الخصائص

باب: في إضافة الاسم إلى المسمى، والمسمى إلى الاسم
هذا موضع كان يعتاده أبو علي -رحمة الله- كثيرًا1 ويألفه ويأنق له ويرتاح لاستعماله. وفيه دليل نحوي2 غير مدفوع يدل على فساد قول من ذهب إلى أن الاسم هو المسمى. ولو كان إياه لم تجز إضافة واحد منهما إلى صاحبه لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه.
"فإن قيل: ولم لم يضف الشيء إلى نفسه"3.
قيل: لأن الغرض في الإضافة إنما هو التعريف والتخصيص والشيء إنما يعرفه غيره لأنه لو كانت نفسه تعرفه لما احتاج أبدا أن يعرف بغيره لأنه نفسه في حالي تعريفه وتنكيره واحدة وموجودة غير مفتقدة4. ولو كانت نفسه هي المعرفة له أيضًا لما احتاج إلى إضافته إليها لأنه ليس فيها إلا ما فيه فكان يلزم الاكتفاء به5، عن إضافته إليها. فلهذا لم يأت عنهم نحو هذا غلامه ومررت بصاحبه والمظهر هو المضمر المضاف إليه. هذا مع فساده في المعنى لأن الإنسان لا يكون أخا نفسه ولا صاحبها.
فإن قلت: فقد تقول: مررت بزيد نفسه وهذا نفس الحق يعني أنه6 هو الحق لا غيره.
قيل: ليس الثاني هو ما أضيف إليه من المظهر وإنما النفس هنا بمعنى خالص الشيء وحقيقته. والعرب تحل نفس الشيء من الشيء محل البعض من
__________
1 سقط في ش، ط. وثبت في د، هـ، ز.
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش "فحرى".
3 سقط ما بين القوسين في ش. وثبت في د، هـ، ز، ط.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط "مفقودة".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "بها".
6 سقط في ط.

(3/26)


الكل وما1 الثاني منه ليس بالأول ولهذا حكوا عن أنفسهم مراجعتهم إياها وخطابها لهم وأكثروا من ذكر التردد بينها وبينهم ألا ترى إلى قوله2:
ولي نفس أقول لها إذا ما ... تنازعني لعلي أو عساني
وقوله:
أقول للنفس تأساء وتعزية ... إحدى يدي أصابتني ولم ترد3
وقوله:
قالت له النفس تقدم راشدا ... إنك لا ترجع إلا حامدا4
وقوله:
قالت له النفس إني لا أرى طمعا ... وإن مولاك لم يسلم ولم يصد5
وأمثال هذا كثيرة جدا6 "وجميع هذا"7 يدل على أن نفس الشيء عندهم غير الشيء. فإن قلت: فقد تقول: هذا أخو غلامه وهذه "جارية بنتها"8 فتعرف الأول بما أضيف إلى ضميره والذي أضيف إلى ضمير9 "فإنما يعرف"10 بذلك الضمير ونفس المضاف الأول متعرف بالمضاف إلى ضميره فقد ترى على هذا أن التعريف
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "أما".
2 أي عمران بن حطان. وانظر الكتاب 1/ 388، والخزانة 2/ 435، والعيني على هامش الخزانة 1/ 227؟
3 انظر ص478 من الجزء الثاني من هذا الكتاب.
4 انظر ص23 من الجزء الأول.
5 انظر ص478 من الجزء الثاني.
6 سقط في د، هـ، ز، ط.
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "جميعه".
8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "جارة بيتها".
9 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "ضميره".
10 كذا في د، هـ، ز. وفي ط: "فإنما تعرف".

(3/27)


الذي استقر1 في جارية2 من قولك هذه "جارية3 بنتها" إنما أتاها من قبل ضميرها وضميرها هو هي فقد آل الأمر إذًا إلى أن الشيء قد يعرف نفسه وهذا خلاف ما ركبته وأعطيت يدك به.
قيل: كيف تصرفت الحال فالجارية4 إنما تعرفت بالبنت5 "التي6 هي" غيرها وهذا شرط التعريف من جهة الإضافة. فأما ذلك المضاف إليه أمضاف هو أم غير مضاف فغير قادح فيما مضى. والتعريف الذي أفاده ضمير الأول لم يعرف الأول وإنما عرف ما عرف الأول. والذي عرف الأول غير الأول فقد استمرت الصفة وسقطت المعارضة.
ويؤكد ذلك أيضًا أن الإضافة في الكلام على ضربين: أحدهما ضم الاسم إلى اسم هو غيره بمعنى اللام نحو غلام زيد وصاحب بكر. والآخر ضم اسم إلى اسم هو بعضه بمعنى من نحو هذا ثوب خز وهذه جبة صوف وكلاهما ليس الثاني فيه بالأول ألا ترى أن الغلام ليس بزيد، وأن الثوب ليس بجميع الخز، واستمرار7 هذا عندهم وفشوه في استعمالهم وعلى أيديهم يدل على أن المضاف ليس بالمضاف إليه البتة. وفي هذا كافٍ.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "اشتهر".
2 كذا في ش. وفي ط: "جارة من قولك هذه" وسقط في د، هـ، ز.
3 في ط: "جارة بيتها". وفي د، هـ، ز "جارية بيتها". وما هنا في ش.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ط: "فالجارة".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "بالبيت".
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "الذي هو"، وفي ط: "الذي هي".
7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فاستمرار".

(3/28)


فمما جاء عنهم من إضافة المسمى إلى الاسم قول الأعشى:
فكذبوها بما قالت فصبحهم ... ذوآل حسان يزجي الموت والشرعا1
فقوله: ذوآل حسان معناه: الجمع المسمى بهذا الاسم الذي هو آل حسان2 ومثله قول كثير:
بثينة من آل النساء وإنما ... يكن للأدنى لا وصال لغائب3
أي بثينة من هذا القبيل المسمى بالنساء هذا الاسم. وقال الكميت:
إليكم ذوي آل النبي تطلعت ... نوازع من قلبي ظماء وألبب4
أي إليكم يا أصحاب هذا الاسم الذي هو قولنا: آل النبي. وحدثنا أبو علي أن أحمد5 بن إبراهيم أستاذ ثعلب روى عنهم: هذا ذو زيد ومعناه: هذا زيد أي هذا صاحب هذا الاسم الذي هو زيد "وأنشد"6:
وحي بكر طعنا طعنة فجرى7
__________
1 هذا من شعر يتحدث فيه عن زرقاء اليمامة إذ أبصرت من مسيرة ثلاثة أيام جيش حسان بن تبع ملك اليمن زاحفا على اليمامة. فأنذرت قومها فلم يصدقوها، وفجئهم الجيش فاستباحهم. ويزجى: يسوق. والشرق جمع الشرعة، وهي الوتر الرقيق. وانظر الصبح المنير 83.
2 كذا في ش. وفي ز، ط: "منه".
3 ورد هذا البيت في الصاحبي 217 غير منسوب. وفيه: "لأدنى".
4 هذا من إحدى هاشمياته والنوازع من النزاع إلى الشيء وهو الحنين والميل إليه، والألبب جمع اللب، وهو العقل. وانظر الخزانة 2/ 205.
5 هو أبو عبد الله النديم كان خصيصا بالمتوكل ونديما له. قرأ عليه ثعلب قبل ابن الأعرابي وله ترجمة في البغية 126، ومعجم الأدباء "الحلبي" 2/ 204.
6 سقط ما بين القوسين في ش.
7 "فجرى" كتب في ش فوقه "بحرا" وهذا رواية أخرى، اقتصر عليها في الخزانة 2/ 210.

(3/29)


أي وبكرا طعنا وتلخيصه: والشخص الحي1 المسمى بكرا طعنا "فحي ههنا مذكر حية أي وشخص بكر الحي طعنا"2 وليس الحي هنا هو الذي "يراد به"3 القبيلة كقولك: حي4 تميم وقبيلة بكر إنما هو كقولك: هذا رجل حي وامرأة حية. فهذا من باب إضافة المسمى إلى اسمه وهو ما نحن عليه.
ومثله قول الآخر5:
ياقر إن أباك حي خويلد ... قد كنت خائفه على الإحماق
أي أن أبك خويلدا من أمره كذا فكأنه قال: إن أباك الشخص الحي خويلدا من حاله كذا. وكذلك قول الآخر6:
ألا قبح الإله بني زيادٍ ... وحي أبيهم قبح الحمار
أي7: وأباهم الشخص الحي. وقال عبد الله بن سبرة الحرشي:
وإن يبغ ذا ودي أخي أسع مخلصا ... ويأبى فلا يعيا على حويلي8
__________
1 سقط لفظ "الحي" في ش.
2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يراسل".
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وحي".
5 هو جبار بن سلمى بن مالك، وفر مرخم فرة. والإحماق ولادة الأحمق، يهجو قرة بن خويلد. ويذكر أنه كان يخشى أباه أن يلد أحمق، وقد تحقق ما خشيه بولادة فرة. وفي د، هـ، ز: "الإخلاق" في مكان "الإحماق". وانظر الخزانة 2/ 616، والنوادر 161.
6 هو يزيد بن ربيعة بين مفزع الحميري، وزياد هو ابن سمية المشهور بزياد بن أبيه. وانظر الخزانة 2/ 210.
7 سقط حرف العطف في ش.
8 الحويل جودة النظر والقدرة على التصرف، وهي الحيلة.

(3/30)


أي إن يبغ ودي. وتلخيصه: إن يبغ أخي المعنى المسمى بهذا الاسم الذي هو ودي. وعليه قول الشماخ:
وأدمج دمج ذي شطن بديع1
أي دمج شطن بديع أي أدمج2 دمج الشخص3 الذي يسمى شطنا صاحب هذا الاسم.
وقد دعا خفاء هذا الموضع أقواما4 إلى أن ذهبوا إلى زيارة ذي وذات5 في "هذه المواضع"6 أي وأدمج دمج شطن وإليكم آل النبي وصبحهم آل حسان. وإنما ذلك بعد عن إدراك7 هذا الموضع. وكذلك "قال أبو عبيدة"8 في قول لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر9
"كأنه قال"10: ثم11 السلام عليكما. وكذلك قال في قولنا بسم الله: إنما هو بالله واعتقد زيادة "اسم". وعلى هذا عندهم قول غيلان12:
لا ينعش الطرف إلا ما تخونه ... داعٍ يناديه باسم الماء مبغوم
__________
1 صدره:
أطار عقيقه عنه نسالا
وهو في وصف حمار الوحش. فقوله "أطار" أي الحمار. والعقبق: شعر المولود. وأدمج: اشتد وصلب لسمنه، ونسال الطير: ما سقط من ريشه. والشطن: الحبل. والبديع: الذي ابتدئ قتله ولم يكن حبلا فنكث ثم غزل وأعيد قتله.
2 سقط في ش.
3 في الخزانة 2/ 205. نقلا عن إعراب الحماسة للمؤلف: "الشيء".
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "قوما".
5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "ذا".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هذا الموضع".
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط "استدراك".
8 في ط: "قول أبي عبيدة"، وانظر مجاز القرآن 1/ 16.
9 هذا من أبيات يقولها لابنتيه حين حضرته الوفاة يوصيهما أن تذكراه وترثياه من غير خمس الوجه ولا حلق الشعر، وتظلا كذلك إلى الحول. وانظر الخزانة 2/ 217.
10 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "قال كأنه".
11 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
12 هو ذو الرمة. والبيت في وصف ولد ظبية يظل في نومه حتى تدعوه أمه بصوتها: ماء. وتخونه: تعهده. وداع أي صوت، ومبغوم: غير بين، وانظر الخزانة 2/ 220، وقوله: "يناديه" في ج: "تناديه". وفيها "منعوم" بدل "مبغوم".

(3/31)


"أي الماء"1؛ كما "أنشدنا أيضا"2:
يدعونني بالماء ماء أسودا
والماء: صوت الشاء أي يدعونني -يعني الغنم- بالماء، أي يقلن لي3: أصبت ماء أسود. فأبو عبيدة يدعى زيادة ذي واسم ونحن نحمل الكلام على أن هناك محذوفًا. قال أبو علي: وإنما هو على حد4 حذف المضاف أي: ثم اسم معنى السلام عليكما واسم معنى السلام هو السلام فكأنه قال: ثم السلام عليكما. فالمعنى -لعمري- ما قاله أبو عبيدة ولكنه5 من غير الطريق6 التي أتاه هو منها ألا تراه هو اعتقد زيادة شيء واعتقدنا نحن نقصان شيء.
ونحو من هذا اعتقادهم زيادة مثل في نحو قولنا: مثلي لا يأتي القبيح ومثلك لا يخفى عليه الجميل أي أنا كذا وأنت كذلك. وعليه قوله:
مثلي لا يحسن قولا فعفع7
أي أنا لا أحسن ذاك. وكذلك هو لعمري إلا أنه على غير التأول الذي رأوه8: من زيادة مثل وإنما تأويله: أي9 أنا من جماعة لا يرون القبيح وإنما جعله10
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
2 في ط: "قال".
3 كذا في ز، ط. وفي ش: "إني"، وقوله: "أصبت" في ط: "أصيب".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "عد". وسقط هذا في ط.
5 سقط حرف العطف في ش.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "الذي".
7 قبله:
لا تأمريني بينات أسفع
وبعده:
والشاة لا تمشي على الهملع
وفعفع: زجر الغنم ودعاؤها. ورسم في التاج: فع فع. وبنات أسفع: الغنم، أضيفت إلى أسفع، وهو فحل لها. والشاة هنا في معنى الجمع، وتمشي: تنمو وتكثر. والهملع: الذئب. كأنه يخاطب زوجه وقد أمرته باقتناء الغنم ورعيتها، فقال: لا أحسن ذلك. وانظر الجمهرة 1/ 111، اللسان.
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "رواه".
9 كذا في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
10 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "معناه".

(3/32)


من جماعة هذه حالها ليكون أثبت للامر إذ كان له فيه أشباه وأضراب ولو انفرد هو به لكان غير مأمون انتقاله منه وتراجعه عنه. فإذا1 كان له فيه نظراء كان حري2 أن يثبت عليه وترسو قدمه فيه. وعليه قول الآخر3:
ومثلي لا تنبو عليك مضاربه
فقوله إذًا: باسم الماء واسم السلام إنما4 هو من باب إضافة الاسم إلى المسمى بعكس الفصل الأول. ونقول على هذا: ما هجاء سيف فيقول "في الجواب"5: س ي ف. فسيف هنا اسم لا مسمى أي ما هجاء هذه الأصوات المقطعة؟ ونقول: ضربت بالسيف فألسيف هنا جوهر الحديد هذا6 الذي يضرب به فقد يكون الشيء7 الواحد على وجه اسما وعلى آخر مسمى. وإنما يخلّص هذا من هذا موقعه والغرض المراد به.
ومن إضافة المسمى إلى اسمه قول الآخر:
إذا ما كنت مثل ذوي عدي ... ودينار فقام علي ناع8
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "وإذا".
2 في ط: "أحرى".
3 هو البختري بن المغيرة أخي المهلب، وقبله معه بخاطب المهلب:
فيا عم مهلا واتخذني لنوبة
تلتم فإن الدهر جم نوائبه
أنا السيف إلا أن السيف تبوة
ومثلي لا تنبو عليك مضاربه
وانظر الأمالي 2/ 312 وما بعدها.
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وإنما".
5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
6 سقط في ش.
7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "للشيء".
8 "ناع" في ش: "فاع ي". و"عدي" في اللسان "ذا في باب الألف اللينة" بدله: "عويف".

(3/33)


أي مثل كل واحد من الرجلين المسميين عديًا ودينارًا. وعليه قولنا: كان عندنا ذات مرة وذات صباح، أي صباحًا أي الدفعة المسماة مرة، والوقت المسمى صباحًا؛ قال1:
عزمت على إقامة ذي صباح ... لأمر ما يسود من يسود
"ما مجرورة الموضع؛ لأنها وصف لأمر، أي لأمر معتد أو مؤثر يسود من يسود"2.
واعلم أن هذا الفصل من العربية غريب وقل من يعتاده أو يتطرفه. وقد ذكرته لتراه. فتنبه على ما هو في معناه إن شاء الله.
__________
1 أي أنس بن مدركة الخثعمي وكان قصد قوما من العرب بالغزو هو ورئيس من قومه، وكل منهما له أصحابه في الغزو، فرجع صاحبه، وبقي هو وصاحبته، فبات قريبا من القوم وصبحهم فغنم وغنم أصحابه، وانظر الخزانة في الشاهد 170، والكتاب 1/ 116.
2 سقط ما بين القوسين في ش.

(3/34)


باب: في اختصاص الأعلام بما 1 لا يكون مثله 2 في الأجناس
وقد ذكرنا هذا3 الشرح من العربية في جملة كتابنا في تفسير أبيات الحماسة عند4 ذكرنا أسماء شعرائها. وقسمنا هناك الموقع عليه الاسم العلم5 وأنه شيئان: عين، ومعنى. فالعين: الجوهر؛ كزيد وعمرو. والمعنى: هو العرض؛ كقوله:
سبحان من علقمة الفاخر6
وقوله:
وإن قال غاوٍ من تنوخ قصيدة ... بها جرب عدت علي بزو برا7
__________
1 سقط في ش.
2 في ط: "من".
3 كذا في الأصول، والأقرب: "الشرج" أي النوع والضرب.
4 في ش: "وعند".
5 كذ في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "اسم".
6 انظر ص199 من الجزء الثاني.
7 انظر ص200 من الجزء الثاني.

(3/34)


وكذلك الأمثلة الموزون بها؛ نحو أفعل، ومفعل، وفعلة، وفعلان، وكذلك أسماء الأعداد نحو قولنا: أربعة نصف ثمانية، و"ستة ضعف ثلاثة"1 وخمسة نصف عشرة. وغرضنا هنا أن نرى2 مجيء ما جاء منه3 شاذا عن القياس لمكان كونه علما معلقا4 على أحد الموضعين اللذين ذكرنا.
فمنه ما جاء مصححا مع وجود سبب العلة فيه، وذلك نحو محببٍ، وثهلل5، ومريم، ومكوزة، ومدين. ومنه6 معدي كرب؛ ألا تراه بني مفعلا مما لامه حرف علة، وذلك غير معروف في هذا7 الموضع. وإنما يأتي "في ذلك8 مفعل" بفتح العين؛ نحو المدعي والمقضي والمشتي. وعلى أنه قد شذ في الأجناس شيء من ذلك وهو قول بعضهم: مأوى الإبل بكسر العين. فأما مأقٍ9 فليس من هذا.
ومن ذلك قولهم في العلم: موظب، ومورق وموهب. وذلك أنه بنى مما فاؤه واو مثال10 مفعل. وهذا إنما يجيء أبدا11 على مفعل -بكسر العين- نحو الموضع، والموقع، والمورد12، والموعد13، والموجدة.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ثلاثة نصف سنة".
2 سقط في ش.
3 سقط في ش، ط.
4 في ش: "معلق".
5 كذا في ش. وفي ط، ز، "تهلل".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مثله".
7 في ش، ز، ط: "غير هذا".
8 في ش: "ذلك مفعلا".
9 وذلك لأن الميم في المأقي أصلية، فهو على وزان الفعل لا المفعل. وانظر اللسان "مأق".
10 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مثل".
11 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
12 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الموردة".
13 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الموعدة".

(3/35)


وأما موءلة علما فإن كان من وأل أي نجا فهو1 من هذا؛ وإن كان من قولهم: جاءني وما "مألت مأله"2 وما شأنت3
شأنه، فإنه فوعل، و"هذا على هذا"4 سرحٌ5: سهل.
ومن ذلك قولهم في العلم: حيوة. وهذه صورة لولا العلمية لم يجز مثلها؛ لاجتماع الياء والواو، وسبق الأولى منهما بالسكون. وعلة مجيء هذه الأعلام مخالفة للأجناس هو ما "هي عليه"6 من كثرة استعمالها، وهم لما كثر استعماله أشد تغييرا. فكما جاءت هذه الأسماء في الحكاية مخالفة لغيرها؛ نحو قولك في جواب مررت بزيد: من زيدٍ، ولقيت عمرا: من
عمرا، كذلك تخطوا إلى تغييرها في ذواتها بما قدمناه ذكره. وهذا من تدريج اللغة الذي قدمنا شرحه
"فيما مضى "7.
__________
1 ومن هذا الرأي سيبويه في الكتاب 2/ 249.
2 يقال: هذا الأمر ما مألت مأله، أي لم أستعد له ولم أشعر به ولم أتهيأ له، وإثبات هذه الصبغة على ما في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ما مألت به مأله".
3 يقال: أتاني هذا الأمر وما شأنت شأنه، أي ما علمت به، وفي د، هـ، ز، ط: "ما شأنت به شأنه" وما هنا في ش.
4 كذا في ش، وفي ط: "على هذا". وفي د، هـ، ز، "هذا".
5 وردت في ش. بإهمال السين، ويقرأ بضم الأول والثاني، أي سهل يسير. وفي د، هـ، ز، ط: "شرح". وقد يكون مصحفا عن "شرج" أي ضرب.
6 في ش: "بني عليه".
7 كذا في د، هـ، ز وسقط في ش، ط، وانظره في تدريج اللغة ص348 من الجزء الأول.

(3/36)


باب: في تسمية الفعل
أعلم أن العرب قد سمت الفعل بأسماء، لما سنذكره. وذلك على ضربين:
أحدهما في الامر والنهي، والأخرين في الخبر.
الأول منهما نحو قولهم: صه فهذا اسم اسكت؛ ومه، فهذا: اكفف، ودونك، اسم خذ. وكذلك عندك ووراءك1 اسم تنح، ومكانك اسم اثبت. قال2:
وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي
فجوابه بالجزم دليل على أنه3 كأنه قال: اثبتي تحمدي أو تستريحي. وكذلك قول الله جل اسمه: {مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُم} 4 فـ"أنتم" توكيد للضمير في مكانكم5؛ كقولك: اثبتوا أنتم وشركاؤكم، وعطف على ذلك الضمير بعد أن وكده "الشركاء ". ويؤكد ذلك عندك قول بعضهم: مكانكني؛ فإلحاقه النون كما تلحق النون نفس الفعل في "أكرمني" ونحوه دليل على قوة شبهه بالفعل. ونحوه قولهم أيضا: كما أنتني؛ كقولك: انتظرني.
ومنها هلم، وهو6 آسم ائت. وتعال. قال الخليل: هي مركبة؛ وأصلها عنده "ها" للتنبيه، ثم قال: "لم" أي لم بنا، ثم كثر استعمالها فحذفت الألف تخفيفًا، ولأن7 اللام بعدها وإن كانت متحركة فإنها في حكم السكون؛ ألا ترى أن الأصل وأقوى اللغتين -وهي الحجازية- "أن تقول فيها: المم بنا"8 فلما كانت لام "هلم" في تقدير السكون حذف لها ألف "ها"، كما تحذف لالتقاء الساكنين، فصارت هلم. وقال9 الفراء: أصلها "هل" زجر وحث، دخلت على أم؛ كأنها كانت "هل أم" أي اعجل
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وراء".
2 أي عمرو بن الإطناب. وقوله: "جئات وجاشت" يريد نفسه، وجشأت أي نهضت وارتفعت من شدة الفزع. وكذلك جاشت، وانظر الأمال 1/ 258.
3 سقط في ش.
4 آية 28 سورة يونس.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ومكانكم".
6 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط.
7 سقط الواو في ج.
8 كذا في شيء. وفي د، هـ، ز: "إنما يقول: "ما المم" وفي ط: "إنما تقول منها: المم".
9 سقط حرف العطف د، هـ.

(3/37)


واقصد، وأنكر أبو علي عليه ذلك، وقال: لا مدخل هنا للاستفهام. وهذا عندي لا يلزم الفراء؛ لأنه لم يدع أن "هل" هنا حرف استفهام؛ وإنما هي عنده زجر وحث1 وهي التي في قوله2:
ولقد يسمع قولي حيهل
قال الفراء: فألزمت الهمزة في "أم" التخفيف، فقيل: هلم.
وأهل3 الحجاز يدعونها في كل حال على لفظ واحد، فيقولون للواحد والواحدة4 والاثنين والاثنتين5 والجماعتين: هلم يا رجل، وهلم يا امرأة، وهلم يا رجلان، وهلم يا امرأتان، وهلم يا رجال، وهلم يا نساء. وعليه قوله:
يا أيها الناس ألا هلمه6
وأما التميميون فيجرونها مجرى "لم" فيغيرونها بقدر المخاطب. فيقولون: هلم، وهلما، وهلمي، وهلموا، وهلممن يا نسوة. وأعلى اللغتين الحجازية، وبها نزل القرآن؛ ألا ترى إلى قوله -عز اسمه- {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} 7. وأما التميميون فإنها عندهم أيضًا اسم سمي به الفعل وليست مبقاة على ما كانت عليه قبل التركيب والضم. يدل على ذلك أن بني تميم يختلفون في آخر الأمر من المضاعف، فمنهم
__________
1 سقط في ش.
2 أي لبيد، وقوله: "يسمع" كذا في ز. وفي ش: "تسمع" وصدره:
يتمارى في الذي قلت له
وهو يتحدث عن صاحبه في السفر، آذنه بالصبح ليستيقظ من النوم، فلم يصدقه وشك في خبره لغلبة النوم عليه.
وانظر "الخزانة" في الشاهدين 228، 461.
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فأهل".
4 سقط في ش.
5 في ز: "الثنتين".
6 ورد هذا الرجز في الكتاب لسيبويه 2/ 279.
7 آية 18 سورة الأحزاب.

(3/38)


من يتبع فيقول: مدُّ وفرِّ وعضَّ، ومنهم من يكسر، فيقول: مدِّ وفرِّ وعضِّ، ومنهم من يفتح لالتقاء الساكنين، فيقول: مدَّ وفرَّ وعضَّ. ثم رأيناهم كلهم مع هذا مجتمعين على فتح آخر هلم، وليس أحد يكسر الميم ولا يضمها. فدل ذلك على أنها قد خلجت1 عن طريق الفعلية وأخلصت اسمًا للفعل بمنزلة دونك عندك ورويدك وتيدك2: اسم اثبت وعليك بكرا: اسم خذ "وهو3 كثير".
ومنه4 قوله:
أقول وقد تلاحقت المطايا ... كذاك القول إن عليك عينا
فهذا5 اسم احفظ القول أو اتق القول.
وقد جاءت هذه التسمية للفعل في الخبر، وإنما بابها الأمر والنهي؛ من قبل أنهما لا يكونان إلا بالفعل، فلما قويت الدلالة فيهما على الفعل حسنت6 إقامة غيره مقامه. وليس كذلك الخبر، لأنه لا يخص بالفعل، ألا ترى إلى قولهم: زيد أخوك، ومحمد صاحبك؛ فالتسمية للفعل في باب الخبر ليست في قوة "تسميته في"7 باب الأمر والنهي. وعلى ذلك فقد مرت بنا منه8 ألفاظ صالحة جمعها طول التقري لها. وهي قولهم: أفَّ اسم الضجر، وفيه ثماني لغات أفِّ وأفٍ وأفَّ وأفٌ وأفَّ وأفَّا وأفّي ممال، وهو الذي تقول فيه العامة: أفي9 وأف خفيفة. والحركة
__________
1 أي انتزعت ونحبت.
2 النيد في الأصل: الرفق. وقوله: "اسم اثبت" في اللسان: "وتيدك يا هذا أي اتئد".
3 سقط ما بين القوسين من ش.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "مثله".
5 كتب في هامش ش: "صوابه: فكذاك" وورد البيت في اللسان "لحق" وفيه "كفاك القبول" وفيه عقب البيت: "كفاك القول، أي ارفق وأمسك عن القول".
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "رجعت"؛ وقد يكون محرفا عن "رجحت".
7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "تسمية".
8 سقط من ش.
9 أي بإخلاص الباء. وانظر ابن يعيش 4/ 38.

(3/39)


في جميعها لالتقاء الساكنين. فمن كسر فعلى أصل الباب، ومن ضم فللإتباع، ومن فتح فللاستخفاف، ومن لم ينون أراد التعريف، ومن نون أراد التنكير. فمعنى التعريف: التضجر، ومعنى التنكير: تضجرا1. ومن أمال بناه على فعلى. وجاءت ألف التأنيث مع2 البناء كما جاءت تاؤه معه في ذيَّة وكيَّة، نعم، وقد جاءت ألفه فيه أيضًا في قوله3:
هنّا وهنَّا ومن هنَّا لهن بها
ومنها آوتاه "وهي اسم أتألم. وفيها لغات"4: آوَّتاه وآوَّه وأوَّه وأَوهُ وأَوهِ وأَوهَ وأَوِّ قال:
فأَوهِِ من الذكرى إذا ما ذكرتها ... ومن بعد أرض بيننا وسماء5
ويروى: فأوِّ لذكراها. والصنعة في تصريفها طويلة حسنة. وقد كان أبو علي -رحمه الله- كتب إلي من حلب -وأنا بالموصل- مسئلة أطالها في هذه اللفظة جوابًا على سؤالي إياه عنها وأنت، تجدها في مسائله الحلبيات، إلا أن جماع القول عليها أنها "فاعلة" فاؤها همزة، وعينها ولامها واوان، والتاء فيها للتأنيث. وعلى ذلك قوله: فأوِّ لذكراها قال: فهذا كقولك في مثال الأمر من قويت: قوِّ زيدا ونحوه.
ومن قال: فأوهِ أو فأوِّه فاللام عنده هاء، وهي من لفظ قول العبدي6:
إذا ما قمت أرحلها بليل ... تأوه آهة الرجل الحزين
__________
1 في ط: "أي أتضجر تضجرا".
2 كذا ف ش، ط. وفي ز: "الياء".
3 أي ذي الرمة وعجزه:
ذات الشمائل والإيمان هينوم
وقبله:
للجن بالليل في حاجاتها زجل ... كما تنارح يوم الريح عيشوم
وقوله: "في حافاتها" أي حافات بهما، أي صحراء. وزجل: صوت. والعيشوم. شجر له صوت مع الريح، والهينوم: الكلام الحفي.
4 سقط ما بين القوسين من ز، ط.
5 انظر ص 91 من الجزء الثاني من الخصائص.
6 هو المثقب. والبيت من قصيدة مفضلية.

(3/40)


ومثلها مما اعتقب عليه الواو والهاء لاما قولهم: سنة وعضة1؛ ألا تراهم قالوا: سنوات وعضوات، وقالوا أيضًا: سانهت؛ وبعير عاضه والعضاه. وصحت الواو في آوة ولم تعتل إعلال2 قاوية وحاوية إذا أردت فاعلة من القوة والحوة من قبل أن هذا بني على التأنيث أعني آوة، فجاء على الصحة كما صحت واو3 قرنوة وقلنسوة لما بنيت الكلمة على التأنيث البتة.
ومنها سرعان4، فهذا اسم سرع، ووشكان: اسم وشك، وبطئان5: اسم بطؤ. ومن كلامهم: سرعان ذي إهالةً أي سرعت هذه6 من إهالة. فأما أوائل الخيل فسرعانها بفتح الراء7 قال8:
فيغيفون ونرجع السرعانا
__________
1 هي من الشجر ما له شوك.
2 كذا في ش. وفي ي، هـ، ز، ط: "اعتلال".
3 هي عشب يدبغ به.
4 بتثليث أول الكلمة.
5 بضم الباء وفتحها.
6 في ط: "ذي أو هذه" والمعروف في المثل: "سرعان ذا إهالة". والإهالة الشحم المذاب؛ وفي القاموس: "فأصله أن رجلا كانت له نعجة عجفا، ورغامها يسهل من منخريها لهزالها، فقيل له: ما هذا؟ فقال: ودكها فقال السائل ذلك ... يضرب لن يخبر بكينونة الشيء قبل وفيه.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "العين" يراد عين الكلمة وهي الراء ومن اللغويين من يجيز تسكين الراء في هذا المعنى.
8 أي القطامي. وصدره:
وحسبتنا نزع الكنيبة غدرة
و"حسبتنا" بضم التاء التكلم، وقال شارح الديوان: "حسبتنا: علمننا. نزع: فكف" وفيه أنه روى "نورع" في مكان "نرجع" هنا، وفسره فقال: "ويقال: أورعة إذا كفه، و"يغيفون" أي ينهزمون. يفخر بشجاعة قومه، وأنهم إذا غدت عليهم كتيبة أي غزاة صباحا كفوهم فيهزمون ورجعوا سرعان الكتيبة وردوهم على أعقابهم. وانظر الديوان، واللسان "غيف".

(3/41)


وقد قالوا: وشكان وأشكان. فأما أشك ذا "فماض، وليس"1 باسم، وإنما أصله وشك فنقلت حركة عينه كما قالوا في حسن: حسن ذا؛ قال 2:
لا يمنع الناس مني ما أردت ولا ... أعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدبا
ومنها حس اسم أتوجع، ودهدرين: اسم بطل. ومن كلامهم: دهدرين سعد3 القين، وساعد القين، أي هلك سعد القين.
ومنها لب "وهو اسم اسم لبيك4"، وويك: اسم أتعجب. وذهب الكسائي إلى أن "ويك" محذوفة من ويلك؛ قال5:
... ... ويك عنتر أقدم
والكاف عندنا للخطاب حرف عارٍ من الأسمية. وأما قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء} فذهب سيبويه7 والخليل إلى أنه وي، ثم قال: كأن الله. وذهب
__________
1 كذا في ز، ط. وفي ش، ج: "قماص فليس". وعلى هذا "ذا" في معنى صاحب مضاف إلى قاص، وهو وثب الحيوان وعدم صبره.
2 أي سهم بن حنظلة لغنوي. وقوله: "لا يمنع" في اللسان "حسن": "لم يمنع". يريد أنه يقهر النس فلا يمنعون ما يريده منهم، وهو لعزته يمنع ما يريدونه منه، وقيل: إنه ينكر على نفسه هذا العمل: أن يعطيه الناس ما أراد، ولا يعطيهما هو ما أرادوا، وانظر الخزانة 4/ 123، وإصلاح المنطق 41، والأصمعيات 7.
3 هو حداد كان في البادية: أي استغنى عنه لتشاغل على الناس بالقحط من صنع آلات الحديد، فلا أرب لهم فيه. وهذا مثل، وفيه تفاسير أخرى. وقد ضبط وسط" بالتنوين في القاموس، ودون تنوين في اللسان. وانظر اللسان "فين"، والقاموس "دهدر".
4 كذا في شيء. وفي د، هـ، ز: "اسم أجبتك". وفي ط: "هي اسم أحببك".
5 أي عنترة في معلقته، والبيت شمامه:
ولقد شفي نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
6 آية 82 سورة القصص.
7 انظر الكتاب 1/ 290.

(3/42)


أبو الحسن إلى أنها ويك حتى كأنه قال عنده1: أعجب أن2 الله يبسط الرزق.
ومن أبيات الكتاب:
وي كأن من يكن له نشب يحـ ... ـبب ومن يفتقر يعش ضر3
والرواية تحتمل التأويلين جميعًا.
ومنها هيهات، وهي عندنا من مضاعف الفاء4 في ذوات الأربعة. ووزنها فعللة، وأصلها هيهية؛ كما أن أصل الزوزاة5 والقوقاة والدوداة6 والشوشاة7: الزوزوة والقوقوة والدودوة والشوشوة، فانقلبت "اللام8 ألفا" فصارت هيهاة.
والتاء فيها للتأنيث، مثلها9 في القوقاة والشوشاة. والوقوف عليها بالهاء. وهي مفتوحة فتحة المبنيات. ومن كسر التاء فقال: هيهات فإن التاء تاء جماعة التأنيث، والكسرة فيها كالفتحة في الواحد10. واللام عندنا محذوفة لالتقاء الساكنين، ولو جاءت غير محذوفة لكانت هيهيات، لكنها حذفت لأنها في آخر اسم غير متمكن، فجاء
__________
1 سقط من د، هـ، ز، ط.
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "لأن".
3 في د، هـ، ز، قبله البيت الآتي:
سالتاني الطلاق أن رأتاني ... قل مال قد جتماني بنكر
وهما من مقطوعة لزيد بن عمرو بن نفيل القرشي، وقيل: لغيره، والنشب: المال الأصيل من الناطق والصامت. وانظر الخزانة 3/ 95، والكتاب 1/ 290.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الباء".
5 هو مصدر زوزي الرجل: نصب ظهره وقارب الخطو.
6 هي أثر الأرجوحة.
7 يقال: ناقة شوشاة، سريعة.
8 كذا في ط. وفي ش، ز: "اللام ياء ثم انقلبت ألفا".
9 كذ في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مثالها".
10 في ط: "الواحد".

(3/43)


جمعه مخالفا لجمع المتمكن؛ نحو الدوديات والشوشيات، كما حذفت في قولك: ذان وتان واللذان واللتان.
وأما قول أبي الأسود:
على ذات لوث أو بأهوج شوشوٍ ... صنيع نبيل يملا الرحل كاهله1
فسألت2 عنه أبا علي، فأخذ ينظر فيه. فقلت له: ينبغي أن يكون بني من لفظ الشوشاة مثال جحمرش3، فعاد إلى شوشووٍ، فأبدل اللام الثالثة4 ياء لانكسار ما قبلها، فعاد: شوشوٍ، فتقول على هذا في نصبه: رأيت شوشويًا، فقبل ذلك ورضيه. ويجوز فيه عندي وجه آخر، وهو أن يكون أراد: شوشويًا، منسوبًا إلى شوشاة، ثم خفف إحدى ياءي الإضافة.
وفي هيهات لغات: هيهاة، وهيهاةً، وهيهاتِ، وهيهاتٍ، وأيهاتَ، وأيهاتِ، وأيهاتٍ، وأيهاتًا، وأيهانِ بكسر النون، حكاها لنا أبو علي عن أحمد بن يحيى5 وأيها والاسم بعدها مرفوع على حد ارتفاع الفاعل بفعله؛ قال جرير:
فهيهات هيهات العقيق ومن به ... وهيهات خل بالعقيق نواصله6
__________
1 اللوث: القوة، أراد ناقة قوية على السير، وأراد بالأعوج بعيرا شديد السير كأن به هوجا أي حمقا من سرعته، والشوشوي: السريع، والصنيع: الذي أحسن القيام عليه وتربيته. والنبيل: الحسن الغليظ.
وجاء البيت في ديوان أبي الأسود المطبوع في بغداد هكذا:
على ذات لوث يجعل الوضع مشيها ... كما انقض غير الصخرة المرتقب
وكأن ما أورده المؤلف هنا رواية للبيت.
2 في ش: "وسألت".
3 من معانيها العجوز الكبيرة.
4 كذا في د، هـ، ز، ط وفي ش "الثانية".
5 سقط في د، هـ، ز، ط.
6 من قصيدة له يحب فيها الفرزدق على أحدى نقائضه، أزلها:
ألم تر أن الجهل أقصر باطله ... وأمسى عماء قد تجلت مخايله
وفي النقائض 632: "تواصله". ويقول أبو عبيدة عقب البيت: "العقيق واد لبني كلاب بالمعالية".

(3/44)


وقال أيضًا:د
هيهات منزلنا بنعفٍ سويقة ... كانت مباركةً من الأيام1
وأما قوله2:
هيهات من منخرق هيهاؤه
فهذا كقولك: بعد بعده، وذلك أنه بني من هذا3 اللفظ فعلالا، فجاء به مجيء القلقال والزلزال. والألف في هيهات4 غير الألف في هيهاؤه، هي في هيهات لام الفعل الثانية كقاف5 الحقحقة الثانية، وهي في هيهاؤه6 ألف الفعلال الزائدة.
وهي في هيهات فيمن كسر غير تينك، إنما هي التي تصحب تاء الهندات والزينبات. وذكر سيبويه أن7 منهم من يقال له: إليك، فيقول: إلي "إلي"8؛ فإلي9 هنا: اسم أتنحى10. وكذلك قول من قيل له: إياك، فقال: إياي أي إياي
لأتقين 11.
__________
1 "منزلنا" في ش: "منزلها". ونصف سويقة: موضع. وقوله: "كانت مباركة" قال الأعلم: "أي كانت تلك الأيام التي جمعنا ومن تحب؛ فأضمرها ولم يجر لما ذكر لما جاء بعد ذلك من التفسير، وانظر الكتاب 2/ 299.
2 في ش: "قال". والرجز العجاج. ورواية الديوان: "في منخرق".
3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "من ذلك".
4 سقط في ش.
5 سقط في د، هـ، ز.
6 في د، هـ، ز: "غير الألف في هيهاؤه".
7 انظر الكتاب 1/ 126.
8 ما بين القوسين سقط في ط، ز.
9 كذ في ش. وفي ز، ط: "وإلى".
10 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "الممحي".
11 في د، هـ، ز بعده "ويقال: لأتقين" وكأن اللام في الأول مفتوحة، وهي لام القسم، وفي الثاني مكسورة، وهي لام الأمر.

(3/45)


ومنها قولهم: همهام، وهو1 اسم فني2. وفيها لغات: همهمامِ وحمحامِ ومحماحِ، وبحباحِ. أنشد أحمد بن يحيى:
أولمت يا خنوت شر إيلام ... في يوم نحسٍ ذي عجاجٍ مظلام
ما كان إلا كاصطفاق الأقدام ... حتى أتيناهم فقالوا: همهام3
فهذا اسم فني، وقوله سبحانه: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} 4 هو اسم دنوت من الهلكة. قال الأصمعي في قولها5:
فأولى لنفسي أولى لها
قد دنت من الهلاك. وحكى أبو زيد: هاهِ6 الآن وأولاة الآن، فأنث أولى، وهذا يدل على أنه اسم لا فعل كما يظن؛ وهاه اسم قاربت، وهي نحو أولى لك.
فأما الدليل على أن هذه الألفاظ أسماء فأشياء وجدت7 فيها لا توجد إلا في الأسماء. منها التنوين الذي هو علم التنكير.
وهذا لا يوجد إلا في الاسم؛ نحو قولك: هذا سيبويه وسيبويهٍ آخر. ومنها التثنية، وهي من خواص الأسماء، وذلك قولهم دهدرين. وهذه التثنية لا يراد بها ما يشفع الواحد مما هو دون الثلاثة. وإنما الغرض فيها التوكيد بها، والتكرير لذلك المعنى؛ كقولك: بطل بطل، فأنت8 لا تريد
__________
1 سقط حرف العطف في ش.
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "ما بقي" و"ما" فيه نافية.
3 "أولمت" بالبناء للفاعل، من الوليمة؛ وهذ الضبط وفق ما في اللسان "همم"، وفي "ظلم" ضبطه بالبناء للمفعول من الإيلام. والخنوت: العيي الأبلة، كأن رجلا صنع وليمة فلم يرضها الشاعر ولم يطعم فيها المدعوون حاجتهم، وأنهم حين طلبوا الطعام قيل لهم: قد فني ونفد. وقوله: "كصطفاق" في ش: "كصطفاف".
4 آية 34 سورة القيامة.
5 أي الخنساء، وصدره:
هممت بنفس كل الهموم
6 هي كلمة وعيد.
7 سقط في ش.
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وأنت".

(3/46)


أن تنفي1 كونه مرة واحدة بل غرضكم فيه متابعة نفيه وموالاة ذلك؛ كما أن قولك: لا يدين بها لك، لست تقصد بها2 نفي يدين ثنتين، وإنما تريد نفي جميع قواه وكما قال الخليل في قولهم: لبيك وسعديك، إن معناهما أن كلما3 كنت في أمر فدعوتني إليه أجبتك وساعدتك عليه. وكذلك قوله 4:
إذا شق بردٌ شق بالبرد مثله ... دواليك حتى ليس للبرد لابس
أي مداولةً بعد مداولة. فهذا على العموم، لا على دولتين ثنتين. وكذلك قولهم: دهدرين أي بطل بطلا بعد بطل.
ومنها وجود الجمع فيها في هيهات، والجمع مما "يختص بالاسم"5. ومنها وجود التأنيث فيها6 في هيهاة وهيهات وأولاة الآن7 وأفي والتأنيث بالهاء والألف من خواص الأسماء. ومنها الإضافة وهي قولهم: دونك وعندك ووراءك، ومكانك، وفرطك8، وحذرك. ومنها وجود لام التعريف فيها؛ نحو النجاءك. فهذا اسم انج. ومنها التحقير، وهي من خواص الأسماء. وذلك قولهم: رويدك. وببعض هذا "ما يثبت ما دعواه"9 أصغاف10 هذا.
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز "ثبق".
2 كذا في شيء وفي د، هـ، ز، ط: "به".
3 كذا في د، هـ، ز. وسقط في ش، ط.
4 هو سحيم عبد بني الحسحاس، ورواية البيت كما هنا فيها إقواء، فإن القافية مجرورة، وفي الديوان: "حتى كلنا غير لابس" ولا أقواء فيه. وانظر الكتاب 1/ 175، ومجالس ثعلب 157 والديوان 16,
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "يخص الاسم".
6 سقط في ش.
7 في د، هـ، ز بعده: "وأولى".
8 أي تقدم، أو احذر من قدامك؛ كما في رضي الكافية 662.
9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز "تثبت دعوانا".
10 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "لأضعاف".

(3/47)


فإن قيل: فقد ثبت بما أوردته كون هذه الكلم أسماء، ولكن ليت شعري ما كانت الفائدة في التسمية لهذه الأفعال بها؟
فالجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه:
أحدها السعة في اللغة، ألا تراك لو احتجت في قافية بوزن قوله1:
قدنا إلى الشأم جياد المصرين2
لأمكنك أن تجعل إحدى قوافيها "دهدرين"، ولو جعلت هنا ما هذا اسمه -وهو بطل- لفسد وبطل. وهذا واضح.
والآخر المبالغة. وذلك أنك في المبالغة لا بد أن تترك موضعًا إلى موضع؛ إما لفظًا إلى لفظ، وإما جنسًا إلى جنس، فاللفظ3 كقولك: عراض، فهذا قد تركت فيه لفظ عريض. فعراض إذًا أبلغ من عريض. وكذلك رجل حسان ووضاء؛ فهو4 أبلغ من قولك: حسن، ووضئ، وكرام أبلغ من كريم؛ لأن كريمًا على كرم وهو الباب وكرام خارج عنه. فهذا5 أشد مبالغة من كريم. قال الأصمعي: الشيء إذا فاق في جنسه6 قيل له: خارجي. وتفسير هذا ما نحن بسبيله، وذلك أنه لما خرج عن معهود حاله أخرج أيضًا عن معهود لفظه. ولذلك أيضًا إذا أريد بالفعل المبالغة في معناه، أخرج عن معتاد حاله من التصرف فمنعه. وذلك نعم وبئس وفعل التعجب. ويشهد لقول الأصمعي بيت طفيل:
وعارضتها رهوا على متتابعٍ ... شديد القصيرى خارجي محنب7
__________
1 سقط في ش.
2 ورد في اللسان "جفف" منسوبا لأبي ميمون العجلي وبعده:
من قيس عيلان وخيل الجفين
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واللقظ".
4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وهو".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهو". وقد ورد في كرام تشديد الراء وتخفيفها.
6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "حسنه".
7 عارضتها أي الخيل المذكورة قبل هذا البيت، ورهوا أي عدوا سهلا، ويريد بالمتتابع فرسا مطرد الخلق مشتبه، وش: "متتابع" أي متهالك في السرعة إن صحت الرواية، والقصيري: ضلع الخلف، والمحنب: الذي في ذراعه ما يشبه التحدب، والبيت من قصيدة في أول ديوانه.

(3/48)


والثالث ما في ذلك من الإيجاز والاختصار، وذلك أنك تقول للواحد: صه وللاثنين: صه1 و"للجماعة: صه"2، وللمؤنث. ولو أردت المثال نفسه لوجب فيه التثنية والجمع والتأنيث، وأن تقول: اسكتا واسكتوا3 واسكتي واسكتن. وكذلك
جميع الباب.
فلما اجتمع في تسمية هذه الأفعال ما ذكرناه من الاتساع ومن3 الإيجاز ومن المبالغة عدلوا إليها بما ذكرنا من حالها. ومع ذلك فإنهم أبعدوا أحوالها من أحوال الفعل المسمى بها، وتناسوا تصريفه لتناسيهم، حروفه. يدل على ذلك أنك لا تقول: صه فتسلم كما تقول: اسكت فتسلم، ولامه فتستريح، كما تقول: اكفف فتستريح. وذلك أنك إذا أجبت4 بالفاء فإنك إنما تنصب لتصورك في الأول معنى المصدر، وإنما يصح ذلك لاستدلالك عليه بلفظ فعله؛ ألا تراك إذا قلت: زرني فأكرمك فإنك إنما نصبته لأنك تصورت فيه: لتكن زيارة منك فإكرام مني.
فـ"زرني" دل على الزيارة؛ لأنه من لفظه، فدل الفعل على مصدره كقولهم: من كذب كان شرًّا له، أي كان الكذب؛ فأضمر الكذب لدلالة فعله -وهو كذب- عليه، وليس كذلك صه؛ لأنه ليس من5 الفعل في قبيلٍ6 ولا دبيرٍ، وإنما هو صوت أوقع موقع حروف الفعل، فإذا لم يكن صه فعلًا ولا من لفظه قبح أن يستنبط منه معنى المصدر لبعده عنه.
__________
1 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "والجماعة كذلك".
3 سقط في ش.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "جئت".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "في".
6 أصل هذا المثل: ما يعرف قبيلا من دببر، وقد تصرف فيه المؤلف، والقبيل: القبل، والدبير، الدبر، وقد فسرا بغير هذا.

(3/49)


فإن قلت: فقد تقول: أين بيتك فأزورك، وكم مالك فأزيدك عليه، فتعطف بالفعل المنصوب وليس قبله فعل ولا مصدر، فما الفرق بين "ذلك وبين صه"1؟
قيل: هذا كلام محمول على معناه؛ ألا ترى أن قولك: أين بيتك قد دخله معنى أخبرني، فكأنه قال: ليكن منك تعريف لي ومني زيارة لك.
فإن قيل: "وكيف ذلك"2 أيضًا؟ هلا جاز صه فتسلم لأنه محمول على معناه؛ ألا ترى أن قولك3: صه في معنى: ليكن منك سكوت فتسلم.
قيل: يفسد هذا من قبل أن صه قد انصرف إليه عن لفظ الفعل الذي هو اسكت، وترك له، ورفض من أجله. فلو ذهبت تعاوده وتتصوره أو تتصور مصدره لكانت تلك معاودة له ورجوعًا إليه بعد الإبعاد عنه، والتحامي للفظ به فكان ذلك يكون كإدغام الملحق، لما فيه من نقض الغرض. وليس كذلك أين بيتك؛ لأن هذا ليس لفظًا عدل إليه عن: "عرفني بيتك" على وجه التسمية له به، ولأن4 هذا قائم في ظله الأول من كونه مبتدأ وخبرا؛ وصه5 ومه قد تنوهي في إبعاده عن الفعل البتة؛ ألا تراه يكون مع الواحد والواحدة والاثنين والاثنتين وجماعة الرجال والنساء: صه على صورة واحدة ولا يظهر فيه ضمير على قيامه6 بنفسه وشبهه7 بذلك بالجملة المركبة. فلما تناءى عن الفعل هذا التنائي، وتنوسيت أغراضه فيه هذا التناسي، لم يجز فيما بعد أن تراجع أحكامه، وقد درست معارفه وأعلامه؛ فآعرف ذلك
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "صه وبينه".
2 كذا في ش، وفي ز، هـ: "فكذلك"، وفي ط "وكذلك".
3 كذا في، وسقط في د، هـ، ط.
4 سقط حرف العطف في ش.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بابه".
6 في هـ: "قياسه".
7 في ط: "لا شبهة".

(3/50)


فأما دراك ونزال ونظار فلا أنكر النصب على الجواب بعده، فأقول: دراك زيدًا1 فتظفر به ونزال إلى الموت فتكسب الذكر الشريف به2؛ لأنه وإن لم يتصرف فإنه من لفظ الفعل، ألا تراك تقول: أأنت3 سائر فأتبعك فتقتضب4 من لفظ اسم الفاعل معنى المصدر وإن لم يكن فعلًا كما قال5 الآخر:
إذا نهي السفيه جرى إليه ... وخالف والسفيه إلى خلاف6
فاستنبط من السفيه معنى السفه، فكذلك ينتزع من لفظ دراك معنى المصدر وإن لم يكن فعلا.
هذا حديث هذه الأسماء في باب النصب.
فأما الجزم في جواباتها فجائز حسن، وذلك قولك: صه تسلم، ومه تسترح، ودونك زيدا تظفر بسلبه؛ ألا تراك في الجزم لا تحتاج إلى تصور معنى المصدر؛ لأنك لست تنصب الجواب فتضطر إلى تحصيل معنى المصدر الدال على7 أن والفعل. وهذا واضح.
فإن قيل: فمن أين وجب بناء هذه الأسماء؟ فصواب القول في ذلك أن علة بنائها إنما هي تضمنها8 معنى لام الأمر، ألا ترى أن صه بمعنى اسكت وأن أصل اسكت لتسكت؛ كما أن أصل قم لتقم، واقعد لتقعد؛ فلما ضمنت هذه الأسماء معنى لام الأمر شابهت الحرف فبنيت؛ كما أن كيف ومن وكم لما تضمن كل واحد منها معنى حرف الاستفهام بني؛ وكذلك بقية الباب.
__________
1 سقط في ز، ط.
2 سقط في ش. وفي ط: "له".
3 في ط: "آنت" وفي ز: "اآنت" وفي ش: "انت".
4 في ز: "فتقتصب".
5 سقط في ش.
6 أورد هذا البيت الفراء في معاني القرآن 1/ 104 من غير عزو: وانظر الخزانة 2/ 383.
7 كذا والأنسب: "عليه".
8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "لتضمنها".

(3/51)


فأما قول من قال نحو هذا: إنه إنما بني لوقوعه موقع المبني يعني أدرك واسكت؛ فلن يخلو من أحد أمرين: إما أن يريد أن علة بنائه إنما هي نفس وقوعه موقع المبني لا غير، وإما أن يريد أن وقوعه موقع فعل1 الأمر ضمنه معنى حرف الأمر. فإن أراد الأول فسد؛ لأنه إنما علة بناء الاسم تضمنه معنى الحرف، أو وقوعه موقعه. هذا هو علة بنائه لا غير، وعليه قول سيبويه والجماعة.
فقد ثبت بذلك أن هذه الأسماء، نحو صه وإيه وويها وأشباه ذلك، إنما بنيت لتضمنها معنى حرف الأمر1 لا غير.
فإن قيل: ما أنكرت من فساد هذا القول، من قبل أن الأسماء التي سمي بها الفعل في الخبر مبنية أيضًا، نحو أف وآوتاه وهيهات، وليست بينها وبين لام الأمر نسبة قيل: القول هو الأول. فأما2 هذه فإنها محمولة في ذلك على بناء الأسماء المسمى بها الفعل في الأمر والنهي ألا ترى أن الموضع في ذلك لها، لما قدمناه من ذكرها، وأنهما3 بالأفعال لا غير، ولا يكونان إلا به4، والخبر قد يكون بالأسماء من غير أعتراض فعل فيه، نحو أخوك زيد وأبو5 جعفر. فلما كان الموضع في ذلك إنما هو لأفعال الأمر والنهي، وكانا لا يكونان إلا بحرفيهما
: اللام ولا، حمل ما سمي به الفعل في الخبر على ما سمي به في الأمر والنهي، كما يحمل هذا الحسن الوجه على هذ الضارب الرجل، وكما حمل6 أنت الرجل العبد7 "على أنت الرجل العلم والحلم"8 ونحو ذلك.
__________
1 سقط في ش.
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وأما".
3 كذا في ط، وفي ش، ز: "أنها" والحديث عن الأمر والنهي.
4 أي بالفعل، ولو نظر إلى الأفعال لقال "بها".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ابنك".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "حملت".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "العبيد" وسقط في ط.
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "على أنت الرجل العليم والحليم" وفي ط: "والعلم والحلم".

(3/52)


فإن قيل: هذا يدعوك إلى حمل شيء على شيء، ولو سلكت طريقتنا لما احتجت إلى ذلك1؛ ألا ترى أن الأسماء المسمى بها الفعل في الخبر واقعة موقع المبني وهو الماضي، ما أنها في الأمر واقعة موقع المبني، وهو اسكت.
قيل: ما أحسن هذا لو سلم أول، ولكن من لك بسلامته؟ أم من يتابعك على أن علة بناء الأسماء في العربية كلها شيء غير مشابهتها للحرف؟ فإذا كان كذلك لم يكن لك مزحل عما قلناه، ولا معدل عما أفرطناه وقدمناه. وأيضا فإن اسكت -لعمري- مبني، فما تصنع بقولهم: حذرك زيدا الذي هو نهي؟ أليس في موضع لا تقرب زيدا، و"تقرب" من لا تقرب معرب، ولهذا سماه سيبويه نهيا؟ فإن قلت: إن النبي في هذا محمول على الأمر صرت إلى ما صرفتنا عنه، وسوأت إلينا التمسك به، فآعرف هذ فإنه واضح.
باب في أن سبب الحكم قد2 يكون سببًا لضده "على3 وجه".
هذا سبب ظاهره4 التدافع وهو مع استغرابه5 صحيح واقع؛ وذلك نحو قولهم: القود والحوكة، والخونة وروع6 وحول، وعور و"عوز، لوز"7 وشول؛ قال8:
شاوٍ مشل شلول شلشل شول
__________
1 في د، هـ، ز، بعده: "به"؛ ويبدو أنه محرف ص "يتة".
2 سقط في ش.
3 في ط وضع ما بين القوسين بعد "يكون" وفي ش: "وجهه".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ظاهر".
5 في ش: "استقر به"؛ ويبدو أنه محرف عما أثبت، وفي د، هـ، ز، ط: "استقرائه".
6 روع أي مرتاع خائف، وحول: أحول العين.
7 عوز: وصف من عوز الرجل كفرح، إذا افتقر، ولوز: اتباع له.
8 أي الأعشى في معلقته وصدره:
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني
والحانوت: بيت الخمار، والشاوي: الذي يشوي اللحم، والمثل: الخفيف، والشلشل: المتحرك، والشول: الخفيف في العمل والخدمة.

(3/53)


وتلخيص هذه الجملة أن كل واحد من هذه الأمثلة قد جاء مجيئا مثله مقتضٍ للإعلال، وهو مع ذلك مصحح، وذلك أنه قد تحركت عينه، وهي معتلة وقبلها فتحة، وهذا يوجب قلبها ألفا، كباب، ودار، وعابٍ، ونابٍ، ويومٍ راحٍ، وكبشٍ صافٍ، إلا أن سبب صحته طريف، وذلك أنهم شبهوا حركة العين التابعة لها بحرف اللين التابع لها فكأن فعلًا1 فعال كأن فعلا فعيل. فكما يصح نحو جواب، وهيام، وطويل، وحويل، فعلى نحوٍ من ذلك صح باب القود والحوكة والغيب2 الروع والحول والشول، من حيث شبهت فتحة العين بالألف من بعدها "وكسرتها بالياء من بعدها"3.
ألا ترى إلى حركة العين التي هي سبب الإعلال كيف4 صارت على وجه آخر "سببا للتصحيح"5 وهذا6 وجه غريب المأخذ. وينبغي أن يضاف هذا إلى احتجاجهم فيه بأنه7 خرج على أصله منبهة8 على ما غير من أصل بابه. ويدلك على أن فتحة العين قد أجروها في بعض الأحوال مجرى حرف اللين قول مرة بن محكان:
في ليلةٍ من جمادى ذات أنديةٍ ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا9
__________
1 كذا في ش، وفي ز، ط: "فعل".
2 جمع الغائب.
3 سقط ما بين القوسين في ش.
4 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "كما".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: سبب التصحيح".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مذهب".
7 في ش: "وبأنه".
8 في ط: "مشبهة".
9 قبله:
يا ربة البيت قومي غير صاغرة ... ضمي إليك رحال القوم والقربا
وهو يخاطب امرأته أن تعنى بأمتعة الضيوف الذين نزلوا به في ليلة باردة، فهم عنده في قوى ودفء، وقوله: "من جمادى" فقد كانوا يجعلون شهر البرد جمادى، وإن لم يكن جمادى في الحقيقة؛ قال أبو حنيفة الدينوري -كما في اللسان: "جمادى عند العرب الشتاء كله" في جمادى كان الشتاء أو في غيرها. والطنب: حيل الخباء، والشعر من قصيدة في الحماسة، وانظر شرح التبريزي لها "التجارية" 4/ 132.

(3/54)


فتكسيرهم ندًى على أندية يشهد بأنهم أجروا ندًى -وهو فعل- مجرى فعال فصار لذلك ندى وأندية كغداء وأغدية. وعليه قالوا: باب وأبوبة و"خال1 وأخولة". وكما أجروا فتحة العين مجرى الألف الزائدة بعدها، كذلك أجروا الألف الزائدة بعدها مجرى الفتحة. وذلك قولهم: جواد وأجود وصواب وأصواب، جاءت في شعر الطرماح. وقالوا: عراء2 وأعراء حياء3 وأحياء، وهباء4 وأهباء. فتكسيرهم فعالا على أفعال كتكسيرهم فعلا على أفعلة هذا هنا، كذلك ثمة. وعلى ذلك -عندي- ما جاء عنهم من تكسير فعيل على أفعال؛ نحو يتيم وأيتام، وشريف وأشراف حتى كأنه إنما كسر فعل لا فعيل كنمر وأنمار وكبد وأكباد، وفخذ وأفخاذ. ومن ذلك قوله5:
إذا المرء لم يخش الكريهة أوشكت ... حبال الهوينى بالفتى أن تقطعا
وهذا عندهم قبيح، وهو إعادة الثاني مظهرا بغير لفظه الأول؛ وإنما سبيله أن يأتي مضمرًا نحو: زيد مررت به. فإن لم يأت مضمرًا وجاء مظهرا فأجود ذلك أن يعاد لفظ الأول البتة؛ نحو: زيد مررت بزيد، كقول الله سبحانه: {الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ} 6 و {الْقَارِعَةُ، مَا الْقَارِعَةُ} 7 وقوله 8:
لا أرى الموت يسبق الموت شيءٌ ... نغض الموت ذا الغنى والفقيرا
ولو قال: زيد مررت بأبي محمد "وكنيته أبو محمد"9 لم "يجز عند"10 سيبويه، وإن كان أبو الحسن قد أجازه. وذلك أنه لم يعد على الأول ضميره، كما يجب،
__________
1 كذا في ش، ط، وفي هـ، ز: "حال وأحولة" وفي اللسان: الأخولة جمع الخال أخى الأم.
2 هو المكان الفضاء الذي لا يستتر فيه شيء.
3 هو لغة في الحيا للخصب والمطر.
4 هو التراب الذي تطيره الريح.
5 أي الكلحبة العرني، وهو من مقطوعة في المفضليات، والخزانة 1/ 183.
6 آية 1، 2 سورة الحاقة.
7 آية 1، 2 سورة القارعة.
8 أي سوادة بن عدي، وقيل: أمية بن أبي الصلت، وانظر الكتاب 1/ 30.
9 سقط ما بين القوسين من ش.
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يجزه".

(3/55)


ولا عاد عليه لفظه. فهذا1 وجه القبح. ويمكن أن يجعله جاعل سبب الحسن. وذلك أنه لما لم يعد لفظ الأول البتة، وعاد مخالفا للأول شابه -بخلافه له- المضمر الذي هو أبدا2 مخالف للمظهر. وعلى ذلك قال:
............. أوشكت ... حبال الهوينى بالفتى ... ...
ولم يقل: "به3 ولا" بالمرء. أفلا ترى أن القبح الذي كان في مخالفة الظاهر الثاني للأول قد عاد4 فصار بالتأويل من حيث أرينا حسنا. وسببهما جميعا واحد. وهو وجه المخالفة في الثاني للأول.
وأما قول ذي الرمة:
ولا الخرق منه يرهبون ولا الخنا ... عليهم ولكن هيبة هي ما هيا5
فيجوز أن تكون "هي" الثانية فيه إعادة للفظ الأول كقوله6 -عز وجل: {الْقَارِعَةُ، مَا الْقَارِعَةُ} وهو الوجه. ويجوز أن تكون "هي" الثانية ضمير "هي" الأولى؛ كقولك: هي مررت بها. وإنما كان الوجه الأول؛ لأنه إنما يعاد لفظ الأول في مواضع7 التعظيم والتفخيم وهذا من مظانه؛ لأنه في مدحه وتعظيم أمره.
ومن ذلك أنهم قالوا: أبيض لياح. فقلبوا الواو التي في تصريف لاح يلوح للكسرة قبلها، على ضعف ذلك لأنه ليس جمعا كثياب ولا مصدرا
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
2 سقط في د، هـ، ز، وصبت في ش، ط.
3 سقط ما بين القوسين في ش.
4 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "جاز"، وفي ش "جاء".
5 هذا هو البيت السابع والثلاثون من قصيدته في مدح بلال بن أبي بردة، ويجوز في "هيبة" الرقع، أي ولكن أمره هيبة، والنصب أي يهاب هيبة، وهي في الديوان، وانظر الكامل بشرح المرصفي 4/ 188.
6 كذا في ش، ط، وفي د، ز: "الأول".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز "موضع".

(3/56)


كقيام. وإنما استروح إلى قلب الواو ياء لما يعقب من الخف كقولهم في صوار البقر: صيار وفي الصوان للتخت1 صيان. وكان2 يجب على هذا أن متى زالت هذه الكسرة عن لام "لياح" أن تعود الواو. وقد قالوا مع هذا: أبيض لياح، فأقروا القلب بحاله مع زوال ما كانوا سامحوا أنفسهم في القلب به3 على ضعفه. ووجه4 التأول منهم في5 هذا أن قالوا: لما لم يكن القلب مع الكسر عن وجوب واستحكام وإنما ظاهره وباطنه العدول عن الواو إلى الياء هربا منها إليها وطلبا، لخفتها، لم تراجع6 الواو لزوال الكسرة؛ إذا مثلها في هذا الموضع في غالب الأمر ساقط غير مؤثر نحو خوان وزوان7 وقوام وعواد مصدري قاومت وعاودت فمضينا8 على السمت في الإقامة على الياء. أفلا ترى إلى ضعف9 حكم الكسرة في "لياح" الذي كان مثله قمنا بسقوطه لأدنى عارض يعرض له فينقضه كيف صار سببا وداعيا إلى استمراره والتعدي به10 إلى ما يعرى عنه، والتعذر11 في إقرار الحكم به. وهذا ظاهر.
ومن ذلك أن الإدغام يكون في المعتل سببا للصحة؛ نحو قولك في فعل من القول: قول، وعليه جاء اجلواذ، والإدغام نفسه يكون في الصحيح سببا للإعلال؛ ألا تراهم كيف جمعوا حرة بالواو والنون فقالوا: إحرون12؛ لأن العين أعلت بالادغام، فعوضوا من ذلك الجمع بالواو والنون. وله نظائر فاعرفه.
__________
1 هو ما تصان فيه الثياب وهو في الأصل لفظ فارسي.
2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فكذلك".
3 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "حملا"، وسقط في ط.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أو وجه".
5 سقط في هذا الحرف في د، هـ، ز.
6 كذا في ش، ط، وفي د: هـ، ز: "يراجعوا".
7 هو حب يخالط الحنطة، وفي زايه للضم أيضا.
8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فمضنا".
9 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "ثبوت".
10 سقط في ش.
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "التعدد".
12 كذا في ش، وفي ز، ط، ج: "حررن" والحرة: أرض ذات حجارة سود نخرات. ويرى ثعلب فتح الهمزة في الجمع، كما في اللسان.

(3/57)


باب: في اقتضاء الموضع 1 لك لفظا هو 2 معك إلا أنه ليس بصاحبك 3:
من ذلك قولهم: لا رجل عندك ولا غلام لك فـ"ـلا" هذه4 ناصبة اسمها وهو مفتوح، إلا أن الفتحة فيه ليست فتحة النصب التي تتقاضاها "لا" إنما هذه فتحة بناء وقعت موقع فتحة الإعراب الذي هو عمل لا في المضاف، نحو لا غلام رجل عندك والممطول5؛ نحو لا خيرا من زيد فيها.
وأصنع من هذا قولك: لا خمسة عشر لك فهذه الفتحة الآن فى راء " عشر" فتحة بناء التركيب فى هذين الاسمين، وهى واقعة موقع فتحة البناء فى قولك: لا رجل عندك، وفتحة لام رجل واقعة موقع فتحة الإعراب فى قولك: لا غلام رجل فيها ولا خيرا منك عنده. ويدل على أن فتحة راء6 "عشر " من قولك لا خمسة عشر عندك هى فتحة تركيب الاسمين، لا التى تحدثها " لا " فى نحو7 قولك: لا غلام لك أن " خمسة8 عشر " لا يغيرها العامل الأقوى أعني الفعل فى قولك جاءني خمسة عشر، والجار فى نحو9 قولك: مررت بخمسة عشر. فإذا كان العامل الأقوى لا10 يؤثر فيها
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المواضع".
2 في د، هـ، ز: "وهو".
3 كذا في ز، ط، وفي ش: "يصاحيك".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هي".
5 هو ما يعرف بالشبيه بالمضاف في كتب المتأخرين.
6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "خمسة".
7 سقط في ش، ط.
8 في ش: "خمسة".
9 سقط في د، هـ، ز.
10 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.

(3/58)


فالعامل الأضعف الذي هو "لا " أحجى بألا يغير. فعلمت بذلك أن فتحة راء عشر من قولك: لا خمسة عشر لك إنما هي فتحة "للتركيب لا فتحة للإعراب؛ فصح بهذا أن فتحة راء عشر من قولك: لا خمسة عشر لك إنما هي فتحة"1 بناء واقعة موقع حركة2 الإعراب، والحركات كلها من جنس واحد وهو الفتح.
ومن ذلك قولك: مررت بغلامي. فالميم موضع جرة الإعراب المستحقة بالباء، والكسرة فيها ليست الموجبة بحرف الجر، إنما هذه3 هي التي تصحب ياء المتكلم في الصحيح، نحو هذا غلامي ورأيت غلامي، فثباتها4 في الرفع والنصب يؤذنك أنها ليست كسرة الإعراب وإن كانت بلفظها.
ومن ذلك قولهم5: يسعني حيث يسعك فالضمة في "حيث" ضمة بناء واقعة موقع رفع الفاعل. فاللفظ واحد التقدير مختلف. "ومن ذلك قولك: جئتك الآن. فالفتحة فتحة بناء في "الآن" وهي واقعة موقع فتحة نصب الظرف "6.
ومن ذلك قولك: كنت عندك في أمس. فالكسرة الآن كسرة بناء. وهي واقعة موقع كسرة الإعراب المقتضيها الجر. وأما قوله:
وإني وقفت اليوم والأمس قبله ... ببابك حتى كادت الشمس تغرب7
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فتحة".
3 سقط في د، هـ، ز، وثبت في ش، ط.
4 في ز: "فبناؤها"، وهو محرف عن: "فبقاؤها".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قولك"، وترى في المثال الذي أورده "حيث"، في موضع رفع، والمعروف فيها أن تكون في موضع تعب أوجر، ونقل في المغني "حيث" عن أبي علي الفارسي أنها تقع مفعولا به، ولم يذكر ورودها فاعلا.
6 سقط ما بين القوسين في ش.
7 انظر ص395 من الجزء الأول.

(3/59)


فيروى: "والأمس" جرا ونصبا. فمن نصبه فلانه لما عرفه باللام الظاهرة وأزال عنه تضمنه إياها أعربه والفتحة1 فيه نصبه الظرف؛ كقولك أنا آتيك اليوم وغدا2. وأما من جره فالكسرة فيه كسرة البناء التي في3 قولك: كان هذا أمس، واللام فيه زائدة كزيادتها في الذي والتي
وفي قوله:
ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلًا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر4
قال أبو عثمان: سألت الأصمعي عن هذا، فقال: الألف واللام في "الأوبر" زائدة. وإنما تعرف "الأمس"5 بلام أخرى مرادةٍ غير هذه مقدرة.وهذه الظاهرة ملقاة زائدة للتوكيد.
ومثله مما تعرف بلام6 مرادة "وظهرت"7 فيه لام أخرى غيرها زائدة قولك: الآن. فهو8 معرف بلام مقدرة وهذه الظاهرة فيه زائدة. وقد ذكر أبو علي هذا قبلنا وأوضحه وذكرناه نحن أيضًا في غير هذا الموضع من كتبنا. وقد ذكرت9 في كتاب التعاقب في العربية من هذا الضرب نحوا كثيرا. فلندعه هنا.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فالفتحة".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أو".
3 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "الذي".
4 جنيتك: جنيت لك، والأكمؤ جمع الكم، وهو من النبات، والمسافل: الكبار البيض الجياد من الكمأة، وبنات أوبر: كمأة لها زغب، وهي رديئة، وانظر مجالس ثعلب 624.
5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الاسم".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "باللام".
7 سقط ما بين القوسين في ش.
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وهو".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ذكرنا" وانظر 395 من الجزء الأول.

(3/60)