الخصائص

باب في احتمال القلب لظاهر الحكم:
هذا موضع يحتاج إليه مع السعة؛ ليكون معدا عند الضرورة.
فمن1 ذلك قولهم: أسطر. فهذا وجهه أن يكون جمع سطر ككلب وأكلب وكعب وأكعب. وقد يجوز أيضًا2 أن يكون جمع سطر فيكون حينئذ كزمن وأزمن، وجبل وأجبل؛ قال:
إني لأكني بأجبالٍ عن اجلبها ... وباس أودية عن اسم واديها3
ومثله أسطار، فهذا وجهه أن يكون جمع سطرٍ "كجبل4 وأجبال" وقد يجوز أيضًا أن يكون جمع سطر كثلج وأثلاج وفرخ وأفراخ قال الحطيئة 5:
ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ ... زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجر
ومثله قولهم: الجباية في الخراج ونحوه: الوجه أن يكون مصدر جبيته، ويجوز أن يكون من جبوته؛ كقولهم: شكوته شكاية. وأصحابنا يذهبون في قولهم: الجباوة إلى أنها مقلوبة عن الياء في جبيت، ولا يثبتون جبوت.
ونحو من ذلك قولهم6: القنية يجب على ظاهرها أن تكون7 من قنيت.
وأما أصحابنا فيحملونها على أنها من قنوت أبدلت لضعف الحاجز -لسكونه- عن الفصل به بين الكسرة وبينها.
على أن أعلى اللغتين قنوت.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من".
2 سقط في ش، ط.
3 ورد هذا البيت في الكامل بشرح المرصفي 1/ 204 وله صلة في الشرح.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كقدم وأقدام رفدان، وأفدان".
5 سقط في ش، ط، والبيت أول قصيدة له، يخاطب عمر رضي الله عنه وكان حبسه لهجره الزبرقان بن بدر، ويريد بالأفراخ أولاده، وذو مرخ موضع، ويقول الشيخ خالد في التصريح في مبحث جمع التكسير: إنه واد كثير الشجر قريب من فدك، ولاحظ الشيخ يس في كتابته عليه أن هذا يتعارض مع قول الشاعر: لا ماء ولا شجر، وقال في الجواب: إن المقام للشكوى وذكر سوء الحال فذكر ذلك وإن كان عمر عالما بكثرة شجره، وفي ياقوت أن الرواية المشهورة: "بذي أمر".
6 سقط في د، هـ، ز، ط.
7 في د، هـ، "يكون".

(3/61)


ومن ذلك قولهم: الليل يغسى1، فهذا يجب أن يكون من غسى كشقى يشقى، ويجوز أن يكون من غسا فقد قالوا: غسى يغسى وغسا، يغسو ويغسى أيضًا وغسا يغسى نحو أبى يأبى، وجبا2 الماء يجباه.
ومن ذلك زيد مررت به واقفا الوجه أن يكون "واقفا" حالا من الهاء "في3 به"، وقد يجوز أن يكون حالا من نفس "زيد" المظهر ويكون مع هذا العامل فيه ما كان عاملا فيه وهو حال من الهاء؛ ألا ترى أنه قد يجوز أن يكون العامل في الحال هو "غير العامل في صاحب"4 الحال ومن ذلك قول الله سبحانه: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} 5 فـ"مصدقا" حال من "الحق" والناصب له غير الرافع للحق، وعليه البيت:
أنا ابن دارة معروفًا بها نسبي ... وهل بدارة يا للناس من عار6
وكذلك عامة ما يجوز فيه وجهان أو أوجه ينبغي أن يكون جميع ذلك7 مجوزًا فيه8. ولا يمنعك9 قوة القوى من إجازة الضعيف أيضًا10؛ فإن العرب تفعل ذلك؛ تأنيسًا10 لك بإجازة الوجه الأضعف لتصح به طريقك ويرحب به11 خناقك إذا12 لم تجد وجها غيره، فتقول: إذا أجازوا نحو هذا ومنه بد وعنه مندوحة فما ظنك بهم إذا لم يجدوا
__________
1 أي يظلم.
2 أي جمعه.
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
4 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "العامل في غير صاحب".
5 آية 91 سورة البقرة.
6 هذا لسالم بن دارة، يهجو زميلا الفزاري ويفتخر عليه، ودارة أمه، وقيل: جده، ولذلك يروى: "معروفا له نسبي" وفي ش، ط: "لها" في مكان "بها"، وانظر الخزانة "السلفية 3/ 24، وص270 من الجزء الثاني من هذا الكتاب.
7 سقط في ش.
8 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "عليه".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تمنعك".
10 سقط في ش.
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "عنه" وفي ط: "فيه".
12 في ش: "فإذا".

(3/62)


منه بدلا، ولا عنه معدلا ألا تراهم كيف يدخلون تحت قبح الضرورة مع قدرتهم على تركها، ليعدوها لوقت الحاجة إليها. فمن1 ذلك قوله2:
قد أصبحت أم الخيار تدعى ... على ذنبًا كله لم أصنع
أفلا3 تراه كيف دخل تحت ضرورة الرفع، ولو نصب لحفظ الوزن وحمى جانب الإعراب من الضعف. وكذلك قوله 4:
لم تتلفع بفضل مئزرها ... دعدٌ ولم تغذ دعد في العلب
كذا5 الرواية بصرف "دعد" الأولى، ولو لم يصرفها لما كسر وزنا وأمن الضرورة أو ضعف إحدى اللغتين. وكذلك قوله:
أبيت على معاري فاخرات ... بهن ملوب كدم العباط6
هكذا أنشده: على معاري بإجراء المعتل مجرى الصحيح ضرورة، ولو أنشد: على معارٍ فاخرات لما كسر وزنا ولا احتمل ضرورة.
__________
1 كذا في ش، وفي ط: "ومن" وفي د، هـ، ز: "من".
2 أي أبي النجم، وأم الخيار امرأته، وقد فسر الذئب بعد بأنه الشيب، وانظر الخانة في الشاهد السادس والخمسين.
3 كذا في، ط، وفي د، هـ، ز: "أ".
4 أي جرير، والتلفع "الاشتمال بالثوب كلبسة نساء الأعراب والعلب واحدها علبة، وهي قدح من جلد يشرب فيه اللبن، وانظر اللسان "دعد" والكتاب 2/ 23.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "هكذا".
6 "فاخرات" كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "واضحات" والمعاري قيل أراد بها ما لا بد المرأة من إظهاره، كاليدين، وقد عنى به المرأة نفسها، وقد شبه الملاب في حمرته بدم العباط وأحد العبيط والعبيطة، وهو ما نحر لغير علة، وانظر 335 من الجزء الأول.

(3/63)


باب في الشئ يرد فيوجب له القياس حكما ويجوز أن يأتي السماع بضده، أيقطع بظاهره، أم يتوقف إلى أن يرد السماع بجلية حاله
...
باب في الشيء 1 يرد فيوجب له القياس حكما ويجوز أن يأتي السماع 2 بضده، أيقطع بظاهره، أم يتوقف إلى أن يرد السماع بجلية حاله:
وذلك نحو عنتر وعنبر وحنزقر3 وحنبتر4 وبلتع5 وقرناس6.
فالمذهب7 أن يحكم في جميع هذه النونات والتاءات وما يجري مجراها -مما هو واقع موقع الأصول مثلها- بأصليته، مع تجويزنا أن يرد دليل على زيادة شيء منه كما ورد في عنسل وعنبس ما قطعنا به على زيادة نونهما، وهو الاشتقاق8 المأخوذ من عبس وعسل، وكما9 قطعنا على زيادة نون قنفخر10 لقولهم: امرأة قفاخرية11. وكذلك تاء تألب12؛ لقولهم: ألب13 الحمار طريدته يألبها، فكذلك يجوز أن يرد دليل يقطع به على نون عنبر في الزيادة، وإن كان ذلك كالمتعذر الآن لعدم المسموع من الثقة المأنوس14 بلغته، وقوة طبيعته15؛ ألا ترى أن هذا ونحوه مما16 لو كان له أصل لما تأخر أمره، ولوجد في اللغة ما يقطع له به. وكذلك ألف آءةٍ حملها الخليل -رحمه الله- على أنها منقلبة عن الواو، حملا على الأكثر، ولسنا ندفع مع ذلك17 أن يرد شيء من السماع
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أن الشيء".
2 سقط في ش.
3 هو القصير الدميم.
4 هو الشدة.
5 يقال رجل بلتع: حاذق ظريف متكلم.
6 بضم القاف وكسرها، وهو شبيه الأنف يتقدم الجيل.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "والمذهب".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هما".
9 سقط حرف العطف في ش.
10 هو الفائق في نوعه.
11 مؤنث القفاخري، وهو النار الناعم الضخم الجثة.
12 هو الشديد الغليظ من حمر الوحش.
13 أي طردها طردا شديدا.
14 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المأخوذ".
15 في ط: "طبعه".
16 سقط في ط.
17 في ش: "من".

(3/68)


يقطع معه بكونها منقلبة عن ياء، على ما قدمناه1 من بعد نحو ذلك وتعذره.
ويجيء على قياس ما نحن عليه أن تسمع نحو بيت وشيخ فظاهره -لعمري- أن يكون فعلا مما عينه ياء، ثم لا يمنعنا هذا أن نجيز كونها2 فيعلا مما عينه واو؛ كميت وهين. ولكن إن وجدت في تصريفه نحو شيوخ وأشياخ ومشيخة قطعت بكونه من باب: بيع وكيل. غير أن القول وظاهر العمل أن يكون من باب بيع. بل إذا كان سيبويه قد حمل سيدا3 على أنه من الياء تناولا4 لظاهره مع توجه كونه فعلا مما عينه واو كريح وعيد, كان حمل نحو5 شيخ على أن يكون من الياء لمجيء الفتحة قبله أولى وأحجيى.
فعلى نحوٍ من هذا فليكن العمل فيما يرد من هذا.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فدمناه".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كونه".
3 انظر ص252 من الجزء الأول.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "منأولا".
5 سقط في ش.

(3/69)