الخصائص باب في هجوم الحركات
على الحركات:
وذلك على ضربين: أدهما كثير مقيس1، والآخر قليل4 غير مقيس2.
الأول منهما، وهو قسمان: أحدهما أن تتفق فيه الحركتان والآخر أن
تختلفا3 فيه، فيكون الحكم للطارئ منهما، على ما مضى.
فالمتفقان4 نحو قولك: هم يغزون ويدعون. وأصله يغزوون، فأسكنت الواو
الأولى التي هي اللام، وحذفت لسكونها وسكون واو الضمير والجمع بعدها،
ونقلت تلك الضمة المحذوفة على اللام إلى الزاي التي هي العين، فحذفت
لها الضمة الأصلية في الزاي؛ لطروء الثانية المنقولة من اللام إليها
عليها. ولا بد من هذا التقدير في هجوم الثانية الحادثة على الأولى
الراتبة5؛ اعتبارا في ذلك بحكم المختلفتين6؛ ألا تراك تقول في العين
الكسورة بنقل الضمة إليها مكان كسرتها؛ وذلك نحو يرمون ويقضون ألا
تراك7 نقلت ضمة ياء يرميون8 إلى ميمها فابتزت9 الضمة الميم كسرتها،
وحلت
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "متفش".
2 سقط في ط.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يختلفا".
4 في ط: "فالمتفقتان".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المراتبة".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المختلفين".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ترى أنك".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يرمون".
9 أي سلبت.
(3/138)
محلها فصار1: يرمون. فكما لا يشك في أن ضمة
ميم يرمون غير كسرتها في يرميون لفظا، فكذلك فلنحكم2 على أن ضمة زاي
يغزون غير ضمتها في يغزوون3 تقديرا وحكما.
ونحو من ذلك قولهم في جمع مائة: مئون. فكسرة ميم مئون غير كسرتها في
مائة؛ اعتبارا بحال المختلفين في سنة وسنين4. وبرة وبرين5. ومثله ترخيم
برثن ومنصور فيمن قال: يا حار إذا قلت: يا برث، ويا منص فهذه الضمة في
ثاء6 برث وصاد منص غير الضمة فيمن قال: يا برث ويا منص علي يا حار على
يا حار؛ اعتبارا بالمختلفتين7. فكما لا شك في أن ضمة راء يا حار غير
كسرة راء يا حار سماعا ولفظا فكذلك الضمة على يا حار في يا برث ويا منص
غير الضمة فيهما على يا حار تقديرا وحكما. وعلى ذلك كسرة صاد صنو وقاف
قنو غير كسرتها في قنوانٍ وصنوانٍ. وهذا باب؛ وقد8 تقدم في فصله.
وكذلك كسرة ضاد تقضين غير كسرتها المقدرة فيها في أصل حالها، وهو
تقضيين. والقول هنا هو ما تقدم في يدعون ويغزون.
فهذا حكم الحركتين المتفقتين.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فصارت"، وقوله: "فصار" أي مد حذف الياء؛
كما هو معلوم، وكذا يقال فيما يأتي من الأمثلة، فهو قد يترك الكلام على
حذف اللام للعلم به.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فليحكم".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يغزون".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "سنون".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يرون". والبرة: الخلخال، وحلقة في أنف
البعير.
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يا".
7 كذا في ش، وفي ز، ط: "بالمحلفين".
8 سقط حرف العطف في ش، ط.
(3/139)
وأما1 المختلفتان فأمرهما واضح. وذلك نحو
يرمون ويقضون. والأصل: يرميون ويقضيون، فأسكنت الياء استثقالا للضمة
عليها، ونقلت إلى ما قبلها فابتزته كسرته2، لطروئها3 عليها4؛ فصار:
يرمون ويقضون. وكذلك قولهم: أنت تغزين، أصله تغزوين، فنقلت الكسرة من
الواو إلى الزاي، فابتزتها ضمتها فصار: تغزين. إلا أن منهم من يشم
الضمة أرادة للضمة المقدرة ومنهم من يخلص الكسرة فلا يشم. ويدلك على
مراعاتهم لتلك الكسرة والضمة المبتزتين5 عن هذين الموضعين أنهم إذا
أمروا ضموا همزة الوصل وكسروها إرادة لهما6؛ وذلك كقولهم7: اقضوا،
ابنوا8، وقولهم: اغزى، ادعى9. فكسرهم مع ضمة10 الثالث، وضمهم مع كسرته
يدل على قوة مراعاتهم للأصل المغير، وأنه عندهم مراعىً معتد مقدر.
ومن المتفقة حركاته ما كانت في الفتحتان، نحو اسم المفعول11 من12 نحو
اشتد واحمر وذلك قولهم: مشتد ومحمر، ومن قولك: هذا رجل مشتد عليه، وهذا
مكان محمر فيه "وأصله مشتددٌ ومحمررٌ"13 فأسكنت الدال والراء14
الأوليان، وادغمتا في مثلهما من بعدهما، ولم ننقل15 الحركة إلى ما
قبلها، فتغلبه16 على حركته التي فيه،
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فأما".
2 في ط: "وكسرته".
3 كذا في ز، ط، وفي ش: "لطروءه".
4 في ز: "عليه".
5 كذا في ط، وفي ش، ز: "المبتزة".
6 في ش: "لها".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قولك".
8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وارموا".
9 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وادعى".
10 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "الضمة".
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المفعولين".
12 سقط هذا الحرف في ز.
13 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، وثبت في ش، ط.
14 في ش: "الواو".
15 كذا في ش، وفي ط: "تنقل" وفي د، هـ، ز: "ينقل".
16 في ط: "فغلبت"، وفي ش: "فنقلبه"، وهو تصحيف.
(3/140)
كما تغلب1 في يغزون ويرمين. يدل على أنك لم
تنقل الحركة هنا كما نقلتها هناك قولهم في اسم الفاعل أيضًا كذلك، وهو
"مشتد ومحمر ألا ترى أن أصله"2 مشتد ومحمرر. فلو نقلت هذا لوجب أن
تقول: مشتّد ومحمرّ. فلما لم تقل ذلك وصح في المختلفين3 اللذين النقل
فيهما موجود لفظا امتنعت من الحكم به فيما تحصل الصنعة فيه تقديرا
ووهما. وسبب ترك النقل في المفتوح انفراد الفتح عن الضم والكسر في هذا
النحو لزوال الضرورة فيه ومعه ألا ترى إلى صحة الياء والواو جميعا بعد
الفتحة وتعذر الياء الساكنة بعد الضمة والواو الساكنة بعد الكسرة. وذلك
أنك لو حذفت الضمة في4 يرميون ولم تنقلها إلى الميم لصار التقدير إلى
يرمون، ثم وجب قلب الواو ياء، وأن تقول: هم يرمين، فتصير إلى لفظ جماعة
المؤنث. وكذلك لو لم تنقل كسرة الواو في تغزوين إلى الزاى لصار التقدير
إلى تغزين. فوجب أن تقلب الياء لانضمام الزاى قبلها واوا، فتقول5
للمرأة: أنت تغزون؛ فيلتبس6 بجماعة المذكر.
فهذا حكم المضموم مع المكسور. وليس كذلك المفتوح؛ ألا ترى الواو والياء
صحيحتين بعد الفتحة، نحو هؤلاء يخشون ويسعون، وأنت ترضين وتخشين. فلما
لم تغير الفتحة هنا في المختلفين اللذين تغييرهما واجب، لم تغير
الفتحتان اللتان إنما هما في التغيير محمولتان على الضم مع الكسر. فإن
قلت7: فقد يقع اللبس أيضًا بحيث
__________
1 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "نقلت"، وفي ش: "تقلب" وهو تصحيف.
2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
3 في ش: "المختلفين".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من".
5 كذا في ش، ط، وفي د، ز: "فيقول".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيلتبسن".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قيل".
(3/141)
رُمت الفرق؛ ألا تراك تقول للرجال: أنتم
تغزون، "وللنساء: أنتنّ تغزون"1، وتقول للمرأة: أنت ترمين، ولجماعة
النساء: أنتنّ ترمين.
قيل: إنما احتُمل هذا النحو في هذه الأماكن ضرورة، ولولا ذلك لما
احتمل. ووجه الضرورة أن أصل أنتم تغزون: تغزوون، فالحركتان -كما ترى-
متفقتان؛ لأنهما ضمتان. وكذلك أنت ترمين، الأصل فيه ترميين، فالحركتان
أيضًا متفقتان؛ لأنهما كسرتان. فإذا أنت أسكنت المضموم الأول ونقلت2
إليه ضمة الثاني، وأسكنت المكسور الأول ونقلت إليه كسرة الثاني، بقى
اللفظ بحاله، كأن لم تنقله ولم تغيّر شيئًا منه، فوقع اللبس، فاحتمل،
لما يصحب الكلام من أوله وآخره3؛ كأشياء كثيرة يقع اللبس في لفظها،
فيعتمد في بيانها على ما يقارنها4؛ كالتحقير والتكسير وغير ذلك فلما
وجدت إلى رفع اللبس بحيث وجدته5 طريقا سلكتها، ولما لم تجد إليه طريقا
في موضع آخر احتملته، ودللت بما يقارنه6 عليه.
فهذه أحوال الحركات المنقولة، وغير المنقولة فيما7 كان فيه الحرفان
جميعا متحركين.
فأما إن سكن الأول فإنك تنقل الحركات جُمع8 إليه. وذلك نحو أقام،
ومُقيم، ومُقام، وأسار، ومُسِير، ومُسَار؛ ألا ترى أن أصل ذلك أقوَم،
وأسيَر، ومُقوِم، ومُسيِر، ومُقوَم، ومُسيَر، وكذلك يقوم ويسير: أصلهما
يَقوُم ويَسيِر، فنقل ذلك كله؛ لسكون الأول.
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فنقلت".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "إلى آخره".
4 في ش، ز: "يقاربها".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وجدت".
6 في ش، ز: "يقاربه".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مما".
8 كذا في ز، وفي د، هـ: "جميعا" وسقط في ش، ط.
(3/142)
والضرب1 الثاني مما2 هجمت فيه الحركة على
الحركة من غير قياس. وهو كبيت3 الكتاب:
وقال اضرب الساقين إمك هابل4
وأصله: امك هابل، إلا أن همزة "أمك" كسرت لانكسار ما قبلها، على حد
قراءة من قرأ: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} 5 فصار: إمك هابل، ثم أتبع
الكسر الكسر، فهجمت كسرة الإتباع على ضمة الإعراب، فابتزتها موضعها6،
فهذا شاذٌ لا يقاس عليه، ألا تراك لا تقول: قدرك واسعة، ولا7 عدلك
ثقيل، ولا بنتك عاقلة.
ونحو من ذلك في الشذوذ قراءة الكسائي "بما أنزليك"8. وقياسه في تخفيف
الهمزة أن تجعل الهمزة بين بين فتقول: بما أنزل إليك؛ لكنه حذف الهمزة
حذفا، وألقى حركتها9 على لام أنزل، وقد كانت مفتوحة فغلبت10 الكسرة
الفتحة على الموضع، فصار تقديره: بما أنزلليك، فالتقت اللامان
متحركتين، فأسكنت الأولى وادغمت في الثانية كقوله تعالى {لَكِنَّا هُوَ
اللَّهُ رَبِّي} 11.
ونحو منه ما حكاه لنا أبو علي عن أبي عبيدة أنه سمع: دعه في حر أمه.
وذلك أنه نقل ضمة12 الهمزة -بعد أن حذفها- على الراء وهي مكسورة،
فنفى13 الكسرة، وأعقب منها ضمة.
__________
1 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط.
2 كذا في ش، ط، ز، والأنسب: "ما".
3 كذا في ش، وفي ط، وفي ز: "بيت".
4 انظر ص147 من الجزء الثاني من هذا الكتاب، وص272 ج2 من سيبويه.
5 آية 11 سورة النساء وهو يريد القراءة بكسر همزة أمه في الآية، وهي
قراءة حمزة والكسائي، وانظر البحر 3/ 184.
6 سقط في ش.
7 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
8 آية 4 سورة البقرة، ولم أر من نسب هذه القراءة إلى الكسائي، وفي
البحر 1/ 41 أنها شاذة ولم ينسبها.
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كسرتها".
10 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وقلب".
11 آية 38 سورة الكهف.
12 سقط في ش.
13 في ط: "فبقي".
(3/143)
ومنه ما حكاه أحمد بن يحيى في خبر له مع
ابن الأعرابي بحضرة سعيد بن سلم، عن امرأة قالت لبنات لها وقد خلون إلى
أعرابي كان1 يألفهن: أفي السو تنتنه! قال أحمد بن يحيى فقال لي ابن
الأعرابي: تعالى إلى هنا، اسمع ما تقول2. قلت: وما في هذا! أرادت: أفي
السوأة أنتنه! فألقت فتحة "أنتن" على كسرة3 الهاء، فصارت بعد تخفيف
همزة السوأة: أفي السو تنتنه. فهذا4 نحو مما نحن بسبيله. وجميعه غير
مقيس؛ لأنه ليس على حد التخفيف القياسي، ألا ترى أن طريق قياسه أن
يقول: في حرأمه، فيقر كسرة الراء عليها، ويجعل همزة أمه بين بين أي بين
الهمزة والواو لأنها مضمومة، كقول الله سبحانه: يَسْتَهْزِئُون، فيمن
خفف، أو في حريمه، فيبدلها ياء البتة "على يستهزيون وهو رأي أبي
الحسن"5 وكذلك قياس تخفيف قولها: أفي السوأة أنتنه: أفي السوءة ينتنه،
فيخلص همزة "أنتنه يه" البتة، لانتفاخها وانكسار ما قبلها كقولك في
تخفيف مئر6: مير. وسنذكر شواذ الهمز في بابه بإذن الله.
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 في ز: "يقول".
3 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "كسر".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فهو".
5 سقط ما بين القوسين في ش.
6 جمع المئرة، وهي الذحل والعداوة.
(3/144)
باب في شواذ الهمز:
وذلك في كلامهم على ضربين، وكلاهما غير مقيس.
أحدهما أن تقر الهمزة الواجبة تغييرها، فلا تغيرها1.
والآخر أن ترتجل همزا لا أصل له، ولا قياس يعضده.
الأول من هذين ما حكاه عنهم أبو زيد وأبو الحسن من قولهم: غفر الله له
خطائئه. وحكى أبو زيد وغيره: دريئة2 ودرائئ. وروينا عن قطرب: لفيئة3
ولفائئ. وأنشدوا:
فإنك لا تدري متى الموت جائئٌ ... إليك ولا ما يحدث الله في غد4
وفيما جاء من هذه الأحرف دليل على صحة ما يقوله النحويون دون الخليل:
من أن هذه5 الكلم6 غير مقلوبة وأنه قد كانت التقت فيها7 الهمزتان، على
ما ذهبوا إليه، لا ما رآه هو.
ومن شاذ الهمز عندنا قراءة الكسائي "أئمة" بالتحقيق فيهما. فالهمزتان
لا تلتقيان8 في كلمة واحدة إلا أن تكونا9 عينين، نحو سئال وسئار
وجئار10 فأما التقاؤهما على التحقيق من كلمتين فضعيف عندنا، وليس لحنا.
وذلك نحو قرأ أبوك، و {السُّفَهَاءُ أَلا} 11 و {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ
أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ} 12، و {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ
هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ} 13 فهذا14 كله جائز عندنا على ضعفه، لكن
التقاؤهما في كلمة واحدة غير عينيين لحن، إلا ما شذ مما حكيناه من
خطائئ وبابه. وقد تقدم. وأنشدني بعض من ينتمي إلى الفصاحة شعرا لنفسه
مهموزا يقول فيه: أشاؤهما
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يغيرها".
2 هي الحلقة التي يتعلم الرامي الطعن والرمي عليها.
3 هي القطعة من اللحم.
4 انظر ص8 من الجزء الثاني.
5 سقط في د، هـ، ز.
6 سقط في ط.
7 في ز: "فيهما" وفي ط: "فيه".
8 في ز: "يلتقيان".
9 في ز: "يكونا".
10 كذا في ز، وفي ط: "خأار" أي خئار، وسقط هذا في ش.
11 آية 12 سورة البقرة.
12 آية 65 سورة الحج.
13 آية 31 سورة البقرة، وفي ش، ز: "ائتوني" في مكان "انبئوني" وهو غير
التلاوة وما أثبت في ط.
14 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
(3/145)
وأدأؤها فنبهته عليه فلم يكد يرجع عنه
وهذا1 مما لو كان "همزه أصلا"2 لوجب تركه وإبداله، فكيف أن يرتجل همزا
لا أصل له، ولا عذر في إبداله من حرف لين ولا غيره.
الثاني من الهمز. وهو ما جاء من غير أصل له، ولا إبدال "دعا قياس
إليه"3 وهو كثير.
منه قولهم: مصائب. وهذا مما لا ينبغي همزه في وجه من4 القياس. وذلك أن
مصيبة مفعلة. وأصلها مصوبة، فعينها كما ترى متحركة5 في الأصل، فإذا
احتيج إلى حركتها في الجمع6 حملت الحركة. وقياسه7 مصاوب. وقد جاء ذلك
أيضا؛ قال:
يصاحب الشيطان من يصاحبه ... وهو أذيٌّ جمة مصاوبه8
ويقال فيها أيضًا: مصوبة ومصابة. ومثله قراءة أهل المدينة: "معائش"
بالهمز. وجاء9 أيضا في شعر الطرماح مزائد جمع مزادة، وصوابها مزايد10.
قال11:
مزائد خرقاء اليدين مسيفةٍ
__________
1 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "فهذا"، وفي ش: "هذا".
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "أصله همزا"، وانظر في "أشأؤها"
و"أداوها" ص8 من الجزء الثاني.
3 كذا في ش، وفي ز: "دعا بقياس إليه"، وفي ط: "بقاس عليه".
4 سقط هذا الحرف في ط.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "محركة".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "جمع".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فقياسه".
8 الأذى: الذي يتأذى بالشيء، وفي اللسان "أذى" بعد إنشاد البيت: "وقد
يكون الأذى المؤذي"، وقوله: "جمة" في اللسان: "حمة"، وكتب مصححه في
الهامس: "قوله" جمة كذا في الأصل بالحاء المهملة مرموزا لها بعلامة
الإهمال، وانظر ص330 من الجزء الأول.
9 كذا في ش، ط، وفي ز: "وقد جاء".
10 في ش: "مزاود".
11 أي الطرماح، وانظر ص329 من الجزء الأول.
(3/146)
وقالوا أيضا: منارة ومنائر، وإنما صوابها:
مناور، لأن الألف عين وليست بزائدة. ومن الجيد قول الأخطل:
وإني لقوام مقاوم لم يكن ... جريرٌ ولا مولى جريرٍ يقومها1
ومن شاذ الهمز ما أنشده ابن الأعرابي لابن كثوة:
ولى نعام بني صفوان زوزأةً ... لما رأى أسدا في الغاب قد وثبا2
وإنما هي زوزاة: فعللة من مضاعف الواو، بمنزلة االقوقاة والضوضاة.
وأنشدوا بيت امرؤ القيس:
كأني بفتخاء الجناحين لقوةٍ ... دفوفٍ من العقبان طاطات شئمالي3
يريد شماله، أي خفضها بعنان فرسه. وقالوا: تأبلت القدر بالهمز4. ومثله
التأبل والخأتم والعألم5. ونحو منه ما حكوه من قول بعضهم: بأز بالهمز،
وهي البئزان بالهمز أيضًا. وقرأ ابن كثير: {وَكَشَفَتْ عَنْ
سَاقَيْهَا} 6 وقيل في جمعه: سؤق مهموزا على فعل. وحكى أبو زيد: شئمة
للخليقة بالهمز وأنشد الفراء7:
يا دارمي بدكاديك البرق ... صبرا فقد هيجت شوق المشتئق8
يريد المشتاق. وحكى أيضًا رجل مثل "بوزن9 معل" إذا كان كثير المال.
وحكوا أيضا: الرئبال بالهمز. وأما شأمل، وشمأل، وجرائض، وحطائط
بطائط10، والضهيأ11،
__________
1 من قصيدة له يمدح فيها بشر بن مروان، وانظر الديوان 123.
2 ورد في اللسان "زرى". ويقال: زرزى: نصب ظهره وقارب خطوه في سرعة.
3 انظر ص11 من الجزء الأول، ويريد المؤلف أن الشمال في البيت أصلها:
الشيمال، ولغة في الشمال ضد اليمين.
4 سقط في د، هـ، ز.
5 سقط في ش.
6 آية 44 سورة "النمل".
7 سقط في د، هـ، ز.
8 الدكاديك جمع الدكداك وهو الرمل المتلبد في الأرض لم يرتفع، والبرق
جمع البرقة وهي غلظ في حجارة ورمل. وفي شواهد الشافعية للبغدادي 176:
"قال ابن المستوفى: هذان البيتان أنشدهما القراء لرؤبة".
9 كذا في ط، وفي ز: "بوزن فعل" وسقط في ش.
10 سقط في د، هـ، ز، والحطائط: الصغير من الناس وغيرهم. والبطائط إتباع
له، كما يقال: حسن بسن.
11 هي التي لا ثدي لها، أو هي التي لا تحيض.
(3/147)
فمشهور بزيادة الهمز فيه. وحكى لنا أبو علي
في النيدلان1: النئدلان بالكسر، ومثاله2 فئعلان. وأنشدوا لجرير:
لحب المؤقدان إلى مؤسى3
بالهمز في "الموقدان" و"موسى" وحكى أنه وجد بخط الأصمعي: قطا جؤنى.
وحكى عنه أيضًا فيه4 جوني.
ومن ذلك قولهم: لبأت بالحج، ورثأت زوجي بأبيات، وحلأت السويق، واستلأمت
الحجر، وإنما هو استلمت: افتعلت، قال5:
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
فوزن استلأم على ما ترى: افتعأل، وهو مثال مبدع غريب.
ونحو منه ما رويناه عن أحمد بن يحيى لبلال بن جرير جد عمارة:
إذا ضفتهم أو سآيلتهم ... وجدت بهم علة حاضرة6
يريد: ساءلتهم. فإما زاد الياء وغير الصورة7 فصار مثاله، فعايلتهم.
وإما8 أراد: ساءلتهم كالأول؛ إلا أنه زاد الهمزة الأولى، فصار تقديره:
سئاءلتهم بوزن: فعاءلتهم، فجفا عليه9 التقاء الهمزتين هكذا، ليس بينهما
إلا الألف10، فأبدل الثانية ياء، كما أنه لما كره أصل تكسير ذؤابة -وهو
ذآئب- أبدل الأولى واوًا. ويجوز أن يكون
__________
1 هو الكابوس.
2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مثله".
3 انظر ص177 من الجزء الثاني.
4 كذا في ط، وفي ش: "منه" وسقط في د، هـ، ز.
5 أي الفرزدق من قصيدة يمدح فيها زين العابدين علي بن الحسين، وينسب
هذا البيت مع آخر لشاعر اسمه داود بن سلم في قثم بن العباس، وهناك
قصيدة للحز بن تشتبه مع قصيدة الفرزدق، وانظر الأغاني في ترجمة الحزين
14/ 78 من طبعة بولاق.
6 انظر البحر 1/ 235.
7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "للضرورة".
8 كذا في ش، وفي ز، ط: "إنما".
9 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "عنه".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ألف".
(3/148)
أراد: ساءلتهم ثم أبدل من الهمزة ياء1،
فصار: سايلتهم، ثم جمع بين المعوض2 والمعوض منه3 فقال: سآيلتهم، فوزنه
الآن على هذا: فعاعلتهم.
ومثله مما جمع فيه بين العوض والمعوض منه في العين ما ذهب إليه4 أبو
إسحاق وأبو بكر في قول الفرزدق:
هما نفثا في فيَّ من فمويهما5
فوزن "فمويهما" على قياس6 مذهبهما: فععيهما.
وأنا أرى ما ورد عنهم من همز الألف الساكنة في بأز وسأق وتأبل ونحو ذلك
إنما هو عن تطرق وصنعة، وليس اعتباطًا هكذا من غير مسكة. وذلك أنه قد
ثبت عندنا من عدة أوجه أن الحركة إذا جاورت الحرف الساكن فكثيرًا ما
تجريها العرب مجراها فيه، فيصير7 لجواره إياها كأنه محرك8 بها. فإذا
كان كذلك فكأن فتحة باء باز إنما هي في نفس الألف. فالألف لذلك وعلى
هذا التنزيل كأنها9 محركة10 وإذا11 تحركت الألف انقلبت همزة. من ذلك
قراءة أيوب السختياني: "غير المغضوب عليهم ولا الضألين". وحكى أبو
العباس عن أبي عثمان عن أبي زيد قال:
__________
1 ثبت في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.
2 كذا في ش، وفي د، ز، ط: "العوض".
3 في د، هـ، ز، ط، بعده: "في العين".
4 سقط في د، هـ، ز.
5 انظر ص171 من الجزء الأول.
6 سقط في ش.
7 في ط: "فتصير".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يتحرك".
9 سقط في د، هـ، ز.
10 في ط: "متحركة.
11 كذا في ش، وفي ز، ط: "فإذا".
(3/149)
سمعت عمرو بن عبيد يقرأ: {فَيَوْمَئِذٍ لَا
يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} 1 "فظننت أنه"2 قد لحن،
إلى أن سمعت العرب تقول: شأبة، ودأبة. وقال كثير:
إذا ما العوالي بالعبيط احمأرت3
"يريد احمارت"4 وقال أيضًا:
وللأرض أما سودها فتجللت ... بياضا وأما بيضها فاسوأدت5
وأنشد قوله:
يا عجبًا لقد رأيت عجبا ... حمار قبان يسوق أرنبا
خاطمها زأمها أن تذهبا6
وقال دكين:
وجله حتى ابيأض ملببه
فإن قلت: فما أنكرت أن يكون ذلك فاسدا، لقولهم في جمع بأز: بئزان
بالهمز7. وهذا يدل على كون8 الهمزة فيه9 عينًا أصلًا كرأل10 ورئلانٍ.
قيل: هذا غير لازم. وذلك أنه لما وجد الواحد -وهو بأز- مهموزًا -نعم
وهمزته غير مستحكمة السبب- جرى عنده وفي نفسه مجرى ما همزته أصلية،
فصارت بئزان كرئلان. وإذا11 كانوا ما قويت علة قلبه مجرى الأصلي في
قولهم:
ميثاق ومياثق كان إجراء بأز مجرى رأل أولى وأحرى. وسيأتي نحو هذا في
باب له.
وعليه أيضًا قوله:
لحب المؤقدان إلي مؤسى12
ألا ترى أن ضمة الميم في "الموقدان" و"موسى" لما جاورت الواو الساكنة
صارت كأنها فيها، والواو إذا انضمت ضما لازما همزت؛ نحو أجوه وأقتت،
فاعرف ذلك، وعليه جاء قوله:
... فرأٌ متار13
يريد: متأرا، فلما جاورت الفتحة في الهمزة التاء صارت كأنها فيها، فجرى
ذلك مجرى متأر، فخفف على نحو من تخفيف رأس وبأس. وسيأتي ذلك في بابه
بإذن الله.
__________
1 آية 39 سورة الرحمن.
2 كذا في ش، وفي ز، ط: "فظننته".
3 انظر ص128 من هذا الجزء.
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
5 انظر ص129 من هذا الجزء.
6 حمار قبان دويبة أصفر من الخنفساء، والشعر جاء على تكاذيب الأعراب
وتعاجيبهم، فإنه يذكر أن هذه الدويبة تركب أرنبا، وهي تسوقها ممسكة
بخطامها رؤمامها لئلا تذهب وتشرد منها، وقد سأل الشاعر حمار فيان أن
يركبه خلفه فرحب بذلك، وانظر شواهد الشافية 167.
7 سقط في د، هـ، ز.
8 في ش: "أن كون".
9 سقط في د، هـ، ز.
10 هو ولد النعام.
11 في د، هـ، ز: "إن".
12 انظر ص177 من الجزء الثاني، ص148 من هذا الجزء.
13 انظر ص178 من الجزء الثاني.
(3/150)
باب في حذف الهمز 1 وإبداله:
قد جاء هذا الموضع في النثر والنظم جميعًا. وكلاهما غير مقيس عليه، إلا
عند2 الضرورة.
فإن قلت: فهلا قست على3 ما جاء منه في النثر4؛ لأنه ليس موضع اضطرار؟
قيل: تلك مواضع كثر استعمالها5، فعرفت أحوالها، فجاز الحذف فيها
-وسنذكرها- كما حذفت لم يك، "ولم يبل"6، ولا أدر في النثر، لكثرة
الاستعمال، ولم يقس عليها غيرها.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الهمزة".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مع".
3 سقط في ز.
4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "التنزيل".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "استعماله".
6 كذا في ش، وفي د، هـ: "لا يبل"، وفي ط: "لا تبل".
(3/151)
فمما جاء من ذلك في النثر قولهم: ويلمه.
وإنما أصله ويل لأمه. يدل على ذلك ما أنشده الأصمعي:
لأم الأرض ويل! ما أجنت ... غداة أضر بالحسن السبيل1
فحذف لام "ويل" وتنوينه لما ذكرنا، وحذفت همزة أم، فبقي: ويلمه. فاللام
الآن لام الجر؛ ألا تراها مكسورة. وقد يجوز أن تكون اللام المحذوفة هي
لام الجر؛ كما حذف حرف الجر من قوله: الله أفعل، وقول رؤبة: خيرٍ عافاك
الله، وقول2 الآخر3:
رسم دارٍ وقفت في طلله
"وهو من المقلوب، أي طلل دار وقفت في رسمه"4 وعليه قراءة الكسائي: "بما
أنزليك"5 -وقد ذكرناه- وقراءة ابن كثير: "إنها لحدى الكبر"6 وحكاية7
أحمد ابن يحيى قول المرأة لبناتها وقد خلا الأعرابي بهن: أفي السوتنتنه
"تريد: أفي السوءة أنتنه"8 ومنه قولهم: الله9 في هذه الكلمة في أحد
قولي سيبويه وهو أعلاهما. وذلك أن يكون أصله إلاه، فحذفت الهمزة التي
هي فاء. وكذلك الناس؛ لأن أصله أناس قال10:
وإنا أناس لا نرى القتل سبة ... إذا ما رأته عامر وسلول
__________
1 من شعر لعبد الله بن عتمة الضبي يرثي فيه بسطام بن قيس الشيباني.
وبعده:
يقسم ما له فينا فندعو ... أبا الصهبا إذا جنح الأصبل
والحسن: جبل أورمل في بلاد تميم، ويقال: أضر الطريق بالمكان أي دنا
منه، يقول هذا على جهة التعجب، فيقول: أجنت الأرض في هذا المكان كرما
وخيرا، وأبو الصهباء، هو بسطام بن قيس. وانظر اللسان "ضرر"، ومعجم
ياقوت.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قال".
3 أي جميل، وانظر ص286 من الجزء الأول.
4 سقط ما بين القوسين في ش، ط.
5 آية 4 سورة البقرة.
6 آية 35 سورة المدثر.
7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "حكى".
8 سقط ما بين القوسين في ش.
9 لم يذكر لفظ الجلالة في د، هـ، ز.
10 أي السموءل بن عادياء، من قصيدته المشهورة، وانظر شرح التبريزي
للحماسة 1/ 111.
(3/152)
ولا تكاد الهمزة تستعمل مع لام التعريف؛
غير أن أبا عثمان أنشد:
إن المنايا يطلعـ ... ـن على الأناس الآمنينا1
ومنه قولهم: لن، في قول الخليل. وذلك أن أصلها عنده "لا أن" فحذفت
الهمزة عنده2؛ تخفيفا لكثرته في الكلام، ثم حذفت الألف لسكونها وسكون
النون بعدها. فما جاء من نحوه فهذه سبيله. وقد اطرد الحذف في كل وخذ
ومر. وحكى أبو زيد: لاب لك "يريد: لا أب لك"3 وأنشد أبو الحسن:
تضب لثات الخيل في حجراتها ... وتسمع من تحت العجاج لها ازملا4
وأنشدنا أبو علي:
إن لم أقاتل فالبسوني برقعا
وحكي لنا عن أبي عبيدة: دعه في حرامه، وروينا عن أحمد بن يحيى:
هوي جند ابليسٍ المريد5
"وهو كثير"6 ومنه قوله:
أرأيت إن جئت به أملودا7
وقوله:
حتى يقول من رآه قد راه8
وهو كثير.
__________
1 البيت من مقطوعة لذي جدن الحميري، وانظر الخزانة في الشاهد السابع
والعشرين بعد المائة.
2 سقط في ش.
3 سقط ما بين القوسين في ز.
4 كأنه يصف ساحة حرب وتضب لئات الخيل أي تسيل بالدم، وحجراتها:
نواحيها. والعجاج: الغبار، والأزمل: الصوت.
5 المؤيد: مبالغة المارد وهو العاتي.
6 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط.
7 في شرح الكامل للمرصفي 1/ 97 عن السكري أنه في رجز لرجل من هذيل،
وانظره هناك.
8 في اللسان "دلم" أن ابن جني عزاه إلى شاعر اسمه دلم، بفتح الدال
واللام وانظر ص268 من الجزء الأول.
(3/153)
فأما الإبدال على غير قياس فقولهم1: قريت،
وأخطيت، وتوضيت. وأنشدني بعض أصحابنا لابن هرمة:
ليت السباع لنا كانت مجاورة ... وأننا لا نرى ممن نرى أحدا
إن السباع لتهدا عن فرائسها ... والناس ليس بهادٍ شرهم أبدا
ومن أبيات الكتاب لعبد الرحمن بن حسان:
وكنت أذل من وتد بقاع ... يشجج رأسه بالفهرواجي2
يريد: واجئ؛ كما أراد الأول: ليس بهادئ. ومن أبياته أيضًا:
راحت بمسلمة البغال عشية ... فارعى فزارة لا هناك المرتع3
ومن حكاياته بيس في بئس4، أبدل الهمزة ياء. ونحوه قول ابن ميادة:
فكان لها يومذٍ أمرها
__________
1 سقط في د، هـ، ز، ط.
2 من قطعة يهجو فيما عبد الرحمن بن الحكم أخا مروان، وقبله:
وأما قولك الخلفاء منا ... فهم منعوا وريدك من وداج
ولولاهم لكنت كحوت بحر ... هوى من مظلم الغمرات داج
كان عبد الرحمن افتخر على الشاعر بأن الخلفاء منهم إذ كان من قريش وابن
حسان من الأنصار، فقال له الشاعر، لولا الخلفاء وانتسابك إليهم لكنت
مغمورا كحوت في بحر مظلم، وكنت أذل من الوتد بقاح -أي مستوى من الأرض-
يدق رأسه بالحجر والعرب تضرب المثل في الذلة بالوتد، وقوله: "واج" أصله
واجيء وصف من رجأ عنقه أي دقها، والفهر: الحجر ملء الكف، وانظر شرح
شواهد الشافية 341، والكتاب 2/ 170.
3 البيت للفرزدق، من قطعة قالها حين عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق
ووليها عمر بن هبيرة الفزاري، ويقول الأعلم: "فهجاه الفرزدق ودعا لقومه
ألا يهنئوا النعمة بولايته، وأراد بغال البريد التي قدمت بمسلمة عند
عزله" وانظر الكتاب 2/ 170.
4 في د، هـ، ز: "معنى بئس".
(3/154)
وقرأ عاصم في رواية حفص: "أن تبويا"1 في
الوقف، أي2 تبوءا. وقال:
تقاذفه الرواد حتى رموا به ... ورا طرق الشأم البلاد الأقاصيا
أراد: وراء طرق الشام فقصر الكلمة. فكان ينبغي إذ ذاك أن يقول: ورأ،
بوزن قرأ؛ لأن الهمزة أصلية عندنا، إلا أنه أبدلها ضرورة "فقلبها ياء؛
وكذلك ما كان من3 هذا النحو فإنه إذا أبدل"4 صار5 إلى أحكام ذوات
الياء؛ ألا ترى أن قريت مبدلة من قرأت، بوزن قريت من قريت الضيف ونحو
ذلك. ومن البدل البتة النبي في مذهب سيبويه. وقد ذكرناه. وكذلك البرية
عند غيره. ومنه الخابية، لم تسمع مهموزة. فإما أن يكون تخفيفا اجتمع
عليه؛ كيرى وأخواته، وإما أن يكون بدلًا؛ قال6:
أري عيني ما لم ترأياه ... كلانا عالمٌ بالترهات
والنبوة عندنا مخففة لا مبدلة. وكذلك الحكم على ما جاء من هذا: أن يحكم
عليه بالتخفيف إلى أن يقوم الدليل فيه7 على الإبدال. فاعرف ذلك مذهبا
للعرب نهجا بإذن الله. وحدثنا أبو علي قال: لقي أبو زيد سيبويه فقال
له: سمعت العرب تقول: قريت وتوضيت. فقال له8 سيبويه: كيف9 تقول في أفعل
منه؟ قال: أقرأ. وزاد أبو العباس هنا: فقال له سيبويه: فقد تركت مذهبك،
أي لو كان البدل قويًا للزم ووجب10 أن تقول: أقري؛ كرميت أرمي. وهذا
بيان.
__________
1 آية 87 سورة يونس، والقراءة التي نسبها إلى حفص هي رواية هبيرة عنه؛
كما في البحر 5/ 186، وقد أنكر هذه الرواية بعض القراء، كما في شرح أبي
شامة للشاطبية 345.
2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "أن".
3 في ط: "في".
4 سقط ما بين القوسين في ش.
5 في ش: "فصار".
6 أي سراقة البارقي. كان وقع في أسر المختار الثقفي، فزعم له أنه رأى
ملائكة على خيل بلق تحارب في جيش المختار فأطلق سراحه، وقبله:
ألا أبلغ أبا إسحاق أني ... رأيت الخيل دهما مصمتات
وأبو إسحاق هو المخترا، وانظر تاريخ الطبري 7/ 123 في حوادث سنة 66هـ.
7 سقط في د، هـ، ز.
8 سقط في ش.
9 في ز، ط: "فكيف".
10 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
(3/155)
باب في حرف اللين
المجهول:
وذلك مدة الإنكار؛ نحو قولك في جواب من قال: رأيت بكرا: أبكرنيه، وفي
جاءني محمد: أمحمدنيه، وفي مررت على قاسم: أقاسمنيه! وذلك أنك ألحقت
مدة الإنكار، وهي لا محالة ساكنة، فوافقت التنوين ساكنًا، فكسر
"لالتقاء الساكنين"1 فوجب أن تكون المدة ياء لتتبع الكسرة. وأي المدات
الثلاث كانت فإنها لا بد أن توجد في اللفظ بعد كسرة التنوين2 ياء؛
لأنها إن كانت في الأصل ياء فقد كفينا النظر في أمرها. وإن كانت ألفًا
أو واوًا فالكسرة قبلها تقلبها إلى الياء البتة.
فإن قيل: أفتنص في هذه المدة على حرف3 معين: الألف أو الياء أو الواو؟.
قيل: لم تظهر4 في شيء من الإنكار على صورة مخصوصة فيقطع بها عليها دون
أختيها، وإنما تأتي تابعة لما قبلها، ألا تراك تقول في قام عمر: أعمروه
وفي رأيت أحمد: أأحمداه وفي مررت بالرجل آلرجليه، وليست كذلك مدة
الندبة؛ لأن تلك ألف لا محالة، وليست مدة مجهولة مدبرة بما قبلها، ألا
تراها تفتح ما قبلها أبدًا، ما لم تحدث هناك لبسًا، ونحو ذلك نحو وا
زيداه، ولم يقولوا: وا زيدوه وإن
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لالتقائهما".
2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "النون".
3 كذا في ش: ط. وفي د، هـ، ز: "أنها حرف".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يظهر".
(3/156)
كانت الدال مضمومة في وا زيد. وكذلك وا عبد
الملكاه، ووا غلام زيداه، لما حذفت لها التنوين "من زيد"1 صادفت الدال
مكسورة ففتحتها.
غير أننا نقول: إن أخلق الأحوال بها أن تكون ألفًا من موضعين.
أحدهما أن الإنكار مضاهٍ للندبة. وذلك أنه موضع أريد فيه معنى الإنكار
والتعجب فمطل الصوت به2 وجعل ذلك أمارة لتناكره؛ كما جاءت مدة الندبة
إظهارًا، للتفجع وإيذانًا بتناكر3 الخطب الفاجع، والحدث الواقع. فكما
أن مدة الندبة ألف، فكذلك ينبغي أن تكون مدة الإنكار ألفا.
والآخر أن الغرض في الموضعين جميعًا إنما هو مطل الصوت، ومده وتراخيه،
والإبعاد فيه لمعنى الحادث هناك. وإن كان الأمر كذلك فالألف أحق به دون
أختيها؛ لأنها أمدهن صوتًا، وأنداهن4، وأشدهن إبعادا "وأنآهن"5. فأما
مجيئها تارة واوا، وأخرى ياء فثانٍ لحالها، وعن ضرورة دعت "إلى ذلك"6؛
لوقوع الضمة والكسرة قبلها. ولولا ذلك لما كانت إلا ألفًا أبدا.
فإن قلت: فهلا تبعها ما قبلها7 في الإنكار؛ كما تبعها في الندبة، فقلت
في جاءني عمر: أعمراه؛ كما تقول الندبة: واعمراه؟.
قيل: فرق ما بينهما8 أن الإنكار جارٍ مجرى الحكاية، ومعنى الجامع
بينهما أنك مع إنكارك للأمر مستثبت، ولذلك قدمت في أول كلامك همزة
الاستفهام.
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "له" وسقط في ط.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يتناكره".
4 في ط: "أبداهن".
5 سقط في ش، ط، وثبت في د، هـ، ز.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لذلك".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كانت قبلها".
8 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
(3/157)
فكما تقول في جواب رأيت زيدا: من زيدا؟
كذلك قلت أيضًا في جواب جاءني عمر: أعمروه.
وأيضًا فإن مدة الإنكار لا تتصل بما قبلها اتصال مدة الندبة بما قبلها؛
ألا ترى التنوين فاصلا بينهما في نحو أزيدنيه، ولا يفصل به بين المندوب
ومدة الندبة في نحو وا غلام زيداه، بل تحذفه1 لمكان مدة الندبة،
وتعاقب2 بينهما، لقوة اتصالها به؛ كقوة اتصال التنوين به، فكرهوا أن
يظاهروا بينهما في آخر الاسم؛ لتثاقله عن احتمال زيادتين في آخره3.
فلما حذف التنوين لمدة الندبة قوى اتصالها بالمندوب، فخالطته فأثرت فيه
الفتح. ولما تأخرت4 عنه مدة الإنكار ولم تماسه مماسة مدة الندبة له لم
تغيره5 تغييرها إياه. ويزيدك في علمك ببعد مدة الإنكار عن الاسم الذي
تبعته وقوع "إن" بعد التنوين فاصلة بينهما؛ نحو أزيدا إنيه! وأزيدٌ
إنيه! وهذا ظاهر للإبعاد لها عنه. وأغرب من هذا أنك قد تباشر بعلامة
الإنكار غير اللفظ الأول. وذلك في قول6 بعضهم وقد قيل له: أتخرج إلى
البادية إن أخصبت؟ فقال: أنا إنيه! فهذا أمر7 آخر أطم من الأول؛ ألا
تراك إذا ندبت زيدا ونحوه فإنما تأتي بنفس اللفظ الذي هو عبارة عنه، لا
بلفظ آخر ليس بعبارة عنه. وهذا تناهٍ في ترك مباشرة مدة الإنكار للفظ
الاسم المتناكرة حاله؛ وما أبعد هذا عن حديث الندبة!
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يحدفه".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعاقب".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من".
4 كذا في ش وفي د، هـ، ز، ط: "تراخت".
5 في ش: "يغيره".
6 انظر الكتاب 1/ 406.
7 سقط في ش.
(3/158)
فإن قلت: فقد تقول في ندبة زيد "وا أبا
محمداه"1 فتأتي بلفظ آخر، وكذلك إذا ندبت جعفرا قلت: وا من كان
كريماه2! فتأتي بلفظ غير لفظ زيد وجعفر.
قيل: أجل، إلا أن "أبا محمد" و"من كان كريما" كلاهما عبارة عينيهما3،
وقوله4: أنا إنيه ليس باللفظ الأول، ولا بعبارة عن معناه. وهذا كما
تراه واضح جلي.
ومثل مدة الإنكار هذه البتة في جهلها5، مدة التذكر في قولك إذا تذكرت
الخليل ونحوه: الي وعني ومنا6 ومنذو، أي الخليل وعن الرجل ومن الغلام
ومنذ الليلة.
__________
1 في ز، ط: "وابا محمداه" وفي ش: "وأبي محمد".
2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "كريما".
3 كذا في ش، وكتب فوقها: "صح"، وفي ز، ط: "عنهما".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قولك".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حملها".
6 كذا في ط، ز، وفي ش: "منى".
(3/159)
باب في بقاء الحكم
مع زوال العلة:
هذا موضع ربما أوهم فساد العلة. وهو مع التأمل بضد ذلك؛ نحو قولهم فيما
أنشده أبو زيد:
حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا ... ولا نسأل الأقوام عقد المياثق1
ألا ترى أن فاء ميثاق -التي هي واو وثقت- انقلبت للكسرة قبلها ياء؛ كما
انقلبت في ميزان وميعاد؛ فكان يجب على هذا لما2 زالت الكسرة في التكسير
أن تعاود الواو فتقول على قول الجماعة: المواثيق3؛ كما تقول:
الموازين4، والمواعيد. فتركهم الياء بحالها ربما أوهم أن5 انقلاب هذه
الواو ياء ليس6 للكسرة قبلها، بل هو لأمر آخر غيرها؛ إذ لو كان لها
لوجب زواله مع زوالها. ومثل ذلك "ما أنشده"7 خلف الأحمر من8 قول
الشاعر9:
عداني أن أزورك أم عمرو ... دياوين تشقق بالمداد
فللقائل أيضًا أن يقول: لو أن ياء ديوان إنما قلبت عن واو دوان للكسرة
قبلها لعادت عند زوالها.
وكذلك للمعترض في هذا أن يقول: لو كانت ألف باز إنما قلبت همزة في لغة
من قال: بأز؛ لأنها جاورت الفتحة فصارت الحركة كأنها فيها، فانقلبت
همزة؛ كما انقلبت لما حركت9 في نحو شأبة ودأبة، لكان ينبغي أن تزول
الهمزة
__________
1 نسبه أبو زيد في النوادر 64 إلى عياض بن أم درة الطائي، وروى الأخفش
عن أبي سعيد أنه عياض بن درة، وقبله:
وكنا إذا الدين الغلبي يرى لنا ... إذا ما حللناه مصاب البوارق
والدين: الطاعة، والغلبي: الغابة، أي إذا كانت الطاعة سببها الغلبة
والقوة للمطاع، وقوله: "برى" أي عرض، وفاعله "حمى" ومصاب البوارق: مكان
نزول المطر، وفي تهذيب إصلاح المنطق 1/ 218: "يرى" و"حمى" نائب الفاعل،
وفسره فقال: "يقول: كنا في الزمن الذي لا يطيع الناس بعضهم بعضا يرى
حمى لا يحل إلا بإذننا"، وانظر شواهد الشافية 96.
2 في ش: "كما".
3 في ط: "المواثق".
4 في ط: "في الموازين".
5 سقط هذا الحرف في ز.
6 سقط في د، هـ، ز.
7 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "إنشاد".
8 سقط في ش، ط.
9 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "الآخر"، وفي ش: "الراجز"، وكتب في هامشه:
"صوابه: الشاعر لا الراجز؛ لأن البيت من الوافر لا من الراجز"، وجاء
البيت في اللسان "دون". وفيه: "تنفق" بدل "تشقق" يريد الشاعر أنه مثبت
في ديوان الجند، وهو لذلك لا يمكنه زيارة هذه المرأة، فإنه إذا غاب عن
الجند كتب غيابه في الديوان أي كتاب الجند، وحرم العطاء.
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تحركت".
(3/160)
عند زوال الألف في قولهم: بئزان، فقد1
حكيت2 أيضًا بالهمز3؛ إذ كانت الياء "إذا تحركت"4 لم تقلب5 همزة في6
نحو قول جرير:
فيومًا يجازين الهوى غير ماضيٍ ... ويومًا ترى منهن غولًا تغول7
وكذلك لو كانت الواو إنما انقلبت في صبية وقنية وصبيان ولياح للكسرة
قبلها، لوجب إذا زالت الكسرة أن تعود الواو، فتقول: صبوة وصبوان، وقنوة
ولواح لزوال الكسرة.
والجواب عن هذا وغيره مما هذه حاله أن العلة في قلب هذه الأشياء هو ما
ذكره القوم: من وقوع الكسرة قبلها لأشياء.
منها أن أكثر اللغة8 وشائع الاستعمال هو إعادة الواو عند زوال الكسرة.
وذلك قولهم: موازين ومواعيد وقولهم في ريح: أرواح، وفي قيل: أقوال، وفي
ميثاق: مواثيق، وفي ديوان: دواوين. فأما مياثق ودياوين فإنه لما كثر
عندهم واطرد في الواحد القلب، وكانوا كثيرًا ما يحملون الجمع على حكم
الواحد؛ وإن لم يستوف لجمع جميع أحكام الواحد نحو ديمة وديم، وقيمة
وقيم، صار الأثر في الواحد كأنه ليس عندهم مسببًا عن أمر، ومعرضًا
لانتقاله بانتقاله بل تجاوزوا به ذلك، وطغوا به9 إلى ما وراءه، حتى صار
الحرف المقلوب إليه لتمكنه في القلب كأنه أصل
__________
1 كذا في ز، وفي ش، ط: "وقد".
2 كذا في ز، ط وفي ش: "حكمت".
3 في ز: "بالهمزة".
4 كذا في ش، وفي ز، ط: "لما".
5 في ش قبله: "بالهمزة".
6 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
7 من غزل قصيدة له في هجو الأخطل، وانظر الديوان، والكتاب 2/ 59، وفيه:
"يوافيني" بدل "يجازين".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز:"اللغات".
9 سقط هذا الحرف في ش.
(3/161)
في موضعه، وغير مسبب عندهم عن علة، فمعرضٍ1
لانتقاله بانتقالها2، حتى أجروا ياء ميثاق مجرى الياء الأصلية3؛ وذلك
كبنائك من اليسر مفعالا، وتكسيرك إياه على مفاعيل، كميسار ومياسير،
فمكنوا قدم الياء في ميثاق4؛ أنسابها، واسترواحًا إليها، ودلالة على
تقبل الموضع5 لها.
وكذلك -عندي- قياس تحقيره على هذه اللغة أن تقول: مييثيق.
ومنها أن الغرض في هذا القلب إنما هو طلب للخفة؛ فمتى وجدوا طريقًا أو
شبهة في الإقامة عليها، والتعلل بخفتها سلكوها، واهتبلوها. وليس غرضهم
وإن كان قلبها6 مسببًا عن الكسرة أن يتناهوا في إعلامنا ذلك بأن
يعيدوها واوًا مع زوالها. وإنما غالب الأمر ومجموع الغرض القلب لها7؛
لما يعقب من الاسترواح إلى انقلابها. فكأنهم قنعوا أنفسهم بتصور القلب
في الواحد لما انتقلوا عنه إلى الجمع ملاحظة لأحواله، ومحافظة على
أحكامه، واسترواحًا إلى خفة المقلوب إليه، ودلالة على تمكن القلب في
الواحد حتى ألحقوه بما أصله الياء.
وعندي مثل يوضح "الحال في"8 إقرار الحكم مع زوال العلة، على قلة ذلك في
الكلام9، وكثرة ضده في الاستعمال، وهو العود تقطعه10 من شجرته11 غضًا12
رطيبًا13،
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "ومعرض" وهو معطوف على: "مسبب".
2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "بانتقاله".
3 سقط في ش.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الميثاق".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المواضع".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قلبا".
7 سقط في ش.
8 كذا في ط، وفي ش، ز: "حال".
9 في ط: "القلب في الواحد".
10 في ز: "يقطعه".
11 في ط: "شجرة".
12 في ط: "غصنا".
13 كذا في ش، وفي ط "رطبا" وسقط في د، هـ، ز.
(3/162)
فيقيم على ذلك زمانا، ثم يعرض له فيما بعد
من الجفوف واليبس ما يعرض لما هذه سبيله، فإذا استقر على ذلك اليبس
وتمكن فيه "حتى ينخر"1 لم يغن عنه فيما بعد أن تعيده2 إلى قعر البحر
فيقيم فيه مائة عام؛ لأنه قد كان بعد عن الرطوبة بعدا أوغل فيه، حتى
أيأس من معاودته البتة إليها3.
فهذه حال إقرار الحكم مع زوال العلة، وهو الأقل في كلامهم. وعلى طرف من
الملامحة له قول الله عز وجل: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} 4.
ومنها أنهم قد5 قلبوا الواو ياء قلبًا صريحًا لا عن علة مؤثرة أكثر من
الاستخفاف، نحو قولهم: رجل غديان6، وعشيان6، والأريحية7، ورياح، ولا
كسرة هناك، ولا اعتقاد كسرة فيه قد7 كانت في واحده، لأنه ليس جمعًا
فيحتذى به8 ويقتاس9 به10 على حكم واحده. وكذلك قول الآخر:
جول التراب فهو جيلاني11
فإذا12 جنحوا إلى الياء هذا الجنوح العاري من السبب المؤثر13 سوى ما
فيه من الاسترواح إليه، كان قلب الأثقل إلى الأخف وبقاؤه على ذلك لضرب
من التأول أولى وأجدر.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش كلمة غير واضحة تحتمل "بجد" أو "ببحر".
2 كذا في ط، وفي ز، ش: "يعيده".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط:"إليه".
4 آية 91 سورة يونس، والإشارة التي بعينها المؤلف في الآية أن فرعون
حقت عليه اللعنة لعنوة وبقيت عليه اللعنة عند توبته في آخر أمره، فهذا
يشبه بقاء الحكم مع زوال العلة.
5 سقط في د، هـ، ز.
6 غديان أي تغدى، وعشيان أي تعشى.
7 في ش: "وقد".
8 سقط في ش، ط.
9 كذا في ش، وفي ز، ط: "يقاس".
10 سقط في ط.
11 في ط بعد هذا الشطر: "جولاني"، وكأنه يريد أنه روى بالوجهين: الياء
والواو، وجول التراب: انتشاره ويقال: يوم جولاني وحيلاتي: كثير التراب
والريح.
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإذا".
13 سقط في ش، وثبت في د: هـ، ز، ط.
(3/163)
نعم، وإذا كانوا قد أقروا حكم الواحد على
تكسيره مع ثقل ما صاروا إليه مراعاة لأحكامه؛ نحو بأز وبئزان حتى شبهوه
برأل ورئلان، كان إقرار قلب الأثقل إلى الأخف عند التكسير أولى وأجدر1؛
ألا ترى أن الهمزة أثقل من الياء. وكذلك قولهم لياح -وإنما هو فعال من
لاح يلوح لبياضه- قد راعوا فيه انقلاب عينه مع الكسرة في "لياح" على
ضعف هذا الأثر؛ لأنه ليس بجمع "كحياض ورياض"2 ولا مصدر كقيام وصيام.
فإقرار الحكم القوي الوجوب3 في الواحد عند تكسيره أجدر بالجواز.
وكذلك حديث قنية وصبيان وصبية في إقرار الياء بحالها، مع زوال الكسرة
في صبيان وقنية. وذلك أن القلب مع الكسرة لم يكن له قوة في القياس،
وإنما كان مجنوحًا به إلى الاستخفاف. وذلك أن الكسرة لم تل الواو؛ ألا
ترى أن بينهما حاجزًا وإن كان ساكنًا فإن مثله في أكثر اللغة يحجز.
وذلك نحو جرو وعلوٍ، وصنو، وقنو، ومجولٍ، ومقولٍ4، و"قرواح، وجلواخ،
وقرواش، ودرواس"5 وهذا كثير فاشٍ. فلما أعلوا في صبية وبابه، علم أن
أقوى سببي القلب إنما هو طلب الاستخفاف، لا متابعة الكسر مضطرًا إلى
الإعلال. فلما كان الأمر كذلك أمضوا العزمة في ملازمة الياء؛ لأنه لم
يزل من الكسرة مؤثر يحكم القياس
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أجرى".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "مثل رياض وحباض".
3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "الوجوه".
4 كذا في ش، وكتب تحت قاف "مقول" حرف عين صغيرة، وكتب فوق الكلمة "معا"
دلالته على أنها تقرأ بالقاف وبالعين، وفي ز، ط: "معول".
5 سقط ما بين القوسين في ش، والقرواح من معانيه الناقة الطويلة
القوائم؛ والجلواخ: الوادي الواسع الممتلئ، والقرواش: الطفيلي والعظيم
الرأس، والدرواس من معانيه الأسد.
(3/164)
له بقوة فيدعو زواله إلى المصير إلى ضد1
الحكم الذي كان وجب به. وليس هذا كمياثق2؛ من قبل أن القلب في ميثاق
واجب، والقلب في قنية وصبية ليس بواجب. فكأن باب ميثاق أثر في النفس
أثرًا قوي الحكم فقرره3 هناك، فلما زال بقي حكمه دالًّا على قوة الحكم
الذي4 كان به، وباب صبية وعلية أقر حكمه5 مع زوال الكسرة عنه6،
اعتذارًا في ذلك بأن الأول لم يكن عن وجوب فيزال عنه لزوال ما دعا
إليه، وإنما كان استحسانًا، فليكن مع زوال الكسر أيضًا استحسانًا.
أفلا ترى إلى اختلاف حال الأصلين في الضعف والقوة، كيف صرت له7 بهما
إلى فرع واحد، وهو القلب. فإنه جيد في معناه، ونافع في سواه، مما
شرواه8. "ومن بعد"9 فقد قالوا أيضًا: صبوان وصبوة وقنوة؛ وعلى أن
البغداديين قالوا: قنوت، وقنيت، وإنما كلامنا على ما أثبته أصحابنا،
وهو قنوت لا غير.
ومن بقاء الحكم مع زوال علته قول الراجز10:
لما رأى أن لادعه ولا شبع ... مال إلى أرطاة حقفٍ فالطجع
وهو افتعل من الضجعة. وأصله: "فاضتجع فأبدلت التاء طاء لوقوع الضاد
قبلها11، فصارت"12: فاضطجع، ثم أبدل الضاد لامًا. وكان سبيله "إذ
أزال"13 جرس الضاد أن تصح14 التاء، فيقال: فالتجع؛ كما يقال: التحم15،
والتجأ، لكنه أقرت16 الطاء
بحالها؛ إيذانًا بأن هذا القلب الذي دخل الضاد إلى اللام لم يكن عن
استحكام، ولا عن وجوب؛ كما أن صحة الواو في17 قوله18:
وكحل العينين بالعواور
إنما جاء لإرادة الياء في العواوير19، وليعلم أن هذا الحرف ليس بقياس
ولا منقاد.
فهذه طريق بقاء الأحكام، مع زوال العلل والأسباب. فاعرف ذلك؛ فإنه كثير
جدًّا.
__________
1 في ز: "صدر".
2 في ز، ط: "كميثاق".
3 في ط: "وقرره".
4 سقط في ش، ط.
5 في ط: "هلى حكمه".
6 سقط في د، هـ، ز.
7 سقط في د، هـ، ز، ط.
8 شروى الشيء مثله.
9 في ط: "وبعده".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "الآخر"، وفي ط "جرير" وهو سهو في النسخ،
وانظر في الرجز ص264 من الجزء الأول، وتهذيب الألفاظ 302.
11 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "فاء".
12 سقط ما بين القوسين في ش.
13 في ط: "إذ زال".
14 كذا في ش، وفي ز، ط: "يصح".
15 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "النجم".
16 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أقر".
17 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من".
18 أي جندل بن المثنى الطهوي، وقبله:
غرك أن تقاربت أباعري ... وأن رأيت الدهر ذا الدوائر
حتى عظامي وأراه ثاغري
وتقارب أباعره كتابة عن فلتها، وقوله: "وكحل" ففاعله الدهر كما رأيت،
والعواور جمع العوار -كرمان- وهو وجع العين، وقد جعل إصابة العين
بالوجع كحلا على سبيل التشبيه، وانظر الكتاب 2/ 374، وشواهد الشافية
274.
19 كذا في ش، ط، وفي ز: "العواور".
(3/165)
باب في توجه اللفظ
الواحد إلى معنيين اثنين:
وذلك في الكلام على ضربين:
أحدهما -وهو الأكثر- أن يتفق اللفظ البتة، ويختلف في تأويله.
وعليه عامة الخلاف؛ نحو قولهم: هذا أمر لا ينادى وليده؛ فاللفظ غير
مختلف فيه، لكن يختلف في تفسيره.
فقال قوم1: إن الإنسان يذهل عن ولده لشدته، فيكون هذا كقول الله تعالى:
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} 2
وقوله سبحانه: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ
وَأَبِيهِ} 3 "والآي في هذا المعنى كثيرة"4.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بعضهم".
2 آية 2 سورة الحج.
3 آيتا 34، 35 سورة عبس.
4 كذا في ش، وفي ز، ط: "ونحوه من الآي في هذا المعنى".
(3/166)
وقال قوم: أي هو أمر عظيم فإنما ينادى فيه
الرجال والجلة لا الإماء والصبية.
وقال آخرون: الصبيان1 إذا ورد الحي كاهن أو حواء أو رقاء حشدوا عليه،
واجتمعوا له2. أي ليس هذا اليوم بيوم أنس ولهو، إنما هو يوم تجرد، وجد.
وقال آخرون -وهم أصحاب المعاني: أي لا وليد فيه فينادي "وإنما فيه
الكفاة والنهضة"3 ومثله قوله4:
على لا حل لا يهتدي بمناره
أي لا منار فيه فيهتدى به5، وقوله أيضًا:
لا تفزع الأرنب أهوالها ... ولا ترى الذئب بها ينجحر6
أي لا أرنب بها فتفزعها7 أهوالها.
ونحوه -عندي- بيت الكتاب:
وقدرٍ ككف القرد لا مستعيرها ... يعار ولا من يأتها يتدسم8
__________
1 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "إليه"، وفي ط: "لديه".
3 سقط ما بين القوسين في ش، وفي ز، هـ: "نهضة" في مكان "النهضة"،
والنهضة -بالتحريك- جمع النهاض.
4 أي امرئ القيس، وعجزه:
إذا ساقه العود الديافي جرجرا
واللاحب: الطريق الواسع، وسافه: شمه، والعود: البعير المسن، والديافي
نسبة إلى دياف، وهي قرية بالشام تنسب إليها النجائب، والجرجرة تردد صوت
الفحل وهديره، يقول: إن الجمل إذا شم تربته جرجر جزعا من بعده وقلة
مائه، وانظر اللسان "سوف".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "له".
6 في ز: "يفزع" و"الضب" في مكان "الذئب"، وفي ط: "يفتقر" في مكان
"ينجحر" وقد نسب هذا البيت ابن الأنباري في شرح المفضليات 59 إلى عمرو
بن أحمر.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيفزعها".
8 البيت لابن مقبل، قال الأعلم: "هجا قوما فجعل قدرهم في الصغر ككف
القرد، وجعلها لا تعار ولا ينال من دسمها للؤمهم" وانظر الكتاب 1/ 441.
(3/167)
أي لا مستعير يستعيرها فيعارها؛ لأنها
-لصغرها ولؤمها- مأبية معيفة1. وكذلك قوله2:
زعموا أن كل من ضرب العيـ ... ـر مولٍ لنا وأنا الولاء
على ما فيه من الخلاف3.
وعلى ذلك عامة ما جاء في القرآن، وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-
ومن بعده رضوان الله عليهم، وما وردت به الأشعار، وفصيح الكلام.
وهذا باب في نهاية الانتشار، وليس عليه عقد هذا الباب. وإنما الغرض
الباب الآخر الأضيق الذي ترى لفظه على صورة، ويحتمل أن يكون على غيرها،
كقوله4:
نطعنهم سلكى ومخلوجةً ... كرك لامين على نابل
فهذا ينشد على أنه ما تراه5: كرك لامين "أي ردك لامين"6 -وهما سهمان-
على نابل. ذلك أن تعترض7 من8 صاحب النبل شيئًا منها فتتأمله9 ترده10
إليه، فيقع
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "معنقة".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قول الحارث"، وهو الحارث بن حلزة في
قصيدة التي أولها:
آذنتنا ببينها أسماء ... رب ثاو يمل منه الثواء
3 أورد صاحب التاج "عبر" فيه عشرة أقوال، ومنها أن المراد بالعير كليب،
والعير السيد لأنه كان سيدا ملكا، وقيل: المراد به المنذر بن ماء
السماء، وكان قد قتل، ومنها: أن العير السيد مطلقا، وقوله: "موال لنا"
أي تتحمل جنايته كما يتحمل المولى أي الحليف أو ابن العم جناية مولاه.
4 هذا على ما في ز، وإن كان فيها "لقوله" وهو تحريف، وفي ش، ط:
"كقولهم"، وانظر في البيت ص104 من هذا الجزء.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يراه".
6 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
7 في د، هـ، ز: "يعترض".
8 سقط في ز.
9 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "فيتأمله" وسقط في ش.
10 في د، هـ، ز: "برده".
(3/168)
بعضه كذا وبعضه كذا. فكذلك قوله1: كرك
لامين أي طعنًا مختلفًا: بعضه كذا وبعضه كذا. ويروى أيضًا على أنه: كر
كلامين أي كرك كلامين على صاحب النبل؛ كما تقول2 له: ارم ارم، تريد
السرعة والعجلة. ونحو من ذلك -وإن كان فيه أيسر خلافٍ- بيت المثقب
العبدي:
أفاطم قبل بينك نوليني ... ومنعك ما سألت كأن تبيني3
فهذه رواية الأصمعي: أي منعك كبينك، وإن كنت مقيمة. ومثله: "قول
الطائي"4 الكبير:
لا أظلم النأي قد كانت خلائقها ... من قبل وشك النوى عند نوًى قدفا5
ورواه6 ابن الأعرابي:
ومنعك ما سألتك أن تبيني
أي منعك7 إياي ما سألتك هو بينك. ورواية الأصمعي أعلى وأذهب في معاني
الشعر.
ومن ذلك ما أنشده أبو زيد:
وأطلس يهديه إلى الزاد أنفه ... أطاف بنا والليل داجي العساكر
فقلت لعمرو صاحبي إذ رأيته ... ونحن على خوص دقاق عواسر
أي عوى هذا الذئب، فسر أنت.
__________
1 سقط في هـ، ز، ط.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يقول".
3 هو مطلع قصيدة في المفضليات.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "للطائي".
5 نوى قذفا أي فراقا بعيدا، والبيت من قصيدة لأبي تمام في مدح أبي دلف
القاسم بن عيسى العجلي.
6 كذا في ش، وفي ز، ط: "رواها".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ومنعك".
(3/169)
وأنشدنا أبو علي:
خليلي لا يبقى على الدهر فادر ... بتيهورة بين الطخا فالعصائب1
أي بين هذين الموضعين، وأنشدناه أيضًا: بين الطخاف العصائب.
وأنشد أيضًا2:
أقول للضحاك والمهاجر ... إنا ورب القلص الضوامر3
إنا أي4 تعبنا، من الأين، وهو التعب والإعياء. وأنشد5 أبو زيد:
هل تعرف الدار ببيدا إنه ... دار لخود قد تعفت إنه
فانهلت العينان تسفحنه ... مثل الجمان جال في سلكنه
لاتعجبي مني سليمى إنه ... إنا لحلالون بالثغرنه
وهذه أبيات عملها6 أبو علي في المسائل البغدادية. فأجاز في جميع
قوافيها أن يكون أراد: إن، وبين الحركة بالهاء، وأطال فيها هناك. وأجاز
أيضًا أن يكون أراد: ببيداء7 ثم صرف وشدد التنوين للقافية8، وأراد: في
سلك، فبنى منه فعلنًا كفرسن،
__________
1 انظر ص82 من الجزء الثاني.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أصحابنا".
3 قوله: "للضحاك" كذا في ش، ط، وفي د، ز: "للصباح"، وجاء في اللسان
"أين" الشطر الأخير من غير عزو، وفي التاج بعد أن أورد ما في اللسان:
"قلت" ووجدت في هامش الصحاح من نصه: قال الأصمعي: يصرف الأين وأبو زيد
بدلا بصرفه، قال أبو محمد: لم يصرف الابن إلا في بيت واحد وهو:
قد قلت للصباح والهواجر ... إنا ورب الفلص الضوامر
الصباح التي يقال لها: ارتحل فقد أصبحنا، والهواجر التي يقال له: سر
فقد اشتدت الهاجرة. وإنا من الأين.
4 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
5 انظر النوادر 59، ونسبها أبو زيد عن المفضل إلى رجل من الأشعريين
يكنى أبا الحصيب. وقد رسمت في النوادر باختلاف عما هنا، وانظر ص332 من
الجزء الأول.
6 أي شرحها، وانظر المرجع السابق.
7 في ش: "بيداء".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لأجل للقافية".
(3/170)
ثم شدده لنية الوقف، فصار؛ سلكن. وأراد:
بالثغر، فبنى منه للضرورة1 فعلنا2، وإن لم يكن3 هذا مثالًا معروفًا؛
لأنه أمر ارتجله مع الضرورة إليه، وألحق الهاء في سلكنه والثغرنه؛
كحكاية الكتاب4: أعطني أبيضه. وأنشدوا قوله:
نفلق هاما لم تنله سيوفنا ... بأيماننا هام الملوك القماقم
وإنما هو: ها من لم تنله سيوفنا. فـ"ها" تنبيه، و"من لم تنله سيوفنا"
نداء أي يا من لم ننله سيوفنا خفنا فإنا5 من عادتنا أن نفلق بسيوفنا
هام الملوك، فكيف من سواهم.
ومنه المثل السائر: زاحم بعود أو دع، أي زاحم بقوة أو فاترك ذلك، حتى
توهمه بعضهم: بعود أو دع، فذهب إلى أن "أودع" صفة لعود؛ كقوله6: بعود
أو قص أو أوطف أو نحو ذلك مما جاء على أفعل وفاؤه واو.
ومن ذلك قول الله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}
7. فذهب8 الخليل وسيبويه فيه إلى9 أنه وي مفصول، وهو اسم سمي به الفعل
في الخبر، وهو معنى10 أعجب، ثم قال مبتدئًا: كأنه لا يفلح الكافرون
وأنشد فيه:
وي كأن من يكن له نشب يحـ ... ـبب ومن يفتقر يعش عيش ضر11
__________
1 سقط في ش.
2 كذا في ش، وفي ز، ط: "فعلن".
3 سقط في د، هـ، ز.
4 انظر سيبويه 2/ 283.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فإن".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كقولك".
7 آية 82 سورة القصص.
8 كذا في ش، وفي ز، ط: "مذهب".
9 سقط في د، هـ، ز، ط.
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "اسم".
11 انظر ص43 من هذا الجزء.
(3/171)
وذهب أبو الحسن فيه إلى أنه: ويك أنه لا
يفلح الكافرون، أراد: ويك أي أعجب أنه لا يفلح الكافرون، أي أعجب لسوء
اختيارهم "ونحو ذلك"1 فعلق "أن" بما في "ويك" من معنى الفعل، وجعل
الكاف حرف خطاب بمنزلة كاف ذلك وهنالك. قال أبو علي ناصرًا لقول
سيبويه: قد جاءت كأن كالزائدة، وأنشد بيت عمر2:
كأنني حين أمسي لا تكلمني ... ذو بغية يشتهى ما ليس موجودا
أي أنا كذلك. وكذلك3 قول الله سبحانه {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ
الْكَافِرُونَ} أي "هم لا يفلحون"4. "وقال الكسائي: أراد: ويلك ثم حذف
اللام"5.
ومن ذلك بيت الطرماح:
وما جلس أبكار أطاع لسرحها ... جنى ثمر بالواديين وشوع6
قيل فيه قولان: وشوع أي كثير7. ومنه قوله:
إني امرؤ لم أتوشع بالكذب
أي لم أتحسن به ولم أتكثر به. وقيل: إنها واو العطف والشوع: ضرب من
النبت.
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
2 يريد عمر بن أبي ربيعة، ونسبه في اللسان في أبيات في مدح سليمان بن
عبد الملك إلى يزيد بن الحكم الثقفي، وانظر اللسان "عود"، والبيت في
ديوان عمر في ستة أبيات.
3 سقط في ز.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هم كذلك".
5 سقط ما بين القوسين في ش.
6 الجلس: العسل، ويريد أبكار النحل أي أفراخها وأحداثها، و"شوع" بفتح
الواو، الواو -كما ذكر المؤلف- يحتمل أن تكون للعطف، والشوع ضرب من
النبت وهو شجر البان، وهو معطوف على "جنى ثمر" ويحتمل أن يكون "وشوع"
أي كثير من وشع، وروى "وشوع" بضم الواو، جمع وشع وهو زهر البقول، ولم
يذكر المؤلف هذه الرواية، وانظر اللسان "وشع".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كبير".
(3/172)
ونحو من ذلك ما أنشده أبو زيد "من قول
الشاعر"1:
خالت خويلة أني هالك ودأ
قيل: إنه2 واو عطف أي إني هالك وداء1 من قولهم: رجل داءٌ أي دوٍ، ثم
قلب. وحدثنا عن ابن سلام أن أعرابيًا قال للكحال: كحلني بالمكحال الذي
تكحل به العيون الداءة. وأجاز أيضًا في قوله: "ودأ" أن يكون فعلا من
قوله3:
وللأرض كم من صالح قد تودأت ... عليه فوارته بلماعةٍ قفر
أي غطته وثقلت عليه. فكذلك يكون قوله: إني هالك كدًا4 وثقلًا، وكان
يعتمد التفسير الأول، ويقول: إذا كانت الواو للعطف كان المعنى أبلغ
وأقوى5 وأعلى؛ كأنه ذهب6 إلى ما يراه أصحابنا من قولهم في التشهد:
التحيات لله، والصلوات لله7، والطيبات. قالوا: لأنه إذا عطف كان أقوى
له8، وأكثر لمعناه، من أن يجعل
__________
1 سقط في د، هـ، ز، وما أورده عن أبي زيد صدر بيت عجزه:
والطاعنيون لما خالفوا الغيرا
وقال أبو زيد بعده: "ودأ أي هلاكا على وزن ودعا" وثرى أن "ودأ" عند أبي
زيد منصوب في معنى هلاكا، وهذا يساير الوجه الثاني هنا، ولا يأتي مع
وجه العطف والوجه الذي يريده المؤلف يقرأ عليه "دأ" بكسر الهمزة مع
التنوين؛ إذ هو منقوص وأصله: دنو، وانظر النوادر 106.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "إنها".
3 أي هدبة بن خشرم، وقبله:
ألا يالقوم للنوائب والدهر ... وللمرء يأتي حتفه وهو لا يدري
اللماعة: الفلاة يلمع فيها السراب، وانظر اللالئ 639.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ودأ".
5 سقط في ش، ط.
6 سقط في د، هـ، ز، ويريد بأصحابه فقهاء الحنفية.
7 لم يرد هذا في د، هـ، ز، ط.
8 سقط في د، هـ، ز.
(3/173)
الثاني مكررًا على الأول بدلًا أو وصفًا.
وقال الأصمعي في قوله1:
وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا
أراد جمع عدة. وقال2 الفراء: أراد عدة3 الأمر، فلما أضاف حذف الهاء؛
كقول الله سبحانه: {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ} 4 وهذا يجيء في قول الأصمعي
على القلب؛ فوزنه على قوله: علف الأمر.
وهذا باب واسع. وأكثره في الشعر. فإذا مر بك فتنبه عليه "ومنه5 قوله:
وغلت بهم سجحاء جارية ... تهوي بهم في لجة البحر6
__________
1 أي الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، وصدره:
إن الخليط أجدرا البين فانجردوا
والخلط: المخالط، ويريد: الفريق المخالط في الإقامة في وقت النجعة،
وأجدر البين أحدثوه، وانجردوا: بعدوا، وانظر شواهد الشافية 64، وقوله:
"عدا" فهو يكتب بالألف على رأي الأصمعي وأنه جمع عدة على القلب، وعلى
رأي الفراء يكتب "عد" بدون ألف.
وهذا ذهب خالد بن كلثوم في "عدي الأمر" مذهبا آخر، هو أن "عدى" جمع
عدوة في معنى الناحية، فعدى الأمر: نواحيه، وانظر المخصص 14/ 188.
2 سقط حرف العطف في د، هـ، ز.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "جمع عدة".
4 آية 37 سورة النور.
5 ثبت ما بين القوسين في ط، وسقط في ز، ش.
6 من قصيدة للمسيب بن علس منيته في الصبح المنير 325 وفيها:
نظرت إليك بعين جازئة ... في ظل باردة من السدر
كجمانة البحري جاء بها ... غواصها من لجة البحر
صلب الفؤاد رئيس أربعة ... متخالفي الألوان والنجر
فتنازعوا حتى إذا اجتمعوا ... ألقوا إليه مقالد الأمر
وغلت بهم سجحاء خادمة ... تهوي بهم في لجة البحر
حتى إذا ما ساء ظنهم ... ومضى بهم شهر إلى شهر
ألقى مراسية بتهلكة ... ثبتت مزاميها فما تجري
والسجحاء: الطويلة الظهر، وأراد بها السفينة.
وقد أورد صاحب الخزانة هذه الأبيات مع غيرها من القصيدة في شواهد
الحال، وذكر أنها تنسب إلى أعشى قيس.
(3/174)
يكون: فعلت من التوغل. وتكون الواو أيضًا
عاطفة فيكون من الغليان. ومنه قوله1:
غدوت بها طيًّا يدي برشائها
يكون فعلى من طويت. ويجوز أن يكون تثنية طي، أي طيا يدي، وأراد: طياها2
بيدي فقلب".
ومنه بيت أوس:
فملك بالليط الذي تحت قشرها ... كغرقئ كنه بيض القيض من عل3
"الأصمعي: هو من الملك وهو التشديد. وقال ابن الأعرابي"4: أراد: من لك
بهذا الليط.
ومنه بيت الخنساء:
أبعد ابن عمرو من آل الشريـ ... ـد حلت به الأرض أثقالها5
هو من الحلية أي زينت به موتاها. وقال ابن الأعرابي: هو من الحل كأنه
لما مات "انحل به"6 عقد الأمور.
__________
1 أي الفرزدق، وصدره:
ووفراء لم تخرز بسير وكيعة
يريد بالوفراء فرسا وافرة الشعر، ووصفها أنها لم تخرز بسير للاحتراز عن
القرية ووصفها بأنها وكيعة أي وثيقة الخلق، وفي اللسان "وكع" و"عمى":
"طبا" بالباء من الطب أي فطنا وخبيرا، ويبدو أنه تصحف على ابن جني
فقرأه بالياء بدل الياء.
2 المناسب: "طبا رشائها".
3 انظر ص365 من الجزء الثاني.
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
5 من قصيدة لها في رثاء أخيها معاوية.
وقبله مطلع القصيدة:
ألا ما لعينك أم ما لها ... لقد أخضل الدمع سربالها
6 كذا في ش، وفي ط: "انحل" وفي د، هـ، ز: "انحلت" ويقرأ "عقد" عليه بضم
العين وفتح القاف، جمع عقدة وقال الأصمعي وغيره: تريد أن معاوية كان
ثقيلا على الأرض؛ لأنه كان هو وأصحابه يركضون على الأرض ويقاتلون
عليها، فلما مات انحل ذلك الثقل الذي كان عليها.
(3/175)
|