الخصائص باب في الاقتصار في التقسيم على ما يقرب
ويحسن، لا على ما يبعد ويقبح:
وذلك1 كأن تقسم2 نحو3 مروان إلى4 ما يحتمل حاله من التمثيل له فنقول5:
لا يخلو6 من أن يكون فعلان أو مفعالا أو فعوالا. فهذا7 ما يبيحك8
التمثيل في بابه.
فيفسد كونه مفعالا أو فعوالا أنهما مثالان لم يجيئا, وليس لك9أن
تقول10ي تمثيله: لا يخلو11ن يكون مفلان أو12فوالا أو فعوان أو
مفوان13ونحو ذلك، لأن هذه14نحوها15ما16ي" أمثلة ليست موجودة أصلا ولا
قريبة من الموجودة كقرب فعوال ومفعال من الأمثلة الموجودة17ألا ترى أن
فعوالا أخت فعوال كقرواش18وأخت فعوال كعصواد19 وأن مفعالا أخت مفعال
كمحراب02 وأن كل واحد من مفلان ومفوان وفعوان لا يقرب منه شيء من أمثلة
كلامهم.
وتقول على ذلك في تمثيل21 أيمن من قوله22:
يبري لها من أيمن وأشمل
لا يخلو أن يكون أفعلا أو فعلنا أو أيفلا أو فيعلا. فيجوز هذا كله لأن
بعضه له نظير "وبعضه قريب مما له نظير"23، الا ترى أن أفعلا24 كثير
النظير، كأكلب
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كذلك".
2 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "يقسم".
3 في ز: "من نحو".
4 ثبت في هذا الحرف في ط.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيقول".
6 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط، وثبت في ش.
7 في ز: "مما".
8 كذا في ش، وفي ط: "يحتمل" وفي د، هـ، ز: "ينتجك".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "له".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز "يقول".
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط، "يجوز".
12 في ط: "ولا".
13 كذا في ز، ط، وفي ش: "معوان".
14 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "هذا".
15 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "نحوه".
16 سقط ما بين القوسين في ش، ط.
17 سقط في ش.
18 هو الطفيل.
19 من معانيه الجلبة والاختلاط.
20 سقط في ش.
21 سقط في ش.
22 أي أبي النجم في أرجوزته الطويلة وهي مبثتة في الفوائد الأدبية،
والبيت في وصف الراعي لإبل أطال في وصفها، و"يبرى لها": يعارضها.
23 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
16 في ط: "أفعل".
(3/70)
إذا قسمته: لا يخلو أن يكون فعولا كثدي، أو
فعيلا كشعير، أو فعيا كمئي إذا نسبت إلى مائة ولم تردد لامها أو فعلا،
كطمر. ولا تقول في قسمتها: أو فوعلًا أو إفعلا أو فويًا أو إفلعا1 أو
نحو ذلك؛ لبعد هذه الأمثلة مما جاء عنهم. فإذا تناءت عن مثلهم إلى ههنا
لم تمرر2 بها في التقسيم؛ لأن مثلها ليس مما يعرض الشك فيه، ولا يسلم
الفكر به ولا توهم الصنعة كون مثله.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "أفعلا".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يمرر".
(3/72)
باب في خصوص ما يقنع 1 فيه العموم من أحكام
صناعة الإعراب:
وذلك كأن تقول في تخفيف همزة نحو صلاءة وعباءة: لا تلقى حركتها على
الألف؛ لأن الألف لا تكون مفتوحة أبدا. فقولك: "مفتوحة" تخصيص لست2
بمضطر إليه؛ ألا ترى أن الألف لا تكون متحركة أبدا بالفتحة ولا غيرها.
وإنما صواب ذلك أن تقول: لأن الألف لا تكون متحركة أبدا.
وكذلك3 لو قلت: لأن4 الألف لا تلقى عليها حركة الهمزة لكان -لعمري-
صحيحًا كالأول؛ إلا أن فيه تخصيصًا يقنع منه5 عمومه.
فإن قلت: استظهرت بذلك للصنعة قيل: لا بل، استظهرت به عليها، ألا ترى
أنك إذا قلت: إن الألف لا تكون مفتوحة أبدا جاز أن يسبق إلى نفس
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "يقع".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ليس".
3 في د، هـ: "لذلك".
4 في ش: "إن".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيه".
(3/72)
من يضعف نظره أنها وإن تكن مفتوحة فقد يجوز
أن تكون مضمومة أو مكسورة. نعم وكذلك إذا قلت: إنها لا تلقي عليها حركة
الهمزة جاز أن يظن أنها1 تلقى عليها حركة غير الهمزة. "فإذا أنت قلت:
لا يلقى عليها الحركة"2 أو لا تكون متحركة أبدا احتطت للموضع واستظهرت
للفظ والمعنى.
وكذلك لو قلت: إن ظننت وأخواتها تنصب مفعوليها3 المعرفتين -نحو طننت
أخاك أباك لكنت -لعمري- صادقا إلا انك مع ذلك كالموهم به أنه4 إذا كان
مفعولاها نكرتين كان لها حكم غير حكمها إذا كانا معرفتين. ولكن إذا
قلت: ظننت وأخواتها تنصب مفعوليها عممت الفريقين بالحكم5 وأسقطت الظنة
عن المستضعف الغمر، وذكرت هذا النحو من هذا اللفظ حراسة له6، وتقريبًا
منه ونفيًا لسوء المعتقد عنه 7.
__________
1 في د، هـ، ز: "أن".
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مفعوليهما".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أنها".
5 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "لها".
7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فيه".
(3/73)
باب في تركيب
المذاهب:
قد كنا أفرطنا في هذا الكتاب تركيب1 اللغات. وهذا الباب نذكر فيه كيف
تتركب المذاهب إذا ضممت بعضها إلى بعض وأنتجت2 بين ذلك مذهبا.
وذلك أن أبا عثمان كان يعتقد مذهب يونس في رد المحذوف في التحقير وإن
غنى المثال عنه فيقول3 في تحقيرها هارٍ: وهو يئر، وفي يضع4 اسم رجل:
يويضع5،وفي بالة من قولك6 ما7 باليت به بالة: بويلية. وسيبويه إذا
استوفى التحقير8 مثاله لم يردد ما كان قبل ذلك محذوفًا. فيقول هوير
ويضيع9، وبويلة.
وكان أبو عثمان أيضًا يرى رأي سيبويه في صرف10 نحو جوارٍ علما وإجرائه
بعد العلمية على ما كان عليه قبلها. فيقول11 في رجل أو امرأة اسمها
جوارٍ12 أو غواشٍ بالصرف في الرفع والجر على حاله قبل نقله، ويونس لا
يصرف ذلك ونحوه علما ويجريه مجرى الصحيح في ترك الصرف.
فقد تحصل إذا لأبي عثمان مذهب مركب من مذهبي الرجلين، وهو الصرف على
مذهب سيبويه، والرد على مذهب يونس. فتقول13 على قول أبي عثمان في تحقير
اسم رجل سميته بيري: هذا يرىءٍ كيريع 14. فترد الهمزة على قول يونس
وتصرف على قول سيبويه. ويونس يقول في هذا: يربئى "بوزن14 يريعي" فلا
يصرف وقياس قول سيبويه يرى، فلا يرد، وإذا لم يرد لم يقع الطرف بعد
كسرة فلا يصرف إذًا، كما لا يصرف أحي تصغير15 أحوي. وقياس قول أن
يصرف16 فيقول17: يريٌ؛ كما يصرف18 تحقير أحوي: أحيٌ.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز "تركب"، وانظر ص275 من الجزء الأول.
2 في ط: "فافتتحت".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز، ط: "فنقول". وانظر في مذهب يونس الكتاب
2/ 125.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تضع".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تويضع".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قولهم".
7 سقط هذا الحرف في ش.
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "في التحقير".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تضيع".
10 يريد بالصرف التنوين، ومعروف أنه تنوين عوض لا تنوين صرف.
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فنقول".
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "و".
13 كذا في ش، ط، وف يد، هـ، ز: "فنقول".
14 سقط في ش، ط، وثبت في ز.
15 سقط ما بين القوسين في ش، وثبت في ط، ز.
16 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تحقير".
17 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فنقول".
18 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تصرف".
(3/74)
فقد عرفت إذًا تركب مذهب أبي عثمان من1
قولي2 الرجلين.
فإن خففت همزة يرىءٍ قلت يريى فجمعت3 في اللفظ بين ثلاث ياءات،
والوسطى4 مكسورة. ولم5 يلزم حذف الطرف للاستثقال، كما حذف في تحقير
أحوي إذا قلت: أحي؛ من قبل أن الياء الثانية ليست ياء مخلصة، وإنما هي
همزة مخففة فهي6 في تقدير الهمز7. فكما لا تحذف في قولك: يرىءٍ، كذلك
لا تحذف في قولك: يريى. ولو رد عيسى كما رد يونس8 للزمه ألا يصرف في
النصب لتمام مثال الفعل؛ فيقول: رأيت يريئ ويريى، وأن يصرف في الرفع
والجر على مذهب سيبويه، حملا لذلك على صرف جوارٍ.
و"من ذلك"9 قول أبي عمر10 في حرف التثنية: إن الألف حرف الإعراب ولا
إعراب فيها، وهذا هو11 قول سيبويه. وكان يقول: إن انقلاب الألف إلى
الياء هو الإعراب. وهذا12 هو قول الفراء أفلا تراه كيف تركب له في
التثنية مذهب ليس بواحد من المذهبين الآخرين.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "في".
2 كذا في ط، وفي ش: "قول".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فجعلت".
4 سقط حرف العطف في ط.
5 كذا في ط، وسقط حرف العطف في ز، ش.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهي".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الهمزة".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "على يونس".
9 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "كذلك".
10 هو الجرمي، وانظر في الإنصاف المسألة الثالثة.
11 سقط في ش، ط.
12 سقط الضمير في ش.
(3/75)
وقال أبو العباس في قولهم: "أساء سمعا
فأساء جابة": إن أصلها إجابة، ثم كثر فجرى مجرى المثل، فحذفت همزته
تخفيفًا فصارت جابة. فقد تركب الآن من قوله هذا وقولي1 أبي الحسن
والخليل مذهب طريف. وذلك أن أصلها اجوابة فنقلت الفتحة من العين إلى
الفاء فسكنت العين "وألف إفعالة بعدها ساكنة فحذفت الألف على قول
الخليل، والعين"2 على قول3 أبي الحسن، جريا على خلافهما4 المتعالم من
مذهبيهما في مقول ومبيع. فجابة على قول الخليل إذا ضامه "قول أبي
العباس"5 فعلة ساكنة العين، وعلى قول أبي الحسن إذا ضامه قول أبي
العباس فالة 6.
"أفلا ترى"7 إلى هذه الذي أدى إليه مذهب أبي العباس في هذه اللفظة
"وأنه8 قول" مركب ومذهب لولا ما أبدعه فيه أبو العباس لكان غير هذا.
وذلك أن الجابة -على الحقيقة- فعلة مفتوحة العين، جاءت على أفعل بمنزلة
أرزمت9 السماء رزمة، وأجلب القوم جلبة. ويشهد أن10 الأمر كذا، ولا11
كما ذهب إليه أبو العباس قولهم: أطعت طاعة، وأطقت طاقة. وليس واحدة12
منهما بمثل ولا كثرت13 فتجري مجرى المثل فتحذف همزتها، إلا أنه تركب من
قول أبي العباس فيها إذا سبق على مذهبي الخليل وأبي الحسن ما قدمناه:
من كونها فعلة ساكنة العين "أو فالة"14 كما ترى. وكذا كثير من المذاهب
التي هي مأخوذة من قولين ومسوقة على أصلين: هذه حالها.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "قول".
2 ما بين القوسين سقط في د، هـ، ز.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "مذهب".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "مذهبهما خلافهما".
5 سقط ما بين القوسين في ش.
6 سقط في ش.
7 في ز: "ألا يرى".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "فإنه مقول".
9 أي كان للرعد فيها صوت.
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لأن".
11 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "ما".
12 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "واحد".
13 في د، هـ، ز: "إن".
14 سقط ما بين القوسين في ش.
(3/76)
باب في السلب:
نبهنا أبو علي -رحمه الله- من هذا الموضع على ما أذكره وأبسطه، لتتعجب1
من حسن الصنعة فيه.
اعلم أن كل فعل أو اسم مأخوذٍ من الفعل أو فيه معنى الفعل، فإن وضع ذلك
في كلامهم على إثبات معناه لا سلبهم إياه.
وذلك قولك2: قام فهذا لإثبات القيام، وجلس لإثبات الجلوس، وينطلق
لإثبات الانطلاق، وكذلك الانطلاق ومنطلق: جميع ذلك وما كان مثله إنما
هو لإثبات هذه المعاني لا لنفيها. ألا ترى أنك إذا أردت نفي شيء منها
ألحقته حرف النفي فقلت: ما فعل، ولم يفعل، ولن يفعل "ولا تفعل"3 ونحو
ذلك.
ثم إنهم مع هذا قد استعملوا ألفاظا من كلامهم من الأفعال ومن4 الأسماء
الضامنة لمعانيها، في سلب تلك المعاني لا إثباتها. ألا ترى أن تصريف "ع
ج م" أين وقعت في كلامهم إنما "هو5 للإبهام" وضد البيان. ومن ذلك العجم
لأنهم6 لا يفصحون، وعجم7 الزبيب ونحوه لاستتار في ذي العجم ومنه عجمة
الرمل لما استبهم منه على سالكيه فلم يتوجه8 لهم. ومنه عجمت العود
ونحوه إذا عضضته: لك فيه وجهان: إن شئت قلت: إنما ذلك لإدخالك إياه في
فيك وإخفائك9 له،
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لتعجب".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "نحو قولهم".
3 سقط ما بين القوسين في ش، ط.
4 سقط هذا الحرف في ش.
5 كذا في ط، وفي ش: "هي للإبهام"، وفي د، هـ، ز: "هو الإبهام".
6 سقط في د، هـ، ز.
7 عجم الزبيب، نواه.
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تتوجه".
9 في ط: "إياه".
(3/77)
وإن شئت قلت: "إن1 ذلك" لأنك لما عضضته
ضغطت2 بعض ظاهر3 أجزائه "فغارت"4 في المعجوم، فخفيت. ومن ذلك استعجمت
الدار إذا لم تجب سائلها، قال5:
صم صداها وعفا رسمها ... واستعجمت عن منطق السائل
ومنه "جرح6 العجماء جبار"، لأن البهيمة لا تفصح عما في نفسها. ومنه
"قيل لصلاة"7 الظهر والعصر: العجماوان لأنه لا يفصح فيهما بالقراءة.
"وهذا"8 كله على ما تراه من الاستبهام9 وضد البيان، ثم إنهم قالوا:
أعجمت الكتاب إذا بينته10 وأوضحته. فهو11 إذًا لسلب معنى الاستبهام لا
إثباته.
ومثله12 تصريف "ش ك و" فأين13 وقع ذلك فمعناه إثبات الشكو والشكوى
والشكاة وشكوت واشتكيت. فالباب فيه كما تراه لإثبات هذا المعنى، ثم
إنهم
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 في ط: "وضغطت".
3 سقط في ش.
4 كذا في ش، وفي ط: "غارت"، وسقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
5 أي امرؤ القيس.
6 أي إذا أتلفت العجماء شيئا إذا تفلتت من صاحبها فلا ضمان عليه،
والجبار: الهدر.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: في مكان ما بين القوسين: "صلاة".
8 كذا في ش، وفي ط: "هذا"، وفي د، هـ، ز: "فهذا".
9 في ز، ش: "الاستفهام" وهو تحريف.
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ابنته".
11 كذا في ش، وفي ط: "فهذا": وفي د، هـ، ز: "وهذا".
12 كذا في ش، ط: "وفي د، هـ، ز: "سنه".
13 كذا في ش: وفي د، هـ، ز: "أين".
(3/78)
قالوا: أشكيت الرجل إذا "زلت له عما
يشكوه"1 فهو2 إذًا لسلب معنى الشكوى لا لإثباته أنشد أبو زيد:
تمد بالأعناق أو تلويها ... وتشتكي لو أننا نشكيها
مس حوايا قلما نجفيها3
وفي الحديث4: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حر الرمضاء فلم
يشكنا، أي فلم5 يفسح لنا في إزالة ما شكوناه من ذلك إليه.
ومنه6 تصريف "م ر ض" "إنها لإثبات معنى"7 المرض، نحو مرض يمرض وهو مريض
"ومارض"8 ومرضى ومراضى.
ثم إنهم قالوا: مرضت الرجل أي داويته من مرضه حتى أزلته عنه أو لتزيله
عنه.
وكذلك تصريف "ق ذ ي" إنها9 لإثبات معنى القذى منه "قذت عينه وقذيت
وأقذيتها ثم إنهم مع هذا يقولون: قذيت عينه"10 إذا أزلت عنها القذى
وهذا11 لسلب القذى لا لإثباته.
__________
1 كذا في ش، وفي ط: "أزلت عنه ما يشكوه"، وفي د، هـ، ز: "أزلت شكواه".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "وهذا"، وفي ط: "فهذا".
3 قال ابن السيرافي: "وصف إبلا قد أتعبها السير، فهي تمد أعناقها"،
والإبل إذا أعيت ذلت ومدة أعناقها أو لونها، وقوله: "مس حوايا" مفعول
"تشتكي" والحوايا جمع الحوية، وهي كساء محشو حول سنام البعير، وقوله:
"نجفيها" أي تزيل عنها الحوايا، وذلك بترك الرحيل. وانظر الخزانة 4/
530، واللسان "جفو".
4 رواه مسلم في أوقات الصلاة، والرمضاء: الرمل الذي اشتد حمرته، وكانوا
سألوه تأخير صلاة الظهر، وقيل: إذا هذا نسخة حديث الإبراد، وانظر شرح
النووي.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لم".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مثله".
7 في ط: "إنما هي إثبات معان هي".
8 سقط ما بين القوسين في ش.
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "إنما هي".
10 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهذا".
(3/79)
ومنه حكاية الفراء عن أبي1 الجراح: بي إجل
فأجلوني، أي داووني ليزول عني. والإجل: وجع في العنق.
ومن ذلك تصريف "أث م" أين هي وقعت لإثبات معنى الإثم؛ نحو أثم يأثم
وآثم وأثيم وأثوم "والمأثم"2 وهذا كله لإثباته.
ثم إنهم قالوا: تأثم أي ترك الإثم. ومثله تحوب أي ترك الحوب.
فهذا كله كما3 تراه في الفعل وفي ذي الزيادة لما سنذكره.
وقد وجدته أيضًا في الأسماء غير الجارية على الفعل إلا أن فيها معاني
الأفعال، كما أن مفتاحًا فيه معنى الفتح وخطافًا فيه معنى الاختطاف4،
وسكينًا فيه معنى التسكين وإن لم يكن واحد من ذلك جاريًا على الفعل.
فمن تلك الأسماء قولهم: التودية لعودٍ5 يصر على خلف الناقة ليمنع6
اللبن. وهي7 تفعلة من ودى يدى، إذا سال وجرى، وإنما هي لإزالة الودى لا
لإثباته. فآعرف ذلك.
ومثله8 قولهم السكاك للجو، هو لسلب معنى تصريف9 "س ك ك" ألا ترى أن ذلك
للضيق أين وقع. منه أذن سكاء أي9 لاصقة، وظليم أسك: إذا ضاق ما بين
منسميه، وبئر سك، أي ضيقة10 الجراب. ومنه11 قوله:
ومسك سابغةٍ هتكت فروجها
يريد ضيق حلق الدرع. وعليه بقية الباب. ثم قالوا للجو -ولا أوسع منه:
السكاك؛ فكأنه سلب ما في غيره من الضيق.
__________
1 في اللسان "أجل": "ابن الجراح".
2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "على ما".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الخطف".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "للعود".
6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "لمنع".
7 سقط حرف العطف في د، هـ، ز.
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "منه".
9 سقط في ش.
10 جراب البئر: جوفها من أعلاها إلى أسفلها، وفي ط: "الجوانب".
11 أي عنترة في معلقته، وصدره:
بالسيف من حامي الحقيقة معلم
والسابغة: الدرع، ومسكها حيث تسمر وتشبك، ويريد بحامي الحقيقة المعلم
نفسه.
(3/80)
ومن ذلك قولهم: النالة لما حول الحرم.
والتقاؤهما أن من كان فيه لم تنله اليد؛ قال الله -عز اسمه: {وَمَن
دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} 1. فهذا لسلب هذا المعنى لا لإثباته.
ومنه: المئلاة للخرقة في يد النائحة تشير بها. قال2 لي أبو علي: هي من
ألوت، فقلت له: فهذا إذًا من "ما ألوت"؛ لأنها لا تألو أن تشير بها؛
فتبسم رحمه الله إلي3 إيماء؛ إلى ما نحن إليه وإثباتًا له واعترافًا
به. وقد مر بنا من ذلك ألفاظ غير هذه.
وكان أبو علي -رحمه الله- يذهب في الساهر إلى هذا، ويقول: إن قولهم:
سهر فلان أي نبا جنبه عن الساهرة "وهي وجه الأرض"4 قال الله عز وجل:
{فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ} 5 فكأن6 الإنسان إذا سهر قلق جنبه عن
مضجعه ولم يكد يلاقي الأرض فكأنه سلب الساهرة.
ومنه تصريف "ب ط ن" إنما هو لإثبات معنى البطن نحو بطن، وهو بطين
ومبطان، ثم قالوا: رجل مبطن7 للخميص البطن8 فكأنه9 لسلب هذا المعنى؛
قال الهذلي 10:
مخطوف الحشا زرم
وهذا مثله سواءً.
__________
1 آية 97 سورة آل عمران.
2 سقط في د، هـ، ز.
3 سقط في ش.
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
5 آية 14 سورة النازعات.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وكأن".
7 في د، هـ، ز بعده: "إذا كان".
8 سقط في د، هـ، ز، ط.
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وكأنه".
10 هو ساعدة بن جؤية، والبيت بتمامه:
موكل بشدوف الصوم يرقبه ... من المعازب مخطوف الحشا زرم
والصوم: شجر على شكل الإنسان، وشدوفه: شخرصه، والمعازب: الأمكنة
البعيدة، ومخطوف الحشا: ضامره، وزرم: لا يثبت في مكان، وهو يصف ثورا،
قال الأصمعي: إنه يرقب شجر الصوم يخشى أن يكون إنسانا، وانظر الأمالي
جـ1/ 25.
(3/81)
وأكثر ما وجدت هذا1 المعنى من الأفعال فيما
كان ذا زيادة؛ ألا ترى أن أعجم ومرض وتحوب وتأثم كل واحد منها ذو
زيادة. فكأنه إنما كثر فيما كان ذا زيادة من قبل أن السلب معنى حادث
على إثبات الأصل الذي هو الإيجاب2؛ فلما كان السلب معنى زائدًا حادثًا
لاق به من الفعل ما كان ذا زيادة؛ من حيث كانت الزيادة حادثة طارئة على
الأصل الذي هو الفاء والعين واللام كما أن التأنيث لما كان معنى3
طارئًا4 على التذكير احتاج إلى زيادة في اللفظ علمًا له كتاء طلحة
وقائمة وألفى بشرى وحمراء وسكرى5؛ وكما أن التعريف لما كان طارئًا على
التنكير احتاج إلى زيادة لفظ به كلام التعريف في الغلام والجارية
ونحوه6.
فأما سهر فإن في بابه وإنه7 خرج إلى سلب8 أصل الحرف بنفسه من غير زيادة
فيه؛ فلك فيه عذران:
إن شئت قلت: إنه وإن عري من زيادة الحروف فإنه9 لم يعر من زيادة ما هو
مجارٍ للحرف وهو ما فيه من الحركات. وقد عرفت10 من غير وجهٍ مقاربة
الحروف للحركات والحركات للحروف فكأن في "سهر" ألفًا وياء حتى كأنه
ساهير فكأنه11 إذًا ليس بعار من الزيادة؛ إذ كان فيه ما هو مضارع
للحرف، أعني الحركة. فهذا وجه.
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الإثبات".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أمرا".
4 في ش: "حادثا".
5 سقط في ش.
6 سقط في د، هـ، ز.
7 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "إنما" وفي ط: "إنه".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "السلب".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإنه".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عرفنا".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وكأنه".
(3/82)
وإن شئت قلت: خرج "سهر" منتقلًا عن أصل
بابه إلى سلب معناه منه1؛ كما خرجت الأعلام عن شياع الأجناس إلى خصوصها
بأنفسها لا بحرف يفيد التعريف فيها؛ ألا ترى أن بكرًا وزيدًا ونحوهما
من الأعلام إنما تعرفه بوضعه، لا بلام التعريف2 فيه، كلام الرجل
والمرأة وما أشبه ذلك. وكما أن ما كان مؤنثًا بالوضع كذلك أيضًا، نحو
هند وجملٍ وزينب وسعاد فاعرفه. ومثل سهر في تعريه من الزيادة قوله 3:
يخفي النراب بأظلاف ثمانية
ومن ذي الزيادة منه قولهم: أخفيت الشيء أي4 أظهرته.
وأنا أرى أن في هذا الموضع من العربية ما أذكره لك، وهو أن هذا المعنى
الذي وجد في الأفعال من الزيادة على معنى الإثبات بسلبه5 كأنه مسوق على
ما جاء من الأسماء ضامنًا لمعنى الحرف، كالأسماء المستفهم بها، نحو:
كم6 ومن وأي وكيف ومتى وأين7 وبقية الباب. فإن الاستفهام معنى حادث
فيها على ما وضعت له الأسماء
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فيه".
2 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "تعريف".
3 أي عبدة بن الطبيب، وعجزه:
في أربع مسهن الأرض تحليل
وهو من قصيدة طويلة مفضلية، يصف فيه ثورا وحشيا صارع كلاب الصيد، ونجا
منها وأسرع السير، وهو في عدوه يستخرج التراب ويظهره بأظلافه الثمانية
في أربع قوائمه، في كل قائمة ظلفان، وذكر أن القوائم تلمس الأرض لمسا
خفيفا، كمن يفعل الشيء لتحليل القسم على فعله، لا رغبة فيه.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "إذا".
5 كذا في د، ز، وفي ش، ط: "لسلبه".
6 ثبت هذا اللفظ في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.
7 سقط في ش.
(3/83)
من إفادة معانيها. وكذلك الأسماء المشروط
بها: من وما وأي، وأخواتهن، فإن الشرط معنى زائد على مقتضاهن: من معنى
الأسمية. فأرادوا ألا تخلو الأفعال من شيء من هذا الحكم -أعني1 تضمنها
معنى حرف النفي- كما تضمن الأسماء معنى حرف الإستفهام، ومعنى حرف
الشرط2 ومعنى حرف التعريف في أمس والآن، ومعنى حرف الأمر في تراك وحذار
وصه ومه ونحو ذلك. وكأن الحرف الزائد الذي لا يكاد3 ينفك4 منه أفعال
السلب يصير كأنه عوض من حرف5 السلب. وأيضًا فإن الماضي وإن عرى من حرف6
الزيادة فإن المضارع لا بد له من حرف المضارعة والأفعال كلها تجري مجرى
المثال الواحد. فإذا وجد في بعضها شيء فكأنه موجود في بقيتها.
وإنما جعلنا هذه الأفعال في كونها ضامنة لمعنى حرف النفي ملحقة
بالأسماء في ذلك، وجعلنا الأسماء أصلا فيه، من حيث كانت الأسماء أشد
تصرفًا في هذا ونحوه من الأفعال، إذ كانت هي الأول، والأفعال توابع
وثوانٍ لها، وللأصول من الاتساع والتصرف ما ليس للفروع.
فإن قيل: فكان يجب على هذا أن يبنى من الأسماء ما تضمن هذا المعنى، وهو
ما ذكرته: من التودية والسكاك7 والنالة والمئلاة وأنت ترى كلا من ذلك
معربا.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عن".
2 كذا في د، هـ، ط، وفي ش: "النفي".
3 سقط في ش.
4 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "تنفك" وفي ط: "يخلو".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حروف".
6 كذا في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "سكاك".
(3/84)
قيل: الموضع في هذا المعنى من السلب إنما
هو للفعل، وفيه كثرته، فلما لم يؤثر هذا المعنى في نفس الفعل كان ألا
يؤثر فيما هو محمول عليه "أولى1 و" أحرى بذلك.
فإن قيل: وهلا أثر هذا المعنى في الفعل أصلا، كما يؤثر تضمن معنى الحرف
في الاسم؟
قيل: البناء لتضمن معنى الحرف أمر "يخص2 الاسم" ككم وأين وكيف ومتى
ونحو ذلك، والأفعال لا تبنى لمشابهتها الحروف. أما الماضي فلأن فيه من
البناء ما يكفيه، وكذلك فعل الأمر العارى من حروف المضارعة، نحو افعل.
وأما المضارع فلأنه لما أهيب3 به ورفع عن ضعة4 البناء إلى شرف الإعراب
لو يروا أن يتراجعوا به إليه وقد انصرفوا5 به عنه لئلا يكون ذلك نقصا.
فإن قلت: فقد بنوا من الفعل المعرب ما لحقته نون التوكيد نحو لتفعلن.
قيل: لما خصته النون بالاستقبال، ومنعته الحال التي المضارع أولى بها
جاز أن يعرض له البناء. وليس كذلك السين وسوف؛ لأنهما لم يبينا معه
بناء نون التوكيد فيبنى هو، وإنما هما فيه كلام التعريف "الذي لا
يوجب"6 بناء الاسم فاعرفه.
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "يختص الاسم"، وفي ط: "يختص في الاسم".
3 يقال: أهاب به أي دعاه، وإذا دعاه فإنه لم يهمله بل ذكره ورفع منه،
وهذا ما عناه المؤلف.
4 في د: "ضعفة".
5 سقط في ش، ط.
6 كذا في ش، وفي ط: "التي لا توجب"، وفي د، هـ، ز: "التي توجب".
(3/85)
|