الخصائص

باب فيما يراجع من الأصول مما لا يراجع:
اعلم أن الأصول المنصرف عنها إلى الفروع على ضربين: أحدهما ما إذا احتيج إليه جاز أن يراجع. والآخر ما لا تمكن مراجعته؛ لأن العرب انصرفت عنه فلم تستعمله.
الأول منهما: الصرف الذي يفارق الاسم لمشابهته الفعل من وجهين, فمتى احتجت إلى صرفه جاز أن تراجعه فتصرفه, وذلك كقوله1:
فلتأتينكَ قصائدٌ وليدفعًا ... جيشًا إليك قوادم الأكوار2
وهو باب واسع.
ومنه إجراء المعتل مجرى الصحيح؛ نحو قوله 3:
لا بارك الله في الغواني هل ... يصبحن إلا لهن مطلب
وبقية الباب.
ومنه إظهار التضعيف؛ كلححت4 عينه, وضبب البلد, وألِلَ السقاء, وقوله:
الحمد لله العليّ الأجلل
وبقية الباب.
__________
1 أي: النابغة. وانظر الخزانة 3/ 68.
2 من قصيدة يتوّعد فيها زرعة بن عمرو الكلابي يتهدده بقصائد الهجو، وبالحرب، والأكوار جمع الكور -بالضم- وهو الرحل. وقوله: ليدفعا جيشًا، في د، هـ، ط: "ليوكبن جيش".
3 أي: ابن قيس الرقيات. وانظر ص 263 من الجزء الأول.
4 انظر في تفسير هذه الألفاظ ص330 من الجزء الأول.

(2/349)


ومنه قوله:
سماء الإله فوق سبع سمائيا1
ومنه2 قوله:
أهبني3 التراب فوقه إهبايا
وهو كثير.
الثاني 4 منهما: وهو ما لا يراجع من الأصول عند الضرورة, وذلك كالثلاثي المعتل العين نحو: قام وباع وخاف وهاب وطال, فهذا مما لا يراجع أصله أبدًا, ألا ترى أنه لم يأت عنهم5 في نثر ولا نظم شيء منه مصححًا, نحو: قوم ولا بيع ولا خوف ولا هيب ولا طول, وكذلك مضارعه نحو: يقوم ويبيع ويخاف ويهاب ويطول. فأما ما حكاه بعض الكوفيين من قولهم: هيؤ الرجل من الهيئة, فوجهه أنه خرج مخرج المبالغة, فلحق بباب قولهم: قضوا الرجل إذا جاد قضاؤه, ورمو إذا جاد رميه. فكما6 بني فَعُل مما لامه ياء كذلك خرج هذا على أصله في فَعُلَ مما عينه ياء. وعلتهما جميعًا أن هذا بناء لا يتصرف7 لمضارعته -بما فيه من المبالغة- لباب التعجب ولنعم وبئس. فلما لم يتصرف7 احتملوا فيه خروجه في هذا الموضع مخالفًا للباب, ألا تراهم إنما تحاموا أن يبنوا فَعُل مما عينه ياء مخافة انتقالهم من الأثقل إلى ما هو أثقل منه؛ لأنه كان يلزمهم أن يقولوا: بُعْتُ أبوع, وهو يبوع, ونحن نبوع، وأنت -أو هي- تبوع، وبوعا وبوعوا وبوعي, وهما يبوعان, وهم يبوعون, ونحو ذلك. وكذلك لو جاء فَعُل مما لامه ياء متصرفًا للزم أن يقولوا: رمُوتُ ورَمُوتَ, وأنا أرمو, ونحن نرمو, وأنت ترمو, وهو يرمو, وهم يرمون, وأنتما ترموان, وهن يرمون, ونحو ذلك, فيكثر قلب الياء واوًا، وهو8 أثقل من الياء.
__________
1 انظر ص212 من الجزء الأول.
2 سقط في ط، وهو أسوغ.
3 يقال: أهبى الفرس التراب: أثاره.
4 خبره محذوف، أي: هذا موضوع الكلام عليه.
5 في ش: "عندهم".
6 في د، هـ، ز: "كما".
7 في د، هـ، ز: "ينصرف".
8 في ز: "هي".

(2/350)


فأما قولهم: لرمُوَ الرجل فإنه لا يصرف ولا يفارق موضعه هذا, كما لا يتصرف نعم وبئس, فاحتمل ذلك1 فيه لجموده عليه, وأمنهم تعدّيه إلى غيره. وكذلك احتمل هيؤ الرجل ولم يعل؛ لأنه لا يتصرف لمضارعته بالمبالغة فيه باب التعجب ونعم وبئس, ولو صرّف للزم إعلاله وأن يقال 2: هاء يهوء وأهوء وتهوء ونهوء, وهما يهوءان, وهم يهوءون, ونحو ذلك, فلمَّا لم يتصرف لحق بصحة الأسماء, فكما صحَّ نحو: القود والحوكة والصيد والغيب, كذلك صحّ هيؤ الرجل -فاعرفه3- كما صحَّ ما أطوله وما4 أبيعه, ونحو ذلك.
ومما لا يراجع من الأصول باب افتعل إذا كانت فاؤه صادًا أو ضادًا أو طاء أو ظاء, فإن تاءه تبدل5 طاء نحو: اصطبر واضطرب6 واطرد واظطلم7. وكذلك إن كانت فاؤه دالًا أو "ذالًا"8 أو زايًا, فإن تاءه تبدل دالًا. وذلك نحو قولك8: أدلج وادكر وازدان, فلا9 يجوز خروج هذه التاء على أصلها. ولم يأت ذلك في نثر ولا نظم. فأما ما حكاه خلف -فيما أخبرنا به أبو علي- من قول10 بعضهم: التقطت النوى واشتقطته واضتقطته, فقد يجوز أن تكون الضاد بدلًا من الشين في اشتقطته. نعم ويجوز أن تكون بدلًا من اللام في التقطته, فيترك إبدال التاء طاء مع الضاد ليكون ذلك إيذانًا بأنها بدل من اللام أو الشين, فتصح التاء مع الضاد, كما صحت مع ما الضاد بدل منه. ونظير ذلك قول بعضهم 11:
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 في ز: "أن" بدون حرف العطف.
3 في د، هـ، ز: "فاعرف ذلك".
4 سقط "ما" في ز.
5 في د، هـ، ز: "تقلب".
6 سقط في ش.
7 في ش: "أظلم", وفي ز: "إذ ظلم" وهو خطأ.
8 سقط في ش.
9 في د، هـ، ز: "ولا".
10 انظر ص264، من الجزء الأول.
11 انظر ص264 من الجزء الأول، وانظر أيضًا تهذيب الألفاظ 302.

(2/351)


يا رب أباز من العفر صدع ... تقبض الذئب إليه واجتمع
لما رأى أن لادعه ولا شبع ... مال إلى أرطاة حقف فالطجع
فأبدل لام الطجع من الضاد, وأقر الطاء بحالها مع اللام؛ ليكون ذلك دليلًا على أنها بدل من الضاد. وهذا كصحة عور؛ لأنه بمعنى ما تجب صحته وهو اعورَّ. وقد مضى ذلك.
ومن ذلك امتناعهم من تصحيح الواو الساكنة بعد الكسرة, ومن تصحيح الياء الساكنة بعد الضمة. فأما قراءة أبي عمرو: "يَا صَالِحُ ايتِنَا"1 بتصحيح الياء بعد ضمة الحاء فلا يلزمه عليها2 أن يقول: يا غلام اوجل. والفرق بينهما أن صحة الياء في "يَا صَالِحُ ائْتِنَا" بعد الضمة له نظير وهو قولهم: قيل وبيع, فحمل المنفصل على المتصل, وليس في كلامهم واو ساكنة صحَّت بعد كسرة, فيجوز قياسًا عليه يا غلام اوجل.
فإن قلت: فإن الضمة في3 نحو: قيل وبيع لا4 تصح؛ لأنها إشمام ضمّ للكسرة, والكسرة في "يا غلام اوجل" كسرة صريحة5. فهذا فرق.
قيل: الضمة في حاء "يا صالحُ" ضمة بناء فأشبهت ضمة "قيل" من حيث كانت بناء, وليس لقولك: "يا غلام اوجل" شبيه فيحمل هذا6 عليه, لا كسرة صريحة ولا كسرة مشوبة. فأما تفاوت ما بين الحركتين في كون إحداهما ضمة صريحة والأخرى ضمة غير صريحة, فأمر تغتفر العرب ما هو أعلى وأظهر منه. وذلك أنهم قد اغتفروا اختلاف الحرفين مع اختلاف الحركتين في نحو جمعهم في القافية بين
__________
1 آية: 77، سورة الأعراف، وهذ القراءاة وردت في بديع ابن خالويه 44 وقد عزيت فيه أيضًا إلى عاصم في رواية عنه، وانظر أيضًا كتاب سيبويه 2/ 358.
2 كذ في د، هـ، ز. وفي ش: "عليه".
3 سقط "في" في د: هـ، ز.
4 في د، هـ، ز: "لم".
5 في د، هـ، ز: "صحيحة".
6 سقط في ش.

(2/352)


سالم1 وعالم مع قادم وظالم, فإذا تسمَّحوا بخلاف الحرفين مع الحركتين كان تسمحهم بخلاف الحركتين وحدهما في "يَا صَالِحُ ائْتِنَا" وقيل وبيع أجدر بالجواز.
فإن قلت: فقد صحَّت الواو الساكنة بعد الكسرة نحو: اجلوَّاذ واخروَّاط, قيل: الساكنة هنا لما أدغمت في المتحركة فنبا اللسان عنهما جميعًا نبوة واحدة جرتا2 لذلك مجرى الواو المتحركة بعد الكسرة, نحو: طول وحول. وعلى أن بعضهم قد قال: اجليواذا فأعلّ, مراعاة لأصل ما كان عليه الحرف, ولم يبدل الواو بعدها لمكان الياء؛ إذ كانت هذه الياء غير لازمة, فجرى ذلك في الصحة مجرى ديوان فيها. ومن قال: ثيرة وطيال, فقياس قولهم هنا3 أن يقول: اجلياذا, فيقلبهما4 جميعًا إذ كانا قد جريا مجرى الواو الواحدة المتحركة.
فإن قيل: فالحركتان5 قبل الألفين في سالم وقادم كلتاهما فتحة, وإنما شيبت إحداهما بشيء من الكسرة, وليست كذلك الحركات في حاء {يَا صَالِحُ} وقاف قيل؛ من حيث كانت الحركة في جاء {يَا صَالِحُ} ضمة البتة وحركة قاف "قيل" كسرة مشوبة بالضم, فقد ترى الأصلين هنا مختلفين, وهما هناك -أعني في سالم وقادم- متفقان.
قيل: كيف تصرَّفت الحال, فالضمة في "قيل" مشوبة غير مخلّصة, كما أن الفتحة في سالم مشوبة غير مخلصة, نعم ولو تطمَّعت6 الحركة في قاف "قيل" لوجدت حصَّة الضم فيها أكثر من حصة الكسر، أو أدون حالها7 أن تكون في الذوق مثلها، ثم من
__________
1 يريد أن سالمًا وعالمًا حركتهما ممالة للكسرة بعد الألف مع عدم المانع، فأما قادم وظالم فيمنع الإمالة فيهما حرفا الاستعلاء القاف والظاء، فالفتحة في الأولين مشوية بكسرة، وفي الأخيرين خالصة.
2 في د، هـ، ز: "جريا".
3 سقط في د، هـ، ز.
4 في د، هـ، ز: "فيقلبها".
5 في ش: "فالحركات".
6 في د، هـ، ز: "قطعت".
7 في د، هـ، ز: "أحوالهما".

(2/353)


بعد ذلك ما قدمناه من اختلاف الألفين في سالم وقادم؛ لاختلاف الحركتين قبلهما الناشئة هما عنهما, وليست1 الياء في "قيل" كذلك بل هي ياء2 مخلصة, وإن كانت الحركة قبلها مشوبة غير مخلصة. وسبب ذلك أن الياء الساكنة سائغ غير مستحيل فيها أن تصحَّ بعد الضمة المخلصة, فضلًا عن الكسرة المشوبة بالضمِّ, ألا تراك لا يتعذر عليك صحة الياء وإن خلصت3 قبلها الضمة في نحو: ميسر, في اسم الفاعل من أيسر, لو تجشمت إخراجه على الصحة, وكذلك لو تجشمت تصحيح واو موزان قبل القلب, وإنما ذلك تجشم الكلفة لإخراج الحرفين مصححين غير معلين4. فأما الألف فحديث غير5 هذا، ألا ترى أنه ليس في الطوق ولا من تحت القدرة صحة الألف بعد الضمة ولا الكسرة, بل إنما هي تابعة للفتحة قبلها, فإن صحَّت الفتحة قبلها صحت بعدها, وإن شيبت الفتحة بالكسرة نحي بالألف6 نحو الياء, نحو: سالم وعالم, وإن شيبت7 بالضمة نحى بالألف نحو الواو في الصلاة والزكاة, وهي ألف التفخيم. فقد بان لك بذلك فرق ما بين الألف وبين الياء والواو.
فهذا طرف من القول على ما يراجع من الأصول للضرورة مما يرفض فلا يراجع. فاعرفه وتنبه على أمثاله فإنه كثيرة.
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 سقط في ش.
3 في د، هـ، ز: "أخلصت".
4 في د، هـ، ز: "ممثلين".
5 في ز: "في غير".
6 في ش: "الألف".
7 كذا في ز، وفي ش: "شيب".

(2/354)


باب في مراعاتهم الأصول تارة وإهمالهم إياها أخرى
...
باب في مراعاتهم الأصول للضرورة تارة, وإهمالهم إياها أخرى:
فمن الأول قولهم: صغت الخاتم, وحكت الثوب ونحو ذلك. وذلك أن فعلت هنا عدَّيت, فلولا أن أصل هذا فعلت -بفتح العين- لما جاز أن تعمل فعلت. ومن ذلك بيت الكتاب:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الطوائح1
ألا ترى أن أوّل البيت مبني على اطِّراح ذكر الفاعل, وأن آخره قد عوود فيه "الحديث عن الفاعل"2 لأن3 تقديره فيما بعد: ليبكه مختبط مما تطيح الطوائح. فدلَّ قوله: ليبك, على ما أراده من قوله: ليبكه. ونحوه قوله الله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} 4، {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} 5، هذا مع قوله سبحانه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} 6 وقوله عز وجل: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} 7 وأمثاله كثيرة. ونحو من البيت قول الله تعالى: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ"8 أي: يسبح له فيها رجال.
ومن الأصول المراعاة قولهم: مررت برجل ضارب زيد وعمرًا, وليس زيد بقائم ولا قاعدًا و {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} 9 وإذا جاز أن تراعى الفروع نحو قوله 10:
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابقٍ شيئًا إذا كان جائيا
__________
1 هذا من أبيات لنهشل بن حري في رثاء يزيد بن نهشل. والبيت في الكتاب 1/ 145 منسوبًا إلى الحارث بن نهيك. وانظر الخزانة 1/ 147.
2 في د، هـ، ز: "ذكر الفاعلي".
3 في ش: "أن".
4 آية: 19، سورة المعارج.
5 آية: 28، سورة النساء.
6 آيتا: 1، 2 سورة العلق.
7 آيتا: 3، 4 سورة الرحمن.
8 آيتا: 36، 37 سورة النور, وقراءة فتح الباء في "يسبَّح" قراءة ابن عامر وأبي بكر.
9 آية 33، سورة العنكبوت.
10 أي: زهير. وانظر الكتاب 1/ 83، ونسب فيه في 1/ 154 لصرمة الأنصاري. قال ابن خلف: "وهو الصحيح", ويروى لابن رواحة كما في الخزانة 3/ 666. هذا وفي ط: "سابقًا" وبعد البيت: "وسابق أيضًا".

(2/355)


وقوله 1:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرةً ... ولا ناعبٍ إلا ببينٍ غرابها
كانت مراجعة2 الأصول أولى وأجدر.
ومن ضدَّ ذلك: هذان ضارباك, ألا ترى أنك لو اعتددت بالنون المحذوفة لكنت كأنك قد جمعت بين الزيادتين المعتقبتين في آخر الاسم3. وعلى هذا القياس4 أكثر الكلام: أن5 يعامل الحاضر فيغلّب حكمه لحضوره على الغائب لمغيبه, وهو شاهد لقوّة إعمال الثاني من الفعلين لقوته وغلبته على إعمال الأول لبعده. ومن ذلك قوله 6:
وما كل من وافى منًى أنا عارف7
فيمن نوّن أو أطلق مع رفع "كلُّ". ووجه ذلك أنه إذا رفع كلّا فلا بُدَّ من تقديره الهاء ليعود على المبتدأ من خبره ضمير, وكل واحد من التنوين في "عارف" ومدة الإطلاق في "عارفو" ينافي اجتماعه مع الهاء المرادة المقدَّرة, ألا ترى أنك لو جمعت بينهما فقلت: عارفنه أو عارفوه لم يجز شيء من ذينك. وإنما هذا لمعاملة الحاضر واطراح حكم الغائب. فاعرفه وقسه فإنه باب واسع.
__________
1 أي: الأخوص الرياحي. وانظر الكتاب 1/ 145، والخزانة 2/ 145، وشواهد المغني 2/ 770.
2 في د، هـ، ز، "مراعاة".
3 في د، هـ، ز: "الأسماء".
4 في د، هـ، ز، "القبيل".
5 في ش: "وأن".
6 هو مزاحم العقيلي. وانظر الكتاب 1/ 36، وشواهد العيني على هامش الخزانة 2/ 98، وص26 من الجزء الأول من هذا الكتاب.
7 صدره:
وقالوا تعرفها المنازل من منى

(2/356)


باب في 1 حمل الأصول على الفروع:
قال أبو عثمان: لا يضاف ضارب إلى فاعله؛ لأنك لا تضيفه إليه مضمرًا, فكذلك لا تضيفه إليه مظهرًا. قال: وجازت إضافة المصدر إلى الفاعل لمَّا جازت إضافته إليه مضمرًا. كأنَّ أبا عثمان إنما اعتبر في هذا الباب2 المضمر فقدَّمه وحمل عليه المظهر من قِبَل أن المضمر أقوى حكمًا في باب الإضافة من المظهر. وذلك أن المضمر أشبه بما تحذفه الإضافة -وهو التنوين- من المظهر, ولذلك لا يجتمعان في نحو ضاربانك وقاتلونه؛ من حيث كان المضمر3 بلطفه وقوة اتصاله "مشابهًا للتنوين بلطفه وقوة اتصاله"4 وليس كذلك المظهر لقوته ووفور5 صورته, ألا تراك تثبت معه التنوين فتنصبه, نحو: ضاربان زيدًا وقاتلون عمرًا6. فلمَّا كان المضمر مما تقوَّى معه مراعاة الإضافة حمل المظهر -وإن كان هو الأصل- عليه، وأصاره -لما ذكرناه- إليه.
ومن ذلك قولهم: إنما استوى النصب والجر في المظهر في7 نحو: رأيت الزيدين, ومررت بالزيدين, لاستوائهما في المضمر نحو: رأيتك ومررت بك. وإنما كان هذا الموضع للمضمر حتى حمل عليه حكم8 المظهر من حيث كان المضمر عاريًا من الإعراب، فإذا9 عَرِيَ منه جاز أن يأتي منصوبه بلفظ مجروره وليس كذلك المظهر؛ لأن باب الإظهار أن يكون موسومًا بالإعراب, فلذلك حملوا الظاهر على المضمر في التثنية, وإن كان المظهر هو الأصل؛ إذ كان المراعى هنا أمرًا غير
__________
1 في ز: "من".
2 سقط في ش.
3 في د، هـ، ز: "مضمرًا".
4 سقط ما بين القوسين في ز.
5 كذا في ز، ط. وفي ش: "فوّة".
6 في د، هـ، ز: "بكرًا".
7 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
8 سقط في د، هـ، ز.
9 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "وإذا".

(2/357)


الفرعية والأصلية, وإنما هو أمر الإعراب والبناء. وإذا تأمَّلت ذلك علمت أنك في الحقيقة إنما حملت فرعًا على أصل لا أصلًا على فرع, ألا ترى أن المضمر أصل في عدم الإعراب, فحملت المظهر عليه؛ لأنه فرع في البناء, كما حملت المظهر على المضمر في باب الإضافة من حيث كان المضمر هو الأصل في مشابهته التنوين1 والمظهر فرع عليه في ذلك؛ لأنه إنما يتأصّل2 في الإعراب لا في البناء.
فإذا بدهتك هذه المواضع فتعاظمتك فلا تخنع لها, ولا تعط باليد مع أول ورودها, وتأت لها, ولاطف بالصنعة ما يورده الخصم منها, مناظرًا كان أو خاطرًا. وبالله التوفيق.
__________
1 في د، هـ، ز: "للتنوين".
2 في د، هـ، ز: "هو متأصّل".

(2/358)


باب في الحكم يقف بين الحكمين 1:
هذا فصل موجود في العربية لفظًا, وقد أعطته مقادًا عليه وقياسًا. وذلك نحو كسرة ما قبل ياء المتكلم في نحو2: غلامي وصاحبي. فهذه الحركة لا إعراب ولا بناء. أمّا كونها غير إعراب فلأنَّ الاسم يكون مرفوعًا ومنصوبًا وهي فيه, نحو: هذا غلامي, ورأيت صاحبي, وليس بين "الكسر وبين"3 الرفع والنصب4 في هذا ونحوه نسبة ولا مقاربة. وأما كونها غير بناء فلأنَّ الكلمة معربة متمكنة, فليست الحركة إذن5 في آخرها6 ببناء, ألا ترى أن غلامي في التمكّن واستحقاق الإعراب كغلامك وغلامهم وغلامنا.
__________
1 في ز: "حكمين".
2 سقط في د، هـ، ز.
3 ما بين القوسين ساقط في د، هـ، ز.
4 بعده في د، هـ، ز: "والجر".
5 سقط في ش.
6 في ش: "آخره".

(2/358)


فإن قلت: فما الكسرة في نحو: مررت بغلامي, ونظرت إلى صاحبي, أإعراب هي أم من جنس الكسرة في الرفع والنصب؟
قيل: بل هي من جنس ما قبلها وليست إعرابًا, ألا تراها ثابتة في الرفع والنصب. فعلمت بذلك أن هذه الكسرة يكره الحرف عليها, فيكون في الحالات ملازمًا لها, وإنما يستدل بالمعلوم على المجهول. فكما لا يشك أن هذه الكسرة في الرفع والنصب ليست بإعراب, فكذلك يجب أن يحكم عليها في باب الجر؛ إذ الاسم واحد, فالحكم عليه إذًا في الحالات واحد. إلّا أنَّ لفظ هذه الحركة في حال الجر وإن لم تكن إعرابًا لفظها1 لو كانت إعرابًا, كما أن كسرة الصاد في صِنْو غير كسرة الصاد في صِنْوان حكمًا وإن كانت إياها لفظًا2. وقد مضى ذلك وسنفرد لما يتصل به بابًا.
ومن ذلك ما كانت فيه اللام أو الإضافة نحو: الرجل وغلامك وصاحب الرجل. فهذه الأسماء كلها وما كان نحوها لا منصرفة3 ولا غير منصرفة. وذلك أنها ليست بمنونة, فتكون منصرفة, ولا مِمَّا يجوز للتنوين4 حلوله للصرف, فإذا لم يوجد فيه كان عدمه منه أمارةً لكونه غير منصرف؛ كأحمد وعمر وإبراهيم, ونحو
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "غير لفظها".
2 أورد ابن الشجري في أماليه 1/ 4 رأي ابن جني في كسرة المضاف لياء المتكلم ورد عليه، وفي رأي ابن الشجري أنها كسرة بناء, وفي رأي المتأخرين من النحاة أنها كسرة مناسبة والإعراب بحركات مقدَّرة. وانظر الرضي شرح الكافية 1/ 35، والأشموني في آخر مبحث "المضاف إلى ياء المتكلم".
3 المعروف أن هذه الأمثلة منصرفة؛ إذ ليس فيها شبه الفعل، ومنع التنوين لوجود المعاند له، وآية ذلك أنه إذا زال المعاند عاد الصرف.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "التنوين" و"حلول" على هذا بدل منه.

(2/359)


ذلك. وكذلك التثنية والجمع على حدها, نحو: الزيدان والعمرين والمحمدون, وليس شيء من ذلك منصرفًا1 ولا غير منصرف, معرفة كان2 أو نكرة؛ من حيث كانت هذه الأسماء ليس مما ينون مثلها, فإذا لم يوجد فيها التنوين كان ذهابه عنها أمارة لترك صرفها.
ومن ذلك بيت الكتاب:
له زجل كأنه صوت حاد3
فحذف الواو من قوله4 "كأنه" لا على حد الوقف ولا على حد الوصل. أما الوقف فيقضي بالسكون: "كأنْه", وأما الوصل فيقضي بالمَطْل وتمكين الواو "كأنهو", فقوله إذًا "كأنهُ"5 منزلة بين الوصل والوقف.
وكذلك أيضًا سواءً قوله:
يا مرحباه بحمار ناجيه ... إذا أتى قربته للسانيه6
__________
1 هذا الضرب عند المتأخرين منصرف؛ لأنه لم يشبه الفعل، وفي صبان الأشموني في أول "ما لا ينصرف": "قال شيخ الإسلام زكريا: وظاهر كلامهم أن المتصف بالانصراف وعدمه إنما هو الأسم المعرب بالحركات، وإلّا فينبغي أن يستثنى أيضًا ما يعرب بالحروف؛ إذ يصدق عليه أنه فاقد لتنوين الصرف، مع أنه في الواقع منصرف حيث لا مانع".
2 سقط في د، هـ، ز.
3 انظر ص128 من الجزء الأول. وفي ز: "كأنه خلس", وكلمة "خلس" كانت موضوعة فوق "كأنه" فوضعت بعدها خطأ.
4 كذا في د، هـ، ز. وسقط في ش.
5 في ز، ط: "كأنه خلس", يريد اختلاس حركة الهاء فيها وعدم مدها.
6 ناجية: اسم صاحب الحمار. والسانية: الدلو العظيمة. وانظر الخزانة 4/ 400.

(2/360)


فثبات الهاء في "مرحباه" ليس على حد الوقف ولا على حد الوصل , أما الوقف فيؤذن بأنها1 ساكنة: يا مرحباهْ, وأما الوصل فيؤذن بحذفها أصلًا: يا مرحبا بحمار ناجية. فثباتها إذًا في الوصل متحركة منزلة بين المنزلتين.
وكذلك سواء قوله 2:
ببازلٍ وجناءَ أو عَيْهلِّ2
فإثبات الياء مع التضعيف طريف, وذلك أن التثقيل من أمارة الوقف, والياء من أمارة الإطلاق. فظاهر هذا الجمع بين الضدين فهو إذًا منزلة بين المنزلتين, وسبب جواز الجمع بينهما أن كل واحد منهما قد كان جائزًا على انفراده, فإذا جمع بينهما فإنه على كل حال لم يكلف إلّا بما من عادته أن يأتي به مفردًا، وليس على4 النظر بحقيقة الضدين كالسواد والبياض, والحركة والسكون, فيستحيل اجتماعهما. فتضادهما إذًا إنما هو في الصناعة لا في الطبيعة. والطريق متلئّبة منقادة, والتأمل يوضحها ويمكنك منها.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بهاء".
2 أي: منظور بن حبة. وحبة أمه. وأبوه مرثد، ومن ثَمَّ ينسب إلى منظور بن مرثد، وانظر شواهد الشافية 246.
3 قبله:
إن تبخل يا جمل أو تعتلي ... أو تصبحي في الظاعن المولي
نسل وجد الهائم المغتل
والبازل: من الإبل ما دخل في السنة التاسعة. الوجناء: الناقة الشديدة. والعميل، الناقة الطويلة. والمغتل: من به الغلة؛ وهي حرارة العطش، ويراد بها هنا حرارة الشوق. وانظر نوادر أبي زيد 53، وشواهد الشافية 246.
4 سقط في د، هـ، ز.

(2/361)


باب في شجاعة العربية:
اعلم أن معظم ذلك إنما هو الحذف والزيادة والتقديم والتأخير والحمل على المعنى والتحريف.
الحذف:
قد حذفت العرب الجملة والمفرد والحرف والحركة, وليس شيء من ذلك إلّا عن دليل عليه, وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب في معرفته.
فأمَّا الجملة فنحو قولهم في القسم: والله لا فعلت, وتالله1 لقد فعلت. وأصله: أقسم بالله, فحذف الفعل والفاعل وبقيت الحال -من الجار والجواب- دليلًا على الجملة المحذوفة. وكذلك الأفعال في الأمر والنهي والتحضيض نحو قولك: زيدًا, إذا أردت: اضرب زيدًا, أو نحوه. ومنه إياك إذا حذرته, أي: احفظ نفسك ولا تضعها, والطريق الطريق, وهلا خيرًا من ذلك. وقد حذفت الجملة من الخبر نحو قولك: القرطاس والله, أي: أصاب القرطاس. وخير مقدم؛ أي: قدمت خير مقدم. وكذلك الشرط في2 نحو قوله: الناس مجزيون بأفعالهم3 إن خيرًا فخيرًا, وإن شرًّا فشرًّا, أي: إن فعل المرء خيرًا جزي خيرًا, وإن فعل شرًّا جزي شرًّا. ومنه قول التغلبي 4:
إذا ما الماء خالطها سخينا
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "بالله".
2 سقط في د، هـ، ز.
3 في د، هـ، ز: "بأعمالهم".
4 هو عمرو بن كلثوم في معلقته المشهورة. وانظر ص290 من الجزء الأول.

(2/362)


"أي: فشربنا سخينًا"1 وعليه قول الله سبحانه: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} 2 أي: فضرب فانفجرت, وقوله عز اسمه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} 3 أي: فحلق فعليه فدية, ومنه قولهم 4: ألا تا, بلى فا, أي: ألا تفعل؟ بلى فافعل. وقول الآخر:
قلنا لها قفي لنا قالت قاف
أي: وقفت, وقوله 5:
. . . . . . . . . . . . . . . وكأن قد6
أي: كأنها قد زالت, فأما7 قوله:
إذا قيل مهلًا قال حاجزه قد8
فيكون على هذا أي قد قطع وأغنى9, ويجوز أن يكون معناه: قَدْك! أي: حسبك, كأنه قد فرغ ما قد أريد منه, فلا معنى لردعك وزجرك.
وإنما تحذف الجملة10 من الفعل والفاعل لمشابهتها المفرد بكون الفاعل في كثير من الأمر بمنزلة الجزء من الفعل, نحو: ضربت ويضربان, وقامت هند و {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ} 11 وحبذا زيد, وما أشبه ذلك مما يدل على شدة اتصال الفعل بالفاعل وكونه معه كالجزء الواحد. وليس كذلك المبتدأ والخبر.
وأما حذف المفرد فعلى ثلاثة أضرب: اسم وفعل وحرف.
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
2 آية: 60 سورة البقرة.
3 آية 196 سورة البقرة.
4 انظر في هذا وفي البيت بعده ص31 من الجزء الأول.
5 أي: النابغة. وهو من قصيدته في المنجردة.
6 تمام البيت:
أفد الترحل غير أن ركابنا ... لماتزل برحلنا وكأن قد
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وأما".
8 ورد هذا الشطر في اللسان "قدد" دون عزو، ولا تكملة.
9 سقط في ش.
10 في ز: "الكلمة المركبة.
11 آية: 186 سورة آل عمران.

(2/363)


حذف الاسم على أضرب:
قد حذف المبتدأ تارة؛ نحو: هل لك في كذا وكذا1؛ أي: هل لك فيه حاجة أو أرب, وكذلك قوله -عز وجل: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ} 2 أي: ذلك أو هذا بلاغ. وهو كثير.
وقد حذف الخبر نحو قولهم في جواب من عندك: زيد, أي: زيد عندي, وكذا قوله تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} 3 وإن شئت كان على: طاعة وقول معروف أمثل من غيرهما, وإن شئت كان على: أمرنا طاعة وقول معروف, وعليه قوله4:
فقالت على اسم الله أمرك طاعة ... وإن كنت قد كلفت ما لم أعود
وقد حذف المضاف, وذلك كثير واسع, وإن كان أبو الحسن لا يرى القياس عليه نحو قول الله سبحانه: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} 5 أي: بر من اتقى, وإن شئت كان تقديره: ولكن ذا6 البر من اتقى. والأول أجود؛ لأن حذف المضاف ضرب من الاتساع, والخبر أولى بذلك من المبتدأ؛ لأن الاتساع بالأعجاز أولى منه بالصدور, ومنه7 قوله -عز اسمه: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 8 أي: أهلها.
وقد حذف المضاف مكررًا نحو قوله تعالى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} 9 أي: من تراب10 أثر حافر فرس الرسول, ومثله مسألة11 الكتاب: أنت
__________
1 سقط في ش.
2 آية: 35، سورة الأحقاف.
3 آية 21، سورة محمد.
4 أي: عمر بن أبي ربيعة. وانظر شواهد المغني للبغدادي 2/ 967.
5 آية 177، سورة البقرة.
6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "ذو".
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "مثله".
8 آية 82 سورة يوسف.
9 آية: 66، سورة طه.
10 كذا في ش. وسقط في د، هـ، ز.
11 في الكتاب 1/ 206، "وأما ما يرتقع من هذا الباب فقولك: هو مني فرسخان".

(2/364)


مني فرسخان, أي: ذو مسافة فرسخين. وكذلك قوله -جل اسمه: {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} 1 أي: كدوران عين2 الذي يغشى عليه من الموت3.
وقد حذف المضاف إليه نحو قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 4 أي: من قبل ذلك ومن بعده. وقولهم: ابدأ بهذا أول, أي: أول ما تفعل. وإن شئت كان تقديره: أول من غيره, ثم شبه الجار والمجرور هنا بالمضاف إليه لمعاقبة المضاف إليه إياهما. وكذلك قولهم: جئت5 من علٍ, أي: من أعلى, كذا وقوله 6:
فملك بالليط الذي تحت قشرها ... كغرقيء بيضٍ كنّه القيض من علُ
فأما قوله 7:
كجلمود صخر حطَّه السيل من علٍ
فلا حذف فيه؛ لأنه نكرة, ولذلك أعربه فكأنه قال: حطه السيل من مكان عالٍ, لكن قول العجلي 8:
أقب من تحت عريض من علِ
هو محذوف المضاف إليه؛ لأنه معرفة, وفي موضع المبني على الضمِّ, ألا تراه قابل به ما هذه حاله وهو قوله: من تحت. وينبغي أن يكتب "عَلِي" في9 هذا بالياء.
__________
1 آية: 19، سورة الأحزاب.
2 سقط في ش.
3 في ز بعد هذا, "وقال آخر" ويليه بياض، وكتب في هامش: "بياض في الأصل".
4 آية: 4، سورة الروم.
5 سقط في د، هـ، ز.
6 أي: أوس بن حجر. والبيت في وصف قوس. والليط: القشر، والغرقي: والقشرة الملتزفة ببياض البيض. والقيض القشرة العاليا اليابسة. يقول: إن الفواس حين قشر قناة الفرس لم يستأصل قشرها، أبقى الليط يقويها بذلك ويملكها؛ يقال: ملكه: قوَّاه, وشبه الليط بالغرقي الذي فوقه للقيض. وانظر اللسان "ملك".
7 أي: أمرئ القيس في المعلقة.
8 أي: أبي النجم.
9 في د، هـ، ز: "هذه".

(2/365)


وهو فعل في معنى فاعل, أي: أقب من تحته عريض من عاليه, بمعنى أعلاه. والسافل والعالي بمنزلة الأسفل والأعلى. قال:
ما هو إلا الموت يغلي غاليه ... مختلطًا سافله بعاليه
لا بدَّ يومًا أنني ملاقيه1
ونظير عالٍ وعلٍ هنا قوله 2:
وقد علتني ذرأة بادي بدي
أي: باديَ باديَ, وإن شئت كان ظرفًا غير مركب, أي: في بادي بدي كقوله -عز اسمه: {بَادِيَ الرَّأْيِ} 3 "أي: في بادي الرأي"4 إلّا أنه أسكن الياء في موضع النصب مضطرًا كقوله:
يا دار هند عفت إلّا أثافيها
وإن شئت كان مركَّبًا على حد قوله 5:
إذ نجن في غِرَّة الدنيا ولذتها ... والدار جامعة أزمان أزمانا
إلّا أنه أسكن لطول الاسم بالتركيب كمعدي كرب, ومثل فاعل وفعِل في هذا المعنى6 قوله 7:
__________
1 سقط الشطر الأخير في ش.
2 أي: أبي نخيلة. وبما البيت:
ورثية تنهض بالتشدد
والذرأة: الشيب، والرئية: وجع المفاصل. يصف كبره وشيخوخته. وانظر اللسان "ذرأ، وثا".
3 آية 27 سورة هود.
4 سقط في ز.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "قول جرير" ولم أجد هذا البيت في ديوان جرير المطبوع, والبيت في نوادر أبي زيد 184 غير معزوّ.
وقبله:
هل ترجعنّ ليال قد مضين لنا ... والعش منقلب إذ ذاك أفنانا
وبعده:
ولما ستمرَّ شيخان مبتجح ... بالبين عنك بما يراك شنآنا
6 سقط في ش.
7 أي: الضب فيما يزعم العرب، حين يقال له: وردا ياضب. والمراد: بنت في البادية، وكذلك الصليان والعنكث. وفي التكملة: "قوله: "ردا" تصحيف من القدماء، فتبعهم فيه الخلف، والراوية، "زردا" وهو السريع الازدراد, أي: الابتلاع. ذكره أبو محمد الأعرابي، وانظر اللسان "عرد".

(2/366)


أصبح قلبي صِردا ... لا يشتهي أن يردا
إلا عرادًا عردا ... وصليِّانًا بردا
وعنكثًا ملتبدا
أراد: الإعراد عاردًا وصلِّيانا باردًا.
وعليه قوله:
كأن في الفرش القتاد العاردا
فأما قولهم: عرد الشتاء1؛ فيجوز أن يكون مخففًا من عرد هذا, ويجوز أن يكون مثالًا في الصفة على فعل كصَعْب ونَدْب.
ومنه يومئذ وحينئذ, ونحو ذلك, أي: إذ ذاك كذلك, فحذفت الجملة المضاف إليها. وعليه قول ذي الرمة:
فلمَّا لبسن الليل أو حين نصَّبت ... له من خذا آذانها وهو جانح2
أي: أو حين أقبل. وحكى الكسائي: أفوق تنام أم أسفل؛ حذف المضاف3 ولم يبن. وسمع4 أيضًا: "لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلِ وَمِنْ بَعْدِ" فحذف ولم يبن.
__________
1 كذا في ش، وفي ز: "النساء" وكأنه الصواب، يرادهن الرجل، ومن أوصافه العرد.
2 هذا في الحديث عن حمر الوحش، وخذا الأذن: استرخاؤها، وقوله: "هو جامح" يعني: الليل. وبعده:
حداهن شحاج كأن سحيله ... على حافَّتيهن ارتجاز مفاضح
يعني بالشحاج: الحمار، وسحيله: نهاقه "بارتجاز" أي: ذكر الرجز من الشعر يقوم به راجزان يتسابان ويفضح أحدهما صاحبه. وانظر الديوان 62.
3 كذا، والمناسب "المضاف إليه".
4 يريد أن هذا سمع عن بعض العرب؛ ولم ترد به قراءة، وإنما الوارد في القراءة غير الضم والكسر مع التنوين، وهي قراءة الحجدري والعقيلي، كما في البحر. ويبدو أن الأمر اشتبه على ابن هشام ومن تبعه, فظنَّ قراءتهما بدون تنوين فجعل ذلك قراءة، وممن تابعه الأشموني في مبحث الإضافة، ونسب الشيخ خالد في شرحه للتوضيح ذلك إلى الحجدري والعقيلي، وقد علمت أن قراءتهما بالتنوين.

(2/367)


وقد حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه, وأكثر ذلك في الشعر. وإنما كانت كثرته فيه دون النثر من حيث كان القياس يكاد يحظره. وذلك أن الصفة في الكلام على ضربين: إما "للتخليص والتخصيص"1، وإما للمدح الثناء. وكلاهما من مقامات الإسهاب والإطناب لا من مظانِّ الإيجاز والاختصار. وإذا كان كذلك لم يلق الحذف به ولا تخفيف2 اللفظ منه. هذا مع ما ينضاف إلى ذلك من الإلباس وضد البيان. ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بطويل, لم يستبن3 من ظاهر هذا اللفظ أن4 الممرور به إنسان دون رمح أو ثوب أو نحو ذلك. وإذا كان كذلك كان حذف الموصوف إنما هو متى5 قام الدليل عليه أو شهدت الحال به, وكلّما استبهم الموصوف كان حذفه غير لائق بالحديث.
ومما يؤكد عندك ضعف حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه أنك تجد من الصفات ما لا يمكن حذف موصوفه, وذلك أن تكون الصفة جملة نحو: مررت برجل قام أخوه, ولقيت غلامًا وجهه حسن. ألا تراك لو قلت: مررت بقام أخوه, أو لقيت وجهه حسن, لم يحسن.
فأما قوله:
والله ما زيد بنام صاحبه ... ولا مخالط الليان جانبه6
__________
1 في د، هـ، ز: "للتخصيص والتخليص".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "تحيف".
3 كذا في ش. وي د، هـ، ز: "تستبن".
4 سقط في د، هـ، ز.
5 في د، هـ، ز: "شيء".
6 الروية المشهورة:
والله ما ليلى بنام صاحبه
والليان -بكسر اللام الملاينة وبفتحها: اللين والدعة. وانظر الخزانة 4/ 106، والعيني على هامش الخزانة 4/ 2، والكامل مع رغبة الآمل 4/ 80.

(2/368)


فقد قيل فيه: إن "نام صاحبه" علم اسم لرجل1، وإذا كان كذلك جرى مجرى قوله:
بنى شاب قرناها. . . . . .2
فإن قلت فقوله:
ولا مخالط الليان جانبه
ليس علمًا وإنما هو صفة، وهو معطوف على "نام صاحبه", فيجب أن يكون قوله3: "نام صاحبه" صفة أيضًا.
قيل: قد يكون في الجمل إذا سمِّي بها معاني الأفعال فيها, ألا ترى أن "شاب قرناها تصر وتحلب" هو اسم علم, وفيه مع ذلك معنى الذم, وإذا كان كذلك جاز أن يكون قوله:
ولا مخالط الليان جانبه
معطوفًا على ما في قوله "ما زيد بنام صاحبه" من معنى الفعل, فأما قوله:
مالك عندي غير سهم وحجر ... وغير كبداء شديدة الوتر
جادت بكفي كان من أرمى البشر4
أي: بكفّي رجل أو إنسان كان من أرمى البشر, فقد روى غير هذه الرواية. روى: "بكفي كان من أرمى البشر"، بفتح ميم "من" أي بكفَّيْ من هو أرمى البشر, و"كان" على هذا زائدة. ولو لم تكن فيه إلا5 هذه الرواية لما جاز القياس عليه؛
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وجل".
2 هذا قطعة من بيت تمامه:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ... بني شاب قرناها نصر وتحلب
وهو لشاعر من بني أسد, وأراد بالقرنين ضفيرتيْ المرأة, وقوله: "تصر" أي تشد ضرع الحلوبة إذا أرسلت إلى المرعى, وقوله: "تحلب" أي: إذا راحت عشيا. يصف أمهم أنها راعية عجوز. وانظر الكتاب 1/ 259، والكامل 4/ 80.
3 سقط في د، هـ، ز.
4 الكبداء: صفة للقوس. وهي التي يملأ الكف مقبضها, وقوله: "جادت بكفي ... " في العبارة قلب، أي جادت بها كفان إلخ. وانظر الخزانة 2/ 321.
5 سقط في ش. و"هذه الرواية" عليه هي الثانية، فأمَّا على ما أثبت فالمراد بها الأولى.

(2/369)


لفروده1 وشذوذه عمَّا عليه عقد هذا الموضع. ألا تراك لا تقول: مررت بوجهه حسن, ولا نظرت إلى غلامه سعيد. فأما قولهم: بدأت بالحمدُ لله, وانتهيت من القرآن إلى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} 2 ونحو ذلك, فلا يدخل على هذا القول من قبل أن هذه طريق الحكاية, وما كان كذلك فالخطب فيه أيسر, والشناعة فيه3 أوهى وأسقط. وليس ما كنَّا عليه مذهبًا له تعلق بحديث الحكاية, وكذلك إن كانت الصفة جملة لم يجز أن تقع فاعلة ولا مقامة مقام الفاعل, ألا تراك لا تجيز قام وجهه حسن، ولا4 ضرب قام غلامه, وأنت تريد: قام رجل وجهه حسن, ولا ضرب إنسان قام غلامه. وكذاك إن كانت الصفة حرف جر أو ظرفًا لا يستعمل استعمال الأسماء, فلو قلت: جاءني من الكرام, أي: رجل من الكرام, أو حضرني سواك, أي: إنسان سواك, لم يجسن؛ لأن الفاعل لا يحذف, فأما قوله5:
أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط ... كالطعن يهلك فيه الزيت والفتل
فليست الكاف هنا حرف جر, بل هي اسم بمنزلة مثل؛ كالتي في قوله:
على كالقطا الجونيّ أفزعه الزجر
وكالكاف الثانية من قوله 6:
وصالياتٍ ككما يؤثفين
__________
1 أي: لانفراده، يقال: فرد بهذا الأمر. وفي ط: "لنذوره", وهو محرف من: "لنزوره" أي: لقلته، أو "لندوره".
2 آية: 1، سورة النحل.
3 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "منه".
4 كذا. والوجه حذف هذا الحرف.
5 أي: الأعشى في معلقته المشهورة. والشطط: الجور. والفتل: جمع الفتيل، وهو هنا ما يستعمل في الجراحة. أراد طعنًا جائفًا نافذًا إلى الجوف بغيب فيه الزيت والفتل. انظر الخزانة 1/ 132.
6 أي: خصام المجاشعي, وقبله:
لم يبق من أي بها يحلين ... غير رماد وحطام كنفين
وهو يصف دارًا قد خلت من أهلها وبقي بها آثارهم، ومن تلك الآثار الصاليات، يريد الأثافي التي توضع عليها القدر، جعلها ساليات؛ لأنها صليت بالنار حتى اسودَّت. وانظر الخزانة 1/ 367 وشواهد الشافية 59.

(2/370)


"أي كمثل ما يؤثفين"1 وعليه قول2 ذي الرمة:
أبيت على ميّ كئيبًا وبعلها ... على كالنقا من عالج يتبطح3
فأما قول الهذلي 4:
فلم يبق منها سوى هامد ... وغير الثمام وغير النؤيِّ
ففيه قولان: أحدهما أن يكون في "يبق" ضمير فاعل من بعض ما تقدَّم, كذا قال أبو علي -رحمه الله. والآخر أن يكون استعمل "سوى" للضرورة اسمًا فرفعه, وكأن هذا أقوى لأنَّ بعده: "وغير الثمام وغير النؤي" فكأنه5 قال: لم6 يبق منها غير هامد, ومثله ما أنشدناه للفرزدق7 من قوله:
ائته بمجلوم كأنَّ جبينه ... صلاءة ورس وسطها قد تفلقا8
وعليه قول الآخر 9:
في وسط جمع بني قريط بعدما ... هتفت ربيعة يا بني جواب
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
2 في د، هـ، ر: "بيت".
3 عالج: موضع بالبادية به رمل، وينبطح: يستلق على وجهه. وانظر الديوان 85، وفيه: "على مثل الأشافي" في مكان: "على مي كثيبا".
4 أي: أبي ذؤيب, ورواية ديوان الهذليين:
لم يبق منها سوى هامد ... وسفع الخدود معًا والنؤي
وانظر ديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 1/ 64 وما بعدها.
5 في د، هـ، ز: "وكأنه".
6 في د، هـ، ز: "فلم".
7 في د، هـ، ز: "الفرزدق".
8 المجلوم: المحلوق، أراد به هن المرأة، والصلاءة: مدق الطيب، والورس: نبت أصفر. والمؤلف يريد أن "وسطا" ساكن السين يكون ظرفًا, ولكن الفرزدق أخرجه عن الظرفية للشعر، كما "سوى": وكذا في البيت بعده.
9 نسبه في اللسان "وسط" إلى القتال الكلابي، وقريط -بالتصغير- وقريط - بالتكبير- بطنان من بني كلاب. ورواية البيت كما في اللسان والتاج:
مِن وَسْطِ جَمْعِ بَني قُرَيْظٍ بعدما ... هَتَفَتْ رَبِيعَةُ يا بَني خَوّارِ

(2/371)


وقد أقيمت "الصفة الجملة"1 مقام الموصوف المبتدأ نحو قوله 2:
لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسب وميسم
أي: ما في قومها أحد يفضلها, وقال الله سبحانه: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} 3 أي: قوم دون ذلك, وأما قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} 4 فيمن5 قرأه بالنصب فيحتمل أمرين: أحدهما أن يكون الفاعل مضمرًا, أي: لقد تقطع الأمر أو العقد أو الود -ونحو ذلك- بينكم, والآخر "أن يكون"6 ما كان يراه أبو الحسن من أن يكون "بينكم" وإن كان منصوب اللفظ مرفوع الموضع بفعله, غير أنه أقرت نصبة الظرف, وإن كان مرفوع الموضع لاطراد استعمالهم إياه ظرفًا. إلا أن استعمال الجملة التي هي صفة للمبتدأ مكانه أسهل من استعمالها فاعلة؛ لأنه ليس يلزم أن يكون المبتدأ اسمًا محضًا. كلزوم ذلك في الفاعل, ألا ترى إلى قولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه, أي: سماعك به خير من رؤيته. وقد تقصينا7 ذلك في غير موضع.
وقد حذفت الصفة ودلت الحال عليها. وذلك فيما حكاه صاحب الكتاب من قولهم 8: سير عليه ليل, وهم يريدون: ليل طويل. وكأنَّ هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دلَّ من الحال على موضعها, وذلك أنك تحس في كلام القائل لذلك
__________
1 كذا في ش. وفي ز: "صفة الجملة" وفي ط: "الصفة الجملية".
2 أي: حكيم بن معية الربعي. وتيثم: أصله تأثم؛ فكسر حرف المضارعة وأبدل الهمزة ياء. والميسم: الحسن والجمال. انظر الكتاب 1/ 375، والخزانة 2/ 311.
3 آية: 11 سورة الجن.
4 آية: 94 سورة الأنعام.
5 في ز: "فمن قرأ". وهذه قراءة نافع وحفص والكسائي وأبي بكر, والباقون بالرفع، كما في الإتحاف.
6 ما بين القوسين سقط في د، هـ، ز.
7 في د، هـ، ز: "تقصيت".
8 كأنه يريد قول سيبويه في الكتاب 1/ 15, وكذلك سير عليه ليلًا ونهارًا ... إلّا أن تريد معنى سير عليه ليل طويل ونهار طويل.

(2/372)


من التطويح والتطريح والتفخيم1 والتعظيم ما يقوم مقام قوله: طويل أو2 نحو ذلك. وأنت تحسّ هذا من نفسك إذا تأمَّلته, وذلك أن تكون في مدح إنسان والثناء عليه, فتقول: كان والله رجلًا, فنزيد في قوة اللفظ ب"الله" هذه الكلمة3، وتتمكَّن في4 تمطيط اللام5 وإطالة الصوت بها وعليها4, أي: رجلًا فاضلًا أو شجاعًا أو كريمًا أو نحو ذلك. وكذلك تقول: سألناه فوجدناه إنسانًا, وتمكّن الصوت بإنسان وتفخَّمه, فتستغني بذلك عن وصفه بقولك 6: إنسانًا سمحًا أو7 جوادًا أو نحو ذلك. وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق قلت: سألناه وكان إنسانًا! وتزوي وجهك وتقطبه, فيغني ذلك عن قولك: إنسانًا لئيمًا أو لحزًا أو مبخلًا أو نحو ذلك.
فعلى هذا وما يجري مجراه تحذف الصفة, فأمّا إن عريت من الدلالة عليها من اللفظ أو من الحال فإن حذفها لا يجوز, ألا تراك لو قلت: وردنا البصرة فاجتزنا بالأبلة على رجل, أو رأينا بستانًا, وسكت لم "تفد بذلك"8 شيئًا؛ لأن هذا ونحوه مما لا يعرى منه ذلك المكان9، وإنما المتوقع أن تصف من ذكرت أو ما7 ذكرت, فإن لم تفعل كلّفت علم ما "لم تدلل"10 عليه, وهذا لغو من11 الحديث وجور في التكليف.
__________
1 في د، هـ، ز: "التلخيم".
2 في د، هـ، ز: "ونحو".
3 في د، هـ، ز: "الجملة".
4 سقط في د، هـ، ز.
5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "الكلام".
6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "وقولك".
7 في د، هـ، ز: "و" بدل "أر".
8 في د، هـ، ز: "يفد ذلك".
9 سقط في ش.
10 في د، هـ، ز: "تدلك".
11 في د، هـ، ز: "في".

(2/373)


ومن ذلك ما يروى في الحديث 1: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، أي: لا صلاة كاملة أو فاضلة ونحو ذلك. وقد خالف في ذلك من لا يعد خلافه خلافًا.
وقد حذف المفعول به نحو قول الله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} أي: أوتيت منه شيئًا, وعليه قول الله سبحانه: {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} 3 أي: غشاها إياه, فحذف المفعولين جميعًا, وقال الحطيئة:
منعّمة تصون إليك منها ... كصونك من رداء شرعبيّ4
أي: تصون الحديث منها, وله نظائر.
وقد حذف الظرف نحو قوله 5:
فإن مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي عليّ الجيب يا ابنة معبد
أي: إن مت قبلك, هذا يريد لا محالة. ألا ترى أنه لا يجوز أن يشرط الإنسان موته؛ لأنه يعلم6 أنه مائت7 لا محالة, وعليه قول الآخر8:
أهيم بدعدٍ ما حييت فإن أمت ... أوكّل بدعدٍ من يهيم بها بعدي
__________
1 رواه الدارقطني والبيهقي عن جابر وأبي هريرة؛ كما في الجامع الصغير.
2 آية 23 سورة النمل.
3 آية 54 سورة النجم.
4 الشرعبي: ضرب من البرود, وقيل البيت:
أكل الناس تكتم حب هند ... وما تخفى بذلك من خفيّ
5 أي: طرفة في معلقته.
6 في د، هـ، ز: "لا يعلم".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ميت".
8 هو نصيب: وانظر الموشّح 160، 189، والأغاني 11/ 19، 14/ 174 من طبعة بولاق.

(2/374)


أي: فإن أمت قبلها لا بُدَّ أن يريد هذا, وعلى هذا قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 1 أي: من شهد الشهر منكم صحيحًا بالغًا في مصرٍ فليصمه, وكان أبو علي -رحمه الله- يرى أن نصب الشهر هنا إنما هو على الظرف, ويذهب إلى أنّ المفعول محذوف, أي: فمن شهد منكم المِصْر في هذا الشهر فليصمه, وكيف تصرفت الحال فلا بُدَّ من حذف.
وقد حذف المعطوف تارة والمعطوف عليه أخرى. روينا عن أحمد بن يحيى أنهم يقولون: راكب الناقة طليحان, أي: راكب الناقة والناقة طليحان, وقد مضى ذكر هذا2. وتقول3: الذي ضربت وزيدًا جعفر، تريد4: الذي ضربته وزيدًا، فتحذف5 المفعول من الصلة.
وقد حذف المستثنى نحو قولهم: جاءني زيد ليس إلّا, وليس غير, أي: ليس إلّا إياه, وليس غيره.
وقد حذف خبر إنَّ مع النكرة خاصة نحو قول الأعشى:
إن محلًّا وإن مرتحلًا ... وإنّ في السفر إذ مضوا مهلا
أي: إن لنا محلًّا, وإن لنا مرتحلًا6
__________
1 آية: 185، سورة البقرة.
2 انظر ص290 من الجزء الأول.
3 في د، هـ، ز: "يقول".
4 في د، هـ، ز: "يريد".
5 في د، هـ، ز: "فيحذف".
6 سقط ما بين القوسين في ش.
وقال الأعلم: "والمعنى" إن لنا محلًّا في الدنيا، ومرتحلًا عنها إلى الآخرة, وأراد بالسفر من رحل من الدنيا؛ فيقول في رحيل من رحل ومضى مهل, أي: لا يرجع، وتراه فسَّر المهل بعدم الرجوع، والأصل فيه التراخي والرفق والأناة, وفسَّره بعضهم بالسبق. وانظر شرح الرضي للكافية 2/ 392، الكتاب 1/ 284، والخزانة 4/ 381 والصبح المنير 155.

(2/375)


وأصحابنا يجيزون حذف خبر إنّ مع المعرفة, ويحكون عنهم أنهم إذ قيل لهم: إن الناس ألب عليكم فمن لكم. قالوا: إن زيدًا وإن عمرًا, أي: إن لنا زيدًا وإن لنا عمرًا. والكوفيون يأبون حذف خبرها إلا مع النكرة. فأما احتجاج أبي العباس عليهم بقوله 1:
خلا أن حيًّا من قريش تفضلوا ... على الناس أو أن الأكارم نهشلا
أي: أو أنَّ الأكارم نهشلا تفضلوا2, قال3 أبو علي: وهذا لا يلزمهم؛ لأن لهم أن يقولوا: إنما منعنا حذف خبر المعرفة مع إن المكسورة, فأما مع أنّ المفتوحة فلن نمنعه, قال: ووجه فصلهم فيه بين المكسورة والمفتوحة أنَّ المكسورة حذف خبرها كما حذف خبر نقيضها, وهو قولهم: لا بأسَ ولا شكّ, أي: عليك, وفيه. فكما أنّ "لا" تختص هنا بالنكرات فكذلك إنما "تشبهها نقيضتها"4 في حذف الخبر مع النكرة أيضًا.
وقد حذف أحد مفعولي ظننت, وذلك نحو قولهم: أزيدًا ظننته منطلقًا؛ ألا ترى أن تقديره: أظننت زيدًا منطلقًا ظننته منطلقًا؟ فلمَّا5 أضمرت الفعل فسَّرته بقولك: ظننته, وحذفت6 المفعول الثاني من الفعل الأول المقدَّر اكتفاء بالمفعول الثاني الظاهر في الفعل الآخر. وكذلك بقية أخوات ظننت.
__________
1 في الخزانة أن ابن الشجري في الأمالي, وابن يعيش في شرح المفصل نسباه إلى الأخطل. ويقول البغدادي: "وله في ديوانه قصيدة على هذا الوزن والروي ولم أجده فيها، وانظر الخزانة 4/ 385.
2 كذا في ز. وفي ش: "فضلوا".
3 في الخزانة في الموطن السابق. "فقد قال".
4 في ط: "يشبهها نقيضها".
5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "فكما".
6 على هذا جرى ابن هشام في المغني في آخر مبحث الجملة المفسرة, وعبارة: "كما استغنى في نحو: أزيدًا ظننته قائمًا, بثاني مفعولي ظننت المذكورة عن ثاني مفعولي ظننت المقدورة، وعلق الدماميني على قول ابن هشام: "بأن مفعولي ظننت المذكورة، بقوله: "يقال: هو مفعول الأولى المحذوفة؛ لأنها مقصودة بالذات، والثانية ذكرت لضرورة التفسير، وعلى رأي الدماميني يجري المتأخرون من المعربين.

(2/376)


وقد حذف خبر كان أيضًا في نحو قوله 1:
أسكرانُ كان ابنَ المراغة إذ هجا ... تميمًا ببطن الشأم أم متساكر
ألا ترى أن تقديره: أكان سكرانُ ابن المراغة, فلمَّا حذف الفعل الرافع2 فسَّره بالثاني فقال: كان ابن المراغة. و"ابن المراغة" هذا الظاهر خبر "كان " الظاهرة, وخبر "كان" المضمر محذوف معها؛ لأن " كان " الثانية دلّت على الأولى, وكذلك الخبر الثاني الظاهر دلَّ على الخبر الأول المحذوف.
وقد حذف المنادى فيما أنشده أبو زيد من قوله:
فخير نحن عند الناس منكم ... إذا الداعي المثوب قال يالا3
أراد: يا لبني4 فلان, ونحو ذلك.
فإن قلت: فكيف جاز تعليق5 حرف الجر, قيل: لما خلط "بيا"6 صار كالجزء منها. ولذلك شبه أبو علي ألفه التي قبل اللام بألف باب ودار, فحكم عليها حينئذ بالانقلاب, وقد ذكرنا ذلك. وحسن الحال أيضًا شيء آخر, وهو تشبث اللام الجارة بألف الإطلاق فصارت كأنها معاقبة للمجرور, ألا ترى أنك لو أظهرت ذلك المضاف إليه7 فقلت: يا لبني فلان, لم يجز إلحاق الألف هنا "وجرت ألف
__________
1 أي: الفرزدق يهجو جريرًا, وهو المعني بابن المراغة، والمراغة: الأتان التي لا تمتنع من المفحول, وكان جرير هجا بني دارنم رهط الفرزدق من تميم. وانظر الخزانة 4/ 65، والكتاب 1/ 23.
2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "الراجع" وسقط هذا الوصف في عبارة ابن جني في الخزانة.
3 انظر ص77. من الجزء الأول, ورد البيت في المصباح "بأس" وفي "البأس" في مكان "الناس" وفسر البأس بالشدة والقوة, وقال: "أي: نحن عند الحرب إذا نادى بنا المنادي ورجع نداءه: ألا لا تفروا فإنا نكتر راجعين لما عندنا من الشجاعة، وأنتم تجعلون الفرّ فرارًا فلا تستطيعون الكنز.
4 في ط: "آل بني" وهذا لا يستقيم هنا، فقد جعل اللام حرف جر لا بعض آل.
5 يريد بتعليق الحرف: عدم ظهور عمله.
6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "بلا".
7 يريد بالمضاف إليه المجرور. وذلك أن معنى الفعل أوما في معناه مضاف إليه بوساطة حرف الجر، وحروف الجر تسمَّى حروف الإضافة.

(2/377)


الإطلاق"1 في منابها هنا عمَّا كان ينبغي أن يكون بمكانها, مجرى ألف الإطلاق في منابها عن تاء التأنيث في نحو قوله 2:
ولاعب بالعشيِّ بني بنيه ... كفعل الهِرِّ يحترش العَظَايا
فأبعد الإله ولا يؤبَّى ... ولا يعطَى من المرض الشفايا3
وكذلك نابت أيضًا واو الإطلاق في قوله 4:
وما كل من وافى مني أنا عارف5
-فيمن رفع كلًّا- عن الضمير الذي يزاد في عارفه6، وكما ناب التنوين في نحو: حينئذ ويومئذ, عن المضاف إليه إذْ, وعليه قوله 7:
نهيتك عن طلابك أمّ عمرو ... بعاقبة وأنت إذٍ صحيح8
فأما قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا} 9 فقد تقدَّم القول10 عليه: أنه ليس المنادى هنا محذوفًا ولا مرادًا كما ذهب إليه محمد بن يزيد, وأن "يا " هنا أخلصت للتنبيه مجردًا
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 انظر ص293 من الجزء الأول.
3 في د، هـ، ز: "بعوبي" في مكان: "يؤبى" وكأنه محرف عن "يعزى", وفيها: "يشفى" في مكان "يعطى".
4 أي: مزاحم العقيلي. انظر الكتاب 1/ 36، 356 من هذا الجزء.
5 صدره:
وقالوا تعرفها المنازل من منى
6 كذا في ط، وفي ش: "عارف"، وقوله: "يزاد" كذا في ش. وفي ط، ز: "يراد".
7 أي: أبي ذؤيب الهذلي. وانظر الخزانة 3/ 147، وديوان الهذلين "طبعة دار الكتب" 1/ 68.
8 قبله مطلع القصيدة:
جمالك أيها القلب الجريح ... ستلقى من تحب فتستريح
فتراه في قوله: "نهيتك" يخاطب قلبه أنه نصحه أن ينثني عن حب هذه المرأة وألا يتورط فيه. فيصعب عليه الخلوص من مشاقه، وقد كان ذلك في الوقت الذي يسهل عليه فيه الخروج منه. وقوله: "بعاقبة" أي: بآخر كلامي لك، أي: كانت النصيحة حتى آخر الكلام، ولم أغفل عنها آخذ معك في شأن آخر، فقد كان الحديث مقصورًا عليها, أو أنَّ المراد: نهيتك بتذكير عاقبة ما تفضي إليه لو مضيت في الحب.
9 في آية: 26، سورة النمل.
10 انظر ص198، 28 من هذا الجزء. وقوله: "عليه", كذا في ش وفي غيرها: "على".

(2/378)


من النداء, كما أن "ها " من قول الله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ} 1 للتنبيه من غير أن تكون للنداء2. وتأوّل أبو العباس قول الشاعر 3:
طلبوا صلحنا ولات أوانٍ ... فأجبنا أن ليس حين بقاء4
"أي: إبقاء"5 على أنه حذف المضاف إليه أوان، بعوض6 التنوين منه، على حد قول الجماعة في تنوين إذْ, وهذا7 ليس بالسهل, وذلك أن التنوين في نحو هذا إنما دخل فيما لا يضاف إلى الواحد وهو إذ. فأمّا "أوان " فمعرب ويضاف إلى الواحد, كقوله 8:
فهذا أوان العرض حي ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمِّس9
__________
1 آية: 109 سورة النساء.
2 سقط في ش.
3 هو أبو زبيد الطائي. وانظر الخزانة 2/ 151.
4 هذا من قصيدة طويلة يخاطب قومًا كان بينهم وبين قومه ترة, وقبله:
كم أزالت رماحنا من قتيل ... قاتلونا بنكبة وشقاء
بعثوا حربنا إليهم وكانوا ... في مقام لو أبصروا ورخاء
ثم لما تشذَّرت وأفافت ... وتصلوا منها كريه الصلاء
وقوله: "تشذّرت" أي: الحرب. وتشذرها أن ترفع ذنبها، وكذلك إنافتها وذلك حين تشتد، وقوله: "تصلوا" أي: الأعداء صلوا بنار حربهم.
5 سقط ما بين القوسين في ش. وهو تفسير لقوله: "بقاء" في البيت. يقال: أبقى عليه إذا رحمه ورعاه، والبقاء في البيت اسم مصدر للإبقاء. وبقول البغدادي في الخزانة: "والمشهور أن الاسم منه البقيا "بالضم"، والبقوى "بالفتح"، وقال العيني -وتبعه السيوطي: المعنى بقاء الصلح".
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وعوض".
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فهذا".
8 أي: المتلمس. وانظر التبريزي شرح الحماسة "طبعة التجارية" 2/ 206.
9 قبله:
هلمَّ إليها قد أثيرت زروعها ... وعادت عليها المنجنون تكدس
وهو يخاطب النعمان بن المنذر خطاب تهكم, والضمير في "إليها" لليمامة موطنه. يقول: أغر على اليمامة فقد أخصبت وبدا فيها الربيع. والعرض: من أودية اليمامة, يقول: كثر فيه الزرع وحي ذبابه, والزنابير والأزرق ضربان من الذباب. وبهذا البيت لقب المتلبس. واسمه جرير بن المسيح.

(2/379)


وقد كسَّروه على آونة, وتكسيرهم إياه يبعده عن البناء؛ لأنه أخذ به في شق التصريف والتصرف.
"قال:
أبو حنشٍ يؤرقنا وطلقٌ ... وعبادٌ وآونةً أثالا"1
وقد حذف المميز, وذلك إذا علم من الحال "حكم ما"2 كان يعلم منها به, وذلك قولك: عندي عشرون, واشتريت ثلاثين, وملكت خمسة وأربعين. فإن لم يعلم المراد لزم التمييز إذا قصد المتكلم الإبانة, فإن لم يرد ذلك وأراد الإلغاز وحذف جانب البيان لم يوجب على نفسه ذكر التمييز, وهذا إنما يصلحه ويفسده غرض المتكلم, وعليه مدار الكلام. فاعرفه.
وحذف الحال لا يحسن, وذلك أن الغرض فيها إنما هو توكيد الخبر بها, وما طريقه طريق التوكيد غير لائق به الحذف؛ لأنه ضد الغرض ونقيضه, و"لأجل ذلك"3 لم يجز أبو الحسن توكيد الهاء المحذوفة من الصلة؛ نحو الذي ضربت نفسه زيد على أن يكون "نفسه" توكيدًا للهاء المحذوفة من "ضربت", وهذا مما يترك مثله كما يترك إدغام الملحق إشفاقًا من انتقاض الغرض بادّغامه.
فأمَّا ما أجزناه من حذف الحال في قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 4 أي: فمن شهده صحيحًا بالغًا فطريقه أنه لما دلت الدلالة عليه من
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش, والشاعر هو ابن أحمر الباهلي. وانظر العيني على هامش الخزانة 2/ 421، والكتاب 1/ 343. وهذا من قصيدة يذكر فيها جماعة من قومه لحقوا بالشأم، فصار يراه في النوم إذا أتى الليل, وقوله: "عباد" في رواية: "عمار".
2 كذا في ط. وفي ز، ش: "كما".
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "ولذلك".
4 آية: 185، سورة البقرة.

(2/380)


الإجماع والسنّة جاز حذفه تخفيفًا. وأما1 لو عريت الحال من هذه القرينة وتجرَّد الأمر دونها لما جاز حذف الحال على وجه.
ولم أعلم المصدر حذف في موضع, وذلك أن2 الغرض فيه إذا تجرَّد من الصفة أو التعريف أو عدد المرات فإنما هو لتوكيد الفعل, وحذف المؤكَّد لا يجوز.
وإنما كلامنا على حذف ما يحذف وهو مراد, فأما حذفه إذا لم يرد فسائغ لا سؤال فيه, وذلك كقولنا: انطلق زيد, ألا ترى هذا كلامًا تامًّا, وإن لم تذكر معه شيئًا من الفضلات مصدرًا ولا ظرفًا ولا حالًا ولا مفعولًا له ولا مفعولًا معه ولا غيره. وذلك أنك3 لم ترد الزيادة في الفائدة بأكثر من الإخبار عنه بانطلاقه دون غيره.
حذف الفعل:
حذف الفعل على ضربين:
أحدهما: أن تحذفه والفاعل فيه. فإذا وقع ذلك فهو حذف جملة, وذلك نحو: زيدًا ضربته؛ لأنك أردت: ضربت زيدًا, فلمَّا أضمرت "ضربت" فسَّرته بقولك: ضربته, وكذلك قولك 4: أزيدًا مررت به, وقولهم: المرء مقتول بما قَتَل به, إن سيفًا فسيف, وإن خنجرًا فخنجر, أي: إن كان الذي قَتَل به سيفًا فالذي يُقتل به سيف, فكان واسمها وإن لم تكن مستقلة5 فإنها تعتد اعتداد الجملة.
والآخر: أن تحذف الفعل وحده, وهذا هو غرض هذا الموضع.
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فأمّا".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "لأنّ".
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "لأنّك".
4 سقط في ز، ش. وثبت في ط.
5 أي: لأنها ناقصة تحتاج إلى الخبر.

(2/381)


وذلك أن يكون الفاعل مفصولًا عنه مرفوعًا به1, وذلك نحو قولك: أزيد قام, فزيد مرفوع بفعل مضمر محذوف خالٍ من الفاعل؛ لأنك تريد: أقام زيد, فلمَّا أضمرته فسَّرته بقولك: قام, وكذلك {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} 2 و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} 3 و {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} 4 و {لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} 5 ونحوه, الفعل6 فيه مضمر وحده, أي: إذا انشقَّت السماء, وإذا كورت الشمس, وإن هلك امرؤ, ولو تملكون, وعليه قوله 7:
إذا ابنُ أبي موسى بلالٌ بلغته ... فقام بفأس بين وصليك جازر8
أي: إذا بلغ ابن أبي موسى. وعبرة9 هذا أن الفعل المضمر إذا كان بعده اسم منصوب به ففيه فاعله مضمرًا. وإن كان بعده المرفوع به فهو مضمر مجردًا10 من الفاعل, ألا ترى أنه لا يرتفع فاعلان به. وربما جاء بعده المرفوع والمنصوب جميعًا, نحو قولهم: أما أنت منطلقًا انطلقتُ معك, "تقديره: لأن كنت منطلقًا انطلقتُ معك"11 فحذف الفعل فصار تقديره: لأن أنت منطلقًا, وكرهت12 مباشرة
__________
1 سقط في ش.
2 آية: 1 سورة الانشقاق.
3 آية: 1 سورة التكوير.
4 آية: 176 سورة النساء.
5 آية: 10 سورة الإسراء.
6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "والفعل".
7 أي: ذي الرمة. وانظر الكتاب 1/ 42، الخزانة 1/ 450، والديوان 253.
8 يخاطب في هذا البيت ناقته, وهو يدعو عليها أن يذبحها الجزار إذا بلغته بلالًا، إذ لا تكون إليها به حاجة حينئذ، لأن بلالًا يغتيه برفده من أن يرحل لأحد بعده, وبلال هو ابن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، قاضي البصرة ووليها في العصر الأموي، ومات سنة نيف وعشرين ومائة.
9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "عبر".
10 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "مجرّد".
11 سقط ما بين القوسين في ش.
12 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فكرهت".

(2/382)


"أن " الاسم فزيدت "ما " , فصارت عوضًا من الفعل ومصلحة للفظ لنزول مباشرة "أن" الاسم. وعليه بيت الكتاب:
أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع1
أي: لأن كنت ذا نفر قويت وشدّدت والضبع هنا السنة الشديدة.
فإن قلت: بم2 ارتفع وانتصب "أنت منطلقًا"؟
قيل: ب"ما"3؛ لأنها عاقبت الفعل الرافع الناصب, فعملت عمله من الرفع والنصب, وهذه طريقة أبي علي وجُلَّة أصحابنا من قبله في4 أنَّ الشيء إذا عاقب الشيء ولي من الأمر ما كان المحذوف يليه. من5 ذلك الظرف إذا تعلّق بالمحذوف6 فإنه يتضمّن الضمير الذي كان فيه, ويعمل ما كان يعمله: من نصبه الحال والظرف, وعلى ذلك صار قوله: "فاه إلى فيّ" من قوله: "كلمته فاه إلى في" ضامنًا للضمير الذي كان في "جاعلًا" لما عاقبه. والطريق واضحة فيه متلئبة.
حذف الحرف:
قد حذف الحرف في الكلام على ضربين: أحدهما حرف زائد7 على الكلمة مما يجيء لمعنى, والآخر حرف من نفس الكلمة, وقد تقدَّم فيما مضى ذكر حذف هذين الضربين بما أغنى عن إعادته.
ومضت الزيادة في الحروف وغيرها.
__________
1 هذا في أبيات للعباس بن مرداس في أبي خراشة خفاف بن ندبة، وكلاهما صحابي، وانظر الكتاب 1/ 148.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فبم".
3 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "بأما".
4 سقط هذا الحرف في ش.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "ومن".
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بمجذوف".
7 في ش: "حرف زائد فيما على....".

(2/383)


فصل في التقديم والتأخير:
وذلك على ضربين: أحدهما ما يقبله القياس, والآخر ما يسهله الاضطرار. الأول: كتقديم المفعول على الفاعل تارةً وعلى الفعل الناصبة أخرى, كضرب "زيدًا عمرو"1، وزيدًا ضرب عمرو, وكذلك الظرف نحو: قام عندك زيد, وعندك قام زيد, وسار يوم الجمعة جعفر, ويوم الجمعة سار جعفر. وكذلك الحال نحو: جاء ضاحكًا زيد, وضاحكًا جاء زيد. وكذلك الاستثناء نحو: ما قام إلا زيدًا أحد, ولا يجوز تقديم المستثنى على الفعل2 الناصب له. لو قلت: إلا زيدًا قام القوم, لم يجز لمضارعة الاستثناء البدل, ألا تراك تقول: ما قام أحد إلا زيدًا, وإلا زيد, والمعنى واحد. فما جارى الاستثناء البدل امتنع تقديمه.
فإن قلت: فكيف جاز تقديمه3 على المستثنى منه, والبدل لا يصح تقديمه3 على المبدل منه.
قيل: لما تجاذب المستثنى شبهان: أحدهما كونه مفعولًا, والآخر كونه بدلًا, خلِّيت4 له منزلة وسيطة فقدم على المستثنى منه وأخّر البتة عن الفعل الناصبة.
فأما قولهم: ما مررت إلا زيدًا بأحد, فإنما تقدّم على الباء؛ لأنها "ليست هي"5 الناصبة له, إنما الناصب له على كل حال نفس مررت.
وما يصح ويجوز تقديمه خبر المبتدأ, نحو: قائم أخوك, وفي الدار صاحبك, وكذلك خبر كان وأخواتها على أسمائها, وعليها أنفسها, وكذلك خبر
__________
1 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "زيد عمرًا".
2 كذا في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تقدمه".
4 كذا في د، ز. وفي ش، ط، هـ: "طلبت".
5 كذا في ش، ط. وفي د: هـ، ز: "هي ليست".

(2/384)


ليس؛ نحو: زيدًا ليس أخوك, ومنطلقين ليس أخواك. وامتناع أبي العباس من ذلك خلاف للفريقين: "البصريين والكوفيين"1 وترك لموجب القياس عند النظار والمتكلمين, وقد ذكرنا ذلك في غير مكان.
ويجوز تقديم المفعول له على الفعل الناصبة2؛ نحو قولك: طمعًا في برّك3 زرتك, ورغبة في صلتك4 قصدتك.
ولا يجوز تقديم المفعول معه على الفعل, نحو قولك: والطيالسة جاء البرد, من حيث كانت صورة هذه الواو صورة العاطفة, ألا تراك لا تستعملها5 إلّا في الموضع الذي لو شئت لاستعملت العاطفة فيه, نحو: جاء البرد والطيالسة. ولو شئت لرفت الطيالسة عطفًا على البرد, وكذلك: تركت والأسد لأكلك, يجوز أن ترفع الأسد عطفًا على التاء. ولهذا لم يجز أبو الحسن: جئتك وطلوع الشمس, أي مع طلوع الشمس؛ لأنك لو أردت أن تعطف بها هنا فتقول: أتيتك وطلوع الشمس, لم يجز؛ لأن طلوع الشمس لا يصح إتيانه لك6. فلما ساوقت حرف المعطف قبح, والطيلالسة جاء البرد, كما قبح وزيد قام عمرو, لكنه يجوز7 جاء والطيالسة البردُ؛ كما تقول: ضربت وزيدًا عمرًا, قال 8:
جمعتَ وفحشا غيبة ونميمة ... ثلاث خصال لست عنها بمرعو
__________
1 في ش: "الكوفيين والبصريين".
2 ش: "الناصب".
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "معروفك".
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "برك".
5 انظر في هذا ص314 من الجزء الأول.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "إليك".
7 هذا رأي ابن جني، وجمهور النحاة يمنعون هذا أيضًا, وراجع الأشموني في بحث المفعول معه.
8 أي: يزيد بن الحكم الثقفي من قصيدة تقدَّم بعضها في ص107، من هذا الجزء، وهو يعاتب فيها ابن عمه. وانظر الموطن السابق.

(2/385)


ومما يقبح تقديمه الاسم المميز, وإن كان الناصبة فعلًا متصرفًا, فلا نجيز شحمًا تفقأت, ولا عرقًا تصببت. فأما ما أنشده أبو عثمان وتلاه فيه1 أبو العباس من قول المخبل2
أتهجر ليلى للفراق حبيها ... وما كان3 نفسًا بالفراق يطيب
فتقابله برواية4 الزجاجي وإسماعيل بن نصر وأبي إسحاق أيضًا:
وما كان نفسي بالفراق تطيب
فرواية برواية, والقياس من5 بعد حاكم6. وذلك أن هذا المميز هو الفاعل في المعنى؛ ألا ترى أن أصل الكلام تصبب عرقي, وتفقأ شحمي, ثم نقل الفعل فصار في اللفظ لي, فخرج الفاعل في الفاصل مميزًا, فكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل فكذلك لا يجوز تقديم المميز؛ إذ7 كان هو الفاعل في المعنى على الفعل.
فإن قلت: فقد تُقِّدم الحال على العامل فيها, وإن كانت الحال هي صاحبة الحال في المعنى, نحو قولك: راكبًا جئت, و {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} 8.
قيل: الفرق أن الحال "لم تكن"9 في الأصل هي الفاعلة, كما كان المميز10 كذلك؛ ألا ترى أنه ليس التقدير والأصل: جاء راكبي, كما أن أصل طبت به نفسًا
__________
1 سقط في د، هـ، ز. وسقط "تلاه فيه" في ط.
2 يريد المخبل السعدي, وينسب إلى أعشى همدان, وتجده كذلك مفردًا في الصبح المنير 312 وقد ينسب إلى قيس بن معاذ الملوح العامريّ. وانظر العيني على هامش الخزانة 3/ 235، والكتاب 1/ 88.
3 في د، هـ، ز: "أن".
4 كذا في ط. وفي ش، ز: "رواية أبي العباس", ولو كان ما هنا: "فنقابله" كان أجود. والزجاجي هو أبو القاسم عبد الرحمن تلميذ الزجاج، وابو إسحق هو الزجاج إبراهيم بن العمري.
5 سقط هذا الحرف في ش.
6 في ز: "جاءكم" وهو تحريف.
7 في ز: "إذا".
8 آية: 7، سورة القمر.
9 في ط: "لا تكون".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "التمييز".

(2/386)


طابت به نفسي، وإنما الحال مفعول فيها كالظرف, ولم تكن قط فاعلة فنقل الفعل عنها. فأمَّا كونها هي الفاعل في المعنى فككون خبر كان هو اسمها الجاري مجرى الفاعل في المعنى وأنت1 تقدمه2 على "كان" فتقول: قائمًا كان زيد, ولا تجيز تقديم اسمها عليها. فهذا فرق.
وكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل, فكذلك لا يجوز تقديم ما أقيم مقام الفاعل كضرب زيد.
وبعد فليس في الدنيا مرفوع يجوز تقديمه3 على رافعه. فأما خبر المبتدأ فلم يتقدَّم عندنا على رافعه؛ لأن رافعه ليس المبتدأ وحده, إنما الرافع له "المبتدأ والابتداء"4 جميعًا, فلم يتقدم الخبر عليهما معًا, وإنما تقدم على أحدهما وهو المبتدأ, فهذا "لا ينتقض"5. لكنه على قول أبي6 الحسن مرفوع بالمبتدأ وحده, ولو كان كذلك لم يجز تقديمه3 على المبتدأ.
ولا يجوز تقديم7 الصلة ولا شيء منها على الموصول, ولا الصفة على الموصوف, ولا المبدل على المبدل منه, ولا عطف البيان على المعطوف عليه, ولا العطف الذي هو نسق على المعطوف عليه، إلا8 في الواو وحدها, وعلى قلَّته أيضًا, نحو: قام وعمرو زيد, وأسهل منه ضربت وعمرًا زيدًا؛ لأن الفعل في هذا قد استقلّ
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فأنت".
2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "تقدّمها".
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "تقدّمه".
4 كذا في ش. وفي ز، ط: "الابتداء والمبتدأ".
5 في ط: "ما لا ينقض".
6 في شرح الرضي للكافية 1/ 87 أن هذا قول سيبويه وأبي علي وأبي الفتح بن جني, وقد يكون هذا رأيه في كتاب آخر.
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "تقدّم".
8 كذا في ش: ط وسقط هذا الحرف في ز.

(2/387)


بفاعله، وفي قولك: قام وعمرو زيد, اتسعت في الكلام قبل الاستقلال والتمام. فأما1 قوله 2:
ألا يا نخلةً من ذات عرق ... عليك ورحمةُ الله السلام
فحملته الجماعة على هذا, حتى كأنه عندها: عليك السلام ورحمة الله, وهذا وجه, إلّا أن عندي فيه وجهًا لا تقديم فيه ولا تأخير من قبل العطف, وهو أن يكون "رحمة الله" معطوفًا على الضمير في "عليك", وذلك أن "السلام" مرفوع بالابتداء وخبره مقدَّم عليه وهو "عليك", ففيه إذًا ضمير منه مرفوع بالظرف، فإذا عطفت "رحمة الله" عليه ذهب عنك مكروه التقديم, لكن فيه العطف على المضمر المرفوع المتصل من غير توكيد له, وهذا أسهل عندي من تقديم المعطوف على المعطوف عليه, وقد جاء في الشعر قوله3:
قلت إذ أقبلت وزهرٌ تهادى ... كنعاج الملا تعسَّفن4 رملا
وذهب بعضهم في قول الله تعالى: {فَاسْتَوَى، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} 5 إلى أنَّ "هو" معطوف على الضمير في "استوى".
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وأما".
2 في الخزانة 1/ 193: "قال شراح أبيات الجمل وغيرهم: البيت لا يعرف قائله, وقيل: هو للأحوص, والبيت صلة في الخزانة في الموطن السابق. وقد كني بالنخلة عن المرأة.
3 أي: عمر بن أبي ربيعة، وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة 4/ 161، والكتاب 1/ 39, والكامل 3/ 203.
4 بعده:
قد تنقبن بالحرير وأبد ... ين عيونًا حور المدامع نُجْلا
ولا يوجد في الديوان من هذه المقطوعة بعد هذا البيت غيره. وفي الأغاني "طبعة دار الكتب" 1/ 168، أبيات له في جارية تسمَّى حميدة على هذا الروي.
5 آية: 6، 7 سورة النجم.

(2/388)


ومما يضعف تقديم المعطوف على المعطوف عليه من جهة القياس أنك إذا قلت: قام وزيد عمرو, فقد جمعت أمام زيد بين عاملين: أحدهما "قام"، والآخر الواو, ألا تراها قائمة مقام العامل قبلها, وإذا صرت إلى ذلك صرت كأنك قد أعملت فيه عاملين, وليس هذا كإعمال1 الأول أو الثاني في نحو: قام وقعد زيد؛ لأنك في هذا مخيّر: إن شئت أعملت الأول, وإن شئت أعملت الآخر, وليس ذلك في نحو: قام زيد وعمرو؛ لأنك لا ترفع عمرًا في هذا إلّا2 بالأول.
فإن قلت: فقد تقوّل في الفعلين جميعًا بإعمال أحدهما البتة كقوله 3:
كفاني ولم أطلب قليلٌ من المال4
قيل: لم يجب هذا5 في هذا البيت لشيء يرجع إلى العمل اللفظي, وإنما هو شيء راجع إلى المعنى, وليس كذلك قام وزيد عمرو؛ لأن هذا كذا حاله ومعناه واحد, تقدم أو6 تأخر. فقد عرفت ما في هذا الحديث.
ولا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف, ولا شيء مما اتصل به.
ولا يجوز تقديم الجواب على المجاب شرطًا كان أو قسمًا أو غيرهما, ألا تراك لا تقول: أقُمْ إن تَقُمْ, فأما قولك: أقوم إن قمت, فإن قولك: أقوم ليس جوابًا
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "كباب إعمال".
2 انظر ما الفرق بين المثالين: قام وعمرو زيد، وقام زيد وعمرو في هذا. وكأنَّ الواو في المثال الأول لم يظهر كونها للعطف لتأخر المعطوف عليه, وكانت بجائب العامل فاكتسبت عمله، وفي الآخر تمحضت للعطف، وكان العمل للعامل الأول بوساطتها, وقد يكون الأصل هنا حذف "إلّا" أي: "بالأول",ويكون الأمر جاريًا على ما يراه أن العمل لعامل مقدَّر, كما نسب إليه في سر الصناعة.
3 أي: امرئ القيس. وانظر الخزانة 1/ 158.
4 صدره:
ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة
5 سقط في د، هـ، ز.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "أم".

(2/389)


للشرط, ولكنه دال على الجواب, أي: إن قمت قمت, ودلت أقوم على قمت. ومثله: أنت ظالم إن فعلت, أي: إن فعلت ظلمت, فحذفت "ظلمت" ودل قولك: "أنت ظالم" عليه.
فأما1 قوله 2:
فلم أرقه إن ينج منها وإن يمت ... فطعنة لا غس ولا بمغمر3
فذهب أبو زيد إلى أنه أراد: إن ينج منها فلم أرقه, وقدم الجواب. وهذا عند كافة أصحابنا غير جائز. والقياس له دافع وعنه حاجز4, وذلك أن جواب الشرط مجزوم بنفس الشرط, ومحال تقدم المجزوم على جازمه, بل إذا كان الجار -وهو أقوى من الجازم؛ لأن عوامل الأسماء أقوى من عوامل الأفعال- لا يجوز تقديم ما انجرَّ به عليه, كان ألّا يجوز تقديم5 المجزوم على جازمه أحرى وأجدر. وإذا كان كذلك فقد وجب النظر في البيت. ووجه القول عليه أن الفاء في قوله: "فلم أرقه" لا يخلو أن تكون معلقة بما قبلها أو زائدة, وأيهما كان فكأنه قال: لم أرقه إن ينج منها, وقد علم أن لم أفعل "نفي فعلت"6 وقد أنابوا فعلت عن جواب الشرط, وجعلوه دليلًا عليه في قوله 7:
__________
1 في د: "وأما".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "قول الآخر" وهو زهير بن مسعود كما في اللسان "غسس"، والنوادر 70، وتهذيب الألفاظ 143.
3 الغس: الضعيف اللئيم. والمغمر: الجاهل الذي لم يجرب الأمور. وما هنا "غس" هو ما في ش. وفي د، هـ، ز: "غش" والغش -بضم الغين: الغاش، ولا معنى له هنا, وقوله: "لم أرقه" يرى الحليس بن وهب. كان زهير طعنه في غارة على قومه.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "محاجز".
5 في د، هـ، ز: "تقدّم".
6 كذا في ز، ش. وفي ط: "بمعنى ما فعلت".
7 أي: رؤبة.

(2/390)


يا حكم الوارث عن عبد الملك ... أوديت إن لم تحب حبو المعتنك1
أي: إن لم تحب أوديت. فجعل "أوديت" المقدَّمة دليلًا على "أوديت هذه المؤخَّرة. فكما جاز أن تجعل فعلت دليلًا على"2 جواب الشرط المحذوف, كذلك جعل نفيها الذي هو لم أفعل دليلًا على جوابه. والعرب قد تجري الشيء مجرى نقيضه, كما تجريه مجرى نظيره؛ ألا تراهم قالوا: جوعان3؛ كما قالوا: شبعان, وقالوا: علم4؛ كما قالوا: جهل, وقالوا: كثر ما5 تقومنّ؛ كما قالوا: قلَّما تقومنّ. وذهب الكسائي في قوله:
إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها6
إلى أنه عدَّى "رضيت" بعلى لما كان ضدّ سخطت, وسخطت مِمَّا يعدَّى بعلى, وهذا واضح. وكان أبو علي يستحسنه من7 الكسائي, فكأنه قال: إن ينج منها ينج غير مرقيّ منها, وصار قوله: لم "أرقه" بدلًا من الجواب ودليلًا عليه.
__________
1 يريد الحكم بن عبد الملك بن بشر بن مروان. وبين الشطرين بضعة أشطار في الديوان. والمعتنك: البعير يصعد في العانك من الرمل، وهو المتعقد منه, ولا يقطعه البعير إلّا بجهد، والبعير قد يحبو حتى يقطعه، ويتلطف لذلك فهو يقول: إن لم تجهد في معونتي وتحتل لذلك وتتلطف فقد لحق بي الهلاك.
2 سقط ما بين القوسين في ش, وثبت في د، هـ، ز.
3 ذلك أن جوعان فعله جاع على فعل -بفتح العين- وفعلان قياس في الوصف من فعل بكسر العين كشبع، وإنما قياس الوصف من جاع جائع، ولكن جاء الوصف على وزان ضدّه وهو شبعان, فقيل: جوعان.
4 كأنه يريد أن "علم" بابه أن يكون على فعل -بضم العين- لكونه غريزة كما يقام حلم؛ ولكنه حمل على جهل فجاء على فعل -بكسر العين- وجهل جاء هكذا حملًا على حرد. وانظر الكتاب 2/ 225.
5 يريد أن نون التوكيد دخلت في "قلَّما تقومنَّ" لما في "قلما" من النفي الشبيه بالنهي، وقد حمل "كثر ما" على "قلما" فأكّد معها. وانظر ابن يعيش 9/ 43.
6 انظر ص313، من هذا الجزء.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "على". وفي ط: "عن".

(2/391)


فهذه وجوه التقديم والتأخير في كلام العرب. وإن كنا تركنا منها شيئًا فإنه معلوم الحال ولاحق بما قدمناه.
وأما الفروق1 والفصول فمعلومة المواقع2 أيضًا.
فمن قبيح الفرق بين المضاف والمضاف إليه, والفصل بين الفعل والفاعل بالأجنبيّ, وهو دون الأول, ألا ترى إلى جواز الفصل بينهما بالظرف نحو قولك: كان فيك زيد راغبًا, وقُبح الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف؛ نحو قول الفرزدق:
فلمّا للصلاة دعا المنادي ... نهضت وكنت منها في غرور3
وسترى ذلك.
ويلحق بالفعل والفاعل في ذلك المبتدأ والخبر في قبح الفصل بينهما.
" وعلى الجملة فكلَّما ازداد الجزءان اتصالًا قوي قُبْح الفصل بينهما"4.
فمن الفصول والتقديم والتأخير قوله:
فقد والشك بَيَّن لي عناء ... بوشك فراقهم صُرَدٌ يصيح5
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "الفرق".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "المواضع".
3 هذا من غزل قصيدة يمدح فيها الوليد بن عبد الملك. وقد ذكر أنه زاره طيف محبوبته في المنام, وهو يقول فيه قبل هذا البيت:
فبت معانقًا أرنو وأرني ... ومرات على كفل وثير
وبتنا في الرداء معًا كأنا ... لنا ملك الخورنق والسدير
فقوله: "نهضت" أي: هببت من نومي وأيقظني أذان الفجر, وقوله: "وكنت منها في غرور" أي: كان متاعه بمحبوبته الحلم, فكان ذلك باطلًا. وانظر الديوان 1/ 349, والفصل فيه بين المضاف والمضاف إليه مبني على أن "لما" اسم بمعنى حين، مضاف إلى جملة "دعا المنادي" والعامل فيه "نهضت".
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
5 انظر ص331 من الجزء الأول.

(2/392)


أراد: فقد بيَّن لي صُرَدٌ يصيح بوشك فراقهم, والشك عناء. ففيه من الفصول ما أذكره. وهو الفصل بين "قد" والفعل الذي هو1 بين. " وهذا"2 قبيح لقوة اتصال "قد" بما تدخل عليه من الأفعال, ألا تراها تعتد مع الفعل كالجزء منه. ولذلك دخلت اللام المراد بها توكيد الفعل على "قد", في نحو قول الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} 3 وقوله سبحانه: {لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} 4 وقوله 5:
ولقد أجمع رجالي بها ... حذر الموت وإني لفرور6
وفصل بين المبتدأ الذي هو الشكّ وبين الخبر الذي هو عناء بقوله: "بيَّن لي"، وفصل بين الفعل الذي هو "بيَّن" وبين فاعله الذي هو "صُرَدٌ" بخبر المبتدأ الذي هو "عناء"، وقدَّم قوله: "بوشك فراقهم" وهو معمول "يصيح", ويصيح صفة لصرد على صرد, وتقديم الصفة أو ما يتعلق بها على موصوفها قبيح, ألا ترى أنك لا تجيز: هذا اليوم رجل ورد من موضع كذا؛ لأنك تريد: هذا رجل ورد اليوم من موضع كذا, وإنما يجوز وقوع المعمول فيه بحيث يجوز وقوع العامل, فكما لا يجوز تقديم الصفة على موصوفها كذلك لا يجوز تقديم ما اتَّصل بها على موصوفها, كما لا يجوز تقديم معمول المضاف إليه على نفس المضاف، لما7 لم يجز تقديم المضاف إليه عليه, ولذلك لم يجز قولك: القتال زيدًا حين تأتي, وأنت تريد: القتال حين تأتي زيدًا.
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فهذا".
3 آية: 65 سورة الزمر.
4 آية: 102، سورة البقرة.
5 أي: عمرو بن معد يكرب الزبيدي. وانظر الحماسة بشرح التبريزي "التجارية" 1/ 176، ومعاني ابن قتيبة 49.
6 "أجمع رجليّ بها" الضمير في "بها" يعود إلى فرسة, تريد أنه يضم رجليه عليها، يستدرُّ جريها ويستحثها, يريد أنه يحجم ويفر في الحرب إذا كان في الفرار الحزم والنجاة. وليست الشجاعة أن يحمل الرجل نفسه على الهلكة، وانظر شعره في الموطن السالف.
7 كذا في ز. وفي ش: "كما".

(2/393)


فمتى رأيت الشاعر قد1 ارتكب مثل هذه الضرورات على قبحها, وانخراق الأصول بها, فاعلم أن ذلك على ما جشمه منه وإن دلَّ من وجه على جوره وتعسفه, فإنه من وجه آخر مؤذِن بصياله وتخمطه2، وليس بقاطع دليل على ضعف لغته, ولا قصوره عن اختياره الوجه الناطق بفصاحته. بل مثله في ذلك عندي مثل مجرى الجموح بلا لجام, ووارد الحرب الضروس1 حاسرًا من غير احتشام. فهو وإن كان ملومًا في عنفه وتهالكه, فإنه مشهود له بشجاعته وفيض منته3؛ ألا تراه لا يجهل أن لو تكفر4 في سلاحه أو أعصم4 بلجام جواده لكان أقرب إلى النجاة وأبعد عن الملحاة5؛ لكنه جشم ما جشمه على علمه بما يعقب اقتحام مثله إدلالًا بقوة طبعه ودلالة على شهامة6 نفسه. ومثله سواءً ما يحكى عن بعض الأجواد أنه قال: أيرى7 البخلاء أننا لا نجد بأموالنا ما يجدون بأموالهم, لكنا نرى أن8 في9 الثناء بإنفاقها عوضًا9 من حفظها بإمساكها10. ونحو منه قولهم: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، وقول الآخر 10:
لا خير في طمع يدني إلى طبع ... وغفَّة من قوام العيش تكفيني
فاعرف بما ذكرناه حال ما يرد في معناه, وأن الشاعر إذا أورد منه شيئًا فكأنه
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 يقال: تخمط الفحل: هدر وثار. وتخمط: تكبر.
3 أي دخل في سلاحه وتغطى به واستتر.
4 في ز: "اعتصم"، والاعتصام والإعصام بمعنى واحد.
5 الملحاة: اللوم، وهو مفعلة من لحوت: قشرته.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "شهومة".
7 كذا في ش، ز، ط. وفي ج: "يرى".
8 سقط في ز، ط.
9 سقط في ج. وفيها: "عوض".
10 كذا في ش. وفي د، ز، ط: "وإمساكها".
11 هو عروة بن أذينة, وانظر مجموعة المعاني 68، والأغاني 21/ 164, وفيها:
وغبّر من كفاف العيش يكفيني
وفي أمالي المرتضى هذا البيت في ضمن أبيات لثابت قطنة. والطبع: العيب. والعفة: ما يتبلغ به ويقتات, وقوله: "فوام" في ج: "صباب" والصباب: البقية.

(2/394)


لأنسه بعلم غرضه وسفور مراده لم يرتكب صعبًا, ولا جشم إلّا أمما1، وافق بذلك قابلًا له, أو صادف غير آنس به, إلا أنه هو2 قد استرسل واثقًا, وبنى الأمر على أن ليس ملتبسًا.
ومن ذلك قوله:
فأصبحت بعد خط بهجتها ... كأنَّ قفرًا رسومها قلما3
أراد: فأصبحت بعد بهجتها قفرًا كأنَّ قلما خط رسومها, ففصل بين المضاف الذي هو "بعد"، والمضاف إليه الذي هو "بهجتها" بالفعل الذي هو "خط", وفصل أيضًا بخط بين "أصبحت" وخبرها الذي هو "قفرًا"، وفصل بين كأنّ واسمها الذي هو "قلَّما" بأجنبيين: أحدهما قفرًا, والآخر: رسومها4؛ ألا ترى أن رسومها4 مفعول خطَّ الذي هو خبر كأن, وأنت لا تجيز: كأن خبزًا زيدًا آكل. بل إذا لم تجز الفصل بين الفعل والفاعل على قوة الفعل في نحو5 كانت زيدًا الحُمَّى تأخذ6, كان ألا تجيز الفصل بين كأن واسمها بمفعول فاعلها أجدر7.
نعم وأغلظ من ذا أنه قدَّم خبر كأنَّ عليها, وهو قوله: خطَّ, فهذا ونحوه مما لا يجوز لأحد قياس عليه. غير أنَّ فيه ما قدمناه ذكره من8 سموّ الشاعر وتغطرفه9، وبأوه9، وتعجرفه9. فاعرفه واجتنبه.
ومن ذلك بيت الكتاب:
وما مثله في الناس إلا مملكًا ... أبو أمه حي أبوه يقاربه10
وحديث ما فيه معروف، فلندعه ولنعد عنه.
__________
1 هو اليسير، والبين من الأمر.
2 سقط في د، هـ، ز.
3 ورد البيت في اللسان "خطط" غير معزوّ.
4 في ش. "رسومًا".
5 سقط في ز.
6 في ش: "تأخذه".
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "أحرى".
8 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
9 التغطرف: التكبر. والبأو: الفخر. والتعجرف: الإقدام في هوج وعدم المبالاة.
10 انظر من 147 من الجزء الأول.

(2/395)


وأما1 قول الفرزدق:
إلى ملك ما أمه من محارب ... أبوه ولا كانت كليب تصاهره2
فإنه مستقيم ولا3 خبط فيه, وذلك أنه أراد: إلى ملك أبوه ما أمه من محارب, أي: ما أم أبيه من محارب, فقدَّم خبر الأب4 عليه، وهو جملة؛ كقولك: قام أخوها هند, ومررت بغلامهما5 أخواك.
وتقول على هذا: فِضَّته محرقة سرجها فرسك, تريد: فرسك سرجها فضته محرقة, ثم تقدَّم خبر السرج أيضًا عليه فتقول: فضته محرقة سرجها فرسك, فإن زدت على هذا شيئًا قلت: أكثرها محرق فضته سرجها فرسك, أردت: فرسك سرجها فضته أكثرها محرق, فقدَّمت الجملة التي هي خبر عن الفضة عليها, ونقلت الجمل عن مواضعها شيئًا فشيئًا, وطريق تجاوز هذا6 والزيادة في الأسماء والعوائد واضحة. وفي الذي مضى منه كافٍ بإذن الله.
فأما قوله:
معاوي لم ترع الأمانة فارعها ... وكن حافظًا لله والدين شاكر7
فإن "شاكر" هذه قبيلة. أراد: لم ترع الأمانة شاكر فارعها, وكن حافظًا لله والدين. فهذا شيء من الاعتراض, وقد قدمنا ذكره وعلة حسنه ووجه جوازه.
__________
1 في د، هـ، ز: "فأما".
2 من قصيدته في مدح الوليد بن عبد الملك, وفي الديوان طبع أوربا ص220: "أبوها". وهو المناسب لقوله بعد:
ولكن أبوها من رواحة ترتقي ... بأيامه قيس على من تفاخره
3 سقط حرف العطف في ش.
4 في د، هـ، ز: "الأم" وما هنا في ش، ط.
5 كذا في ش. وفي ج: "بغلاميهما" وفي ز: "بغلامها".
6 في ز: "أو".
7 انظر ص331، من الجزء الأول.

(2/396)


وأما قوله 1:
يومًا تراها كمثل أردية العص ... ب ويومًا أديمها نِغَلا2
فإنه أراد: تراها يومًا كمثل أردية العصب, وأديمها يومًا آخر نغلا, ففصل بالظرف بين حرف العطف والمعطوف به على المنصوب من قبله, وهو "ها " من تراها. وهذا أسهل من قراءة من قرأ {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} 3 إذا جعلت "يعقوب" في موضع جر, وعليه تلقّاه القوم من4 أنه مجرور الموضع. وإنما كانت الآية أصعب مأخذًا من قِبَل أنَّ حرف العطف منها الذي هو الواو ناب عن الجار الذي هو الباء في قوله "بإسحاق"، وأقوى أحوال حرف العطف أن يكون في قوة العامل قبله, وأن يلي من العمل ما كان الأول يليه, والجار لا يجوز فصله من مجروره, وهو في الآية قد فُصِل بين الواو5 ويعقوب بقوله: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ} . والفصل بين الجار ومجروره لا يجوز, وهو أقبح منه بين المضاف والمضاف إليه. وربما6 فرد الحرف منه فجاء منفورًا عنه؛ قال:
لو كنت في خلقاء أو رأس شاهق ... وليس إلى منها النزول سبيل7
__________
1 أي: الأعشى، وانظر اللسان "نغل"، والصبح المنير 155.
2 من قصيدته في مدح سلامة ذي فائش التي أوّلها:
إن محلًا وإن مر تحلًا ... وإن في السفر إذ مضوا مهلا
وقبل الشاهد:
والأرض حمالة لما حل الل ... هـ وما إن تردّ ما فعلا
والعصب: ضرب من البرود, والنغل: وصف من نغل إذا فسد، ونغل وجه الأرض: تهشمه من الجدوية. يريد أن الأرض في أيام الربيع تزدان بالنبات والأزهار، وفي غيره يجف أديمها ويبس.
3 آية: 71، سورة هود وقراءة فتح ياء يعقوب قراءة ابن عامر وحمزة وحفص. وقرأ الباقون بالرفع.
4 سقط في د، هـ، ز، ط.
5 كذا في ش، ز، في ط: "الجار".
6 أي: انفراد. وقوله. "منه" أي: من المجور. وفي ط: "يرد".
7 خلقاء أي: ملساء، هي صفة لمحذوف وهو صخرة. ويريد الشاهق جبلًا عاليًا.

(2/397)


ففصل بين حرف الجر ومجروره بالظرف الذي هو "منها", وليس كذلك حرف العطف في قوله:
ويومًا أديمها نغلا
لأنه عطف على الناصب الذي هو ترى1, فكأن الواو أيضًا ناصبة, والفصل بين الناصب ومنصوبه ليس كالفصل بين الجار ومجروره.
وليس كذلك قوله 2:
فصلقنا في مراد صلقة ... وصداء ألحقتهم بالثلل3
"فليس منه"4 لأنه لم يفصل بين حرف العطف وما عطفه5، وإنما فيه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالمصدر الذي هو "صلقة", وفيه أيضًا الفصل بين الموصوف الذي هو "صلقة" وصفته التي هي قوله "ألحقتهم بالثلل"6 بالمعطوف والحرف العاطفة, أعني قوله: وصداء, وقد جاء مثله أنشدنا 7:
أمرّت من الكتّان خيطًا وأرسلت ... رسولًا إلى أخرى جريًّا يعينها
أراد: وأرسلت إلى أخرى رسولًا جريًّا.
__________
1 كذا في ش. وفي ز، ط: "تراها".
2 أي: لبيد. وانظر اللسان "ثلل" و"صلق"، والديوان.
3 من قصيدته التي أولها:
إنّ تقوى ربنا غير نقل ... وبإذن الله ريثي وعجل
وبعد الشاهد:
ليلة العرقوب لما غامرت ... جعفر تدعى ورهط ابن شكل
يقال: صلق بني فلان وفي بني فلان: أوقع بهم وقعة منكرة. ومراد وصداه: قبيلتان. والثلل: الهلاك. ويوم العرقوب: من أيام العرب؛ كما في ياقوت. وانظر الديوان 2/ 14.
4 كذا في ز؛ ط. وسقط ما بين القوسين في ش.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "عاطفة" وهو تحريف عن "عاطفه" على صيغة الفعل من المفاعلة.
6 في د، هـ، ز: "بالثلك" كما تقدَّم في البيت وهو تحريف كما سبق.
7 في د، هـ، ز: "أنشدنا"، والجريّ: الرسول لجريه في أداء رسالته.

(2/398)


والأحسن عندي في يعقوب من قوله -عز اسمه: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} فيمن فتح أن يكون في موضع نصب بفعل مضمر دلَّ عليه قوله: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} أي: وآتيناها يعقوب, فإذا فعلت ذلك لم يكن فيه فصل بين الجار والمجرور. فاعرفه.
فأما قوله:
فليست خراسان التي كان خالد ... بها أسد إذ كان سيفًا أميرها
فحديثه طريف. وذلك أنه -فيما ذكر- يمدح خالد بن الوليد ويهجو أسدًا, وكان أسد وليّها بعد خالد "قالوا فكأنه"1 قال: وليست خراسان بالبلدة التي كان خالد بها سيفًا؛ إذ كان أسد أميرها, ففي2 كان على هذا ضمير الشأن والحديث, والجملة بعدها التي هي "أسد أميرها" خبر عنها. ففي هذا التنزيل أشياء: منها الفصل بين اسم كان الأولى وهو خالد, وبين خبرها الذي هو "سيفًا" بقوله: "بها أسد إذ كان" فهذا واحد.
وثانٍ: أنه قدَّم بعض ما "إذ" مضافة إليه وهو أسد عليها, وفي تقديم المضاف إليه أو شيء منه على المضاف من القبح والفساد ما لا خفاء به ولا ارتياب, وفيه أيضًا أن "أسد" أحد جزأي الجملة المفسرة للضمير على شريطة التفسير, أعني: ما في3 كان منه. وهذا الضمير لا يكون تفسيره إلّّّّا من بعده. ولو تقدَّم تفسيره قبله لما احتاج إلى تفسير, ولما سمَّاه الكوفيون الضمير4 المجهول.
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فقالوا كأنه".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وفي".
3 سقط في هذا الحرف في د، هـ، ز.
4 في المغني "المواضع التي يعود الضمير فيها على متأخر لفظًا ورتبة": "ضمير المجهول".

(2/399)


فإن قلت: فقد قال الله تعالى: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} 1 فقدَّم "إذا" وهي منصوبة ب"شاخصة", وإنما يجوز وقعوع المعمول بحيث يجوز وقوع العامل, فكأنه على هذا قال: فإذا هي2 شاخصة هي أبصار الذين كفروا, و"هي" ضمير القصة, وقد ترى كيف قدرت تقديم أحد الجزأين اللذين يفسرانها عليها, فكما جاز هذا "فكذلك يجوز"3 أيضًا أن يقدّم "أسد" على الضمير في "كان", وإن كان أسد أحد جزأي تفسير هذا الضمير.
قيل: الفرق أن الآية إنما تقدَّم4 فيها الظرف المتعلق عندك بأحد جزأي تفسير الضمير وهو5 شاخصة, والظرف مما يتسع الأمر6 فيه ولا تضيق مساحة7 التعذر8 له بأن تعلّقه بمحذوف يدل9 عليه شاخصة أو10 شاخصة أبصار الذين كفروا, كما تقول في أشياء كثيرة نحو قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} 11
__________
1 آية: 97، سورة الأنبياء.
2 كذا في الأصول التي يهدي. والمقام يقضي بحذفها.
3 كذا في ش. وفي ز: "فكذلك ليجوزنّ". وفي ط: "كذلك فليجوزنّ".
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يقدم".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "هي". وفي ط: "وهو وهي".
6 سقط هذا اللفظ في ش. وعليه يقرأ "يتَّسع" بالبناء للمفعول.
7 في د: "ساحة".
8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "العذر".
9 في ز: "تدل".
10 كذا في ش، ز. وفي ط: "أي".
11 آية 101 سورة المؤمنين, وهو يريد أن "إذا" في الآية نصبها ما في الجواب {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} وقد تقرر أن "لا" لها التصدر, فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها. والعذر في ذلك أن "إذا" ظرف يتوسّع في أمره.

(2/400)


وقوله: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 1 وقول الشاعر 2:
وكنت أرى زيدًا كما قيل سيدًا ... إذا إنه عبد القفا واللهازم
فيمن كسر إنّ.
وأمّا البيت فإنه قدّم فيه أحد الجزأين البتة وهو أسد. وهذا ما لا3 يسمح به، "ولا يُطوى كشح"4 عليه. وعلى أنه أيضًا قد يمكن أن تكون "كان" زائدة, فيصير تقديره: إذ أسد أميرها. فليس في هذا أكثر من شيء واحد, وهو ما قدَّمنا ذكره من تقديم ما بعد "إذ" عليها وهي مضافة إليه. وهذا أشبه من الأول, ألا ترى أنه إنما نعى على5 خراسان إذ أسد أميرها؛ لأنه إنما فضّل أيام خالد المنقضية بها على أيام أسد المشاهدة فيها, فلا حاجة به إذًا إلى "كان"؛ لأنه أمر حاضر مشاهد. فأما "إذ" هذه فمتعلقة بأحد شيئين: إمّا بليس وحدها, وإما بما دلت عليه من غيرها, حتى كأنه قال: خالفت خراسان إذ أسد أميرها حالتها التي كانت عليه6 لها أيام ولاية خالد لها, على حد ما تقول فيما يضمّ7 للظروف "لتتناولها، وتصل"8 إليها.
__________
1 آية: 7، سورة سبأ, وهو يريد كما سبق في الآية السالفة أن الجواب {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} لا يصلح للعمل في "إذا"؛ لأنّ "إن" لها الصدر أيضًا لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، والعذر هو ما سبق.
2 هذا من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها, وقوله: "أرى" بضم الهمزة، أي: أظن، والهازم: عروق القفا, ومعنى عبد القفار واللهازم: أن من ينظرهما يتبين عبوديته ولؤمه. وانظر الكتاب 1/ 472، والخزانة: 4/ 403.
3 في د، هـ، ز: "مما".
4 كذا في ز، وفي ش: "فطوى كشحًا".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "حال".
6 سقط في ش.
7 كذا في ز. وفي ش: "يضمر".
8 كذا في ز. وفي ش: "ليتناولها ويصل".

(2/401)


فإن قلت: فكيف يجوز لليس أن تعمل في الظرف1 وليس فيها تقدير حدث؟
قيل: جاز ذلك فيها من حيث جاز أن ترفع وتنصب, وكانت على مثال الفعل، فكما2 عملت الرفع والنصب وإن عريت من معنى الحدث, كذلك أيضًا تنصب الظرف لفظًا "كما عملت الرفع والنصب لفظًا"3، ولأنها على وزن الفعل. وعلى ذلك وجه أبو علي قول الله سبحانه: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} 4 لأنه أجاز في نصب "يوم" ثلاثة أوجه: أحدها5 أن يكون متعلقًا بنفس "ليس" من حيث ذكرنا من الشبه اللفظي, وقال لي أبو علي -رحمه الله- يومًا: الظرف يتعلق بالوهم مثلًا.
فأما قول الآخر:
نظرت وشخصي مطلع الشمس ظله ... إلى الغرب حتى ظله الشمس قد عقل
فقيل فيه: أراد نظرت6 مطلع الشمس وشخصي ظله إلى الغرب، حتى عقل الشمس ظله أي: حاذاها7، فعلى هذا التفسير قد فصل بمطلع الشمس بين المبتدأ وخبره, وقد يجوز ألّا يكون فصل8، لكن على أن يتعلق مطلع الشمس بقوله: إلى الغرب, حتى كأنه قال: شخصي ظله إلى الغرب وقت طلوع الشمس, فيعلق الظرف بحرف الجر الجاري خبرًا عن الظل؛ كقولك: زيد من الكرام يوم الجمعة, فيعلق الظرف بحرف الجر, ثم قدّم الظرف لجواز تقديم ما تعلق به إلى موضعه, ألا تراك تجيز أن تقول: شخصي إلى الغرب ظله, وأنت تريد: شخصي ظله إلى الغرب. فعلى هذا تقول: زيد يوم الجمعة أخوه من الكرام, ثم تقدم فتقول: زيد من الكرام يوم الجمعة أخوه. فاعرفه.
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "الظروف".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وكما".
3 سقط ما بين القوسين في ش.
4 آية: 8، سورة هود.
5 لم يأت في ش، د، هـ، ز، ط بقية الأوجه. وذلك أنه لا يتعلق غرضه إلا بما ذكره. وفي ج: "القول الثاني: بما دلت عليه من معنى. والثالث: بمصروف", وقوله: "من معنى" يريد معنى الانتفاء.
6 سقط سقط في د، هـ، ز.
7 في ز، ط: "فصلًا".
8 وذلك أن يحاذي صاحب الظل الشمس فتكون غير حائلة عنه، وذلك في الزوال إذا قام قائم الظهيرة. وتراه عدَّى الفعل، ورد في اللسان والقاموس لازما.

(2/402)


وقال الآخر:
أيا بن أناس هل يمينك مطلق ... نداها إذا عُدَّ الفعال شمالها1
أراد: هل يمينك شمالها مطلق نداها. ف"ها" من "نداها" عائد إلى الشمال لا اليمين, والجملة خبر عن يمينها2.
وقال الفرزدق:
ملوك يبتنون توارثوها ... سرادقها المقاول والقبابا3
أراد: ملوك يبتنون المقاول والقباب توارثوها سرادقها. فقوله: "يبتنون المقاول والقباب " صفة لموك4. وقوله: توارثوها سرادقها صفة ثانية لملوك5، موضعها التأخير, فقدمها وهو يريد بها موضعها كقولك: مررت برجل مكلِّمها مارٍّ بهند, أي: مار بهند مكلمها, فقدَّم الصفة الثانية وهو معتقد تأخيرها. ومعنى يبتنون المقاول أي: أنهم يصطنعون المقاول ويبتنونهم؛ كقول المولّد:
يبني الرجال وغيره يبني القرى ... شتان بين قرى وبين رجال6
وقوله: "توارثوها" أي: توارثوا الرجال والقباب. ويجوز أن تكون الهاء ضمير المصدر؛ أي: توارثوا هذه الفعلات.
__________
1 "أيابن أناس" كذا في ش. وفي ج: "إياس" في مكان "أناس", وفي د، هـ، ز، ط: "أنا ابن أناس".
2 كذا في الأصول التي بيدي يريد يمين الشمال, والأولى: "يمينك".
3 قبله أول القصيدة:
أنا ابن العاصمين بني تميم ... إذا ما أعظم الحدثان نابا
تماني كل أصيد دارميّ ... أغرّ ترى لقبته حجابا
وانظر النقائض طبع أوربا 451. والمقاول: جمع المِقْوَل، بكسر الميم وسكون القاف؛ وهو كالقبل: الملك على قومه دون الملك الأعظم.
4 كذا في ش، ط. وفي ز: "الملوك".
5 كذا في ط. وفي ش، ز: "اللوك".
6 في المحاسن والمساوئ للبيهقي "ص174 طبعة بيروت 1960" هذا النص: "ونظر المأمون إلى ابنه العباس وأخيه المعتصم، وكان العباس يتخذ المصانع ويبني الضياع, والمعتصم يتخذ الرحال، فقال شعرًا:
يبني الرجال وغيره يبني القرى ... شتان بين قرى وبين رجال
فلق بكثرة ماله وضياعه ... حتى يفرقه على الأبطال

(2/403)


فأما ما أنشده أبو الحسن من قوله 1:
لسنا كمن حلت إياد دارها ... تكريت ترقب حبها أن يحصدا
فمعناه: لسنا كمن حلت دارها ثم أبدل "إياد" من "من حلت دارها" , فإن حملته على هذا كان لحنًا؛ لفصلك بالبدل بين بعض الصلة وبعض, فجرى ذلك في فساده مجرى قولك: مررت بالضارب زيد جعفرًا. وذلك أن البدل إذا جرى على المبدل منه آذن بتمامه وانقضاء أجزائه, فكيف يسوغ لك أن تبدل منه وقد بقيت منه بقية هذا خطأ في الصناعة, وإذا كان كذلك والمعنى عليه أضمرت ما يدل عليه "حلت" فنصبت به الدار, فصار تقديره: لسنا كمن حلت إياد, أي: كإيادٍ التي حلت, ثم قلت من بعده: حلت دارها. فدلَّ "حلت" في الصلة على "حلت" هذه التي نصبت "دارها".
ومثله قول الله سبحانه: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ، يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} 2 "أي: يرجعه يومن تبلى السرائر"3 فدلَّ "رجعه" على يرجعه, ولا يجوز أن تعلق "يوم" بقوله: "لقادر"؛ لئلّا يصغر المعنى؛ لأن الله تعالى قادر يوم تبلى السرائر وغيره في كل وقت وعلى كل حال على رجع البشر وغيرهم. وكذلك قول4 الآخر.
__________
1 أي: الأعشى، وكان قومه أغاروا على سواد العراق، وهو في سلطان كسرى، فغضب كسرى وطلب منهم رهائن، فأبى قومه ذلك. ويذكر الأعشى في هذه القصيدة أتهم بدو لا يستذلون، وليسوا كإياد الذين أقاموا في تكريت -وهو بلد على دجلة- فعالجوا الزرع والحرث ورضوا بالهوان.
ويقول في مطلع خطابه لكسرى بعد غزل القصيدة:
من مبلغ كسرى إذا ما جاءه ... عني مآلك مخمشات شرّدا
آليت لا نعطيه من أبنائنا ... رهنًا لنفسدهم كمن قد أفسدا
وقوله: "كمن حلت" يروى: "كما حلت" وانظر الصبح المنير 150 وما بعدها، واللسان "منن".
2 آيتا: 8، 9 سورة الطارق.
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
4 في د، هـ، ز: "قوله".

(2/404)


ولا تحسبنَّ القتل محضًا شربته ... نزارًا ولا أن النفوس استقرت1
ومعناه: لا تحسبن قتلك نزارًا محضًا شربته؛ إلا أنه وإن كان هذا معناه فإن إعرابه على غيره وسواه, ألا ترى أنك إن حملته على هذا جعلت "نزارًا" في صلة المصدر الذي هو "القتل", وقد فصلت بينهما بالمفعول الثاني الذي هو "محضًا"، وأنت لا تقول: حسبت ضربك جميلًا زيدًا, وأنت تقدره على: حسبت ضربك زيدًا جميلًا, لما فيه من الفصل بين الصلة والموصول بالأجنبي. فلا بُدَّ إذًا من أن تضمر لنزار ناصبًا يتناوله يدل عليه قوله: "القتل" أي: قتلت نزارًا. وإذا جاز أن يقوم الحال مقام اللفظ بالفعل كان اللفظ بأن يقوم مقام اللفظ أولى وأجدر.
وذاكرت المتنبيء شاعرنا نحوًا من هذا, وطالبته به في شيء من شعره فقال: لا أدري ما هو إلّا أن الشاعر قد2 قال:
لسنا كمن حلت3 إيادٍ دارها
البيت4. فعجبت من ذكائه وحضوره مع قوة المطالبة له5 حتى أورد ما هو في معنى البيت الذي تعقبته6 عليه من شعره, واستكثرت ذلك منه. والبيت قوله:
وفاؤكما كالربع ِأشجاه طاسمه ... بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه7
وذكرنا ذلك لاتصاله بما نحن عليه, فإن الأمر يذكر للأمر.
__________
1 المحض: اللبن الخالص لا رغوة فيه, ونزار: القبيلة التي أبوها نزار بن معد.
2 سقط هذا الحرف في ش.
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "جعلت".
4 كذا في ش، ط. وفي ز:
تكريت تمنع حبها أن يحصدا
5 كذا في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تعقبه".
7 فقوله: "بأن تسعدا" متعلق بقوله: "وفاؤكما", وكان صاحباه ما هداه على أن يسعد بالبكاء عند ربع الأحبة. فيقول: وفاؤكما بذلك كالربع, وذلك أن أبعثه على الحزن الدارس منه، وكذلك بكاؤهما لم يكن يسكب الدموع, فكان أشجى كالربع.
انظر شرح البيت وما قيل فيه, العكبري (بولاق 2/ 254"، وأمالي ابن الشجري "1/ 194".

(2/405)


وأنشدنا أبو علي للكميت:
كذلك تلك وكالناظرات ... صواحبها ما يرى المسحل1
أي: وكالناظرات ما يرى المسحل صواحبها. فإن حملته على هذا ركّبت قبح الفصل, فلا بُدَّ إذًا أن يكون "ما يرى المسحل" محمولًا على مضمر يدل عليه قوله "الناظرات", أي: نظرن ما يرى المسحل.
وهذا الفصل الذي نحن عليه ضرب من الحمل2 على المعنى, إلا أنا3 أوصلناه بما تقدمه لما فيه من التقديم والتأخير في ظاهره, وسنفرد للحمل على المعنى فصلًا بإذن الله4.
وأنشدوا:
كأنَّ برذون أبا عصام ... زيدٍ حمار دق باللجام5
أي: كأن برذون زيديا أبا عصام حمار دقّ باللجام. والفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف وحرف الجر قبيح6 كثير؛ لكنه من ضرورة الشاعر, فمن ذلك قول7 ذي الرمة:
كأنَّ أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج8
__________
1 "تلك" في ج: "تيك". والمسحل: جانب اللحية، وهو موطن الشيب.
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "المحمول".
3 كذا في ش. وفي ز، ط: "أنه وصلناه".
4 انظر ص413 من هذا الجزء.
5 انظر العيني 3/ 480.
6 سقط في ش، ط. وثبت في د، هـ، ز.
7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "قوله".
8 هذا في وصف الإبل. والإيغال: الإبعاد في الأرض, وأراد به شدة السير، والميس: شجر تتخذ منه الرحال، وأراد به الرحل. الفراريج: صغار الدجاج. يريد أن رحالهم جدد وقد طال السير, فبعض الرحل يحك بعضًا فيكون له صوت يشبه صوت الفراريخ. انظر الكتاب 1/ 92، والخزانة 2/ 119، والديوان 76.

(2/406)


"أي: كأن أصوات أواخر الميس من إيغالهن بنا أصوات الفراريج"1.
وقوله 2:
كما خُطَّ الكتاب بكفِّ يومًا ... يهودي يقارب أو يزيل
"أي: بكف يهودي"3.
وقوله:
هما أخوا في الحرب من لا أخاله ... إذا خاف يومًا نبوة فدعاهما4
أي: هما أخوا مَنْ لا أخا له في الحرب, فعلق الظرف5 بما في "أخوا" من معنى الفعل؛ لأن معناه: هما ينصرانه ويعاونانه.
وقوله 6:
هما خطتا إما إسارٍ ومنةٍ ... وإما دمٍ والقتل بالحرّ أجدر
ففصل7 بين "خُطَّتا" و"إسارٍ" بقوله "إما"، ونظيره8 هو غلام, إمّا زيد وإما عمرو. وقد ذكرت هذا البيت في جملة كتابي "في تفسير أبيات الحماسة"، وشرحت حال الرفع في إسار ومنة.
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش، وثبت في د، هـ، ز، ط.
2 أي: أبي حية التميري. يصف رسم الدار التي وقف عليها، ويشبهه بالكتابة، وكانت الكتابة يتعاطاها اليهود. وقوله: "يقارب" أي: يدني بعض خطه من بعض. وقوله: "يزيل" أي: تميز بين الحروف، ويباعد بينها، وانظر شواهد العيني 3/ 470، واللسان "عجم".
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط.
4 انظر الكتاب 1/ 92، وحاشية الجزء الأول من هذا الكتاب 297.
5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "في الظرف".
6 أي: تأبط شرًّا. وانظر الخزانة 3/ 356.
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فصل".
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "نظير هذا".

(2/407)


ومن ذلك قوله:
فزججتها بمزَجَّة ... زجَّ القلوص أبي مزاده1
أي: زج أبي مزادة القلوص, ففصل بينهما بالمفعول به. هذا مع قدرته على أن يقول: زج القلوص أبو مزادة, كقولك: سرَّني أكل الخبز زيد, وفي هذا البيت عندي دليل على قوة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم, وأنه في نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول, ألا تراه ارتكب ههنا الضرورة مع تمكنه من ترك ارتكابها لا لشيء غير الرغبة في إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول.
فأما قوله2:
يطفن بحوزي المراتع لم يُرَعْ ... بواديه من قرع القسيّ الكنائن
فلم نجد فيه بدًّا من الفصل؛ لأن القوافي مجرورة. ومن ذلك قراءة "ابن عامر"3:
__________
1 يقال: زجه: طعنه بالزج هو سنان الرمح, والمزجة: رمح قصير, والقلوص: الناقة الفتية. وكأنّ الضمير في "زججتها" لراحلته. وقوله: "بمزجة" كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "متمكنًا" ويذكر الزمخشري في المفصل أن هذا البيت يوجد في بعض نسخ الكتاب، وأن سيبويه يرمي من عهدته، وانظر العيني 3/ 468، والخزانة 2/ 251، وابن يعيش 3/ 19.
2 أي: الطرماح. وقبله:
يخافتن بعض المضغ من خشية الردى ... وينصتن للسمع إنتصات القناقن
وهو في وصف بقر الوحش, والقناقن -بفتح القاف الأول- جمع القنقن -بكسر القافين, والقناقن -بضم القاف الأولى وكسر الثانية- وهو المهندس الذي يعرف الماء تحت الأرض. والحوزي: فحلها، وهو الأصل المتوحد، وقوله: "لم يرع بواديه" أي: يفزع بالوادي الذي هو فيه. وفي اللسان "حوز", والديون 169: "ترع بوادية", وضبط "ترع" بالبناء للقاعل، و"باديه" بفتح الباء جمع البادي، أو البادية. وفي شواهد العيني 3/ 464: "وأراد بالبوادي البوادر" وواحدها بادرة، وهي ما يظهر عند الغضب من حدة وغيرها. وقوله: "من قرع القسي الكنائن" أي: من تعرض الصاد له.
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "من قرأ".

(2/408)


{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} 1 وهذا في النثر وحال السعة صعب2 جدًّا3، ولا سيما والمفصول به مفعول لا ظرف.
ومنه بيت الأعشى:
إلا بداهة أو علا ... لة قارح نهد الجزاره4
ومذهب5 سيبويه فيه الفصل بين "بداهة" و"قارح"؛ وهذا أمثل عندنا من مذهب غيره فيه؛ لما قدمنا6 في غير هذا الموضع. وحكى الفراء عنهم: برئت إليك من خمسة وعشري النخاسين, وحكى أيضًا: قطع الله الغداة يد ورجل من قاله, ومنه قولهم: هو خير وأفضل من ثَمْ, وقوله 7:
يا من رأى عارضًا أرقت له ... بين ذراعي وجبهة الأسد
فإن قيل: لو كان الآخر مجرورًا بالأول لكنت بين أمرين.
__________
1 آية 137 سورة الأنعام.
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "ضعف", وظاهر أنه محرَّف عن "ضعيف".
3 سقط في د، هـ، ز.
4 هذا من قصيدة له يذكر فيها بأس قومه، وقبل البيت على ما في اللسان "جزر" والكتاب 1/ 76:
ولا نقاتل بالعص ... ي ولانرامي بالحجارة
والقارح من الخيل الذي أكل خمس سنين، وبداهته: أول جريه، وعلالته: بقية جريه, يريد أن قتالهم ليس بالعصي وليس بالحجارة، إنما هو الخيل يمتطيها الفوارس بالسلاح. ووقع هنا تقديم "بداهة" على "علالة", والواقع في الديوان وغيره عكس هذا الترتيب؛ كما وقع السابق على الشاهد على غير ما ذكرت. وانظر الخزانة 1/ 83، والصبح المنير 114، والكتاب 1/ 76.
5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فذهب".
6 كذا في ش وي د، هـ، ز: "ذكرنا". وفي ط: "قد ذكرنا".
7 ينسب إلى الفرزدق, ولا يوجد في ديوانه قصيدة هذا البيت. والعارض: السحاب يعترض في الأفق. وذراعا الأسد وجبتهه من منازل القمر، ينسب إليهما المطر. انظر الخزانة 1/ 369، والديواني 1/ 215.

(2/409)


أما أن تقول: إلا "علالة أو بداهته"1 قارحٍ, وبرئت إليك من خمسة وعشريهم النخّاسين, وقطع الله يد ورجله من قاله, ومررت بخير وأفضله مَنْ ثَمَّ, وبين ذراعي وجبهته الأسدِ؛ لأنك إنما تعمل الأول، فجرى ذلك2 مجرى: ضربت فأوجعته زيدًا, إذا أعملت الأول.
وإما أن تقدّر حذف المجرور من الثاني وهو مضمَر ومجرور كما ترى, والمضمر إذا كان مجرورًا قبح حذفه؛ لأنه يضعف أن ينفصل فيقوم برأسه.
فإذا لم تخل3 عند جرِّك الآخر بالأول من واحد من هذين, وكل واحد منهما متروك, وجب أن يكون المجرور إنما انجرَّ بالمضاف الثاني الذي وليه, لا بالأول الذي بَعُد عنه.
قيل: أما تركهم إظهار الضمير في الثاني, وأن يقولوا: بين ذراعي وجبهته الأسد ونحو ذلك, فإنهم لو فعلوه4 لبقي المجرور لفظًا لا جارّ له في اللفظ يجاوره, لكنهم لما قالوا: بين ذراعي وجبهة الأسد صار كأنَّ "الأسد" في اللفظ مجرور بنفس "الجبهة", وإن كان في5 الحقيقة مجرورًا بنفس الذراعين. وكأنهم6 في ذلك إنما أرادوا إصلاح اللفظ. وأما قبح حذف الضمير مجرورًا لضعفه عن الانفصال, فساقط عنا أيضًا, وذلك أنه إنما يقبح7 فصل الضمير المجرور متى خرج إلى اللفظ نحو: مررت بزيدوك, ونزلت على زيدوه لضعفه8 أن يفارق ما جره. فأما إذا لم يظهر إلى اللفظ
__________
1 لو جرى على ما سبق لعكس الترتيب.
2 كذا في ش، ط وفي د، هـ، ز "لذلك".
3 كذا في ش. وفي ط، ز: "يخل".
4 في د، هـ، ز: "فعلوا ذلك".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "على".
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فكأنهم".
7 كذا في ش: ط. وفي د، هـ، ز: "قبح".
8 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "ولضعفه".

(2/410)


وكان إنما هو مقدر في النفس غير مستكره عليه اللفظ فإنه لا يقبح, ألا ترى أن هنا أشياء مقدرة لو ظهرت إلى اللفظ قبحت, ولأنها غير خارجة إليه1 ما حسنت. من ذلك قولهم: اختصم زيد وعمرو, ألا ترى أن العامل في المعطوف غير العامل في المعطوف عليه, فلا بُدَّ إذًا من تقديره على: اختصم زيد واختصم عمرو, وأنت لو قلت ذلك لم يجز؛ لأن اختصم ونحوه من الأفعال -مثل اقتتل واستب واصطرع- لا يكون فاعله أقلّ من اثنين, وكذلك قولهم: رُبَّ2 رجل وأخيه, ولو قلت: ورب أخيه لم يجز, وإن كانت رُبَّ مرادة هناك ومقدرة.
فقد علمت بهذا وغيره أن ما تقدّره3 وهمًا ليس كما تلفظ3 به لفظًا. فلهذا يسقط عندنا إلزام سيبويه هذه الزيادة.
والفصل بين المضاف والمضاف إليه كثير, وفيما أوردناه منه كافٍ بإذن الله. وقد جاء الطائي الكبير بالتقديم والتأخير فقال:
وإن الغنى لي لو لحظت مطالبي ... من الشعر إلّا في مديحك أطوع4
وتقديره: وإن الغنى لي لو لحظت مطالبي أطوع من الشعر إلّا في مديحك, أي: فإنه يطيعني في مدحك ويسارع إلي. وهذا كقوله أيضًا معنًى لا لفظًا:
تغاير الشعر فيه إذ سهرت له ... حتى ظننت قوافيه ستقتتل5
وكقول الآخر:
ولقد أردت نظامها فتواردت ... فيها القوافي جحفلًا عن حجفل
__________
1 "ما" زائدة. ويقع ذلك في كلام المؤلف كثيرًا. وقد سقطت في ج. وفي ط: "ولو أنها غير خارجة إليه ما حسنت" وهي ظاهرة.
2 سقطت الواو في ز.
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "يقدره.... بلفظ".
4 من قصيدته في مدح أبي سعيد محمد بن يوسف.
5 من قصيدته في مدح المعتصم.

(2/411)


وذهب أبو الحسن في قول الله سبحانه: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} 1 إلى أنه أراد: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} من الجنة والناس {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} 2.
ومنه قول الله -عز اسمه: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} 3 أي: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم, وقيل في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 4 إن تقديره: والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة ثم يعودون "لما قالوا"5. ونحو من هذا اقدمنا ذكره من الاعتراض في نحو قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} 6 تقديره -والله أعلم- فلا أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن كريم, وإنه لقسم عظيم لو تعلمون.
وقد شبّه الجازم بالجار ففصل بينهما, كما فصل بين الجار والمجرور, وأنشدنا7 لذي الرمة:
فأضحت مغانيها قفارًا رسومها ... كأن لم سوى أهل من الوحش تؤهل8
__________
1 آيات: 4، 5، 6 سورة الناس.
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 آية 28 سورة النمل.
4 آية: 3 سورة المجادلة.
5 سقط في ش.
6 آيات: 75، 76، 77 سورة الواقعة.
7 سقط حرف العطف في ش.
8 قبله:
فيا أكرم السكن الذين تحملوا ... عن الدار والمتسخلف المتبدل
والسكن: جمع الساكن. وتؤهل من أهلت المكان: نزلت به. فالمرفوع لتؤهل ضمير الدار أو المغاني. وانظر الخزانة 3/ 626، والديوان 506.

(2/412)


وجاء هذا1 في ناصب2 الفعل. أخبرنا محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى بقول الشاعر:
لما رايت أبا يزيد مقاتلًا ... أدع القتال3. . . . .
أي: لن أدع القتال ما رأيت أبا يزيد مقاتلًا, كما أراد في الأول: كأن لم تؤهل سوى أهل من الوحش. وكأنه شبَّه لن بأنَّ, فكما جاز الفصل بين أنَّ واسمها بالظرف في نحو قولك: بلغني4 أن في الدار زيدًا, كذلك شبَّه "لن" مع الضرورة بها ففصل بينها وبين منصوبها بالظرف الذي هو "ما رأيت أبا يزيد" أي: مدة رؤيتي.
فصل في الحَمْل على المعنى:
اعلم أن هذا الشَرْج5 غور من العربية بعيد, ومذهب نازح فسيح. قد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثورًا ومنظومًا؛ كتأنيث المذكر, وتذكير المؤنيث, وتصوير معنى الواحد في الجماعة, والجماعة في الواحد, وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول أصلًا كان ذلك اللفظ أو فرعًا, وغير ذلك مما تراه بإذن الله.
فمن تذكير المؤنث قوله 6:
فلا مزنة ودقَّت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 في د، هـ، ز: "نصب".
3 تتمته:.... ... وأشهد الهيجاء
والبيت يرد في كتب النحو في مبحث النواصب، وفي المغني "لما" دون عزو. و"لما" أصله "لن ما" وقد كنيت موصولة للإلقاز. وانظر شواهد المغني للبغدادي 2/ 109.
4 سقط في ش.
5 أي: النوع, وفي الأصول: "الشرح" وهو تصحيف.
6 أي: عامر بن جوين الطائي, ويصف أرضًا مخصبة بكثرة ما نزل بها من الغيث. وانظر الخزانة 1/ 21، والكتاب 1/ 240.

(2/413)


ذهب بالأرض إلى الموضع والمكان, ومنه قول الله -عز وجل: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي} 1 أي: هذا الشخص أو هذا المرئي ونحوه, وكذلك قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} 2 لأن الموعظة والوعظ واحد, وقالوا في قوله سبحانه: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 3 إنه أراد بالرحمة هنا المطر, ويجوز أن يكون التذكير هنا "إنما هو"4 لأجل فَعِيل على قوله 5:
بأعينٍ أعداءٍ وهن صديق
وقوله 6:
. . . ولا عفراء منك قريب
وعليه قول الحطيئة:
ثلاثة أنفس وثلاث ذَوْد ... لقد جار الزمان على عيالي7
ذهب بالنفس إلى الإنسان فذكَّر.
__________
1 آية: 78 سورة الأنعام.
2 آية: 275 سورة البقرة.
3 آية: 56 سورة الأعراف.
4 كذا في ش، ط. وسقط في ز.
5 أي: جرير، كما في اللسان "صدق"، 398. وفي زهر الآداب 1/ 93 نسبته لمزاحم العقيليّ. وصدره:
نصبن الهوى ثم أرتمين قلوبنا
6 أي: عروة بن حزام، والبيت بتمامه:
ليالي لا غفواء منك بعيده ... فتسلّى ولا عقراء منك قريب
وانظر السمط 401، واللسان "قرب".
7 الذود من الإبل ما بين الثلاثة إلى العشرة, ويعني بثلاثة الأنفس: نفسه وزوجه وابنه مليكة، والذود ثلاث من النوق كان يقوم بها على عياله، ففقد إحداهما، وانظر الكتاب 2/ 175، والخزانة 3/ 301.

(2/414)


وأما بيت الحكمى 1:
ككمون النار في حجره
فيكون على هذا؛ لأنه ذهب إلى النور والضياء, ويجوز أن تكون الهاء عائدة على الكمون, أي: في حجر الكمون, والأول أسبق في الصنعة إلى النفس, وقال الهذلي 1:
بعيد الغزاة فما إن يزا ... ل مضطمرًا طرَّتاه طليحا
ذهب بالطرتين إلى الشعر, ويجوز أن يكون "طرتاه" بدلًا من الضمير إذا جعلته في مضطمر3؛ كقول الله سبحانه: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} 4 إذا جعلت في "مفتحة" ضميرًا، وجعلت "الأبواب" بدلًا من ذلك الضمير, ولم يكن تقديره: الأبواب منها, على أن نخلي "مفتحة" من الضمير5. نعم, وإذا كان في "مفتحة"
__________
1 يريد بالحكميّ أبا نواس. وهذا عجز صدره:
كمن الشنان فيه لنا
وقبله:
وابن عم لا يكاشفنا ... قد لبسناه على غمره
وهو من قصيدة في مدح العباس بن عبد الله بن أبي جعفر المنصور.
2 هو أبو ذؤيب من قصيدة له في مدح عبد الله بن الزبير, وهذا ما في اللسان "طرر" وفي ديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 1/ 132 وما بعدها, هذا الوصف فيمن يوصي الشاعر صاحبته أن تصاحبه إذا هجرته وأرادت خلفًا له؛ وهو يرمي إلى أنه نفسه بهذا الوصف, والبيت في الهذليين على ما يأتي:
تريع الغزاة وما إن يري ... ع مضطمرًا طرَّتاه طليحا
وقوله: "تريع العزاة" أي: يرجعون، والريع: العود والرجوع. وهذا كقوله في رواية الكتاب: "بعيد الغزاة" غير أن "الغزاة" في رواية الكتاب بفتح الغين, أي: الغزو، وفي رواية الديوان بضم الغين جمع الغازي. وطرتاه: كشحاه، واضطمار الكشحين كناية عن ضمور البطن من الهزال، وطليحًا: معيبًا.
3 في ط: "مضطمرًا".
4 آية: 5 سورة ص.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ضمير".

(2/415)


ضمير "والأبواب" بدل منه, فلا بُدَّ أيضًا من أن يكون تقديره1 "مفتحة لهم"2 الأبواب منها. وليس "منها" وفي "مفتَّحة" ضمير مثلها إذا أخليتها من ضمير. وذلك أنها إذا خلت "مفتحة" من ضمير فالضمير في "منها" عائد الحال3 إذا كانت مشتقة, كقولك: مررت بزيد واقفًا الغلام معه, وإذا كان في "مفتحة" ضمير فإن الضمير في "منها" هو الضمير الذي يرد به المبدل عائدًا على المبدل منه, كقولك: ضربت زيدًا رأسه, أو الرأس منه, وكلمت قومك نصفهم4 أو النصف منهم, وضرب زيد الظهر والبطن, أي: الظهر منه والبطن منه. فاعرف ذلك فرقًا بين الموضعين.
ومن تذكير المؤنّت قوله:
إن امرأ غرَّه منكنَّ واحدةٌ ... بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور5
لما فصل بين الفعل وفاعله حذف علامة التأنيث, وإن كان تأنيثه حقيقيًّا. وعليه قولهم: حضر القاضي امرأة, وقوله 6:
لقد ولد الأخيطل أم سوء ... على باب استها صلب وشام
وأما قول جران العود 7:
ألا لا يغرّن امرؤ نوفلية ... على الرأس بعدي أو ترائب وضّح
__________
1 سقط في ش.
2 سقط ما بين القوسين في ز.
3 كذا في ز، ط. وفي ش: "إلى الحال", والمراد بعائد الحال ما يعود منها على صاحبها.
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بعضهم".
5 بعده:
أنسيت عهدي ولم تعنى بموثقي ... تبًّا لعلك والمفقود مهجور
6 أي: جرير يهجو الأخطل، يصف أن أمه نصرانية, والصلب: جمع الصاب، والشام: جمع الشامة. أراد أنه عارف بذلك الموضع. وانظر العيني 2/ 668.
7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "الجران".

(2/416)


فليست النوفليّة هنا امرأة, وإنما هي مشطة1 تعرف بالنوفلية؛ فتذكير الفعل معها2 أحسن.
وتذكير المؤنث واسع جدًّا؛ لأنه ردّ فرع إلى أصل. لكن تأنيث المذكر أذهب في التناكر والإغراب. وسنذكره.
وأما تأنيث المذكّر فكقراءة من قرأ3 {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} 4 وكقولهم: ما جاءت حاجتك, وكقولهم: ذهبت بعض أصابعه, أنَّث ذلك لما كان بعض السيارة سيارة في المعنى, وبعض الأصابع إصبعًا, ولما كانت "ما " هي الحاجة في المعنى, وأنشدوا:
أتهجر بيتًا بالحجاز تلفَّعت ... به الخوف والأعداء من كل جانب5
ذهب بالخوف إلى المخافة, وقال لبيد:
فمضى وقدمها وكانت عادة ... منه إذا هي عرَّدت إقدامها
إن شئت قلت: أنَّثَ الإقدام لما كان في معنى التقدمة, وإن شئت قلت: ذهب
__________
1 هذا اسم للهيئة من المشط، ويراد به ضرب منه. وفسَّر الأزهري النوفلية في البيت بشيء من صوف يحشى وتضعه المرأة على رأسها وتختمر عليه. وانظر اللسان "نفل".
2 كذا في ز، د، هـ، ط. وفي ش: "فيها".
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بعضهم".
4 آية: 10 سورة يوسف. والقراءة بالتأنيث قراءة الحسن، كما في الإتحاف والبحر.
5 ورد البيت في اللسان "خوف" وفيه: "أم أنت زائره" في مكان: "من كل جانب". وورد أيضًا في حماسة ابن الشجري 150 منسوبًا إلى الحسين بن مطير هكذا:
أتهجر بيتًا بالحجاز تكنّفت ... جوانبه الأعداء أم أنت زائره
6 هو من معلقته المشهورة. والتعريد: الانهزام وترك القصد. والحديث من حمار الوحش يتبع أتانًا تحاول الفرار منه، فيذكر أن الحمار جعلها أمامه كيلا تهرب, وكذلك شأنه إذا هي حاولت الفرار وغردت أن يقدمها ويسوقها أمامه.

(2/417)


إلى تأنيث العادة، كما ذهب إلى تأنيث الحاجة في قوله 1: " ما جاءت حاجتك"2 وقال 3:
يأيها الراكب المزجي مطيته ... سائل بني أسد ما هذه الصوت
ذهب إلى تأنيث الاستغاثة. وحكى4 الأصمعي عن أبي عمرو أنه سمع رجلًا من أهل اليمن يقول: فلان لغوب جاءته, جاءته كتابي فاحتقرها! فقلت له: أتقول: جاءته كتابي! فقال: نعم, أليس بصحيفة! قلت: فما اللغوب, قال: الأحمق. وهذا في النثر كما ترى, وقد علله.
وهذا مما قد5 ذكرناه "فيما مضى من"6 كتابنا هذا غير أنا أعدناه لقوته في معناه, وقال7:
لو كان في قلبي كقدر قلامةٍ ... حبًّا لغيرك قد أتاها أرسلي
كَسَّر رسولًا وهو مذكر على أَرْسُل, وهو من تكسير المؤنث؛ كأتان وآتُن, وعناق وأعنق, وعُقاب وأعُقب, لما كان الرسول هنا إنما يراد به المرأة؛ لأنها في غالب
__________
1 كذا في ز، ط. وفي د، هـ: "قولهم" وساقطة في ش.
2 سقط في ش.
3 هو رويشد بن كثير الطائي. وانظر الحماسة بشرح التبريزي 1/ 164.
4 انظر في هذا الحكاية ص250 من الجزء الأول.
5 هذه الكلمة في د، هـ, وساقطة في ش، ط، ز.
6 في د، هـ: "ذكرناه في كتابنا".
7 نسبه ابن بري إلى الهذلي. ولأبي كبير الهذلي قصيدة فيها البيت الآتي:
وجليلة الأنساب ليس كمثلها ... ممن تمنّع قد أتتها أرسلي
ويبدو أن ما هنا رواية في البيت. وانظر اللسان "رسل"، وديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 2/ 99. وفي الصناعتين "الحلبي" 344 لجميل:
لو كان في قلبي كقدر قلامة ... حبًّا وصلنك أو أتتك رسائلي

(2/418)


الأمر مما يستخدم في هذا الباب, وكذلك ما جاء عنهم من جناح واجنح. قالوا: ذهب "في التأنيث"1 إلى الريشة.
وعليه قول2 عمر 3:
فكان مجنيّ دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كأعبان ومعصر
أنث الشخص؛ لأنه أراد به المرأة. وقال الآخر 4:
فإن كلابًا هذه عشرُ أبطُن ... وأنت بريء من قبائلها العَشْر
ذهب بالبطن إلى القبيلة، وأبان ذلك بقوله: من قبائلها.
وأما قوله 5:
كما شرقت صدر القناة من الدم
فإن شئت قلت: أنث لأنه أراد القناة, وإن شئت قلت: إن صدر القناة قناة. وعليه قوله 6:
مشين كما اهتزت رماحٌ تسفَّهت ... أعاليها مرُّ الرياح النواسم
__________
1 كذا في ش. وفي د، ز، ط: "بالتأنيث".
2 كذا في ش. وفي ز، ط: "قال".
3 أي: ابن أبي ربيعة, وهو من قصيدته الطويلة التي أولها:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
وانظر الكتاب 2/ 175، والخزانة 3/ 312.
4 في الكتاب "2/ 174": "وهو رجل من كلاب", وقال الأعلم: هجا رجلا ادَّعى نسبه في بني كلاب. فذكر أن بطونهم عشرة ولا نسب له معلوم في أحدهم".
5 أي: الأعشى, وصدره:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته
وهو من قصيدة يهجو فيها عمير بن عبد الله الشاعر الذي كان يلقب جهنام باسم تابعه من الجنّ، كما كانوا يزعمون. وانظر الكتاب 1/ 25، والصبح المنير 94.
6 أي: ذي الرمة. وهو في وصف النساء, وقوله: "تسفَّهت أعاليها مر الرياح، أي: حركتها واستخفتها، والنواسم: التي تهب يضعف. يصفهن برقة المشي.

(2/419)


وقول الآخر 1:
لما أتى خبر الزبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشع
وقوله2:
طول الليالي أسرعت في نقضي
وقوله:
على قبضة موجوءة ظهر كفه3
وقول الآخر 4:
قد صرح السير عن كتمان وابتذلت ... وقع المحاجن بالمهريّة الذقن
وأما قول بعضهم: صرعتني بعير لي, فليس عن ضرورة؛ لأن5 البعير يقع على الجمل والناقة, وقال:
لا تشربا لبن البعير وعندنا ... عرق الزجاجة واكف المعصار
__________
1 هو جرير. والبيت من قصيدة يهجو بها الفرزدق, وكان من قومه عمرو بن جرموز قاتل الزبير -رضي الله عنه. وانظر الخزانة 2/ 196, والنقائض 969. وسقط في ش: "لما أتى خبر الزبير".
2 أي: العجاج، وقيل: الأغلب العجلي. وبعده:
أكلن بعضي وتركن بعضي
وانظر الكتاب 1/ 26، وشواهد المغني للسيوطي 298, وللبغدادي 2/ 802.
3 عجزه:
فلا المرء مستحي ولا هو طاعم
وقوله: "موجوءة" كذا في نسخ الخصائص, وفي معاني القرآن للفراء 1/ 187: "مرجوّة".
4 هو تميم بن أبي بن مقبل, وقوله: "صرّح السير" أي: كشف وبيّن عن هذا المكان. وذلك ببلوغهم إياه. وكتمان: اسم موضع. والمهرية يريد بها الإبل المنسوبة إلى مهرة إحدى قبائل اليمن, والذقن: جمع الذقون، وهي التي تميل ذقنها إلى الأرض، والمحاجن: العصيّ الموجعة، وفي الكلام قلب؛ أي ابتذلت المهرية بوقع المحجن عليها. وانظر اللسان "كتم", ومعاني القرآن 1/ 187.
5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "من قبل أن".
6 "تشربا" كذا في ش، والألف فيه يجوز أن تكون للتثنية: ويحتمل أن يكون رسم النون الخفيفة للتوكيد. وفي ز، ط: "تشربي". وعرق الزجاجة يريد به الخمر, كأنها عرق للزجاجة تنضح، والمعصار آلة العصر كالمعصرة.

(2/420)


عز اسمه: "وَمَنْ تَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ"1 لأنه أراد: امرأة.
ومن باب الواحد والجماعة قولهم: هو أحسن الفتيان وأجمله, أفرد الضمير؛ لأن هذا موضع يكثر فيه الواحد كقولك 2: هو أحسن فتى في الناس؛ قال ذو الرمة:
وميَّة أحسن الثقلين وجهًا ... وسالفة وأحسنه قذالًا3
فأفرد الضمير مع قدرته على جمعه, وهذا يدلك على قوة اعتقادهم أحوال المواضع4, وكيف ما يقع فيها, ألا ترى أن الموضع موضع جمع, وقد تقدَّم في الأول لفظ الجمع فتُرِكَ اللفظ وموجب الموضع إلى الإفراد؛ لأنه يؤلف في هذا المكان.
وقال سبحانه: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ} 5 فحمل على المعنى وقال: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} 6 فأفرد على لفظ من, ثم جمع من بعد، وقال عبيد 7:
فالقطبيات فالذنوب
__________
1 آية: 31، سورة الأحزاب. وقراءة "تقنت" بالتاء قراءة ابن عامر ويعقوب والجحدري. وانظر الكتاب 1/ 404.
2 كذا في ش، ط. وفي ز: "كقولهم".
3 هذا من قصيدة في مدح بلال بن أبي بردة، والسالفة: أعلى العنق، والقذال: مؤخر الرأس فوق القفا، وانظر الخزانة 4/ 108، والديوان 436، والكامل 6/ 185.
4 في ط: "الموضع".
5 آية: 82، سورة الأنبياء.
6 آية: 112، سورة البقرة. وفي ط: {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} وهذا لا يوافق التلاوة.
7 أي: ابن الأبرص. وصدر البيت:
أقفر من أهله ملحوب
وهو مطلع معلقته.

(2/421)


وإنما القُطبيّة ماء واحد1 معروف. وقال الفرزدق:
فيا ليت داري بالمدينة أصبحت ... بأجفار فلج أو بسيف الكواظم2
يريد الجفر وكاظمة. وقال جرير:
بان الخليط برامتين فودعوا ... أو كلما ظعنوا لبين تجزع
وإنما رامة أرض واحدة معروفة.
واعلم أن العرب إذا حملت على المعنى لم تكد4 تراجع اللفظ؛ كقولك: شكرت من أحسنوا إلي على فعله "ولو قلت: شكرت من أحسن إلي على فعلهم, جاز"5. فلهذا ضعف عندنا أن يكون "هما" من "مصطلاهما" في قوله 6:
كميتًا الأعالي جونتا مصطلاهما7
__________
1 سقط في د، هـ، ز، وفي ط: "وهو".
2 من قصيدة له في مدح سليمان بن عبد الملك وهجو جرير. وانظر النقائض 343. وفي شرحها: "والكواظم يعني: كاظمة وما حولها". وفلج: واد بين البصرة وحمى ضربة. والجفر: البئر لم تطوه في اللسان "كظم": "بأعفار فلج" والأعفار جمع العفر وهو التراب. وكاظمة: موضع على سيف البرح قريب من البصرة، والسيف: الشاطئ, فقوله: "سيف الكواظم" يريد سيف البحر عندها.
3 مطلع قصيدة له في هجو الفرزدق. وانظر الديوان 340، والنقائض 961.
4 في ش "تكن".
5 ثبت ما بين القوسين في ش: وسقط في د، هـ، ز، ط.
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "قول الشماخ".
7 صدره:
أقامت على ربعيهما جارتا صفا
وقبله:
أمن دمنتين عرّس الركب فيهما ... بحقل الرخامي قد عفا طلاهما
والدمنة: الموضع الذي أثر فيه الناس بنزولهم فيه, وحقل الرخامي: موضع بعينه. ويريد بجارتي صفا الأثفيتين أضافهما إلى الصفا، أي: الجبل من الجل استنادهما إليه. وصف أن أعاليهما بلون الكمنة وهي الحمرة المائلة إلى السواد؛ لأنهما اتخذتا من صخر أحمر فيهما على حالهما الأولى، أو ذلك أثر اللهب أمّا موضع الاصطلاء بالنار وذلك في أسافلهما فهو مسوّد من الوقود. ويرى سيبويه أن الضمير في "مصطلاهما" لجارتي الصفا، ويرى غيره أن الضمير للأعالي، وقد ثنَّى الضمير حملًا على المعنى. والمؤلف يرد هذا الوجه كما ترى. وانظر الكتاب 1/ 102، والخزانة 2/ 198.

(2/422)


عائدًا على الأعالي في المعنى؛ إذ كانا أعليين اثنين1، لأنه موضع قد ترك فيه لفظ التثنية حملًا على المعنى؛ لأنه جعل كل جهة منهما2 أعلى؛ كقولهم: شابت مفارقه, وهذا بعير ذو عثانين3, ونحو ذلك, أو لأن الأعليين شيئان من شيئين. فإذا كان قد انصرف عن اللفظ إلى غيره ضعفت معاودته إياه؛ لأنه انتكاث وتراجع, فجرى ذلك مجرى إدغام الملحق وتوكيد ما حذف. على أنه قد جاء منه شيء؛ قال:
رءوس كبيريهنّ ينتطحان4
وأما قوله 5:
كلاهما حين جدَّ الحرب بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي
فليس من هذا الباب، وإن كان قد عاد من بعد التثنية إلى الإفراد. وذلك أنه لم يقل: كلاهما قد أقلعا وأنفه راب, فيكون ما أنكرناه, لكنه قد أعاد "كلا" أخرى غير الأولى, فعاملها على لفظها. ولم يقبح ذلك؛ لأنه قد فرغ من حديث6 الأولى, ثم استأنف من بعدها أخرى, ولم يجعل الضميرين عائدين إلى كلا واحدة. وهذا كقولك: من يقومون أكرمهم, ومن يقعد أضربه. فتأتي ب"من" الثانية فتعاملها على ما تختار مما يجوز مثله. وهذا واضح فاعرفه. ولا يحسن "ومنهم من يستمعون إليك حتى إذا خرج7 من عندك" لما ذكرنا.
__________
1 كذا في ز، ط. وفي ش: "فاعلين".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "منها".
3 واحده عثنون، وهو شعيرات عند مذبح البعير والتيس, وانظر في هذا المثال وما قبله الكتاب 2/ 138.
4 البيت الفرزدق، وهو من قصيدة في ديوانه "ص872، الصاوي" وصدره:
رأوا جبلًا دق الجبال إذا التقت
وانظر الخزانة 2/ 202، وتاريخ الطبري 8/ 111.
5 أي: الفرزدق يهجو جريرًا. وكان جرير زوّج ابنته من ابن زوجته ثم طلقها منه بفدية، فيذكر الفرزدق أن ابنة جرير وزوجها سارا معًا فى حياة الزواج وجدَّا في ذلك ووقعت الألفة بينهما، ثم انقطع الوثام وهما لا يودان ذلك، وذلك من فعل جرير وعسفه، وانظر شواهد المغني للبغدادي 2/ 51، والنوادر 162.
6 كذا في ش. وسقط في د، هـ، ز، ط.
7 في ش: "خرجوا".
وهو يشير إلى قوله تعالى في الآية16، من سورة محمد: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا} "المصحح".

(2/423)


وأما قول الفرزدق:
وإذا ذكرت أباك أو أيامه ... أخزاك حيث تُقَبَّل الأحجار1
-يريد الحجر- فإنه جعل كل ناحية حجرًا, ألا ترى أنك لو مسست كل ناحية منه لجاز أن تقول: مسست الحجر. وعليه شابت مفارقه, وهو كثير العثانين. وهذا عندي هو سبب إيقاع لفظ الجماعة على معنى الواحد.
وأما2 قوله 3:
فقلنا أسلموا إنّا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصدور
فيجوز أن يكون جمع أخ قد4 حذفت نونه للإضافة, ويجوز أن يكون واحدًا وقع موقع الجماعة كقوله 5:
ترى جوانبها بالشحم مفتوقا
وقد توضع من للتثنية؛ وذلك قليل؛ قال 6:
نكن مثل مًنْ يا ذئبُ يصطحبان
__________
1 هذا من قصيدة يهجو فيها جريرًا. وقبله:
يابن المراغة أنت ألأم من مشى ... وأذلّ من لبنانه أظفار
وفي الكناية على النقائض أنه أراد بالأحجار الحجر الأسود والبيت الحرام ومقام إبراهيم -عليه السلام- في الحجر. وهو مذهب غير ما ذهب إليه المؤلف, وفيها في تفسير البيت: "يقول: أخزاك أبوكفي هذا المواضع التي يجتمع فيها الناس من كل فج عميق" وانظر النقائض 870.
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فأمّا".
3 أي: العباس بن مرداس. وهو يخاطب ثقيفًا بعد هزيمتهم مع هوازن في غزوة حنين. وانظر سيرة ابن هشام على هامش الروض 2/ 292، واللسان "أخو".
4 ثبت هذا الحرف في د، هـ، ز. وسقط في ش، ط.
5 أي: الأسود بن يعفر. وصدره:
وجفنة كنضيح البئر متأفة
والنضيج: الحوض العظيم يكون قريبًا من البئر. ومتأفة: مملوءة. يريد بالجفنة قصعة الثريد. وانظر الأغاني "طبعة دار الكتب" 13/ 25.
6 أي: الفرزدق. وصدره:
تعال فإن عاهدتني لا تخونني
وقبله:
وأطلس عسال وما كان صاحبا ... رفعت لناري موهتًا فأتاني
وصف أنه أوقد نارًا وطرقه الذئب فدعاه إلى الصحبة. وانظر الكتاب 1/ 404.

(2/424)


وأنشدوا:
أخو الذئب يعوي والغراب ومن يكن ... شريكيه تطمع نفسه كل مطمع1
أودع ضمير "من" في "يكن" على لفظ الإفراد وهو اسمها, وجاء ب"شريكيه" خبرًا ل"يكن" على معنى التثنية, فكأنه قال: و"أي اثنين"2 كانا شريكيه طمعت أنفسهما كل مطمع. على هذا اللفظ أنشدناه أبو علي, وحكى المذهب فيه عن الكسائي أعني: عود التثنية على لفظ "من"؛ إلا أنه عاود لفظ الواحد بعد أن حمل على معنى التثنية بقوله: تطمع نفسه "ولم يقل: تطمع أنفسهما"3. ولو ذهب فيه ذاهب إلى أنه من المقلوب لم أر به بأسًا, حتى كأنه قال: ومن يكن شريكهما تطمع نفسه كل مطمع. وحسن ذلك شيئًا العلم بأنه إذا كان شريكهما كانا أيضًا شريكيه, فشجع بهذا القدر على ما ركبه من القلب. فاعرف ذلك.
والحمل على المعنى واسع في هذه اللغة جدًّا, ومنه قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} 4 ثم قال: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} 5 قيل فيه: إنه محمول على المعنى, حتى كأنه قال: أرأيت كالذي حاج إبراهيم في ربه, أو كالذي مَرَّ على قرية، فجاء بالثاني على أن الأول قد سبق كذلك. ومنه إنشادهم بيت امرئ القيس:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ... كبرت وألّا يحسن اللهو أمثالي6
__________
1 من ثلاثة أبيات لغضوب, وهي امرأة من رهط ربيعة بن مالك تهجو سيبعًا. وانظر النوادر 119.
2 كذا في ش، ز. وفي ط: "إن اثنان".
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
4 آية: 258، سورة البقرة.
5 آية: 259 سورة البقرة.
6 بسباسة: اسم امرأة من بني أسد. وانظر الخزانة 1/ 28.

(2/425)


بنصب1 "يحسن", والظاهر أن يرفع؛ لأنه معطوف على أن الثقيلة, إلا أنه نصب أن هذا موضع قد كان يجوز "أن تكون"2 فيه أن الخفيفة3 حتى كأنه قال: ألا زعمت بسباسة أن يكبر فلان؛ كقوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} 4 بالنصب.
ومن ذلك قوله 5:
بدا لي أني لستُ مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئًا إذا كان جائيا
لأن هذا موضع يحسن فيه لست بمدرك ما مضى.
ومنه قوله سبحانه: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ} 6 وقوله:
فأبلوني بليتكم لعلِّي ... أصالحكم وأستدرج نويّا7
حتى كأنه قال: أصالحكم وأستدرج نوايا8.
ومن ذلك قول الآخر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الطوائح9
لأنه لما قال: ليبك يزيد, فكأنه قال: ليبكه ضارع لخصومة. وعلى هذا تقول: أكل الخبز زيد, وركب الفرس محمد, فترفع زيدًا ومحمدًا بفعل ثانٍ يدل10 عليه الأول وقوله 11:
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "نصب".
2 سقط في د، هـ، ز، ط.
3 في ز، ط: "المخففة".
4 آية: 71 شورة المائدة.
5 في د، هـ، ز: "قول الشاعر", وهو زهير وانظر ص287 من ديوان زهير.
6 آية: 10 سورة المنافقين.
7 انظر ص177 من الجزء الأول.
8 سقط في د، هـ، ز.
9 انظر ص355 من هذا الجزء.
10 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "دل".
11 كذا في ش، ط. وفي ز: "قول جرير". ونسبته إلى جرير خطأ, والصواب نسبته إلى النابغة من قصيدته التي أولها:
عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار ... ماذا تحبون من تؤى وأحجار

(2/426)


إذا تغنَّى الحمام الورق هيجني ... ولو تعزيت عنها أم عمَّار1
لأنه لما قال: هيجني دلَّ على ذَكَّرني, فنصبها به. " فاكتفى بالمسبب الذي هو التهييج من السبب الذي هو التذكير"2 ونحوه قول الآخر:
أسقى الإله عدوات الوادي ... وجوزه كل ملثٍّ غاد
كل أجشٍّ حالك السواد3
لأنه إذا أسقاها الله كل ملثٍّ فقد سقاها ذلك الأجشُّ.
وكذلك قول الآخر 4:
تواهق رجلاها يداها ورأسه ... لها قَتَبٌ خلف الحقيبة رادف
أراد: تواهق رجلاها يديها, فحذف المفعول وقد عُلِمَ أن المواهقة لا تكون من5 الرجلين دون اليدين, وأن اليدين مواهقتان كما أنهما مواهقتان. فأضمر لليدين فعلًا دلَّ عليه الأول, فكأنه قال: تواهق يداها رجليها, ثم حذف المفعول في هذا كما حذفه6 في الأول
__________
1 "تعزيت" كذا في نسخ الخصائص. وفي الكتاب 1/ 144، وجمهرة أشعار العرب: "تغربت"، والورق: جمع الورقاء والأورق من الورقة, وهي بياض إلى سواد.
2 قدَّم ما بين القوسين في ش على قوله: "لأنه لما قال ... ....".
3 عدوات الوادي جمع العدوة بتثليث العين، وهو شاطئ الوادي, وجوزه: وسطه، وفي ط: "جوفه" وهو يوافق ما في الكتاب. وفي ز: "جرفه", وهو محرَّف عن "جوفه". والملك من المطر الدائم الملازم والأجش، الشديد صوت الرعد، والحالك: الشديد السواد، وذلك أحلق للمطر. وانظر الكتاب 1/ 146.
4 أي: أوس بن حجر. وهو يصف حمارًا من حمر الوحش يجري وراء أتان؛ فرجلاها أي: مؤخرتا قوائمها توافقان يدي هذا الحمار, أي: مقدمتي قوائمه. التواهق: الموافقة في السير والتباري فيه. وقوله: "يداها" كذا في نسخ الخصائص، والأجود: "يداه" كما في الديوان واللسان "وهق", والكتاب 1/ 145 وقوله: "رأسه...." يريد أن هذا الحمار يضع رأسه خلفها في سيره, فرأسه كأنه قنب لها خلف حقبتها أي: عجزها. وفي ز، ط: "رأسها", والجيد ما أثبت كما في ش، والديوان، واللسان.
5 في د، هـ، ز: "إلّا من الرجلين".
6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "حذف".

(2/427)


فصار على ما ترى: تواهق رجلاها يداها. فعلى هذه الصنعة1 التي وصفت لك تقول: ضارب "زيد عمرو"2 على أن ترفع عمرًا بفعل غير هذا الظاهر, ولا يجوز أن يرتفعا3 جميعًا بهذا الظاهر , فأمَّا قولهم: اختصم زيد وعمرو ففيه نظر. وهو أن عمرًا مرفوع بفعل آخر غير هذا الظاهر على حدِّ قولنا في المعطوف: إن العامل فيه غير العامل في المعطوف عليه, فكأنه قال: اختصم زيد واختصم عمرو, وأنت مع هذا لو نطقت بهذا الذي تقدِّره لم يصلح الكلام معه؛ لأن الاختصام لا يكون من أقل من اثنين. وعلة جوازه أنه لمَّا4 لم يظهر الفعل الثاني المقدَّر إلى اللفظ لم يجب تقديره وإعماله, كأشياء تكون في التقدير فتحسن, فإذا أنت أبرزتها إلى اللفظ قبحت, وقد ذكرنا ذلك فيما مضى.
ومن ذلك قول الآخر 6:
فكرّت تبتغيه فوافقته ... على دمه ومصرعه السباعا
وذلك أنه إذا وافقته والسباع معه, فقد دخلت السباع في الموافقة, فكأنه قال فيما بعد: وافقت السباع. وهو عندنا على حذف المضاف, أي: وافقت آثار السباع. قال أبو علي: لأنها لو وافقت7 السباع هناك لأكلتها معه. ف"على" الآن هذه الظرف8
__________
1 كذا في ش، ط. وفي ز: "الصيغة".
2 في د، هـ، ز: "عمرو زيد".
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط "ترفعهما".
4 سقط في هذا الحرف ش.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فإن" وفي ط: "وإن".
6 هو القطاميّ. وصف بقرة وحشية فقدت ولدها فتطلبته، فوجدت السباع قد اغتالته, ويخطئ المبرد هذه الرواية ويرى أن الرواية الصحيحة:
فكرت عند فيفتها إليه ... فألفت عند مصرعه السباعا
وانظر النوادر 204، والكتاب وتعارق الأعلم على البيت في 1/ 143، والديوان 45.
7 كذا في ز، ط. وفي ش: "وافقتها".
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "الظروف".

(2/428)


منصوبة1 بالفعل المحذوف الذي نصب السباع في التقدير, ولو رفعت السباع لكانت "على" هذه مرفوعة الموضع لكونها خبرًا عن السباع مقدَّمًا, وكانت تكون متعلقة بالمحذوف؛ كقولنا في قولهم: في الدار زيد. " وعلى هذا"2 قال3 الآخر 4:
تذكرت أرضًا بها أهلها ... أخوالها فيها وأعمامها
لك فيها وجهان: إن شئت قلت: إنه أضمر فعلًا للأخوال والأعمام على ما تقدَّم, فنصبهما به, كأنه قال فيما بعد: تذكرت أخوالها فيها وأعمامها, ودلّ على هذا الفعل المقدَّر قوله: تذكرت أرضًا بها أهلها؛ لأنه إذا تذكَّر هذه الأرض فقد علم أن التذكر قد أحاط بالأخوال والأعمام؛ لأنهم فيها على ما مضى من الأبيات. وإن شئت جعلت أخوالها وأعمامها بدلًا من الأرض بدل الاشتمال, على قول الله سبحانه: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} 5.
فإن قلت: فإن البدل العامل عندك فيه هو غير العامل في المبدل منه, وإذا كان الأمر كذلك فقد آل الحديث إلى موضع واحد وهو إضمار الفعل, فلم قسمت الأمر فيهما إلى موضعين؟
قيل: الفرق قائم. ووجهه أن اتصال المبدل6 منه أشد من اتصال ما حمل على المعنى بما قبله, وإنما يأتي بعد استقرار الكلام الأوّل ورسوخه،
__________
1 ظاهر أن هذا حكم مجرورها، يريد نصبه في المعنى والمحل, وكذا رفعه فيما بعد.
2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
3 في ط: "قول".
4 أي: عمرو بن قميئة, وكان خرج مع امرئ القيس في سفره إلى قيصر الروم, وهو يتحدث عن ابنته إذ ذكرها في قوله قيل:
فسألتني بنت عمرو عن ال ... أرض التي تنكر أعلامها
فذكر أنها حين جاوزت أرض قومها ورأت بلادًا أنكرتها بكت، وهو يعني بذلك نفسه، فلم يعرف أنها كانت معه. وانظر الكتاب 1/ 144، الخزانة 2/ 147، ومعجم البلدان في ترجمة "ساتيدما".
5 آيتا: 4، 5 سورة البروج.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "البدل".

(2/429)


وليس كذلك البدل؛ لأنه وإن كان العامل فيه غير الأول عندنا فإنه مع ذلك مشابه للصفة وجارٍ مجراها.
نعم وقد خالف فيه أقوام, فذهبوا إلى أن العامل في الثاني هو العامل في الأول. وحدثنا أبو علي أن الزيادي1 سأل أبا الحسن عن قولهم: مررت برجل قائمٌ زيدٌ أبوه, أأبوه بدل أم صفة؟ قال: فقال أبو الحسن: لا أبالي بأيهما أجبتُ. أفلا ترى إلى تداخل الوصف والبدل, وهذا يدل على ضعف العامل المقدر مع البدل. وسألت أبا علي -رحمه الله- عن مسألة2 الكتاب: رأيتك إياك قائمًا الحال لمن هي؟ فقال: ل"إياك", قلت: فالعامل فيها ما هو؟ قال: "رأيت" هذه الظاهرة, قلت: أفلا تعلم أن "إياك" معمول فعل آخر غير الأول, وهذا يقود3 إلى أن الناصب للحال هو الناصب لصاحبها, أعني: الفعل المقدَّر؟ فقال: لما لم يظهر ذلك العامل ضعف حكمه, وصارت المعاملة مع هذا الظاهر. فهذا يدلك على ضعف العامل في البدل واضطراب حاله, وليس كذلك العامل إذا دلَّ عليه غيره نحو قوله:
تواهق رجلاها يداها. . .
وقوله:
ولو تعزّيت عنها أم عمار
ونحو ذلك؛ لأن هذا فعل مثبت, وليس محل ما يعمل فيه المعنى محل البدل, فلما اختلف هذان الوجهان من هذين الموضعين اعتددناهما قسمين اثنين.
__________
1 هو إبراهيم بن سفيان، ينتهي نسبه إلى زيادة بن أبيه. مات سنة 249هـ. له ترجمة في معجم الأدباء، والبغية.
2 انظر سيبويه: 1/ 393، ورأى في هذا المثال بصرية حتى تكون "قائمًا" حالًا. مثلًا سيبويه: "ضربته إياه قائمًا"،لم يكن صاحب الحال المبدل منه للفصل بالبدل، وهو في قوة جملة أخرى. وأنت إذا قلت: ضربت الرجل محمدًا قائمًا، كان صاحب الحال البدل لا محالة.
3 في ط: "يعود".

(2/430)


ومن ذلك قوله 1:
لن تراها ولو تأمَّلت إلّا ... ولها في مفارق الرأس طيبا
وهذا هو الغريب من هذه الأبيات, ولعمري إن الرؤية إذا لحقتها فقد لحقت ما هو متصل بها, ففي ذلك شيئان:
أحدهما أن الرؤية وإن كانت مشتملة عليها فليس لها طريق إلى الطيب في مفارقها، اللهمَّ إلا أن تكون2 حاسرة غير مقنعة, وهذه بذلة وتطرح لا توصف به الخفرات ولا المعشقات3, ألا ترى إلى قول كثير:
وإني لأسمو بالوصال إلى التي ... يكون سناء وصلها وازديارها4
ومن كانت من النساء هذه حالها فليست رذلة ولا مبتذلة. وبه وردت الأشعار القديمة والمولدة؛ قال الطائي:
عالي الهوى مما يعذِّب مهجتي ... أروية الشعف التي لم تسهل5
وهي6 طريق مهيع. وإذا كان كذلك وكانت الرؤية لها ليس مما يلزم معه رؤية طيب مفارقها وجب أن يكون الفعل المقدَّر لنصب الطيب مما يصحب الرؤية لا الرؤية نفسها, فكأنه قال: لن تراها إلا وتعلم لها أو تتحقق لها في مفارق الرأس طيبًا, غير أن سيبويه حمله على الرؤية. وينبغي أن يكون أراد 7: ما تدل عليه الرؤية من الفعل الذي قدرناه.
__________
1 أي: ابن الرقيَّات. وانظر الكتاب 1/ 144, وشواهد المغني للبغدادي 2/ 929.
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "يكون".
3 كذا. وقد يكون: "المتعشفات".
4 في الديوان 1/ 92: "شفاء" في مكان "سناء".
5 من قصيدة له في مدح محمد بن حسان. والأروية: أنثى الوعول، والشعف رءوس الجبال، كنَّى بالأورية عن المرأة المتمنعة.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "هو". وفي ط: "هذا".
7 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "أراد على". وفي ش: "على".

(2/431)


والآخر أن هذه الواو في قوله: ولها كذا هي واو الحال, وصارفة للكلام إلى معنى الابتداء, فقد وجب أن يكون تقديره: لن تراها إلا وأنت تعلم أو تتحقق أو تشمّ, فتأتي بالمبتدأ وتجعل ذلك الفعل المقدَّر خبرًا عنه. فاعرف ذلك.
ومنه قوله 1:
قد سالم الحيات منه القدما ... الأفعوان والشجاع الشجعما
وذات قرنين ضموزا ضرزما
هو من هذا؛ لأنه قد علم أن الحيات مسالمة كما علم أنها مسالمة, ورواها الكوفيون بنصب الحيات، وذهبوا إلى أنه أراد: القدمان, فحذف النون. وينشدون في ذلك قوله:
لنا أعنز لبنٌ ثلاث فبعضها ... لأولادها ثنتًا وما بيننا عنز2
وينشدون قول الآخر 3:
كأن أذنيه إذا تشوَّفا ... قادمتا أو قلَّمَا محرّفا
__________
1 عُزِيَ هذا الرجز في الكتاب 1/ 145 لعبد بني عبس, وفي اللسان: "ضرؤم" نسبته لمساور ابن هند العبسي، وقد نسب لغيرهما. وهو من رجز طويل في وصف الإبل وراعيها. وهذه الأشطار الثلاثة في وصف الراعي. يصفه بخشونة القدمين وغلظ جلدهما، وأنّ الحيات لا تؤثر فيها. والشجاع، ضرب من الحيات، والشجعم: الطويل. ويريد بذات قرنين: حية لها قرنان من جلدها. والضموز: الساكنة المطرقة التي لا تصفرّ لخبثها، فإذا عرض لها إنسان ساورته وثبًا. والضرزم: المسنقة، وذلك أحبث لها. وانظر الخزانة 4/ 569.
2 اللبن جمع لبون، وهي ذات اللبن.
3 هو محمد بن ذؤيب العماني. وهو في صفة فرس. و"تشرّف" تطلع. والقادمة إحدى قوادم الطير وهي مقدّم ريشة، في كل جناح عشرة. وانظر الخزانة 4/ 292 والكامل 7/ 47.

(2/432)


على أنه أراد: قادمتان أو قلمان محرفان. ورووه أيضًا: تخال أذنيه. . . " قادمة أو قلما للحرفا. فهذا على أنه يريد: كل واحدة من أذنيه"1, ومما ينسبونه إلى كلام الطير "قول الحجلة للقطاة"2 أقطي3 قطا, فبيضك ثنتًا, وبيضي مائتا, أي: ثنتان ومائتان.
ومن ذلك قوله 4:
يا ليت زوجك قد غدا ... متقلدًا سيفًا ورمحا
أي5 وحاملًا رمحًا. فهذا محمول على معنى الأوّل لا لفظه. وعليه:
علفتها تبنًا وماءً باردًا ... حتى شتت همَّالة عيناها6
أي: وسقيتها ماء باردًا, وقوله:
تراه كأنّ الله يجدع أنفه ... وعينيه إن مولاه ثاب له وفر7
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش. وثبت في د، هـ، ز. وكذلك في ط. غير أن فيه: "يحكى أنه يريد" في مكان "على أنه يريد".
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 "اقطي" أمر من قطا في مشيه إذا ثقل فيه وقارب الخطو. وفي ط: "أفطا" وهو محرف من قطا، وفي اللسان "حجل": "قال الأزهري: سمعت بعض العرب يقول: قالت القطا للحجل، حجل حجل، تفر في الجهل، من خشية الوجل. فقالت الحجل للقطا: قطا قطا، بيضك ثنناو بيضي مثنا".
وقوله: "فبيضي" كذا في ش. وفي ز، ط: "بيضي".
4 أي: عبد الله بن الزبعري. وانظر الكامل 3/ 234.
5 سقط حرف العطف في ش.
6 شتت أي: أقامت في الشتاء, والمراد: صارت.
7 من مقطوعة لخالد بن الطيفان" يذكر فيها مولى له -أي: ابن عم- يسيء إليه, والشاعر يحسن إليه, وقبله:
ومولى كمولى الزبرقان دملته ... كما دملت ساق تهاض، بها كسر
ومولى الزبرقان الذي يشير إليه هو علقمة بن هوذة، يقول فيه الزبرقان في أبيات:
لي ابن عم لا يزا ... ل يعيبني ويعين عائب
وانظر الحيوان 1/ 39، وأمالي المرتضي 4/ 169، ومختارات ابن الشجري في شعر الحطيئة 111.

(2/433)


أي: ويفقأ عينيه, وقوله:
تسمع للأجواف منه صردا ... وفي اليدين جسأة وبددا1
أي: وترى في اليدين جسأة وبددا، وقوله 2:
فعلا فروع الأيهفان وأطفلت ... بالجلهتين ظباؤها ونعامها
أي: وأفرخت نعامها، وقوله3:
إذا ما الغانيات برزن يومًا ... وزجَّجن الحواجب والعيونا
أي: وكحلن العيون, ومن المحمول على المعنى قوله 4:
طافت أمامة بالركبان آونة ... يا حسنه من قوام ما ومنتقبَا
لأن الأول في معنى: يا حسنه قوامًا, وقول الآخر 5:
يذهبن في نجد وغورا غائرا
أي: ويأتين غورا.
__________
1 الجسأة: اليبس والصلابة, والبدد: التفرق, وقوله: "للأجواف" جمع الجوف باعتبار جوانبه، وفي أمالي المرتضي 4/ 170 "للأحشاء", وفيها: "لغطا" في مكان "صردا", واللغط: الأصوات المختلطة. والصرد: البرد، والمعنى عليه غير ظاهر.
2 أي: لبيد في معلقته, والأيهقان نبت كالجرجير, والجلهنان جانبا الوادي ... وأطفلت أي: كانت معها ولد طفل. يصف خصب الأرض والحيوان بعد المطر.
3 أي: الراعي النميري. ويذكر ابن بريّ أن صواب الرواية:
وهزّة نسوة من حي صدق ... يزججن الحواجب والعيونا
وبعده:
أثخنّ جمالهن بذات غسل ... سراة اليوم يمهدن الكدونا
وذات غسل موضع, والكدون: جمع الكدن -بفتح الكاف وكسرها وسكون الدال: وهو ما توطئ به المرأة مركبها. وسراة اليوم: وقت ارتفاع الشمس في السماء. وتزجيج الحواجب: تدقيقها وإطالتها.
وانظر اللسان "زجج"، وشواهد المغني 2/ 539.
4 أي: الحطيئة من قصيدة له في مدح بني أنف الناقة, والبيت مطلع القصيدة.
5 أي: العجاج: يصف ظعائن منتجعات، يأتين مرة جدًّا -وهو ما ارتفع من الأرض- ومرة غورًا، هو ما انخفض من الأرض، يريد تهامة. وانظر الكتاب 1/ 49.

(2/434)


وقول1 الآخر 2:
فاذهب فأيّ فتى في الناس أحرزه ... من يومه ظُلم دعج ولا جَبَلُ
"حتى كأنه قال: ما أحد أحرزه ظلم ولا جبل"3.
ومنه قوله 4:
فإن كان لا يرضيك حتى تردَّني ... إلى قطري لا إخالك راضيًا
حمله الفراء على المعنى, قال: لأن معناه: لا يرضيك إلّا أن تردني, فجعل الفاعل متعلقًا على المعنى. وكان أبو علي يغلظ في هذا ويكبره ويتناكره ويقول: الفاعل لا يحذف, ثم إنه فيما بعد لان له وخفض5 من جناح تناكره. وعلى كل حال فإذا كان الكلام إنما يصلحه أو يفسده معناه، وكان "هذا معنى"6 صحيحًا مستقيمًا لم أر به بأسًا. وعلى7 أن المسامحة في الفاعل ليست بالمرضية؛ لأنه أصعب حالًا من المبتدأ. وهو8 في المفعول أحسن, أنشد أبو زيد:
وقالوا ما تشاء فقلت ألهو ... إلى الإصباح آثر ذي أثير9
__________
1 سقط الكلام من هنا إلى قوله: "ومنه بيت جميل" أول ص437 من هذا الجزء في ش.
2 هو المتنخل الهذلي، يقوله في رثاء ابنه أثيلة، يقول: إن أحدًا لا ينجو من الموت، ولو استتر بالظلم أو تحصَّن في الجبال. وورد في اللسان "فلا": "ولا خبل" في مكان "ولا جبل" وهو تحريف. وانظر ديوان الهذليين 2/ 35، ومعاني القرآن للفراء 10/ 164.
3 سقط ما بين القوسين في ط.
4 أي: سوار بن المضرب. وكان الحجاج دعاه أن يكون في حرب الخوراج، فهرب منه، وقطري هو ابن الفجاءة، كان على رأس الخوارج، وفي النوادر 450, وحماسة ابن الشجري 55: "فإن كنت لا يرضيك" غير أن في الحماسة: "ترضيك", ولا شاهد فيها. وانظر الكامل بشرح المرصفي 5/ 21.
5 هذا الحرف ثبت في ط.
6 كذا في ط. وفي ز: "معنى هذا".
7 ثبت حرف العطف في ز، ط.
8 أي: المسامحة. وذكر ضميرها لتأويلها بالتسامح.
9 هذا من شعر لعروة بن الورد. وكان سبى امرأة ثم أعتقها وتزوجها, ثم كان في بني النضير معها فعرض عليه أهلها أن يفتدوها منه، ففعل وهو سكران، وشرط عليهم أن يلهو بها ليلة، وقوله: "أثر ذي أثير" أي: أول كل شيء. وانظر الأغاني "طبعة دار الكتب" 3/ 76 وما بعدها.

(2/435)


أراد: اللهو1، فوضع "ألهو" موضعه لدلالة الفعل على مصدره, ومثله قولك لمن قال لك: ما يصنع زيد؟: يصلي أو2 يقرأ, أي: الصلاة أو القراءة.
ومما جاء في المبتدأ من هذا قولهم: تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه, أي: سماعك به خير من رؤيتك له. وقال -عز وجل: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} 3 أي: منا قوم دون ذلك, فحذف المبتدأ وأقام الصفة التي هي الظرف مقامه. وقال جرير:
نفاك الأغرّ ابن عبد العزيز ... وحقك تُنْفَى عن المسجد4
فحذف "أن" من خبر المبتدأ، وهي: حقك أن تنفى عن المسجد.
وقد جاء ذلك في الفاعل، على عزته. وأنشدنا 5:
وما راعني إلّا يسير بشرطة ... وعهدي به فينا يفش بكير6
كذا أنشدناه "فينا", وإنما هو قَيْنا, أراد بقوله: "وما راعني إلّا يسير" أي: مسيره "على هذا وجهه"7. وقد يجوز أن يكون حالًا، والفاعل مضمر، أي: وما راعني إلّا سائرًا بشرطة.
__________
1 في ابن يعيش 4/ 28: "والمراد أن ألهو, أي: اللهو".
2 كذا في ط. وفي ز، هـ: "أم".
3 آية: 11، سورة الجن.
4 من قصيدة له في هجو الفرزدق. وانظر الديوان 127، والنقائض 798.
5 كذا في ز، ط. وفي د، هـ: "أنشدوا", وفاعل "أنشدنا" أستاذه أبو علي.
6 هذا من أبيات لرجل من بني أسد يقال له معاوية في هجو إبراهيم بن حوران الملقب بفروع أو فروخ, وقبله:
يعرض فروج بن حوران بنته ... كما عرضت للشترين جزور
فأما قريش فهي تعرض رغبة ... وما الموالي حولها فتدور
والقين: الحداد. والكير: الزق الذي ينفخ فيه الحداد، وانظر شواهد المغني 2/ 691, واللسان "فرج".
7 كذا في ط. وفي د، هـ، ز: "هذا وجهه", وفاعل، وجهه، أبو علي.

(2/436)


ومنه بيت جميل:
جَزِعتُ حذار البَيْن يوم تحمَّلوا ... وحقّ لمثلي يا بثينة يجزع
أي: وحق لمثلي أن يجزع, وأجاز هشام يسرُّني تقوم, وينبغي أن يكون ذلك جائزًا عنده في الشعر لا في النثر. هذا أولى عندي من أن "يكون يرتكبه"1 من غير ضرورة.
وباب الحمل على المعنى بحر لا يُنْكَش2، ولا يُفْئج3 ولا يؤبى4 ولا يُغَرَّض5 ولا يُغضغض6. وقد رأينا وجهه, ووكلنا الحال إلى قوة النظر وملاطفة التأوّل7.
ومنه باب من هذه اللغة واسع لطيف طريف8، وهو اتصال الفعل بحرف ليس مما يتعدّى به؛ لأنه في معنى فعل يتعدى به. من ذلك قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} 9 لما كان في معنى الإفضاء عدَّاه بإلى, ومثله بيت الفرزدق:
قد قتل الله زيادًا عني
لما كان ذلك في معنى: صرفه عني, وقد ذكرناه10 فيما مضى. وكان أبو علي يستحسنه وينبه عليه.
ومنه قول11 الأعشى:
سبحان من علقمة الفاخر12
علق حر ف الجر بسبحان لما كان معناه: براءة منه.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "تكون ترتكبه".
2 أي: لا ينزف وينتهي ماؤه. والأصل في ذلك قولهم نكش الشيء، أتى عليه وفرغ منه.
3 أي: لا يبلغ غوره, وفي ش: "يفتح", وفي ط: "يقبح" وكلاهما تصحيف.
4 أي: لا ينقطع من كثرته.
5 أي: لا ينزح.
6 أي: لا ينزح أيضًا, ويقرأ بالبناء للفاعل، والبناء للمفعول. يقال: غضفضت الشيء فغضغض, أي: نقَّصته فنقص.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "التأمل".
8سقط في د، هـ، ز. ط.
9 آية 187 سورة البقرة
10 انظر ص312 من هذا الجزء.
11 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بيت", وانظر في البيت ص199 من هذا الجزء.
12 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الفاجر".

(2/437)


فصل في التحريف:
قد جاء هذا الموضع في ثلاثة أضرب: الاسم والفعل والحرف.
فالاسم يأتي تحريفه على ضربين: أحدهما مقيس, والآخر مسموع "غير مقيس"1.
الأول ما غيَّره النسب قياسًا, وذلك قولك في الإضافة إلى نَمِر: نَمَريّ، وإلى شقِرة 2: شَقَرِيّ، وإلى قاض: قاضَوِيّ, وإلى حنيفة: حَنفيّ, وإلى عدِيّ: عَدَويّ, ونحو ذلك. وكذلك التحقير وجمع التكسير نحو: "رجل و"3 رُجَيل ورجال.
الثاني على أضرب: منه ما غيَّرته4 الإضافة5 على غير قياس كقولهم في بني الحُبْلَى6 حُبَلِيّ, وفي بني عَبِيدة7 وجَذِيمة: عُبَدِيّ وجُذَمِيّ, وفي زَبِينة 8: زَبانيّ, وفي أَمس: إمسيّ, وفي الأفُق: أَفَقيّ, وفي جَلولاء 9: جَلوليّ, وفي خرسان: خُرْسٍيّ, وفي دَسْتواء 10: دستوانيّ.
ومنه ما جاء في غير الإضافة, وهو نحو قوله 11:
من نسج داود أبي سلام
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
2 هي قبيلة في بني ضبة.
3 سقط ما بين القوسين في ش.
4 كذا في ش، د، هـ، ز. وفي ط: "تحرفه".
5 في د، هـ، ز "بجرفي الإضافة", وظاهر أنه محرف عن: "بحرفي الإضافة".
6 هم بطن من الأنصار.
7 هم حي من بين عدي.
8 حي من باهلة بن عمرو بن ثعلبة؛ كما في اللسان "زبن".
9 هي قرية بناحية فارس.
10 في القاموس أنها بالقصر، وذكر أنها قوية بالأهواز, وفي التاج أن بعضهم حكى فيها المد، وفيه أنها في أصل الرشاطي بفتح التاي بضبط القلم. وانظر فيه "دست".
11 أي: الأسود بن يعفر. وصدره:
ودعا بمحكمة أمين نسجها
وهو في وصف الدرع. وانظر اللسان "سلم"، والصبح المنير309، والبيت فيه في مقطوعة في مدح الحارث بن هشام.

(2/438)


يريد: أبي1 سليمان, وقول الآخر 2:
وسائلة بثعلبة بن سير ... وقد علقت بثعلبة العلوق
يريد: ثعلبة بن سيار, وأنشدنا أبو علي:
أبوك عطاء ألأم الناس كلهم3
يريد: عطية بن الخطفي, وقال العبد:
وما دمية من دُمَى ميسنا ... ن معجبة نظرًا واتصافًا4
أراد: ميسان, فغير5 الكلمة بأن زاد فيها نونًا فقال: ميسنان, وقال لبيد:
درس المنا بمتالع فأبان6
أراد: المنازل, وقال علقمة:
كأنّ إبريقهم ظبي على شرف ... مفدم بسبا الكتان ملثوم7
__________
1 سقط في د، هـ، ز، ط.
2 هو المفضل النكري. وهو من قصيدته المنصفة, يذكر أن ثعلبة بن سيار كان في أمره, وانظر اللسان في "سير" و"علق", والأصمعيات 53، وحماسة البحتري 48، والعلوق: المنية, يريد أن أسبابها علقت به ولم تجهز عليه، فإنه يرمي إلى أسره.
3 عجزه:
فقبح من فحل وقبحت من نجل
وهو للبعيت يهجو جيريرًا. وانظر اللسان "عطو", والنقائض 157.
4 انظر ص383 من الجزء الأول.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط "فحرّف".
6 عجزه:
وتقادمت بالحبس فالسوبان
ومتالع وأبان والحبس والسوبان: مواضع، وانظر ص82 من الجزء الأول.
7 انظر ص81 من الجزء الأول.

(2/439)


وقال:
واستحرَّ القتل في عبد الأشل
يريد الأشهل1.
" وقال:
بسبحل الدفين عيسجور2
أي: بسبحل"3.
وقال:
تحاذر وقع السوط خوصاء ضمَّها ... كلال فجالت في حجا حاجب ضمر4
يريد: في حجاج حاجب. " وقد مضى من التحريف في الاسم ما فيه كافٍ بإذن الله"5.
تحريف الفعل:
من ذلك ما جاء من المضاف مشبهًا بالمعتل, وهو قولهم في ظللت: ظلت، "وفي مسست: مِسَتْ"6 وفي أحسست: أحَسْت، قال 7:
خلا أن العتاق من المطايا ... أحسن به فهنّ إليه شوس
__________
1 انظر ص82، من الجزء الأول.
3 انظر ص241 من هذا الجزء.
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وسقط التفسير: "أي: بسجل" في ط.
4 كأن هذا وصف ناقة والخوصاء من الحوص، وهو ضيق العين وغثورها. والحجاج: العظم المتسدير حول العين. والضمر: الضامر الهزيل. وجاء البيت في اللسان "حجج" محرفًا عمَّا هنا.
5 في ش، ط وضع ما بين القوسين بعد بيت علقمة السابق. وما هنا هو ما في د، هـ، ز.
6 سقط ما بين القوسين في ش.
7 أي: أبو زبيد الطائي, وهو من قصيدة يصف فيها الأسد. ذكر أن قومًا يسيرون والأسد يتبعهم فلم يشعر به إلّا المطايا. والشوس: واحده أشوس وشوساء من الشوس, وهو النظر بمؤخر العين تكبرًا أو تغيظًا. وانظر الأمالي 1/ 176، والسمط 438، والاقتضاب 299، والجواليقي 135.

(2/440)


وهذا مشبَّه بخفت وأردت. وحكى ابن الأعرابي في ظننت ظَنْتُ. وهذا كله لا يقاس1 عليه؛ لا تقول في شممت: شَمْتُ ولا شِمْتُ؛ ولا في "أقضضت 2: أقضت".
فأما قول أبي الحسن في مثال اطمأنَّ من الضرب: اضرببَّ3، وقول النحويين فيه: اضربب فليس تحريفًا, وإنما هذا عند كل واحد من القبليلين هو الصواب.
ومن تحريف الفعل ما جاء منه مقلوبًا كقولهم في اضمحل َّ: امضحلَّ, وفي أطيب: أيطب, وفي اكفهرَّ: اكرهفَّو وما كان مثله. فأمَّا جذب وجبذ فأصلان؛ لأن كل واحد منهما متصرف وذو مصدر, كقولك: جذب يجذب جذبًا, وهو جاذب, وجبذ يجبذ جبذًا وهو جابذ, وفلان مجبوذ ومجذوب, فإذا4 تصرفا لم يكن أحدهما بأن يكون أصلًا لصاحبه أولى من أن يكون صاحبه أصلًا له.
وأما قولهم: أيس فمقلوب من يئس, ودليل ذلك من وجهين.
أحدهما "أن لا مصدر"5 لقولهم: أيس, فأما الإياس فمصدر أست, قال أبو علي: وسمّوا6 الرجل إياسًا كما سموه عطاء؛ لأن أست: أعطيت. ومثله
__________
1 حكى ابن مالك في التسهيل أن الحذف في مثل هذا لغة سليم، ومن ثَمَّ قال الشلوبين بالقياس فيه. وانظر الأشموني في مبحث الإعلال بالحذف في أواخر الكتاب.
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "أفصصت: أفصت".
3 أصل اطمأننّ. فإذا أريد بناء مثالها من الضرب، فالنحويون يراعون أصل الزنة، فيقولون: أضربب بتشديد الباء الأولى، والأخفش يراعي ما عرض لاطمأنَّ من الإدغام ونقل الحركة, فيفعل كذلك في مثال من الضرب فيقول: اضربب بتشديد الباء الثانية ليكون كطمأن. وانظر شرح الرضي للشافية 3/ 298.
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وإذا".
5 كذا في ز، ط، وفي ش: "المصدر".
6 كذا في ط. ز، وفي ش: "سمى".

(2/441)


-عندي- تسميتهم إياه عياضًا1، فلمَّا لم يكن لأيس مصدر علمت أنه لا أصل له, وإنما المصدر اليأس. فهذا من يئست.
والآخر صحة العين في أيس, ولو لم يكن مقلوبًا لوجب فيه إعلالها وأن يقال: آس وإست كهاب وهبت, وكان يلزم في مضارع أواس كأهاب, فتلقب الفاء2 لتحركها وانفتاحها3 واوًا؛ كقولك في هذا أفعل من هذا من أممت: هذا أومّ من هذا, هذا قول أبي الحسن وهو القياس. وعلى قياس قول أبي عثمان أياس؛ كقوله: هذا4 أيمّ من هذا. فصارت صحة الياء في "أيس" دليلًا على أنها مقلوبة من يئس, كما صارت صحة الواو في عَوِرَ دليلًا على أنها في معنى ما لا بُدَّ من صحته وهو اعورّ. وهو باب. وكذلك قولهم: لم أبله5. وقد شرحناه في غير هذا.
تحريف الحرف:
قالوا: لا بَلْ ولابَنْ, وقالوا: قام زيد فُمَّ عمرو, كقولك: ثم عمرو. وهذا وإن كان بدلًا فإنه ضرب من التحريف. وقالوا في سوف أفعل: سوأفعل, وسَفْ6 أفعل. حذفوا تارة الواو، وأخرى الفاء. وخففوا رُبَّ وإنَّ وأنَّ، فقالوا:
رُبَ هَيْضَلٍ لجب لففتُ بهيضل
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "عوضًا".
2 يريد فاء الكلمة وهي الهمزة، وقد يكون الأصل، "ألفه".
3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "وانفتاح ما قبلها".
4 سقط في د، هـ، ز، ط.
5 انظر في هذا الكلمة الكتاب 2/ 392.
6 كذا في الأصول، وكأنه يرمي إلى أن الواقع من أحدهم يقع منهم جميعًا في اللغة. وهذا عجز بيت لأبي كبير الهذلي صدره:
أزهير إن يشب القذال فإنه
والهيضل: الجيش، ولف الجيش بالجيش: خلطها بالحرب. وقوله: "لجب" كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مرس" أي: شديد المراس والمعالجة للحرب. وهذا يوافق ما في ديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 2/ 80.

(2/442)


وقال 1:
أن هالكٌ كلُّ منْ يحفى وينتعل
وقال الله سبحانه: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} 2. وقال 3:
سقته الرواعد من صيّف ... وإن من خريف فلن يعدما4
مذهب صاحب الكتاب أنه أراد: وإما من خريف, وقد خولف فيه.
__________
1 أي: الأعشى, وصدره:
في فنية كسيوف الهند قد علموا
وهو من معلقته، وقبله:
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ... شاو مشل شلول شلشل شول
والحانوت بيت الخمار. يقول: إنه غدا إلى بيت الخمار معه غلام يشوي اللحم خفيف في عمله في فتية كريمة يهينون ما لهم في اللذات؛ إذ هم على ثقة أنهم ميتون, فهم يبادرون اللذات قبل أن يخترمهم الأجل، وانظر الخزانة 3/ 547، والكتاب 1/ 82، 440، 480.
2 آية: 4، سورة الطارق. والمؤلف يريد قراءة تخفيف "لما" و"ما" عليها زائدة، فأمّا على قراءة التشديد فإن عليها قافية، وهي غير مخففة.
3 أي: النمر بن قولب, وانظر الكتاب 1/ 135، والخزانة 4/ 434.
4 الضمير في سقته يعود على الصدع المذكور في قوله قبل:
فلو أنَّ من حتفه ناجيًا ... لمكان هو الصدع الأعصما
والصدع، الوعل، والأعصم: الذي في يده بياض. وفي رواية: "سقتها" أي: المسجورة المذكورة في قوله:
إذا شاء طالع مسجورة ... ترى حولها النبع والساسما
ويراد بالمسجورة عين ماء مملوءة. والشاعر يتحدث أن أحدًا لا ينجو من الهلاك. ولو نجا أحد لكان أحق شيء أن يكون هذا الصدع, وقد وصفه أنه في جبل منيع، وفيه رعيه وشربه، فذكر في البيت الشاهد أنه يرتوي من رواعد الصيف، ومن مطر الخريف. والرواعد: السحب الماطرة معها رعد. والصيف: مطر الصيف.

(2/443)