الخصائص باب فيما يؤمنه علم
العربية من الاعتقادات الدينية:
اعلم أن هذا الباب من أشرف أبواب هذا الكتاب، وأن الانتفاع به ليس إلى
غاية ولا وراءه من نهاية. وذلك أن أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد
فيها وحاد1 عن الطريقة المثلى إليها فإنما استهواه "واستخف2 حلمه" ضعفه
في هذه اللغة الكريمة الشريفة، التي خوطب الكافة بها، وعرضت عليها
الجنة والنار من حواشيها وأحنائها3، وأصل اعتقاد التشبيه4 لله تعالى
بخلقه منها، وجاز5 عليهم بها وعنها. وذلك أنهم لما سمعوا قول الله
-سبحانه، وعلا عما يقول الجاهلون علوا كبيرًا: {يَا حَسْرَتَى علَى مَا
فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} 6 وقوله: "عز اسمه: {فَأَيْنَمَا
تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} 7 وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}
8 وقوله:
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "جار".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "استخفه".
3 في د، ز: "أنحائها".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أهل التشبيه".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "حال جار". وفي ط: "جار".
6 آية 39 سورة الزمر.
7 آية 115 سورة البقرة.
8 آية 75 سورة ص.
(3/248)
تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} 1
وقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} 2 وقوله، {وَلِتُصْنَعَ عَلَى
عَيْنِي} 3 وقوله: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} 4 ونحو
ذلك من الآيات5 الجارية هذا المجرى وقوله6 في الحديث: "خلق الله آدم
على صورته"، حتى ذهب بعض هؤلاء7 الجهال في قوله تعالى: {يَوْمَ
يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} 8 أنها ساق ربهم -ونعوذ9 بالله من ضعفة10 النظر،
وفساد المعتبر- ولم يشكوا أن11 هذه أعضاء12 له، وإذا كانت أعضاء كان هو
لا محالة جسمًا معضىً13؛ على ما يشاهدون من خلقه، عز وجهه، وعلا قدره،
وانحطت سوامى "الأقدار و"14 الأفكار دونه. ولو كان لهم أنس بهذه اللغة
الشريفة15 أو تصرف فيها، أو مزاولة لها لحمتهم16 السعادة بها، ما
أصارتهم الشقوة إليه، بالبعد عنها. وسنقول في هذا ونحوه ما يجب مثله.
ولذلك ما قال17 رسول الله -صلى اله عليه وسلم- لرجل لحن: أرشدوا أخاكم
فإنه قد ضل، فسمي اللحن ضلالًا وقال عليه السلام: "رحم 18 الله امرأ
أصلح من لسانه"، وذلك لما "علمه -صلى الله عليه وسلم- مما يعقب"19
الجهل لذلك من ضد السداد، وزيغ الاعتقاد.
__________
1 آية 71 سورة يس.
2 آية 27 سورة الرحمن.
3 آية 39 سورة طه.
4 آية 67 سورة الزمر.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الآي".
6 كذا في ش، وفي ز، ط: "قولهم".
7 سقط في ش.
8 آية 42 سورة القلم.
9 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط.
10 في ز: "ضعف".
11 في ز: "إلى أن".
12 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "الأعضاء".
13 أي ذا أعضاء وأجزاء. من قولهم: عضيت الشاة والجزور إذا جرأتهما.
14 ثبت ما بين القوسين في ط.
15 سقط في ش، ط.
16 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لحملتهم".
17 سقط هذا الحرف في ش.
18 حدث بهذا الحديث عمر رضي الله عنه. وكان مر على قوم يسيئون الرمي
فقرعهم، فقالوا: إنا قوم متعلمين، فأعرض عنهم وقال: والله لخطؤكم في
لسانكم أشد على من خطئكم في رميكم، سمعت رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- يقول، فذكر الحديث، وانظر الجامع الصغير في حرف الراء.
19 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يخرج إلى".
(3/249)
وطريق ذلك أن هذه اللغة أكثرها جارٍ على
المجاز، وقلما يخرج الشيء منها على الحقيقة. وقد قدمنا ذكر ذلك في
كتابنا هذا وفي غيره. فلما كانت كذلك، وكان القوم الذين خوطبوا بها
أعرف الناس بسعة مذاهبها وانتشار، أنحائها جرى خطابهم بها مجرى ما
يألفونه ويعتادونه منها وفهموا أغراض المخاطب لهم بها على حسب عرفهم
وعادتهم في استعمالها. وذلك أهم يقولن: هذا الأمر يصغر في جنب هذا أي
بالإضافة إليه و"قرنه به"1. فكذلك2 قوله تعالى: {يَا حَسْرَتَى علَى
مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} 3 "أي فيما بيني وبين الله"4 إذا أضفت
تفريطي إلى أمره لي ونهيه أياي. وإذا كان أصله اتساعًا جرى بعضه مجرى
بعض. وكذلك5 قوله -صلى اله عليه وسلم: كل الصيد في جنب الفرأ، "وجوف
الفرأ"6، أي "كأنه يصغر"7 بالإضافة إليه8 وإذا قيس به.
وكذلك قوله -سبحانه: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} 9،
إنما هو الاتجاه "إلى الله"10، ألا ترى إلى بيت الكتاب:
أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل11
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قربه منه".
2 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "وكذا". وفي ش: "فذلك".
3 آية 39 سورة الزمر.
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "نحوه"، وهذا قاله -صلى الله عليه وسلم-
لأبي سفيان وكان استأذن عليه -صلى الله عليه وسلم- فأخر الإذن له، فلما
دخل عليه طيب نفسه بهذه المقالة. ولفظ الحديث: "يا أبا سفيان أنت كما
قال القائل: كل الصيد في جوف الفرأ". والفرأ: حمار الوحش.
6 سقط ما بين القوسين في ز.
7 سقط ما بي القوسين في ش.
8 سقط حرف العطف في ش.
9 آية 115 سورة البقرة.
10 سقط ما بين القوسين في ش.
11 ورد في الكتاب 1/ 17 غير معزو.
(3/250)
أي الاتجاه1. فإن2 شئت قلت: إن3 الوجه هنا
مصدر4 محذوف الزيادة، كأنه وضع الفعل موضع الافتعال، كوحده، وقيد
الأوابد "في أحد القولين"5 ونحوهما. وإن شئت قلت: خرج مخرج الاستعارة.
وذلك أن وجه الشيء أبدا هو أكرمه وأوضحه، فهو المراد منه، والمقصود
إليه. فجرى استعمال هذا في القديم -سبحانه- مجرى العرف فيه والعادة في
أمثاله. أي لو كان -تعالى- مما يكون له وجه لكان كل موضع توجه6 إليه
فيه وجها له؛ إلا7 أنك إذا جعلت الوجه في القول الأول مصدرا كان في
المعنى مضافا إلى المفعول دون الفاعل؛ لأن المتوجه إليه مفعول "في
المعنى فيكون"8 إذًا من باب قوله -عز وجل: {لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ
مِن دُعَاء الْخَيْرِ} 9 و {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ} 10
ونحو ذلك مما أضيف فيه المصدر إلى المفعول به.
وقوله تعالى: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} 11 إن شئت قلت: لما كان
العرف12 أن يكون أكثر الأعمال باليد13 جرى هذا مجراه. وإن شئت قلت:
الأيدي هنا14 جمع اليد15 التي هي القوة فكأنه قال: مما عملته قوانا أي
القوى التي أعطيناها الأشياء لا أن له -سبحانه- جسما تحله القوة أو
الضعف. ونحوه قولهم في القسم: لعمر الله إنما هو: وحياة الله، أي
والحياة التي آتانيها الله، لا أن القديم سبحانه محل
__________
1 في د، هـ، ز بعده: "إلى الله".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإن".
3 سقط هذا الحرف في ش.
4 سقط في د، هـ، ز.
5 سقط ما بين القوسين في ش.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يوجه".
7 كذا في ط، وفي ش: "ألا ترى".
8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
9 آية 49 سورة فصلت.
10 آية 24 سورة ص.
11 آية 71 سورة يس.
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أكثر العرف".
13 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "باليدين".
14 سقط في ش.
15 في ز، ط: "يد".
(3/251)
للحياة كسائر الحيوانات. ونسب العمل إلى
القدرة وإن كان في الحقيقة للقادر؛ لأن بالقدرة ما يتم له العمل كما
يقال: قطعه السيف وخرقه1 الرمح. فيضاف الفعل إليهما؛ لأنه إنما كان
بهما.
وقوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} 2 أي تكون مكنوفا برأفتي بك
وكلاءتي لك كما أن من يشاهده الناظر له، والكافل به3، أدنى إلى صلاح
أموره وانتظام أحواله ممن يبعد عمن يدبره ويلي أمره قال المولد:
شهدوا وغبنا عنهم فتحكموا ... فينا وليس كغائب من يشهد
وهو باب واسع.
وقوله: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} 4 إن شئت جعلت
اليمين هنا الجارحة، فيكون على "ما ذهبنا"5 إليه من المجاز والتشبيه،
أي حصلت السموات تحت قدرته حصول ما تحيط اليد به في يمين القابض عليه،
وذكرت اليمين هنا دون الشمال لأنها أقوى اليدين وهو من مواضع ذكر
الاشتمال والقوة. وإن شئت جعلت اليمين هنا القوة؛ كقوله6:
إذا ما رايةٌ رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين
أي بقوته وقدرته. ويجوز أن يكون أراد بيد عرابة: اليمنى7 على ما مضى.
وحدثنا أبو علي سنة إحدى وأربعين8، قال: في قول الله -جل اسمه:
{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ
__________
1 في هـ، ز: "خرقه"، وخزقه: طعنه.
2 آية 39 سورة طه.
3 آية 67 سورة الزمر.
4 سقط في د، هـ، ز.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مذهبنا".
6 أي الشماخ.
7 كذا في ش. ط، وفي د، هـ، ز: "اليمين".
8 أي بعد الثلاثمائة.
(3/252)
ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} 1 ثلاثة أقوال:
أحدها: باليمين2 التي هي خلاف الشمال. والآخر باليمين التي هي القوة.
والثالث "باليمين التي هي"3 قوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ
أَصْنَامَكُم} 4 فإن جعلت يمينه من5 قوله: {مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}
"هي الجارجة مجازا وتشبيها كانت الباء هنا ظرفا"6 أي مطويات في يمينه
وتحت يمينه. وإن جعلتها القوة لم تكن الباء ظرفا لكنها تكون حرفا معناه
الإلصاق والاستعانة به على التشبيه بما يستعان به كقولهم: ضرب بالسيف
وقطع بالسكين7، وحفر بالفأس. هذا هو المعنى8 الظاهر، وإن كان غيره
جائزا على التشبيه والسعة.
وقوله9 في الحديث: خلق الله آدم على صورته يحتمل10 الهاء فيه أن تكون
راجعة على اسم الله تعالى وأن تكون راجعة على آدم. فإذا كانت عائدة على
اسم الله تعالى كان معناه: على الصورة التي أنشأها الله وقدرها. فيكون
المصور حينئذ مضافا إلى الفاعل لأنه -سبحانه- هو المصدر لها لا أن له
-عز اسمه- صورة ومثالا11؛ كما أن قولهم: لعمر الله إنما معناه: والحياة
التي كانت بالله والتي آتانيها الله لا أن له -تعالى- حياة تحله ولا
أنه12 -عز وجهه- محل للآعراض. وإن جعلتها عائدة على آدم كان معناه: على
صورة آدم أي على
__________
1 آية 93 سورة الصافات.
2 سقط في د، هـ، ز.
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
4 آية 57 سورة الأنبياء.
5 كذا في ش، ز، ط، هـ، وفي د، هـ، ز، د: "في".
6 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بالسيف".
8 سقط في ش، ط.
9 كذا في ط، وفي ش، ز: "قولهم". وهذا الحديث رواه البخاري في كتاب "بدء
الخلق" ومسلم في "صفة الجنة".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "تحتمل".
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لا تمثالا".
12 كذا في د، هـ، ز، ط: وفي ش: "هو".
(3/253)
صورة أمثاله ممن هو مخلوق ومدبر1، فيكون
هذا2 حينئذ كقولك3 في السيد والرئيس: قد خدمته، خدمته أي الخدمة التي
تحق لأمثاله، وفي العبد والمبتذل: قد استخدمته استخدامه، أي استخدام
أمثاله ممن هو مأمور بالخفوف، والتصرف فيكون إذًا كقوله -عز وجل: {فِي
أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} 4 وكذلك نظائر هذا: هذه سبيله.
فأما قول5 من طغى به جهله، وغلبت عليه شقوته، حتى قال في قول الله
تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} 6: إنه7 أراد به عضو القديم، وإنها
جوهر كهذه الجواهر الشاغلة للأماكن8، وإنها ذات شعر، وكذا وكذا مما
تتايعوا9 "في شناعته"10 وركسوا11 في "غوايته"12 فأمر نحمد الله على أن
نزهنا عن الإلمام بحراه13. وإنما الساق هنا يراد بها شدة الأمر؛
كقولهم: قد قامت الحرب على ساق. ولسنا ندفع من ذلك أن الساق إذا
أريدت14 بها الشدة فإنما هي مشبهة بالساق هذه التي تعلق15 القدم، وأنه
إنما قيل ذلك لأن الساق هي الحاملة للجملة16، المنهضة لها. فذكرت هنا
لذلك تشبيها وتشنيعا17. فأما أن تكون للقديم -تعالى- جارحة: ساق أو
غيرها فنعوذ بالله من اعتقاده "أو الاجتياز"18 بطواره. وعليه بيت
الحماسة:
__________
1 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط.
2 سقط في ش، ط.
3 سقط في ش.
4 آية 8 سورة الانفطار.
5 سقط في ش، ط،.
6 آية 42 سورة القلم.
7 سقط في ش.
8 كذا في ش. وفي ز، هـ: "للحائز". وفي ط: "الحيائز" والحيائز جمع
الحيز.
9 في ز: "تتابعوا". والتتابع: التهافت والإسراع في الشر.
10 في د، هـ، ز: "له".
11 أي ردوا وقلبوا.
12 في د، هـ، ز: "شناعته".
13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بحواه".، وحرى الشيء: ناحيته.
14 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أريد".
15 كذا في ش، ط، وفي د، هـ: "تعلو".
16 كذا في ش، ط، وفي د، ز: "الجملة".
17 كذا في ش، وفي هـ، ز: "تشفيعا"، وفي د: "تشعفيا"، وسقط في ط.
18 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "والاختيار".
(3/254)
كشفت لهم عن ساقها ... وبدا من الشر
الصراح1
وأما قول ابن قيس2 في صفة الحرب والشدة فيها:
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خدام العقيلة العذراء
فإنه وجه آخر، وطريق من طرق الشدة غير ما تقدم. وإنما الغرض فيه أن
الروع قد بز العقيلة -وهي المرأة الكريمة- حياءها3، حتى ابدت عن ساقها،
للحيرة والهرب، كقول الآخر:
لما رايت نساءنا ... يفحصن بالمعزاء شدا
وبدت محاسنها التي ... تخفى وكان الأمر جدا4
__________
1 من قصيدة لسعد بن مالك جد طرفة بن العبد، وقوله: "كشفت" أي الحرب
المذكورة قيل، ويقول التبريزي في شرح الحماسة 2/ 76، "هذا مثل تضربه
العرب في كشف الساق، وذلك أن الرجل إذا أراد أن يمارس أمرا شمر ذيله،
فاستعمل ذلك في الأنيس، ثم نقل إلى الحرب وغيرها من خطوب الدهر التي
تعظم وتشتد، وقد قيل: الساق اسم للشدة، وفسر عليه قوله تعالى: {يَوْمَ
يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} ، فقيل المعنى: يوم يكشف عن شدة".
2 في ز: "القبس" وهو يريد: ابن قيس الرقيات، وقبله:
كيف نومي على الفراش ولما ... تشمل الشأم غارة شعواء
وكان في جيش ابن الزبير الذي يحارب عبد الملك بن مروان، وقد كان في
الشأم. والخدام جمع الخدمة، وهي الخلخال، وقوله: "عن خدام" أي عن
خدامها، ولذلك منعه التنوين. و"العقيلة" فاعل "تبدى"، وانظر الأغاني
"طبعة دار الكتب" 4/ 78، واللسان "خدم".
3 سقط في د، هـ، ز.
4 بين البيت الأول والثاني بيت تركه المؤلف، وهو:
وبدت لميس كأنها ... بدر السماء إذا تبدي
وسواب "لما" في قوله بعد:
نازلت كبشهم ولم ... أر من نزال الكبش بدا
والمعزاء: الأرض الصلبة: والشد: العدو، وكبش القوم: قائدهم.
وانظر الحماسة بشرح التبريزي 1/ 173 وما بعدها.
(3/255)
وقوله:
إذا أبرز الروع الكعاب فإنهم ... مصادٌ لمن يأوى إليهم ومعقل1
وهو باب. وضده ما أنشده أبو الحسن:
أرفعن أذيال الحقي واربعن ... مشى حيياتٍ كأن لم يفزعن
إن تمنع اليوم نساء تمنعن2
وأذكر يوما وقد خطر لي خاطر مما نحن بسبيله، فقلت: لو أقام إنسان على
خدمة هذا العلم ستين سنة حتى لايحظى3 منه إلا بهذا الموضع لما كان
مغبونا فيه ولا منتقص الحظ منه ولا السعادة به. وذلك قول الله -عز اسمه
{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ
هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} 4 ولن يخلو5 "أغفلنا" هنا من أن
يكون6 من باب أفعلت الشيء أي صادفته ووافقته كذلك؛ كقوله7:
وأهيج الخلصاء من ذات البرق
أي صادفها هائجة8 النبات9 "وقوله10:
فمضى وأخلف من قتيلة موعدا11
__________
1 الكعاب: التي نهد ثديها، والمصاد: أعلى الجبل، وجاء البيت في اللسان
"مصد".
2 انظر ص251 من الجزء الثاني.
3 في ز: "ما".
4 آية 28 سورة الكهف.
5 في ش: "تخلو".
6 في د، هـ، ز، ط بعده: معناه".
7 أى رؤبة، وهو من أرجوزته التي أولها:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
والحديث عن حار الوحش، والخلصاء: موضع، والبرق: جمع البرقة، وهي مكان
فيه حجارة ورمل. وانظر أراجيز البكري 26.
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط، ومهتاجة، وهيج التبت: يبسه.
9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "النبت".
10 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، وسقط قوله: "أي صادفة مخلفا" في ط.
11 هذا من مطلع قصيدة للأعشى. وصدره
أثوى وقصر ليله ليزودا
وأثوى يقرأ على الخبر من الإثواء بمعنى الإقامة، ويقرأ على الاستفهام
من الثواء، وانظر الصبح المنير 150، وتاج العروس في "ثوى".
(3/256)
أي صادفه محلفا"، وقوله1:
أصم دعاء عاذلتي تحجى ... بأخرنا وتنسى أولينا
أي صادف قوما صما وقول الآخر:
فأصممت عمرا وأعميته ... عن الجواد والمجد يوم الفخار2
أي صادفته أعمى. وحكى الكسائي: دخلت بلدة فأعمرتها، أي وجدتها عامرة
ودخلت بلدة فأخربتها أي وجدتها خرابا ونحو ذلك أو يكون ما قاله3 الخصم:
أن معنى أغفلنا قلبه: منعنا وصددنا، نعوذ بالله من ذلك. فلو كان الأمر
على ما ذهبوا إليه منه4 لوجب أن يكون العطف عليه بالفاء دون الواو، وأن
يقال: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتبع هواه. وذلك أنه كان يكون
على هذا الأول علة للثاني، والثاني مسببا5 عن الأول، ومطاوعا6 له؛
كقولك: أعطيته فأخذ وسألته فبذل، لما7 كان الأخذ مسببا عن العطية،
والبذل مسببا عن السؤال. وهذا من مواضع الفاء لا الواو؛ ألا "ترى8 أنك"
إنما تقول: جذبته فانجذب، ولا تقول: وانجذب إذا جعلت الثاني مسببًا عن
الأول. وتقول: كسرته فانكسر، واستخبرته فأخبر، كله بالفاء. فمجيء قوله
تعالى: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} بالواو ودليل على أن الثاني ليس مسببا عن
الأول على ما يعتقده المخالف. وإذا "لم يكن"9 عليه كان معنى أغفلنا
قلبه عن ذكرنا أي صادفناه غافلا؛ على ما مضى، وإذا صودف غافلا فقد غفل
لا محالة. فكأنه -والله أعلم: ولا تطع من غفل قلبه عن ذكرنا واتبع هواه
وكان أمره فرطا، أي لا تطع من فعل كذا، وفعل كذا. وإذا صح هذا الموضع
ثبت به لنا أصل شريف يعرفه من يعرفه. ولولا ما تعطيه العربية صاحبها من
قوة النفس، ودربة الفكر لكان هذا الموضع ونحوه مجوزا عليه غير مأبوه
له. وأنا أعجب من الشيخين أبوى10 علي رحمهما الله وقد دوخا هذا الأمر،
وجولاه11، وامتخضاه وسقياه، ولم يمرر واحد منهما ولا من غيرهما -فيما
علمته به12- على قربه وسهولة مأخذه. ولله قطرب! فإنه قد أحرز13 عندي
أجرا عظيما فيما صنفه من كتابه الصغير في الرد على الملحدين، وعليه عقد
أبو علي -رحمه الله- كتابة في تفسير القرآن. وإذا قرأته سقطت عنك
الشبهة في هذا الأمر بإذن الله وعونه.
__________
1 أي ابن أحمر. وقوله: "تحجي بآخرنا" أي تسبق إليهم باللوم، وقوله:
"بآخرنا" كذا في اللسان، وفي نسخ الخصائص: "لآخرنا" وانظر اللسان "صمم"
و"حجا".
2 أورده ابن قتيبة في المعاني الكبير 521 ولم يغزه.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يقول".
4 سقط في ش.
5 في ش: "مسيب".
6 في ش: "مطاوع".
7 في ز: "فلما".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تراك".
9 كذا في ز، ط، أي لم يكن الأمر على ما ذهبوا إليه، وفي ش: "تكن عليه".
10 كأنه يريد شيخه أبا علي الفارسي المتوفى سنة 370، وأبا علي محمد بن
عبد الوهاب الجبائي المتوفى سنة 303، وكانا معتزليين.
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حولاء".
12 سقط في ش.
13 كذا في ش، وفي ط: "أجر" وفي ز: "أجرى".
(3/257)
باب في تجاذب
المعاني والإعراب:
هذا موضع كان أبو علي -رحمه الله- يعتاده، ويلم كثيرا به، ويبعث على
المراجعة له، وإلطاف النظر فيه. وذلك أنك تجد في كثير من المنثور
والمنظوم الإعراب والمعنى متجاذبين: هذا يدعوك إلى أمر، وهذا يمنعك
منه. فمتى اعتورا كلاما1 ما أمسكت بعروة المعنى وارتحت لتصحيح الإعراب.
فمن ذلك قول الله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ
تُبْلَى السَّرَائِرُ} 2، فمعنى هذا: إنه على رجعه يوم تبلى السرائر
لقادر، فإن حملته في الإعراب على هذا كان
__________
1 سقط في ش.
2 آيتا 8، 9 من سورة الطارق.
(3/258)
خطأ؛ لفصلك بين الظرف الذي هو "يوم تبلى"،
وبين ما هو معلق به من المصدر الذي هو الرجع، والظرف من صلته، والفصل
بين الصلة والموصول الأجنبي أمر1 لا يجوز. فإذا كان المعنى مقتضيا له
والإعراب مانعا2 منه، احتلت له، بأن تضمر ناصبا يتناول الظرف، ويكون
المصدر الملفوظ به دالًا على ذلك الفعل حتى كأنه قال3 فيما بعد: يرجعه
يوم تبلى السرائر. ودل "رجعه" على "يرجعه" دلالة المصدر على فعله.
ونحوه4 قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ
اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى
الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} 5 فـ"إذ" هذه في المعنى متعلقة بنفس قوله:
لمقت الله، أي يقال لهم: لمقت الله إياكم وقت دعائكم إلى الإيمان
فكفركم، أكبر من مقتكم أنفسكم الآن؛ إلا أنك إن حملت الأمر على هذا كان
فيه الفصل بين الصلة التي هي إذ وبين الموصول الذي هو لمقت6 الله. فإذا
كان المعنى عليه ومنع جانب الإعراب منه أضمرت ناصبا يتناول الظرف ويدل
المصدر عليه، حتى كأنه قال بأخرة: مقتكنم إذ تدعون.
وإذا كان هذا ونحوه وقد جاء في القرآن فما أكثره وأوسعه في الشعر! فمن
ذلك ما أنشده أبو الحسن من قوله:
لسنا كمن حلت إيادٍ دارها ... تكريت ترقب حبها أن يحصدا7
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "مانع".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قيل".
4 سقط في ش.
5 آية 10 سورة غافر.
6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "مقت".
7 انظر ص404 من الجزء الثاني.
(3/259)
فـ"إيادٍ" بدل مِن "مَن"، وإذا كان كذلك لم
يمكنك أن تنصب "دارها" بـ "حلت" هذه الظاهرة؛ لما فيه من الفصل،
فحينئذ1 ما تضمر2 له فعلا يتناوله، فكأنه قال فيما بعد: حلت دارها.
وإذا جازت دلالة المصدر على فعله، والفعل على مصدره، كانت دلالة الفعل3
على الفعل الذي هو مثله، أدنى4 إلى الجواز وأقرب مأخذا في الاستعمال.
ومثله قول الكميت في ناقته:
كذلك تيك وكالناظرات ... صواحبها ما يرى المسحل5
أي وكالناظرات ما يرى المسحل صواحبها. فإن حملته على هذا كان فيه الفصل
المكروه. فإذا كان المعنى عليه، ومنع طريق الإعراب منه أضمر له ما
يتناوله، ودل "الناظرات" على ذلك المضمر. فكأنه قال فيما بعد: نظرن6 ما
يرى المسحل، ألا تراك لو قلت: كالضارب زيدٌ جعفرا وأنت تريد: كالضارب
جعفرا زيد لم يجز؛ كما أنك لو قلت: إنك على صومك لقادر شهر رمضان وأنت
تريد: إنك على صومك شهر رمضان لقادر لم يجز شيء من ذلك للفصل.
وما أكثر استعمال الناس لهذا الموضع في محاوراتهم وتصرف الأنحاء "في
كلامهم"7! وأحد من اجتاز به البحتري في قوله:
لا هناك الشغل الجديد بحزوى ... عن رسوم برامتين قفار8
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فيحسن".
2 كذا في ز، ط، وفي ش: "لها".
3 كذا في ش. ط، وفي د، هـ، ز: "الفاعل".
4 في ط: "أوفق".
5 المسحل: الحمار الوحشي، وسبق تفسيره بجانب اللحية، ويبدو أن الصواب
ما هنا.
6 كذا في د، هـ، ز، ط وفي ش: "نظرت".
7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "بكلامهم".
8 من قصيدته في مدح أبي جعفر بن حميد، وقبله:
أبكاء في الدار بعد الديار ... وسلوا بزينب عن نوار
(3/260)
فـ"عن" في المعنى متعلقة "بالشغل"1 أي لا
هناك الشغل عن هذه الأماكن؛ إلا أن الإعراب مانع منه، وإن كان المعنى
متقاضيا له. وذلك أن قوله "الجديد" صفة للشغل، والصفة إذا جرت على
الموصوف2 آذنت بتمامه، وانقضاء أجزائه. فإن ذهبت تعلق "عن" بنفس
"الشغل" على ظاهر المعنى، كان فيه الفصل بين الموصول وصلته، وهذا فاسد،
ألا تراك لو قلت: عجبت من ضربك الشديد عمرا لم يجز، لأنك وصفت المصدر
وقد بقيت منه بقية، فكان ذلك فصلا بين الموصول وصلته بصفته. وصحتها أن
تقول: عجبت من ضربك الشديد عمرا؛ لأنه مفعول الضرب وتنصب عمرا بدلا من
الشديد كقولك: مررت بالظريف عمروٍ، ونظرت إلى الكريم جعفر. فإن أردت أن
تصف المصدر بعد إعمالك إياه قلت: عجبت من ضربك الشديد عمرا الضعيف، أي
عجبت من أن ضربت هذا الشديد ضربا ضعيفا. هذا تفسير المعنى.
وهذا الموضع من هذا العلم كثير في الشعر القديم والمولد. فإذا3 اجتاز
بك شيء منه فقد عرفت طريق القول فيه، والرفق به إلى أن يأخذ4 مأخذه
بإذن الله تعالى. ومنه قول الحطيئة:
أزمعت يأسًا مبينا من نوالكم ... ولن ترى طاردا للحر كالياس5
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، وفي ش: "فيحسن".
2 كذا في ز، ط، وفي ش: "لها".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فإن".
4 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "تأخذ".
5 من قصيدة له في هجو بني بهدلة بن عوف رهط الزبرقان. وقبله:
لما بدالى منكم غيب أنفسكم ... ولم يكن لجراحى فيكم آس
وانظر الكامل للمبرد في الباب 39 ص341 من طبعة أوروبا، وص157 ج5 من
رغبة الآمل.
(3/261)
أي يأسًا من نوالكم مبينا. فلا يجوز أن
يكون قوله: "من نوالكم" متعلقا بيأس وقد وصفه1 بمبين، وإن كان المعنى
يقتضيه؛ لأن الإعراب مانع منه. لكن تضمر له حتى كأنك قلت: يئست من
نوالكم.
ومن تجاذب الإعراب والمعنى ما جرى من المصادر وصفا؛ نحو قولك: هذا رجل
دنف، وقوم رضا ورجل عدل. فإن وصفته بالصفة الصريحة قلت: رجل دنف، وقوم
مرضيون، ورجل عادل. هذا هو الأصل. وإنما انصرفت العرب عنه في بعض
الأحوال إلى أن وصفت بالمصدر لأمرين: أحدهما صناعي، والآخر معنوي. أما
الصناعي فليزيدك أنسا بشبه المصدر للصفة التي أوقعته موقعها، كما أوقعت
الصفة موقع المصدر، في نحو2 قولك3: أقائمًا والناس قعود "أي تقوم قياما
والناس قعود"4 ونحو ذلك.
وأما المعنوي فلأنه إذا وصف بالمصدر صار الموصوف كأنه في الحقيقة مخلوق
من ذلك الفعل. وذلك لكثرة تعاطيه له واعتياده5 إياه. ويدل على أن هذا
معنى لهم، ومتصور في نفوسهم6 قوله "فيما أنشدناه"7:
ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل ... وضنت علينا والضنين من البخل8
أي كأنه مخلوق من البخل لكثرة ما يأتي به9 منه. ومنه10 قول الآخر:
وهن من الإخلاف والولعان11
وقوله:
وهن من الإخلاف بعدك والمطل12
وأصل هذا الباب عندي قول الله -عز وجل: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ
عَجَلٍ} 13. وقد ذكرنا هذا الفصل فيما مضى. فقولك إذًا: هذا رجل دنف
"بكسر النون"14 أقوى إعرابا؛ لأنه هو الصفة المحضة غير المتجوزة15.
وقولك: رجل دنف أقوى معنى؛ لما ذكرناه: من كونه كأنه مخلوق من ذلك
الفعل. وهذا معنى لا تجده، ولا تتمكن منه مع الصفة الصريحة. فهذا16 وجه
تجاذب الإعراب والمعنى؛ فاعرفه وأمض الحكم فيه على أي الأمرين شئت.
__________
1 كذا في د، هـ، ز: "وفي ش، ط: "وصفته".
2 سقط هذا الحرف في ش، ط.
3 في ز، ط: "قولهم".
4 سقط ما بين القوسين في ش.
5 في ش: "اعتداده".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أنفسهم".
7 سقط ما بين القوسين في ش.
8 انظر ص204 من الجزء الثاني.
9 سقط في ش، ط.
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مثله".
11 انظر ص205 من الجزء الثاني.
12 انظر ص205 من الجزء الثاني.
13 آية 37 سورة الأنبياء.
14 سقط ما بين القوسين في ش.
15 كذا في ش، وفي ز، ط: "المتجردة".
16 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
(3/262)
باب في التفسير على
المعنى دون اللفظ:
اعلم أن هذا موضع قد أتعب كثيرًا من الناس واستهواهم، ودعاهم من سوء
الرأي وفساد الاعتقاد إلى ما مذلوا به وتتابعوا1 فيه؛ حتى إن أكثر2 ما
ترى3 من هذه الآراء المختلفة، والأقوال المستشنعة4، إنما دعا إليها
القائلين بها تعلقهم بظواهر هذه الأماكن، دون أن يبحثوا عن سر معانيها،
ومعاقد5 أغراضها.
فمن ذلك قول سيبويه في بعض ألفاظه: حتى الناصبة6 للفعل، يعني7 في8 نحو
قولنا: اتق الله حتى يدخلك الجنة. فإذا سمع هذا من يضعف9 نظره اعتدها
في جملة
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تتابعوا".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كثيرا".
3 في ط: "يرى".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المستشعة".
5 في ز: "معاقبل".
6 في ز: "الناصب". وانظر الكتاب 413/ 1 وص 206 من الجزء الثاني من
الخصائص.
7 سقط في ش، ط.
8 سقط هذا الحرف في ط.
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ضعف".
(3/263)
الحروف الناصبة للفعل، وإنما النصب بعدها
بأن مضمرة. وإنما جاز أن يتسمح بذلك من حيث كان الفعل بعدها منصوبا
بحرف لا يذكر معها؛ فصارت1 في اللفظ كالخلف له، والعوض منه، وإنما هي
في الحقيقة جارة لا ناصبة.
ومنه قوله أيضًا في قول الشاعر:
أنا اقتسمنا خطيتنا بيننا ... فحملت برة واحتملت فجار2
إن فجار معدولة عن الفجرة. وإنما غرضه أنها معدولة عن فجرة "معرفة
علما"3 على ذا يدل هذا الموضع من الكتاب. ويقويه ورود برة معه في البيت
وهي -كما ترى- علم. لكنه فسره4 على المعنى دون اللفظ. وسوغه ذلك أنه
لما أراد تعريف الكلمة المعدول5 عنها مثل ذلك "بما6 تعرف" باللام؛ لأنه
لفظ معتاد، وترك لفظ فجرة، لأنه لا يعتاد ذلك علما، وإنما يعتاد نكرة
وجنسا7 نحو فجرت فجرة كقولك8: تجرت تجرة؛ ولو عدلت برة هذه على هذا
الحد لوجب أن يقال9 فيها10: برار كفجار.
ومنه قولهم: أهلك والليل، فإذا فسروه11 قالوا: أراد12: الحق أهلك قبل
الليل.
وهذا -لعمري- تفسير المعنى لا تقدير الإعراب؛ فإنه على: الحق أهلك
وسابق الليل.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وصارت".
2 انظر ص200 من الجزء الثاني.
3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "علما معرفة".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فسر".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المعدولة".
6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فإنما يعرف".
7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "من جنسها".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "نحو قولك".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تقول".
10 سقط في ش.
11 في ز، ط: "قدروه".
12 سقط في ش.
(3/264)
ومنه ما حكاه الفراء من قولهم: معي عشرة
فاحدهن1، أي اجعلهن أحد عشر. وهذا تفسير المعنى، أي أتبعهن ما يليهن
وهو2 من حدوث الشيء إذا جئت بعده. وأما اللفظ فإنه من "وح د"؛ لأن أصل
أحد وحد؛ ألا ترى إلى قول النابغة:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد3
أي منفرد، وكذلك الواحد إنما هو منفرد. وقلب هذه الواو المفتوحة
المنفردة4 شاذ ومذكور في التصريف. وقال لي5 أبو علي -رحمه الله- بحلب
سنة ست وأربعين: إن الهمزة في قولهم: ما بها أحد ونحو ذلك مما أحد فيه
للعموم ليست بدلا من واو؛ بل هي أصل في موضعها. قال: وذلك أنه6 ليس من
معنى7 أحد في قولنا8: أحد عشر، وأحد وعشرون. قال: لأن الغرض في9 هذه
الانفراد، والذي هو نصف الاثنين، قال: وأما أحد في نحو قولنا: ما بها
أحد وديار، فإنما10 هي للإحاطة11 والعموم. "والمعنيان"12 -كما ترى-
مختلفان. وهكذا قال؛ وهو الظاهر.
__________
1 انظر ص80 من الجزء الثاني.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهو".
3 سقط الشعر الأول في ش، وفيها: "يوم الجليل" في مكان "بذي الجليل".
وذو الجليل موضع قرب مكة، وهو بفتح الجيم كما في ياقوت، وضبطه البغدادي
بضم الجيم، والمستأنس الوحد: الثور الوحشي المنفرد، يشبه ناقته به،
وانظر الخزانة في الشاهد التاسع والثمانين بعد المائة.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المفردة".
5 سقط في د، هـ، ط.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لأنه".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "معنى قولنا".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "نحو".
9 في د: "من".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لذا".
11 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الإحاطة".
12 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فالمعنيان".
(3/265)
ومنه قول المفسرين في قول الله تعالى:
{مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ} 1 أي مع الله ليس أن "إلى" في اللغة
بمعنى مع، ألا تراك لا تقول: سرت إلى زيد، وأنت تريد: سرت2 مع زيد، هذا
لا يعرف في كلامهم. وإنما جاز هذا التفسير في هذا الموضع؛ لأن النبي
إذا كان له أنصار فقد3 انضموا في نصرته إلى الله، فكأنه قال: من أنصاري
منضمين إلى الله، كما تقول: زيد إلى خير، وإلى دعة وستر، أي آوٍ إلى
هذه الأشياء ومنضم إليها. فإذا انضم إلى الله فهو معه لا محالة. فعلى
هذا فسر المفسرون هذا الموضع.
ومن ذلك قول الله -عز وجل: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ
امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} 4 قالوا معناه: قد امتلأت،
وهذا أيضًا تفسير على المعنى دون اللفظ، و"هل" مبقاة على استفهامها.
وذلك كقولك للرجل لا تشك5 في ضعفه عن الأمر: هل ضعفت عنه، وللإنسان
"يحب6 الحياة" هل تحب7 الحياة، أي فكما8 تحبها فليكن حفظك نفسك لها،
وكما ضعفت عن هذا الأمر فلا تتعرض لمثله مما تضعف عنه. وكأن الاستفهام
إنما9 دخل هذا الموضع ليتبع10 الجواب عنه بأن يقال: نعم "فإن كان
كذلك"11 فيحتج عليه باعترافه به12، فيجعل13 ذلك طريقا إلى وعظه أو
تبكيته.
__________
1 آية 14 سورة الصف.
2 سقط في د، هـ، ز.
3 سقط في د، هـ، ز.
4 آية 3 سورة ق.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "يشك".
6 سقط في ز.
7 في د، هـ، ز: "يجب".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "وكما".
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لما".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لتتبع".
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "قد كان كذا".
12 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "له".
13 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "فجعل".
(3/266)
ولو لم يعترف في ظاهر الأمر به لم يقو
توقيفه1 عليه، وتحذيرة من مثله، قوته إذا اعترف به؛ لأن الاحتجاج على
المعترف أقوى منه على المنكر أو المتوقف؛ فكذلك قوله سبحانه: هل
امتلأت، فكأنها قالت: لا، فقيل لها: بالغي2 في إحراق المنكر "كان3 لك"
فيكون هذا خطابا في اللفظ لجهنم، وفي المعنى للكفار. "وكذلك"4 جواب هذا
من قولها: هل من مزيد، أي أتعلم يا ربنا أن عندي مزيدا؟. فجواب هذا منه
-عز اسمه- لا5، أي فكما تعلم أن لامزيد فحسبي ما عندي. فعليه قالوا في
تفسيره: قد امتلأت، فتقول6: ما من مزيد. فاعرف هذا ونحوه. وبالله
التوفيق.
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "تقريعه به".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "فبالغي".
3 كذا في ز، وفي ش: "لذلك". و"كان" زائدة.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "فكذلك".
5 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
6 سقط في ش.
(3/267)
باب في قوة اللفظ
لقوة المعنى:
هذا فصل من العربية حسن. منه قولهم: خشن واخشوشن. فمعنى خشن دون معنى
اخشوشن؛ لما فيه من تكرير العين وزيادة الواو. ومنه قول عمر رضي الله
عنه: اخشوشنوا وتمعددوا: أي اصلبوا وتناهوا في الخشنة1. وكذلك قولهم:
أعشب المكان، فإذا أرادوا كثرة العشب فيه قالوا: اعشوشب. ومثله حلا
واحلولي، وخلق2 واخلولق، وغدن3 واغدودن. ومثله باب فعل وافتعل، نحو قدر
واقتدر. فاقتدر أقوى معنى من قولهم4: قدر. كذلك قال أبو العباس وهو محض
القياس، قال الله سبحانه: {أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} 5؛ فمقتدر هنا
أوفق من قادر؛ من حيث كان الموضع لتفخيم الأمر وشدة الأخذ. وعليه
-عندي- قول الله -عز وجل: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اكْتَسَبَتْ} 6 وتأويل ذلك أن كسب الحسنة بالإضافة إلى اكتساب السيئة
أمر يسير ومستصغر. وذلك لقوله -عز اسمه: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ
فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى
إِلاَّ مِثْلَهَا} 7؛ أفلا ترى أن الحسنة تصغر بإضافتها إلى جزائها8،
صغر9 الواحد إلى العشرة ولما كان جزاء السيئة إنما هو بمثلها10، لم
تحتقر11 إلى الجزاء عنها12، فعلم بذلك قوة فعل السيئة على فعل الحسنة؛
ولذلك قال -تبارك وتعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ
وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا
لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} 13 فإذا كان فعل السيئة14 ذاهبا بصاحبه إلى هذه
الغاية البعيدة المترامية، عظم قدرها، وفخم لفظ العبارة عنها، فقيل:
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. فزيد في لفظ فعل السيئة، وانتقص من لفظ
فعل الحسنة؛ لما ذكرنا. ومثله سواءً بيت الكتاب:
أنا اقتسمنا خطتينا بيننا ... فحملت برة واحتملت فجار15
__________
1 الخشنة مصدر خشن، كالحشرنة.
2 خلق: كان خليقا وجديرا. ويقال: اخلولق السحاب: استوى وصار خليقا
للمطر.
3 الغدن: اللين.
4 سقط في ط.
5 آية 42 سورة القمر.
6 آية 286 سورة البقرة، وهي ختامها.
7 آية 16 سورة الأنعام، والآية هنا على ما في د، هـ، ز، وفي ش، ط:
{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} والتلاوة في الآية 84 سورة القصص: {مَنْ
جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ} الآية.
8 في ش: "أجزائها".
9 كذا في ط. وفي ز، ش: "ضعف".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مثلها".
11 كذا في ط، وفي ز: "يحتقر". وفي ش: "نفتقر".
12 في ز: "عليها".
13 آيتا 90، 91 سورة مريم.
14 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "السيئات".
15 تقدم هذا البيت في ص20 من الجزء الثاني، ص264 من هذا الجزء.
(3/268)
فعبر عن البر بالحمل، وعن الفجرة
بالاحتمال. وهذا1 هو ما قلناه في قوله -عز اسمه: {لَهَا مَا كَسَبَتْ
وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} ، لا فرق بينهما. وذاكرت بهذا الموضع بعض
أشياخنا من المتكلمين فسر به، وحسن في نفسه.
ومن ذلك أيضًا2 قولهم: رجل جميل، ووضئ، فإذا أرادوا المبالغة في ذلك
قالوا: وضاء، وجمال، فزادوا في اللفظ3 "هذه الزيادة"4 لزيادة معناه؛
قال:
والمرء يلحقه بفتيان الندى ... خلق الكريم وليس بالوضاء5
وقال:
تمشى بجهم حسن ملاح ... أجم حتى هم بالصياح6
وقال:
منه صفيحة وجه غير جمال
وكذلك حسن وحسان، قال7:
دار الفتاة التي كنا تقول لها ... يا ظبية عطلا حسانة الجيد
وكأن أصل هذا إنما هو لتضعيف العين في نحو المثال؛ نحو8 قطع وكسر
وبابهما.
وإنما جعلنا هذا هو الأصل لأنه9 مطرد في بابه أشد من اطراد باب الصفة.
وذلك نحو قولك: قطع وقطّع، وقام الفرس10 وقومت الخيل، ومات البعير
وموتت الإبل؛ ولأن العين قد تضعف في الاسم الذي ليس بوصف، نحو قبر11
وتمر12 وحمر13.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهذا".
2 سقط في ش، ط.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لفظه".
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط.
5 نسبة في اللسان "وضأ" إلى أبي صدقة الدبيري. وانظر المخصص 15/ 89.
6 يعني بالجهم فرجها، فالحديث عن امرأة. وورد البيت في اللسان "ملح".
7 أي الشماخ وهو من قصيدة في ديوانه يهجو فيها الربيع بن علباء. والعطل
التي لا حلى عليها. يعني امرأة.
8 كذا في د، هـ، ز. وفي ط: "نفس". وسقط هذا في ش.
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز:"إنما هو".
10 يقال: قامت الدابة إذا وقفت وقوله: "قومت الخيل" فالظاهر أن الخيل
فاعل، وأن صيغة التفعيل لكثرة الفاعل.
11 هو من الطيور، واحدته قبره.
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ممر". والتمر جمع التمرة، وهو طائر
أصغر من العصفور.
13 هو أيضا طائر: واحدته حمرة.
(3/269)
فعدل ذلك على سعة زيادة العين. فأما قولهم:
خطاف وإن كان اسمًا فإنه لاحق بالصفة في إفادة معنى الكثرة؛ ألا تراه
موضوعا لكثرة الاختطاف به. وكذلك سكين1، إنما هو موضوع2 لكثرة تسكين
الذابح3 به4. وكذلك البزار5 والعطار والقصار6 ونحو ذلك؛ إنما هي7 لكثرة
تعاطي هذه الأشياء وإن لم تكن مأخوذة من الفعل. وكذلك النساف لهذا
الطائر، كأنه قيل له ذلك؛ لكثرة نسفه بجناحيه8. وكذلك الخضارى للطائر
أيضًا؛ كأنه قيل له ذلك لكثرة9 خضرته، والحوارى10 لقوة حوره وهو بياضه.
وكذلك الزمل11 والزميل والزمال، إنما كررت عينه لقوة حاجته إلى أن يكون
تابعا وزميلا. وهو باب منقاد.
ونحو من تكثير اللفظ لتكثير المعنى العدول عن معتاد حاله. وذلك فعال في
معنى فعيل، نحو طوال، فهو أبلغ "معنى من"12 طويل، وعراض؛ فإنه أبلغ
معنى من عريض. وكذلك خفاف من خفيف، وقلال من قليل، وسراع من سريع.
ففعال -لعمري- وإن كانت أخت فعيل في باب الصفة فإن فعيلا أخص بالباب من
فعال، ألا تراه أشد انقيادًا منه، تقول: جميل ولا تقول: جمال، وبطىء،
ولا تقول: بطاء وشديد ولا تقول13: شداد "ولحم14 غريض
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "السكين".
2 سقط في ش.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "الذباح".
4 سقط في ز.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "البزاز".
6 كذا في ش، وفي ز، ط: "القصاب".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ط: "هو".
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بجناحه".
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لقوة".
10 هو الدقيق الأبيض.
11 هو الجبان الضعيف.
12 كذا في ز، ط، وفي ش: "من معنى".
13 في ط: "يقال".
14 كذا في ط وفي د، هـ، ز: "ولحم عريض ولا تقول عراض" وسقط ما بين
القوسين في ش.
(3/270)
ولا يقال غراض". فلما كانت فعيل هي1 الباب
المطرد وأريدت المبالغة، عدلت إلى فعال. فضارعت فعال بذلك فعالا.
والمعنى الجامع بينهما2 خروج كل واحد منهما3 عن أصله أما فعال
فبالزيادة وأما فعال فبالانحراف به عن فعيل.
وبعد فإذا كانت الألفاظ أدلة4 المعاني5، ثم زيد فيها شيء، أوجبت القسمة
له6 زيادة7 المعنى به. وكذلك إن انحرف به عن سمته وهديته8 كان ذلك
دليلًا على حادث متجدد له. وأكثر ذلك أن يكون ما حدث9 له زائدًا فيه،
لا منتقصًا منه؛ ألا ترى أن كل واحد من مثالي التحقير والتكسير
عارضان10 للواحد، إلا أن أقوى التغييرين هو ما عرض لمثال التكسير. وذلك
أنه أمر عرض للإخراج11 عن الواحد والزيادة في العدة، فكان أقوى من
التحقير؛ لأنه مبقٍّ للواحد على إفراده12. ولذلك لم يعتد13 التحقير
سببًا مانعًا من الصرف، كما اعتد التكسير مانعًا منه ألا تراك تصرف
دريهما ودنينيرا، ولا تصرف دراهم ولا دنانير؛ لما ذكرنا من هنا حمل
سيبويه مثال التحقير على مثال التكسير، فقال تقول: سريحين، لقولك:
سراحين، وضبيعين، لقولك: ضباعين: وتقول سكيران: لأنك لا تقول:
سكارين. هذا معنى قوله وإن لم يحضرنا14 الآن حقيقة15 لفظه. وسألت أبا
علي عن رد سيبويه16 مثال التحقير إلى مثال التكسير فأجاب بما17 أثبتنا
آنفًا. فاعرف ذلك إلى ما تقدمه.
__________
1 كذلك في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "في".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لهما".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من".
4 في د، هـ، ز: "دلت".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "للمعاني".
6 سقط في د، هـ، ز.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لزيادة".
8 سقط في ط، والهداية، والطريقة والسيرة.
9 في د: "به".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عارضا" وقد يكون: "عارض" وهو الأولى في
الحبر عن "كل".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الإخراج.
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "انفراده".
13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعتدد".
14 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "يحضره".
15 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "شبيه". وانظر الكتاب 2/ 108 وما بعدها.
16 سقط في ش.
17 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز، "لما".
(3/271)
|