الخصائص باب في ملاطفة
الصنعة:
وذلك أن ترى العرب قد غيرت شيئًا من كلامها من صورة، إلى صورة, فيجب
حينئذ أن تتأتى لذلك وتلاطفه, لا أن تخبطه وتتعسفه. وذلك كقولنا في
قولهم في تكسير جَرْو ودَلْوِ: أَجرٍ وأَدلٍ , إن أصله أجرُوٌ وأدلُوٌ,
فقلبوا الواو ياء. وهو -لعمري- كذلك، إلا أنه يجب عليك أن تلاين الصنعة
ولا تعازّها, فتقول: إنهم أبدلوا1 من ضمة العين كسرة, فصار تقديره:
أجرِوٌ وأدلِوٌ. فلمَّا انكسر ما قبل الواو -وهي لام- قلبت ياء فصارت
أجرِيٌ وأدْلِيٌ, وإنما وجب أن يرتب2 هذا العمل هذا الترتيب من قبل أنك
لما كرهت الواو هنا لما تتعرض3 له من الكسرة والياء في أدْلُوَ
وأدلُوِيّ لو سميت4 رجلًا بأدلُو, ثم أضفت إليه, فلمَّا ثقل ذلك بدءوا
بتغيير الحركة الضعيفة تغييرًا عَبْطا وارتجالًا. فلمَّا صارت كسرة
تطرقوا بذلك إلى قلب5 الواو ياء تطرقًا صناعيًّا. ولو بدأت فقلبت الواو
ياء بغير آلة القلب6 من الكسرة7 قبلها لكنت قد استكرهت الحرف8 على نفسه
تهالكًا وتعجرفًا، لا رفقًا وتلطفًا9. ولما فعلت ذلك في الضمة كان أسهل
منه في "الواو و"10 الحرف؛ لأن ابتذالك الضعيف أقرب مأخذًا من إنحائك
على القوي. " فاعرف ذلك"11 "أصلًا في هذا الباب"12.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "لما أبدلوا".
2 كذا في ش، ط. وفي ز: "ترتب".
3 كذا في ش، ط: وفي د، هـ، ز: "يتعرض".
4 شرط هذا لأنه جمع فلا ينسب إليه على لفظه إلا إذا كان علمًا، وإلا
نسب إلى مفرده.
5 في ط: "أن قلبوا".
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تقلب".
7 كذا في ش. وفي ز، ط: "الكسر".
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بالحرف".
9 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ملاطفًا".
10 زيادة في ط.
11 كذا في ش. ط. وفي د، هـ، ز: "فاعرفه".
12 سقط ما بين القوسين في ط.
(2/472)
وكذلك باب فُعُول مما لامه واو, كدَلْوٍ
ودِلِيّ, وحَقْوٍ وحِقِيّ, "أصله دُلُوّ وحُقُوّ"1. فلك في إعلال هذا
إلى حِقِيّ ودِلِيّ طريقان.
إن شئت شبهت واو فُعُول المدغمة2 بضمة عين أفعُل في3 أدلوٍ وأحقُوٍ,
فأبدلت "منها ياء؛ كما أبدلت"4 من تلك الضمة كسرة فصارت: حُقِيُّو, ثم
أبدلت الواو التي هي لام ياء لوقوع الياء ساكنة قبلها فصارت حُقِيّ ثم
أتبعت فقلت: حِقِيّ. وهذا أيضًا مما أبدلت من ضمة عينه كسرة، فتنقلب5
واو فعول بعدها ياء كالباب6 الأول. فصارت أول 7: حُقُوّ، ثم حقِيو، ثم
حُقِيّ، "ثم حِقِيّ"8. فهذا وجه.
وإن شئت قلت: بدأت بدُلُوٍّ فأبدلت لامها لضعفها بالتطرف "وثقلها"9 ياء
فصارت دُلُويٌ. ثم أبدلت الواو ياء لوقوع الياء بعدها فصارت حُثُيّ "ثم
أبدلت من الضمة في العين كسرة لتصح الياء بعدها فصارت: حُقِيّ"10 ثم
أتبعت فقلت: حِقِيّ "ودِلِيّ"11.
ومن ذلك قولهم: إن أصل قام قَوَمَ, فأبدلت الواو ألفًا. وكذلك باع
أصله12 بَيَعَ ثم أبدلت الياء ألفًا، لتحركها13 وانفتاح ما قبلها13.
وهو -لعمري-
__________
1 ثبت ما بين القوسين في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز، وقد رسم دلو وحقو
فيهما بواو واحدة، وهو يريد الإدغام، ولولا هذا لرسما بواوين.
2 يجري الصرفيون الإعلال في مثل هذا قبل الإدغام: فإن الإدغام يقوي
الحرف فيتأبَّى على الإعلال.
3 ثبت هذا الحرف في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
4 سقط ما بين القوسين في ش. وثبت في د، هـ، ز، ط: غير أن في ط: "فيها"
بدل "منها".
5 في ز، ط: "لتنقلب".
6 كذا في ش، ط، وفي ز: "كالياءات".
7 كذا في ش، ز. وفي ط: "أوَّلًا".
8 زيادة في ز.
9 ثبت ما بين القوسين في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
10 سقط ما بين القوسين في ش.
11 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز: وثبت في ش، ط.
12 كذا في ش،. وفي د، هـ. ز. "أصلها".
13 في ز: "لتحركهما ... قبلهما".
(2/473)
كذلك، إلا أنك لم تقلب واحدًا من الحرفين
إلّا بعد أن أسكنته استثقالًا لحركته, فصار إلى1 قَوْمَ وبَيْعَ ثم
انقلبا لتحركهما في الأصل وانفتاح ما قبلهما الآن. ففارقا بذلك باب ثوب
وشيخ؛ لأن هذين ساكنا العينين ولم يسكنا عن حركة. ولو رمت2 قلب الواو
والياء من نحو: قوم وبيع وهما متحركتان3 لاحتمتا4 بحركتيهما, فعزَّتا
فلم تنقلب. فهذا واضح.
ومن ذلك ستّ, أصلها سدس, فلما كثرت في الكلام أبدلوا السين تاء كقولهم.
النات في الناس, ونحوه فصارت سِدْت. " فما تقارب الحرفان في مخرجيهما
أبدلت الدال تاء, وأدغمت في التاء فصارت ستّ"5. ولو بدأت6 هذا الإبدال
عاريًا من تلك الصنعة لكان استطالة على الحرفين وهتكًا للحرمتين.
فاعرف بهذا النحو هذه الطريق ولا تقدمنَّ على أمر من التغيير إلّا7
لعذر فيه, وتأت له ما استطعت. فإن لم تجن8 على الأقوى كانت جنايتك على
الأضعف لتتطرَّق9 به إلى10 إعلال الأقوى أعذر وأولى. فأبه11 له وقس
عليه.
__________
1 ثبت هذا الحرف في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وف ش: "لزمت".
3 في ش: "متحركان".
4 كذا في في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "لاجتمعتا".
5 سقط ما بين القوسين في ز.
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بدلت".
7 في ز، ط: بعذر".
8 كذا في ط. وفي د، هـ، ز: "تعن" وفي ش: "تكن".
9 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ليتطرق".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "على".
11 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "فأبدله", ويقال به للشيء: فطن له.
(2/474)
فأما قوله 1:
أو إلفًا مكَّة من ورق الحمى
فلم تكن الكسرة لتقلب الميم ياء, ألا تراك تقول: تظنيت وتقصيت, والفتحة
هناك لكنه كسر للقافية.
ومن ذلك مذهب أبي الحسن في قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا
تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} 2 لأنه ذهب إلى أنه حذف حرف الجر
فصار تجزيه, ثم حذف الضمير فصار تجزى. فهذا ملاطفة "من الصنعة"3. ومذهب
سيبويه أنه حذف "فيه" دفعة واحدة.
__________
1 أي: العجاج, وقبله:
ورب هذا البلد المحرّم ... والفاطنات البيت غير الريم
يريد بالقاطنات البيت أي: الكعبة الحرام، والحمى أصله الحمم مخفف
الحمام بحذف ألفه، فلما اجتمع مثلان أبدل من الثاني ياء، ثم كسر الميم
الأولى للقافية، ولولا ذلك لقلب الياء ألفًا. ومن اللغويين من يرى أن
الشاعر حذف ميم الحمام، وأبدل الألف ياء بعد كسر ما قبلها. فوزنه على
الأول الفعل وعلى الثاني الفعي، وقد جرى المؤلف على الوجه الأول. وانظر
اللسان.
2 آية 48 سورة البقرة.
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
(2/475)
باب في التجريد:
اعلم أن هذا فصل من فصول العربية طريف حسن, ورأيت أبا علي -رحمه الله-
به غريًا1 معنيًا، ولم "يفرد له"2 بابًا, لكنه وسمه في بعض ألفاظه بهذه
السمة، فاستقريتها3 منه وأنقت لها. ومعناه أن "العرب قد تعتقد"4 أن5
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "غرى". ويقال غرى بالشيء: أولع به.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يعقد عليه".
3 في ط: "فاستقويتها".
4 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "تجرد وتعتقد".
5 كذا في د، هـ، ز، وسقط في ط. وفي ش: "أنه".
(2/475)
في الشيء من نفسه معنى آخر, كأنه حقيقته
ومحصوله. وقد يجري1 ذلك إلى ألفاظها لما عقدت عليه معانيها. وذلك نحو
قولهم: لئن لقيت زيدًا2 لتلقين منه الأسد, ولئن سألته لتسئلن منه
البحر. فظاهر هذا أن فيه من نفسه أسدًا وبحرًا, وهو عينه هو الأسد
والبحر "لا3 أن" هناك شيئًا منفصلًا عنه وممتازًا منه.
وعلى هذا يخاطب الإنسان منهم نفسه، حتى كأنها تقابله أو4 تخاطبه.
ومنه قول الأعشى:
وهل تطيق وداعًا أيها الرجل5
وهو الرجل نفسه لا غيره, وعليه قراءة من قرأ: "قَالَ اعْلَمُ أَنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"6 أي: اعلم أيها الإنسان, وهو
نفسه7 الإنسان, وقال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} 8 وهي
نفسها "دار الخلد"9.
وقال الأعشى:
لات هنا ذكرى جبيرة أم من ... جاء منها بطائف الأهوال10
وهي نفسها الجائية بطائف الأهوال.
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يخرج" وفي ط: يخرج".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فلانًا".
3 كذا في ش. وفي ش: "إلا أن" وفي ز: "لأن".
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "و".
5 صدره:
ودِّع هريرة إن المركب مرتحل
وهو مطلع معلقته.
6 آية: 259 سورة البقرة، وهذه القراءة بصيغة فعل الأمر قراءة حمزة
والكسائي ويعقوب وخلف؛ كما في الإتحاف 162.
7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "في نفسه".
8 آية: 28، سورة فصلت.
9 سقط ما بين القوسين في ش.
10 من قصيدة في مدح الأسود بن المنذر أخي النعمان. وهو أول قصيدة في
الصبح المنير.
(2/476)
وقد تستعمل الباء هنا فتقول: لقيت به
الأسد, وجاورت به البحر, أي: لقيت بلقائي إياه الأسد. ومنه مسألة1
الكتاب: أما أبوك فلك أب, أي: لك منه أو به أو2 بمكانه أب3. وأنشدنا:
أفاءت بنو مروان ظلمًا دماءنا ... وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل4
وهذا غاية البيان والكشف, ألا ترى أنه لا يجوز أن يعتقد أن الله سبحانه
ظرف لشيء ولا متضمن له، فهو إذًا على حذف المضاف، أي: في عدل الله عدل
حكم عدل.
" وأنشدنا:
بنزوة لص بعد ما مرّ مصعب ... بأشعت لا يفلَى ولا يقمل5
ومصعب نفسه هو الأشعت"6. وأنشدنا:
جازت البيد إلى أرحلنا ... آخر الليل بيعفور خدر7
وهي نفسها اليعفور, ولعيه جاء قوله:
يا نفس صبرًا كل حي لاق ... وكل اثنين إلى افتراق
__________
1 انظر الكتاب 195/ 1.
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "أي".
3 سقط في ش.
4 ورد هذا البيت في معاهد التنصيص 3/ 16 وفيه الشطر الأول هكذا:
أباحت بنو مروان ظلمًا دماءنا
ولم ينسبه. وورد في حماسة ابن الشجري 4في أبيات لأبي الخطار الكلبي
هكذا:
أفادت بنو مروان قيسًا دماءنا ... وفي الله إن لم ينصفوا حكم عدل
وبعده:
كأنكم لم تشهدوا مرج راهط ... ولم تعلموا من كان ثمَّ له للفضل
5 الأشعت: الوتد، سمي بذلك لشعث رأسه, وقد وصفه بأنه لا يصيبه الفمل،
فلا يحتاج إلى أن يفلى، ليميزه عن الأشعث من الناس. والبيت للأخطل وهو
في القصيدة الأولى من ديوانه, وقد أورده المؤلف معزوًّا إليه في
"المحتسب" في الكلام على سورة الفتحة.
6 سقط ما بين القوسين في ش.
7 انظر ص179 من هذا الجزء.
(2/477)
وقول الآخر 1:
قالت له النفس إني لا أرى طمعًا ... وإن مولاك لم يسلم ولم يصد
وقول الآخر 2:
أقول للنفس تأساءً وتعزية ... إحدى يدي أصابتني ولم ترد
وأما3 قوله -عزَّ اسمه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} 4
فليس من ذا، بل النفس هنا جنس, وهو5 كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا
الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} 6 ونحوه7. وقد دعا
تردد هذا الموضع على الأسماع، ومحادثته8 الأفهام9، أن ذهب قوم10 إلى أن
الإنسان هو معنى ملتبس بهذا الهيكل الذي يراه11، ملاق له, وهذا الظاهر
مماس لذلك الباطن, كل جزء منه منطوٍ عليه ومحيط به.
__________
1 أي: النابغة الذبياني، وقبله:
لما رأى واشق إقعاص صاحبه ... ولا سبيل إلى عقل ولا قود
واشق: كلب غير ضمران, الذي يتحدث عنه الشاعر، وذلك أنه ذكر أن كلابًا
سلط كلبه ضمران على ثور وحشي فصرعه الثور بقرنه، وذكر في البيت الشاهد
أن واشفًا لما رأى ذلك حدثته نفسه باليأس من الثور، وقال في نفسه: إن
مولاه لم يسلم ولم يصد. ويجوز أن يريد بمولاه الكلّاب صاحبه، وأن يريد
به ضمران الذي هلك.
2 نسبه في الحماسة إلى أعرابي قتل أخوه ابنًا له، فقدم إليه ليقتاد منه
فألقى السيف في يده، وقال الشعر. وبعده:
كلاهما خلف من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
وانظر الحماسة بشرح التبريزي "التجارية" 1/ 105.
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فأمَّا".
4 آية 27، سورة الفجر.
5 كذا في ش، وفي د، هـ: "فهو".
6 آية: 6، سورة الإنفطار.
7 سقط في د، هـ، ز، ط.
8 في ط: "مجاذبته".
9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "للأفهام".
10 يغزي مثل هذا القول إلى الإمام مالك -رضي الله عنه- في الروح، وهو
في الحقيقة لأتباعه. وفي جوهرة التوحيد:
ولا تخص في الروح إذا ما وردا ... نص من الشارع لكن وجدا
لمالك هي صورة كالجسد ... فحسبك النص بهذا السند
11 كذا في ش، ز. وفي ط: "ذكرناه وأنه".
(2/478)
باب في غلبة الزائد
للأصلي:
أما إذا كان الزائد ذا معنى فلا نظر في استبقائه وحذف الأصلي لمكانه,
نحو قولهم: هذا قاضٍ ومعطٍ, ألا تراك حذفت الياء التي هي لام للتنوين؛
إذ كان ذا معنى أعني الصرف. ومثل1 ذلك قوله:
لاثٌ به الأشاء والعبريّ2
حذفت عين فاعل وأقررت ألفه؛ إذ كانت دليلًا على اسم الفاعل. ومثله قوله
3:
شاك السلاح بطل مجرب
وهذا أحد ما يقوي قول أبي الحسن في أن المحذوف من باب مقول ومبيع إنما
هو العين؛ من حيث كانت الواو دليلًا على اسم المفعول. وقال ابن
الأعرابي في قوله 4:
في بئر لا حور سرى وما شعر
أراد: حوور أي: في بئر "لا حوور"5 لا رجوع. قال: فأسكنت الواو الأولى،
وحذفت لسكونها وسكون الثانية بعدها. وكذلك حذفت لام الفعل لياءي
الإضافة
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مثال".
2 "به" كذا في ش، ط. وفي و، هـ، ز: "بها" وانظر ص131 من هذا الجزء.
3 أي: مرحب اليهودي في غزوة خيبر وقبله:
قد علمت خيبر أني مرحب
وانظر السيرة على هامش الروض 2/ 228.
4 أي: العجاج. والشطر من أرجوزة طويلة يمدح بها عمر بن عبيد الله بن
معمر, وكان أوقع بجيش للخوارج يقوده أبو فديك الحروري. ويذكر في هذا
الشطر أن هذا الحروري سرى في بئر غير حؤرر -والحؤرر: الرجوع- أي: سرى
في أمر لا يرجع عليه عليه بخير. وانظر الخزانة 2/ 95.
5 سقط ما بين القوسين في ز، ط. وثبت في ش.
(2/479)
في نحو: مصطفيّ وقاضيّ ومراميّ "في1
مرامى". وكذلك باب يعد ويزن، حذفت فاؤه لحرف المضارعة الزائدة2 "كل3
ذلك" لما كان الزائد ذا معنى. وهذا أحد ما يدل على شرف المعاني عندهم
ورسوخها في أنفسهم. نعم, وقد حذفوا الأصل عند الخليل للزائد وإن كانا
متساويي المعنيين. وإذا كان ذلك جائزًا عندهم، ومسموعًا في لغتهم، فما
ظنك بالحرف الزائد إذا كان ذا معنى. وذلك قوله:
بني عقيل ماذه الخنافق ... المال هَدْي والنساء طالق4
فالخنافق5 جمع خنفقيق, والنون زائدة, والقاف الأولى عند الخليل هي
الزائدة، والثانية هي الأصل وهي المحذوفة -وقد قدمنا دليل ذلك- والنون
والقاف جميعًا لمعنى واحد وهو الإلحاق.
فإذا6 كانوا قد حذفوا الأصل7 للزائد8 وهما في طبقة واحدة -أعني
اجتماعهما على كونهما للإلحاق- فكيف -ليت شعري- تكون الحال إذا كان
الزائد لمعنى والأصل المحذوف9 لغير معنى! وهذا واضح.
وفي قولهم: خنافق تقوية لقول سيبويه في تحقير مقعنسس وتكسيره "مقاعس
ومقيعس"10 فاعرفه؛ فإنه قويّ في بابه.
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
2 في د، هـ، ز: "الزائدة".
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "كذلك".
4 انظر ص64 من هذا الجزء.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "والخنافق".
6 كذا في ش. وفي د، ز، هـ، ط: "وإذا".
7 كذا في ش، ز. وفي ط: "الأصليّ".
8 كذا في ش، ط، هـ، وفي د، ز "للزوائد".
9 سقط في ط. وسقوطه أولي.
10 كذا في ش. وفي ط: "مقاعيس ومقيعيس" وهذا فيه زيادة الياء للتعويض من
المحذوف، وهو جائز. والرأي المقابل لرأي سيبويه هو رأي المبرد: يؤثر
حذف الميم، فيقول: قعاس، وقعيس.
(2/480)
بل إذا كانوا قد حذفوا الملحق للملحق فحذف
الملحق لذي المعنى -وهو الميم- أقوى وأحجى1. وكأنهم إنما أسرعوا إلى
حذف الأصل للزائد2؛ تنويهًا به وإعلاءً له وتثبيتًا لقدمه في أنفسهم,
وليعلموا بذلك قدره عندهم وحرمته في تصورهم ولحاقه بأصول الكلم في
معتقدهم, ألا تراهم قد يقرونه في الاشتقاق مما هو فيه إقرارهم الأصول.
وذلك قولهم: قرنيت السقاء إذا دبغته بالقَرْنُوة, فاشتق الفعل منها,
وأقرت الواو الزائدة فيها حتى أبدلت ياء في قرنيت. ومثله قولهم 3:
قَلْسيت الرجل, فالياء هنا بدل من واو قلنسُوة الزائدة4، ومن قال:
قلنسته, فقد أثبت أيضًا النون وهي زائدة، وكذلك قولهم: تعفرت الرجل إذا
خبث، فاشتق من العفريت وفيه التاء زائدة.
فنظير تقويتهم أمر الزائد وحذف الأصل له5 قول الشاعر6:
أميل مع الذمام على ابن عمِّي ... واحمل للصديق على الشقيق
وجميع ما ذكرناه من قوة الزائد عندهم وتمكّنه في أنفسهم يضعف قوْل من
حقَّر تحقير الترخيم ومن كسر على حذف الزيادة, وقد ذكرنا هذا. إلّا أن
وجه جواز ذلك قول الآخر 7:
كيما أعدّهم لأبعد منهم ... ولقد يجاء إلى ذوي الأحقاد
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "أعجب".
2 كذا في ز، ط، وفي ش: "للزيادة".
2 سقط في د، هـ، ز، ط.
4 سقط في ش.
5 ثبت في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
6 هو إبراهيم بن العباس الصولي. والذمام: الحق والحرمة. وفي الطرائف
الأدبية 154: "مع الصديق" في مكان "مع الذمام". وفيها: "أقصى" في مكان
"أحمل" وفي ز: "آخذ"، وبعده:
أفرّق بين معروف ومنى ... وأجمع بين مالي والحقوق
7 هو في الحماسة بعض بني فقمس، وعند أبي محمد الأعرابي مرداس بن جشيش،
وانظر التبريزي "التجارية" 1/ 217.
(2/481)
وقول1 المولد 2:
وأنف الفتى من وجهه وهو أجدع
وقول الآخر3:
أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح
"وهو باب واسع"4.
__________
1 ش، ز: "قال".
2 هو أبو تمام في وصف الشيب, وقبله مع هذا الشطر:
له منظر في العين أبيض ناصع ... ولكنه في القلب أسود أسفع
ونحن نرجيه على الكرة والرضا ... وأنف الفتى من وجهه وهو أجدع
3 هو مسكين الدارميّ. كان معاوية -رضي الله عنه- يؤثر أهل اليمن
بالعطاء، ولم يفرض لهذا المسكين فيه، فذكره أنه يشاركه في النسب إلى
مصر، فهو أخوه، وهو أولى بعطائه من اليمانيين القحطانيين، وانظر
الخزانة في الشاهد 167.
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
(2/482)
باب في أن ما لا يكون للأمر وحده, قد يكون
له إذا ضامَّ غيره:
من ذلك الحرف الزائد لا يكون للإلحاق أولًا؛ كهمزة أفعَل وأَفْعُل
وإفعْلَ وأَفعِل وإفِعِلٍ, ونحو ذلك, وكذلك ميم مفعل ونحوه. فإذا
انضمَّ إلى الزيادة أولًا زيادة أخرى صارت للإلحاق. وذلك "نحو: ألندد
وألنجج، الهمزة والنون للإلحاق. وكذلك"1 يلندد ويلنجح "فإن زالت النون
لم تكن الهمزة ولا الياء وحدهما للإلحاق. وذلك نحو: ألد ويلج"2.
وعلة ذلك أن الزيادة في أول الكلمة إنما بيابها معنى المضارعة, وحرف
المضارعة إنما يكون مفردًا أبدًا, فإذا انضمَّ إليه غيره خرج بمضامته
إياه عن أن يكون للمضارعة, فإذا خرج عنها وفارق الدلالة على المعنى جعل
للإلحاق؛ لأنه قد أمن بما انضم إليه أن يصلح للمعنى.
__________
1 ثبت ما بين القوسين في د، هـ، ز، وسقط في ش، ط.
2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
(2/482)
وكذلك ميم مفعول, جعلت واو مفعول وإن كانت
للمد دليلة على معنى1 اسم المفعول, ولولا الميم لم تكن2 إلا للمد؛
كفعول وفعيل وفعال ونحو ذلك, إلا أنها وإن كانت قد أفادت هذا3 المعنى
فإن ما فيها من المد والاستطالة معتدّ فيها مراعي من حكمها. ويدلك على
بقاء المد فيها واعتقادها مع ما أفادته من معنى اسم المفعول له4 أن
العرب لا تلقي عليها حركة الهمزة بعدها إذا آثرت تخفيفها؛ بل تجريها
مجراها وهي للمد خالصة5؛ ألا تراهم يقولون في تخفيف مشنوءة بالإدغام
البتة؛ كما يقولون في تخفيف شنوءة. وذلك قولهم: مَشْنُوَّة كشَنُوَّة,
فلا يحركون واو مفعول, كما لا يحركون واو فعول, وإن كانت واو مفعول
تفيد مع مدها اسم المفعول, وواو فعول مخلصة6 للمد البتة.
فإن قلت: فما7 تقول في أفعول نحو أسكوب, هل هو ملحق بجرموق؟ قيل: لا؛
ليس ملحقًا به بل الهمزة فيه للبناء, والواو فيه للمد البتة؛ لأن حرف
المد إذا جاور الطرف لا يكون للإلحاق أبدًا8؛ لأنه كأنه إشباع للحركة
كالصيارف ونحوه, ولا يكون أفعول إلا للمد؛ ألا ترى أنك لا تستفيد بهمزة
أفعول وواوه معنى مخصوصًا, كما تستفيد بميم مفعول وواوه معنى مخصوصًا؛
وهو إفادة اسم المفعول. فهذا من طريق التأمل واضح. وإذا كان كذلك إفعيل
لا يكون
__________
1 سقط في د، هـ، ز، ط.
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "يكن".
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "هنا".
4 سقط في ش. واعتقادها لله إحرازها له، من قولهم: اعتقد ضيعة أي
قتناها.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "خاصة".
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "خاصة".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ما".
8 سقط في د، هـ، ز.
(2/483)
ملحقًا. وأبين منه باب إفعال؛ لأنه موضع
للمعنى وهو المصدر؛ نحو الإسلام والإكرام. والمعنى أغلب على المثال من
الإلحاق. وكذلك باب أفعال؛ لأنه موضوع للتكسير كأقتاب وأرسان.
فإن قلت: فقد جاء عنهم نحو: إمخاض1، وإسنام2، وإصحاب3، وإطنابة4، قيل:
هذا في الأسماء5 قيل جدًّا, وإنما بابه المصادر البتة. وكذلك ما جاء
عنهم من وصف الواحد بمثال أفعال6، نحو: برمة أعشار7، وجفنة أكسار8،
وثوب أكباش9 وتلك الأحرف المحفوظة في هذا. إنما هي على أن جعل كل جزء
منها عشرًا وكسرًا وكبشًا. وكذلك كبد أفلاذ10، وثوب أهباب11 وأخباب12،
وحَبْل أرمام13 وأرماث وأقطاع وأحذاق وثوب أسماط13؛ كل هذا متأول فيه
معنى الجمع14.
وكذلك مفعيل ومفعول ومفعال ومَفْعَل , ليس شيء من ذلك ملحقًا؛ لأن أصل
زيادة الميم في الأول إنما هي لمعنى15، وهذه غير طريق الإلحاق. ولهذا
أدغموه فقالوا: مِصَكَ16 ومِتلّ17 ونحوهما. وأمَّا أُفاعِل كأُحامِر18
وأجارِد19 وأباتر20 فلا تكون الهمزة فيه والألف للإلحاق بباب
قُذَعْمِل21. ومن أدل الدليل على ذلك أنك
__________
1 من معانيه السقاء "أي: القربة" يمخص فيها اللبن.
2 هو ثمر الحلي، وهو من المراعي.
3 سقط في ش. ولم أقف على هذا اللفظ.
4 من معانيه المظلة.
5 في ش: "الإسلام".
6 في ط: "الأفعال".
7 أي: كسرت على عشر قطع أو عظيمة.
8 أي: عظيمة موصلة لكبرها أو لقدمها.
9 هو ضرب من برود اليمن, وفي ج: لضرب منها رديء النسج.
10 أي: قطع.
11 أي: متقطع.
12 أي: بال قديم.
13 أي: غير محشو ببطانة.
14 كذا في ش، ط. وفي ز: "الجميع".
15 في ز، ط: "للمعني".
16 هو القوي من الناس وغيرهم.
17 هو الشديد, يقال: رمح مثل.
18 هو اسم جبل، وموضع بالمدينة.
19 اسم موضع.
20 هو القاطع لرحمه.
21 هو الضخم من الإبل.
(2/484)
لا تصرف شيئًا من ذلك علمًا. وذلك لما فيه
من التعريف ومثال الفعل؛ لأنَّ1 أجارد2 وأباترا3 جارٍ مجرى أضارب
وأقاتل. وإذا جرى مجراه فقد لحق في المثال به, والهمزة في ذلك إما هي
في أصل هذا المثال للمضارعة, والألف هي ألف فاعل في جارد وباتر لو
نطقوا4 به, وهي كما تعلم للمعنى كألف ضارب وقاتل. فكل واحد من الحرفين
إذًا إنما هو للمعنى، وكونه5 للمعنى أشد شيء إبعادًا لها عن الإلحاق
لتضادّ القضيتين6 عليه، من حيث كان الإلحاق طريقًا صناعيًّا لفظيًّا,
والمعنى طريقًا مفيدًا معنويًّا. وهاتان طريقتان متعاديتان. وقد فرغنا
منهما فيما قبل. وأيضًا فإن الألف لا تكون7 للإلحاق حشو أبدًا8، إنما
تكون له9 إذا وقعت طرفًا لا غير، كأرطيّ ومعزي وحَبَنْطي. وقد تقدم ذلك
أيضًا.
ولا يكون أجارد10 أيضًا ملحقًا بعذافر لما قدمناه: من أن الزيادة في
الأوّل لا تكون للإلحاق، إلّا أن يقترن بها حرف غير مدٍّ كنون ألندد
وواو إزْمَول11 وإسْحَوفٍ12 وإدْرَون13؛ لكن دُوَاسر14 ملحق بعُذافر15.
ومثله عُيَاهِم16. وكذلك كَوَأْلَل17 ملحق
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فعلت بذلك أن".
2 كذا في ز، ط، وفي ش: "أجاردا" وهو لا ينوَّن لأنه علم.
3 كذا في ش. وفي ز، ط: "أباتر", وهو مصروف لأنه ليس بِعَلَمٍ، إلّا إذا
لوحظ أنه عَلَمٌ على اللفظ.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "نطق".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فكونه".
6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "القصتين".
7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يكون".
8 سقط في ش.
9 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "لهما" أو "بهما".
10 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
11 هو المصوت من الوعول وغيرها.
12 هي الناقة الكثيرة اللبن.
13 هو معطف الدابة.
14 هو الشديد الضخم.
15 هو الأسد، والعظيم الشديد من الإبل.
16 هو الماضي السريع من الإبل.
17 هو القصير.
(2/485)
بسبهلل الملحق بهمرجل1. وأدلّ دليل على
إلحاقه ظهور تضعيفه, أعني: كوأللًا. ومثله سبهلل. فاعرفه.
ومثل طومار -عندنا- ديماس2 فيمن قال: دياميس, وديباج فيمن قال: ديابيج,
هو ملحق بقرطاس3؛ "كما أن طومارا ملحق بفسطاط"4. وساغ أن تكون الواو
الساكنة المضموم ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها للإلحاق؛ من
حيث كانتا لا تجاوران الطرف بحيث يتمكن المد. وذلك أنك لو بنيت مثل
طومار أو ديماس من سألت لقلت: سوآل وسيئال, فإن خفَّفت حركت كل واحد من
الحرفين بحركة الهمزة التي بعده, فقلت: سوال وسيال, ولم تقلب الهمزة
وتدغم فيها الحرف؛ كمقروّ والنسيّ؛ لأن الحرفين تقدَّما عن الموضع5
الذي يقوى فيه حكم المد وهو جواره الطرف. وقد تقدم ذلك.
فتأمل هذه المواضع التي أريتكها؛ "فإن أحدًا من أصحابنا لم يذكر شيئًا
منها"6.
__________
1 هو الخفيف العجل.
2 من معانيه الحمام.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بقسطاس".
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
5 في ز: "المكان".
6 سقط ما بين القوسين في ز.
(2/486)
باب في أضعف
المعتلين:
وهو اللام؛ لأنها أضعف من العين. يدل على ذلك قولهم في تكسير فاعل مما
اعتلت لامه: إنه يأتي على فُعَلة, نحو: قاض وقضاة, وغاز وغزاة, وساع
وسعاة. فجاء ذلك مخالفًا للتصحيح الذي يأتي على فَعَلة نحو: كافر
وكفرة, وبار وبررة. هذا ما دام المعتل من فاعل لامه. فإن كان معتله
العين فإنه يأتي مأتى الصحيح على فَعَلة. وذلك نحو: حائك وحَوَكة,
وخائن وخوَنة, وخانة, وبائع وباعةٍ, وسائِد
(2/486)
وسادة, أفلا ترى كيف اعتدَّ اعتلال اللام
فجاء مخالفًا للصحيح, ولم يحفلوا باعتلال العين؛ لأنها لقوتها بالتقدم
لحقت بالصحيح.
وجاء عنهم سريّ وسراة مخالفًا1. وحكى النضر سراة, فسراة في تكسير سري
عليه بمنزلة شعراء من شاعر2. وذلك أنهم كما كسَّروا فاعلًا على فُعلاء,
وإنما فعلاء لباب فعِيل؛ كظريف وظُرفاء, وكريم وكرماء, وكذلك3 كسَّروا
أيضًا4 فعيلًا على فَعَلة, وإنما هي لفاعل.
فإن قلت: فقد قالوا: فَيْعِل مما عينه معتلة, نحو: سيد وميت, فبنوه على
فيِعل, فجاء مخالفًا للصحيح الذي إنما بابه فيعل, نحو: صيرف وخيفق5،
وإنما اعتلاله من قبل عينه, وجاءت أيضًا الفيعلولة6 في مصادر ما اعتلت
عينه نحو: الكينونة والقيدودة, فقد أجروا العين في الاعتلال7 أيضًا
مجرى اللام في أن خصوها بالبناء الذي لا يجود في الصحيح.
قيل: على كل حال اعتلال8 اللام أقعد في معناه من اعتلال8 العين, ألا
ترى أنه قد جاء فيما عينه معتلة فيعل مفتوحة العين في قوله 9:
ما بال عيني كالشعيب العين
__________
1 أي: للقياس؛ فإن قياس معتل اللام ضم الفاء, وهو مخالف أيضًا من حيث
إن القياس فيه: أسرياء؛ كما ذكره. وقد جاء القياس في اللغة.
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "الشاعر".
3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فكذلك".
4 ثبت في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
5 يقال: ناقة خيفق: سريعة جدًّا.
6 في ط: "الفيعولة".
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الإعلال".
8 في ط: "إعلال".
9 أي: رؤبة. وهو أول الأرجوزة، والشعيب: القرية الصغيرة. والعين:
اللبالية. شبه عينه لبكائها بالقربة القديمة التي يسل الماء من خرزها.
وانظر الكتاب 2/ 372، وشواهد الشافية 59.
(2/487)
وقالوا أيضًا: هَيَّبان1 وتيَّحان2 بفتح
عينهما، ولم يأت في باب3 ما اعتلت لامه فاعل مكسرًا على فَعَلة. "
فالاعتلال4 المعتد" إذًا إنما هو للام, ثم حملت العين عليها فيما5 ذكرت
لك.
ويؤكد عندك قوة العين على اللام أنهما إذا كانتا6 حرفي علة صحت العين
واعتلت اللام, "وذلك"7 نحو: نواة وحياة، والجوى8 والطوى, ومثله الضواة9
والحواة10. فأما آية وغاية وبابهما فشاذّ, وكأن فيه ضربًا من التعويض
لكثرة اعتلال اللام مع صحة العين إذا كانت11 أحد الحرفين.
ويدلك على ضعف اللام عندهم أنهم12 إذا كسَّروا كلمة على فعائل, وقد
كانت الياء ظاهرة في واحدها لا13 ما فإنهم مما14 يظهرون في الجمع ياء.
وذلك نحو: مطية ومطايا وسبية وسبايا و"سوية وسوايا"15 فهذه اللام.
وكذلك إن ظهرت الياء في الواحد زائدة فإنهم أيضًا مما16 يظهرونها في
الجمع. وذلك نحو خطيئة وخطايا, ورزية ورزايا, أفلا ترى إلى مشابهة
اللام للزائد17. " وكذلك أيضًا لو كسرت نحو
__________
1 من معانيه الجيان.
2 هو الكثير الحركة الذي يتعرض للشافي من الأمور.
3 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
4 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "والاعتداد"، وفي ط: "فالإعلال المعتد".
5 في ط: "كما".
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "كانا".
7 ثبت ما بين القوسين في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
8 كذا في ز، ط. وفي ش: "الخوي". وكلاهما صحيح.
9 هي الروم الصلب.
10 هي الصوت.
11 في ش: "كان".
12 سقط في ش.
13 ثبت في ش. وسقط في د، هـ. ز، ط.
14 في ط: "ربما".
15 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "سرية وسرايا", والسوية من معانيها قتب
البعير، وهو رحله الذي يكون على قدر سنامه.
16 سقط في ط.
17 كذا في ش، ط. وفي ز: "الزائدة" وفي د، هـ: "الزائدة".
(2/488)
عظاية وصلاية, لقلت: عظايا وصلايا"1.
وأيضًا فإنك تحذفها كما تحذف الحركة. وذلك في نحو: لم يَدْعُ, ولم يرم,
ولم يَخش. فهذا كقولك: لم يضرب، "ولم يقعد"2, وإن تقعد أقعد. ومنها
أيضًا حذفهم إياها وهي صحيحة للترخيم في نحو: يا حار ويا مال. فهذا نحو
حذفهم الحركات الزوائد في كثير من المواضع. ولو لم يكن من ضعف اللام
إلّا اختلاف أحوالها3 باختلاف الحركات عليها4، نعم وكونها في الوقف على
حالٍ يخالف حالها في الوصل, نحو: مررت بزيد يا فتى, ومررت بزيدْ، وهذه
قائمة يا فتى وهذه قائمهْ- لكان5 كافيًا, أو لا ترى إلى كثرة حذف اللام
نحو: يد ودم وغد وأب وأخ, وذلك الباب, وقلة حذف العين في سهٍ ومُذْ.
فبهذا ونحوه يعلم أن حرف العلة في نحو: قام وباع أقوى منه في باب غزوت
ورميت. فاعرفه.
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
2 ثبت ما بين القوسين في د، هـ، ز. وسقط في ش، ط.
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "الأحوال عليها".
4 ثبت في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "كان".
(2/489)
باب في الغرض في مسائل 1 التصريف:
وذلك عندنا على ضربين: أحدهما الإدخال "لما تبنيه"2 في كلام العرب
والإلحاق له به. والآخر التماسك الرياضة به والتدرب بالصنعة فيه.
الأول: نحو قولك في مثل جعفر من ضرب: ضَرْبَب, ومثل حُبْرُج3: ضُرْبُب,
ومثل صِفْرٍد4: ضِرْبِب, ومثل سِبَطْر: ضِرَبّ, ومثل فرزدق من جعفر:
جَعَفْرَر. فهذا عندنا كله إذا بنيت شيئًا منه فقد ألحقته بكلام العرب
وأدعيت بذلك أنه منه. وقد تقدَّم ذكر ما هذه سبيله فيما مضى.
__________
1 في ز: "بمسائل".
2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
3 هو من طيور الماء.
4 هو طائر يقال له أبو المليح.
(2/489)
الثاني: وهو1 نحو قولك في مثل فيعول2 من
شويت: شَيْوِيّ, وفي فعول منه: شُووٍيّ3، وفي مثل عَصْرفُوط من الآءة:
أَوْ أَيُوء, ومنها مثل صُفُرُّق4: أُوُؤْيُؤ, ومن يوم مثل مَرْمَريس:
يَوْيَوِيم, ومثل ألندد أيَنْوَم, ومثل قولك في نحو5 افعوعلت من وأيت:
ايأوْأيت.
فهذا ونحوه إنما الغرض فيه التأنس به وإعمال الفكرة فيه لاقتناء النفس
القوة على ما يرد مما فيه نحو مما فيه. ويدلك على ذلك أنهم6 قالوا في
مثال إوزة من أويت: إياة, والأصل فيه على الصنعة إيَويَة, فأعلت فيه
الفاء والعين واللام جميعًا. وهذا مما لم يأت عن العرب مثلهُ. نعم, وهم
لا يوالون بين إعلالين إلا لمحًا شاذًّا ومحفوظًا نادرًا, فكيف بأن
يجمعوا بين ثلاثة7 إعلالات 8! هذا مما لا "ريب فيه"9 ولا تخالج شك في
شيء منه.
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يعلول".
3 ويجوز في تباين مشددتين، وهذا وجه التصريف، والوجه الذ أثبت في
الكتاب سببه الفرار من ثقل تكرار الياء. انظر الكتاب 2/ 393، وشرح
الرضي للشافية 3/ 192، والأشباه والنظائر للسيوطي 3/ 187.
4 هو نبت.
5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش، "مثل".
6 أي: الصرفيين للتدريب لا العرب.
7 كذا في ش، ط وفي د، هـ، ز: "ثلاث".
8 في ط: "اعتلالات".
9 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ثبت به".
(2/490)
|