الخصائص

باب في احتمال اللفظ الثقيل لضرورة التمثيل:
هذا موضوع يتهاداه أهل هذه الصناعة بينهم، ولا يستنكره -على ما فيه- أحد منهم.
وذلك كقولهم1 في التمثيل من الفعل في حبنطى: فعنلى. فيظهرون النون ساكنة قبل اللام. وهذا شيء ليس موجودًا في شيء من كلامهم ألا ترى أن صاحب الكتاب قال2: ليس في الكلام مثل قنرٍ وعنل. وتقول في تمثيل عرند3: فعنل وهو كالأول. وكذلك مثال جحنفل: فعنلل ومثال عرنقصان4: فعنللان.
وهذا لا بد أن يكون هو ونحوه مظهرًا، ولا يجوز ادغام النون في اللام في هذه الأماكن؛ لأنه لو فعل ذلك لفسد الغرض. وبطل المراد المعتمد؛ ألا تراك لو ادغمت نحو هذا للزمك أن تقول في مثل عرندٍ: إنه فعل فكان إذًا لا فرق بينه وبين قمدًّ5، وعتل6، وصمل7،. وكذلك لو قلت في تمثيل جحنفل: إنه فعلل لالتبس8 ذلك بباب سفرجل وفرزدق، وباب عدبس وهملع وعملس. وكذلك لو ادغمت مثال9 حبنطى فقلت: فعلى10 لالتبس بباب صلخدى وجعلبى.
وذكرت ذرأ11 من هذا ليقوم وجه العذر فيه بإذن الله. وبهذا تعلم أن التمثيل للصناعة ليس ببناء معتمد ألا تراك لو قيل لك12: ابن من دخل مثل جحنفل لم يجز لأنك كنت تصير به إلى دخنلل فتظهر النون ساكنة قبل اللام وهذا غير موجود. فدل أنك في التمثيل لست ببانٍ. ولا جاعل ما تمثله من جملة كلام العرب كما تجعله منها إذا بنيته غير ممثل. ولو كانت عادة هذه الصناعة أن يمثل فيها من الدخول كما مثل من الفعل لجاز أن تقول: وزن جحنفل من دخنلل، كما قلت في التمثيل: وزن جحنفل من الفعل فعنلل، فاعرف ذلك فرقا بين الموضعين.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "قولهم".
2 انظر الكتاب 2/ 416.
3 هو الشديد من كل شيء.
4 هو نبت.
5 هو القوي الشديد.
6 هو الأكول الغليظ.
7 هو الشديد الخلق.
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لألبس".
9 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "مثل".
10 كذا في ط، ورسم في ز، ش: "فعلا".
11 أي طرفا وشيئا يسيرا، هذا ز، ط: "دورا" وهو تحريف عن "ذروا" في معنى ذره.
12 سقط في د، هـ، ز.

(3/99)


باب في الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية:
اعلم أن كل واحد1 من هذه الدلائل معتد مراعىً مؤثر؛ إلا أنها في القوة والضعف على ثلاث مراتب:
فأقواهن الدلالة اللفظية ثم تليها الصناعية ثم تليها المعنوية. ولنذكر من ذلك ما يصح به الغرض.
فمنه جميع الأفعال. ففي كل واحد منها الأدلة الثلاثة. ألا ترى إلى قام و"دلالة لفظه على مصدره"2 ودلالة بنائه على زمانه، ودلالة معناه على فاعله. فهذه ثلاث دلائل من لفظه وصيغته ومعناه. وإنما كانت الدلالة الصناعية أقوى من المعنوية من قبل أنها وإن لم تكن لفظًا فإنها3 صورة يحملها اللفظ. ويخرج عليها ويستقر على المثال المعتزم بها. فلما كانت كذلك لحقت بحكمه وجرت مجرى اللفظ المنطوق به فدخلا بذلك في باب المعلوم بالمشاهدة. وأما المعنى فإنما دلالته لاحقة بعلوم4 الاستدلال، وليست في حيز الضروريات5؛ ألا تراك حين تسمع ضرب قد عرفت حدثه وزمانه ثم تنظر فيما بعد فتقول: هذا فعل، ولا بد6 له من فاعل، فليت شعري من هو؟ وما هو؟ فتبحث حينئذ إلى أن تعلم الفاعل من7 هو وما حاله8، من موضع آخر لا من مسموع ضرب؛ ألا ترى أنه
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واحدة".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "دلالته على مصدره لفظا".
3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فلأنها".
4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "بمعلوم".
5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "الضرورات".
6 ثبت حرف العطف في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "ما".
8 كذا في ش، ط، وفي ز: "هو حالة".

(3/100)


يصلح أن يكون فاعله كل مذكر يصح منه1 الفعل، مجملًا غير مفصل. فقولك: ضرب زيد، وضرب عمرو وضرب جعفر ونحو ذلك شرع سواء وليس لضرب بأحد الفاعلين هؤلاء "ولا"2 غيرهم خصوص ليس له بصاحبه؛ كما يخص بالضرب دون غيره من الأحداث، وبالماضي دون غيره من الأبنية. ولو كنت إنما تستفيد الفاعل "من3 لفظ" ضرب لا معناه للزمك إذا قلت: قام أن تختلف دلالتهما على الفاعل لاختلاف لفظيهما، كما اختلفت دلالتهما على الحدث لاختلاف لفظيهما، وليس الأمر في هذا كذلك، بل دلالة ضرب على الفاعل كدلالة قام وقعد وأكل وشرب وانطلق واستخرج عليه لا فرق بين جميع ذلك.
فقد علمت أن دلالة المثال على الفاعل من جهة معناه، لا4 من جهة لفظه، ألا ترى أن كل واحد من هذه الأفعال وغيرها يحتاج5 إلى الفاعل حاجة واحدة، وهو استقلاله به، وانتسابه إليه، وحدوثه عنه أو كونه6 بمنزلة الحادث عنه، على ما هو مبينٌ في باب الفاعل. وكان أبو علي يقوي قول أبي الحسن في نحو قولهم: إني لأمر بالرجل مثلك: إن اللام زائدة حتى كأنه قال: إني لأمر برجل مثلك، لما لم يكن الرجل هنا مقصودًا معينًا على قول الخليل: إنه تراد7 اللام في المثل، حتى كأنه قال: إني لأمر بالرجل المثل لك، أو نحو ذلك؛ قال8: لأن الدلالة
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "به".
2 كذا في ط، وفي ز: "بر" وسقط في ش.
3 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "بلفظ" وفي ش: "من نفس".
4 سقط في د، هـ، ز.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "محتاج".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "و".
7 في ش: "تزاد" وهو تحريف عما أثبت، وفي د، هـ، ز، ط: "يريد"، وانظر الكتاب 1/ 224.
8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فقال".

(3/101)


اللفظية أقوى من الدلالة المعنوية، أي أن اللام "في قول أبي الحسن"1 ملفوظ بها، وهي في قول الخليل مرادة مقدرة.
واعلم أن هذا القول من أبي علي غير مرضي عندي؛ لما أذكره لك. وذلك أنه جعل لفظ اللام دلالة على زيادتها وهذا محال2، وكيف يكون لفظ الشيء دلالة على زيادته وإنما جعلت الألفاظ أدلة على إثبات معانيها، لا3 على سلبها، وإنما الذي يدل على زيادة اللام هو كونه مبهمًا لا مخصوصًا؛ ألا ترى أنك لا تفصل بين معنيي قولك: إني لأمر بالرجل مثلك، وإني لأمر برجل مثلم في كون كل واحد منهما منكورًا4 غير معروف ولا مومأ به3 إلى شيء بعينه فالدلالة أيضًا من هذا الوجه "كما ترى"5 معنوية؛ كما أن إرادة الخليل اللام في "مثلك" إنما دعا إليها جريه صفة على شيء هو في اللفظ معرفة، فالدلالتان إذًا كلتاهما معنويتان.
ومن ذلك قولهم للسلم6: مرقاة وللدرجة7 مرقاة فنفس اللفظ يدل8 على الحدث الذي هو الرقي، وكسر9 الميم يدل على أنها مما10 ينقل ويعتمل11 عليه12 وبه كالمطرقة والمئزر والمنجل13، وفتحة ميم مرقاة تدل14 على أنه مستقر في موضعه،
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 سقط حرف العطف في ش.
3 سقط في د، هـ، ز.
4 في د، هـ، ز: "منكرا".
5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "السلم".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الدرجة".
8 كذا في ش، وفي ط، ز: "تدل".
9 كذا في ش، وفي ز، ط: "كسرة".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تنقل".
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يعتمد".
12 سقط في ط.
13 في هـ: "المنخل".
14 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "يدل".
وترى المؤلف فرق بين السلم والدرجة، فالسلم ما ينقل والدرجة ما يبنى، وجعل الأول المرقاة بكسر الميم، والآخر المرقاة بفتحها، ويبدو أن هذا الفرق بشقيه أغلبي، كما يؤخذ من اللغة.

(3/102)


كالمنارة والمثابة1. ولو كانت المنارة مما يجوز كسر ميمها لوجب تصحيح عينها وأن تقول فيها2: منورة "لأنه3 كانت" تكون حينئذ منقوصة، من مثال مفعال؛ كمروحة ومسورة4 ومعول ومجول5، فنفس "ر ق ي" يفيد معنى الارتقاء و"كسرة الميم وفتحتها تدلان"6 على ما قدمناه: من معنى الثبات أو الانتقال. وكذلك الضرب والقتل: نفس اللفظ يفيد الحدث فيهما ونفس الصيغة تفيد فيهما صلاحهما للأزمنة الثلاثة على ما نقوله في المصادر. وكذلك اسم الفاعل -نحو قائم وقاعد- لفظه يفيد الحدث الذي هو7 القيام والقعود وصيغته وبناؤه يفيد كونه صاحب الفعل. وكذلك قطع وكسر، فنفس اللفظ ههنا8 يفيد معنى الحدث، وصورته تفيد شيئين: أحدهما الماضي، والآخر تكثير الفعل؛ كما أن ضارب يفيد بلفظه الحدث، وببنائه الماضي وكون الفعل من اثنين وبمعناه على9 أن له فاعلًا. فتلك أربعة معانٍ. فاعرف ذلك إلى ما يليه، فإنه كثير، لكن هذه طريقه.
__________
1 في ط: "المثانة".
2 سقط لفظ "فيها" في ش.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لأنها".
4 هو متكأ من جلد.
5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "محول"، والمجول: ثوب للنساء أو الصغير، والخلخال.
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "كسر الميم وفتحها يدلان".
7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "به".
8 سقط في ش، ط.
9 كذا، والأولى سقوط هذا الحرف.

(3/103)


باب في الاحتياط:
أعلم أن العرب إذا أرجات المعنى مكنته واحتاطت1 له.
فمن ذلك التوكيد، وهو على ضربين:
أحدهما تكرير الأول1 بلفظه. وهو نحو قولك: قام زيد "قام2 زيد" و"ضربت3 زيدًا ضربت" وقد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، والله أكبر الله أكبر4، وقال5:
إذا التياز ذو العضلات قلنا ... إليك إليك ضاق بها ذراعا
وقال6:
وإياك إياك المراء فإنه ... إلى الشر دعاء وللشر جالب
وقال:
إن قومًا منهم عمير وأشبا ... هـ عميرٍ ومنهم السفاح
لجديرون بالوفاء إذا قا ... ل أخو النجدة: السلاح السلاح7
وقال:
أخاك أخاك إن من لا أخاله ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح8
وقال:
أبوك أبوك أربد غير شك ... أحلك في المخازى حيث حلا9
__________
1 في ش: "فاختاطت".
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز، ط: "الأولى.
2 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "قام"، وفي ط: "زيد".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ضربت عمرا ضربت عمرا".
4 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط.
5 أي القطامي، والبيت من شعر في وصف ناقة أحسن القيام عليها إلى أن قويت وصارت بحيث لا يقدر على ركوبها لقوتها وعزة نفسها، فالتيار -وهو القوي من الرجال- إذا دفعت إليه ليركبها ضاق ذرعا بها، وانظر اللسان "تيز".
6 أي الفضل بن عبد الرحمن القرشي، وانظر معجم الشعراء للرزباني 310، وطبقات الزبيدي 50، والكتاب 1/ 141 وهو فيه غير منسوب.
7 ورد البيتان في معاني القرآن للفراء 1/ 188، وقال في تقديمهما: "أنشدني بعضهم".
8 انظر ص482 من الجزء الثاني.
9 ورد في الحماسة مع بيت آخر غير منسوب، وانظر شرح التبريزي 1/ 299.

(3/104)


يجوز أن يكون من هذا تجعل1 أبوك الثاني منهما2 تكريرًا للأول، وأريد الخبر، ويجوز أن يكون أبوك الثاني خبرًا عن الأول أي أبوك الرجل المشهور بالدناءة والقلة: وقال:
قم قائمًا قم قائمًا ... رأيت عبدًا نائمًا
وأمة مراغمًا ... وعشراء رائمًا3
هذا رجل يدعو لابنه وهو صغير وقال:
فأين إلى أين النجاء ببغلتي ... أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس4
وقالوا في قول امرئ القيس:
#نطعنهم سلكى ومخلوجةً
كر كلامين على نابلٍ5#
قولين: أحدهما ما نحن عليه، أي6 تثنية كلامين على ذي النبل إذ قيل له: ارم ارم، والآخر: كرك لامين، وهما السهمان، أي كما ترد السهمين على البراء للسهام إذا أخذتهما لتنظر إليهما ثم رميتهما إليه فوقعا مختلفين: هكذا أحدهما وهكذا الآخر. وهذا الباب كثير جدًّا. وهو في الجمل والآحاد جميعًا.
__________
1 كذا في ش، وفي ط: "على أن تجعل"، وفي د، هـ، ز: "يجعل".
2 ثبت في ط، وسقط في ش.
3 "قم قائما" أي قم قياما، فهو من إقامة اسم الفاعل مقام المصدر، و"أمة مراغما" أي مغاضبة، وقد وصفها بوصف المذكر، كما يقال: امرأة حائض، والعشراء من النوق: التي أتى على حملها عشرة أشهر، ويستمر لها هذا الوصف حتى تضع، والمراد هنا التي وضعت، والرائم: التي تعطف على ولدها، وانظر الصاحبي 250.
4 النجا: النجاة والخلاص، وفي الخزانة 2/ 353: "وهذا البيت مع شهرته لم يعلم له قائل ولا تتمة". وستأتي فيه رواية: "اللاحقوك" في مكان "اللاحقون".
5 السلكي: الطعنة المستقيمة، والمحلوجة: التي في جانب، و"لامين" على القول الثاني تثنية لام وأصله الهمزة وهو السهم المريش بريش لؤام يكون بطن الريشة إلى ظهر أختها، والبيت من قصيدة له في بني أسد الذين قتلوا أباه وثأر له من أحياء منهم ذكرهم في قوله قبل:
قد قرت العينان من مالك ... ومن بني عمرو ومن كاهل
6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "في".

(3/105)


والثاني1 تكرير الأول بمعناه. وهو على ضربين: أحدهما للإحاطة2 والعموم والآخر للتثبيت3 والتمكين.
الأول كقولنا: قام القوم كلهم، ورأيتهم أجمعين -ويتبع ذلك4 من اكتع وأبضع5 وأبتع وأكتعين وأبضعين6 وأبتعين ما هو معروف- "مررت بهما كليهما"7.
والثاني نحو قولك: قام زيد نفسه ورأيته نفسه8.
ومن ذلك الاحتياط في التأنيث، كقولهم: فرسة، وعجوزة. ومنه ناقة؛ لأنهم لو اكتفوا بخلاف مذكرها لها -وهو جمل- لغنوا بذلك.
ومنه الاحتياط في إشباع معنى الصفة كقوله9:
والدهر بالإنسان دوارى
أي دوار، وقوله10:
غضف طواها الأمس كلابي
__________
1 سقط حرف العطف في د، هـ، ز.
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الإحاطة".
3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "التثبيت".
4 كذا في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.
5 في ش كتب: "أبضع" بنقطة فوق الضاد المعجمة، ونقطة تحتها، وهي علامة الإهمال، وكتب فوقها "معا" أي أنها بالضاد المعجمة، والصاد المهملة، وفي اللسان: "وأبصع كلمة يؤكد بها وبعضهم يقوله بالضاد المعجمة، وليس بالعالي" وفي ط، ز: "أبصع".
6 كتب أيضا في ش: "أبضعين" بنقطة فوق الضاد ونقطة تحتها وهي علامة الإهمال، وهذا دلالة على أنها فيها لغتين، كما ذكر في "أبضع"، وفي ز، ط: "أبصمين".
7 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عينه".
9 أي العجاج.
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز، "قول الآخر"، والشطر من أرجوزة طويلة للعجاج. ومنها الشطر السابق، وقوله: "غضف" كذا في نسخ الخصائص، وفي الأرجوزة "غضفا" بالنصب مفعل "رأى" في البيت قبله، وهو في وصف ثور وحشي رأى كلاب صيد ضمرها صاحبها، فقوله: "غضفا" أي كلابا مسترخية الآذان، وهو وصف غالب لكلاب الصيد، وانظر أراجيز العرب للبكري.

(3/106)


أي كلاب، وقوله:
كان حداءً قراقريًّا1
أي قراقرًا. حدثنا أبو علي قال: يقال خطيب مصقع، وشاعر مرقع، وحداء قراقر، ثم أنشدنا البيت، وقد ذكرنا من أين صارت ياء الإضافة إذا لحقتا الصفة قوتا معناها.
وقد يؤكد بالصفة كما تؤكد2 هي، نحو قولهم: أمس الدابر، وأمس المدبر وقول3 الله -عز اسمه- {إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} 4 وقوله تعالى: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} 5 وقوله سبحانه: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 6.
ومنه قولهم: لم يقم زيد. جاءوا فيه بلفظ المضارع وإن كان معناه المضى. وذلك أن المضارع أسبق رتبة في النفس من الماضي ألا ترى أن أول7 أحوال الحوادث أن تكون معدومة ثم توجد فيما بعد. فإذا نفى المضارع الذي هو الأصل فما ظنك بالماضي الذي هو الفرع.
وكذلك قولهم: إن قمت قمت فيجيء8 بلفظ الماضي والمعنى "معنى المضارع"9. وذلك أنه أراد الاحتياط للمعنى، فجاء بمعنى المضارع المشكوك في وقوعه بلفظ "الماضي10 المقطوع" بكونه حتى كأن هذا قد وقع واستقر "لا أنه"11 متوقع مترقب. وهذا تفسير أبي علي عن أبي بكر، وما أحسنه!
__________
1 في اللسان "قرر": "وكان".
وفي الجمهرة 3/ 433، والقرقرة: صفاء هدير الفحل وارتفاعه، ثم قيل للحسن الصوت فرقان قال الراجز:
أبكم لا يكلم المطيا
وكان حداء قراقريا
2 في ز: "يؤكد".
3 في ش: "قال".
4 آية 51 سورة النحل.
5 آية 20 سورة النجم.
6 آية 13 سورة الحاقة.
7 سقط في ش.
8 في ط: "فجيء"، وفي د، هـ، ز: "يجيء".
9 كذا في ش، ط، وفي د، ز: "لفظ المضارع" وفي هـ: "بلفظ المضارع".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لأنه".

(3/107)


ومنه قوله1:
قالت بنو عامر خالوا بني أسدٍ ... يا بؤس للجهل ضرارًا لأقوام
أي يا بؤس الحرب، فأقحم لام الإضافة "تمكينًا واحتياطًا لمعنى الإضافة"2 وكذلك قول الآخر3:
يا بؤس للحرب التي ... وضغت أراهط فاستراحوا
أي4 يا بؤس الحرب إلا أن الجر في هذا ونحوه إنما هو اللام الداخلة عليه وإن كانت زائدة. وذلك أن الحرف العامل وإن كان زائدًا فإنه لا بد عامل، ألا ترى إلى قوله5:
بحسبك في القوم أن يعلموا ... بأنك فيهم غني مضر
فالباء زائدة وهي "مع ذا"6 عاملة، وكذلك قولهم: قد كان من مطر، وقد كان من حديث فخل عني؛ فـ"من" زائدة وهي جارّة ولا يجوز أن تكون7 "الحرب" من قوله:
__________
1 سقط في د، هـ، ز. والبيت للنابغة، من قصيدة يقولها في بني عامر، وكانوا عرضوا على بني ذبيان أن يقطعوا حلفهم مع بني أسد، ويحالفوهم هم فذكر النابغة فيولة هذا الرأي، وضعفه ورمى بني عامر بالجهل إذ يسعون في ترك بني أسد، وهم حلفاء صدق، وخالوا، أي اتركوا، والمخالاة، المتاركة. وانظر الخزانة "السلفية" 2/ 112، والكتاب 1/ 346.
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 هو سعد بن مالك البكري، والبيت مع قصيدة له في الحرب التي تشبت بين بكر وتغلب لمقتل كليب من تغلب، وهو فيها يحضض على الحرب ويعرض بالحارث بن عباد البكري الذي كان اعتزل الحرب، وقوله: "وضعت أراهط" أي حطت قوما بالقعود عنها، وأسقطتهم عن مرتبة الشرف، فاستراحوا وآثروا السلامة كالنساء، ولم يعانوا أخطار المجد والسيادة، وانظر الخزانة "السلفية" 1/ 421، وشرح الحماسة للتبريزي "التجارية" 2/ 73.
4 سقط حرف النداء في ش.
5 أي الأشعر الرقبان الأسلمي، والبيت من قطعة له يهجو فيما ابن عمه رضوان، والمضر: الذي له ضرة، وهي القطعة العظيمة من الإبل والغنم. وانظر اللسان "ضرر" والنوادر لأبي زيد 73، وص284 من الجزء الثاني من الخصائص.
6 كذا في ش، وفي ط: "مع ذاك"، وسقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يكون".

(3/108)


يا بؤس مجرورة بإضافة "بؤس" إليها، واللام معلقة من قبل أن تعليق اسم1 المضاف والتأول له أسهل من تعليق حرف الجر والتأول له، لقوة الاسم وضعف الحرف فأما قوله2:
لو كنت في خلقاء من رأس شاهقٍ ... وليس إلى منها النزول سبيل3
فإن هذا إنما هو فصل بحرف الجر لا تعليق.
فإن قلت: فما4 تقول في قوله:
أني جزوا عامرًا سوءًا بفعلهم ... أم كيف يجزونني السوءى من الحسن5
وجمعه بين أم وكيف؟ فالقول أنهما ليسا لمعنى واحد. وذلك أن "أم" هنا جردت لمعنى الترك6 والتحول، وجردت من معنى الاستفهام "وأفيد"7 ذلك من "كيف" لا منها. وقد دللنا على ذلك فيما مضى.
فإن قيل: فهلا وكدت إحداهما الأخرى8 كتوكيد9 اللام لمعنى الإضافة وياءي10 النسب لمعنى الصفة.
قيل: يمنع من ذلك أن "كيف" لما بنيت واقتصر بها على الاستفهام البتة11، جرت مجرى الحرف البتة وليس في الكلام اجتماع حرفين لمعنى واحد؛ لأن في ذلك نقضًا
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الاسم".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "وأما".
3 انظر ص397 من الجزء الثاني، والرواية هناك: "أو رأس شاهق" في مكان: "من رأس شاهق".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ما".
5 "للسوءى" كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "شيئا" وهو محرف عن "شيئا" وانظر ص186 من الجزء الثاني.
6 يريد الإضراب.
7 في ط: "فأفيد".
8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "بالأخرى".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لتوكيد".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ياء".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ليس إلا".

(3/109)


لما اعتزم عليه1 من الاختصار في استعمال الحروف. وليس كذلك يا بؤس للحرب وأحمري وأشقري. وذلك أن هنا إنما انضم الحرف إلى الاسم فهما مختلفان فجاز أن يترادفا في موضعهما لاختلاف جنسيهما.
فإن قلت: فقد قال2:
وما إن طبنا جبنٌ ولكن
وقال3:
ما إن يكاد يخليهم لوجهتهم
فجمع بين ما وإن، وكلاهما لمعنى النفي، وهما -كما ترى- حرفان.
قيل: ليست إن من قوله:
ما إن يكاد يخليهم لوجهتهم4
بحرف نفي5 فيلزم ما رمت إلزامه، وإنما هي حرف يؤكد به، بمنزلة ما ولا والباء ومن وغير ذلك ألا ترى إلى قولهم في الاستثبات عن زيد من نحو قولك6 جاءني زيد: أزيد إنيه؟، وفي باب7 رأيت زيدًا: أزيدا إنيه؟ فكما زيدت "إن" هنا توكيدًا مع غير8 "ما"، فكذلك زيدت مع "ما" توكيدًا.
وأما قوله9:
طعامهم لئن أكلوا معدٌ ... وما إن لا تحاك لهم ثياب
__________
1 سقط في د، هـ، ز، ط.
2 أي فروة بن مسيك المرادي، وعجزه:
منا يانا ودولة آخرينا
والطب: العادة، وانظر الخزانة 2/ 121.
3 أي زهير، وانظر ص111 من الجزء الأول.
4 سقط "لوجهتهم" في ش.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "النفي".
6 كذا في ش، وفي ط: "قولهم" وسقط في د، هـ، ز.
7 سقط في د، هـ، ز.
8 كذا في ط، وفي ش، ز: "غيرها".
9 في ش: "قولهم"، وانظر في البيت ص284 من الجزء الثاني.

(3/110)


فإن "ما" وحدها ايضًا للنفي "وإن" و"لا" جميعًا للتوكيد، ولا ينكر اجتماع حرفين للتوكيد لجملة الكلام. وذلك أنهم قد وكدوا1 بأكثر من الحرف الواحد في غير هذا. وذلك قولهم: لتقومن ولتقعدن. فاللام2 والنون جميعًا للتوكيد. وكذلك قول الله -جل وعز: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} 3 فما والنون جميعًا مؤكدتان. فإما اجتماع الحرفين في قوله:
وما إن لا تحاك لهم ثياب
وافتراقهما في لتفعلن وإنا ترين فلأنهم أشعروا لجمعهم إياهما في موضع واحد بقوة عنايتهم بتوكيد ما هم عليه لأنهم كما جمعوا بين حرفين لمعنى5 واحد، كذلك أيضًا جعلوا اجتماعهما وتجاورهما تنويهًا وعلمًا على قوة العناية بالحال. وكأنهم حذوا ذلك على الشائع الذائع عنهم من احتمال6 تكرير الأسماء المؤكد بها في نحو أجمع7 وأكتع وأبضع8 وأبتع وما يجري مجراه. فلما شاع ذلك وتنوزع9 في غالب الأمر في الأسماء لم يخلو10 الحروف من نحوٍ منه، إيذانًا بما هم عليه مما11 اعتزموه ووكدوه. وعليه أيضًا ما جاء عنهم من تكرير الفعل فيه نحو قولهم: اضرب اضرب وقم قم وارم وارم وقوله:
أتاك أتاك اللاحقوك احبس احبس12
__________
1 سقط في د، هـ، ز، ط.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واللام".
3 آية 26 سورة مريم.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مؤكدان".
5 في ط: "بمعنى".
6 في ش: "اجتماع".
7 سقط الواو في ط، وكذا فيما بعده.
8 كتب في ش: "أبضع" بنقطة فوق الضاد ونقطة تحتها، وكتب فوقها "معا" وهذا علم على النطق فيها بالضاد المعجمة والصاد المهملة، وقد تقدم مثل هذا. انظر ص106 من هذا الجزء.
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "توزع".
10 في د، هـ: "تخل".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيما".
12 انظر ص105 من هذا الجزء.

(3/111)


فاعرف ذلك فرقًا بين توكيد المعنى الواحد -نحو الأمر والنهي والإضافة- وتوكيد معنى الجملة في "امتناع اجتماع"1 حرفين لمعنى واحد، وجواز اجتماع حرفين لمعنى جملة الكلام في لتقربن وإما ترين؛ ألا ترى أنك إذا قلت: هل تقومن فـ"هل" وحدها للاستفهام؛ وأما النون فلتوكيد جملة الكلام. يدل2 على أنها لذلك3 لا لتوكيد معنى الاستفهام وحده وجودك إياها في الأمر نحو اضربن زيدًا، وفي4 النهي في لا تضربن زيدًا، والخبر في لتضربن زيدًا، والنفي في نحو قلَّما تقومن5. فشياعها في جميع هذه المواضع أدل دليل على ما نعتقده6: من كونها توكيدًا لجملة القول لا لمعنى مفرد منه مخصوص لأنها لو كانت موضوعة له وحده لخصت به ولم تشع في غيره كغيرها من الحروف.
فإن قلت: يكون من الحروف ما يصلح من المعاني لأكثر من الواحد نحو: من فإنها تكون تبغيضًا وابتداء ولا تكون نفيًا ونهيًا وتوكيدًا، وإن فإنها تكون شرطًا ونفيًا وتوكيدًا.
قيل: هذا إلزام يسقطه تأمله. وذلك أن من ولا وإن ونحو ذلك لم يقتصر بها على معنى واحد؛ لأنها حروف وقعت مشتركة كما وقعت الأسماء مشتركة؛ نحو الصدى؛ فإنه ما يعارض الصوت، وهو بدن الميت، وهو طائر يخرج فيما يدعون
__________
1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "امتناع"، وفي ط: "اجتماع".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تدل".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كذلك".
4 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط.
5 كذا في ش، وفي ز: "تقولن ذلك"، وفي ط: "تقولن ذاك".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعتقده".

(3/112)


من رأس القتيل إذا لم يؤخذ بثأره. وهو أيضًا الرجل الجيد الرعية1 للمال في قولهم: هو صدى مالٍ، وخائل مالٍ، وخال مال، وسر سور مال، وإزاء مالٍ، و"نحو ذلك من"2 الشوى3 ونحوه4 مما اتفق لفظه واختلف معناه. وكما وقعت الأفعال مشتركة، نحو وجدت في الحزن، ووجدت في الغضب ووجدت في الغنى ووجدت في5 الضالة، ووجدت بمعنى علمت ونحو ذلك فكذلك جاء نحو هذا في الحروف. وليست كذلك النون؛ لأنها وضعت لتوكيد ما قد أخذ مأخذه، واستقر من الكلام بمعانيه المفادة من أسمائه وأفعاله وحروفه. فليست لتوكيد شيء مخصوص من ذلك دون غيره، ألا تراها للشيء وضده نحو اذهبن، ولا تذهبن والإثبات في لتقومن والنفي في قلما تقومن. فهي إذًا لمعنى واحد وهو التوكيد لا غير.
ومن الاحتياط إعادة العامل في العطف، والبدل. فالعطف نحو مررت بزيد وبعمرو؛ فهذا أوكد معنى من مررت بزيد وعمرو. والبدل كقولك: مررت بقومك بأكثرهم؛ فهذا أوكد معنى من قولك: مررت بقومك أكثرهم.
ووجوه الاحتياط في الكلام6 كثيرة، و"هذا طريقها"7 "فتنبه عليها"8
__________
1 في ش: "للرعية".
2 في ط: "نحو من ذلك".
3 في د، هـ، ز: "السوى" والشوى من معانيه الأمر الهين، ورذال المال، واليدان والرجلان، والأطراف.
4 كذا في ش، وفي ز، ط: "غيره".
5 ثبت هذا الحرف في د، هـ، ز، وسقط في ش، ط.
6 في ز، ط: "كلامهم".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هذه طريقه".
8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.

(3/113)


باب في فك الصيغ:
أعلم أن هذا موضع من العربية لطيف، ومفعول عنه وغير مأبوه له. وفيه من لطف المأخذ وحسن الصنعة ما أذكره، لتعجب منه، ونانق له.
وذلك أن العرب إذا حذفت من الكلمة حرفًا، إما1 ضرورة أو إيثارًا، فإنها تصور تلك الكلمة بعد الحذف2 منها تصويرًا تقبله3 أمثله كلامها، ولا تعافه وتمجه لخروجه4 عنها، سواء كان ذلك الحرف المحذوف أصلًا أم5 زائدًا. فإن كان ما يبقى بعد ذلك الحرف مثالًا تقبله مثلهم أقروه عليه. وإن نافرها وخالف ما عليها أوضاع كلمتها نقض عن تلك الصورة وأصير إلى احتذاء رسومها.
فمن6 ذلك أن تعتزم تحقير نحو منطلق أو تكسيره؛ فلا بد من حذف نونه. فإذا أنت حذفتها بقي لفظه بعد حذفها: مطلق، ومثاله مفعل. وهذا وزن ليس في كلامهم؛ فلا بد إذًا من نقله إلى أمثلتهم. ويجب حينئذ أن ينقل في التقدير إلى أقرب المثل منه ليقرب المأخذ ويقل التعسف. فينبغي أن تقدره قد صار بعد حذفه إلى مطلق؛ لأنه أقرب إلى مطلق من غيره، ثم حينئذ من بعد تحقره، فتقول: مطيلق، وتكسره، فتقول: مطالق كما تقول في تحقير مكرم وتكسيره: مكيرم ومكارم. فهذا7 باب قد استقر ووضح، فلتغن به عن إطالة القول بإعادة مثله. وسنذكر العلة التي لها ومن أجلها وجب عندنا اعتقاد هذا فيه8 بإذن الله. فإن كان حذف9 ما حذف
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 كذا في ش، وفي ط: "ما حذفت"، وفي د، هـ، ز: "ما حذفته".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يقبله".
4 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "لخروجها".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أو".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من".
7 هكذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
8 سقط في ش.
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يحذف".

(3/114)


من الكلمة يبقي منها بعده مثالًا مقبولًا1 "لم يكن لك بد في الاعتزام عليه وإقراره"2 على صورته تلك3 البتة. وذلك كقولك في تحقير حارث على الترخيم: حريث. فهذا4 لما حذفت ألفه بقي من بعد على حرث فلم يعرض5 له بتغيير6؛ لأنه كنمر، وسبط وحذر.
فمن مسائل هذا الباب أن تحقر جحنفلًا أو تكسره؛ فلا بد من حذف نونه، فيبقى بعد7: جحفل، فلا بد من إسكان عينه إلى أن يصير: جحفل. ثم بعد ما تقول: جحيفل وجحافل. وإن شئت لم تغير واحتججت بما جاء عنهم من قولهم في عرنتن: عرتن. فهذا وجه. ومنها تحقير سفرجل. فلا بد من حذف لامه فيبقى: سفرج وليس من أمثلتهم فتنقله8 إلى أقرب ما يجاوره وهو سفرج كجعفر فتقول9: سفيرج. وكذلك إن استكرهته على التكسير فقلت: سفارج. فإن كسرت حبنطى أو حقرته بحذف نونه بقي معك: حبطىً. وهذا مثال لا يكون في الكلام وألفه للإلحاق، فلا بد أن تصيره إلى حبطى ليكون كأرطى. ثم تقول: حبيطٍ وحباطٍ كأريطٍ وأراطٍ. فإن حذفت ألفه بقي حبنط، وهذا مثال غير معروف؛ لأنه ليس في الكلام فعنل فتنقله أيضًا إلى حبنط ثم تقول: حبينط وحبانط. فإن قلت: ولا في الكلام أيضًا فعنل قيل: هو وإن لم يأت اسمًا فقد أتى فعلًا وهو قلنسته فهذا فعنلته
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مقولا".
2 كذا في ش، وإن كان فيها "يد" في مكان "يد". وفي ط: "فسلم يكن لك بد من الاعتراض عليه وأقررته"، وفي د، هـ، ز: "فلم يكن لك بد فمن الاعتراض عليه وأقررته".
3 سقط في ش.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
5 في ط: "تعرض".
6 في ز: "تغيير".
7 سقط في د، هـ، ز، ط.
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فينقله".
9 كذا في ش: وفي د، هـ، ز، ط: "ثم تقول".

(3/115)


وتقول في تحقير جردحلٍ: جريدح. وكذلك إن استكرهته على التكسير فقلت: جرادح، وذلك أنك لما حذفت لامه بقي: جردح، وهذا مثال معروف كدرهم وهجرع فلم يعرض للبقية1 بعد حذف الآخر. فإن حقرت أو كسرت مستخرج2 حذفت السين والتاء فبقي: مخرج فلم تغيره؛ فتقول3: مخيرج ومخارج. فإن سميت رجلًا دراهم، ثم حقرته حذفت الألف، فبقي: درهم فأقررته على صورته ولم تغيره؛ لأنه مثال قد جاء عنهم وذلك قولهم: جندل، وذلذل4، وخنثر5. فتقول: دريهم. ولا تكسره؛ لأنك تعود إلى اللفظ الذي انصرفت عنه. فإن حقرت نحو عذافر فحذفت ألفه لم تعرض6 لبقيته؛ لأنه يبرد في يدك حينئذ عذفر، وهذا قد جاء عنهم، نحو علبط7 وخزخز8 و"عجلط وعكلطٍ"9 ثم تقول: عذيفر، وفي تكسيره: عذافر. فإن حقرت نحو قنفخرٍ حذفت نونه ولم تعرض10 لبقيته، لأنه يبقى: قفخر. وهذا نظير11 دمثرٍ وحبجرٍ12؛ فتقول: قفيخر، وقفاخر. فإن حقرت نحو عوارض13 ودواسرٍ14 حذفت الألف، فبقي عورض ودوسر، وهذا مثال ليس من كلامهم، لأنه فوعل
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مستخرجا".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فقلت".
4 هو مقصور الذلاذل، وذلاذل القميص ما يلي الأرض من أسافله، واحدا ذلذل على زنة قنفذ.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "خبتر" وفي ط: "خثتر" والحنثر: الشيء الخسيس يبقى من متاع القوم في الدار إذا تحملوا.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعرض".
7 من معانية الضخم والغليظ واللين الخاثر.
8 هو القوي الشديد.
9 كذا في ط، وهو ما في ش غير أن فيه: "كعلط" في مكان "عكلط" وفي د، هـ، ز: "عكلط" بدل ما بين القوسين، والعجلط: اللبن الحاثر الطيب، والعكلها: هو أيضا اللبن الحاثر.
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعرض".
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "نظيره".
12 هو الغليظ.
13 هو جبل ببلاد طيء.
14 هو الشديد الضخم.

(3/116)


إلا أنك مع ذلك لا تغيره؛ لأنه هو فواعل وإنما حذفت الألف وهي1 في تقدير الثبات. ودليل ذلك توالي حركاته كتوالي حركات علبطٍ وبابه، فتقول في تحقيره وتكسيره: عُويرض، وعَوارض. ومثله هُداهد، وهَداهد، وقُناقن، وقَناقن، وجُوالق، وجَوالق. فإن حقرت نحو عنتريسٍ أو كسرته حذفت نونه، فبقي في التقدير عتريس. وليس في الكلام2 شيء على فعليل، فيجب أن تعدله إلى أقرب الأشياء منه، فتصير إلى فعليل: عتريسٍ فتقول: عتيريس، وعتاريس. فإن حقرت خنفقيقًا حذفت القاف الأخيرة، فيبقى3: خنفقي، وهذا فنعلي، وهو مثال غير معهود، فتحذف الياء فيبقى خنفق: فنعل كعنبس4 وعنسل، فتقول فيه: خنيفق وخنافق. وعليه قول الراجز5:
بني عقيل ماذه الخنافق
وليس عنتريس كخنفقيق؛ لأنه رباعي، فلا بد من حذف نونه وخنفقيق ثلاثي، فإحدى قافية زائدة، فلذلك حذفت الثانية وفيه شاهد لقول يونس في أن الثاني من المكرر هو الزائد.
والذي يدل على أن العرب إذ حذفت من الكلمة حرفًا راعت حال ما بقي منه، فإن كان مما تقبله أمثلتهم أقروه على صورته وإن خالف ذلك مالوا به إلى نحو صورهم6 قول الشماخ:
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هو".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الأربعة.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فبقي".
4 في ش: "كقنبس".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الآخر"، وانظر ص64 من الجزء الثاني.
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "صيغهم".

(3/117)


حذاها من الصيداء نعلًا طراقها ... حوامي الكراع المؤيدات العشاوز1
ووجه الدلالة من ذلك أنه تكسير عَشَوزَن، فحذف النون لشبهها بالزائد، كما حذفت2 الهمزة3 في تحقير إسماعيل وإبراهيم لشبهها بالزائد في قولهم: بُريهيم وسُميعيل، وإن كانت عندنا أصلًا. فلما حذف النون بقي معه عَشَوز وهذا مثال فَعَول وليس من صور أبنيتهم، فعدله4 إلى عَشوَز وهذا مثال فَعول، ليلحق بجدول وقَسور، ثم كسره فقال: عشاوِز. والدليل على أنه قد نقله من عَشَوز إلى عَشوز أنه لو كان كسره وهو على ما كان عليه من سكون واوه دون أنت يكون قد حركها لوجب عليه همزها وأن يقال: عشائز لسكون الواو في الواحد كسكونها في عجوز ونحوها. فأما انفتاح ما قبلها في عَشَوزٍ فلا يمنعها الإعلال. وذلك أن سبب همزها في التكسير إنما هو سكونها في الواحد لا غير. فأما اتباعها ما قبلها وغير اتباعها إياه فليس مما يتعلق عليه حال وجوب الهمز5 أو تركه. فإذا ثبت بهذه المسئلة حال هذا الحرف قياسًا وسماعًا جعلته أصلًا في جميع ما يعرض له شيء من هذا التحريف. ويدل عليه أيضًا قولهم في تحقير ألنددٍ أليد؛ ألا ترى أنه لما حذف النون بقي معه ألدد،
__________
1 سقط الشطر الأول في ش، وقبله:
ولما دعاها من أباطح واسط ... دوائر لم تضرب عليها الجزامر
والحديث عن حمر الوحش، والدوائر يريد بها المنافع للماء قديمة، والجرامز جمع الجرموز وهو الحوض الصغير، يقول: إن هذه المنافع لم تضرب عليها حياض، وهذه المياه دعت الأتن لتشرب منها، وقوله: حذاها أي عيرها، يقول: ساقها فسارت في حصى والصيداء الحصى، فكأنه حذاها فعلا من الحصى، والحوامي: الحجارة، والمؤبدات القوية، والعشاوز الخشنة.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "حذفوا".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من".
4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فعدل".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز "الهمزة"، وترى أن المؤلف لا يشترط في إبدال واو نحو عجوز همزا في الجمع أن تكون مدة في المفرد، وابن مالك يشترط هذا في قوله:
والمد زيد ثالثا في الواحد ... همزا يرى في مثل كالقلائد
وقد يشهد للمؤلف ما في كتاب سيبويه 2/ 367.

(3/118)


وهذا مثال منكور، فلما نبا عنه أماله إلى أقرب الأمثلة منه، وهو أفعَل فصار ألدد فلما أفضى إلى ذلك ادغمه، فصار ألد؛ لأنه جرى حينئذ مجرى ألد الذي هو مذكر لداء؛ إذ1 كان صفة وعلى2 أَفعل، فانجذب حينئذ إلى باب أصم من صماء وأيل3 من يلاء، قال:
وكوني على الواشين لداء شغبةً ... كما أنا للواشي ألد شغوب4
فلذلك قالوا في تحقيره: أليد، فادغموه ومنعوه الصرف. وفي هذا بيان ما نحن عليه. فأما قول سيببويه في نحو سفيرج وسفارج: إنه إنما حذف آخره لأن مثال التحقير والتكسير انتهى دونه فوجه آخر من الحجاج. والذي قلناه نحن شاهده العشاوز وأُليد.
ومن فك الصيغة أن تريد البناء من أصلٍ ذي زيادة فتلقيها5 عنه، ثم ترتجل البناء منه مجردًا منها. وذلك كأن تبني من ساعدٍ أو كاهل مثل جعفر أو غيره من الأمثلة فتفك عنه زائده وهو الألف فيبقى "ك هـ ل" و"س ع د" لا عليك على6 أي صورة بقي بعد حذف زائده7 -لأنه إنما غرضك البناء من هذه المادة مرتبة من تقديم حروفها وتأخيرها على هذا الوضع- أفَعلا8 كانت أم9 فُعلا أم9 فِعلا أم9 غير ذلك؛ لأنه على أيها بقي فالبناء منه سَعدَد وكَهلَل. وكذلك إن أردت البناء من منصور مثل قَمَحدُوة10 قلت11: نَصرُّوة. وذلك أنك لما أردت ذلك حذفت ميمه وواوه فبقي معك "ن ص ر" ولا عليك على أي مثال بقي، على ما مضى.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "ط: "إذا".
2 سقط حرف العطف في ط.
3 هو وصف من اليلل -بالتحريك- وهو قصر الأسنان العليا.
4 لداء وصف من اللدد وهو شدة الخصومة وشغبة بسكون الغين وأصلها الكسر وصف من الشغب وهو الخلاف وتهييج الشر، والبيت أحد بيتين لكثير، وقبله:
وقل أم عمرو داؤه وشفاؤه ... لديها ورياها إليه طبيب
وانظر الديوان 1/ 185.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فتلغيها".
6 سقط هذا الحرف في ش.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "زائدته".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "فعلا".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أو".
10 هي ما أشرف على القفا من عظم الرأس.
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فتقول".

(3/119)


ومن ذلك جميع ما كسرته1 العرب على حذف زائده كقولهم في جمع كَروان: كِروان. وذلك أنك لما حذفت ألفه ونونه بقي معك كَرَو فقلبت واوه ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها طرفًا فصارت كرا ثم كسرت "كرا"2 هذا على كِروان؛ كشبث3 وشِبثان4 وخرَب وخربان. وعليه قولهم في المثل: أطرق كرا إنما هو عندنا ترخيم كَروان على قولهم: يا حار. وأنشدنا5 لذي الرمة:
من آل أبي موسى ترى الناس حوله ... كأنهم الكِروان أبصرن بازيا6
"قالوا والآن في كروان إنما هي بدل من ألف كرا المبدلة من واو كروان"7.
ومنه قول الله سبحانه: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} 8 وهو عند سيبويه تكسير شدة على حذف زائدته9. وذلك أنه لما حذف التاء بقي الاسم على شد ثم كسره10 على أشد فصار كذئب وأذؤب وقطع وأقطع. ونظير شدة وأشد قولهم: نعمة وأنعم وقال11 أبو عبيدة: هو جمع أشد على حذف الزيادة. قال: وربما استكرهوا على ذلك في الشعر وأنشد بيت عنترة:
عهدي به شد النهار كأنما ... خضب اللبان ورأسه بالعظلم12
__________
1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "حقرته" وفي ط: "كسرته حقرته".
2 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "هذه" وفي ش: "على هذا".
3 من معاني الشبث العنكبوت.
4 من معانيه ذكر الحيارى، وهو طائر.
5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "أنشد".
6 يريد أبا موسى الأشعري، وهو من قصيدة في مدح بلال بن أبي بردة بن أبي موسى.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "قالوا والآن في كروان إنما هي بدل من ألف كرا المبدلة من واو كروان" وفي ط: "وقالوا في ألف كروان إنما هي بدل من ألف كرا المبدلة من واو كروان".
8 آية 15 سورة الأحقاف.
9 كذا في ش، وفي ط: "زائدة" وفي د، هـ، ز: "زيادته".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كسرته".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قال" دون حرف العطف.
12 "اللبان" المعروف في الرواية "البنان"، واللبان: الصدر: والعظلم: صبغ أحمر، يريد به ما علاه من الدم، وعنتره يتحدث عن قرن له في الحرب، نازله فقتله.

(3/120)


ألا تراه لما حذف همزة أشد بقي معه شد كما ترى فكسره على أشد فصار كضَب وأضب وصَك وأصُك.
ومن فك الصيغة -إلا أن ذلك إلى الزيادة لا إلى النقص- ما حكاه الفراء من قولهم في جمع أتون: أتاتين. فهذا كأنه زاد على عينه عينًا أخرى فصار من1 فَعُول مخفف العين إلى فعوُّل مشددها فتصوره2 حينئذ على أتون فقال فيه: أتاتين كسفّود وسفافيد وكلّوب وكلاليب. وكذلك قولهم في تحقير رجل: رويجل "فهذا ليس"3 بتحقير رجل، لكنه نقله من فَعُل إلى فاعل فصار إلى راجل ثم حينئذ قال في تحقيره: رويجل. وعليه عندي4 قولهم في جمع دانق: دوانيق. وذلك أنه زاد على فتحة عينه ألفًا فصار دأناق ثم كسره على دوانيق كساباط وسوابيط. ولا يحسن أن يكون زاد حرف اللين على المكسور العين منهما لأنه كان يصير حينئذ إلى دانيق وهذا مثال معدوم عندهم ألا ترى أنه ليس في كلامهم فاعيل. ولك في دانق لغتان: دانَق ودانِق كخاتَم وخاتِم وطابَق وطابِق. وإن شئت قلت: لما كسره5 فصار إلى دوانق أشبع الكسرة فصار: دوانيق كالصياريف والمطافيل6 وهذا التغيير المتوهم كثير. وعليه باب7 جميع ما غيرته الصنعة عن حاله ونقلته من صورة إلى صورة ألا تراك أنك لما أردت الإضافة إلى عدي حذفت ياءه الزائدة بقي معك عديٌ فأبدلت من الكسرة فتحة فصار إلى عدَيٍ8 ثم أبدلت من يائه ألفًا فصار إلى عَدًا9 ثم وقعت ياء الإضافة من
بعد، فصار التقدير به إلى عداي، ثم احتجت إلى حركة الألف التي هي لام لينكسر ما قبل ياء الإضافة، فقلبتها واوًا فقلت: عَدَوي. فالواو الآن في "عَدَوِي"، إنما هي بدل من ألف عداي، وتلك الألف بدل من ياء عدي وتلك الياء10 بدل واو عدوت11؛ على ما قدمنا كمن حفظ المراتب فاعرف ذلك.
ومن فك الصيغة قوله:
قد دنا الفصح فالولائد ينظـ ... ـم ن سراعًا أكلة المرجان12
فهذا13 جمع إكليل، فلما حذفت الهمزة وبقيت الكاف ساكنة فتحت، فصار إلى كليل، ليكون كدليل، ونحوه فعليه جاء أكلة؛ كدليل وأدلة.
__________
1 سقط حرف الجر في ش، وكذا في عبارة اللسان "أتن" وفي اللسان في المفرد التشديد عن ابن خالويه.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فتصور" وفي اللسان "أتن": "فيصوره".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ط: "وليس هذا".
4 سقط في ش.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كسروه".
6 سقط في ش.
7 سقط في ش.
8 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
9 رسم في ش: "عدى".
10 في ش: "الواو" وهو سهو من الناسخ.
11 في ش: "عدوى".
12 من قصيدة لحسان في مدح جبلة بن الأيهم، والفصح: عيد النصارى بعد صومهم وهو عيد تذكاري قيامة المسيح في زعمهم، والولائد: الجواري.
13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هو".

(3/121)


باب في كمية 1 الحركات:
أما ما في أيدي الناس في ظاهر الأمر فثلاث. وهي2 الضمة والكسرة والفتحة. ومحصولها3 على الحقيقة ست. وذلك أن بين كل حركتين حركة. فالتي بين الفتحة والكسرة هي الفتحة قبل الألف الممالة؛ نحو فتحة عين عالم، وكاف كاتب. فهذه حركة بين الفتحة والكسرة؛ كما أن الألف التي بعدها بين الألف والياء والتي بين الفتحة والضمة هي التي قبل ألف التفخيم؛ نحو فتحة لام الصلاة والزكاة4 والحياة. وكذلك ألف5 قام وعاد. والتي بين الكسرة والضمة، ككسرة قاف قيل و"سين سير"6 فهذه الكسرة المشمة ضمًا. ومثلها الضمة المشمة كسرًا، كضمة قاف المنقر7، وضمة عين مذعور، و"باء ابن بور"8 فهذه ضمة أشربت كسرًا، كما أنها في قيل وسير كسرة أشربت ضمًا. فهما لذلك كالصوت الواحد، لكن ليس في كلامهم ضمة مشربة فتحة، ولا كسرة مشربة فتحة. فاعرف ذلك. ويدل على أن هذه الحركات9 معتدات اعتداد سيبويه بألف الإمالة وألف التفخيم حرفين غير الألف "المفتوح ما قبلها"10.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مطل" وهو سهو من الناسخ.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هن".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "محصوله".
4 سقط في د، هـ، ز.
5 سقط في ش.
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "سبق وشير".
7 كذا في ز، ش، وفي ط: "منقور"، يريد المنقر في قولك: شربت من المنقر عند من يشم ضمة القاف الكسر لمناسبة كسر الراء والمنقر: البئر الكثيرة الماء وانظر الكتاب 2/ 270.
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ابن بور". وفي ط: "نون نور".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حركات".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المفتوحة".

(3/122)


باب في مطل الحركات:
وإذا فعلت العرب ذلك أنشأت عن الحركة الحرف من جنسها. فتنشئ بعد الفتحة الألف، وبعد الكسرة الياء، وبعد الضمة الواو. فالألف المنشأة عن إشباع الفتحة ما أنشدناه1 أبو علي لابن هرمة يرثي ابنه: من قوله:
فأنت من الغوائل حين ترمى ... ومن ذم الرجال بمنتزاح2
أراد: بمنتزح: مفتعَل من النازح. وأنشدنا أيضًا لعنترة:
ينباع من ذفرى غضوبٍ جسرة3
وقال: أراد ينبع، فأشبع الفتحة، فأنشأ عنها ألفًا. وقال الأصمعي: يقال انباع الشجاع4، ينباع انبياعًا إذا انخرط بين5 الصفين ماضيًا وأنشد فيه:
يطرق حلمًا وأناةً معًا ... ثمت ينباع انبياع الشجاع6
فهذا7: انفعل ينفعل انفعالًا والألف فيه عين. وينبغي أن تكون عينه واوًا؛ لأنها أقرب معنى من الياء هنا. نعم8، وقد يمكن عندي أن تكون هذه لغة تولدت. وذلك أنه لما سمع "ينباع" أشبه في اللفظ ينفعل9، فجاءوا منه بماض ومصدر، كما ذهب أبو بكر فيما حكاه أبو زيد من قولهم: ضفن الرجل يضفن إذا جاء ضيفًا مع الضيف. وذلك أنه لما سمعهم يقولون: ضيفنٌ، وكانت فيعل أكثر في الكلام من فعلن، توهمه فيعلا فاشتق الفعل منه، بعد أن سبق إلى وهمه هذا فيه، فقال: ضفن يضفن. فلو سئلت عن مثال ضفن يضفن على هذا القول لقلت إذا مثلته على لفظه: فلن يفلن؛ لأن العين قد حذفت. ولهذا موضع نذكره فيه مع بقية أغلاط العرب.
ومن مطل الفتحة عندنا قول الهذلي10:
بينا تعنقه الكماة وروغه ... يوما أتيح له جريء سلفع11
أي بين أوقات تعنقه، ثم أشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفا.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "أنشدنا" وفي ط: "أنشده".
2 انظر حاشية.
3 ص34 من الجزء الأول، ص318 من الجزء الثاني، وقوله: "يرثي ابنه" أورده في الحماسة البصرية في قطعة في مدح عبد الواحد، وهو أحد القرشيين كان قاضيا لجعفر بن سلمان وأولها:
أعبد الواحد المحمود إني ... أعص حذار سخطك بالقراح
وانظر الحماسة البصرية الورقة 81 وشواهد الشافية 25.
صدره:
زياقة مثل الفنيق المقرم
وقوله: ينباع أي العرق، والذفرى: العظم الشاخص خلف الأذن، وغضوب جسرة إلى آخر الأوصاف من وصف ناقته، يذكر أن عرق ناقته يسيل من جهدها في السير، والبيت في المعلقة.
4 هو الحية الذكر.
5 في ط: "من بين".
6 البيت من مقطوعة مفضلية للسفاح بن كثير اليربوعي، رثى بها يحيى بن ميسرة، صاحب مصعب بن الزبير، وانظر الخزانة 2/ 536، وشرح المفضليات لابن الأنباري 631.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
8 سقط الكلام من هنا إلى "ومن مطل الفتحة" في ش.
9 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "متفعل" وهو تحريف.
10 هو أبو ذؤيب في مرثيته العينية المشهورة، والقصيدة في آخر المفضليات.
11 تعنقه الكماة: دنوة منهم في الحرب والتزامه لهم، كما يتعانق الرجلان، وروغه أن يحيد عن ضرباتهم، والسلفع: الجسور السليط، يذكر شجاعا يدل بقوته وعلمه بفن الحرب، فهو يعتنق قرنه حينا، ويروغ من ضربه حينا آخر، وبينما هو في المعمعة ومنازلة أقرانه جاءه من لا يأبه له فصرعه، وذلك جريء سليط ما كان ليحسب له حسابا، وقد ساق هذا مثلا لأن الدهر لا ينجو عليه أحد.

(3/123)


وحدثنا أبو علي أن أحمد بن يحيى حكى: خذه من حيث وليسا قال: وهو إشباع ليس. وذهب إلى مثل ذلك في قولهم1 آمين، وقال: هو إشباع "فتحة2 الهمزة من أمين". فأما قول أبي العباس: إن آمين بمزلة عاصين، فإنما3 يريد به أن الميم. خفيفة كعين عاصين. وكيف يجوز أن يريد به حقيقة الجمع، وقد حكى عن الحسن رحمه الله أنه كان يقول: آمين: اسم من أسماء الله عز وجل. فأين بك من أعتقاد معنى الجمع من هذا التفسير تعالى الله علوا كبيرا.
وحكى الفرّاء عنهم: أكلت لحما شاةٍ، لحم شاة، فمطل الفتحة، فأنشأ عنها ألفا.
ومن إشباع الكسرة ومطلها4 ما جاء عنهم من الصياريف، والمطافيل، والجلاعيد. فأما ياء مطاليق ومطيليق فعوض من النون المحذوفة وليست مطلا. قال أبو النجم:
منها المطافيل وغير المطفل5
وأجود من ذلك قول الهذلي6:
جنى النحل في ألبان عوذٍ مطافل
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "قوله".
2 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "فتحة الميم" وفي ش: "كسرة الميم".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فإنه إنما".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مطالها".
5 هو الشطر التاسع من أرجوزته الطويلة، وقد صدرها بوصف الإبل، وقبله:
حتى تراعت في النعاج الخذل
والنعاج الخذل: بقر الوحش، يريد أن الإبل رعت مع البقر، والمطفل: التي معها طفل وهي حديثة عهد بالولادة، يكون في السوق والبقر والنعم، فقوله: منها المطافيل. يحتمل عودة للإبل، وعودة للنعاج، وهو الأقرب.
6 أي أبي ذؤيب: وصدره:
وإن حديثا منك لو تبذلينه
والعوذ: جمع العائذ، وهي حديثة العهد بالنتاج من النوق، ويريد بجني النحل عسله.

(3/125)


وكذلك قول الآخر:
الخضر الجلاعيد1
وإنما هي الجلاعد، جمع جلعد وهو الشديد.
ومن مطل الضمة قوله -فيما أنشدناه وغيره2:
وأنني حيث ما يشرى الهوى يصرى ... من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور3
"يشرى: يحرك ويقلق. ورواه لنا يسرى"4.
وقول5 الآخر:
ممكورة جم العظام غطبول ... كأن في أنيابها القرنفول6
فهذه هي الطريق. فما7 جاء منها قسه8 عليها.
__________
1 هو من شعر لحسان يهجو فيه مسافع بن عياض التيمي، وفي هذا الشعر:
لو كنت من هاشم أو من بني أسد ... أو عبد شمس أو أصحاب اللوى الصيد
أو من بني نوفل أو رهط مطلب ... لله درك لم تهمم بتهديد
أو من الذؤابة عن قوم ذوي حسب ... لم تصبح اليوم نكسا ثاني الجيد
أو في السرارة من تيم رضيت بهم ... أو من بني خلف الخضر الجلاعيد
انظر الكامل للمبرد 1/ 141 طبع أوروبا.
2 سقط حرف العطف في ش.
3 انظر ص318 من الجزء الثاني.
4 ثبت ما القوسين في ط، وسقط في ش، د، هـ، ز، وفي ط: "ورواه لنا يشري" ويبدو أن "يشري" فيه محرف عما أثبت.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قال".
6 ورد البيت في اللسان "قرنفل"، والممكورة المطوية الخلق الحسنة و"جم العظام" يُقرأ بضم الجيم جمع أجم، وقد جمع نظرا إلى المضاف إليه، والفصيح غير هذا، وقد يكون الأصل: جاه العظام فقصر الممدود، وحذفت الألف في الرسم، ويقال: عظم أجم: وافر اللحم.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فيما".
8 كذا في ش، وفي ط، د، هـ: "فقسه" وفي ز: "فسقه"

(3/126)


باب في مطل الحروف:
والحروف الممطولة هي الحروف الثلاثة اللينة1 المصوتة. وهي الألف والياء والواو. اعلم أن هذه الحروف أين وقعت وكيف وجدت "بعد أن تكون سواكن يتبعن بعضهن غير مدغمات"2 ففيها امتداد ولين؛ نحو قام، وسير3 به، وحوتٍ4، وكوز، وكتاب، وسعيد، وعجوز. إلا أن الأماكن التي يطول فيها5 صوتها، وتتمكن6 مدتها ثلاثة. وهي أن تقع بعدها7 -وهي سواكن توابع لما "هو8 منهن" وهو الحركات من جنسهن- الهمزة، أو الحرف المشدد، أو أن يوقف عليها عند التذكر.
فالهمزة نحو كساء ورداء، و"خطيئة ورزيئة"9، ومقروءة، ومخبوءة. وإنما تمكن المد فيهن10 مع الهمز أن الهمزة11 حرف نأى نشؤه وتراخى مخرجه فإذا12 أنت نطقت بهذه الأحرف المصوتة قبله، ثم تماديت بهن نحوه طلن وشعن في الصوت فوفين له، وزدن "في بيانه"13 ومكانه14 وليس كذلك إذا وقع بعدهن غيرها وغير المشدد، ألا تراك إذا قلت: كتاب، وحساب، وسعيد، وعمود15، وضروب، وركوب لم تجدهن لدنات ولا ناعمات ولا وافيات مستطيلات16؛ كما تجدهن كذلك إذا تلاهن الهمز17 أو الحرف المشدد.
__________
1 سقط في ش.
2 سقط ما بين القوسين في ش، ط، وثبت في د، هـ، ز.
3 سقط في د، هـ، ز.
4 في ز: "حوب"، والحوب -بالضم: الهلاك.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بها".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يتمكن".
7 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "هن منه".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "خطيئات ورزيئات".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيه".
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لأن".
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإذا".
13 كذا في ش، وفي د، هـ: "لبيانه" وفي ز، ط: "لينايه" وكأنه محرف عن "لبنابه".
14 كذا في ش، وفي ز: "لمكانه" وسقط في ط.
15 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عميد".
16 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ومستطيلات".
17 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الهمزة".

(3/127)


وأما سبب نعمتهن ووفائهن وتماديهن إذا وقع المشدد بعدهن1 فلأنهن -كما ترى- سواكن وأول المثلين مع التشديد ساكن فيجفو عليهم أن يتلقى الساكنان حشوا في كلامهم، فحينئذ ما ينهضون بالألف2 بقوة الاعتماد عليها، فيجعلون طولها ووفاء الصوت بها عوضًا مما كان يجب لالتقاء الساكنين: من تحريكها إذا لم يجدوا عليه تطرقًا، ولا بالاستراحة إليه3 تعلقًا. وذلك نحو شابة، ودابة، وهذا قضيب بكر في قضيب بكر وقد تمود الثوب وقد قوص بما عليه. وإذا كان كذلك فكلما رسخ4 الحرف في المد كان حينئذ محفوظًا5 بتمامه، وتمادى الصوت به6، وذلك الألف، ثم الياء ثم الواو. فشابة إذًا أوفى صوتًا وأنعم جرسا من أختيها وقضيب بكر أنعم وأتم من قوص به. وتمود ثوبه لبعد الواو من أعرق الثلاث في المد -وهي الألف- وقرب الياء إليها. نعم وربما لم يكتف من تقوى لغته، ويتعالى7 تمكينه وجهارته بما تجشمه من مد الألف في هذا الموضع، دون أن يطغى8 به طبعه ويتخطى9 به اعتماده ووطؤه، إلى أن يبدل من هذه الألف همزة فيحملها الحركة التي كان كلفا10 بها، و"مصانعًا11 بطول" المدة عنها، فيقول: شأبة ودأبة. وسنأتي بنحو هذا في بابه؛ قال كثير.
إذا ما العوالي بالعبيط احمأرت12
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من بعدهن".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الألف"، وكأنه اقتصر على الألف لأنه الأصلي؛ كما سيأتي له، وقد يكون سقط: "والياء والواو"، والأقرب أنه محرف عن: "بالأحرف".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عليه".
4 في ط: "وضح".
5 كذا في ش، وفي هـ، ز، ط: "محقوقا" وفي د: "محفوفا".
6 سقط في ط.
7 في ط ما يقرب من "يتغالى".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يطغى".
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ينحط".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كلفها".
11 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مطالعا لطول".
12 الوارد في الديوان 2/ 97 الشطر من بيت هكذا:
وأنت ابن لبلى خير قومك مشهدا ... إذا ما احمارت بالعبيط العوامل
وهكذا ورد البيت في اللسان "حنن" وهو من قصيدة في مدح عبد العزيز بن مروان.

(3/128)


وقال1:
وللأرض أما سودها فتجللت ... بياضا وأما بيضها فاسوأدت
وهذا الهمز الذي تراه أمر يخص الألف دون أختيها. وعلته في اختصاصه بها دونهما أن همزها في بعض الأحوال إنما هو لكثرة ورودها ساكنة بعدها الحرف المدغم فتحاملوا وحملوا أنفسهم على قلبها همزة تطرقًا إلى الحركة وتطاولا إليها إذ لم يجدوا إلى تحريكها هي2 سبيلًا، لا في هذا الموضع ولا في غيره. وليست كذلك أختاها لأنهما وإن سكنتا في نحو هذا قضيب بكر وتمود الثوب فإنهما قد تحركان كثيرًا في غير هذا الموضع. فصار تحركتهما3 في غير هذا الموضع عوضًا من سكونهما فيه. فاعرف ذلك فرقًا.
وقد أجروا الياء والواو الساكنتين المفتوح ما قبلهما مجرى التابعتين لما هو منهما. وذلك نحو قولهم4: هذا جيب5 بكر أي جيب بكر وثوب6 بكر، أي ثوب بكر. وذلك أن الفتحة وإن كانت مخالفة الجنس للياء والواو، فإن فيها سرا له، ومن أجله جاز أن تمتد الياء والواو بعدها في نحو ما رأينا7. وذلك أن أصل المد وأقواه، وأعلاه، وأنعمه، وأنداه إنما هو للألف8. وإنما الياء والواو في ذلك محمولان عليها، وملحقان9 في الحكم بها، والفتحة بعض الألف،
__________
1 أي كثير من قصيدة في مرثية عبد العزيز بن مروان وقبله -وإن لم يكن على ترتيب الديوان:
عجبت لأن النائحات وقد علت ... مصيبته فهرا فعمت وصمت
تعين ولو أسمعن أعلام صندد ... وأعلام رضوى ما يقلن أدرهمت
وهو يريد بتجلل الأرض بياضا واسوداد بياضها اضطرابها أو يريد أن قبورها أصبحت بيضا به، وظهرها أصبح أسود بزواله عنه، وفي الديوان المطبوع تحقيق د. إحسان عباس عام 1971 ص323 "اد هأمت" بدلا من "اسوأدت" "المصحح".
2 سقط في ش.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تحريكهما".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قولك".
5 كتب في الأصول: "جيبكر".
6 رسم في الأصول: "ثو بكر" غير أن في ط: "ثو بيكر".
7 كذا في ش، وفي ز، ط: "أرينا".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الألف".
9 في ط: "يلحقان".

(3/129)


فكأنها إذا قدمت قبلهما1 في نحو بيت وسوط إنما قدمت2 الألف؛ إذ كانت الفتحة بعضها، فإذا جاءتا بعد الفتحة جاءتا في موضع3 قد سبقتهما4 إليه الفتحة التي هي ألف صغيرة، فكان ذلك سببًا للأنس بالمد لا سيما وهما بعد الفتحة5 -لسكونهما- أختا الألف وقويتا6 الشبه بها؛ فصار7 ثوب وشيخ نحوًا من شاخ وثاب، فلذلك ساغ وقوع المدغم بعدهما، فاعرف ذلك.
وأما مدها8 عند التذكر فنحو قولك: أخواك ضربا، إذا كنت متذكرا للمفعول "أو الظرف أو نحو ذلك"9 أي ضربا زيدا ونحوه. وكذلك تمطل الواو إذا تذكرت في نحو ضربوا، إذا كنت تتذكر المفعول أو الظرف أو نحو ذلك: أي ضربوا زيدا، أو ضربوا يوم الجمعة أو ضربوا قياما فتتذكر الحال. وكذلك الياء في نحو اضربي أي اضربي زيدا ونحوه.
وإنما مطلت ومدت هذه الأحرف10 في الوقف وعند التذكر، من قبل أنك لو وقفت عليها غير ممطولة ولا ممكنة المدة، فقلت: ضربا وضربوا واضربي وما كانت11 هذه حاله وانت مع ذلك متذكر لم "توجد في"12 لفظك دليلا على أنك متذكر شيئًا ولأوهمت13 كل الإيهام أنك قد أتممت كلامك ولم يبق من بعده مطلوب متوقع لك؛ لكنك لما وقفت ومطلت الحرف علم بذلك أنك متطاول إلى كلام تالٍ14 للأول منوطٍ به، معقود ما قبله على تضمنه وخلطه بجملته.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قبلها".
2 سقط في د، هـ، ز.
3 في ز: "موضع واحد".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "سبقهما".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الصحة".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قريبا".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فصا".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مدهما".
9 ثبت ما بين القوسين في ط، وسقط في ش، ز.
10 كذا في ش، ط، وفي د، وفي د، هـ، ز: "الألف".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كنت".
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يوجد".
13 في ش: "لا أوهمت".
14 في ط: "ثان".

(3/130)


ووجه الدلالة من ذلك أن حروف اللين هذه الثلاثة إذا وقف عليهن ضعفن، وتضاءلن، ولم يف مدهن، وإذا وقع بين الحرفين تمكن، واعترض الصدى معهن. ولذلك قال أبو الحسن: إن الألف إذا وقعت بين الحرفين كان لها صدى. ويدل ذلك على أن العرب لما أرادت مطلهن للندبة وإطالة الصوت بهن في الوقف وعلمت أن السكوت1 عليهن ينتقصهن ولا يفي بهن أتبعتهن الهاء في الوقف توفية لهن وتطاولا إلى إطالتهن. وذلك قولك2: وازيداه، واجعفراه. ولابد من الهاء في الوقف فإن وصلت أسقطتها، وقام التابع غيرها في إطالة الصوت مقامها. وذلك قولك: وازيدا3، واعمراه. وكذلك أختاها. وذلك قولهم4: وانقطاع ظهرهيه، وواغلامكيه، وواغلامهوه، وواغلامهموه. وتقول في الوصل: اغلامهمو لقد كان كريما! وانقطاع ظهرهي من هذا الأمر!
والمعنى الجامع بين التذكر والندبة قوة الحاجة إلى إطالة الصوت في الموضعين. فلما كانت هذه حال هذه الأحرف وكنت عند التذكر كالناطق بالحرف5 المستذكر6؛ صار كأنه هو ملفوظ به. فتمت هذه الأحرف وإن وقعن أطرافا، كما يتممن7 إذا وقعن حشوا لا أواخر. فاعرف ذلك. "فهذه حال الأحرف الممطولة"8.
وكذلك الحركات عند التذكر يمطلن حتى يفين9 حروفا. فإذا صرنها10 جرين مجرى الحروف المبتدأة توام، فيمطلن أيضًا حينئذ؛ كما تمطل الحروف. وذلك11 قولهم
__________
1 كذا في ز، ط، د، وفي ش، هـ: "السكون".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قولهم".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "زيداه".
4 في ز: "قولك".
5 سقط في ش.
6 في ط: "والمستذكر".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تتممن".
8 ذكر ما بين القوسين في ش قبل قوله فيما سبق "فلما كانت هذه حال هذه الأحرف ... ".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بقين".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "صرفها حتى".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من ذلك".

(3/131)


عند التذكر مع الفتحة في قمت: قمتا، أي قمت يوم الجمعة، ونحو ذلك، ومع الكسرة: أنتى، أي أنت عاقلة، ونحو ذلك، ومع الضمة: قمتو في1 قمت إلى زيد، ونحو ذلك.
فإن كان الحرف الموقوف عليه ساكنا فعل ضربين: "صحيح ومعتل"2.
فالصحيح في نحو هذا يكسر؛ لأنه لا يجرى الصوت في الساكن، فإذا حرك3 انبعث الصوت في الحركة، ثم انتهى إلى الحرف، ثم أشبعت ذلك الحرف ومطلته. وذلك قولك في نحو قد وأنت تريد قد قام ونحوه إلا أنك تشك، أو تتلوم لرأي تراه من ترك المبادرة4 بما5 بعد ذلك: قدي، وفي من: مني، وفي هل: هلي وفي نعم: نعمي أي نعم قد كان، أو نعم هو هو "أو نحوه"6 مما تستذكر7 أو "تراخي8 بذكره". وعليه تقول في التذكر إذا وقفت على لام التعريف: إلى وأنت تريد: الغلام أو الخليل أو نحو ذلك.
وإنما كانت حركة هذا ونحوه الكسرة دون أختيها من قبل أنه ساكن قد احتيج إلى حركته فجرت حركته إذًا مجرى حركة التقاء الساكنين في9 نحو {قُلِ اللَّهُمَّ} 10 و {قُمِ اللَّيْلَ} 11 وعليه أطلق المجزوم والموقوف في القوافي المطلقة إلى الكسر12؛ نحو قوله13:
وأنك مهما تأمرى القلب يفعل
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "أي".
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 كذا في ش، ط، وفي هـ، ز: "تحرك" وفي د: "تحركت".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المبارزة".
5 في ط: "مما".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ونحو ذلك".
7 في د، هـ، ز: "يستذكره".
8 في د، هـ، ز: "يتراخى ذكره".
9 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط، وثبت في ش.
10 آية 26 سورة آل عمران.
11 آية 2 سورة المرتل.
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الكسرة".
13 أي امرئ القيس في معلقته، وصدره:
أغرك منى أن حبك قاتل

(3/132)


وقوله1:
لما تزل برحالنا وكأن قد
ونحو مما نحن عليه حكاية الكتاب2: هذا سيفنى وهو يريد: سيف من أمره كذا، أو من حديثه كذا. فلما أراد الوصل أثبت التنوين، ولما كان ساكنا صحيحا لم يجر الصوت فيه3، فلما لم يجر فيه4 حرّكة بالكسر -كما يجب في مثله- ثم أشبع كسرته، فأنشا عنها ياء فقال: سيفنى.
هذا5 حكم الساكن الصحيح عند التذكر.
وأما الحرف المعتل فعلى ضربين: ساكن تابع6 لما قبله؛ كقاما، وقاموا، وقومى؛ وقد قدمنا ذكر هذا، ومعتل غير تابع لما قبله، وهو الياء والواو الساكنتان بعد الفتحة نحو، أي وكي ولو وأو فإذا وقفت على شيء من ذلك مستذكرا كسرته7، فقلت: قمت كي أي كي تقوم ونحوه. وتقول في العبارة: قد فعل كذا أبي معناه: أي أنه كذا ونحو ذلك. ومن كان من لغته أن يفتح أو يضم لالتقاء الساكنين فقياس قوله أن يفتح أيضًا أو يضم عند التذكر. روينا ذلك8 عن قطرب: قم الليل وبع الثوب، فإذا تذكرت قلت: قما وبعا وفي سر: سرا. وليس كذلك قراءة ابن مسعود: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} 9 لأن الألف علم ضمير
__________
1 أي النابغة في قصيدته في المتجردة، وصدره:
أزف الترحل غير أن ركابنا
2 انظر الكتاب 2/ 304.
3 في ز، ط: "به".
4 في د، هـ، ز، بعده: "الصوت" وقد ضرب عليها في ش.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهذا".
6 في ش: "وتابع".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كسرتهما".
8 سقط في ش.
9 آية 44 سورة طه.

(3/133)


تثنية موسى وهارون، عليهما السلام. وأيضًا فإنه لم يقف عليه؛ ألا ترى أن بعده {لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} وإنما هذه لغة لبعضهم، يجري1 حركة ألف التثنية وواو الجمع مجرى حركة التقاء الساكنين فيقول2 في التثنية: بعا يا رجلان ويا رجال3 بعوا، ويا غلامان قما. وعليه قراءة اين مسعود هذه وبيت الضبي4:
... لم يهلعوا ولم يخموا
يريد: يخيموا، فجاء به على ما ترى. وروينا عن قطرب أن منهم من يقول: شم يا رجل. فإن تذكرت على هذه اللغة مطلت الضمة فوفيتها واوا، فقلت: شمو. ومن العرب من يقرأ5 {اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ} 6 ومنهم من يكسر فيقول: اشتروا الضلالة. ومنهم من يفتح فيقول: اشتروا الضلالة. فإن مطلت متذكرا7 قلت على من ضم: اشترووا، وعلى من كسر: اشتروى، وعلى من فتح: اشتروا.. وروينا عن محمد بن محمد عن أحمد بن موسى عن محمد بن الجهم عن يحيى بن زياد قول الشاعر:
فهم بطانتهم وهم وزراؤهم ... وهم القضاة ومنهم الحكام
فإن وقفت على "هم" من قوله: وهم القضاة، قلت: همي. وكذلك الوقوف على منهم الحكام: منهمي. فإن وقفت على هم من قوله: "وهم" وزراؤهم قلت: همو9؛ لأنك كذا رأيته فعل الشاعر لما قال في أول البيت: فهمو، ففصلت بين حركة
__________
1 في د، هـ، ز: "تجري".
2 في ط: "فتقول".
3 سقط حرف العطف في د، هـ، ز.
4 انظر ص62 من هذا الجزء.
5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يقول".
6 آية 16 سورة البقرة.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مستذكرا".
8 هو الفراء.
9 في ش: "وهم".

(3/134)


التقاء الساكنين وغيرها كما فصل، وإن شئت قلت1: وهمي، تريد: وهم وزراؤهم وقلت: وهمو تريد: وهم القضاة، حملا على قوله: فهم بطانتهم؛ لأنك إذا فعلت ذلك لم تعد2 أن حملت على نظير. وكلما جاز شيء من ذلك عند وقفة التذكر جاز في القافية البتة على ما تقدم. وعليه تقول: عجبت منا إذا3 أردت: من القوم على من فتح النون4. ومن كسرها فقال: من القوم قال: منى. فاعرف ذلك إلى ما يليه إن شاء الله.
باب في إنابة الحركة عن الحرف والحرف عن الحركة:
الأول منهما أن تحذف الحرف وتقر الحركة قبله نائبةً عنه. ودليلةً5 عليه، كقوله:
كفاك كفٌ لا تليق درهما ... جودًا وأخرى تعط بالسيف الدما6
يريد: تعطى. وعليه بيت الكتاب:
وأخو الغوان متى يشأ يصر منه7
وبيته:
دوامي الأيد يخبطن السريحا8
__________
1 سقط في ش، ط.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعد".
3 كذا في د، هـ، زز وفي ط: "منها إذا" وفي ش: "مما".
4 في ش بعده: "منا".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "دليلا".
6 لا تليق درهما أي لا تمسكه وتحبسه، يصفه بالبذل والإنفاق، وورد البيت في اللسان "لاق" غير منسوب، وفي أمالي ابن الشجري 2/ 72.
7 ينسب إلى الأعشى، وعجزه:
ويكن أعداء بعيد وداد
وانظر الكتاب 1/ 10، والصبح المنير 99، وفيه: "وأخو النساء".
8 انظر ص271 من الجزء الثاني.

(3/135)


ومنه قول الله تعالى: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} 1 وهو كثير في الكسرة. وقد جاء في الضمة منه قوله:
إن الفقير بيننا قاضٍ حكم ... أن ترد الماء إذا غار النجم2
يزيد النجوم، فحذف الواو، وأناب عنها الضمة، وقوله:
حتى إذا بلت حلاقيم الحلق3
يريد الحلوق. وقال الأخطل:
كلمع أيدي مثاكيل مسلبة ... يندبن ضرس بنات الدهر والخطب4
ومنه قول الله عز اسمه {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} 5 و {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} 6 و {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} 7 وكتب ذلك بغير واو "دليلا في الخط على الوقوف عليه بغير واو"8 في اللفظ. وله نظائر وهذا9 في المفتوح قليل10؛ لخفة الألف، قال:
مثل النقا لبده ضرب الطلل11
ونحو منه قوله:
ألا لا بارك الله في سهيلٍ ... إذا ما الله بارك في الرجال12
__________
1 آية 16 سورة الزمر.
2 في ط: "يرد" وفي البحر لأبي حيان 5/ 481:
إن الذي قضى بذا قاض حكم
3 في اللسان "حلق": "ابتلت" في مكان "بلت".
4 من قصيدة له في مدح الوليد بن عبد الملك، وهو في وصف الإبل، يذكر أنهن يرفض أيديهن في السير، وشبه ذلك بلمع نوائح بحزق، والمسلبة: لابسات السلاب، وهو ثوب الحداد، وضرب بنات الدهر إصابتها الناس بالشر، وانظر الديوان 188، واللسان "ضرس".
5 آية 24 سورة الشورى.
6 آية 6 سورة القمر.
7 آية 18 سورة العلق.
8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، وثبت في ش، ط.
9 سقط في ش.
10 في ش: "قليلة".
11 الطلل أصله الطلال، وهو جمع الطل، وهو المطر القليل الدائم، ويرويه بعضهم بفتح الطاء، وأصله الطل، ففك التضعيف، وانظر اللسان "طلل".
12 ورد البيت في اللسان "أله" غير منسوب.

(3/136)


فحذف الألف من هذه اللفظة "الله". ومنه بيت الكتاب:
أو الفًا مكة من ورق الحمى1
يريد الحمام، فحذف الألف فالتقت الميمان فغير على ما ترى. وقال أبو عثمان في قول الله سبحانه {يَا أَبَتِ} 2 أراد: يا أبتا، فحذف الألف. وأنشد أبو الحسن وابن الإعرابي:
فلست بمدرك ما فات منى ... بلهف ولا بليت ولا لو أني3
يريد بلهفى وقد مضى نحو هذا.
الثاني منهما، وهو إنابة الحرف عن الحركة. وذلك في بعض الآحاد وجمع التثنية وكثير من الجمع.
فالآحاد نحو أبوك وأخوك وحماك وفاك وهنيك وذي مال. فالألف والياء والواو في جميع هذه الأسماء الستة دواخل على الفتح والكسر والضم. ألا تراها تفيد من الإعراب ما تفيده الحركات: الضمة والفتحة والكسرة.
والتثنية نحو الزيدان والرجلين.
والجمع نحو الزيدون والمسلمين.
وأعربوا بالنون أيضًا، فرفعوا بها في الفعل: يقومان ويقومون وتقومين4 فالنون في هذا نائبة عن الضمة في يفعل. وكما أن ألف التثنية وواو الجمع نائبتان عن الضمة والياء، فهما نائبتان عن الكسرة والفتحة، وإنما الموضع في الإعراب للحركات، فأما الحروف فدواخل عليها.
وليس من هذا الباب إشباع الحركات في نحو منتزاح، وأنظور، والمطافيل، لأن الحركة في نحو هذا لم تحذف وأنيب الحرف عنها بل هي موجودة5 ومزيد فيها لا6 منتقص منها.
__________
1 هو للعجاج، وهو من وصف حمام الكعبة، أقسم به، يريد المؤلف أن الشاعر حذف ألف الحمام فصار الحمم، فأبدل من الميم الثانية ياء فرارا من التضعيف؛ كما قيل في تظننت: تظنيت، وانظر اللسان "حم" والكتاب 1/ 8.
2 آية 4 سورة يوسف.
3 ورد في العيني على هامش الخزانة 4/ 248 ولم ينسبه، وفي الخزانة 1/ 63.
4 سقط في د، هـ، ز.
5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "لا.
6 في ش: "ولا".

(3/137)