجوه ذلك.
فمما تركيباه أصلان لا قلب فيهما قولهم5: جذب وجبذ, ليس أحدهما
__________
1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب بدل ما بين القوسين: "عاريتين في التركيب من
التقديم والتأخير".
2 كذا في أ. وسقط في ش، ب.
3 كذا في أ. وفي ش، ب: "فهذا هو".
4 كذا في ش، ب. وفي أ: "أن".
5 انظر في هذا الكتاب 3/ 380.
(2/71)
مقلوبًا عن صاحبه. وذلك أنهما جميعًا
يتصرَّفان تصرفًا واحدًا نحو: جذب يجذب جذباَ فهو جاذب, والمفعول
مجذوب, وجبذ يجبذ جبذًا فهو جابذ والمفعول مجبوذ. فإن جعلت مع هذا
أحدهما أصلًا لصاحبه فسد ذلك؛ لأنك لو فعلته لم يكن أحدهما أسعد بهذه
الحال من الآخر. فإذا وقفت الحال بينهما1 ولم يؤثر2 بالمزية أحدهما وجب
أن يتوازيا3, وأن يمثلا بصفحتيهما معًا. وكذلك ما هذه سبيله.
فإن قصر4 أجدهما عن تصرف صاحبه ولم5 يساوه فيه كان أوسعهما تصرفًا
أصلًا لصاحبه. وذلك كقولهم: أنى الشيء يأني وآنٍ يئين, فآن مقلوب عن
أنى, والدليل على ذلك وجودك مصدر أنى يأنى وهو الإنَى, ولا تجد لآن
مصدرًا, كذا قال الأصمعي. فأما الأين فليس من هذا في شيء, إنما الأين:
الإعياء والتعب. فلما عدم من "آن" المصدر الذي هو أصل للفعل, عُلِمَ
أنه مقلوب عن أنى يأنى إنىّ, قال الله تعالى: {إِلَّا أَن يُؤْذَنَ
لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} 6 أي: بلوغه وإدراكه.
قال أبو علي: ومنه سموا الإناء؛ لأنه لا يستعمل إلّا بعد بلوغه حظّه من
خرزه أو صياغته أو نجارته أو نحو ذلك. غير أن أبا زيد قد حكى لآن
مصدرًا وهو الأين. فإن كان الأمر كذلك فهما إذًا أصلان متساويان7 وليس
أحدهما أصلًا لصاحبه.
ومثل ذلك "في القلب"8 قولهم: "أيست من كذا" فهو مقلوب9 من "يئست"
لأمرين, ذكر أبو علي أحدهما وهو ما ذهب إليه من أن "أيست" لا مصدر له،
__________
1 كذا في أ. وفي ش، ب "بهما".
2 كذا في أ. وفي ش، ب: "تؤثر".
3 كذا في أ. وفي ش، ب "يتوازنا".
4 هذا الضبط من أ. وفي ب "قصر". بتشديد الصاد.
5 كذا في أ. وفي ش، ب: "فلم".
6 آية3: "سورة الأحزاب".
7 كذا في أ، ش، وفي ب، د: "متساوفان".
8 كذا في ش، ب. وسقط هذا في أ.
9 كذا في أ. وسقط في ش، ب، ويقرأ مقلوب" بالإضافة إلى "يئست".
(2/72)
وإنما المصدر "ليئست" وهو اليأس واليآسة.
قال: فأمّا قولهم في اسم الرجل "إياس" فليس مصدرًا لأيست, ولا هو أيضًا
من لفظه, وإنما هو مصدر "أست الرجل"1 أؤوسه إياسًا سموه به كما سموه
عطاء تفاؤلًا بالعطية. ومثل ذلك عندي تسميتهم إياه "عياضًا", وإنما هو
مصدر عُضْته, أي: أعطيته, قال:
عاضها الله غلامًا بعد ما ... شابت الأصداغ والضرس نقد2
عطف3 جملة من مبتدأ وخبر على أخرى من فعل وفاعل, أعني: قوله: "والضرس
نقد" أي: ونقد الضرس. وأما الآخر فعندي أنه لو لم يكن مقلوبًا
__________
1 كذا في أ. وفي ش: "أسته"، وفي ب: "أست" فقط.
2 في شواهد المغني للبغدادي أن هذا البيت لم يوقف على قائله، وهو في
إصلاح المنطق 58 من غير عزو، وفي اللسان "نقد" نسبته إلى الهذلي" ويقرن
به في الاستشهاد بيت لصخر الغي الهذلي، وهو:
تيس تيوس إذا يناطحها ... بألم قرنًا أورمه نقد
ويبدو لي أن هذا القرن هو الذي دعا إلى الخلط بين البيتين, ونسبة
الأولى إلى الهذلي. و"نقد" يروي بفتح القاف على أنه اسم خبر عن الضرس
على التأويل؛ أي: ذو نقد, والنقد تأكله, وبالكسر على أنه وصف أو فعل.
وانظر اللسان "نقد".
3 ترى أنه يجعل "الضرس نقد" جملة من مبتدأ وخبر, وهذا من عطف الجملة
الاسمية على الفعلية، والمنقول عن ابن جني منع هذا، وقد يقتربه قوله
بعد: "أي: ونقد الضرس" وهذا يتدافع مع صدور الكلام، إلّا أن يكون
مراده: أن الكلام في ظاهره عطف مبتدأ وخبر على جملة فعلية، ثم خرج من
هذا الذي لا يراه جائزًا بالتأويل الذي ذكره، وفي سرِّ الصناعة في حرف
الهاء في الكلام على الفاء في "خرجت فإذا زيد" أن الواو يجوز فيها لما
لها من الاتساع أن تعطف اسمية على فعلية، وانظر المغني "الباب الرابع،
عطف الاسمية على الفعلية وبالعكس", وشواهد المغني للبغدادي في الكلام
على البيت الشاهد، هذا، ويقول ابن السيرافي في شرح هذا الشاهد: "عوض
الله هذه المرأة ممن مات من أولادها غلامًا ما ولده بعد ما أسنت وشاب
رأسها وتكسَّرت أسنانها؛ فمحبتها له أشد محبة؛ لأنها قد يئست أن تلد
غيره، فشفقتها عليه عظيمة؛ كما قال:
رأنه على سيب القذال وأنها ... تراجع بعلًا مرة وتئيم
وكما قال أيضًا:
رأنه على يأس وقد شاب رأسها ... وحين تصدَّى للهوان عشيرها
وانظر شواهد الإصلاح لابن السيرافي الإصلاح لابن السيرافي 42.
(2/73)
لوجب إعلاله, وأن يقول: إست أآس, كهبت
أهاب. فظهوره صحيحًا يدلّ على أنه إنما صحَّ؛ لأنه مقلوب عمَّا تصح
عينه وهو "يئست", لتكون الصحة دليلًا على ذلك المعنى, كما كانت صحة
"عور" دليلًا على أنه في معنى ما لا بُدَّ من صحته وهو "أعورّ".
فأمّا تسميتهم الرجل "أَوْسا" فإنه يحتمل أمرين, أحدهما: أن يكون مصدر
"أسته" أي: أعطيته كما سموه عطاء وعطية, والآخر: أن يكون سموه به كما
سموه ذئبًا. فأما ما أنشدناه1 من قول الآخر 2:
لي كل يوم من ذؤاله ... ضغثٌ يزيد على إباله3
فلا حشأنّك مشقصًا ... أوسًا أويس من الهباله4
ف"أوسًا" منه ينتصب على المصدر بفعلٍ دلَّ عليه قوله: "لأحشأنك", فكأنه
قال: "لأؤوسنك أوسًا" كقول الله سبحان: {وَتَرَى الْجِبَالَ
تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ
اللَّهِ} 5 لأن مرورها يدل على صنع الله, فكأنه قال: صنع الله ذلك
صنعًا, وأضاف المصدر إلى فاعله, كما لو ظهر الفعل الناصب لهذا المصدر
لكان مسندًا إلى اسم الله تعالى. وأما قوله "أويس" فنداء, أراد: يا
أويس, يخاطب الذئب وهو اسم6 له مصغرًا, كما أنه اسم6 له مكبر, قال:
__________
1 كذا في أ. وفي ش، ب: "أنشده".
2 هو أسماء بن خارجة؛ كما في اللسان في أوس، وانظر اللالئ 437.
3 ذؤالة: الذئب، وقوله: "ضغث يزيد على إبالة" أي: بلية على بلية، وكأن
الذئب طمح في ناقته الهبالة. وقوله: "لي" في اللسان "في".
4 يقال: حشأه سهمًا: رماه به. والمشقص: سهم عريض النصل.
5 آية 88 سورة النمل.
6 يريد أن "أويسًا" يقع على الذئب في مقام تحقيره، وحيث لا يراد ذلك،
فهو في صيغة الصغر ومعناه. معنى الذئب؛ ألا ترى أن "أويس" في الرجز
الآتي لا يراد تحقيره. وفي اللسان "أوس", "وأويس": اسم الذئب, جاء
مصغرًا مثل الكميت واللجين، ويجوز أن يكون المراد أن أويسًا الذي في
سورة المصغر اسم الذئب، كما أن مكبره -وهو أوس- اسم للذئب أيضًا.
(2/74)
يا ليت شعري عنك -والأمر أمم ... ما فعل
اليوم أويس في الغنم1
فأمَّا ما يتعلق به "من " فإن شئت علقته بنفس أوسًا, ولم يعتدد2
بالنداء فاصلًا لكثرته في الكلام وكونه معترضًا به للتسديد, كما ذكرنا
من هذا الطرز3 في باب الاعتراض في قوله:
يا عمر الخير جزيت الجنه ... اكس بُنَيَّاتي وأمّهُنّه4
أو يا -أبا حفص- لأمضينه
فاعترض بالنداء بين "أو" والفعل, وإن شئت علقته بمحذوف يدل عليه
"أوسًا", فكأنه قال: أؤوسك من الهبالة, أي: أعطيك من5 الهبالة. وإن شئت
جعلت حرف الجر هذا وصفًا لأوسًا, فعلقته بمحذوف وضمَّنته ضمير الموصوف.
ومن المقلوب قولهم: امضحلَّ وهو مقلوب6 عن اضمحلَّ, ألا ترى أن المصدر
إنما هو على اضمحلَّ وهو الاضمحلال, ولا يقولون: امضحلا. وكذلك قولهم:
اكفهرَّ واكرهفَّ, الثاني مقلوب عن الأول؛ لأن التصرف "على اكفهرَّ
وقع"7، ومصدره الاكفهرار, ولم يمرر بنا الأكرهفاف, قال النابغة:
__________
1 سقط بين الشطرين شطر هو:
هل جاء كعبًا عنك من بين النسم
وهو من أرجوزة عدة أشطارها 15 تنسب إلى عمرو ذي الكلب الهذلي، ويعزوها
بعضهم إلى أبي خراش الهذلي. وانظر ديوان الهذليين بشرح السكري 229،
وكتابة الشنقيطي على المخصص 8/ 66.
2 كذا في أ. وفاعل "يعتدد" وهو الراجز. وفي ش، ب: "يتعدد" بالباء
للمجهول.
3 كذا في أ. وفي ش، ب "الطرق"، وهو -بفتح الطاء وسكون الراء- الضرب.
وطروق الكلام: ضروبه؛ والطرز: الشكل والضرب, وفيه الفتح كما في
المصباح، وفيه الكسر أيضًا كما في القاموس بالضبط.
4 ورد هذا الرجز في قصة أعرابي مع عمر -رضي الله عنه- بأتمّ مما هنا في
طبقات الشافعية 1/ 139، ومعيد التعم لصاحب الطبقات 19 طبعة جامعة
الأزهر للنشر والتأليف.
5- "من" هنا للتعوريض. أي: أعطيك عرضها.
6 كذا في أ. وسقط حرف العطف في ش، ب.
7 كذا في أ. وفي ش، ب: "رفع في اكفهرَّ".
(2/75)
أو فازجروا مكفهرًا لا كفاء له ... كالليل
يخلط أصرامًا بأصرام1
وقد حكى بعضهم2 مكرهف. فإن ساواه في الاستعمال فهما -على ما ترى-
أصلان.
ومن ذلك: هذا لحم شخم3 وخشم، وفيه تشخيم4، ولم أسمع تخشيم6. فهذا يدل
على أن "شخم أصل الخشم"6.
ومن ذلك قولهم: اطمأن. ذهب سيبويه فيه إلى أنه مقلوب, وأن أصله من
طأمن, وخالفه أبو عمر8 فرأى9 ضد ذلك. وحجة سيبويه فيه أن "طأمن" غير ذي
زيادة, واطمأنّ ذو زيادة, والزيادة إذا لحقت الكلمة لحقها ضرب من الوهن
لذلك, وذلك لأنّ مخالطتها شيء10 ليس من أصلها مزاحمة لها وتسوية في
التزامه بينها وبينه, وهو "و"11إن لم تبلغ الزيادة على الأصول فحش
الحذف
__________
1 هو من قصيدته التي مطلعها:
قالت بنو عامر خالوا بني أسد ... يا بؤس للجهل ضرارًا لأنوام
والمكفهرّ: الجيش. وانظر الديوان، والخزانة في شواهد المنادى.
2 كذا في أ، ج. وسقط هذا في ش، ب. ويقرأ عليهما: "حكي" بالبناء
المفعول.
3 أي: متغير الرائحة.
4 كذا في ش، ب. وفي أ، ج: "تخشيم".
5 كذا في، ب. وفي أ: "تشخيم"، وفي ج: "تشخيمًا". وما أثبت هو الموافق
لما في اللسان ففيه: "ولحم فيه تشخيم إذا تغير ريحه".
6 كذا في ش، ب. وفي أ: "أصل خشم أصل الشخم".
7 انظر الكتاب 2/ 130، 380.
8 هو الجرميّ صالح بن إسحاق؛ كما ذكره ابن جني في شرح تصريف المازني،
وقد أثبت: "عمر" طبقًا لأصول الخصائص، وهو الحق. وفي المطبوعة تبعًا
للسان "طعن": "عمرو" وهو خطأ.
9 كذا في ش، ب. وفي أ: "ورأى".
10 كذا في أ. وفي ش، ب: "شيئًا". والرفع على أنه فاعل "مخالطة" والنصب
على أنه مفعول، وهما سواء.
11 ثبت هذا الحرف في أ، وهو يوافق ما في اللسان، وسقط في ش، ب.
(2/76)
منها فإنه -على كل حال- على1 صدد من
التوهين لها؛ إذ كان زيادة عليها تحتاج إلى تحملها كما يتحامل بحذف ما
حذف منها. وإذا كان في الزيادة طرف من الإعلال للأصل كان أن يكون القلب
مع الزيادة أولى. وذلك أن الكلمة إذا لحقها ضرب من الضعف أسرع إليها
ضعف آخر2؛ وذلك كحذفهم ياء حنيفة في الإضافة إليها لحذف تائها3 في
قولهم: حنفي, ولما لم يكن في حنيف تاء تحذف فيحذف ياؤها جاء في الإضافة
إليه على أصله فقالوا: حنيفيّ.
فإن قال أبو عمر: جرى المصدر4 على اطمأنّ يدل على أنه هو الأصل, وذلك
قولهم 5: الاطمئنان, قيل: قولهم "الطأمنة" بإزاء قولك: الاطمئنان،
فمصدر6 بمصدر، وبقي على أبي عمر أن الزيادة جرت في المصدر جريها في
الفعل, والعلة7 في الموضعين واحدة, وكذلك الطمأنينة ذات زيادة فهي إلى
الاعتلال قرب. ولم يقنع أبا عمر أن يقول: إنهما أصلان متقاودان8 كجبذ
وجذب, حتى مكّن خلافه لصاحب الكتاب بأن عكس الأمر عليه البتة.
وذهب سيبويه9 في قولهم: "أينق" مذهبين: أحدهما أن تكون عين أنوق قلبت
إلى ما قبل الفاء فصارت في التقدير "أونق", ثم أبدلت الواو ياء لأنها
كما أعلت
__________
1 كذا في أ. وفي ش، ب: "صدر".
2 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "الآخر" وهو خطأ.
3 كذا في أ، وفي ش، ب: "يائها" وهو تحريف.
4 كذا في أ، ب، وفي أ: "الأصل".
5 كذا في أ، وفي ش، ب: "نحو قولهم".
6 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "مصدر".
7 كذا في أ. وفي ش، ب، ج: "فالعلة".
8 كذا في أصول الخصائص, وفي اللسان في طمن: "متقاربان".
9 انظر الكتاب 2/ 129، 333.
(2/77)
بالقلب كذلك أعلت أيضًا بالإبدال على ما
مضى, والآخر أن تكون العين حذفت ثم عوضت الياء منها قبل الفاء. فمثالها
على هذا القول "أيفل", وعلى القول الأول "أعْفُل".
وذهب الفرّاء في "الجاه" إلى أنه مقلوب من الوجه, وروينا عن الفراء أنه
قال: سمعت أعرابية من غطفان وزجرها ابنها فقلت لها: ردي عليه, فقالت:
أخاف أن يجوهني بأكثر من هذا. قال 1: وهو من الوجه أرادت: يواجهني,
وكان أبو علي -رحمه الله- يرى أن الجاه مقلوب عن الوجه أيضًا. قال:
ولما أعلّوه بالقلب أعلّوه أيضًا بتحريك عينه ونقله من فَعْلٍ إلى
فَعَل, "يريد أنه" صار من وجه إلى جَوْهٍ, ثم حركت عينه فصار إلى
جَوَهٍ, ثم أبدلت عينه لتحركها وانفتاح ما قبلها, فصار "جاه" كما ترى.
وحكى أبو زيد: قد وجه الرجل وجاهة عند السلطان، وهو وجيه. وهذا يقوي
القلب لأنهم لم يقولوا "جَوِيه" ولا نحو ذلك.
ومن المقلوب "قِسِيّ" و"أشياء" في قول الخليل.
وقوله:
مروان مروان أخو اليوم اليمي3
فيه قولان: أحدهما أنه أراد: أخو اليوم السهل اليوم الصعب, يقال: يوم
أيوم, ويوم كأشعث4 وشعث4 وأخشن وخشن, وأوجل ووجل, فقلب فصار
__________
1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "قالوا".
2 كذا في أ، وفي سائر الأصول: "ثم إنه".
3 سبق هذا الرجز في ص65 من الجزء الأول، وفيه إحالة على ما هنا, وهو في
سيبويه 2/ 379 غير معزو، وفي اللسان "كرم" عزوه لأبي الأخزر الحماني،
وتكملته.
ليوم روع أو فعال مكرم
وانظر أيضًا اللسان في ترجمة "يوم".
4 كذا في أ، ج وفي ش، ب: "كأشعب وشعب".
(2/78)
"يموّ" فانقلبت العين لانكسار ما قبلها
طرفًا, والآخر أنه أراد: أخو اليوم اليوم, كما يقال عند الشدة والأمر
العظيم: اليوم اليوم, فقلب فصار "اليمو" ثم نقله من فَعْل إلى فَعِل,
كما أنشده أبو زيد من قوله:
علام قتل مسلم تعبدًا ... مذ سنة وخَمِسون عددا1
-يريد خَمْسونَ- فلما انكسر ما قبل الواو قلبت ياء فصار اليَمِى. هذان
قولان فيه مقولان.
ويجوز عندي فيه وجه ثالث لم يقل به, وهو أن يكون أصله على ما قيل في
المذهب الثاني: أخو اليوم اليوم, ثم قلب فصار "اليَمْوُ", ثم نقلت
الضمة إلى الميم على حد قولك: هذا بَكُرْ, فصارت اليَمُو, فلما وقعت
الواو طرفًا بعد ضمَّة في الاسم أبدلوا من الضمَّة كسرة, ثم من الواو
ياء, فصارت اليَمِى كأحقٍ2 وأدْلٍ.
فإن قيل: هلَّا, لم تُستنكَر الواو هنا بعد الضمة لمَّا لم تكن الضمة
لازمة.
قيل: هذا وإن كان على ما ذكرته فإنهم قد أجروه في هذا النحو مجرى
اللازم, ألا تراهم يقولون على هذه اللغة: هذه هند, ومررت بجمل, فيتبعون
الكسر الكسر, والضم الضم, كراهية للخروج من كسرة هاء هند إلى ضمة
النون, وإن كانت الضمة عارضة. وكذلك كرهوا مررت بجمل لئلّا يصيروا في
الأسماء إلى لفظ فِعلُ. فكما3 أجروا النقل في هذين الموضعين مجرى
اللازم فكذلك يجوز أن يجرى اليمو مجرى "أدلو وأحقو", فيغيركما غيّرا,
فقيل: "اليمِِى" حملا على الأدلي والأحقي. " فإن قيل: نحو زيد وعون
__________
1 "سنة" كذا في أ، ب, ش وهو الموافق لما في النوادر، وفي ج: "ستة", وفي
اللسان في يوم: "خمسة". و"تعهدًا" روى بصيغة المصدر، وبصيغة الماضي.
وانظر النوادر 165.
2 كذا في ج، وفي أ، ش: كأحقى وأدلى".
3 كذا في أ، ب. وفي ش: "وكما".
(2/79)
لا ينقل إلى عينه حركة لامه, واليوم كعون,
قيل: جاز ذلك ضرورة لما يعقب من صلاح القافية, وأكثر ما فيه إجراء
المعتل مجرى الصحيح لضرورة الشعر"1.
ومن المقلوب بيت القطامي:
ما اعتاد حب سليمى حين معتاد ... ولا تقصَّى بواقي دَيْنِها الطادي2
هو مقلوب عن الواطد, وهو الفاعل من وطد يطد أي ثبت. فقلب عن "فاعل" إلى
"عالف".
ومثله عندنا "الحادي"؛ لأنه فاعل من وحد وأصله الواحد, فنقل عن فاعل
"إلى عالف"3 سواء, فانقلبت الواو التي هي في الأصل فاء4 ياء5، لانكسار
ما قبلها في الموضعين6 جميعًا. وحكى الفرَّاء: معي عشرة فأحدهن7 لي،
أي: اجعلهن أحد عشر, فظاهر هذا يؤنس بأن "الحادي" فاعل. والوجه إن كان
المروي صحيحًا أن يكون الفعل مقلوبًا من وحدت إلى حدوت, وذلك أنهم لما
رأوا الحادي في ظاهر الأمر على صورة فاعل, صار كأنه جارٍ8 على "حدوت"
جريان غازٍ على غزوت, كما أنهم لما استمر استعمالهم "الملك" بتخفيف
الهمزة صار كأن مَلَكًا على
__________
1 ما بين القوسين ثبت في أ. وسقط في ش، ب، ج.
2 هو صدر قصيدة له عدتها 66 بيتًا. وانظر الديوان 7.
3 كذا في ش، ب. وسقط في أ.
4 كذا في ش، ب، وقد سقط في أ.
5 كذا في أ. وقد سقط في ش، ب.
6 هما الطادي في بيت القطامي والحادي.
7 ضبط في اللسان "وحد": "فأحدهن" على صبغة التفعيل، ولا يستقيم عليه
القلب ولامًا يأتي من الكلام، وضبط في الإصلاح 332: "فأحدهن" على صيغة
الإفعال, وهو أيضًا لا يستقيم عليه القلب. فالصواب ما هنا وفقًا لما في
أ.
8 كذا في أ. وفي ش، ب: "على صورة".
(2/80)
فَعَل, فلما صار اللفظ بهم إلى هذا بنى
الشاعر على ظاهر أمره فاعلًا منه, فقال حين ماتت نساؤه بعضهن إثر بعض:
غدا مالك يرمي نسائي كأنما ... نسائي لسهمي مالكٍ غَرَضَان1
يعني: ملك الموت ألّا تراه يقول بعد هذا:
فيا رب عَمِّر لي جهيمة أعصرًا ... فمالك الموت بالقضاء دهاني
وهذا ضرب من تدريج اللغة, وقد تقدَّم الباب2 الذي ذكرنا فيه طريقه في
كلامهم, فليضمم هذا إليه فإنه كثير جدًّا.
ومثل قوله: "فاحْدُهُنَّ" في أنه مقلوب من "وحد" قول الأعرابية: "أخاف
أن يَجُوهَني" "وهو"3 مقلوب من الوجه.
فأما وزن "مالك" على الحقيقة فليس فاعلًا, لكنه "مافل" ألا ترى أن أصل
"مَلَك" ملأك: مفعل من تصريف ألكني إليها عَمْرَكَ الله, وأصله ألئكني,
فخففت همزته فصار ألكني4، كما صار "ملأك" بعد التخفيف إلى ملك ووزن
مَلَك "مَفَل".
ومن طريف المقلوب قولهم للقطعة الصعبة من الرمل "تَيْهُورة" وهي عندنا
"فَيْعُولة" من تهور الجرف وانهار الرمل ونحوه, وقياسها أن تكون قبل
تغييرها
__________
1 ورد هذان البيتان في اللسان في "ألك", وفيه ضبط مالك بفتح اللام.
وضبط في أ، ج، بكسر اللام, وفي اللسان "جهينة" بدل "جهيمة", وقد ورد في
اللسان "لأك", وظاهره نسبته إلى رويشد.
2 انظر ص348، من الجزء الأول من هذا الكتاب.
3 كدا في ش، ب. وسقط في أ.
4 هو صدر بيت ذكره ابن جني في أغلاط العرب من الخصائص، وهو:
ألكني إليها عمرك الله يا فتى ... بآية ما جاءت إلينا تهاديا
(2/81)
"هَيْوُورة"1 فقدمت العين وياء "فيعول" إلى
ما قبل الفاء فصارت "وَيْهُورة", ثم أبدلت الواو التي هي عين مقدمة قبل
الياء تاء كتَيْقُور2 فصارت "تيهورة" كما ترى. فوزنها على لفظها الآن
"عيفولة". أنشدنا أبو علي:
فعينيّ لا يبقى على الدهر فادر ... بتيهورة بين الطخا فالعصائب3
-"ويروى: الطخاف العصائب"- فهذا قول وهو لأبي علي -رحمه الله. ويجوز
عندي أن تكون في الأصل أيضًا "تفعولة" كتعضوضة5 وتدنوبة6, فيكون أصلها
على هذا "تهوورة", فقدمت العين على الفاء إلى أن صار وزنها "تعفولة",
وآل اللفظ بها إلى "توهورة", فأبدلت الواو التي هي عين7 مقدمة ياء, كما
أبدلت عين "أينق" لما قدمت في مذهبي الكتاب8 ياء فنقلت من
__________
1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: هيثورة، وفي قلب الواو همزة، وهذا إبدال جائز
كما يقال: الغئور في مصدر غار، وكما يقال أدؤر في أدور جمع دار.
2 هو الوقار وأصله: ويقور. وانظر الكتاب 2/ 356.
3 نسبه في اللسان في طخف إلى صخر الغي, وفي حسب إلى أبي ذؤيب, وفي شرح
أشعار الهذليين السكرى نسبته إلى صخر الغي من قصيدته يرثي أخاه أبا
عمرو، وكان قد نهشته حية فمات. ثم قال: إنها تروى لأبي ذؤيب. وفي ديوان
الهذليين طبع الدار 2-5 القصيدة بطولها لصخر الغي. و"خليلي" في اللسان
"أعيني", و"بين" في اللسان وتحته. و"الطلخا فالعصائب"، في اللسان:
"الطخاف العصائب" والطخا مقصورة من الطلخا. وهو السحاب المرتفع الرقيق،
والعصائب جمع عصابة, وهو غيم أحمر تراه في الأفق الغربي، والطخاف -بفتح
الطاء- هو الطخاء، ويروى الطخان -بكسر الطاء، جمع طخف وهو الطخاف,
والفادر: الرمل المسن, يقول إن الموت يدرك الوعل المعتصم بالجبل المشرف
بجلله السحاب.
4 ما بين القوسين زيادة في أ، م.
5 هو ضرب من التمر.
6 هي البسرة التي بدأ فيها الإرطاب.
7 كذا أثبتها. وفي الأصول: "فاء".
8 كذا في أ. وفي ش، ب، د، هـ: "سيبويه".
(2/82)
"أنوق" إلى "أونق", ومن "أونق" تقديرًا إلى
"أينق"؛ لأنها كما أُعِلَّت بالقلب كذا أعلّت بالإبدال فصارت أينقا.
وكذلك صارت توهورة "إلى تيهورة"1.
وإن شئت جعلتها من الياء لا من الواو, فقد حكى أبو الحسن عنهم: هار
الجرف يهير, ولا تحمله على طاح يطيح, وتاه يتيه, في قول الخليل لقلة
ذلك؛ ولأنهم قد قالوا أيضًا: تهير الجرف في معنى تهور, وحمله على تفعّل
أولى من حمله على تَفَيْعَل كتحيز2. فإذا كانت "تيهورة" من الياء على
هذا القول فأصلها تهيورة, ثم قدمت العين التي هي الياء على الفاء فصار
تيهورة. وهذا القول3 إنما فيه التقديم من غير إبدال. وإنما قدمنا القول
الأول وإن كانت كلفة الصنعة فيه أكثر؛ لأنَّ كون عين هذه الكلمة هذه
الكلمة واوًا في اللغة أكثر من كونها ياء.
ويجوز فيه عندي وجه ثالث, وهو أن يكون في الأصل "يفعولة" كيعسوبٍ
ويربوعٍ, فيكون أصلها "يهوورة", ثم قدمت العين إلى صدر الكلمة فصارت
"ويهورة: عيفولة", ثم أبدلت الواو التي هي عين مقدمة تاء على ما مضى
فصارت "تيهورة".
ودعانا إلى اعتقاد القلب والتحريف في هذه الكلمة المعنى المتقاضيته4
هي. وذلك أن الرمل مما ينهار ويتهور ويهور ويهير ويتهير.
فإن كسّرت هذه الكلمة أقررت تغييرها "عليها"5 كما أنّ "أينقا" لما
كسرتها العرب أقرتها على تغييرها6 فقالت: أيانق, فقياس هذا أن تقول في
تكسير "تيهورة"
__________
1 كذا في أ. وسقط في ش، ب.
2 كذا في ج، وفي أ، ب، ش: كتحير. والصواب ما أثبت. يريد أن يحيز من
الحوز, فهي تفيعل أصلها تجوَّز فحصل قلب، ولو كانت تفعّل لقيل تحوز,
أما تحير فهي من الحيرة فهي تفعل. انظر لتحيز سيبويه 2/ 372.
3 كذا في أ. وفي ش، ب: "التحوّل".
4 كذا في أ، ب وفي ش: "المتقاضية".
5 كذا في ش، ب. وسقط في أ.
6 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "حالها في التغيير.
(2/83)
على كل قول وكل تقدير: تياهير. وكذلك
المسموع عن العرب أيضًا في تكسيرها.
والقلب في كلامهم كثير. وقد قدمنا في أول هذا الباب أنه متى أمكن1
تناول الكلمة على ظاهرها لم يجز العدول عن ذلك بها, وإن دعت ضرورة إلى
القول بقلبها كان ذلك مضطرًا إليه لا مختارًا.
باب في الحرفين المتقاربين يستعمل أحدهما مكان صاحبه:
اعلم أن هذا الباب لاحق بما قبله وتالٍ له. فمتى أمكن1 أن يكون الحرفان
جميعًا أصلين "كل واحد منهما قائم برأسه"2 لم يسغ3 العدول عن الحكم
بذلك, فإن دلَّ دال أو دعت ضرورة إلى القول بإبدال أحدهما من صاحبه عمل
بموجب الدلالة, وصير إلى مقتضى الصنعة.
ومن ذلك سكر طبرزل وطبرزن 4: هما متساويان في الاستعمال, فلست بأن تجعل
أحدهما أصلًا لصاحبه أولى منك بحمله على ضده.
ومن ذلك قولهم: هتلت السماء وهتنت: هما أصلان, ألا تراهما متساويين في
التصرف, يقولون: هتنت السماء تهتن تهتانًا, وهتلت تهتل تهتالًا, وهي
سحائب هتن وهتل, قال امرؤ القيس:
__________
1 كذا في أ، وفي ش، ب: "أنكر".
2 كذا في أ، وفي ش، ب: "كان كل واحد منهما قائمًا".
3 كذا في ج. وفي أ، ش: "يسع".
4 ويقال فيه أيضًا، طبرزد، وهو السكر الأبيض الصلب، والكلمة فارسية
مؤلفة من "طير" وهو الفأس، و"زد" أي: ضرب، أطلق عليه هذا؛ لأنه لصلابته
كأنه يضرب بالفأس، وانظر معرب الجواليقي وتعليقه 228.
(2/84)
فسحت دموعي في الرداء كأنها ... كلي من
شعيب ذات سح وتهتان1
وقال العجاج:
عزّز منه وهو معطي الإسهال ... ضرب السواري متنه بالتهتال2
ومن ذلك ما حكاه الأصمعي من قولهم: دهمج البعير يدهمج دهمجة, ودهنج
يدهنج دهنجة, إذا قارب الخطو وأسرع, وبعير دهامج ودهانج, وأنشد3
للعجاج:
كأنَّ رعن الآل منه في الآل ... بين الضحا وبين قيل القيال4
إذا بدا دهانج ذو أعدال
__________
1 الشعيب: السقاء البالي. والكلي: جمع الكلية وهي رقعة في السقا, وسحت:
صبت. يقول: إنه تذكر العهد القديم لأحبابه -وذكر هذا في شعره السابق-
فبكى وانصبت دموعه، كما لو كانت عينه قرية قديمة امتلأت ماء فتقطعت
الرقع فيها فسال المال. وهو من قصيدته التي أولها:
قفا نبك من ذكرى حبيب وعرقان ... وربع عفت آثاره منذ أزمان
وهي في الديوان.
2 قبله:
دار للهو اللهيّ مكسال ... فهي ضناك كالكثيب المنهال
والضناك: الضخمة؛ يشبه يهواها بالكتيب في اللين، ثم وصفه بأنه متماسك
غير مترهل. وانظر ملحق الديوان 86، والسمط 679.
3 كذا في أ، ب. وفي ش: "أنشدنا".
4 الرعن: مقدم الجبل. وقوله: "بين الضحا وبين قيل القيال" أي: في الوقت
الذي يشتد فيه توهج الشمس. وقيل: القيال أن يقبل في الظهيرة. شبه أطراف
الجهل والسراب يرفعه, فيضطرب ببعير عليه أعدال يمشي بها، وقبله كما في
السمط 728:
ومهمه نائي المياه مغتال ... مضلل تسبيله للسبال
أزرر ينيو عرضه بالدلال ... مرت الصحاري ذي مهرب وأفلال
وانظر ملحق الديوان 86.
(2/85)
وأنشد أيضًا:
وعير لها من بنات الكداد ... يدهنج بالوطب والمزود1
فأما قولهم: ما قام زيد بل عمرو, وبن عمرو, فالنون بدل من اللام, ألا
ترى إلى كثرة استعمال "بل" وقلة استعمال "بن", والحكم على الأكثر لا
على الأقل. هذا هو الظاهر من أمره, ولست مع هذا أدفع أن يكون "بن" لغة
قائمة برأسها. وكذلك قولهم: رجل "خامل" و"خامن" النون فيه بدل من
اللام, ألا ترى أنه أكثر, وأن الفعل عليه تصرف, وذلك قولهم: خمل يخمل
خمولًا. وكذلك قولهم: قام زيد فُمَّ عمرو, الفاء بدل من الثاء في ثم,
ألا ترى أنه أكثر استعمالًا. فأما قولهم "في الأثافي: الأثاثي"2 فقد
ذكرناه3 في كتابنا في سر الصناعة, وقال الأصمعي: بنات
__________
1 من قصيدة للفرزدق يهجو جريرًا، أولها:
عرفت المنازل من مهدد ... كوحى الزبور لدى الغرقد
يقول فيها:
فما حاجب في بني دارم ... ولا أسرة الأقرع الأمجد
ولا آل قيس بنو خالد ... ولا الصيد صيد بني مرثد
بأخيل منهم إذا زينوا ... بمغرتهم حاجبي مؤجد
حمار لهم من بنات الكداد ... يدمنج بالوطب والمزود
وترى أن التغيير قد تناول البيت الشاهد. وانظر الأمالي 2/ 91 والسمط
727 والنقائض 794.
2 كذا في أ. وفي ش، ب: "الأثاني والأثاثي".
3 عبارته في حرف الثاء: "فأما قولهم في أثاف أثات بالتاء, فمن كانت عند
أثفية أفعولة وأخذها من نفاه ينفوه, فالثاء الثانية في أثاث بدل من
الفاء في يثفوه. ومن كانت أنفية عنه، فعليه فجائز أن تكون الثاء بدلًا
من الفاء لقول النابغة:
وإن ثأنفك الأعداء بالرفد
وجائز أن تكون من أث يتث إذا ثبت واطمأنّ؛ لأنهم يصفون الأثافي بالخلود
والركود، والوجه أن تكون الثاء بدلًا من الفاء أيضًا، لأنا لم نسمعهم
قالوا أثية".
(2/86)
مخر وبنات بخر: سحائب يأتين قبل1 الصيف
"بيض"2 منتصبات في السماء, قال طرفة:
كبنات المخر يمأدن إذا ... أنبت الصيف عساليج الخضر3
قال أبو علي -رحمه الله: كان أبو بكر يشتق هذه الأسماء من البخار,
فالميم على هذا في "مخر" بدل من الباء في "بخر" لما ذكر أبو بكر. وليس
ببعيد عندي أن تكون الميم أصلًا في هذا أيضًا, وذلك لقول الله سبحانه:
{وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ} 4 أي: ذاهبة "وجائية"5 وهذا أمر قد
يشاركها فيه السحائب, ألا ترى إلى قول الهذلي:
شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج7
__________
1 كذا في ب، ج، ش. وفي أ، "في" وقوله: "قبل الصيف" أي: في أوله.
2 كذا في أ، ج. وسقط في ش، ب.
3 قبله:
لا تلمني إنها من نسوة ... رقد الصيف مقاليت نزر
يقول: لا تلمني في تعلقي بهذه المرأة, فإنها منعَّمة لم ينل من حينها
كثرة الأولاد، ثم قال: إنها من نسوة ربا كهذه السحب، ويمأدن، يتثنين.
والعساليج: جمع العسلوج والعسلاج, وهو ما لان واخضرَّ من الأغصان.
والخضر: ما اخضرَّ من النبات, ويروى الخضر -بضم ففتح- جمع الخضرة,
ويراد بها الأخضر من النبات. انظر الديوان طبعة فازان ص64.
4 آية 12، سورة فاطر.
5 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "جارية".
6 هو أبو ذؤيب.
7 قبله:
سقى أم عمرو كل آخر ليلَة ... حناتيم سود ماؤهن نجيج
والحناتم: صب سود. ونجيج: سائل مصبوب. وقوله: كل آخر ليلة, أي: أبداء.
والنتيج: الصوت. وانظر ديوان الهذليين 1/ 150.
(2/87)
فهذا يدل على مخالطة السحائب عندهم البحر
وتركضها فيه, وتصرفها على صفحة مائه. وعلى كل حال فقول أبي بكر أظهر.
ومن ذلك قولهم: باهلة بن أعصر ويعصر, فالياء في "يعصر" بدل من الهمزة
في "أعصر", يشهد بذلك ما ورد به الخبر من أنه إنما سمِّي بذلك لقوله 1:
أبنيّ إن أباك غير لونه ... كرّ الليالي واختلاف الأعصر
يريد: جمع عصر, وهذا واضح.
فأمّا2 قولهم: إناء قربان, وكربان, إذا دنا أن يمتلئ فينبغي أن يكونا
أصلين؛ لأنك تجد لكل واحدة منهما متصرفًا, أي: قارب أن يمتلئ وكرب أن
يمتلئ, إلّا أنهم قد قالوا: جمجمة3 قربى, ولم نسمعهم قالوا: "كربى".
فإن غلبت القاف على الكاف من هنا فقياس ما4.
وقال الأصمعي: يقال: جعشوش5، وجعسوس5، وكل ذلك إلى قمأةٍ6 وقلةٍ وصغر,
ويقال: هم من جعاسيس الناس, ولا يقال بالشين في هذا. فضيق الشين مع سعة
السين يؤذن بأن الشين بدل من السين. نعم, والاشتقاق يعضد كون السين
__________
1 كذا في أ، ب. وفي ش: "بقوله". واسم أعصر منبه بن سعد بن قيس عيلان.
وانظر التاج "عصر" والاشتقاق لابن دريد 164.
2 كذا في شن ب. وفي أ: "وأما".
3 هي قدح من خشب يشرب فيه، وهي أيضًا ضرب من المكاييل.
4 كذا في أ. وسقط في ش، ب.
5 هو القصير اللئيم.
6 كذا في أ، وفي ب" فمأة". والقماءة مصدر قمؤ، والقمأة مصدر قأ،
وكلاهما معناه: صغر وذل.
(2/88)
-غير معجمة- هي الأصل, وكأنه أشتق من
"الجعس" صفة على "فعلول", وذلك أنه شبه الساقط المهين1 من2 الرجل
بالخرء؛ لذلِّه ونتنه.
ونحو من ذلك في البدل قولهم: فسطاط وفستاط, وفسّاط, وبكسر الفاء أيضًا,
فذلك ست لغات. فإذا صاروا إلى الجمع قالوا: "فساطيط وفساسيط" "ولا
يقولون"3 "فساتيط" بالتاء. فهذا يدل4 أن التاء في "فستاط" إنما هي بدل
من طاء "فسطاط", أو من سين "فُسّاط". فإن قلت: هلا اعتزمت أن تكون
التاء في "فستاط" بدلًا من طاء "فسطاط"؛ لأن التاء أشبه بالطاء منها
بالسين؟ قيل: بإزاء ذلك أيضًا: إنك إذا حكمت بأنها بدل من سين "فسّاط"
ففيه شيئان جيدان: أحدهما: تغيير للثاني5 من المثلين, وهو أقيس من
تغيير الأول من المثلين؛ لأنَّ الاستكراه في الثاني يكون لا في الأول,
والآخر أن السينين في 6"فسّاط" ملتقيتان، والطاءين في7 "فسطاط"
منفصلتان بالألف بينهما, واستثقال المثلين ملتقيين أحرى من استثقالهما
مفترقين, "وأيضًا فإن السين والتاء جميعًا مهموستان والطاء مجهورة"8.
فعلى هذا الاعتبار ينبغي أن يتلقّى9 ما يرد من حديث الإبدال إن كان
هناك إبدال, أو اعتقاد أصلية الحرفين إن كانا أصلين, وعلى ما ذكرناه في
الباب الذي
__________
1 كذا في ش، ب. وفي أ: "الهين".
2 كذا في ش، ب. وفي أ: "في".
3 كذا في ش، ب. وفي أ: "ولم يقولوا".
4 كذا في أ. وفي ش، ب: "يريك".
5 كذا في أ. وفي ش، ب: "الثاني".
6 كذا في أ. وفي ش، ب: "من ".
7 كذا في أ، ب. وفي ش: "من".
8 كذا في ش، ب. وسقط ما بين القوسين في أ.
9 كذا في أ. وفي ش، ب: "يلقي".
(2/89)
قبل هذا ينبغي أن تعتبر الكلمتان في
التقديم والتأخير نحو: اضمحلّ وامضحلّ, وطأمن واطمأنّ. والأمر واسع.
وفيما أوردناه من مقاييسه كافٍ بإذن الله.
ونحن نعتقد إن أصبنا فسحة أن نشرح كتاب يعقوب1 بن السكيت في القلب
والإبدال, فإن معرفة هذه الحال فيه "أمثل من معرفة عشرة أمثال لغته,
وذلك أن مسألة واحدة من القياس"2، أنبل وأنبه من كتاب لغة عند عيون
الناس.
قال لي أبو علي -رحمه الله- "بحلب"3 سنة ست وأربعين: أخطئ في خمسين
مسألة في اللغة ولا أخطئ في واحدة من القياس. ومن الله المعونة وعليه
الاعتماد.
__________
1 كذا في أ. وفي ش، ب: "أبي يوسف". وقد طبع "كتاب القلب والإبدال" لابن
السكيت في مجموعة الكنز اللغوي في بيروت سنة 1903، نشره المستشرق هفنر.
2 كذا في ش، ب. وسقط ما بين القوسين في أ.
3 كذا في أ. وفي ش، ب: "بضع". وهو يريد: بعد الثلاثمائة.
(2/90)
|