الخصائص باب في قلب لفظ إلى
لفظ بالصنعة والتلطف لا بالإقدام والتعجرف:
أما ما طريقه الإقدام من غير صنعة فنحو ما قدمناه آنفًا من قولهم: ما
أطيبه وأيطبه, وأشياء في قول الخليل "وقسيّ", وقوله "أخو اليوم اليمي".
فهذا ونحوه طريقه طريق الاتساع في اللغة من غير تأت ولا صنعة. ومثله
موقوف على السماع وليس لنا الإقدام عليه من طريق القياس.
فأمَّا ما يتأتى له ويتطرق إليه بالملاينة والإكثاب1، من غير كدٍّ ولا
اغتصاب2، فهو ما "عليه عقد هذا الباب"3. وذلك كأن يقول لك قائل: كيف
تحيل لفظ
__________
1 يقال: أكثب إلى الشيء: دنا منه.
2 كذا في أ. وفي شيء، ب: "اعتضاب".
3 كذا في أ، ب. وفي شك "عقد عليه هذا الباب".
(2/90)
"وأيت إلى لفظ أويت"1 فطريقه أن تبني من
"وأيت" فَوْعلًا, فيصير بك التقدير فيه إلى "وَوْأَىٍ", فتقلب اللام
ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فيصير "وَوًْاى", ثم تقلب الواو الأولى
همزة لاجتماع الواوين في أول الكلمة فيصير "أَوًْاى", قم تخفف الهمزة
فتحذفها وتلقي حركتها على الواو قبلها، فيصير "أَوًا" اسمًا كان أو
فعلًا2. فقد رأيت كيف استحال لفظ "وأى" إلى لفظ "أوا" من غير تعجرف ولا
تهكم على الحروف.
وكذلك لو بنيت مثل: فَوْعال لصرت إلى "وَوْآىٍ" ثم إلى "أَوْآىٍ" ثم
"أوْآءٍ", ثم تخفف فيصير إلى "أواءٍ" فيشبه حينئذ لفظ "آءة"3 أو أويت
أو لفظ قوله:
فأوّ لذكراها إذا ما ذكرتها4
وقد فعلت العرب ذلك منه قولهم: "أوار النار" وهو وهجها ولفحها, ذهب فيه
الكسائي مذهبًا حسنًا -وكان هذا الرجل كثيرًا في السداد والثقة عند
أصحابنا- قال: هو "فُعَال" من وَأَرْتُ الإرة5 أي6: احتفرتها لإضرام
النار فيها. وأصلها "وُآر" ثم خففت الهمزة فأبدلت في اللفظ "واوًا"7,
فصارت "ووار" فلمّا التقت في أول الكلمة الواوان وأجرى غير اللازم مجرى
اللازم, أبدلت الأولى همزة فصارت "أوَار" أفلا ترى إلى استحالة لفظ
"وأر" إلى لفظ "أور" بالصنعة.
__________
1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "أويت إلى لفظ وأيت" وهو خطأ. ووأيت من الوأي
وهو الوعد.
2 راعيت في الضبط السابق الاسم فتؤنت، وغير خاف أن ضبط الفعل بغير
تنوين.
3 الآءة شجرة عندهم وأصلها: أرأة بالتحريك.
4 عجزه: ومن بعد أرض بيننا وسماه
وانظر اللسان في أرا.
5 هي موقد النار.
6 كذا في أ، ج، وسقط في ش، ب.
7 كذا في أ. وسقط في ش، ب.
(2/91)
وقال أبو زيد في تخفيف همزتي "افعوعلت" من
"وأيت" جميعًا: "أويت", وقد أوضح هذا أبو زيد1 وكيف2 صنعته3، وتلاه
بعده أبو عثمان في تصريفه4. وأجاز أبو عثمان أيضًا فيها "وويت" "قال"5:
لأن نية الهمزة فاصلة بين الواوين. فقياس هذا أن تصحّح واوي "ووار" عند
التخفيف لتقديرك فيه نية التحقيق, وعليه قال الخليل في تخفيف "فُعْل"
من وأيت "أوى"؛ أفلا تراه "كيف"6 أحالته الصنعة من لفظ إلى لفظ. وكذلك
لو بنيت من "أول" مثال "فَعْل" لوجب أن تقول: "أَوْل" , فتصيرك الصنعة
من لفظ "وول" إلى لفظ "أول".
ومن ذلك قول العرب: "تسرَّيت" من لفظ "س ر ر " ومثله قصيت أظفاري هو من
لفظ "ق ص ص " وقد آل بالصنعة إلى لفظ "ق ص ى ". وكذلك قوله 7:
تقضى البازي إذا البازي كسر
هو في الأصل من تركيب "ق ض ض " , ثم أحاله ما عرض من استثقال تكريره
__________
1 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "أبو بكر"، وهو خطأ؛ فإن أبا بكر -هو ابن
السراج- ليس سابقًا على أبي عثمان، وابن السراج أخذ من المبرد, وهذا
أخذ عن المازني؛ فأنى لأبي عثمان أن يتلو أبا بكر!.
2 كذا في ج. وسقط هذا الحرف في أ، ب، ش.
3 وذلك أن افعوهلت من وأيت: أيأوأيت، ثم تنقل حركة الهمزة الأولى على
ما قبلها وتحذف، وترد الياء إلى الواو الأصلية, وتحذف همزة الوصل فتصير
إلى ووأيت، ثم تنقل حركة الهمزة وتحذفها فتصير إلى وويت، ثم تبدل الواو
الأولى همزة كما في أواصل فتصير إلى أويت. وانظر شرح الأشموني على
الألفية عند قول ابن مالك: وهمزا أول الواوين، في باب الإبدال.
4 انظر تصريف المازني بشرح المنصف، نسخة التيمورية.
5 كذا في أ، ب. وسقط في ش.
6 كذا في ش، ب. وسقط في أ.
7 أي: العجاج. وانظر ديوانه 17.
(2/92)
إلى لفظ "ق ض ي ". وكذلك قولهم: تلعيت -من
اللعاعة- أي: خرجت أطلبها -وهي نبت- أصلها "ل ع ع " ثم صارت بالصنعة
إلى لفظ "ل ع ي " قال 1:
كاد اللعاع من الحواذن يشحطها ... ورجرج بين لحييها خناطيل2
وأشباه هذا كثير.
والقياس من بعد أنه متى ورد عليك لفظ أن3 تتناوله على ظاهره, ولا
تدَّعي فيه قلبًا ولا تحريفًا إلّا أن تضح سبيل أو يقتاد دليل.
ومن طريف هذا الباب قولك في النسب إلى "محيَّا": "محويّ" وذلك أنك حذفت
الألف لأنها خامسة فبقي مُحَيّ كقُصَيّ، فحذفت للإضافة ما حذفت من
قُصَيّ وهي الياء الأولى التي هي عين "محيَّا" الأولى, فبقي "محي"
فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها, فصارت "مُحًا" كهُدىً.
فلما أضفت إليها قلبت الألف واوًا فقلت "مُحَوِىّ" كقولك في هُدىً:
هُدَوِيّ4. فمثال محوي في اللفظ "مُفَعِىّ" واللام على ما تقدَّم
محذوفة, ثم إنك من بعد لو بنيت من "ضرب"
__________
1 أي: ابن مقبل كما في اللسان في لعع. وفي السمط 447 أنه اختلف فيه,
فبعضهم ينسبه إلى جران العود، وبعضهم إلى ابن مقبل، وفي منتهى الطلب
هذا البيت من قصيدة عدتها خمسة وأربعون بيتًا لجران العود، وقال:
"وتروى للقحيف الخفاجي، للحكم الخضري" وأول القصيدة:
بان الأنيس فما للقلب معقول ... ولا على الجيرة الغادين تعويل
2 الحوذاذ: نبت. "يشحطها" كذا بالشين في أ، ب، ش. وفي اللسان في غير
موضع: "يسحطها" بالسين، والشخط والسحط: الذبح, والسحط: أعلى. والرجج:
اللعاب, وخناطيل: قطع متفرقة. يصف بقرة أكل السبع ولدها، فهو تغص بما
لا يغص به من اللعاع الأخضر حتى لكاد يذبحها، وهي تغص أيضًا باللعاب
الذي ينقطع خناطيل حزنًا على ولدها.
3 كذا. وكأن الأصل: "فالواجب أن تتناوله ... " أو كأن المؤلف راعى أن
هذه العبارة خبر عن "القياس", وهذا لا يستقيم مع "أنه"، وفي ج: "وبعد
فمتى ورد عليك لفظان فاحملهما على ظاهرهما، ولاتدع في واحد منهما قلبًا
ولا تحريفًا إلّا أن يدلّ على شيء من ذلك دليل, فتصير حينئذ إلى ما دل
عليه الدليل" وهي ظاهرة.
4 وكذلك لو نسبت إلى المحي "اسم فاعل من حيا" وانظر شرح الرضي للشافية
2/ 45.
(2/93)
-على1 قول من أجاز الحذف في الصحيح لضربٍ
من الصنعة- مثل قولك: "محويّ" لقلت "مضريّ" فحذفت الياء من "ضرب" كما
حذفت لام "محيّا". أفلا تراك كيف أحلت بالصنعة لفظ "ضرب" إلى لفظ "مضر"
فصار "مضريّ" كأنه منسوب إلى "مضر".
وكذلك لو بنيت مثل قولهم في النسب إلى تحيّة 2: "تحويّ" من نزف أو نشف
أو نحو ذلك لقلت: تَنَفِيّ. وذلك أن "تحية" تفعلة, وأصلها "تحيية"
كالتسوية والتجزئة, فلما نسبت إليها حذفت أشبه حرفيها بالزائد وهو
العين, أعني: الياء الأولى, فكما تقول في "عصية وقضية" عصويّ وقضويّ,
قلت أيضًا في تحية "تحويّ" فوزن لفظ "تحويّ" الآن "تفليّ" فإذا أردت
مثل3 ذلك من نزف ونشف، قلت "تنفي" ومثالها "تفلي", إلّا أنه مع هذا خرج
إلى لفظ الإضافة إلى تنوفة إذا قلت "تنفيّ" كقول العرب في الإضافة إلى
"شنوءة": شنئيّ. أفلا ترى إلى الصنعة كيف تحيل لفظًا إلى لفظ, وأصلًا
إلى أصل.
وهذا ونحوه إنما الغرض فيه الرياضة به4, وتدرب الفكر بتجشمه, وإصلاح
الطبع لما يعرض في معناه وعلى سمته. فأمّا لأن يستعمل في الكلام
"مضريّ" من "ضرب"، و"تنفي" من "نزف" فلا. ولو كان لا يخاض في علم من
العلوم إلّا بما لا بُدَّ5 له من وقوع مسائله معينة محصلة لم يتم علم
على وجهٍ ولبقي مبهوتًا6 بلا لحظٍ7
__________
1 الحذف في هذه الصيغة للتمرين جائز عند أبي علي أستاذ المؤلف. وانظر
الكتاب السابق 3/ 296.
2 انظر في النسب إلى تحية شرح الرضي للشافية 2/ 31.
3 يريد أن تأخذ كلمة من هذين الفعلين على تفعله، فنقول: تنزفة وتنشقة,
ثم تنسب إليهما على حذف العين فتقول: تنفي فيهما.
4 كذا في أ. وسقط في ب، ش.
5 كذا في ش، ب. وسقط في أ.
6 كذا في أ، ب. وفي ش، هـ: "مهوتًا". يريد بالميهوت المرتجل لذي لم
يدير ولم يرو فيه، من قولهم: بهته، أخذه بغتة.
7 كذا في أ. وفي ش،: "لحظة وفي د: "لحظه".
(2/94)
ومخشوبًا1 بلا صنعة, ألا ترى إلى كثرة
مسائل الفقه والفرائض والحساب والهندسة وغير ذلك من المركبات
المستصعبات، "وذلك"2 إنما يمر في الفرط3 منها الجزء النادر الفرد,
وإنما الانتفاع بها من قبل ما تقنيه النفس من الارتياض بمعاناتها.
__________
1 المراد به هنا: ما ليس مصقولًا.
2 ثبت ما بين القوسين في أ، وسقط في ش؛ ب.
3 أي: في الحين. ويقال: إنما ألقى فلانًا في الفرط إذا كنت تلقاه بعد
أيام, وتقول أيضًا: ألقاء في الفرط أي: في الحين بعد الحين.
(2/95)
باب في اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين في
1 الحروف والحركات والسكون:
غرضنا من هذا الباب ليس ما جاء به الناس في كتبهم نحو: وجدت في2 الحزن,
ووجدت الضالة , ووجدت في الغضب, ووجدت أي: علمت؛ كقولك: وجدت الله
غالبًا, ولا كما جاء عنهم من نحو: "الصدى": الطائر يخرج من رأس المقتول
إذا لم يدرك بثأره، "والصدى": العطش، "والصدى": ما يعارض الصوت في
الأوعية الخالية، و"الصدى" من قولهم: فلان صدى مال, أي: حسن الرعية له
والقيام عليه. ولا "هل "3 بمعنى الاستفهام, وبمعنى قد, و "أم "
للاستفهام وبمعنى بل, ونحو ذلك, فإن هذا الضرب من الكلام -وإن كان أحد4
الأقسام الثلاثة عندنا التي أولها اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين
"ويليه"5اختلاف اللفظين واتفاق المعنيين- كثير في كتب العلماء, وقد
تناهبته أقوالهم, وأحاطت بحقيقته أغراضهم. وإنما غرضنا هنا ما6 وراءه
من القول على هذا النحو في الحروف والحركات والسكون المصوغة في أنفس
الكلم.
__________
1 هذا متعلق بقوله: "اتفاق اللفظين", ومن الأمثلة التي يذكرها عجان
يأتي مفردًا وجمعًا، فهما لفظان اتفقا في الحرف وهو الألف، ولكن المعنى
مختلف، والفلك مفردًا والفلك جمعًا لفظان اتفقا في السكون والمعنى
مختلف.
2 كذا في أوسقط في ش، ب.
3 كذا في أوفي ش، ب: "كهل".
4 كذا في ش، ب. وفي أ: "آخر"، ويريد بأحد الأقسام الثلاثة اتفاق
اللفظين مع اختلاف المعنى. وانظر في الأقسام الثلاثة الكتاب 1/ 7.
5 كذا في أ. وفي ش، ب: "وثانيها".
6 كذا في أ. وفي ش، ب: "فساد".
(2/95)
من ذلك الحروف.
قد يتفق "لفظ الحروف ويختلف معناها"1 وذلك نحو قولهم: درع دلاص2، وأدرع
دلاص, وناقة هجان3, ونوق هجان. فالألف في دلاص في الواحد بمنزلة الألف
في ناقة كناز4، وامرأة ضناك5، و"الألف في دلاص"6 في الجمع بمنزلة ألف
ظراف وشراف؛ وذلك لأن العرب كسرت فعالًا على فعال, كما كسرت فعيلًا على
فعال, نحو: كريم وكرام, ولئيم ولئام. وعذرها في ذلك أن فعيلًا أخت7
فعال, ألا ترى أن كل واحد منهما ثلاثي الأصل, وثالثه حرف لين, وقد
اعتقبا أيضًا على المعنى الواحد نحو: كليب وكلاب, وعبيدٍ وعباد, وطسيس8
وطساس، قال الشاعر 9:
قرع يد اللعابة الطسيسا10
__________
1 كذا في أ. في ش، ب: "لفظا الحرف ويختلف معناه".
2 أي: ملساء لينة.
3 أي: بيضاء كريمة.
4 أي: كثيرة اللحم صلبة.
5 كذا في أ. وفي ش، ب: "صناك. والصناك: الضخمة".
6 كذا في أ. وفي ش، ب: "ألف دلاص".
7 كذا في ش، ب وفيهما بعد: "أخف من فعال"، وهو الموجود في أ, وهذا كله
خطأ, وما أثبت موافق لما في اللسان عن ابن سيده في هجن.
8 الواحد الطس، وهو الطست.
9 هو رؤبة كما في اللسان في طسس. وهو من أرجوزة عدة أشعارها 159 في مدح
أبان بن الوليد البجلي مطلعها:
دعوت رب العزة القدوسا ... دعاء من لا يقرع الناقوسا
حتى أرانا وجهك المرغوسا
ويقال: وجه مرغوس: طلق مبارك ميمون.
10 قبله في وصف الليل:
وجل ليل يحسب السدوسا ... يستسمع الساري به الجروسا
هَمَاهِمًا يسهرون أورسيسا ... علوت حين يخضع الرعوسا
جل الليل: معظمه. والسدوس "بفتح السين وضمها" الطيلسان الأخضر، والجروس
جمع الجرس وهو الصوت، والهماهم جمع همهمة، وهو الصوت غير البين،
والرسيس: الحدث الخفي، من قولهم: هم يتراسون الخير, أي: يسروّنه.
والرعوس: الذي يهز رأسه في نومه. وقوله: "قرع يد اللعابة الطسيسا" أي:
إن النوم يميل الرعوس ويلعب بها، كما يلعب اللاعب بالطسيس.
(2/96)
فلما كانا كذلك -وإنما بينهما اختلاف حرف
اللين لا غير, ومعلوم مع ذلك قرب الياء من الألف, وأنها أقرب إلى الياء
منها إلى الواو- كُسِّر أحدهما على ما كُسِّر عليه صاحبه, فقيل: درع
دلاص وأدرع دلاص, كما قيل: ظريف وظراف, وشريف وشراف.
ومثل ذلك قولهم في تكسير عُذَافِر1، وجُوَالِق: عَذافِر وجَوالِق, وفي
تكسير قُناقِن 2: قَنَاقِن, وهُداهِدٍ: هَداهِد, قال الراعي:
كهُداهِدٍ كسر الرماة جناحه ... يدعو بقارعة الطريق هَدِيلا3
فألف عُذافِرٍ زيادة4 لحقت الواحد للبناء لا غير, وألف عَذافِر ألف
التكسير كألف دَراهم ومنابر. فألف عُذافِر تحذف كما تحذف نون
جَحَنْفَلٍ في جحافِل، وواو فَدَوْكسٍ، في فداكِس، وكذلك بقية الباب.
وأغمض من ذلك أن تسمى رجلًا بعبالٍّ وحمارٍّ, جمع عبالة5 وحمارةٍ6، على
حد قولك: شجرة وشجر, ودجاجة7 ودجاج, فتصرف فإن كسرت عبالًا وحمارًا
هاتين قلت حَمَارُّ وعَبَالٌّ فلم تصرف؛ لأن هذه الألف الآن ألف
التكسير بمنزلة ألف مخاد ومشاد, جمع مخدة ومشد8. أفلا نرى إلى هاتين9
الألفين كيف اتفق
__________
1 هو الأسد، والعظيم الشديد.
2 هو البصير بالماء في حفر القنى.
3 الهداهد، الهدهد، والهديل: صوته, والمشبه به رجل أخذ عامل الزكاة
إبله ظلمًا، وهو مذكور في قوله قبل:
أخذوا حمولته فأصبح قاعدًا
لا يستطيع عن الديار حويلًا
وانظر اللسان في هدد، والقصيدة بطولها في جمهرة أشعار العرب.
4 كذا في أ. وفي ش، ب: "زائدة".
5 يقال: ألقى عليه عبالته, أي: ثقله.
6 حمار الغيظ: شدته.
7 كذا في ش، ب. وفي أ: "حاجة رحاج"
8 كذا في أ، فيما يظهر. وفي ش، ب: "مشدة".
9 كذا في ش، ب. وفي أ: "قياس".
(2/97)
لفظاهما واختلف معناهما، ولذلك لم تصرف
الثاني لما ذكرنا وصرفت الأول، لأنه ليست ألفه للتكسير, إنما هي كألف
دجاجةٍ وسمامةٍ1، وحمامةٍ.
ومن ذلك أن توقع في قافية اسمًا لا ينصرف منصوبًا في لغة من نوّن
القافية في الإنشاد, نحو قوله 2:
أقلِّ اللوم عاذل والعتابن
فتقول في القافية: رأيت سعادًا, فأنت في هذه النون مخيّر: إن شئت
اعتقدت أنها نون الصرف, وأنك صرفت الاسم ضرورة أو على لغة3 من صرف جميع
ما لا ينصرف, كقول الله تعالى: {سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا} 4,
وإن شئت جعلت هذه النون في سعادًا نون الإنشاد كقوله:
داينت أروى والديون تقضن ... فمطلت بعضًا وأدت بعضن5
وكذلك أيضًا تكون النون التي في قوله: وأدت بعضن، هي اللاحقة للإنشاد،
كقوله6:
يا أبتا علّك أو عساكن
__________
1 من معانيه: شخص الرجل وما شخص من الديار الخراب.
2 أي: جرير، وهو مطلع قصيدته المشهرة في هجاء الراعي النميري. وتمامه:
وقولي غن أصبت لقد أصابن
3 هذه لغة حكاها ثعلب على ما في الأشموني, والتصريح في أواخر باب ما لا
ينصرف. وحكاها الأخفش على ما في 1/ 37، وقال: "وكأن هذه لغة الشعراء؛
لأنهم قد اضطروا إليه في الشعر، فجرت ألسنتهم على ذلك في الكلام، وانظر
البحر لأبي حيان 8/ 294.
4 آية 4، سورة الإنسان.
5 ورد هذا الرجز في الكتاب 2/ 200. وقوله: "تقضن" كتب في أبجانبه:
"ضا", وكذا قوله: "بعضن" كتب فيها أيضًا: "ضا"، دلالة على أن الأصل:
تقضي، وبعضًا.
6 أي: رؤبة، وقيل العجاج. وانظر الكتاب 1/ 388، 2/ 299. وفي الخزانة 2/
334: "والأكثرون على أن هذا الرجز لرؤبة بن العجاج لا الجعاج".
(2/98)
ولكن إنما يفعل ذلك في لغة1 من وقف على
المنصوب بلا ألف كقول الأعشى:
وآخذ من كل حيّ عصم2
وكما رويناه عن قطرب من قول آخر 3:
شئز جنبي كأنِّي مهدأ ... جعل القين على الدفِّ إبر4
وعليه قال أهل هذه5 اللغة في الوقف: رأيت فَرَح6. ولم يحك سيبويه هذه
اللغة، لكن حكاها الجماعة: أبو الحسن، وأبو عبيدة, وقطرب, وأكثر
الكوفيين, فعلى هذه اللغة يكون قوله:
فمطلت بعضًا، وأدت بعضن7
__________
1 تعرف هذه اللغة في كتب النحو بلغة ربيعة.
2 صدره: إلى المرء قيس أطيل السرى.
وانظر المصباح المنير 29. والبيت هو العشرون من قصيدته التي أولها:
أتهجو غانية أم تسلم ... أم الحبل وراء بها منجذم
والعصم جمع العصمة وهي السبب, والحبل أي: العهد، وقد فسَّرها بذلك ابن
هشام صاحب السيرة في ص2/ 224 على هامش الروض، وقد يعبِّر عنها بالهذوفة
وهي الخفارة. وانظر اللسان في بذرق.
3 هو عدي بن زيد كما في اللسان في هدأ، وكما في شعراء النصرانية 1/
450-453.
4 قبل هذا البيت كما في شعراء النصرانية:
وكأن الليل فيه مثله ... ولقدمًا طنَّ بالليل القصر
لم أغمض طوله حتى انقضى ... أتمنى لو أرى الصبح حسر
شئز: قلق، يقال: شئز الرجل إذا قلق من همٍّ أو مرض، ومهدأ من أهدأ
الصبي إذا علله لينام، والدف الجنب. يقول: إن الهموم غشينه فهو قلق
كأنه صبي يتعاصى على النوم فهو يملل لينام، وكأنما كوى القين -وهو
الحداد- جنبه بالإبر المحماة.
5 كذا في ش، ب، ج. وسقط هذا في أ.
6 كذا بالحاء المهملة في أ. وفي ش، ب، ج: "فرج".
7 كتب في أفوق الضاد: "منا".
(2/99)
إنما نونه نون الإنشاد لا نون الصرف, ألا
ترى أن صاحب هذه اللغة إنما يقف على حرف الإعراب ساكنًا فيقول: رأيت
زيدْ كالمرفوع والمجرور, هذا هو الظاهر من الأمر.
فإن قلت: فهل تجيز1 أن يكون قوله: وأدت بعضًا, تنوينه تنوين الصرف لا
تنوين الإنشاد, إلّا أنه على إجراء الوقف مجرى الوصل كقوله:
بل جو زتيهاء كظهر الحجفت2
فإن هذا وإن كان ضربًا من ضروب المطالبة فإنه يبعد, وذلك أنه لم يمر
بنا عن أحد من العرب أنه يقف في غير الإنشاد على تنوين الصرف, فيقول في
غير قافية الشعر: رأيت جعفرن, ولا كلمت سعيدن, فيقف بالنون. فإذا لم
يجئ مثله قبح حمله عليه. فوجب حمل قوله: وأدت بعضن على أنه تنوين
الإنشاد على ما تقدَّم من قوله 3:
ولا تبقي خمر الأندرينن
وأقلِّي اللوم عاذل والعتابن
وما هاج أحزانًا وشجوًا قد شجنْ4
__________
1 كذا في أ، ب. وفي ش: "يجوز".
2 انظر ص305 من الجزء الأول.
3 كذا في أ. وفي ش، ب: "قول عمرو بن كلثوم". وهو الشطر الأخير من مطلع
معلقته المشهورة.
4 مطلع أرجوزة للعجاج، عجزه:
من طلل كالآحمى أنهجن
(2/100)
ولم تحضرنا هذه المسألة في وقت عملنا
الكتاب "المعرب"1 في تفسير قوافي أبي الحسن, فنودعها إياه فلتلحق هذه
المسألة به بإذن الله. فإذا مرَّ بك في الحروف ما هذه سبيله فأضفه
إليه.
ومن ذلك الحركات.
هذه الحال موجودة في الحركات وجدانها في الحروف, وذلك كامرأة سميتها
بحيث, وقبل, وبعد, فإنك قائل في رفعه: هذه حيثُ, وجاءتني قبلُ, وعندي
بعدُ. فالضمة الآن إعراب, وقد كانت في هذه الأسماء قبل التسمية بها
بناء. وكذلك لو سميتها بأين وكيف, فقلت: رأيت أينَ, وكلمت كيفَ, لكانت
هذه الفتحة إعرابًا بعد ما كانت قبل التسمية في أين وكيف بناء. وكذلك
لو سميت رجلًا بأمسِ وجيرِ, لقلت: مررت بأمسٍ وجيرٍ, فكانت هذه الكسرة
إعرابًا بعد ما كانت قبل التسمية بناء. وهذا2 واضح. فإن سميته بهؤلاء
فقلت "في الجر" 3: مررت بهؤلاء، كانت4 كسرة الهمزة بعد التسمية به هي
"الكسرة قبل"5 التسمية به6. وخالف "هؤلاء" باب أمس وجير, وذلك أن
"هؤلاء" مما يجب بناؤه وحكايته بعد التسمية به7 على ما كان من قبل
التسمية؛ ألا ترى أنه اسم ضمّ إليه حرف،
__________
1 كذا في أ، ب. وفي ش: "المغرب"، وانظر ص68 من تصدير هذا الكاب.
2 قد يقول قائل في أمس وجير: أنهما قبل التسمية غير منونين، وبعد
التسمية منونان, وهاتان حالتان متعاديتان لا تشتبهان.
3 كذا في أ، ب. وفي ش: "بالجرّ".
4 كذا في ب، ش. وفي أ: "لكانت". واللام غير سائغة هنا مع جواب "إن",
وقد وقعت في ج وهي سائغة هناك, فإن فيها: "فلو سميته".
5 كذا في أ. وفي ش، ب: "كسرة قبل".
6 كذا في ش, ب. وسقط في أ.
7 ثبت في أ، وسقط في ش، ب، وانظر في التسمية بهؤلاء، ولعل الكتاب 2/
67.
(2/101)
فأشبه الجملة، كرجل سميته بلعلّ, فإنك تحكي
الاسم؛ لأنه حرف ضمّ إليه حرف, وهو "عَلَّ" ضمت إليه اللام, كما أنك لو
سميته بأنت لحكيته أيضًا, فقلت: رأيت أنت ولعلَّ, فكانت الفتحة في
التاء بعد التسمية به هي التي كانت فيه قبلها, لكنك إن سميته بأولاء
أعربته فقلت: هذا أولاءٌ, ورأيت أولاءً ومررت بأولاءٍ, فكانت الكسرة
لأن فيه إعرابًا لا غير؛ لأن أولاء اسم مفرد مثاله1 فعال كغراب وعقاب.
ومن الحركات في هذا الباب أن ترخّم اسم رجل يسمَّى2 منصورًا, فتقول على
لغة من قال يا حارِ: يا منصُ, ومن قال يا حارُ قال كذلك أيضًا بضم
الصاد في الموضعين جميعًا. أما على يا حارِ فلأنك حذفت الواو وأقررت
الضمة بحالها, كما أنك لما حذفت الثاء أقررت الكسرة بحالها. وأما على
يا حارُ فلأنك حذفت الواو والضمة قبلها كما في يا حارُ حذفت الثاء
والكسرة قبلها، ثم اجتلبت3 ضمة النداء فقلت: يا مَنْصُ. فاللفظان كما
ترى واحد, والمعنيان مختلفان.
وكذلك إن سميته بيرثن، وثرتم4، ويعقوب5، ويربوع، ويعسوت.
ومثل ذلك قول العرب في جمع الفُلكِ: الفُلْك, كسروا فُعْلًا على
فُعْلٍ, من حيث كانت فُعْل تعاقب فَعَلًا على المعنى الواحد, نحو:
الشُغْل والشَغَلِ, والبُخْلِ والبَخَل, والعُجْمِ والعَجَم, والعُرْب
والعَرَب. وفَعَلٌ مما يكسر على فُعْل كأََسَدٍ،
__________
1 كذا في أ، وفي سائر الأصول: "مثال".
2 كذا في أ. وفي ش، ب: "سمي".
3 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "أعقبت".
4 هو ما فضل من الطعام في الإناء.
5 يريد به ذكر الحجل، وهو عربي, فأما يعقوب أبو يوسف -عليهما السلام-
فهو أعجمي، وهو علم البتة؛ والحكم فيما من جهة الترخيم واحد.
(2/102)
وأسْد, ووَثَنٍ ووُثْن. حكى صاحب1 الكتاب
"إن تدعون من دونه إلا أُثْنا" وذكر أنها قراءة. وكما2 كسروا فَعَلا
على فُعْل, وكانت فُعْل وفَعَل أختين معتقبتين على "المعنى"3 الواحد
كعجمٍ وعَجَم, وبابه, جاز أيضًا أن يكسر فُعْل على فُعْل, كما ذهب إليه
صاحب4 الكتاب في الفُلْكِ؛ إذ كسر على الفُلْك, ألا ترى أن قوله عز
اسمه: {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} 5 يدل على أنه واحد, وقوله تعالى:
{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} 6 فهذا يدل
على الجمعية. فالفُلْك إذًا في الواحد بمنزلة القُفْلِ, والخُرْج
والفُلْك في الجميع بمنزلة الحُمْرِ والصُفْر.
فقد ترى اتفاق الضمَّتين لفظًا واختلافهما تقديرًا ومعنى. وإذا كان
كذلك فكسرة الفاء في هجان ودلاص في الواحد ككسرة الفاء في كنازٍ
وضناكٍ, وكسرة الفاء في هجانٍ ودلاصٍ في الجمع7 ككسرة الفاء في كرامٍ
ولئام.
ومن ذلك قولهم: قنو وقنوانٌ, وصنو وصنوانٌ, وخشف وخشفانٌ، ورئد8
ورئدان, ونحو ذلك مما9 كسر فيه فِعْل على فِعْلان؛ كما كسروا فَعَلا
على فِعْلان. وذلك أن فِعْلا وفَعَلا قد اعتقبا على المعنى الواحد نحو:
بِدْلٍ وبَدَلٍ, وشِبْهٍ وشَبَهٍ, ومِثْلٍ ومَثَلٍ. فكما كسروا فَعَلا
على فِعلان كَشَبثٍ10 وشبْثان, وخَرَبٍ11 وخِرْبانٍ, ومن المعتل تاج
وتيجان, وقاع وقيعان, كذلك كسروا أيضًا فِعْلًا على فِعْلان فقالوا:
قِنْو وقِنْوانٌ, وصِنْو وصِنْوانٌ.
__________
1 الذي في الكتاب 2/ 177: "وذلك نحو: أسد وأسد، ووثن ووثن، بلغنا أنها
قراءة، وقراءة أثن ذكرها أبو حبان ولم يعزها، وأثن عليها ميدلة من وثن،
وانظر البحر 3/ 352 عند قوله تعالى في سورة النساء الآية: 117: {إِنْ
يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا
شَيْطَانًا مَرِيدًا} .
2 كذا في أ. وسقط حرف العطف في ش، ب.
3 كذا في ج. وسقط في أ، ب، ش.
4 انظر الكتاب 2/ 181.
5 آية 119 سورة الشعراء، آية 41 سورة يس.
6 آية 22 سورة يونس.
7 كذا في ش، ب. وفي أ "الجميع". وانظر في هجان ودلاس الكتاب 2/ 209.
8 هو ما لان من الأغصان.
9 كذا في أ. وفي ش، ب: "فيما".
10 هو دويبة كثيرة الأرجل.
11 هو ذكر الحبارى.
(2/103)
ومن وجه آخر أنهم رأوا فِعْلا وفُعْلا قد
اعتقبا على المعنى الواحد نحو: العِلْو والعُلْو, والسِفْل والسُفْل,
والرِجْز والرُجْز, فكما كسروا فُعْلا على فِعلان ككُوزٍ وكِيزان, وحوت
وحيتان, كذلك كسروا أيضًا فِعْلا على فِعلان نحو: صنو وصنوان، وحسلٍ1
وحسلان، وخشف وخشفان. فكما أن كسرة فاء شِبثان وبِرقان غير فتحة فاء
شَبثٍ وبَرق2 لفظًا، فكذلك كسرة فاء صنو غير كسرة فاء صِنوان تقديرًا.
وكما3 أن كسرة فاء حيتان وكيزان غير ضمة فاء كُوزٍ وحوت لفظًا, فكذلك
أيضًا كسرة فاء صِنوان غير كسرة فاء صِنْو تقديرًا. وسنذكر في كتابنا
هذا "باب حمل"4 المختلف فيه على المتفق عليه بإذن الله. وعلى هذا فكسرة
فاء هجان ودلاص لفظًا غير كسرة فاء هجان ودلاص تقديرًا, كما أن كسرة
فاء كرام ولئام غير فتحة فاء كريم ولئيم لفظًا. وعلى هذا استمرار ما
هذه سبيله فاعرفه.
وأما السكون في هذه الطريقة فهو كسكون نون صِنْو وقِنْوٍ, فينبغي أن
يكون في الواحد غير سكون نون صِنوان وقِنْوان؛ لأن هذا شيء أحدثته
الجمعية, وإن كان بلفظ ما كان في الواحد, ألا ترى أن سكون عين شِبْثان
وبِرْقان غير فتحة5 عين شَبَث وبَرَق, فكما أن هذين مختلفان لفظًا،
فكذلك ذانك السكونان4 هما مختلفان تقديرًا.
ونظير فِعْل وفِعْلان في هذا الموضع فُعْل وفُعْلان في قولهم: قُوم6
وقُومَان, وخُوط7 وخُوطان. فواجب إذًا أن تكون الضمة والسكون في فُوم
غير الضمة والسكون في فُومان, وكذلك خُوط وخُوطان. ومثله أن سكون عين
بُطْنان وظُهْران
__________
1 هو ولد الضب.
2 هو الحمل، وهو الصغير من ولد الضأن.
3 كذلك في م وفي غيرها: "فكما".
4 كذا في ش، ب. وفي أ: "بابًا من".
5 كذا في أ. وسقط في ش، ب.
6 فسر بالزرع، والحنطة، وفسر بغير ذلك من الحبوب.
7 هو الغصن الناعم.
(2/104)
غير سكون عين بَطْن وظَهْر, الباب واحد1
غير مختلف. وكذلك كسرة اللام من دِهْليِز ينبغي أن تكون غير كسرتها في
دهالِيز؛ لأن هذه كسرة ما يأتي بعد ألف التكسير "وإن لم يكن في الواحد
مكسورًا"2؛ "نحو: مفتاح"3 ومفاتيح، وجُرْموق4 وجرامِيق. وعلى هذا أيضًا
يجب أن تكون5 ضمة فاء رُبَابٍ غير6 ضمة فاء رُبى؛ لأن رُبَابًا كعُراق
وظُؤارٍ ونُؤَام, فكما أن أوائل كلٍّ منهن على غير "أول"7, واحده الذي
هو عرق8، وظئر9، وتوأم لفظًا, فكذلك فليكن أول رُبَى ورُبَابٍ تقديرًا.
__________
1 كذا في أ. وفي ش، ب: "الواحد".
2 سقط ما بين القوسين في ش، ب. وثبت في أ.
3 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "كمفتاح".
4 هو ما يلبس فوق الخف.
5 كذا في ش، ب. وسقط في أ.
6 الربى: الشاة الحديثة النتاج. والرباب جمعها.
7 ثبت في الأصول ما عدا أ.
8 هو العظم أُكِل لحمه.
9 هو المرضعة لولد غيرها.
(2/105)
باب في اتفاق المصاير؛ على 1 اختلاف
المصادر:
من ذلك اسم الفاعل والمفعول في "افتعل" مما عينه معتلة, أو ما فيه
تضعيف. فالمعتل نحو قولك: اختار فهو مختار, واختير فهو مختار: الفاعل
والمفعول واحد لفظًا, غير أنهما مختلفان تقديرًا, ألا ترى أن أصل
الفاعل "مختِير" بكسر العين, وأصل المفعول "مختَير" بفتحها. وكذلك هذا
رجل معتاد للخير, وهذا أمر معتاد, وهذا فرس مقتاد إذا قاده صاحبه
الصاحب مقتاد له.
وأما المدغم فنحو قولك: أنا معتدّ لك بكذا وكذا, وهذا أمر معتَدّ به.
فأصل الفاعل "معتِدد" كمقتطع وأصل المفعول "معتَدد" كمقتَطع. ومثله هذا
__________
1 كذا في ش، ب. وفي أ، ج "عن".
(2/105)
فرس مستن لنشاطه, وهذا مكان مستن فيه, إذا
استلّت1 فيه2 الخيل, ومنه قولهم: "استنّت الفصال حتى القَرْعى "3.
وكذلك افعَلَّ وافعالَّ من المضاعف أيضًا؛ نحو: هذا بسر محمرّ ومحمارّ,
وهذا وقت محمر فيه ومحمار فيه. فأصل الفاعل محمِرر ومحمارِر مكسور
العين, وأصل المفعول محمَرر ومحارَر فيه مفتوحها.
وليس كذلك اسم الفاعل والمفعول في افعلّ وأفعال "إذا ضعف فيه حرفا
علة"4, بل ينفصل فيه اسم الفاعل من اسم المفعول عندنا, وذلك قولك: هذا
رجل مُرْعَوٍ وأمر مُرْعَوى إليه, وهذا رجل مًغَزاوٍ وهذا وقت
مُغْزَاوًى فيه5؛ لكنه على مذهب الكوفيين لا فرق بينهما؛ لأنهم يدغمون
هذا النحو من مضاعف المعتل, ويجرونه مجرى الصحيح, فيقولون: اغزوا
يغزاو, واغزوَّ يغزوّ. واستشهد أبو الحسن على فساد مذهبهم بقول العرب:
أرعوى. قال: ولم يقولوا: أرعوَّ. ومثله من كلامهم قول يزيد بن الحكم
-أنشدنيه أبو علي وقرأته في القصيدة عليه:
تبدّل خليلًا بي كشكلك شكله ... فإني خليلًا صالحًا بك مُقْتَوِى6
فهذا عندنا مُفْعِّل من القنو, وهو المراعاة والخدمة كقوله:
إني امرؤ من بني خزيمة لا ... أحسن قتو الملوك والحفدا7
__________
1 يقال: استن الفرس في المضمار إذا جرى في نشاطه على سنته في جهة
واحدة.
2 كذا في أ، ج. وسقط في ش، ب.
3 أي: جرت الفصال مرحًا حتى القرعى منهما، وهي تنزو تشبهًا بالصحاح.
وهذا مثل بضرب للرجل يدخل نفسه في قوم ليس مهم.
4 كذا في أوفي ش: "وافتعل مما ضعف فيه حرف علة", وفي ب: وافتعل مما ضعف
فيه حرفا علة".
5 كذا في ش، ب. وفي أ "إليه".
6 انتصب خليلًا بمقنوى على تضمينه معنى متخذ، ربك أي: بذلك.
7 "خزيمة" كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "سليمة", وما أثبت موافق لما في
اللسان في قنو. "الحفدا" كذا في أصول الخصائص. وفي اللسان في قنو:
الحبا. والحقد أصله الحفد أصله الحفد فحرك، وهو الخدمة.
(2/106)
وفيها1 أيضًا: مُدْحَوِى، وفيها أيضًا
مُحْجَوِى:
فهذا كله مُفْعَل كما تراه غير مدغم.
وانفعل في المضاعف كافتعل, نحو قولك: هذا أمر منحل, ومكان منحل فيه،
ويوم منحل فيه، أي: تنحل2 فيهما الأمور. فهذا طرف3 من هذا النحو.
ومن ذلك قولك في تخفيف "فُعْل" من جئت على قول الخليل وأبي الحسن تقول
في القولين جميعًا: جي، غير أن هذين الفرعين المتفقين التقيا عن أصلين
مختلفين.
وذلك أن الخليل يقول في "فُعْل" من جئت: جيء كقوله فيه من بِعْت بِيعٌ.
وأصل الفاء عنده الضم, لكنه كسرها لئلّا تنقلب الياء واوًا, فيلزمه أن
يقول: بُوع. ويستدل على ذلك بقول العرب في جمع أبيض وبيضاء: بيض. وكذلك
"عين" تكسير ًاعْيَن وعَيْناء، و"شِيم" في أشيم4 وشيماء.
وأبو الحسن يخالفه فيقر الضمة في الفاء فيبدل لها العين واوًا فيقول:
بُوع وجُوء. فإذا5 خففا جميعًا صارا إلى جُيٍ لا غير. فأما الخليل
فيقول: إذا تحركت العين بحركة الهمزة الملقاة عليها فقويت رددت ضمة
الفاء لأغنى6 على العين القلب فأقول: جيٌ, وأما أبو الحسن فيقول: إنما
كنت قلت: جُوء فقلبت العين واوًا لمكان الضمة
__________
1 أي: في قصيدة يزيد بن الحكم مدحو ومحجو. وهما في قوله:
أفحشًا وخبًّا واختناء عن الندى ... كأنك أفعى كدية فرَّ محجوى
فيدحو بك الداحي إلى كل سوءة ... فياشر من يدحو بأطيش مدحوي
الاختناء: التقبض، والكدية، الأرض الغليظة الصلبة، ومحجو: منطو، ومدحو:
مرَّ بي وكأنه مطاوع دحاء وكأنه يقال دحوت الشئ. فادحوى. وانظر الأمال
1/ 68 والخزانة 1/ 496، وأمالي ابن الشجري 1/ 176.
2 كذا في أ، ب. وفي ش "منحل".
3 كذا في أ. وفي ش: "طور".
4 هو الذي به شامة، وهي لون يخالف لون سائر البدن.
5 كذا في ش، ب. وفي أ: "وإذا".
6 كذا في ب. وفي ش: "الأمني", وهو في أ "لأبني" وكل ذلك تحريف.
(2/107)
قبلها وسكونها، فإذا قويت1 بالحركة الملقاة
عليها تحصنت فحمت نفسها من القلب, فأقول: جَيٌ. أفلا ترى إلى ما ارتمى
إليه الفرعان من الوفاق بعد ما كان عليه الأصلان من الخلاف. وهذا ظاهر.
ومن ذلك قولك في الإضافة إلى مائة في قول سيبويه ويونس جميعًا فيمن
ردَّ اللام: مئوي كمعوي, فتوافى اللفظان على أصلين مختلفين. ووجه ذلك
أن مائة أصلها عند الجماعة مِئية ساكنة العين, فلما حذفت اللام تخفيفًا
جاورت العين تاء التأنيث فانفتحت على العادة, والعرف في ذلك فقيل: مئة.
فإذا رددت اللام فمذهب سيبويه أن يقرّ2 العين بحالها متحركة, وقد كانت
قبل الرد مفتوحة فتقلب لها اللام ألفًا فيصير تقديرها 3: مِئا كمِعَى4,
فإذا أضفت إليها أبدلت الألف واوا فقلت: مئوي كثنوي. وأما مذهب يونس
فإنه كان إذا نسب إلى فَعْلة أو فعْلة مما لامه ياء أجراه مجرى ما أصله
فَعِلة, ألا تراه كيف كان يقول في الإضافة إلى ظَبْية: ظَبوَي, ويحتج
بقول العرب في النسب إلى بطية 5: بِطَوِيّ, وإلى زنية: زِنَوِيّ, فقياس
هذا أن تجري مائة -وإن كانت فِعْلة- مجرى فِعِلة فتقول فيها: مِئَوىّ.
فيتفق اللفظان من أصلين مختلفين.
ومن ذلك أن تبنى من قلت ونحوه فُعُلا, فتسكن عينه استثقالًا للضمة فيها
فتقول: "فُولُ" كما يقول أهل الحجاز في تكسير عَوَان ونَوَار: عُون
ونُور, فيسكنون, وإن كانوا يقولون: رُسُل وكُتُب بالتحريك. فهذا حديث
فُعُل من باب قلت. وكذلك فُعْل منه أيضًا قُول فيتفق فُعُل وفُعْل,
فيخرجان6 على لفظ متفق عن أول مختلف. وكذلك فِعْل من باب بعت, وفُعْل
في قول الخليل وسيبويه: تقول7 فيهما جميعًا8
__________
1 كذا في أ. وسقط في ش، ب.
2 كذا في ش، أ. وفي ب "تقر".
3 كذا في أ، وسقط في ش، ب. وفيها: "فتصير".
4 كذا في أ. وفي ش، ب: "كثنى" وفي ج "كمنى".
5 ذكرها سيبوه ولم تفسره. وانظر الكتاب 2/ 75.
6 كذا في أ. وفي ش، ب: "عن".
7 كذا في ش، ب. وفي أ: "يقول".
8 كذا في أ. وسقط في ش، ب.
(2/108)
بيع. وسألت أبا عليّ -رحمه الله- فقلت: لو
أردنا فُعْلات مما عينه ياء لا نريد بها أن تكون جارية على فِعْلة
كتينة وتينات1؟ فقال: أقول على هذا الشرط: تونات, وأجراها لبعدها عن
الطرف مُجرى واو عُوطَطٍ2.
ومن ذلك أن تبنى من غَزَوت مثل إصبُع بضم الباء فتقول: إغزٍ. وكذلك إن
أردت مثل إصبع, قلت أيضًا: إغز. فيستوي لفظ إفعُل ولفظ إفْعِل. وذلك
أنك تبدل من الضمة قبل الواو كسرة فتقلبها ياء، فيستوي حينئذ لفظها
ولفظ إفِعل. وإِصْبُع، وإن كانت مستكَرهة لخروجك من كسر إلى ضم بناء
لازمًا، محكية؛ تروى عن متقدمي3 أصحابنا.
وما يخرج إلى لفظ واحد عن أصلين مختلفين كثير, لكن هذا مذهبه وطريقه
فاعرفه وقسه.
ومن ذلك قولك في جمع تعزية وتعزوة4 جميعًا: تَعَازٍ "وكذلك اللفظ بمصدر
تعازَينا أي: عَزَّى بعضًنا بعضًا: تعاز"5 يا فتى. فهذه تفاعُل كتضارُب
وتحاسد, وأصلها تعازوٌ ثم تعازِى ثم تعازٍ. فأما6 "تعازٍ" في الجمع
فأصل عينها الكسر كتتافِل وتناضِب، جمع تتفُل7 وتَنْضُبٍ8. ونظائره
كثيرة.
__________
1 جواب لو محذوف، أي: فماذا يقال؟
2 العوطط: ألا تلقَّح الناقة فتسمن لذلك، وهو اسم في معنى المصدر
لقولم: عاطت الناقة تعيط. يريد أن الواو في عوطط مبدلة من الياء، ولم
يقل: هيطط كما قيل بيض؛ لبعد الباء عن الطرق فلم تشبه بيضًا وإنما
أشبهت موقنًا. الكتاب 2/ 377. وكذلك ما نحت فيه، وهو فعلات من التين
على ألا يكون هذا جمعًا جاريًا على واجد بل يكون بناء مرتجلًا.
3 انظر ص70 في الجزء الأول من هذا الكتاب.
4 هي اسم للعزاء: كما حكاه المصنف عن أبي زيد. والواو هنا مبدلة من
الياء لمكان الضمة قبلها؛ كما قالوا: الفتوة. وانظر اللسان "عزا".
5 ثبت ما بين القوسين في أ، وسقط في ش، ب.
6 كذا في أ. وفي ش، ب: "وأما".
7 هو ولد الثعلب.
8 هو شجر بنبت بالمجاز.
(2/109)
باب في ترافع 1 الأحكام:
هذا موضع من العربية لطيف لم أر لأحد من أصحابنا فيه رسمًا, ولا نقلوا
إلينا فيه2 ذكرا.
من ذلك مذهب العرب في تكسير ما كان من "فعل" على "أفعال" نحو: عَلَم
وأعلام, وقدمٍ وأقدام, ورَسنٍ وأرسان, وفَدَنٍ وأفدانٍ. قال سيبويه:
فإن كان على "فَعَلة" كسروه على "أَفْعُلٍ" نحو أَكَمةٍ وآكُمٍ. ولأجل
ذلك "ما حمل"3 أمَّة على أنها "فَعَلة" لقولهم في تكسيرها: آمٍ, إلى
هنا4 انتهى5 كلامه إلّا أنه أرسله ولم يعلله.
والقول فيه عندي أن حركة العين قد عاقبت في بعض المواضع تاء التأنيث,
وذلك في الأدواء نحو قولهم: رمث6 رمثًا، وحبط7 حبطًا، وحبج8 حبجًا.
__________
1 يريد أنه قد يجتمع في الكلمة أمران، يقضي كل منهما إذا انفرد بحكم في
اللغة، تكون عليه الكلمة؛ فيكون ذلك داعيًا إلى إلغاء تأثيرها، فكان
هذا، رفع حكم هذا، وهذا رفع حكم هذا وأبطله. فمن ثَمَّ صاغ ابن جني
لهذا الأصل" ترافع الأحكام", ويقرب من هذا أقوال الأصوليين وأرباب
الاستدلال: إن الأمرين إذا تعارضا تساقطا, وقد عرض لهذا الأصل المؤلف
في المحتسب عند قوله تعالى في سورة آل عمران: {أَمَنَةً نُعَاسًا}
[آية: 22] ، فقال: {أَمَنَةً} -بفتح الميم- أشبه بمعابة الأمن. ونظير
ذلك قولهم: الحبط والحبج والرمث، كل ذلك في أدواء الأبل. فلما أسكنوا
العين جاءوا بالهاء فقالوا: مغل مغلة، وحقل حقله، وقد أفردنا بابًا في
كتابنا الخصائص لنحو هذا وهو: "باب ترافع الأحكام" وفي نسخة المحتسب
المحفوظة في دار الكتب: "تدافع" وظاهر أنه تحرف.
2 كذا في ش، ب. وفي أ "له".
3 كذا في أ. وفي ب "ما يمل سيبويه". وفي ش "مما يحمل سيبويه".
4 كذا في أ، وفي ش، ب "هذا".
5 انظر الكتاب 2/ 191.
6 يقال: رمث البعير إذا اشتكى من أكل الرمث. وهو مرعى للإبل من الحمض.
7 أي: أصابه الحبط. وهو وجع ببطن البعير من كلأٍ يستوبله.
8 أي: أصابه الحبج، وهو انتفاخ بطن البعير من أكل السرفج.
(2/110)
فإذا ألحقوا التاء أسكنوا العين؛ فقالوا:
حَقِل1 حَقْلة, ومغَل مَغْلة2. فقد ترى إلى معاقبة حركة العين تاء
التأنيث. ومن ذلك قولهم: جَفْنة وجَفَنات, وقَصْعة وقَصَعات, لما حذفوا
التاء حركوا العين.
فلما تعاقبت التاء وحركة العين3 جريا4 لذلك مجرى الضدين المتعاقبين,
فلما اجتمعا في "فَعَلة" ترافعا أحكامهما فأسقطت التاءُ حكم الحركة,
وأسقطت الحركة حكم التاء. فآل الأمر بالمثال إلى أن صار كأنه فَعْل،
"فَعْل" باب تكسيره "أَفْعُل".
وهذا حديث من هذه الصناعة غريب المأخذ لطيف المضطرب. فتأمله فإنه
مُجْدٍ عليك مُقَوٍّ لنظرك.
ومن "فَعَلة" و"أفعُل" رَقَبة وأَرْقُب، وناقة وأَيْنُق.
ومن ذلك أنَّا قد رأينا تاء التأنيث تعاقب ياء المد, وذلك نحو: فرازين5
وفرازنة, وحجاجيح6 وجحاجحة، وزناديق وزنادقة. فلما نسبوا إلى نحو حنيفة
وبجيلة تصوروا ذلك الحديث أيضًا, فترافعت التاء والياء أحكامهما7،
فصارت حنيفة وبجيلة إلى أنهما كأنهما حَنِف وبَجِل, فجريا لذلك مجرى
شَقِر8 ونَمِر فكما تقول
__________
1 الحقلة: من أدواء الإبل، يعنيها من أكل التراب مع البقل.
2 المغلة: أيضًا داء في الحيوان من أكل البقل مع التراب.
3 كذا في أ. وفي ش، ب "الإعراب".
4 كذا في الأصول. والمناسب: "جرتا".
5 واحده فرزان، وهو من لعب الشطرنج. وانظر ص115 من الجزء الأول من هذا
الكتاب.
6 واحده جحجاح؛ وهو السيد.
7 كذا في ش، ب. وفي أ "أحكامها".
8 هو شقائق النعمان.
(2/111)
فيهما: شَقَرِيّ ونَمَريّ، كذلك قلت أيضًا
في حنيفة: حنفيّ, وفي بجيلة: بجليّ. يؤكد ذلك عندك أيضًا أنه إذا لم
تكن هناك تاء كان القياس إقرار الياء كقولهم في حنيف: حنيفيّ, وفي
سعيد: سعيديّ. فأما ثقفي فشاذّ عنده1، ومشبه بحنفي. فهذا طريق آخر2 من
الحجاج في باب حنفيّ وبجليّ, مضاف إلى ما يحتج به أصحابنا في حذف تلك
الياء.
ومما يدلك على مشابهة حرف المد قبل الطرف لتاء3 التأنيث قولهم: "رجل"4
صَنَع اليد وامرأة صَنَاع اليد, فأغنت الألف قبل الطرف مغنى5 التاء
التي كانت تجب في صنعة, لو جاءت على حكم نظيرها نحو: حَسَن وحَسَنةٍ,
وبَطَلٍ وبَطَلة. وهذا أيضًا حَسَن في بابه.
ويزيد عندك في وضوح ذلك أنهم قالوا في الإضافة إلى اليمن والشام
وتهامة: يمان وشآم وتهامٍ, فجعلوا الألف قبل الطرف عوضًا من إحدى
الياءين اللاحقتين بعدها6. وهذا يدلك أن الشيئين إذا اكتنفا الشيء من
ناحيتيه تقاربت حالاهما "وحالاه"7 بهما, ولأجله وبسببه ما ذهب قوم إلى
أنَّ حركة الحرف تحدث قبله, وآخرون إلى أنها تحدث بعده, وآخرون إلى
أنها تحدث معه. قال أبو علي: وذلك لغموض الأمر وشدة القرب. نعم، وربما
احتج بهذا8 لحسن تقدم الدلالة وتأخرها هذا في موضع "وهذا في موضع"9.
وذلك لإحاطتهما جميعًا بالمعنى المدلول عليه.
__________
1 أي: عند سيبويه, وقيّد بذلك؛ لأن من النحويين غير سيبويه من يجعل هذا
قياسًا؛ وهو المبرد.
2 كذا في ش، ب. وسقط في أ.
3 كذا في أ. وفي ش، ب" تاء التأنيث".
4 زيادة من ب.
5 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "معنى".
6 أي: بعد الطرف. وقد أنَّث الضمير باعتباره لفظة.
7 كذا في أ، ج. وهو ما في عبارة اللسان في تهم, وسقط هذا في ش، ب.
8 يريد أنه في يمان تقدّم الألف وتأخّر إحدى الياءين، وهما دلالتان على
النسب.
9 كذا في أ. وسقط في ش، ب.
(2/112)
فمما تأخَّر دليله قولهم: ضربني وضربت
زيدًا, ألا ترى أن1 المفسِّر للضمير المتقدم جاء من بعده. وضده زيد
ضربته؛ لأن المفسِّر للضمير متقدم عليه. وقريب من هذا أيضًا اتباع
الثاني للأول نحو: شُدٌّ2 وفِرّ2، وضّنَّ2، وعكسه قولك: اقتل,
اُستُضعِف, ضممت الأول للآخر.
فإن قلت: فإن في تهامة ألفًا, فلم ذهبت إلى أن الألف في تهام عوض من
إحدى الياءين للإضافة؟ قيل: قال الخليل في هذا: إنهم كأنهم نسبوه إلى
فَعْل أو فَعَل, وكأنهم فكوا3 صيغة تهامة فأصاروها إلى تَهَمٍ أو
تَهْم, ثم أضافوا إليه فقالوا: تهامٍ.
وإنما ميّل4 الخليل بين فَعْل وفَعَل، ولم يقطع بأحدهما؛ لأنه قد جاء
هذا العمل في هذين المثالين جميعًا، وهما5 الشأم واليمن. وهذا الترجيم6
الذي أشرف عليه الخليل ظنًّا، قد جاء به السماع نصًّا7؛ أنشدنا أبو
علي، قال أنشد8 أحمد بن يحيى:
أرَّقنى الليلةَ بَرْقٌ بالتَهم ... يا لكَ برقًا من يَشُقْه لا ينمْ9
__________
1 كذا في أ. وفي ش، ب "إلى".
2 يريد فعل الأمر. وفي ضنَّ لغتان. يقال: ضننت أضن من باب علمت، وهي
اللغة العالية، وهي المرادة هنا. ويقال: ضننت أضن من باب ضرب.
3 كذا في أ. وهو يوافق ما في اللسان. وفي ش، ب "كفوا".
4 كذا في أ. وفي ش، ب، وعبارة اللسان: "مثل". والوجه ما أثبت، يقال:
ميل بين الأمرين, أي: تردد فيهما أيهما يأخذ.
5 كذا في م. وفي بعض الأصول "هو".
6 كذا في أوفي ش، ب، ج، وعبارة اللسان في تهم: "الترخيم" والوجه ما
أثبت. والترخيم مبالغة الرجم، وهو القول بالظن والحدس.
7 كذا في ش، ب. وهو ما في عبارة اللسان. وفي أ: "أيضًا".
8 كذا في ب. وفي أ، ش "أنشدنا", وما أثبته هو الصواب؛ فإن أبا علي لم
يدرك أحمد بن يحيى ثعلبًا؛ فقد مات ثعلب سنة 291، ومات أبو علي سنة
377.
9 "يشقه" كذا في أ، ب. وفي ش. "يشفه" وفي ج "تشقه". وفي اللسان "يشمه",
والبيت في خزانة الأدب 1/ 147 طبعة السلفية، وفيها بعده ثلاثة أشطار عن
نوادر ابن الأعرابي.
(2/113)
فانظر إلى قوة تصوّر الخليل إلى أن هجم به
الظنّ على اليقين, فهو المعني1 بقوله:
الألمعيّ الذيب يظنُّ بك الظن ... كأن قد رأى وقد سمعا
وإذا كان ما قدمناه من أن العرب لا تكسر فَعَلة على أفعال مذهبًا لها,
فواجب أن يكون "أفلاء" من قوله 2:
مثلها يخرج النصيحة للقو ... م فلاةً من دونها أفلاء
تكسير "فلا" الذي هو جمع فلاة لا جمعًا لفلاةٍ؛ إذ كانت فَعَلة. وعلى
هذا فينبغي3 أيضًا أن يكون قوله 4:
كأن متنيه من النفيّ ... مواقع الطير على الصفيّ
إنما هو تكسير صفَا الذي هو جمع صفاة؛ إذ كانت فعلة لا تكسر على فعول,
إنما ذلك فعلة كبدرة وبدور ومأنة5 ومئون. أو فَعَل كطلل وطلول, وأسد
وأسود. وقد ترى بهذا أيضًا مشابهة فعلة لفعل في تكسيرهما جميعًا على
فعول.
ومن ذلك قولهم في الزكام: آرضه الله, وأملأه, وأضأده. وقالوا 6: هي
الضؤدة والملأة، والأرض. والصنعة في ذلك أن "فُعْلا" قد عاقبت7
"فَعَلا" على الموضع الواحد نحو: المعُجْم والعَجَم, والعُرْب
والعَرَب, والشُغْل والشَغَل،
__________
1 يريد أنه يصح أن يعني بهذا البيت تمثلًا, وهو من قصيدة لأوس بن حجر
في رثاء فضالة بن كلدة الأسدي مطلعها:
أيتها النفس أجملي جزعًا ... إن الذي تحذرين قد وقعا
وانظر ذيل الأمالي 34 طبعة دار الكتب المصرية.
2 أي: الحارث بن حلزة. وهو من معلقته التي مطلعها:
آذنتنا ببيتها أسماء ... رب ثاوٍ يمل منه الثواء
3 كذا في أ. وفي ش، ب "ينبغي".
4 نسبة في اللسان في نفس إلى الأخيل، والنفي: ما تطاير من الرشاش على
ظهر المائح شبه الماء وقد رفع على متن الساقي بذرق الطائر. وانظر
اللسان في نفي، والأمالي 2/ 34، وابن بري في شواهد الإيضاح 81.
5 هي من اللحم السرة وما حولها, وقيل: هي شحمة نص الصدر.
6 كذا في ش، ب. وفي أ "في".
7 انظر في هذه المعاقبة ص102 من هذا الجزء.
(2/114)
والبُخْل والبَخَل. وقد عاقبتها أيضًا في
التكسير على أفعال نحو: بُرْدٍ وأبراد، وجُنْد وأجناد, فهذا كقلم
وأقلام, وقدم وأقدام. فلما كان "فُعْل" من حيث ذكرنا كفَعَل صارت
الملأة والضؤدة كأنها فَعَلَة, وفَعَلَة قد كسرت على أفْعُل على ما
قدمنا في أكمة وآكُم, وأمة وآمٍ. [فكما رفعت التاء في "فَعَلة" حكم
الحركة في العين, ورفعت حركة العين حكم التاء، فصار الأمر لذلك إلى حكم
"فَعْلٍ" حتى قالوا: أكمة وآكم ككلب وأكلب, وكعب وأكعب, فكذلك جرت
"فُعْلة" مجرى "فَعْل", حتى عاقبته في الضؤدة والملأة والأرض, فصارت
الأرض كأنه أرضة, أو صار1 الملأة والضؤدة كأنهما ملء وضأد. أفلا ترى
إلى الضمة كيف رفعت حكم التاء كما رفعت التاء حكم الضمة، وصار الأمر
إلى "فَعْل"] 2.
__________
1 كذا في أ. وفي سائر النسخ "وصارت".
2 ما بين الحاصرتين هو ما في أ. وفي ش، ب هذا بترتيب آخر, وهاك إياه:
"وأفعل إنما هو لفعل. فلذلك جرت فعلة مجرى فعل, حتى عاقبته في الضؤدة
والملأة والأرض. فصارت الأرض كأنه أرضة، وصارت الملأة والضؤدة كأنهما
ملء وضأد, أفلا ترى إلى لضمة كيف رفعت حكم التاء كما رفعت حكم الضمة،
وصار الأمر إلى فعل كما رفعت التاء في فعلة حكم الحركة في العين, ورفعت
حركة العين حكم التاء فصار الأمر لذلك إلى حكم فعل حتى قالوا: أكمة
وآكم, ككلب وأكلب, وكعب وأكعب".
(2/115)
|